شرح العقيدة الواسطية (31)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله رب العالمين: وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وهم وسط في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الرافضة والخوارج.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- فيما بقي في الدرس الماضي، يقول: إلى أمثال هذه الأحاديث..، المؤلف -رحمه الله تعالى- في هذه العقيدة المختصرة النافعة الجامعة أورد ما يؤيد مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات من الآيات، ثم أردف ذلك بالأحاديث الدالة على الأسماء والصفات، وختم البابين -أعني باب الآيات وباب الأحاديث- بآيات الرؤية، ثم ختم أحاديث الصفات بأحاديث الرؤية، وهذا تطرقنا له في الدرس الماضي، ثم قال -رحمه الله تعالى- إلى أمثال هذه الأحاديث يشير -رحمه الله- بهذا إلى أنه لم يستوعب، ما جاء -رحمه الله- ما أورد جميع الأحاديث والآيات التي يستدل بها أهل السنة والجماعة على إثبات الصفات والأسماء إلى أمثال هذه الأحاديث، كأنه قال: إلى آخر الآيات والأحاديث، إلى أمثال هذه الأحاديث التي يُخبر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ربه بما يخبر به، فإن الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة الطائفة المنصورة وقد سبق شرح هذه الجملة في مقدمة الرسالة، أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية -أهل السنة والجماعة- في بداية الكتاب، فلا داعي إلى الإعادة بما يخبر به، فإن الفرقة الناجية -أهلَ السنة والجماعة- يؤمنون بذلك كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه، يعني -خلافًا- لأهل البدع، أهل البدع لا يستطيعون ماداموا ينتسبون إلى الإسلام فلا يستطيعون إنكار ما جاء في القرآن من حيث الثبوت؛ لأنه قطعي ولو أنكر أحد منهم حرفًا مما ثبت وأجمع عليه الصحابة ودون بين الدفتين يكفر، وهم يدَّعون الإسلام فلا يستطيعون التطاول على القرآن من حيث الثبوت، نعم تحايلوا على التحريف -تحريف المعاني كما تقدم، وأما بالنسبة للسنة فهي عندهم أو جلُّها أخبار آحاد، لا يثبت بها اعتقاد -هذا عند المبتدعة- ومشوا على هذا وبرروا نفيهم للأسماء والصفات بهذا، وخبر الواحد عند أهل السنة والجماعة إذا صح وثبت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- حُجة ملزِمة بإجماع من يُعتد بقوله من أهل العلم، حُجة ملزِمة تثبت به العقائد وتثبت به الأحكام ويثبت به التفسير وتثبت به القراءة ويثبت به المغازي والشمائل والسير والفضائل من الترغيب والترهيب، كل هذا يثبت بخبر الواحد إذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء بلغ بذلك درجة الصحة أو قصُر عنها في دائرة القبول، ولو كان حسنًا فإنه مقبول عند كل من يُعتد بقوله من أهل العلم، نعم من أهل العلم من لا يحتج بالحسن لكن الصحيح محل إجماع وجماهير أهل العلم على قبول الحسن في العقائد وفي الأحكام وفي غيرها من باب أولى، فالمبتدعة إنما توصلوا إلى ما أرادوا بهدم السنة، وهدمها بردها كما سمعتم هذه أخبار آحاد لا يثبت بها اعتقاد، ما تواتر من السنة يتعاملون معه مثلما يتعاملون بالقرآن مع القرآن، فيحرفونه ويتأولونه على غير وجهه ويحملونه على المحامل المرجوحة كما يؤمنون بما أخبر الله به في كتابه؛ لأن السنة وحي مثل القرآن كما قال -جلَّ وعلا-: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، من غير تحريف ولا تعطيل، من غير تحريف للمعاني، ولا تعطيل لما تضمنته ودلَّت عليه من أسماء وصفات، كما يقول بذلك الجهمية في الأسماء والصفات، وكما يقول المعتزلة في الصفات جميعها دون الأسماء، وكما يقوله الأشعرية في غالب الصفات؛ لأنهم لا يثبتون من الصفات إلا سبعًا وينفون الباقي، وبهذا يخرجون عن دائرة أهل السنة كما أشرنا في أوائل شرح الكتاب، ورددنا بذلك على السَّفَّاريني الذي أدخل الأشاعرة ضمن أهل السنة، فكيف يكون من أهل السنة من يرد السنة؟ من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، التكييف بيان الكيفية، فأولئك يغلون في النفي وهؤلاء يغلون في الإثبات، وهما على طرفي نقيض، فأهل السنة وسط بينهما، بين طائفتي النفي وطائفة التمثيل، والتكييف الغلو في الإثبات كما تقدم، من غير تكييف يعني بيان للكيفية التي أنكرها أهل العلم من سلف هذه الأمة وأئمتها، فلا يُسأل عن أي صفة بكيف، وأنكر الإمام مالك -رحمه الله- على من قال: كيف يستوي؟ الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة، وأمر بإخراجه من مجلسه، من غير تكييف وهو السؤال بكيف أو التعبير عن هذه الأسماء أو هذه الصفات بكيف والجواب عنها ببيان الكيفية.
ولا تمثيل، فلا يُقال: وجه كوجه المخلوق، ولا سمع كسمع المخلوق، ولا بصر كبصر المخلوق، كما قال بذلك غلاة المثبتة من المشبهة والممثلة، والشيخ -رحمه الله- لم يذكر التشبيه -كما تقدم في أول هذه الرسالة-؛ لأن التشبيه قد يقع في النصوص، لكنه من وجه دون وجه، فإذا جاء في النصوص كتشبيه رؤية الباري برؤية القمر ليلة البدر هذا تشبيه، «إنكم ترون ربكم -كما في آخر خبر من أخبار الصفات- إنكم سترون ربكم كما..»، هذه الكاف كاف التشبيه «كما ترون القمر ليلة البدر لا تُضامون في رؤيته» والتشبيه إذا كان من وجه دون وجه يعني الشبيه من كل وجه هذا هو التمثيل، لكن إذا كان تشبيه من وجه دون وجه فهذا لا يُنفى كما جاء في هذا الحديث، فالتشبيه هنا وقع تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، تشبيه مثلما ذكرنا وكررنا أنه يكون من وجه دون وجه فلا ينفى، وقد جاءت به بعض النصوص، أما التمثيل فهو منفي؛ لأنه يقتضي المماثلة من كل وجه، ومن الأمثلة على أن التشبيه لا يقتضي المماثلة ما قررناه مرارًا في حديث البروك «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه»، يعني من أهل العلم من يرى أن هذه مماثلة، أنه إذا قدم يديه قبل ركبتيه برك مثلما يبرك البعير وليس الأمر كذلك، وإلا لكان أول الحديث ناقض لآخره والعكس، كيف يقول: «وليضع يديه قبل ركبتيه» ونمنع مثل هذه الصورة التي أُمر بها؟ القول بالقلب لا داعي له مع إمكان حمله على معنى صحيح، يعني متى يُقال برك البعير؟ إذا نزل على الأرض بقوة وأثار الغبار وفرغ الحصى، برك كما يبرك البعير، أما إذا وضع مجرد وضع اليدين قبل الركبتين امتثل الأمر في الحديث، ولم يبرك كما يبرك البعير، فهنا التشبيه من وجه دون وجه.
طالب: .................
من هذا النوع، على كل حال التشبيه جاءت به بعض النصوص، لكنه لا يقتضي المماثلة، يعني التشبيه من وجه دون وجه لا يقتضي المماثلة، يعني أول زمرة تدخل الجنة وجوههم على صورة القمر ليلة البدر، احنا إذا قررنا الحق وفُهم انتهت المسألة، اسمع، الآن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، هل هذا مماثلة أو تشبيه؟ تشبيه؛ لأن ما هنا مماثلة القمر ليس فيه أنف وليس فيه عينان وليس فيه فم، هل هذه مماثلة؟ أو أن القمر في ذلك الوقت يكون له..، أبدًا القمر هو المقر، والتشبيه بالقمر من حيث النور والإضاءة وجوههم نيِّرة مضيئة كالقمر لا أنها طمس ما فيها؛ لأن المماثلة تقتضي أن تكون وجوههم ما فيها عينان ولا فم ولا أنف، المماثلة، نقول: لا أبدًا، هذا تشبيه من وجه دون وجه، فإذا فهمنا هذا زال عندنا كل إشكال، يعني بعض المبتدعة يفهم من أنا إذا أثبتنا وجهًا للخالق فإننا نثبته على صورة أحسن وجه مخلوق، بعض المبتدعة قالوا هذا؛ لأنه لا يليق بالله -جلَّ وعلا- أن يكون له وجه مثل وجه متوسط أو قبيح، ولا نعرف من الوجوه إلا هذا، إمام الأئمة ابن خزيمة قرر المسألة، وقال: نثبت لله -جلَّ وعلا- وجها يليق به كقول أهل السنة على ما يليق بجلاله وعظمته، ولا نشبهه ولا نمثله بوجه أي مخلوق، وإذا كانت المخلوقات لها وجوه وتتفاوت تفاوتًا كبيرًا ولا اقتضى ذلك مماثلة، الحمار له وجه، الجمل له وجه، النملة لها وجه، الجرادة لها وجه، القرد له وجه، هل هذه الوجوه تتماثل؟ وهذه كلها تشترك في كونها مخلوقة محسوسة، فكيف بالخالق الذي ليس كمثله شيء -تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا- المقصود أن مثل هذه النصوص لا تقتضي التمثيل بأي وجه من الوجوه، بل هم، يعني أهل السنة والجماعة، بل هم الوسط في فرق الأمة، يعني الفرق في أبواب الاعتقاد على طرفي نقيض؛ المبالغ في جهة اليمين، والمبالغ في جهة الشمال، وأهل السنة وسط بين هؤلاء الغلاة، أو في بعض الأبواب بين الغلاة والجفاة، إما أن يبالغ في النفي أو يبالغ في الإثبات وأهل السنة وسط في هذا كما سمعنا، أو يبالغ في الإثبات ويبالغ في إثبات ما يقتضي التنزيه والتعظيم ويبالغ أيضًا في الجفاء، ومع ذلك أهل السنة وسط بين هذا وهذا، فهم يعتقدون ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- في حق الله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كما في قوله -جلَّ وعلا-: {ليس كمثله شيء} هذه الجملة رد على أهل التمثيل والتكييف {وهو السميع البصير} رد على المعطلة، كما أن الأمة هي الوسط في الأمم الأمة المحمدية، وسط بين الأمم السابقة {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا}، يعني: عدولاً خيارًا، وإن كان اللفظ يراد به المعنوي عدولاً خيارًا، بحيث تقبل شهادتكم على غيركم؛ لأنكم عدول خيار وسط بين الأمم، وكذلك للفظ منه نصيب، فهم وسط أيضًا في أمورهم كلها بين اليهودية والنصرانية مثلاً، في باب الطهارة اليهود بالغوا في النظافة ولا تتم إزالة النجاسة بالماء بل بالقرض بالمقراض، والنصارى بالغوا في ملابسة النجاسات فلا تزال عندهم النجاسات، فالأمة وسط بينهم لا تصل المسألة إلى حد المقراض ولا يزاولون نجاسات، وقد جاء التحذير من مزاولة النجاسات، وأن أكثر عذاب أهل القبر بسبب عدم الاستبراء والاستنزاه من البول، كما في الحديث الصحيح.
وذكرنا أيضًا فيما سبق أن غسّالاً أمريكيًا دخل في الإسلام من غير دعوة، وبيّن السبب في ذلك بأنه تأتيه الملابس -ملابس النصارى- لا تطاق من رائحتها؛ لاشتمالها على النجاسات؛ لأنهم لا يستنجون وملابس المسلمين نظيفة ليس فيها روائح؛ لأنهم يستنجون، فالأمة المحمدية وسط بين اليهودية والنصرانية حتى في باب الغلو بالمخلوقين وفي حق الخالق، اليهود وصفوا الخالق بما يتنزه عنه فجعلوه كالمخلوق، والنصارى بالغوا في بعض المخلوقين فجعلوه بمنزلة الرب -جلَّ وعلا-، واليهود بالغوا في حق مريم، وفي حق المسيح فجعلوها بغيًّا وابنها -عليهما السلام- ولد بغي، والنصارى بالغوا فجعلوهما إلهين مع الله -جلَّ وعلا-، والأمة المحمدية رأيهم في المسيح وفي أمه مدون كما في سورة مريم وغيرها، ومن أجل ما جاء في المسيح في القرآن أسلم النجاشي ملك الحبشة، أسلم؛ لأنه سمع الحق في المسيح وسمع الإنصاف والعدل في المسيح، فالأمة وسط ولو عُرض الدين عرضًا صحيحًا من غير صد؛ لأنه يوجد مع الأسف من بعض المسلمين من يصد عن دين الله وهو لا يشعر، لو عُرض الدين عرضًا صحيحًا لأسلم من كان في قلبه أدنى شيء من العقل؛ لأنه هو المناسب للعقول السليمة والفِطر المستقيمة.
كما أن الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسط في باب صفات الله -سبحانه وتعالى- بين أهل التعطيل الجهمية الذين عطلوا الباري من أسمائه وصفاته، ومن وافقهم كالمعتزلة الذين ينفون جميع الصفات وإن أثبتوا الأسماء، والأشعرية الذين نفوا جل الصفات وغالب الصفات وإن أثبتوا البعض، وأهل التمثيل المشبهة يعني اقتران التشبيه بالتمثيل، يعني أن المراد بالتشبيه المقتضي للمماثلة والتمثيل.
طالب: .............
هم في باب -على ما سيأتي- هم في باب الصحابة من أهل السنة الدين أبواب، فإذا بحثت باب الأسماء والصفات أخرجتهم، إذا بحثت باب الصحابة أدخلتهم، هذا ما فيه إشكال على ما سيأتي إن شاء الله.
طالب: ............
عَمْد، قال: أهل السنة ثلاث فرق: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم أبو منصور الماتريدي، هذا رأيه وهذا اجتهاده على كل حال، لكن رد عليه أهل العلم في هذا.
طالب: ............
على كل حال القول بالإطلاق ما يمكن إدخالهم في أهل السنة؛ لأنهم خالفوا السنة، أما في أبواب من أبواب الدين يعني في باب الصحابة من أهل السنة، يعني إذا أردنا على ما سيأتي الآن نحن نستعجل هذه الأمور، فهم يوافقون أهل السنة في أبواب ويخالفونهم في أبواب، الأشاعرة عندهم بعض أبواب الدين أشر من المعتزلة في بعض أبواب الدين، وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم في باب أفعال الله المتعلقة بالمخلوق، يعني خلق الخلق وركب فيه قدرة يفعل بها وجعل له من الحرية والاختيار ما يناسبه، فالله -جلَّ وعلا- خلقكم وما تعملون، فالله -جلَّ وعلا- خالق الخلق وخالق أفعالهم، وللخلق مشيئة وإرادة، لكنها تابعة لإرادة الله ومشيئته، هذا قول أهل السنة، فلا يفعلون شيئًا استقلالاً، بمعنى أن الإنسان يفعل الفعل من غير خلق الله -جلَّ وعلا- القدرة فيه على هذا الفعل لا يستقل بالفعل، ومع ذلك هو حرٌّ من وجه يتصرف يعني إن شاء قام وإن شاء قعد، إن شاء جلس إن شاء ذهب إلى المسجد، وإن شاء ترك، له شيء من الحرية والاختيار، لكن الله -جلَّ وعلا- إذا لم يرد ذلك لن يكون، فحريته واختياره ومشيئته وإرادته تابعة لإرادة الله -جلَّ وعلا- ومشيئته، فهم بهذا القول وسط بين الجبرية الذين يقولون: إن العبد مجبور، تصرفاته يتصرف يروح ويجي ويذهب إلى المسجد ويترك كيفما شاء، قالوا: حركته هذه كحركة ورق الشجر في الريح، لا دخل له ولا دور في ذلك، فهو مجبور طيب، إذا كان مجبورًا على هذه الحركات كيف يعذب الرب -جلَّ وعلا-؟ يكون ظالمًا له بهذا، يجبره على فعل ثم يعاقبه عليه هذا ظلم، الله -جلَّ وعلا- هداه النجدين، وترك له حرية الاختيار بيّن له وهداه، ثم اختار غير ما أراده الله -جلَّ وعلا- إرادة شرعية، وإن لم يخرج عن الإرادة الكونية فالجبرية يلزم على قولهم: إن الله -جلَّ وعلا- ظالم لعباده الذين جبرهم على هذه الأفعال، ثم عاقبهم عليها، وكل إنسان يدرك من نفسه أنه إن شاء قام وإن شاء جلس، لكن إذا لم يقدر الله له القيام يستطيع؟ ما يستطع فهو مريد وهو مختار لكن هذه الإرادة تابعة لإرادة الله -جلَّ وعلا- وبين الجبرية والقدرية الذين يقولون: إن العبد يستقل بفعله ولا ارتباط بين قدرته وفعله مع قدرة الله ومشيئته أبدًا، فأثبتوا خالقًا مع الله -جلَّ وعلا-؛ ولذا جاء الخبر بتسميتهم مجوس هذه الأمة؛ لأنهم أثبتوا خالقين كما أن المجوس يثبتون خالقين، في قول الله -جلَّ وعلا-: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} هذه من يستدل بها؟ الجبرية {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} بمَ يُجاب عن استدلالهم؟ إذ رميت يعني أثبت له الرمي بعد نفيه، وما رميت إذ رميت فنفى الرمي وأثبت الرمي، إذًا يكون تناقض هذا، نقول: لا، متعلَّق الرمي الأول يختلف عن متعلَّق الرمي الثاني، فالرمي الأول المراد به الإصابة، وما أصبت إذ حدفت، ولكن الإصابة من الله -جلَّ وعلا- فالإنسان بإمكانه أن يأخذ حجر ويرميه، ما الذي يمنعه من هذا؟ لكن الإصابة بيد الله -جلَّ وعلا- وما أصبت إذ حدفت ولكن الله -جلَّ وعلا- هو الذي أصاب، بين الجبرية والقدرية النفاة هؤلاء يبالغون في الإثبات، في إثبات قدرة الله -جلَّ وعلا- مع نفي قدرة المخلوق أعني الجبرية، والقدرية على النقيض منهم يبالغون في إثبات قدرة المخلوق، ويبالغون أيضًا في نفي قدرة الخالق على فعل المخلوق، وأهل السنة وسط بينهم فهم يثبتون للمخلوق قدرة وإرادة ومشيئة يتصرف من خلالها، لكنها تابعة لإرادة الله -جلَّ وعلا- وقدرته ومشيئته، الرازي في تفسيره وهو علم من أعلام الأشاعرة ومُنَظِّر في مذهبهم، والخطر كبير على أوساط المتعلمين إذا قرؤوا في كتابه؛ لأن الشبه يوردها بقوة، سواء كانت الشبه التي يراها أو الشبه التي لا يراها كلها يوردها بقوة ثم يضعف عن رد ما لا يراه، يقرر ما يراه ويضعف عن رد ما لا يراه؛ فلهذا أوساط المتعلمين لا ينظرون في هذا الكتاب ويقرر الجبر في تفسيره والقدرية هم المعتزلة؛ ولذا يبالغ الزمخشري في نفي القدرة الإلهية ويثبت للمخلوق قدرة مستقلة، ويوافق المعتزلة في هذا الباب الرافضة فهم معتزلة في هذا الباب؛ ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله- في كتاب منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة القدرية، فهم يبالغون في إثبات الخلق للمخلوق ونفيه عن الخالق، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم في باب وعيد الله يعني ووعده، بين المرجئة والوعيدية بين من يقول: لا يضر مع الإيمان عمل، وهؤلاء هم المرجئة يقولون: إيمان أفسق الناس كإيمان جبريل، مادام ثبت الإيمان وصدّق لا يضره أي عمل يعمله ولو زنى ولو سرق ولو فعل الفواحش كلها، ولا فرق بين من يستغل العمر كله في الفواحش والمنكرات والظلم والبغي والعدوان وبين من يستغله في طاعة الله -جلَّ وعلا- ونفْع الخلق، كلهم مؤمنون كاملو الإيمان، هؤلاء هم الغلاة من المرجئة، والجهمية من هذا النوع غلاة في الإرجاء، وهناك من يسمون مرجئة الفقهاء لا يدخلون العمل في مسمى الإيمان لكنهم مع ذلك يوافقون أهل السنة في كونه يعاقب على ما يفعله من منكرات، فلا يستوي عندهم المؤمن المطيع وبين المسلم العاصي لا يستوي عندهم؛ لأن هذا يعاقب على هذه المنكرات، لكن الأعمال لا تدخل في مسمى الإيمان، وهذا الفرق بينهم وبين أهل السنة، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، في باب الوعيد جاء الوعيد على من قتل، جاء الوعيد على من زنى، جاء الوعيد على من أكل الربا، وعلى من أكل مال اليتيم، وعلى من عق والديه، وعلى من شرب الخمر، جاء الوعيد على هذه المنكرات وعلى غيرها، المرجئة يقولون: كل هذا لا أثر له، لا فرق بين هذا والصلاة، لا فرق بين كونه يسرق ويزني ويظلم ويعق والديه وبين كونه يصلي ويصوم النوافل الليل والنهار، الإيمان كامل ما فيه إشكال، ولا يضر مع الإيمان أي عمل، الوعيدية على النقيض، قالوا من فعل المنكرات من فعل الكبائر خرج عن دائرة الإيمان فليس بمؤمن، ليس بمؤمن، كيف ليس بمؤمن؟ {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} سماهم مؤمنين، {فمن عفي له من أخيه شيء}، أخوه، سماه أخاه، كيف يصير أخاه وهو قاتل، هذا من وجهة نظر الوعيدية، ما هو أخ خرج من الإيمان، لكنهم يختلفون فيما آل إليه الأمر من التسمية، فمنهم من يقول: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فهو بمنزلة بين المنزلتين، وهذا قول المعتزلة، ومنهم من يقول: خرج من الإيمان ودخل في الكفر وهم الخوارج، ويتفقون المعتزلة والخوارج يتفقون في حكمه في الآخرة وهو أنه خالد مخلد في النار يعذب كعذاب الكفار، لكنه في الدنيا لا يكفر عند المعتزلة وليس بمؤمن، وإنه في منزلة بين المنزلتين، وأما عند الخوارج فمباشرته لهذا الذنب لهذه الكبيرة خرج إلى الكفر، ومآله مآل الكفار، يُخلد في النار -نسأل الله العافية- وأهل السنة وسط بين أولئك الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان عمل ولو ارتكب أكبر المنكرات وأفحش دون الشكر كالشرك، الشرك عندهم لا شك أنهم يتفقون مع أهل السنة أن المشرك أن الله لا يغفر أن يشرك به، لكن ما دون الشرك ليس تحت المشيئة هذا مغفور منتهي، مفروغ منه عند المرجئة، وعند الخوارج العكس، يكفر ويخرج من دائرة الإسلام، فأهل السنة وسط فلا يثبتون له الإيمان المطلق، ولا ينفون عنه مطلق الإيمان، فيقولون: مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، وهذا الذي تجتمع عليه النصوص هذا.
طالب: ...............
لا، في الدنيا ما يسمونه كافرًا ولا مسلمًا.
طالب: ..................
يصير بين المنزلتين.
طالب: ..................
لا، يلزمهم، قل: يلزم على قولهم أن يكونوا في الآخرة لا في الجنة ولا في النار، بين المنزلتين.
طالب: ..................
هذا الكلام في الدنيا يقولون: خرج من الإيمان «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب ...» إلى آخره «ولا يسرق السارق وهو مؤمن» هم يستدلون بمثل هذه النصوص، ويستدلون أيضًا بآية القتل العمد في آية النساء، المقصود أن لهم أدلة، لكن هذه الأدلة إذا أخذت بمفردها تمسك بها هؤلاء، وأدلة الوعد إذا أخذت بمفردها تمسك بها المرجئة، لكن كيف نضرب نصوصًا بنصوص أهل السنة وفقهم الله -جلَّ وعلا- للعمل بهذه الأدلة، والعمل بهذه الأدلة وعلى هذا أتباعهم إلى يوم القيامة، أنت لو رأيت شخصًا متشددًا متطرفًا، هل تلقي عليه نصوص الوعيد؟ لا، لأنك تزيده في تطرفه، تلقي عليه نصوص الوعد، نعم، لأنك تجره إلى حضيرة التوسط، فنصوص الكتاب والسنة علاج، جاءت على هذه الكيفية؛ لتكون علاجًا للمشكلات، فمن وُجد من أهل التطرف والتشديد يعالَج مرضه بنصوص الوعد والعكس، إذا وجد شخص متراخي يعالج بنصوص الوعيد، وهذا الأدلة دلت عليه، يعني عبدالله بن عمرو بن العاص لما جاء متحمس يبي يصوم الليل، ويقوم النهار، ويختم كل يوم، بم عالجه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ مه عليكم من الدين ما تطيقون «إن الدين يسر ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه»، يقال مثل هذا للمتحمس مثل عبد الله بن عمرو، فيقال: اقرأ القرآن في شهر، كل يوم جزء، تقرأ القرآن في شهر، لكن ما يقال لكل الناس، مثل هذا شخص ما يفتح المصحف إلا من رمضان، يقال له: اقرأ القرآن في شهر؟ يقال له: السلف يختمون كل ليلة وعساه يقرأ القرآن، فمثل هذه النصوص إنما جاءت علاجًا لمشاكل، وإلا فمن الأصل تأتي النصوص في الوسط، ثم من تعالج؟ فهذا السر في كون القرآن يشتمل على ما يستدل به جميع الطوائف، لكن التوفيق بين هذه النصوص والنظر بالعينين هو مذهب أهل السنة والجماعة، فتجد المرجئة ينظرون بعين واحدة، والوعيدية ينظرون بعين واحدة، وأهل السنة ينظرون بالعينين، فينظرون إلى هذه النصوص وإلى هذه النصوص ويوفقون بينها، ويعالجون المشكلات؛ ولذا صاروا بين الفرق كلها وسط في جميع أبواب الدين.
طالب: ................
هم في الدنيا يعاملون معاملة المسلمين؛ لأنه ما كفر، ما خرج من دائرة الإسلام، ما كفر عندهم يقينا، وخروجه من الدائرة مشكوك فيه، لكنهم يجعلونه في المنزلة لا هذا ولا هذا.
يقول -رحمه الله-: في باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة من جهة وبين المرجئة والجهمية، وهذه المسألة ارتباطها وثيق مع المسألة السابقة، ارتباطها بالمسألة السابقة، فهم وسط بين هاتين الفرقتين في الحكم عليه في الدنيا وفي الحكم عليه في الآخرة، فماذا يسمى في الدنيا في باب أسماء الإيمان والدين؛ لأن عندنا من الأسماء مؤمن، مسلم، منافق، كافر، هذه الأسماء، في باب الأسماء والدين بين الحرورية والمعتزلة فأهل السنة يسمونه مؤمنًا، المقصود مرتكب الكبيرة مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته، أو مؤمن ناقص الإيمان، ويسلبون عنه الإيمان المطلق فلا يكون كامل الإيمان، ويثبتون له مطلق الإيمان، بينما الحرورية والمعتزلة يسلبونه الإيمان بالكلية، لكن الخلاف بين الحرورية الذين هم الخوارج، نسبة إلى حَرَوْرَاء ظهر منها الخوارج في أول الأمر؛ ولذا تقول عائشة -رضي الله عنها- لما سألتها لِمَ تقضي الحائض الصيام دون الصلاة؟ قالت لها: أحرورية أنتِ؟ يعني: هل أنت من الخوارج؟ قالت: لا، ولكني أسأل، المقصود أن هؤلاء الحرورية المقصود منهم الخوارج والمعتزلة، الحرورية يقولون: كفر، ارتكب كبيرة خرج من دائرة الإيمان إلى الكفر، والمعتزلة لا يطلقون عليه الكفر، وإنما يقولون في المنزلة بين المنزلتين، ويلتقون في حكمه في الآخرة؛ لأنه خالد مخلد في النار عند الطائفتين كلتيهما، وبين المرجئة والجهمية هؤلاء يقولون: مؤمن كامل الإيمان، مع أن الإرجاء درجات، والسبب فيه في التسمية، تسمية المرجئة مرجئة؛ لأنهم أرجؤوا يعني أخروا، {قالوا أرجه وأخاه} يعني: أخِّرْه، أرجؤوا العمل عن الإيمان، فجعلوا العمل غير الإيمان الإيمان، يكمل بغير العمل، وعند أهل السنة لا يكمل إلا بالعمل، فهم وسط بين هاتين الطائفتين؛ بين الحرورية والمعتزلة من وجه وبين المرجئة والجهمية في الطرف الآخر، وهداهم الله -جلَّ وعلا- إلى القول الوسط الذي به العمل بجميع النصوص، نعم، الحرورية والمعتزلة عملوا بنصوص، والمرجئة والجهمية عملوا بنصوص وأهملوا نصوصًا، وأولئك عملوا بنصوص وأهدروا نصوصًا، ولا يجوز ضرب النصوص الشرعية بعضها ببعض، وهدى الله أهل السنة؛ لأنهم وفقوا بين هذه النصوص ولم يضربوا بعضها ببعض.
وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الرافضة والخوارج، والمقصود بالصحابة هنا أهل البيت، وإلا لو أراد مطلق الصحابة مع أن الخوارج نواصب في الجملة، في باب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابة منهم القرابة، ومنهم من صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- وشارك القرابة في هذا الوصف، لكنهم ليسوا من قرابته، وللطائفتين -أعني القرابة والصحابة- في عنق كل مسلم حق عظيم؛ لأن القرابة هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة هم الذين حملوا الدين عنه -عليه الصلاة والسلام- وبلغنا من طريقهم، يعني لولا جهود الصحابة في حفظ الدين وحفظ ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو انقطعت الصلة بيننا وبينهم، كيف يصل إلينا الدين؟ فلهم في أعناقنا منة عظيمة فنترضى عنهم ونتولاهم، وكذلك نحفظ حق قرابة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذين وصانا بهم -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة للقرابة غلا فيهم فرق الشيعة بما فيهم الرافضة والزيدية، غلوا فيهم، وبالغوا في حقهم، لكن الرافضة رفضوا الصحابة بما في ذلك أبو بكر وعمر، كفروهم وجعلوا جل الصحابة ارتدوا بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- وبالغوا في حق القرابة، وصرفوا لهم ما لا يجوز صرفه من حقوق الله -جلَّ وعلا- فدخلوا في الشرك، يعني على مرأى ومسمع من الناس يقولون: يا علي، يا حسين، هذا الشرك الأكبر، بالغوا في هذا الباب، وقابلهم النواصب ومنهم الخوارج الذين كفّروا عليًّا -رضي الله تعالى- عنه، وكفَّروا غيره من الصحابة، كفّروا عليًّا، وكفَّروا معاوية، وكفَّروا جل الصحابة ممن رضي بالتحكيم، وأهل السنة يتولون القرابة كما أنهم يتولون الصحابة، وينزلون كل إنسان منزلته بحدود ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- ومثلما قررنا القرابة لهم حق عظيم {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} فالقرابة لا شك أن لهم حقًا عظيمًا في عنق كل مسلم إلى قيام الساعة، والمقصود بالقرابة من هو على الجادة؛ أوائلهم علي -رضي الله عنه- والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر وجعفر الصادق، كل هؤلاء أئمة، حتى لأهل السنة يروون عنهم الأحاديث ويتولونهم ويرون أنهم حق، وكذلك من تبع النبي -عليه الصلاة والسلام- على جادته من أولادهم وأحفادهم إلى قيام الساعة، ويتولون الصحابة على ما ذكرنا، الرافضة غلوا في الصحابة، النواصب غلوا في القرابة وكفروا الصحابة، إلا نفر يسير هم مدونون في كتب أهل العلم، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- تولى الرد عليهم، وبين منزلة الصحابة.
بالمقابل النواصب الذين نصبوا العداء لأهل البيت، وبالغوا في خصومهم من بني أمية، هؤلاء يسمون نواصب والخوارج يكفرون عليًّا ويكفرون معاوية، ويكفرون الصحابة؛ ولذا سموا خوارج فمن اتصف بهذا الوصف سمي خارجيًا، من كفَّر المسلمين فهو خارجي، من كفَّر بالكبيرة خارجي، المقصود أن من غلا بأهل البيت ورفض غيرهم من الصحابة فهو رافضي، (من غلا بأهل البيت وقدمهم على غيرهم من الصحابة ولم يكفرهم فهو زيدي؛ لأن الزيدية يتولون أبا بكر وعمر، لكنهم يقدمون عليه عليًا -رضي الله عنه-)؛ ولذا سموا رافضة؛ لأنهم رفضوا الشيخين ورفضوا زيد بن علي؛ لأنه تولى الشيخين فرفضوه فسُمُّوا رافضة، وإلا فالأصل واحد، والكلام والزمن والوقت لا يتسع لبسط مثل هذه المسائل، لكن الله -جلَّ وعلا- هدى أهل السنة واتبعوا نبيهم -عليه الصلاة والسلام- وآمنوا بما جاء به من كتاب وسنة، مما فيه مدح الطائفتين مدح القرابة ومدح الصحابة، فهم يتولون الصحابة كما يتولون القرابة؛ ولذا قالوا في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الرافضة والخوارج، فهم وسط في هذا كله، فعرفوا لأهل الفضل فضلهم يستوي بذلك الصحابة كما يتولون القرابة، قد يكون في الشخص الواحد شيء مما هو خليط من أكثر من مذهب، فقد يكون في الأصل على مذهب أهل السنة والجماعة ثم يوافق المعتزلة في مسألة، أو يوافق الجهمية في مسألة، أو يوافق فرقة ثانية في مسألة من المسائل وبقية المسائل على الجادة أو العكس، فمثل هذا لا يأخذ الاسم المطلق؛ وإنما يقال: فيه كذا، فيه رفض، فيه نصب، كما تجدون في تراجم الرواة، فيه تشيع، فيه نصب، فيه تمشعر، فيه كذا، المقصود أنه لا يوافق الأشعرية في جميع ما يقولون، مثل هذا لا يأخذ الاسم المطق، إنما يبقى في دائرة المذهب الأصلي ويشار إلى ما عنده من مخالفة، يعني لو كان على الجادة على مذهب أهل السنة في كل شيء وافق المعتزلة في فناء الجنة والنار، نقول: معتزلي؟ لا، كما يُذكر عن منذر بن سعيد البلوطي، هو الأصل من أهل السنة، لكنه وافق المعتزلة في هذه المسألة، قد يوافق المعتزلة، كما هو القول في أهل الكتاب، هل يقال: هم مشركون أو لا؟ هم كفار إجماعًا، خالدون مخلدون في النار كفار، ما يختلف في هذا أحد، لكن هل يقال: إنهم مشركون أو لا؟ {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين}، من أهل العلم من يقول: هم مشركون أشركوا المسيح مع الله -جلَّ وعلا-، وأشركوا -يعني اليهود- عزيرًا مع الله -جلَّ وعلا-، فهم مشركون، لكن القرآن الذي نزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأثبت شركهم فرق بينهم وبين المشركين في مسائل، فهل حكمهم حكم المشركين؟ أو أنهم يأخذون حكمًا خاصًّا مع أنهم كفار، كفر أكبر لا يدخل في الأسلام لا من قريب ولا من بعيد، ما دخلوا في الإسلام أصلاً، لكن هل يقال: هم مشركون؟ فنحتاج إلى تخصيص، إلى نص مخصِّص لتحريم نساء المشركين، أو نقول: هم خرجوا، ليسوا من المشركين وإن كانوا كفارًا، وإنما فيهم شرك، فقد يقال: فيه نصب، فيه تشيع، فيه تمشعر، فيه شرك، فيه نفاق، فيه جاهلية، قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر: «إنك امرؤ فيك جاهلية»، هل يعني أنه جاهلي؟ لا، الذي قرره الحافظ ابن رجب أنهم وإن كانوا كفارًا بالإجماع ومن شك في كفرهم فهو كافر، هذا ما قرره أهل العلم، لكن هل يطلق عليهم الشرك بحيث يحتاجون إلى تخصيص من نصوص أكل ذبيحة المشرك، نكاح المشركة، أو نقول: هم خارجون من الأصل ونصوصهم مستقلة وفيهم شرك لا يعني تحريم ذبائحهم ولا يعني تحريم نكاح نسائهم، والخلاف في مثل هذا ظاهر، لكن يبقى أنه في المآل والنهاية واحد، فيكون الخلاف كاللفظي، والذي قرره ابن رجب أنهم ليسوا مشركين وإن كانوا كفارًا بالإجماع، ومن شك في كفرهم فهو كافر، ومع ذلك لا يقال: إنهم مشركون، بل فيهم شرك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كل هذا لا يجوز؛ لأن هذا سفر، والسفر لا يجوز إلا بمحرم، ولو كانت المسافة ساعة، لا يجوز السفر بغير محرم، فالسفر من بلد إلى بلد ولو كان بالطائرة ولو كان الغالب على الظن السلامة، لكن مع ذلك هو سفر لا يجوز أن يقطع بغير محرم، وكم من كارثة وقعت في الطائرات، وكم من امرأة استُدرجت في هذه الأماكن؛ لأنها سافرت بغير محرم وحصل قضايا وحوادث في المطار قبل الصعود إلى الطائرة بسبب التساهل في المحرم، واحدة تقول: إني تعرفت على هذا الشاب في المطار، أحسن علي وأكمل الإجراءات، وأنا امرأة ما معي أحد في المطار، أكمل الإجراءات وكتب رقمه فاتصلت عليه لأشكره، المهم أنه استدرجها حتى حصل ما حصل -نسأل الله السلامة والعافية- وفي الطائرات يحصل ما يحصل وقضايا كثيرة، وفي القطار أيضًا، الآن يتساهلون الناس يودعها في المحطة محطة هنا، ويستقبلها أخوها هناك، وفي القطار يحصل ما يحصل، مع أنه عرضة للخراب وقد حصل، فماذا عن هؤلاء النسوة اللاتي لا محارم معهن، والرحلة قد تكون بالليل في الظلام يتعطل القطار تتعطل أنواره، وفي الطائرة كذلك قد تُضطر إلى الهبوط في مكان غير المقرر، المقصود لا من استحضار هذه الاحتمالات، مع أن المرجع في هذا كله إلى النص، ولو غلب على الظن السلامة، وبسبب هذا التساهل وقعت الكوارث ووقعت المصائب، وكم من بيت هُدم بسبب هذا التساهل، والذي يتحمل المسؤولية أولاً وآخرًا الزوج أو الأب إن لم تكن متزوجة، ومع ذلك من باشر المعصية هو المسؤول عنها، لكن أيضًا المتسبب فيها له نصيب كبير والعتب واللوم عليه، والله -جلَّ وعلا- جعل هؤلاء النسوة أمانة في أيدي وُلاتهن، فالذي يفرط في هذه الأمانة خائن للأمانة -نسأل الله السلامة والعافية- وغاش لرعيته.
تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر عن عمد مع الذكر أمر عظيم خطير جدًّا، حتى قال جمع من أهل العلم: إنه إذا أخرها عن وقتها عمدًا، فإنه لا يقضيها، بل أفتى بعضهم بكفره، القول بعدم القضاء يؤيد القول بكفره؛ لأنه لو كان مسلمًا للزمه القضاء، وقد نقل ابن حزم الإجماع على ذلك على أنه لا يقضيها إذا أخرها عمدًا، فالأمر خطير جدًّا، تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر شأنه عظيم، مع أن نقل الإجماع من قبل ابن حزم فيه ما فيه؛ لأنه نُقل الإجماع على نقيضه أن من أخر الصلاة عمدًا فإنه يجب عليه قضاؤها، فإذا أمر بقضائها إذا أخرها بعذر فلئن يقضيها إذا أخرها من غير عذر من باب أولى، وعلى كل حال القضاء هو المتوجه وهو الذي يترجح عندي، يبقى أن المسألة مادام الخلاف فيها إلى هذا الحد يصل، فالأمر خطير، بعضهم يستنبط من حديث: «إذا تزوج البكر على غيرها -يعني زوجة ثانية- فإنه يمكث عندها سبعًا، ثم يقسم، وإذا تزوج الثيب مكث عندها ثلاثا ثم يقسم»، ويقول: إن هذا حق للمرأة الثانية التي أُدخلت على ضرة، من حقه أن يجلس عندها سبع ليالي إذا كانت بكرًا، ويجلس عندها إذا كانت ثيبًا ثلاث ليالٍ، ويقول: إن مقتضى هذا الحديث أن هذا عذر في ترك الجمعة والجماعة، وهذا استنباط باطل؛ لأن هناك من الأمور ما هو مستثنى شرعًا، فالصلاة مستثناة من هذا الحق، كما أن من تعاقد مع غيره على وظيفة في أثنائها صلاة يجب عليه أن يؤدي الصلاة في وقتها، ووقت الصلاة مستثنى شرعًا من هذه الوظيفة، فلو قال موظف: أنا لا أستطيع الخروج إلى صلاة الظهر وأنا في الدوام، وأنا أجير لا يجوز أن أفرط بشيء، نقول: لا يا أخي، أنت أجير ووقتك ليس ملكًا لك، لكن مع ذلك وقت الصلاة مستثنى شرعًا، وكذلك لو تخلل الدوام صلاة العصر أو المغرب أو العشاء فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها بحال إلا لعذر، يعني مبرر شرعي، فهذا الذي يؤخر صلاة المغرب ليلة الزفاف وما يدريه يمكن أن لا يوفق في زواجه، ويكون زواجه وبالاً عليه فلا يوفق فيه، فعليه أن يتقي الله -جلَّ وعلا- ويؤدي الصلوات في وقتها، ويؤدي حقوق الله -جلَّ وعلا-، فدين الله أحق بالقضاء، لا بد من اعتبار حق الله -جلَّ وعلا-؛ لأنك خلقت من أجله، خلقت لتحقيق العبودية، والصلاة من أعلى أنواعها وأبوابها، سأل سائل وأصر إلا أن يجاب سؤاله، وقال: هذه ضرورة وكنت مشغولاً، أو على الهاتف، قلت: مادام ضرورة نشوف وإيش هذه الضرورة؟ قال: عندي سؤال ضرورة، قلت: هات، قال: هل يجوز جمع صلاة العشاء إلى صلاة المغرب؟ قلت من أجل إيش؟ قال: إن الزوجة سوف تحضر زفاف، وإذا توضأت للعشاء وقد استعدت لهذا الزفاف المكياج يخرب، قلت: يا أخي، إذا وصل بنا الحد إلى هذا سفاسف الأمور تُقدم على عظائم الأمور، لا شك أن هذا خذلان -نسأل الله السلامة والعافية- يعني رأس مالك صلاتك وإيش عندك غيرها؟ يعني بعد أن تنطق بالشهادتين ما فيه أعظم من الصلاة، فيقول: إن المرأة تريد أن تجمع صلاة العشاء إلى صلاة المغرب من أجل أن لا تتوضأ لصلاة العشاء، هذا ضلال في الرأي -نسأل الله السلامة والعافية- وهذا خِفة في الدين، كيف يجرؤ المسلم أن يسأل مثل هذا السؤال والله المستعان، وهذا يريد أن يتزوج ويؤخر صلاة المغرب، هذا لا عذر له، وليس الزواج من الأعذار التي نص عليها الفقهاء، وليست من الأعذار الواردة في الشرع، بالمقابل واحد من كبار الشيوخ دخل على زوجته أول ليلة -ليلة الزفاف- فتذكر آية فأشكل عليه معناها في أول الليل، وقد دخل عريسًا، فذهب إلى مكتبته، نزل إلى مكتبته، ومن تفسير إلى تفسير إلى أن أذن الفجر {إن سعيكم لشتى} هذا يسأل يبي يؤخر الصلاة، وهذا قدم العلم على زوجته، ودين الله -جلَّ وعلا- وسط كما سيقرر شيخ الإسلام في درس اليوم يعني لا هذا الذي ترك العروس ليلة كاملة من أجل تفسير آية، تفسير آية، القرآن كلام الله ويجب أن يُعنى به المسلم، فضلاً عن طالب العلم أو العالم، لكن لو أنه أخذ من الكتب ما يكفيه وأجل الباقي إلى النهار لكان أولى، مع أن هذا من الكبار الذين ليس من حقنا أن نستدرك عليه، لكن مع ذلك يأتي بالمقابل من يؤخر الصلوات من أجل ليلة الزفاف والله المستعان.
هذه الأمور ذُكرت في أشرطة رُتبت لطلاب العلم باختلاف مستوياتهم سُميت كيف يبني طالب العلم مكتبته فليُرجع إليها.
القصائد الغزلية التي تُثير الشهوة عند المسلم لا يجوز سماعها، فالغزل منكر والتشبيب بفلان وفلانة هذا كله من المنكر عند أهل العلم ولا يجوز نظمه ولا استماعه، قد يقول قائل: إن العرب اعتادوا أن يجعلوا في قصائدهم الجدية في مطلعها قصيدة غزلية، وسار على هذا الشعراء بما في ذلك أهل العلم، فتجدهم في أول الأمر في المطلع مطلع القصيدة تجد فيها غزلاً، ثم بعد ذلك يصلون إلى مرادهم، ومن ذلك لو نظرنا في مطلع نونية ابن القيم مثلاً لكن ينظر الإنسان فيمن يتغزل، هل يتغزل بامرأة معينة يسوؤها ما يقال فيها، أو يسوء محارمها؟ أو يثير شهوة عند المستمع أو القارئ؟ نقرأ في مطلع نونية ابن القيم شيء من هذا، لكن هل يتأثر السامع تثور شهوته من أجلها؟ أبدًا.
على كل حال إذا كان الحمام محل اغتسال وليس محلاً لقضاء الحاجة؛ لأنه يحصل خلط؛ كانت الحمامات محل تنظيف ليس فيها محل لقضاء الحاجة، إذا كان للاغتسال فقط، هذا محل طاهر ويُذكر الله -جلَّ وعلا- فيه، وأما إذا كان مكان لقضاء الحاجة ولو كان في زاوية منه مادام في سوره فلا يجوز ذكر الله -جلَّ وعلا- فيه.
هذه كُتب فيها مصنفات مستقلة فيرجع السائل إليها.