في قول الله -جل وعلا-: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} [الشورى: 18]، هذا الإشفاق وهذا الخوف وهذا الوجل من قيام الساعة أو من الموت عمومًا بالنسبة للمسلم؛ لأنه على خوف ووجل من العاقبة والخاتمة، فهو بسبب عدم علمه واطِّلاعه على ما يُختم له به، ومن إرادته المزيد من طاعة الله وما يُقرِّب إليه، هذا هو السبب.
لكن إذا مات الإنسان أو قامت الساعة انكشف الغطاء، وعَرَف مصيره، فهو يقول: «قدموني قدموني»، فقبل أن يعرف مصيره تجده خائفًا وجلًا، وهذه حال المسلم أن تكون حياته بين الخوف والرجاء، وفي حال الصحة يؤثِر الخوف؛ ليزداد من العمل، بخلاف حال المرض فيرجِّح الرجاء؛ ليحب لقاء الله -جل وعلا-، فيحب الله لقاءه.
فأما في حال الموافاة والمعاينة ومعرفة المصير فإنه حينئذٍ يقول ما جاء في الحديث: «قدموني قدموني»، يقول الطبري إمام المفسرين في تفسيره: ({يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا} يقول: يستعجلك يا محمد بمجيئها الذين لا يوقنون بمجيئها؛ ظنًّا منهم أنها غير جائية -أي: غير آتية، هم مكذبون بها، يقولون: إن كان عندك شيء فهاتِه، لماذا؟ لأنهم لا يصدقون بها، بل هم مكذبون بها-، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} يقول: والذين صدقوا بمجيئها ووعد الله إيَّاهم الحشر فيها {مُشْفِقُونَ مِنْهَا} يقول: وجلون من مجيئها خائفون من قيامها؛ لأنهم لا يدرون ما الله فاعلٌ بهم فيها، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} يقول: ويوقنون أن مجيئها الحق اليقين لا يمترون في مجيئها).
وفي تفسير ابن كثير -رحمه الله-: (أي: يقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، وإنما يقولون ذلك تكذيبًا واستبعادًا وكفرًا وعنادًا، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} أي: خائفون وجلون من وقوعها، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أي: كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها عاملون من أجلها)، والله أعلم.