بعض الآيات والأحاديث إذا ذكر فيها عدد معيَّن توجَّه بأن هذا العدد لا مفهوم له -وإن كان هذا ليس على إطلاقه-، فلو جاءنا من يقول: إنه يستغفر للمشرك واحدًا وسبعين مرة؛ لأنه المفهوم من قول الله جل جلاله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [التوبة: 80] فيقال له: العدد هنا لا مفهوم له؛ لأن مفهوم العدد وغيره من المفاهيم تُلغى إذا عورضت بمنطوقات أقوى منها، فمفهوم الاستغفار للكافر أكثر من سبعين مرة معارَض بنص منطوق؛ لأنه الاستغفار طلب المغفرة، والله جل جلاله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، أي: ولو استُغفر له ملايين المرات؛ فبطلت دلالة مفهوم العدد.
ومن هذا الباب أيضًا حديث: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» [أبو داود (63)، والترمذي (68)، والنسائي (52)، وابن ماجه (517)] بمعنى: أنه يدفع الخبث عن نفسه، ومفهوم الموافقة: إذا بلغ ثلاث قلال أو أربع قلال، فإنه لا يحمل الخبث، بمعنى أنه يدفعه من باب أولى، ومفهوم المخالفة: إذا كان قلة واحدة أو دون القلتين فإنه يعجز عن حمل الخبث، فيتنجس، لكن هذا المفهوم معارض بمنطوق حديث: «الماء طهور لا ينجسه شيء» [أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي (326)] مع الاستثناء: «إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه» [ابن ماجه (521)، والدارقطني (46، 47)، والطبراني في الكبير (7503)]، مع ما قيل فيه من ضعف، لكن الحكم متفق عليه.
والعدد معتبر كالأعداد في الحدود لا يمكن أن يزاد فيها أو ينقص، لكن إذا عورض مفهوم هذا العدد بمنطوقٍ أقوى منه، عرفنا أنه لا مفهوم له، أو وجد من أجل التوفيق بين النصوص.
كما يُلغى مفهوم العدد عند الجمع بين النصوص، فمثلًا: جاء في صلاة الفذ، قال صلى الله عليه وسلم: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين» [البخاري (646)] وفي رواية حديث ابن عمر: «بسبع وعشرين» [البخاري (645)، ومسلم (650)]، قالوا: «والحديث لا مفهوم له، إنما يراد بذلك الترغيب في صلاة الجماعة»، مع أنه حمل على أوجه صحيحة، فيقال: السبع والعشرون لمن صلى في المسجد، والخمس والعشرون لمن صلى في غيره، أو السبع والعشرون لمدرك الصلاة من أولها، والخمس والعشرون لمدرك بعضها، أو السبع والعشرون للبعيد عن المسجد، والخمس والعشرون للقريب، في أقوال كثيرة لأهل العلم.