شرح الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (6)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال -يعني في مرضه-: ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) يصلي لهم إمامًا، يأتمون به وإلا فصلاته له بهم "فقالت عائشة: إن أبا بكر -يا رسول الله- إذا قام في مقامك لم يسمع الناس" في رواية: "رقيق" يعني رقيق القلب، وفي رواية: "أسيف" يعني شديد الحزن "لم يسمع الناس من البكاء، فمُر عمر فليصل للناس" نعم هذا الكلام صحيح، أبو بكر رجل رقيق القلب، لكن هل هذا مما يمدح به ويستحق به التقديم في الإمامة أو هذا يقال: لا غيره أولى منه؟ الرجل الذي ليس برقيق القلب أولى منه؟ هذا مما يستحق به التقديم، هذا مما يستحق به أبا بكر التقديم وفي حكمه غيره، إذا وجد شخص يتأثر بالقراءة ويؤثر بالناس هو أولى منه، أولى من يؤم الناس، وهل معنى هذا أن عمر -رضي الله عنه- قاسي القلب؟ لا، عمر -رضي الله عنه- إذا قام في مصلاه له أزيز، لا يكاد يسمع الناس من البكاء، هذا الرجل الجلد القوي الأمين إذا وقف بين يدي خالقه -جل وعلا- تغير وضعه.
"فمر عمر فليصل للناس" وهي في البخاري كلها: "فليصلِّ" بدون ياء؛ لأن اللام لام الأمر تجزم المضارع، "فليصل للناس، قال: ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) تأكيد ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) قالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له" يعني كأنها رأت أن قولها لا يقبل في أبيها "قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، ففعلت حفصة" قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما قالت لها عائشة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) يعني كصواحب يوسف، مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن، يعني عائشة لما قالت هذا الكلام هل العلة الحقيقية في كلامها كون أبيها أسيف لا يسمع الناس من البكاء، أو لأنها ترى أنه إذا قام مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يتشاءم الناس به، هذا موجود عند الناس، إذا عزل شخص كفؤ من منصبه وعين مكانه بدله ممن لا يقاربه ولا يدانيه لا شك أنه يكون محل تشاؤم من الناس، محل يعني ازدراء، فأبدت عائشة -رضي الله عنها- هذه العلة وأظهرت غيرها، فشبه النبي -عليه الصلاة والسلام- بصواحب يوسف، وجه المشابهة ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) المخاطب به حفصة، وتدخل فيه عائشة؛ لأنها قالت ذلك قبل ذلك، وجه المشابهة كما قال ابن حجر: أن زليخة استدعت النسوة، وأظهرت لهؤلاء النسوة الإكرام للضيافة، ومرادها أن ينظرن إلى يوسف فيعذرنها، وعائشة أظهرت أن السبب كون أبيها رقيقًا، ومرادها أن لا يتشاءم به الناس فأظهرت خلاف ما تبطن، نظير ما فعلته امرأة العزيز، قال: ((صواحب)) ما قال: صاحبة يوسف ((لأنتن صواحب يوسف)) وهذا من التشبيه البليغ، حذفت فيه الأداة فكأن المشبه عين المشبه به.
((مروا أبا بكر فليصل للناس)) فقالت حفصة لعائشة: "ما كنت لأصيب منك خيرًا" هذا يحتمل في حال الغضب وإلا أصابت منها خيرًا كثيرًا، وإن كانت ضرتها، لكن في حال الغضب وفي مثل هذه المواقف يتجوز في مثل هذه العبارة، والنساء عمومًا هذا الأسلوب مطروق عندهن، كثير من النساء ما رأيتُ خيرًا قط، ومع الأسف أنه يوجد كثير في الرجال، وقد يكون في مواجهة مخلوق، وقد يكون أعظم من ذلك في مواجهة الخالق، قد يتبرم الإنسان من القدر، ويبدي للناس أنه ما أصاب خيرًا، وهو يشكو بذلك ربه -جل وعلا-.
على كل حال على الإنسان أن يشكر النعمة التي هو فيها؛ لأنه ما من نقمة إلا ويوجد عند غيره ما هو أعظم منها، يعني لو نظرت إلى أبأس الناس في الوجود، من تراكمت عليه الديون، وغزته الأمراض، لا بد أن تجد في بعض الجوانب من حياته من هو أسوأ منه في هذا الجانب، وإن كان أسوأ من غيره في بعض الجوانب، فإذا نظر الإنسان إلى الجوانب المشرقة في حياته شكر الله على ذلك، والشكر لازم للعبد، وإن كان يعيش حياةً دون غيره، ومبتلىً بأمراض لا توجد عند غيره؛ لأن هذا الشكر في مقابل نعم لا تعد ولا تحصى، يعني إن ابتلي الإنسان بنقم معدودة فالله -جل وعلا- أسبغ عليه من النعم ما لا يعده ولا يحصيه.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار -بن عدي بن نوفل القرشي من كبار التابعين، وعده بعضهم في الصحابة- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس" هذا مرسل، هل يختلف في تسميته مرسل؟ ولماذا؟
طالب:......
لا، اترك كونه من الصحابة، يعني على أنه تابعي وهذا قول الأكثر، يختلف في كونه مرسلًا؟ هذا مرفوع تابعي، وتابعي كبير؛ لأن من أهل العلم من لا يرى مراسيل صغار التابعين مراسيل، لا يدخلها في حد المرسل.
مرفوع تابع على المشهورِ |
| فمرسلٌ أو قيده بالكبيرِ |
فما يرفعه التابعي الكبير مرسل اتفاقًا، متفق على تسميته مرسلًا، ويختلفون فيما عدا ذلك من مراسيل الصغار، وما يكون فيه سقطٌ في إسناده -في أثنائه- بعضهم يسميه مرسلًا.
أو سقط راوٍ ذو أقوالِ |
| والأول الأكثر في استعمالِ |
أنه قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أصلها بَيْنَا، وأشبعت النون، وأضيفت إليها الميم بينما، وقد يقال: بينا، بدون ميم "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس" بين ظهراني الناس يعني هم محيطون به "إذ جاءه رجل -هو عتبان بن مالك- فسارّه -ناجاه بكلام- فلم يدر ما ساره به -لأنه لم يجهر به- حتى جهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بقوله: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟... أليس يصلي؟)) لما جهر النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف ما ساره به "فإذا هو يستأذنه في قتل رجلٍ من المنافقين" يقول ابن عبد البر والباجي هو: مالك بن الدغشم، يجعلون مثل هذه القضية هي لما دعا عتبان بن مالك النبي -عليه الصلاة والسلام- ليصلي له في مكان -في موضع- من بيته، وحصل كلام عن مالك بن الدغشم، لكن ليس في سياق القصة ما يدل على أنها هي تلك القصة، يقول ابن حجر: وليس فيه دليلٌ على ما ادعاه من أن الذي سار هو عتبان، ولم يختلف في شهود مالك بن الدغشم بدرًا، بدريّ فكيف يقال: إنه من المنافقين؟
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جهر: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟)) فقال الرجل: ((بلى))" قد يكون وصفه بالنفاق على حدِّ زعم من ساره، يعني توقع أنه منافق؛ لأن ميله وهواه كما قالوا في قصة عتبان ووجهه إلى المنافقين، فحكموا عليه بالنفاق من خلال هذا الميل، لكن مثل هذا لا يكفي إلى أن يحكم عليه وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ويصلي مع الناس، ويقول: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه "فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له" تصور أنه يقولها في الظاهر من غير اعتقاد، ويستدل بذلك يستدل على ذلك بفعله؛ لأن ميله إلى المنافقين "بلى، ولا شهادة له، فقال: ((أليس يصلي؟)) قال: بلى، ولا صلاة له" لأنه ارتكب أمرًا عظيمًا محبطًا للعمل على حد توهمه "فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أولئك الذين نهاني الله عنهم)) لأنه نهي عن قتل المصلين، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهي عن قتل المصلين، وكلِّم مرارًا في قتل المنافقين المعلوم نفاقهم فامتنع -عليه الصلاة والسلام-، معللًا بأن لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.
ما موقف الأعرابي البعيد عن مخالطة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بلغه أنه قتل أناسًا يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويصلون معه ولو كانوا لا يعتقدون ذلك، في هذا صدّ عن دين الله، فإذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، قال: لا، ندخل في دينٍ يقتل أصحابه! فيكون في هذا صد عن الدين.
يعني على سبيل التنزل أنك قلت: لا شهادة له، والشهادة أمرٌ قلبي، وأنت لا تعرف عن حقيقة قوله، وعلى سبيل التنزل لو افترضنا أنه منافق، هؤلاء الذي لا أقتلهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وما دام يصلي فقد نهيت عن قتل المصلين.
هذا المنافق ما دام يشهد أن لا إله إلا الله ويصلي مع الناس، ونفاقه في قلبه، وبين قومه من مثله ممن لا يشهد عليه بالنفاق، وبما ينقض الشهادة يترك، لكن إذا شهد عليه أنه جاء بمكفر، ارتكب مكفرًا، أو بما ينقض شهادة أن لا إله إلا الله بالبينة يستتاب ثلاثًا إن تاب وإلا قتل، تكون ردة نعم.
وفي نصوص: "دعني أضرب عنق فلان فإنه مقاتل" قيلت في بعض البدريين، في بعض الظروف يحتمل من الشخص ما لا يحتمل منه في وقت سعة مثلًا بلا شك، هذا في حديث عتبان معروف، وعقب ذلك بأن ((من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه دخل الجنة)) هو اعتذر، لولا العذر كان عمله خطيرًا.
طالب:......
بلا شك بلا شك، لكنه اعتذر، ويشفع له كونه بدريًّا، وهذه العلة لا توجد في غيره، يعني لو فعل شخص مثل فعل حاطب، وقال بالعلة التي ذكر حاطب، أنى له أن يكون من أهل بدر؛ لأن السبب الذي درأ عنه الحد كونه من أهل بدر ((وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر)).
طالب:......
لكن الأمور بمقاصدها، لماذا يتحدث؟ هو إذا كان يتحدث لولي أمر يملك إنفاذ الحدود لا بأس، تدعي دعوى على شخص، ولي الأمر يسمعها ويوقعها موقعها من الشرع، إن كانت لها حظ من النظر استدعاه، وطلب منك البينة، وطلب منه ما يدرأ عنه، وإن كان ليس لها حظ من النظر أقنعك، وإلا لو قيل: إنه لا يتحدث في أحد ما ثبت دعوى، فمثل هذا يغتفر من أجل إقامة الحدود.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد)) وثنًا ((اللهم)) أصلها: يا الله، حذفت ياء وعوض عنها بالميم ((لا تجعل)) يعني لا تصير ((قبري وثنًا يعبد)) قلنا: هذا وصف كاشف؛ لأن الوثن هو الذي يعبد من دون الله، لا تجعل قبري وثنًا، ومعلوم أن الوثن هو الذي يعبد من دون الله سواءٌ كان مصورًا أو غير مصور.
هذه الدعوة: ((اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد)) مع النظر إلى واقع قبره -عليه الصلاة والسلام-، وما يفعل حوله من مخالفات، هل أجيبت الدعوة أو لم تجب؟ يعني إذا وجدنا شخصًا يسجد تجاه القبر والقبلة في قفاه، ماذا نقول؟ هذا موجود ومرئي يعني، يعني هل هذا مبرر أن نقول: القبر ليس بمسجد؟ يعني هذا مبرر؟ يعني إذا وجد غيره، كقبر الحسين وإلا غيره محوطٌ بجدران أخرى يصير فيه شيء؟
طالب:......
كيف لا؟ المسألة تقرير مسألة شرعية؛ لأنها معضلة، ما هي بمسألة سهلة، يعني لولا أنه وجد هذا الفعل من عصر سلف الأمة من القرن الأول إلى يومنا هذا وتواطأ عليه العلماء والعباد وخيار الأمة من الصحابة، من صغار الصحابة والتابعين ومن دونهم كان الوضع غير.
على كل حال ابن القيم -رحمه الله تعالى- يرى أن الله أجاب دعاءه، قال:
فأجاب رب العالمين دعاءه |
| فأحاطه بثلاثة الجدرانِ |
يعني وضعه على هذا الشكل كون الجدران مثلثة، يقول أهل العلم: إنه لا يمكن استقبالها، على كل حال كلام أهل العلم في المسألة طويل، والقبر لن يصل إليه أحد، الحجرة الأولى والجدران الثلاثة والشبوك الحديدية، لن يصل إلى القبور أحد، ولن يستطيع أحد أن يعبد هذه القبور؛ لأنها محاطة بأمورٍ كثيرة.
لكن من يصلي في الدكة التي يستقبل فيها الحجرة ما وضعه؟ دعونا ممن يقصد الاتجاه إلى هذه الجهة معتقدًا ذلك؛ لأنه لو قصده وهو بالهند أو بالسند أثر على صلاته، ولو قصد ولو كان في الصفوف الأولى والحجرة خلفه أثر في صلاته، لكن من لا يقصد، وصارت هذه القبور وهذه الحجرة بينه وبين القبلة، لا شك أن عمل سلف الأمة بعد إدخاله في عهد الوليد بن عبد الملك من المائة الأولى، من أواخر المائة الأولى، إلى يومنا هذا من غير نكير، يعني أنكر في أول الأمر ثم انقطع الإنكار، هذا يدل على أن الأمر فيه سعة، وتواطؤ الأمة على هذا وهي لا تجتمع على ضلالة، لا تجتمع على ضلالة.
قد يقول قائل: إن في هذا مستمسك من توجد القبور في مساجدها، ويتذرعون بهذا، ويقول: إن مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه قبور، وما دامت هذه القبور في سور المسجد إذًا المسجد فيه قبور؟ كيف يجاب عنهم؟ كيف يرد عليهم؟ أنت مقتنع من هذا الكلام أم لا؟
المسألة وجود هذا العمل من سلف الأمة إلى يومنا وكافٍ، أنكر في أول الأمر ثم تواطأ الناس عليه وسكتوا.
طالب:......
لا، داخل مائة بالمائة وفيه، بعض المسجد وراءه، بينه وبين السور، هو من جهة البقيع فيه، لكن هو مغلق لئلا يتم الطواف عليه، هو مغلق لئلا يتم الدوران عليه كاملاً، وإلا الحجرة داخل المسجد.
نتفق جميعًا على أن القبور لن يصل إليها أحد، ولن يسجد إليها أحد؛ لأنها محاطة بأسوار وليست بسور ولا سورين.
الأمر الثاني: أن القبور في غير هذه البقعة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون طارئة على المسجد أو متقدمة على المسجد، والحكم عند أهل العلم في هذا أنه إذا كان المسجد متقدم تنبش القبور، وإذا كانت القبور متقدمة يهدم المسجد، فماذا نقول حينئذٍ؟ الحلول سهلة، ما تصير ملعبة، ما تصير ملعبة للملوك، واحد يوسع من اليمين واحد يوسع من اليسار، وواحد يهدم وواحد يعمر، وعندنا الإمام أحمد ما صلى في هذا المسجد بعد دخول القبور، على سبيل المثال، مالك ما صلى في المسجد بعد دخول هذه القبور، أئمة الإسلام كلهم، المقصود الإشكال في المسجد، ما صلى خيار الأمة في هذا المسجد بعد إدخالها في عهد الوليد؟ إلا صلوا، فتواطؤ هؤلاء الأئمة والأمة معصومة عن وقوعها في مثل هذا الخطأ يدل على تصحيح الصلاة، يدل على تصحيح الصلاة في هذه البقعة، أما كون الإنسان يعتقد أن يتجه إلى هذه الجهة معتقدًا عبادة هذه القبور هذه مسألة ثانية؛ لأنه لو اعتقد وهو بالهند أو بالسند خلاص صلاته باطلة.
أقول: أئمة الإسلام مالك وأحمد والشافعي الأمة كلها تواردت على هذا المكان وصلت فيه.
طالب:......
ماذا تقول بشخص مستقبل القبور يسجد والقبلة في ظهره؟
طالب:......
صحيح، هذه مشكلة لا بد من تجليتها، يعني شراح كتاب التوحيد من أئمة الدعوة لا شك أنهم من أشد الناس غيرة على التوحيد فيما نحسبهم والله حسيبهم، والشيخ محمد -رحمه الله- يعني جلَّى هذه المسائل بأجلى صورها، وغار عليها، ودافع عنها، وصلى في المسجد النبوي -رحمه الله- فضلًا عن الأئمة المتقدمين أحمد ومالك وشيخ الإسلام ابن تيمية، يعني الأمة كلها.
طالب:......
لا، هذه مساجد إما أن تكون مؤسسة على قبور، أو تكون القبور مدفونة في مساجد، وفي كلا الحالتين إما أن يهدم المسجد أو ينبش القبر، القبر ومكانه ليست له خصوصية بالنسبة لغير النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما يدفن في البقعة التي مات فيها.
وكونه ما يجوز وجد الإنكار في أول الأمر، ثم درءًا للمفاسد سكت الناس، مسألة ثانية هذه، لكن نحن نقرر أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر باطلة، ما هو هذا المعروف عند أئمة الدعوة؟ هذا المعروف، ويتذرع المسلمون في الأخطار بما في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا أن هذا مع الفارق، فيه فارق يعني، وهذا ما حصل؟
المقصود ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول:
فأجاب رب العالمين دعاءه |
| فأحاطه بثلاثة الجدرانِ |
وأولى ما يقال: إنه يسعنا ما وسعهم، أقول: يسعنا ما وسعهم.
هنا مسألة وهي مسألة الروضة: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) الحديث في البخاري، من أهل العلم من يرى أنه لا مزية لها، أن هذا مجرد خبر، وهذا الكلام لا شك أنه يعري الخبر من فائدته، يعني بعض الناس يحرص على أن يصلي في الروضة، يحرص على أن يمكث في الروضة، ينتظر الصلاة في الروضة، يقرأ القرآن في الروضة؛ لأنها روضة من رياض الجنة بالنص الصحيح، وبعضهم يقول: هذا مجرد خبر، الصف الأول أفضل منها، يمين الصف أفضل منها، وهذا مجرد خبر، هذه بقعة من رياض الجنة وبعدين؟
نقول: إن كونها لا مزية لها هذا إعراء للخبر عن فائدته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قد يقول قائل: رياض الجنة فسرت بأنها حلق الذكر، نقول: تفسير العام ببعض أفراده لا يقتضي الحصر، مثل ما قلنا سابقًا في تفسير القوة بالرمي، وتفسير الظلم بالشرك وغيرها.
يقول قائل مثلًا: إن النيل والفرات من أنهار الجنة نروح نسبح هناك؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ ما معنى كون النيل والفرات من أنهار الجنة؟ هل لها مزية؟ هل نقول: إن مزية هذه الأنهار مثل مزية الروضة؟ لا، لأن الأنهار ما هي محل عبادة أصلًا، ولا مما يتقرب إلى الله -جل وعلا- بالانغماس فيها، هذا محل عبادة، فهناك فرق بين هذا وهذا، ما يخالف هذا كونها أبرك من غيرها، نعم.
نعم يقول بعضهم: إنه لا يتسنى السلام عليه من وراء الجدران، وثبت عن ابن عمر أنه يأتي إليه ويصلي ويدعو كما سيأتي هنا في الحديث الذي يليه أو تقدم؟ لا، تقدم، ابن عمر كان يأتي، وما زال عمل الأئمة على هذا، أنهم يأتون ويسلمون عليه، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى صاحبيه.
طالب:......
بعد القرون الأخرى التي تليه، يسلمون بلا شك.
وفي هذا ردٌ على من يقول: إذا مررت بمقبرة لا تسلم حتى تدخل المقبرة، وعلى هذا إذا مررت بالحجرة لا تسلم حتى تدخل الحجرة، ظاهر أم ليس بظاهر؟ الحجرة هي بمثابة المقبرة، فإن كنت لا تسلم إذا مررت به -عليه الصلاة والسلام- فلا تسلم على القبور إذا مررت بالمقبرة.
طالب:......
إذا دخل المسجد لكن ما دخل الحجرة من وراء السور، نظير لو وقفت على الرصيف عند المقبرة هذه، وقلت: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، أنت ما دخلت المقبرة إنما وقفت عليها.
طالب:......
درءًا للمفسدة، نعم بلا شك، وإلا هذه البناية منهي عنها، قالوا: هذا في مقابلة الغلاة، وإلا لو جاء شخص ومر على القبور قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا عمر، ينكر عليه وإلا ما ينكر؟ ما ينكر.
((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) أي جعلوها مساجد، بالبناء عليها، والصلاة عندها، ((اشتد)) يعني عظم غضبه، فيه إثبات صفة الغضب لله -جل وعلا-، جاءت بها نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته ((اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وفي حديث: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وفي رواية: ((وصالحيهم)) و((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) ووجد من يتخذ قبور الصالحين مساجد، وهذا كثيرٌ في الأمة، ووجد ضريح يقال له: ضريح الشعرة، من أكبر الأضرحة في العالم، ضريح الشعرة، وله سدنة، ويباع الماء والتراب بالتولة، وهي شعرة، شعرة من؟ عبد القادر الجيلاني، وهذا لا شك أنه من اتباع سنن اليهود والنصارى.
طالب:......
نعم؟ كشمير.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع -بن سراقة- الأنصاري" صحابي صغير أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن عتبان بن مالك -بن عمرو صحابي شهير- كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" العطف هذا عطف جملة على جملة، جملة من حيث الترتيب الزمني أيهما الأولى؟ "كان يؤمُّ قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنها تكون الظلمة والمطر" إلى آخره، يعني يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن يصلي في بيته، هل كان هذا بعد أن كان يؤمُّ قومه أو قبل ذلك؟ قبل ذلك، فعلى هذا يكون قوله: "كان يؤمُّ قومه وهو أعمى" يعني حين لقيه محمود، بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- "وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مشافهةً قبل ذلك؛ لأنه كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك، قبل هذا القول "إنها تكون الظلمة والمطر" وقد أنكر بصره كما في بعض الروايات: "تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر" وفي رواية: "أنكرت بصري" ضرير البصر هل يعني هذا أنه أعمى عمىً مطبق أو أنكر بصره بمعنى أنه ضعف بصره فصار لا يسعفه في تجاوز ما يعترضه في طريقه وقت الظلمة والمطر ووقت السيل؟
"فصلِّ يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلى" يعني موضعًا للصلاة، أتخِذُه أو أتخذْه؟ بالوجهين، الجزم ظاهر، أتخذْه جواب الطلب "فصلّ يا رسول الله مكانًا أتخذْه" وأتخذُه جملة صفة لماذا؟ للمكان، مكانًا يكون وصفه أني أتخذُه مصلى "أتخذُه مصلًى -يعني موضعًا للصلاة- فجاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -في بيته- فقال: ((أين تحب أن أصلي؟)) فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بدأ بالصلاة، هنا بدأ بالصلاة؛ لأن الدعوة كانت للصلاة.
في حديث مليكة السابق من حديث أنس: "دُعي للطعام فبدأ بالطعام ثم صلى" هنا قدم الصلاة في حديث عتبان؛ لأن الدعوة كانت من أجل الصلاة، وبدأ بالأكل في حديث أنس في قصة مليكة، ثم صلى؛ لأن الدعوة كانت للأكل.
((أين تحب أن أصلي؟)) فأشار إلى مكانٍ من البيت فصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والحديث متفق عليه، وفيه قصة تأتي الإشارة إلى بعضها، قصة طويلة.
لما اعتذر عتبان بأنه أنكر بصره، وأنه تعترضه في طريقه ما يعترضه في وقت الظلمة والمطر والسيل، أيهما أشد عذرًا هذا وإلا ابن أم مكتوم؟ أيهما أقوى في العذر: عتبان أو ابن أم مكتوم؟ ابن أم مكتوم في طريقه إلى المسجد -هو رجلٌ أعمى- وفي طريقه إلى المسجد وادٍ فيه هوام وفيه سباع، وله قائد لا يلازمه، فلم يعذره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهنا جاء إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- محققًا رغبته، وعذره وصلى في بيته مكانًا، فما الفرق بينهما؟ لأن من لا يرى وجوب صلاة الجماعة إذا أورد عليه حديث ابن أم مكتوم قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- عذر عتبان وهو أقل منه في العذر، فما الفرق بينهما؟ لا شك أن العميان يتفاوتون، منهم في الدلالة وعدم المشقة من هو أشد من المبصرين، أو من بعض المبصرين، ومن العميان لا سيما من فقد البصر وهو كبير من يعثره أدنى شيء، ويضل الطريق مهما قصر أو طال.
ومن وجهٍ آخر لعل عتبان لا يسمع النداء، النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف مكان عتبان، وأنه من البعد بحيث لا يسمع فيه النداء، النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يعذر ابن أم مكتوم، بل عذره لما ولى دعاه: ((أتسمع النداء؟)) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فلعل عتبان من بعد المكان بحيث يغلب على الظن أنه لا يسمع النداء، وحينئذٍ لا يلزمه الإجابة؛ ولذا في صحيح مسلم الترجمة: "باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة".
طالب:......
لا، في الفريضة معروف، وهو من أدلة من يرى عدم وجوب صلاة الجماعة.
طالب:......
هو كبر، كبرت سنه فضعف بصره، ومعلومٌ أن من ضعف البصر أو فقد البصر في آخر عمره يتكلف كثيرًا، ما هو مثل الأعمى من الصغر، أو من ولد أكمه، أعمى، لا، على كل حال عذره واضح، ومن كان ظرفه مثل ظرف عتبان له أن يصلي في بيته.
طالب:......
هو اتخذ الجماعة بعد أن عذر عن حضور جماعة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه -عبد الله بن زيد بن عاصم المازني- أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستلقيًا في المسجد، واضعًا إحدى رجليه على الأخرى" الحديث مخرج في الصحيحين من طريق مالك "مستلقيًا في المسجد، واضعًا إحدى رجليه على الأخرى" جاء النهي عن الاستلقاء في المسجد، في صحيح مسلم في كتاب اللباس من صحيح مسلم جاء النهي عن الاستلقاء في المسجد، والنهي محمولٌ على ما إذا خشي من انكشاف العورة، وما جاء في الحديث من كونه -عليه الصلاة والسلام- مستلقيًا، واضعًا إحدى رجليه على الأخرى إذا أُمِن انكشاف العورة، وإن كان الخطابي يرى أن النهي منسوخ بهذا الحديث، لكن إذا أمكن الجمع لا يصار إلى النسخ، والجمع ممكن، بأن يحمل النهي على ما إذا خشي من انكشاف العورة، ويحمل الجواز فيما جاء في هذا الحديث على ما إذا أُمِن انكشافها.
النبي -عليه الصلاة والسلام- مستلقٍ في المسجد، المكث في المسجد تقدم، وأنه إن كان لانتظار الصلاة هو لا يزال في الصلاة، وإذا مكث في مصلاه الذي صلى فيه صلت عليه الملائكة، ودعت له، واستغفرت له، فهل ينقطع انتظاره للصلاة واستغفار الملائكة له والدعاء له بمثل هذا التصرف، الاستلقاء ووضع رجل على الأخرى؟ هل يمكن أن ينتظر الإنسان الصلاة ويمكث في مصلاه مستلقيًا واضعًا إحدى رجليه على الأخرى؟ أو نقول: إنه ارتاح لحاجته إلى الراحة، والتزم ما ترتب على هذه الراحة؟ يعني قطع انتظار الصلاة بهذا الاستلقاء، أو قطع المكث في مكانه في مصلاه بهذا الفعل.
أو نقول: إنه يجري له ما وعد به ولو كان مستلقيًا، ما دام في مصلاه الذي صلى فيه وهو المسجد، وبعض الناس يحتاج إلى مثل هذا مع طول الوقت، يحتاج إلى أن يرتاح، فهل نقول له: إذا أردت الراحة اذهب إلى بيتك، خلاص انقطع عنك الأجر؟ هذا ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة وهو الأسوة، فإذا تعب الإنسان وهو جالس يذكر الله، يقرأ القرآن، وأراد أن يرتاح، يرتاح، وأجره جارٍ -إن شاء الله تعالى- إذا قصد بهذا الاستلقاء وهذه الراحة الاستعانة بها على متابعة هذا العمل من طاعة الله -عز وجل-، والأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد.
طالب:......
يكتب له أجره -إن شاء الله تعالى- على أن في قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] ما يشمل هذه الصورة، وعلى هذا إذا مكث في المسجد ينتظر الصلاة يذكر الله -جل وعلا- سواءٌ كان جالسًا أو مستلقيًا عند الحاجة إلى الاستلقاء والجلوس أكمل، أو واقفًا {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] وقد جاء مدحهم مع اختلاف أحوالهم، ولا شك أنه كلما كانت الجلسة أهيب وأكمل كان الأجر أعظم.
لكن لا يحرم الأجر لأنه استلقى وأراد أن يرتاح، وواصل عمل الطاعة من ذكر وتلاوة، أو خشي من النوم إن طال مكثه في المكان، فأخذ يدور في المسجد مع احترام المكان، وعدم إصدار شيء يخل بقدسية المكان، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] والماشي قائم بحكم القائم، والأمور بمقاصدها، فإذا قصد بمشيه طرد النوم مثلًا، وقصد باستلقائه في مثل هذا الحديث قصد الاستعانة به على استمرار الطاعة يؤجر على ذلك -إن شاء الله تعالى-، فأجر اللابث في المسجد والماكث فيه الذاكر التالي لا ينقطع بهذا الفعل -إن شاء الله تعالى-.
طالب:......
النوم في المسجد جائز، جائز لكن ينقطع أجر المكث وأجر الانتظار بالنوم، فإن أراد أن يستعين بهذه الغفوة أو النوم اليسير على الاستمرار في العمل يؤجر على هذه النية، لكن أجرها غير أجر الانتظار، كل عملٍ له أجره.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك" قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن ذلك، وفعله فيحمل هذا على أنه من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- أن يفعل هذا، من خصائصه أن يفعل هذا، لكن في الخبر الذي يليه أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك، فدل على أن هذا ليس خاصًّا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو جائزٌ مطلقًا حيث يؤمن انكشاف العورة.
لو لم يرد مثل هذا هل نستطيع أن نوفق بين الحديثين بما ادعاه بعضهم أن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول: الفعل لبيان الجواز والنهي يحمل على الكراهة وخلاف الأولى؟ أو يحمل هذا على أمنِ انكشاف العورة وذاك على خوف انكشافها؟ وهل لقائلٍ يقول: إن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- والنهي للأمة؟
طالب:......
الأصل عدم الخصوصية، لكن يلجأ إليها إذا استغلقت وجوه التوفيق بين النصوص، إذا استغلق الجمع بين النصوص، ما وجدنا جمعًا إلا بهذا.
حينما ندعي أن هذا من الخصائص لا بد أن ننظر إلى هذا العمل الذي نريد أن نخص به النبي -عليه الصلاة السلام- هل هو أكمل أو تركه أكمل؟ يعني هل الاستلقاء أكمل من الجلوس أو الجلوس أكمل؟ الجلوس أكمل، إذًا كيف نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق يليق به هذا العمل المفضول ولا يليق بأمته؟ يعني كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، لا نقول: إن هذا العمل المفضول خاص به -عليه الصلاة والسلام-، هو أكمل الخلق يليق به أكمل الأعمال وأصدقها، يعني نظير ما قيل في أن كشف العورة كشف الفخذ خاص به -عليه الصلاة والسلام-، و((غطِّ عورتك)) هذا عام للناس كلهم، نقول: تغطية الفخذ أكمل، ولا نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يطلب منه الأقل، ويطلب من الأمة الأكمل.
ومد الرجل في المسجد إلى القبلة لا بأس به، لا سيما عند الحاجة إليه، لكن إذا كان في جهة القبلة مصاحف مقابلة للرِّجل فلا يجوز مد الرجل إلى المصحف، لكن لو كان هذا المصحف على كرسي مرتفع فوق مستوى الرجل فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان -لم يسمِّ هذا الإنسان- إنك في زمان كثيرٌ فقهاؤه" أو "كثيرٍ فقهاؤه" يجوز الجر والرفع، إذا قلنا: كثيرٌ فقهاؤه يكون "كثير" خبرًا مقدمًا، وفقهاؤه مبتدأ مؤخر، والجملة وصف للزمان، وإذا قلنا: "كثيرٍ" صارت وصف للزمان، في زمانٍ كثيرٍ، "فقهاؤه" نعت حقيقي وإلا نعت سببي؟ إذا قلت: جاء زيدٌ القائم أبوه، جاء زيدٌ القائم أبوه المنعوت زيد، لكن في الحقيقة هل هو وصف لزيد القائم أبوه؟
طالب:......
نعم الإسناد للأب ما هو له، الإسناد للأب، وهنا الكثرة للزمان أو للفقهاء؟ الكثرة للفقهاء، فهو نعت سببي، هذه صفةٌ جرت على غير من هي له.
"كثيرٌ فقهاؤه" يعني العلماء "كثيرٌ فقهاؤه -كثير أهل العلم- قليل قراؤه" مثل كثير فقهاؤه من حيث الإعراب، هذه جملة مدح وإلا ذم؟ كلاهما "كثيرٌ فقهاؤه" واضح أنها مدح، والثاني: "قليلٌ قراؤه" مدح وإلا ذم؟ يعني قلة القراءة، قلة القراء في الزمان وفي المكان مدح وإلا ذم؟ ذم، مدح وإلا ذم؟ الآن الحملة على مكافحة الأمية هذه مما يمدح بها أو يذم؟
طالب:......
"قليلٌ قراؤه" يعني إذا وجدنا من يقرأ وهذا موجود مع الأسف في صفوف القراء بكثرة، يقرؤون ويكتبون وتقوم عليهم الحجة، لكنهم لا يتعلمون، بمعنى أنهم قد يحفظون القرآن، ويقرؤون القرآن، ويمهرون بقراءة القرآن، لكنهم من حيث العمل بدون عمل، فإذا كثر القراء بهذه الصفة كثر القراء مع عدم العمل والاستنباط والتفقه، هذا ذم بلا شك؛ لأنه تقوم عليه الحجة ولا يستفيد من هذه القراءة.
فالمطلوب من القراءة الفائدة العظمى من القراءة التفقه، فإذا وجد التفقه تبعًا لهذه القراءة صار مدحًا، إذا خلت هذه القراءة عن التفقه والاستنباط والتدبر والاعتبار والعمل صارت ذمًّا، وحينئذٍ تكون هذه من النعم التي لم تشكر، فإذا وجدت النعمة وخلت عن الشكر صارت وبالًا على صاحبها.
"كثيرٌ فقهاؤه، قليلٌ قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن" بإقامتها، لكن ما الفائدة أن يكثر القراء ويقل الفقهاء ولا تحفظ فيه حدود القرآن؟ يعني إذا كان الشخص من أمهر الناس بالقرآن، وإذا نظرت إليه في مظهره ومخبره مخالف تمامًا لما يقرأ، يتأكل بالقرآن، يجعل هذا القرآن للمآتم والمناسبات، ويخالف ما يقرأ، وهذا موجود مع الأسف الشديد في هذه الأزمان، وقبل هذه الأزمان، مثل هذا يكون مذمومًا؛ لأن القرآن لم ينزل لأن يقرأ مجرد قراءة مجردة عن الفائدة والانتفاع بها، فضلًا عن كونه يتأكل به؛ أنزل دستور عمل، تحفظ فيه حدود القرآن بإقامتها.
"وتضيع حروفه" يعني في الصدر الأول تضيع حروف القرآن؟ نعم تحفظ حدوده، مدح، لكن تضيع حروفه المقصود به التضييع النسبي ما هي بتضيع حروفه بالكلية؛ لأنه كيف تحفظ حدوده مع تضييع الحروف بالكلية؟ لأن الشخص أو المجموعة بكاملها إنما يحكم عليها بالأغلب، يحكم عليها بالأغلب، فإذا وجدت قوم يعنون بالقرآن بفهم القرآن وتدبر القرآن، والاستنباط من القرآن، والعمل بالقرآن، وجدت من هذا ديدنهم لكنهم لا يتيسر لهم أن يقرؤوا القرآن في الشهر مرة مع هذه العناية، وتجد شخصًا يقرأ القرآن في الشهر عشر مرات مثلًا بدون الوصف الأول، هؤلاء القوم الأول هؤلاء يوصفون بأنهم قراء للقرآن؟ نعم يوصفون بأنهم ممن يحفظ حدود القرآن، ويعمل بالقرآن، ويتفقه بالقرآن، في الوصف الممدوح هنا، بينما القوم الآخرون الذين يعنون بمجرد التلاوة المجردة عن تدبر، عن استنباط، عن فهم، هؤلاء يكونون قراء حروف.
أيضًا هؤلاء ذمهم نسبي إذا خلوا عن المخالفات الشرعية فذمهم نسبي بالنسبة لمن قرنوا معه، وإلا فهناك أجر مرتب على مجرد قراءة الحروف؛ لأن القرآن متعبد بتلاوته، لو شخص من عوام المسلمين يقرأ القرآن بكثرة، ديدنه قراءة القرآن، وليس متفرغًا للفهم والتدبر والاستنباط، هذا إذا قارناه فالذم نسبي، إذا قارناه بمن تفرغ لتدبر القرآن، وفهم القرآن، والتفقه في القرآن، والعمل بالقرآن صار ناقصًا، ونقصه نسبي، لكن إذا كان لا يقرأ إلا الحروف ولا يلتفت إلى المعاني، ومع ذلك يرتكب مخالفات كما هو واقع بعض القراء اليوم حينئذٍ يذم.
يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يحفظ القرآن، ويقرأ القرآن ليل نهار، لكن بالأجرة في المآتم والأفراح، وإذا نظرت إلى عمله وجدته من أقل عوام المسلمين في العمل، الذين لا يقرؤون ولا يكتبون.
هناك قصص وأخبار عن الذي يسمونه الفقيه الذي يقرئ الناس القرآن وعنده مخالفات وعنده، يوجد هذا، ويوجد قراء على الطريقة المعهودة الشرعية الذين هم أهل الله وخاصته موجودون ولله الحمد، لكن النوع الثاني هو المذموم.
في قصة شخص من كبار الأدباء وليست بثقة فيما ينقل، حينما حفظ القرآن على واحد يسميه فقيهًا، ولِمَ يسمون القارئ فقيهًا؟
طالب:......
هو مقرئ لكن هو يسميه فقيهًا، وهو ليس بفقيه، ليس عنده من الفقه شيء البتة، ولا من العمل بالقرآن، فيقول: إنه حفظ عليه القرآن، وكان أبو هذا الشخص من الحريصين على حفظ القرآن وضبطه وإتقانه، فقال له: خلاص أنت انتهيت من حفظ القرآن، الولد فرح، شاب في تسع سنوات، بدل من أن يرتدد على هذا الشخص قال: خلاص حفظ القرآن، اختبره أبوه وجده ما حفظ شيئًا، فاستدعى هذا المقرئ أو الذي يسميه الفقيه فحلف بالطلاق الثلاث أنه حفظ القرآن، نعم يريد الأجرة كاملة ولا عليه حفظ ما حفظ، اختبروه وجدوه ما حفظ شيئًا، ويذكر من حاله ومن أفعاله مخالفات كثيرة، وهذا مع الأسف أنه قد يوجد في هذا المحيط.
لكن مع ذلك في الأصل أن أهل القرآن هم أهل الخير والفضل والاستقامة، لا يصير هذا مدخل إلى ذمهم أو..، لكن هذا موجود لكنه نادر.
طالب:......
المسألة مسألة تخصص، لو نظرنا إلى الأقسام العلمية مثلًا، وجدنا أهل قسم القرآن أهل ضبط للحروف وقراءات وتجويد، وهم في هذا العمل على خيرٍ عظيم، ومنهم أيضًا من يعنى بالفهم والاستنباط هذا موجود ولله الحمد، وهؤلاء هم أهل القرآن وخاصته، لكن من يأخذ القرآن على أساس أنه وظيفة، دخل هذا القسم ليتعيش على ما يقولون، هذا قد يوجد في بعض الجهات.
مثل هذا لا شك أنه بالنسبة لأهل العمل والاستنباط يذم باعتبار أن التبعة عليه أكثر، نعم قد يكون مبعث ذلك الخلاف العقدي، نعم يكون مبعث ذلك ناشئًا عن مذهب عقدي، وأيضًا تسويل الشيطان وتزيينه في بعض الأمور، والعمل بلا شك شاق.
المقصود أنه لا يعني هذا أننا ما جاء في هذا الخبر من الإخبار بأنه في الصدر الأول أهل عمل، مع العلم عمل، في العصور المتأخرة وجد العلم، ووجدت القراءة وانتشرت، وكادت أن تنمحي الأمية بالكلية، لكن العمل أين؟ العمل تخلف، والعلم بلا عمل لا شك أنه لا قيمة له، العلم من غير عمل العمل هو الثمرة من العلم، فإذا تخلف العمل عن العلم صار لا قيمة له، بل صار وبالاً على صاحبه.
طالب:......
بلا شك مع السفرة الكرام البررة ما لم يوجد مانع من إلحاقه بهم، لكن قد يكون بارعًا بقراءة القرآن وماهر فيه، لكن مع ذلك يرتكب محرمات.
طالب:......
هو معصوم؟ لا، لكن يرتكب محرمات ظاهرة، مثل هذا لا يستحق مثل هذا الوصف، ينطبق عليه الوصف الذين يأتون فيما بعد، بعد كلام ابن مسعود، أما من وجد في عهد ابن مسعود وفي الصدر الأول كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين يقرئوننا القرآن، وسمى منهم من سمى، قال: كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، هذه طريقتهم، لكن في السنين الأخيرة العصور المتأخرة تجد ابن سبع، ابن ثمان سنوات يقرأ القرآن قد يعرضه من أوله إلى آخره ولا يخطئ خطأ واحد، ومع ذلك لسنه ما يعرف شيئًا من المعاني أو من العمل به، وقد يستمر على هذه الطريقة فيتخلف العمل كثيرًا كما هو موجود.
طالب:......
أولًا: القرآن نزل على الصحابة في الصدر الأول، على النبي -عليه الصلاة والسلام- في عصر الصحابة، وكثيرٌ منهم قد تقدمت به السن؛ ولذا من حفظ القرآن في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كاملًا نفرٌ يسير، جمع القرآن في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- أربعة، المقصود أنهم نفرٌ يسير، لكن فيما بعد والحمد لله يعني بعد جمع القرآن وضبط القرآن بين الدفتين تيسر حفظه وضبطه، وكثر في عصر صغار الصحابة والتابعين ومن بعدهم كثر؛ ولذا يندر أن يوجد في ترجمة شخص أنه لا يحفظ القرآن من أهل العلم، ما ذكر إلا عن ابن أبي شيبة، ونصوا عليه أنه لا يحفظ القرآن، كيف ينص على هذا الشخص؟ إلا أنه لا يوجد غيره في التراجم.
طالب:......
وأيضًا إذا نسبت من يحفظ القرآن في عهد ابن مسعود إلى من جاء بعدهم، أنت لو تنظر إلى نسبة من يحفظ القرآن الآن إلى من يحفظ القرآن قبل ثلاثين سنة، تجد نسبة؟ ما فيه نسبة، الآن أكثر بكثير، أضعاف مضاعفة، لا سيما في بلدنا.
لا شك أن حفظ القرآن من نعم الله -جل وعلا- على المسلمين، هو كلام الله، كلام الله وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، والجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، و((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن..)) معروف، و((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، و((من قرأ القرآن كان له بكل حرف عشر حسنات)) هذه أمور مفروغ منها، لكن المسألة ما هي بمفترضة في حافظ عارف بالقرآن وبحدود القرآن عامل بالقرآن هذا خارج عن النزاع، المسألة مفترضة بين شخصٍ عالم عامل ونصيبه من ضبط القرآن وإتقانه أقل ممن يقيم الحروف ويمهر فيه دون عمل، المفاضلة بين هذا، ما هي مفاضلة بين شخص جمع الأمرين، لا، الحفظ مع المهارة في درجات.
بعض الإخوان الذين لهم عناية بهذا الشأن ذهبوا إلى بعض البلاد الإسلامية، فجيء بعشرة أطفال لا يتجاوزون السابعة والثامنة من العمر، تفتح المصحف وتقول صفحة كذا السطر كذا منتصف السطر كلمة ماذا؟ يجيبها لك، آخر السطر الثالث قبل الأخير يجيب لك الكلمة، هذا موجود، لكن هل يوجد مثل هذا في عصر الصحابة؟ وهل يذم الصحابة بمعرفة هذه الأمور بدقة؟ لكن إذا وجد مثل هذا مع العمل نظير عمل الصحابة بالقرآن هذا نورٌ على نور.
فلا شك أن العلم مطلوب، لكن ثمرته العمل، لكن قد يحفظ القرآن، ويحفظه من أوله إلى آخره، لكن لو تسأله عن أول الصفحة كذا ما يدري، أو تسأله عن دليل هذه المسألة وهو في القرآن ولا يدري، فعلى هذا المطلوب مع الحفظ الضبط والإتقان والتدبر والاستنباط والفهم والعمل، هذه الثمرة العظمى من القراءة، وإلا ما الفرق بين شخص قرأ كتب الدنيا كلها ولا يعمل وبين عامي من العوام؟ ما الفرق؟ ما فيه فرق، بالعكس العامي الذي ما قامت عليه الحجة في كثيرٍ من الأمور أفضل من مثل هذا، والتبعة على ذلك أعظم.
طالب:......
وجد من يقرأ القرآن منكسًا، حتى هؤلاء الشباب الصبيان الذين ذكرت قرءوه منكسًا.
طالب:......
أين؟
طالب:......
هذا الاختبار اختبار ضبط وجودة الحفظ لا للتعبد، لا التعبد بهذا، إنما يختبرونه بهذا، ما هو يتعبد بهذا، من أجل أن يختبر ضبطه وإتقانه؛ لأنه إذا اختبر عكسًا ليس بحاجة إلى أن يختبر طردًا، زيادة في الضبط والإتقان، وعلى كل حال التوسط في الأمور والاعتدال فيها هو المطلوب.
على طالب العلم أن يفعل الأنفع له علمًا وعملًا، لو قيل لشخص: أنت الآن افعل مثل ابن عمر، ثمان سنين في البقرة، بحيث إذا انتهيت من البقرة وأنت كثرت عليك العائلة ومشاكل الدنيا وطلب العيش أردت أن تحفظ آل عمران عجزت، أو نقول: احفظ القرآن في أقرب مدة ممكنة ثم بعد ذلك اضمن الحفظ، ثم عد إلى الفهم والتدبر والاستنباط؟ لأن الحفظ له وقت، الحفظ في الصغر غير الحفظ في الكبر، نعم الحفظ ينبغي أن يساند هذا الحفظ حفظ الحروف فهم للمعاني بواسطة تفسير من التفاسير الميسرة المبسطة الموثوقة التي تخلو عن مخالفات، أو على أقل الأحوال كلمات القرآن تمر عليك (جرزا) وتمر عليك كلماتٍ ما تدري ما معناها؟ فإذا ضبطتها وأنت تحفظ خلاص أتقنتها، وهذا يعينك على الفهم والتدبر.
على كل حال الكلام حول القرآن كثير جدًّا، لكنه هو أول وآخر هو شرف هذه الأمة {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] لا يكون مثل هذا الكلام الذي نقرأه مجالاً أو بابًا ينفتح على الأمة يستغله بعض المغرضين وبعض المفسدين، وبعض المنافقين الذين يغيظهم وجود -ولله الحمد- هذه النابتة التي تعنى بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، وجود هؤلاء المجاهدين الذين يتولون تحفيظ هذه الناشئة لكتاب الله -جل وعلا-، لا يكون مثل هذا الكلام مدخلًا لبعض المنافقين أن يلبس على الناس أو يشوش، لا.
لكن المسألة مفاضلة بين علم وعمل، العمل ولو كان قليلًا، العمل بالعلم ولو كان قليلًا أفضل من العلم الكثير المجرد هذا مفاده.
"قليل من يسأل" من يسأل: إما يكون قليل من يسأل المال تعففًا، أو قليل من يسأل أهل العلم تعنتًا، أو قليل من يسأل عما يشكل عليه؛ لأنه لا يقرأ شيئًا يشكل عليه ويتجاوزه، لكنك إذا قرأت مثلًا خمس آيات من القرآن وحفظتها وتعلمت ما فيها من معاني وفهمتها وتدبرتها، وعملت ما فيها لست بحاجة إلى أن تسأل، لكن لما تقرأ جملة كبيرة من المقروء سواءً من القرآن أو من غيره تظل عندك الإشكالات كثيرة، وكلما هذه الإشكالات تزداد فتكثر من السؤال عن الإشكالات والثاني كذلك والثالث كذلك، ثم يكثر من يسأل.
"كثير من يعطي" يعطي إما أن يعطي المال، يعني يبذل المال لمن يسأل ومن لم يسأل {لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(25) سورة المعارج] أو يعطي يعني يبذل العلم لمستحقه.
"يطيلون فيه الصلاة" وليست الإطالة المنهي عنها في حديث معاذ: ((أفتانٌ يا معاذ؟)) ((من أَمَّ الناس فليخفف)) لكنها الإطالة التي تشبه إطالة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقرب منها، لا يسمع أحدٌ هذا الكلام ويقول: يطيلون الصلاة ثم يشرع بالبقرة وهو إمام يؤم الناس، وحينئذٍ يقع في مخالفة نهيه -عليه الصلاة والسلام-.
"ويقصرون الخطبة" وهذا من فقه الرجل، من علامات فقهه إطالة الصلاة وقصر الخطبة، ولا شك أن الإطالة، إطالة الصلاة نسبية، وقصر الخطبة أيضًا نسبية، ما يصعد للمنبر يقول له جملتين، ثلاث، وينزل، يقول: من فقه الرجل أن يقصر الخطبة، يأتي بخطبته ما ينفع الناس، وينبه على الأخطاء التي يقع فيها الناس، ويحرك القلوب بالموعظة الصالحة والخالصة، ثم لا يملِّ الناس، ولا يضجر الناس بحيث كل إنسان ينظر ساعته، منهم من ينعس، ومنهم من يتغافل، لا هذا ولا هذا.
"يبدأون أعمالهم قبل أهوائهم"...
طالب:......
نعم، أمور نسبية، يعني متصور أن خطيب يخطب ساعة هذا أطال الخطبة، لكن الذي اعتاد الناس على هذا فالذي يخطب بربع ساعة، ثلث ساعة، قصيرة الخطبة، فهذه أمور نسبية، لكن الصلاة -الصلاة العادية- تكون بربع ساعة، هذه صلاة متوازنة، فالذي يزيدها إلى نصف هذا أطال الناس، وهو مأمورٌ بالتخفيف، لكن الذي يصلي صلاته الرباعية بخمس دقائق هذا صلاته طويلة؟.... فهذه أمور نسبية.
"يبدأون أعمالهم قبل أهوائهم" يقدمون العمل الصالح المستند على الدليل قبل الهوى، فيقدمون أعمالهم قبل أهوائهم ورغباتهم.
"وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه" عكس الزمان الأول؛ لاشتغالهم بحظوظ أنفسهم، واكتفائهم بالعلم دون العمل، نعم؟
طالب:......
يبدون أي يقدموا، يبدأون يبدون ما في إشكال.
"وسيأتي على الناس زمانٌ قليلٌ فقهاؤه -بخلاف الزمان الأول- كثيرٌ قراؤه" يعني لو نظرنا في واقعنا الذي أدركناه، يعني قبل ثلاثين سنة يعني زمن أدركناه، القراء في البلد عددهم قليل، لكن أهل العلم، أهل الفتوى، العلم المؤصل المقعد المضبوط المتقن فيهم كثرة بالنسبة لعدد الناس، بينما القراء عددهم قليل، وأهل العمل حتى من عوام المسلمين وأهل العبادة وأهل الزهد والورع، ويوجد قبل خمسة وعشرين سنة وثلاثين سنة أناس لا نستبعد ولا نستغرب إذا قرأنا في ترجمة سفيان أو الفضيل أو غيره، والله ما نستبعد إذا رأيناهم، الآن كثر القراء، وكثر من يقرأ، وكثر من يطلع على الخلاف، وتوسعوا في العلم، لكن العمل قلَّ، العمل قلَّ، انشغل الناس كثير من الناس لا أقول يوجد -ولله الحمد- أهل خير، والعلماء والعباد موجودون ولله الحمد، والخير في أمة محمد، لكن انشغل كثيرٌ من الناس بالمفضول عن الفاضل، واقتصر كثيرٌ من الناس على العلم دون العمل، فهذا مثال شيء أدركناه.
"وسيأتي على الناس زمانٌ قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن" يقيمون حروف القرآن كما تقام الأقداح، يضبط ضبطًا بحيث يقرأ القارئ من أول القرآن إلى آخره لا يوجد عليه خطأ "يحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده" لا يعمل بالقرآن، ومن نظر واقع المسلمين اليوم في كثيرٍ من الأقطار تضيع حدود القرآن، وهذا لا يحتاج إلى تمثيل الظاهر.
"وتضيع حدوده، كثير من يسأل" لقلة الصبر والتعفف، أو لقلة العلم "كثيرٌ من يسأل، قليل من يعطي" لانتشار الشح بالمال وبالعلم أيضًا، يعني على كثرة ما عندنا وعند غيرنا ما انتشر من طلاب العلم ومن أهل العلم تجد الإنسان لا يجد من يفتيه مع الأسف الشديد، وتجد من ينتسب من أهل العلم -وهذا يوجد- من إذا دخل جدع السماعة، التبعة ليست بالسهلة، هذه أمانة، أمانة حملت إياها، وهذه هبة من الله -جل وعلا-، ونعمة تحتاج إلى شكر، والعلم يحتاج إلى زكاة، ونماؤه بزكاته.
"قليلٌ من يعطي، يطيلون فيه الخطبة" يوجد من يخطب ساعة الآن يوجد، والنصف ساعة كثير، خطبة نصف ساعة هذا كثير، لكن يوجد من يخطب ساعة "ويقصرون الصلاة -مخالفةً للسنة- يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم" حبًا لاتباع الهوى ورغبات النفس، وإذا لاح لهم أمرٌ من أمور الدنيا ضيعوا العلم، تجد الإنسان يسمع المؤذن وبيده شيء من عمل الدنيا، ثم يسمع الإقامة وتفوته الصلاة وهو في شيء يسير من أعمال الدنيا، وقد يكون لا يعود عليه بالنفع لا في دينه ولا في دنياه، يوجد الآن من يعكف على بعض الآلات ليل نهار، والله المستعان.
طالب:......
نعم؛ لأنه خبرٌ عن مستقبل، خبر عن مستقبل لا يقوله ابن مسعود برأيه، يعني إذا ساغ له أن يتحدث عن زمانه فلن يتيسر له أن يتحدث عن المستقبل.
وفي خبر ابن مسعود -رضي الله عنه-: الحث على العمل بالعلم، وليس مراده التقليل من شأن العلم أبدًا، ولا من شأن التعلم، ولا من شأن القراءة، لا يعني الأمة إذا كثر فيها طلاب العلم والقراء أنها تصرف البقية عن طلب العلم، لا، بل الجميع مطالب بأن يتعلم، الجميع مطالب بأن يتعلم ليعبد الله على بصيرة، لا على جهل، لكن مع ذلكم مطالبون بالعمل، فلا يفهم من كلام ابن مسعود أنه إذا كثر القراء مع وجود -ولله الحمد- الإقبال على حفظ كتاب الله وحفظ السنة، والتعلم العلم الشرعي على الجواد المعروفة عند أهل العلم، هذا شيء -ولله الحمد- كثير، وشيء محسوس، فلا يقال: إن هذا التعلم على ضوء ما أخبر به ابن مسعود -رضي الله عنهما- أنه من وصف الزمان اللاحق، والزمان الأول بخلافه، ابن مسعود يريد أن يحث طالب العلم على العمل، وأن لا يقتصر على التعلم، لا يقتصر على القراءة فقط دون فهم وتدبر واستنباط وعمل، لكن قد يكون الواقع هكذا، قد يكون يحكي واقعًا، لكن هل حكاية الواقع تعني الذم من كل وجه؟ نعم الواقع المخالف مذموم، والواقع الموافق ممدوح.
فلا يقال: إن كثرة القراء صفة ذم، نعم هي صفة ذم إذا تجردت هذه القراءة عن العمل، أما إذا اقترن العلم بالعمل فهو من أفضل ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، وتعلم العلم الشرعي من أعظم أبواب الجهاد.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد –الأنصاري- أنه قال: بلغني أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة" يعني الصلوات الخمس المفروضة، وإذا كان فيها شيء من نقص كملت من النوافل، كما جاء في الخبر من عمل العبد والمراد به الإنسان حرًّا كان أو رقيقًا، ذكرًا كان أو أنثى، أول ما ينظر من عمله في الصلاة "فإن قبلت" بأن صارت مسقطة للطلب، ترتبت آثارها عليها، مكتملة الشروط والأركان، أديت بنية خالصة لله -جل وعلا- قبلت "نظر فيما بقي من عمله" لأن الصلاة أم العبادات "وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله" ما دامت أم العبادات إذا قبلت نظر في العمل الثاني، لكن إذا رد الأعظم هل ينظر في الذي يليه، لا ينظر في الذي يليه، لا سيما وأن هذه الصلاة ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، الذي لا يرى الصحابة من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، وهذا يدل مما يقوي القول بأن تارك الصلاة كافر؛ لأنه ما دام كافر ما الفائدة بأن ينظر إلى زكاته؟ إلى صيامه؟ إلى حجه؟ ما فيه فائدة، لكن إذا قبلت وضمن إسلامه نظر في بقية الأعمال، ومثل هذا لا يقال بالرأي، وهو أيضًا ورد معناه في حديثٍ مرفوع عن أبي هريرة مخرجٌ عند أصحاب السنن الأربعة.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدوم عليه صاحبه" ترجم الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه: "باب: أحب الدين إلى الله أدومه" ثم ذكر حديث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها وعندها امرأة، قال: ((من هذه؟)) قالت: فلانة، جاءت تسميتها في بعض طرق الحديث أنها: الحولاء بنت تويت، تذكر من صلاتها يعني تذكر أنها تصلي، وتطيل الصلاة، وتكثر الصلاة، وأنها تقوم الليل كله، تذكر من حرصها على عمل الخير لا سيما الصلاة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مه)) بمعنى: كفوا، ((عليكم بما تطيقون)) أما مثل هذا العمل الذي لا يطاق الذي يؤدي إلى الانقطاع مثل هذا مفضول ((عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إلى الله ما دام عليه صاحبه)) والأحب هنا يقول: "قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي حديث البخاري: ((وكان أحب الدين إلى الله)) ولا تنافي بينهما؛ لأن المحبوب إلى الله هو المحبوب إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
يقول النووي: بدوام العمل القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله -جل وعلا-، يعني من عمل طول الأربعة والعشرين ساعة، طول اليوم والليلة عمل مناسب لا يشق عليه، ولا يكلفه ولا يحمله على الترك لا شك أنه أفضل من أن يعمل هذا العمل في وقتٍ قصير بحيث تكون العبادة عليه مكروهة وثقيلة، ثم يؤديه ذلك إلى تركها.
بخلاف الكثير الشاق، يقول النووي: بدوام العمل القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله -جل وعلا-، بخلاف الكثير الشاق، بحيث ينمو العمل القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنقطع، يعني لو ضربنا مثالًا بحفظ القرآن، شخص يقول: أريد أن أحفظ في هذا اليوم جزءًا كاملاً وأرتاح عشرة أيام، وآخر يريد أن يحفظ هذا الجزء في العشرة الأيام كل يوم ورقة، أيهما أفضل؟ هذا الذي يريد أن يحفظ خلال العشرة الأيام يكرر النظر في عهد الله وفي كتابه، ويحمله ذلك على الارتباط بهذا الكتاب، لكن الذي يجلس يوم ويحفظ جزءًا، ثم عشرة أيام يغفل، أولًا: مكثه الساعات الطوال لحفظ الجزء في يومٍ في وقتٍ ينضغط فيه لا شك أن هذا يولد كراهية لهذا العمل؛ لأنه حمل على نفسه أمرًا ثقيلاً، فيمل ويسأم ويترك، بينما الذي يأخذ الأمر بالتوقيت والتدريج مثل هذا يستمر ولا ينقطع.
يقول: بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، يقول ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، ما معنى هذا؟ كأنه بلسان حاله هذا الذي يقول: أنا أحفظ جزءًا في يوم وأرتاح عشرة أيام وإن لم يقل بلسان مقاله، يقول: دعنا نرتاح من هذا الجزء ونتفرغ عشرة أيام لأمورنا الأخرى، هذا أقبل ثم أدبر، لكن الذي عمله دؤوب، كل يوم يحفظ ورقة بالراحة مثل هذا عمله متواصل لا ينقطع، فالتارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم؛ ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آيةً ثم نسيها، وإن كان قبل الحفظ لا يتعين عليه.
ثانيهما: أن مداوِم الخير ملازمٌ للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يومٍ وقتًا ما كمن لازم يومًا كاملًا ثم انقطع، يعني شخص عنده عمال، خصص اثنين منهم للقهوة مثلًا، واحدًا منهم في يوم من الأيام سوّى له عشر قلال وعشر برقان وقال: خلاص ترتاح عشرة أيام، والثاني كل يوم دلة وإبريق هذا يقولون: هذا مداوم للخدمة، مداوم للخدمة وليس من لازم الباب في كل يوم وقتًا ما يعني بالتدريج ليس كمن لازم يومًا كاملًا ثم انقطع، هذا مثال محسوس، لكن من حفظ هذا الجزء في هذا اليوم وأسعفته الحافظة وضبطه وأتقنه، وانصرف بعد ذلك لأعمالٍ أخرى شرعية لا يذم، وقل مثل هذا فيمن لزم علمًا واحدًا وترك العلوم الأخرى حتى ضبطه وأتقنه، يختلف وضعه عمن أدخل علومًا كثيرة في يومٍ واحد، ونوعها وأخذها بالتدريج.
على كل حال كلام ابن الجوزي مفاده أولًا: أن من عمل عمل خير ثم تركه لا شك أنه يشبه -ولو لم يقع في هذا- يشبه من خدم ثم أعرض وترك، وسئم ومل، مثل هذا مذموم، وأيضًا: قسمة الخدمة على الوقت بحيث يلازم الخدمة الوقت كله أفضل ممن يخدم مقدار ما خدمه الآخر في وقتٍ يسير ثم ينقطع.
وعلى كل حال العمل الذي يشق على الإنسان بحيث يحمله على الترك عمله مفضول، بخلاف العمل الذي يؤخذ بالتدريج ومع الوقت لكنه يستمر، فالاستمرار بالخدمة مطلوب بقدر ما يتحمله الإنسان ويطيقه.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: كان رجلان أخوان فهلك أحدهما" هلك يعني مات، وهذه اللفظة هلك في النصوص مستعملة {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} [(34) سورة غافر] في حق من؟ في حق يوسف نبي من الأنبياء {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} [(34) سورة غافر] لكن في عرف الناس اليوم لو يذكر لك شيخ من كبار العلماء المسلمين، تقول: هلك فلان، استعمالها العرفي منكرة، هل تستطيع أن تقول لشخصٍ من أهل العلم والعلم: هلك فلان، أو فلان الهالك، في كتب التراجم بالنسبة للمخالفين الذين عندهم مخالفات كبيرة يقال: هلك فلان، هلك، هلك الجهم سنة كذا، لا مانع، لكن تقول: هلك أحمد بن حنبل لا يمكن، فاستعمالها الشرعي في مقابل مات، واستعمالها العرفي إنما تطلق في حق من عنده مخالفات، لا سيما إذا كانت كبيرة، هلك هالكٌ، لكن هل تستطيع أن تقول: هلك أبي عن زوجة وثلاثة أبناء؟ تستطيع تقول هكذا؟ نعم ما تستطيع، لكن شخص مجهول أمره سهل.
المقصود أنها تستعمل في النصوص بإزاء مات، وجاء استعمالها في القرآن بحق نبي، لكن استعمالها العرفي خصها بمن عنده مخالفات كبيرة.
"فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فذكرت فضيلة الأول" يعني جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه مات شهيدًا، يعني قتل في سبيل الله، ذكرت فضيلته ومدح، هنيئًا له مات في سبيل الله "فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ألم يكن الآخر؟)) أو الآخِر أو الآخَر، الآخِر يعني المتأخر، والآخَر يعني الثاني الذي تأخر عن أخيه ((ألم يكن مسلمًا؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، وكان لا بأس به" يعني هذا اللفظ يفهم أن هذا الرجل من أوساط المسلمين لا بأس به، رجل لا بأس به، يعني من أوساط المسلمين "وكان لا بأس به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟)) يعني خلال مدة الأربعين يومًا، كم صلى في الأربعين؟ صلى من الفرائص مائتي صلاة، ومن النوافل ما الله به عليم، هذه في ميزان حسناته إذا فعلها مخلصًا لله -جل وعلا- ((وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟)) يعني خلال المدة التي قضاها بعد أخيه ((إنما مثل الصلاة كمثل نهرٍ غمرٍ -يعني كثير الماء- عذبٍ بباب أحدكم)) كمثل نهر غمر كثير الماء وصف، لا شك أن له أثره في إزالة الدرن والأوساخ، لكن عذب يعني هل العذب أبلغ في إزالة الأوساخ والأدران من غيره؟ مقتضى الخبر نعم ((كمثل نهرٍ غمرٍ عذبٍ بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات)) هذا الشخص الذي يغتسل خمس مرات في اليوم يبقى من وسخه شيء؟ لا ((فما ترون ذلك يُبقي من درنه؟)) الدرن: المقصود به الوسخ ((فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته)) والجواب: لا، ما يبقى من درنه شيء ولا من وسخه شيء إذا كان يغتسل في اليوم والليلة خمس مرات ((فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته)) أعاده زيادة تأكيد في البعد عن التفضيل بلا علم، يعني كونك تجزم بأن هذا مات، نعم هو على خير -إن شاء الله تعالى-، لكن لا يلزم منه أن يكون أفضل ممن بقي بعده.
بقي حديثان، يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عطاء بن يسار كان إذا مرَّ عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك؟" يبيع في المسجد "دعاه فسأله ما معك؟ وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة" نعم المسجد ما بنيت المساجد للبيع والشراء، إنما بنيت لذكر الله، الصلاة، لتلاوة القرآن، للذكر، لتعليم العلم، هذا سوق الآخرة، فينبغي أن تخصص لما يبتغى به وجه الله -جل وعلا-؛ أخذًا من قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه تجارة الآخرة، وتجارات الدنيا أبوابها مشرعة، لكن في غير المساجد، فمن أراد تجارة الآخرة فليحضر إلى المسجد، من أراد تجارة الدنيا يذهب إلى الأسواق.
والصلاة من أفضل ما تلتمس به وتبتغى تجارة الآخرة كما في آية فاطر، وكذلك التلاوة والإنفاق في سبيل الله، وكذلك انتظار الصلاة {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه التجارة، يعني لو إنسان حسب ووازن بين تجارة الدنيا وتجارة الآخرة قال: يا أخي الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة، وإذا ذهبنا سوق التجارة وضاربت في الأسهم وما الأسهم افترض أنك كسبت المكاسب كم تكسب؟ الجزء الواحد بربع ساعة فيه مائة ألف حسنة، هل يستطيع أرباب الدنيا أن يكسبوا..؟ دعنا من الذين يتاجرون بأمورٍ الله أعلم بها، لكن الذين يطلبون التجارة من وجهها بحقوقها وحدودها الشرعية بربع ساعة يكسبون مائة ألف؟ ما يمكن إلا في القليل النادر، إذا كان هناك صفقات كبرى، الله أعلم.
لكن عموم الناس إذا وازنا بين تجارة الدنيا وتجارة الآخرة صارت تجارة الدنيا لا شيء بالنسبة لتجارة الآخرة، ولذا جاء في الحديث: ((من نفس عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب الآخرة)) ما قال: كرب الدنيا والآخرة؛ لأن كرب الدنيا لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة، بينما الشق الآخر من الحديث: ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) الستر مطلوب في الدنيا، لكن الكرب -كرب الدنيا- لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة، وهكذا نقول: إن تجارة الدنيا لا شيء بالنسبة لتجارة الآخرة.
وجاء في الحديث: ((إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)).
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه" كذا ليحيى ولغيره: مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله عن أبيه "أن عمر" يعني متصل "بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء" تصغير بطحاء "وقال: من كان يريد أن يلغط" يعني مكان ألحقه بالمسجد وإن لم يكن منه، لمن أراد أن يلغط، ويتحدث فيما لا ينفع، ومن يريد أيضًا تجارة الدنيا أو من تريد المكث فيه من أهل الأعذار ممن يمنع دخوله في المسجد "من كان يريد أن يلغط" يتكلم بكلامٍ فيه لغط وجلبة واختلاط "أو ينشد شعرًا" والمراد به الشعر غير المباح، أما الشعر المباح فقد كان ينشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا أنكر حسان على عمر -رضي الله عنهما- لما أنكر عليهم إنشاد الشعر، فقال: أنشدته بين يدي من هو خيرٌ منك، يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أو ينشد شعرًا، أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة" تعظيمًا للمسجد؛ لأن المساجد إنما بنيت للصلاة، وإقامة ذكر الله -جل وعلا-. والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"أربع خواتم من ستين مائتين وأربعين ريالا أقل من النصاب، فلا زكاة فيها، والله أعلم.
أما قنوت النوازل فهو مشروع، قد قنت النبي -عليه الصلاة والسلام- شهرًا يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه، ودعا لأقوام مستضعفين ثم تركه؛ لأنهم قدموا، فقنوت النوازل مشروع بلا شك، خلافًا لمن لم يره من أهل العلم كالحنفية مثلًا، لكن تقدر هذه النوازل بقدرها، ويستفتح الدعاء بالثناء -وهو من آدابه- على الله -جل وعلا-، ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويدعو بكشف هذه النازلة ويسميها، يسمي هذه النازلة التي يراد كشفها، ويدعو على من أراد الدعاء عليهم من قبائل ومن أفراد، ويدعو على عموم الكفرة بالهلاك.
وقد مرَّ بنا في الموطأ قول التابعي: "أدركتُ الناس وهم يدعون على اليهود والنصارى بالهلاك" مرَّ بنا هذا في هذا الكتاب، والله المستعان، ومراده بالناس الصحابة، لكن على وجه الخصوص من زاد شره وطغى وبغى وتجبر.
طالب:......
هي نازلة، كلها نوازل، الأمة ما زالت في نوازل، والله المستعان.
طالب:......
لعن المعين، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: اللهم العن فلانًا وفلانًا، ثم نزل قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران] لأن منهم من أسلم.
طالب:......
على كل حال من آداب الدعاء الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أدعى للقبول.
جاء في السنة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)) هذا بالنسبة ليوم عاشوراء.
ثم من باب مخالفة اليهود قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) يعني مع العاشر، وجاء أيضًا قوله: ((صوموا يومًا قبله أو يومًا بعده)) أما وجوب أن يصام يوم عاشوراء، هو الصيام هو ليس بواجب فضلًا عن يوم قبله أو يومًا بعده.