شرح أبواب الطهارة من سنن الترمذي (03)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
النسخة المصورة المراد توزيعها من جامع الترمذي مأخوذة من مجموع الكتب الستة التي أشرف عليها الشيخ: صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وهي نسخة جيدة، لكن ليست الأجود، فإذا كانت تبي تصور على ورق متين مثل هذا، وعلى وجه واحد فهي ميزتها في صغر حجمها؛ لأنه جمع الشيخ الكتب الستة كلها في مجلد، ووفر على طالب العلم حمل عشرين أو ثلاثين مجلد بمجلد واحد، فإذا كان يراد تصوريها على ورق متين، وتصور على وجه دون وجه صارت مثل حجم غيرها، ذهبت ميزتها، وأما من حيث الصحة فالشيخ أشرف عليها إشراف إجمالياً ليس تفصيلياً؛ فالشيخ معروف بدقته وتحريه وتثبته لكن ليس أجود ما في السوق، لا سميا وأن الخدمة عليها ليس فيها تخريج إلا إجمالي، إحالة على التحفة وعلى المعجم، وهناك نسخ مخرجة الأحاديث بالتفصيل، وعليها تعليقات تنفع طالب العلم، وعرفنا أن ميزة المجموع الذي تولاه الشيخ -حفظه الله- صغر الحجم يجمع الكتب الستة في مجلد واحد، فإذا صُوِّر على ورق متين وعلى وجه واحد ذهبت هذه الميزة، ولا مانع من تصوريها وتوزيعها؛ لأنها نسخة جيدة في الجملة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور" انتهينا من الكلام على إسناده، وخلصنا إلى أن درجته لا تنزل عن الحسن، وكلام الترمذي الطويل حول عبد الله بن محمد بن عقيل انتهينا منه هذا، بقي الكلام على متنه، وفيه "عن علي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «مفتاح الصلاة الطهور»" فلما كان الحدث مانعًا من الصلاة صار كأنه كالقفل الذي يمنع من الدخول في الشيء، الحديث يمنع من الصلاة فكأنه أغلق وأقفل على من أراد الصلاة إلا بهذا المفتاح.
الطهور أعم من الوضوء فقط أو الغسل فقط أو التيمم فيشمل الجميع "«وتحريمها التكبير»" التحريم جعل الشيء حراماً بعد أن كان حلالاً يقابله التحليل الذي هو جعل الشيء حلالاً بعد أن كان حراماً، وتحريمها وسمي التكبير تحريماً؛ لأنه به يحرم على المصلي ما كان يزاوله قبله، قبل التكبير كان يزاول الأكل والشرب والضحك وغيرها، والكلام ثم بعد ذلك حرم عليه هذا كله بدخوله بالصلاة بلفظ: "الله أكبر"، «تحريمها التكبير» تعريف الجملة جزئي الجملة «تحريمها التكبير» مبتدأ وخبر؛ لأن الواو استئنافية، "وتحريمها" مبتدأ و"التكبير" خبره، تعريف جزئي الجملة المبتدأ والخبر يدل على الحصر، وعلى هذا فلا يحرِّم على المسلم إذا أراد الدخول في الصلاة ما كان مباح له إلا التكبير، وعلى هذا فلا يدخل في الصلاة ولا يمنعه مما كان يزاوله قبل الدخول فيها إلا التكبير فقط، وفي هذا رد على من يقول: إنه يدخل في الصلاة بجميع ما يشعر بتعظيم الله -جل وعلا-، كقوله: الله الأعظم، الله الأعز، الله الأجل، الله العظيم، الله العزيز، كل هذا لا يدخل في الصلاة، لماذا؟ لأنه في الحديث قال: «تحريمها التكبير» وعرفنا أن جزئي الجملة المبتدأ والخبر كلاهما معرفة، وتعريف الجزأين يدل على الحصر، فعلى هذا لا يُدخل في الصلاة إلا بلفظ التكبير، والتكبير مجمل يشمل جميع ما دل عليه من قولنا: الله أكبر، الله الكبير هذا يدخل في التكبير، لكن بينت النصوص الأخرى أنه لا يجوز إلا بلفظ: الله أكبر، كما بين ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله وقوله، فلا يجوز الدخول في الصلاة بغير التكبير، والتكبير لا يجوز إلا بلفظ: الله أكبر خلافاً لمن قال: يجوز الله الكبير أو الله الأكبر، فلا يجوز إلا بهذا اللفظ؛ لأن العبادات توقيفية، ولم يرد عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه كبّر بغير هذا اللفظ أو أنه أرشد إلى غير هذا اللفظ، في حديث المسي قال: تقول: «الله أكبر» فلا يجزئ التكبير بغيره، والتكبير المراد به هنا تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام وهي ركن من أركان الصلاة عند الجمهور، ويرى الحنفية أنها شرط من شروط الصلاة، وسواء كانت ركن أو شرط فالصلاة لا تصح إلا بها؛ أعني تكبيرة الإحرام، لكن هناك فرق وفائدة للخلاف بين الجمهور وبين الحنفية أنها إذا كانت ركن فإنها تكون داخل الماهية جزء من الصلاة، وإذا كانت شرط تكون خارج الماهية؛ يعني خارج الصلاة، ويترتب على هذا أنه من كبر حامل نجاسة ثم ألقى هذه النجاسة مع فراغه من التكبير صلاته باطلة عند الجمهور؛ لأنه حامل هذه النجاسة داخل الصلاة، وصلاته صحيحة عند الحنفية لأن حمله للنجاسة كان خارج الصلاة.
إذا كبّر ومع نهاية التكبير قلب نيته من نفل إلى فرض أو العكس صحّت صلاته؛ لأنه لم يدخل في الصلاة بعد كالوضوء، كما لو توضأ لفريضة يصلي بها ما شاء من نوافل، ولو توضأ لنافلة صلى الفريضة ولا يمنع من هذا مانع، هذا على القول بأنها شرط، أما على القول بأنها ركن فلا يجوز له أن يغير؛ ما دام دخل في الصلاة، والتكبير داخل الصلاة.
هل يقول الحنفية تبعاً لقولهم: إن التكبير شرط لصحة الصلاة أنه يمكن أن يكبر في بيته ثم يصلي في المسجد، كما أن له أن يتوضأ في بيته ثم يصلي في المسجد، لا يقولون بهذا، وإنما يقولون: شرط ملاصق للصلاة غير منفصل عنها، فالخلاف في هذه المسألة إنما فائدته ما ذكرنا.
«تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» أي جعل ما كان حراماً حلالاً بأي شيء يكون؟ بالتسليم، ولا يخرج من الصلاة إلا بالتسليم لتعريف جزئي الجملة الدال على الحصر، كما قلنا في تحريمها التكبير، فلا يخرج من الصلاة إلا بالتسليم، التسليم أمر لا بد منه، ودل فعله -عليه الصلاة والسلام- وأقواله المتظافرة على لفظ: السلام عليكم ورحمة الله أنه لا يجزئ غيره، لا يجزئ غير هذا اللفظ، والحنفية يرون أن الخروج من الصلاة إنما يكون بالنية، وفي حديث ابن مسعود في التشهد يروون جملة: "وإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك" يعني إذا انتهيت من التشهد تمت صلاتك، وعلى هذا إذا خرج منها بالنية انتهت صلاته ولو لم يسلم، إذ خرج منها بما يخالف الصلاة، بما يخالف الصلاة بأن أحدث مثلاً فقد تمت صلاته عندهم، لكن عامة أهل العلم على أن التسليم ركن من أركان الصلاة بلفظه: "السلام عليكم ورحمة الله" والخلاف في التسليمة الثانية هل هي واجبة أو تجزئ الأولى؟ والمعروف عند الحنابلة أن التسليمتين كلاهما من الواجب.
بعد هذا حديث حديث جابر -رضي الله عنه- ويوجد في بعض النسخ دون بعض، يوجد في بعض النسخ دون بعض، وأثبته الشيخ أحمد شاكر؛ لأنه من النسخة التي أعتمد عليها، وهي نسخة الرفاعي من طبعة بولاق، وأيد ذلك بأن الحافظ ابن حجر نسب الحديث إلى الترمذي، قال: رواه الترمذي، فدل على أنه ثابت وإن كان أكثر النسخ لا يوجد فيها هذا الحديث، وفي طبعة التحفة -تحفة الأحوذي- وضع الحديث ذكر هذا الحديث لكنه بعد الترجمة اللاحقة، باب: ما يقول إذا دخل الخلاء.
حدثنا أبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد قالوا: حدثنا الحسين بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن قرن عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن جابر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء» بعد "باب: ما يقول إذا دخل الخلاء" ووضعه بعد الترجمة خطأ؛ لأنه لا علاقة له بالترجمة، ولذا الذي يظهر أنه مُقحم، مزيد من قبل الطابع، من قبل الطابع بدليل أن الشارح لم يشرح هذا الحديث، صاحب التحفة لم يشرح هذا الحديث، بل الذي يغلب على الظن أنه مزيد من الطابع، وجده في بعض النسخ وأقحمه هنا، ونظراً لجهله بالكتاب الذي يحققه تبعاً لجهله في هذا العلم جملة وضع هذا الحديث في غير موضعه، وضعه بعد الترجمة، وعرفنا أن الذي حقق هذه الكتب عبد الرحمن محمد عثمان، تحفة الأحوذي، وعون المعبود، وفتح الغيث، وموضوعات ابن الجوزي، وكتب أخرى لا علاقة له بعلم الحديث لا من قريب ولا من بعيد، بل لا علاقة له بالعلم الشرعي، فوضع الحديث بعد الترجمة التي لا صلة له بها.
وعلى تقدير وجوده كما أثبته الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله-، فأبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي، أبو بكر الغزال ثقة مات سنة ثمان وخمسين يعني كم؟ هو من شيوخ الترمذي، قلنا: إنهم لا يذكرون المئات، فإذا ذكروا الطبقة عرفت طبقة الراوي لا يذكرون المئات لا يذكرون القرون، إنما يقتصرون على العشرات والآحاد، مات سنة ثمان وخمسين يعني ومائتين.
زنجويه هذا تنطق عند أهل اللغة، وكل ما ختم بويه، سيبويه، نفطويه، راهويه، أما أهل الحديث فيقولون: رَاهَوْيه، زَنْجَوْيه، سيبويه، وكل هذا على خلاف ما عليه أئمة اللغة، والمسألة المرد فيها إلى أهل اللغة، وأما شبهة المحدثين أنهم يتحاشون النطق بـ(ويه) قالوا: لأنه اسم من أسماء الشيطان، والخبر الذي ورد فيه لا يثبت.
قال: "حدثنا أبو بكر محمد بن زنجويه البغدادي وغير واحد" وغير واحد هذه جهالة للرواة لكن المعول على ابن زنجويه وهو ثقة "وغير واحد قالوا" في الأصل (قال) مفردة، لكن ما دام يعود الضمير على جمع أبو بكر محمد بن زنجويه وغير واحد قالوا، كان الترمذي أضرب عن هؤلاء المجاهيل الذين لم يسمهم واعتمد وعول على ابن زنجويه فصار وجود هؤلاء المجاهيل كعدمهم وأفرد الضمير لذلك هذا له وجه، لكن الأصل أن يقال: قالوا؛ لأنه يعود على أكثر من واحد.
"حدثنا الحسين بن محمد" وفي طبقة الحسين بن محمد من التاسعة والعاشرة أكثر من واحد، منهم الثقة ومنهم الضعيف، منهم الثقة ومنهم الضعيف، لكن الحديث ضعيف بدونه، ضعيف بدونه.
"قال: حدثنا سليمان بن قرن" بن معاذ البصري، سيئ الحفظ، يتشيّع من السابعة، فهو مضعف بهذا، ومضعف أيضاً بأبي يحيى القتات، أبو يحيى القتات وهو مضعف عند أهل العلم، أبو يحيى القتات اسمه: زادان، وقيل: دينار، وقيل: مسلم، لين الحديث من السادسة، فهو مضعف، فالحديث في جملته ضعيف، الحديث ضعيف.
"عن مجاهد" بن جبر المكي المفسر المعروف، ثقة، إمام في التفسير، وإمام في العلم، توفي سنة أحدى ومائة "عن جابر" بن عبد الله -رضي الله عنهما- الصحابي الجليل ابن الصحابي الكبير "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «مفتاح الجنة الصلاة»" هذه الجملة ضعيفة؛ لأنها جاءت في هذا الحديث، وأما الجملة الأخرى: «ومفتاح الصلاة الوضوء» فلها ما يشهد لها من الحديث السابق، «مفتاح الصلاة الطهور» فهي بهذا الشاهد ارتقت إلى درجة القبول، فالجملة الأولى ضعيفة والثانية حسنة على الأقل، وهذا الحديث رجحه ابن العربي على الحديث السابق، حديث جابر هذا رجحه ابن العربي في تُحفة الأحوذي على الحديث السابق حديث علي، ولم يصب -رحمه الله- في ذلك؛ لأن الحديث السابق أقل أحواله أن يكون حسناً، وهذا الحديث مضعّف عند أهل العلم، فالذي يظهر أن ابن العربي وهِم في ذلك إن لم يكن هذا من تصحيف الطابعين لكتابه: (عارضة الأحوذي).
سم.
عفا الله عنك.
قال الصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يقول إذا دخل الخلاء؟
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَة عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ» قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ».
الذي يظهر أن اللفظ الثاني: "أعوذ بالله" أما إذا قال: "أعوذ بك" مرة ثانية ما يظهر هناك فرق بين الرواية الأولى والثانية، ما يظهر هنالك فرق بين الروايتين إلا أن نقول: الرواية الأولى: "اللهم إني أعوذ بك" والرواية الثانية: "أعوذ بالله" وهذا موجود في بعض النسخ هكذا "أعوذ بالله".
عفا الله عنك.
ِ«منْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ أَوْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ».
َقالَ أَبُو عِيسَى: وَفِي الْبَاب عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُود.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ، وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ، رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، و قَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ أَبُو عِيسَى: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- "كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ».
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يقول إذا دخل الخلاء" الخلاء بالمد المكان الخالي، وهو في العرف وهو المراد هنا الموضع المعد لقضاء الحاجة؛ لأنه يخلو ممن يسكن فلا يسكن، وهو الكنيف والحش، ويقال له: المرفق والمرحاض، وأما ما استفاض على ألسنة المتأخرين بأنه الحمام ليس كذلك، نعم وضعت المراحيض في الحمامات فغلب عليها، وإلا فالأصل أن الحمام موضع الاستحمام أو استعمال الماء الحميم الحار لتنظيف البدن، هذا الأصل في الحمام.
قال -رحمه الله-:
"حدثنا قتيبة وهناد قالا: حدثنا وكيع" وهؤلاء كلهم تقدموا "عن شعبة" بن الحجاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام، ثقة حافظ متقن، مات سنة ستين ومائة "عن عبد العزيز بن صهيب" البناني البصري ثقة، توفي سنة ثلاثين ومائة "عن أنس بن مالك" الأنصاري خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-، الصحابي الجليل المتوفى سنة ثلاث وتسعين عن مائة وثلاث سنين، خدم النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر سنين، وعرفه واطلع من أحواله -عليه الصلاة والسلام- ما لم يطلع عليه غيره "قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء" إذ دخل إذا أراد أن يدخل كما في رواية الإمام البخاري في الأدب المفرد، في رواية للإمام البخاري في الأدب المفرد: "إذا أراد أن يدخل" وعرفنا سابقاً أن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الفعل وهذا هو الأصل، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل، ويطلق ويراد به إرادة الفعل، وهذا بيناه، وهنا يراد به إرادة الدخول لا أنه إذا دخل فرغ من الدخول لا إذا أراد أن يدخل، قرب من الدخول "قال: «اللهم إني أعوذ بك»
هذا القول يحتمل أن يكون من أجل المكان، هذا المكان الخالي تحضره الشياطين؛ لأنه مكان خالي، والشياطين تحب الإنفراد والتفرد، وعلى هذا ينهى عن مكث الإنسان منفرداً بحيث لا يسافر منفرداً ولا ينام منفرداً إلا إذا لم يوجد غيره، فالإنفراد مظنة، المكان الخالي مظنة للشياطين، ولذا جاء في الحديث: «الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب» فعلى هذا هذا المكان الخالي يكون موئل للشياطين، وهل هو لمجرد خلوه أو لما يزاول فيه من النجاسات التي تمنع دخول الملائكة، والمكان الذي لا تدخله الملائكة تدخله الشياطين، يكون مأوى للشياطين، ولذا الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة، فالمكان الذي لا تدخله الملائكة لا شك أنه يكون مأوى للشياطين، وهذا المكان لا تدخله الملائكة لأنه مكان نجس ومستقذر، فيكون مظنة لوجود الشياطين، فيستعاذ بالله منها ومن شرها، فهل هذا لدخول المكان أو لمجرد الفعل؟ إذا كان لدخول المكان إذا دخل الخلاء لذات المكان فلا يشرع في غيره، يعني إذا أراد أن يقضي حاجته في غير هذا المكان لا يشرع له، وإذا كان الذكر لهذا العمل الذي هو قضاء الحاجة فيشرع في الخلاء وفي غيره، وعلى هذا إذا كان المكان محاط بالجدران فقبل أن يدخله يقول هذا الذكر وهذا الدعاء، وإن كان المكان غير معد لقضاء الحاجة فإذا شمر عن ثيابه وأراد أن يباشر هذا الفعل قال ما ذكر.
"قال: «اللهم»" أصلها يا الله حذفت يا النداء وعوض عنها بالميم «اللهم إني أعوذ بك» أعوذ: يعني أعتصم وألتجئ وألوذ بك يا الله.
"قال شعبة: وقد قال -يعني عبد العزيز بن صهيب- مرة أخرى: «أعوذ بالله»" يعني في المطبوعة: «أعوذ بك» لكن في بعض النسخ: «أعوذ بالله» وكأنه أولى ليتم التغاير بين الروايتين، وإلا فلا فرق بين الرواية الأولى والثانية على اللفظ المثبت «من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث» الخبث بإسكان الباء وضمها، خبْث وخبُث، كان بعضهم يقول: الأصل الضم الخبُث، الخبُث جمع خبيث، وعطف الخبيث عليه الخبُث والخبيث يتجه الضم وإلا ما يتجه؟ إذا قلنا: خبُث جمع خبيث، فيكف يعطف عليه الخبيث؟ الخبُث جمع خبيث، من الخبث والخبيث، أو الخبُث والخبائث، الخبْث والخبُث جاء بالضم والإسكان وإن كان بعضهم يقول: إن الأصل الضم والتسكين تسهيل وتخفيف، والخطابي يرى أن التسكين غلط، والصواب الضم، ضم الباء، وقال ابن العربي في شرحه معقباً على كلام الخطّابي قال: هو الغالط، ولا شك أن الخطابي أمكن في العربية من ابن العربي، لكن المسألة مسألة رواية، وإذا قلنا: إن اللفظ من الخبث والخبيث ما يتجه الضم بحال؛ لأن الخبث جمع خبيث فنعطف الخبيث عليه لا يتجه، فإذا قلنا: الخبث الشر والخبيث هو صاحب الشر، وإذا قلنا: الخبُث والخبائث الخبُث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة، وعلى كل حال الألفاظ الواردة في هذا الحديث كلها تدل على الاستعاذة من الشر وأهله، أو من أهل الشر الذين هو الشياطين يستوي في ذلك ذكرانهم وإناثهم.
"قال أبو عيسى: وفي الباب" ثبتت زيادة البسملة قبل ذلك، قبل أن يقول إذا أراد أن يدخل قال: «بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» ثبتت هذه البسملة بإسناد كما قال الحافظ ابن حجر على شرط مسلم.
"قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي" وهذا عند الترمذي وابن ماجه "وعن زيد بن أرقم" هو عند أبي داود وابن ماجه "وعن جابر" وهذا لم يقف عليه الشارح المبارك فوري، ولا من اعتنى بتخريج الشواهد التي يشير إليها الترمذي "وعن ابن مسعود" وهو عند الإسماعيلي في معجمه.
"قال أبو عيسى: حديث أنس" يعني حديث الباب "أصح شيء في هذا الباب وأحسن" وهو مخرّج في الصحيحين وغيرهما، حديث أنس مخرج عند البخاري ومسلم وعند غيرهما من الأئمة "وحديث زيد بن أرقم -المخرج في سنن أبي داود وابن ماجه- في إسناده اضطراب" هكذا يقول المؤلف "وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب" الاضطراب: أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية، يروى على أوجه مختلفة متساوية، فإن كانت روايته على وجه واحد فلا اضطراب، إن روي على أكثر من وجه لكنها غير مختلفة بل متفقة فلا اضطراب، إذا لم تكن متساوية بل أمكن ترجيح بعضها على بعض حينئذٍ ينتفي الاضطراب، وبيان هذا الاضطراب الذي أشار إليه المؤلف -رحمه الله تعالى- بيّنه بقوله: "روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة" أنهم رووا هذا الحديث، رواه كلٌ من هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة "فقال سعيد" بن أبي عروبة "عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم" فسعيد بن أبي عروبة يرويه عن زيد بن أرقم بواسطة القاسم بن عوف الشيباني، وهشام الدستوائي يرويه عن قتادة عن زيد بن أرقم، فالواسطة بينه وبين زيد بن أرقم قتادة بن دعامة، فالحديث مروي عن زيد بن أرقم إما عن طريق قتادة كما قال هشام أو عن طريق الشيباني كما قال سعيد.
يقول: "ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النظر بن أنس" ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النظر بن أنس فقال شعبة: عن زيد بن أرقم يعني عن النظر بن أنس عن زيد، وقال معمر: "عن النظر بن أنس عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" فالاختلاف في هذا الحديث يعني هل هو من حديث أنس أو من حديث زيد بن أرقم؟ هل هو من حديث أنس أو من حديث زيد بن أرقم؟ ولذا لوجود هذا الاختلاف والتردد في كونه من حديث أنس أو من حديث زيد بن أرقم عقّب به على الحديث حديث الباب الذي هو عن أنس وإلا قد يقول قائل: فما الرابط بين تعقيب الترمذي بحديث زيد بن أرقم على حديث أنس حديث الباب؛ لأن حديث زيد بن أرقم هو نفس الحديث يروى أيضاً عن أنس بن مالك، فهذا من الاختلاف في الصحابي، ثم الاختلاف على الصحابي هل هو من حديث النظر بن أنس عن أبيه أو من حديث النظر بن أنس عن زيد بن أرقم وهذا الاختلاف لا شك أنه مؤثر وهو اضطراب عند أهل العلم، لكن الترمذي سأل محمداً -وهو البخاري- عن هذا الاضطراب فقال: "يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جمعياً" قتادة روى عنهما جمعياً، فيحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنظر كما صرح به البيهقي، سمع من القاسم، القاسم بن عوف الشيباني، وسمع أيضاً عن النظر بن أنس، وحينئذٍ إذا رواه عن القاسم بن عوف الشيباني يكون الصحابي زيد بن أرقم، وإذا رواه عن النظر بن أنس يكون الصحابي إما زيد بن أرقم فيتفق مع روايته عن القاسم أو عن أنس بن مالك عن أبيه -رضي الله عنه-.
هذا الاختلاف البخاري يرى أنه غير مؤثر؛ لأن الاحتمال قائم، وهذا مسلك لتصحيح ما يرد من الاختلاف في مثل هذا الصورة يسلكه كثير من أهل العلم صيانة للرواة عن التوهيم، صيانة للرواة عن التوهيم، وهذا يكثر في المتأخرين، أما الأئمة المتقدمون فيندر عندهم مثل هذا، بل يرجحون، ما يصححون الجميع ويثبتون الجميع إنما يرجحون بين هذه الطرق المختلفة على ما ترجحه الأدلة الأخرى والقرائن، فالإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعاً، وهذا المسلك لا شك أنه احتمال، ويبقى أن الترجيح مع عدم التمكن من حمل هذه الأوجه على وجه يصح أو دلالة القرائن على ترجيح بعضها على بعض، وإلا فالأصل أن هذا الاختلاف مؤثر، والترمذي سماه اضطراب، والاضطراب تضعيف للخبر، فلا بد من الترجيح بين هذه الأوجه المختلفة إذا أمكن الترجيح انتفى الاضطراب، ما أمكن الترجيح صار الاضطراب علة قادحة في الخبر، وهنا الإمام البخاري يرى أنه لا مانع من أن يروى الحديث هذا على أكثر من وجه، وتثبت جميع هذه الوجوه لأنها لا تناقض ولا تعارض بينها، وأن الاضطراب يمكن إذا كانت هذه الوجوه كلها مختلفة، هذا من حيث المعنى كلام البخاري له وجه، كلها تصب في معنى حديث حديث الباب، ولا يختلف بعضها عن بعض من حيث معنى الخبر، لكن الاضطراب في الإسناد أيضاً ولو اتحد المتن، ولو اتفق المتن لا شك أنه علة عند أهل الحديث، إذا لم يمكن حمل هذا الاختلاف وهذا الاضطراب على ما قال به البخاري من أنه يحتمل أن يكون رواهما جميعاً أو روى عنهما جميعاً، نظير ذلك فيما لو روى تابعي عن تابعي أخر عن صحابي، ثم روى ذلك التابعي الأول عن الصحابي مباشرة، روى نافع عن سالم عن ابن عمر، نافع عن سالم عن ابن عمر، ثم وجد الحديث من طريق نافع عن ابن عمر، كلاهما لقي ابن عمر وأخذ عنه، وله به اختصاص، لكن هذا مجرد مثال، يعني ما هو بمثال واقع، لكن للتنظير والتقريب، نافع عن سالم عن ابن عمر، أو نافع عن ابن عمر مباشرة، روي من طريق أخر عن نافع عن ابن عمر، هل نقول: إن نافع يروي الحديث بواسطة سالم عن مولاه ابن عمر؟ أو نقول: إنه يرويه عنه بغير واسطة؟ وأيهما المرجح؟ أو نقول: إنه مرة رواه بواسطة ثم رواه مرة أخرى بغير واسطة؟ احتمال قائم، لكن قد ينص أهل العلم على أن هذا الحديث لم يروه نافع عن ابن عمر مباشرة إلا بواسطة سالم فيحكم على الرواية الأخرى بأنها فيها سقط في الإسناد، فتكون مضعفة بهذا الساقط، لكن ما دام عرفنا الساقط بطريق أخرى، أو من طريق أخرى وهو سالم، وسالم ثقة يرتفع الضعف، وهذا العلم وهذا النوع من الاختلاف يحتاج إلى خبرة ودربة ومعرفة بأقوال الأئمة وكيفية تصرفاتهم ومواقع استعمالهم في الأحكام على مثل هذا الاختلاف، وإلا قول البخاري واضح، لكن لو قال أبو حاتم مثلاً: طريق سعيد خطأ، طريق سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة لكن خطأ، وحكم على أن طريق هشام هو المحفوظ له ذلك، يعني دلته القرائن على ترجيح هذا على هذا والمرجوح خطأ.
قال: "أخبرنا أحمد بن عبدة الظبي" أبو عبد الله "البصري" ثقة مات سنة خمس وأربعين ومائتين "قال: حدثنا حماد بن زيد" بن درهم الأزدي الحافظ المتوفى سنة سبع وتسعين ومائة "عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»" في الطريق الأول عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وهنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس، وهناك يرويه من طريق شعبة، وهنا يرويه من طريق حماد بن زيد.
"قال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»" لماذا أورد الإمام هذا الخبر بعد أن أورده بأكمل بأتم في الطريق السابق؟ وقد قال مرة يعني عبد العزيز، يعني عبد العزيز مرة يرويه على وجه بلفظ، ومرة يرويه بلفظ أخر، وهذا طريق شعبة الذي فيه هذا الاختلاف في اللفظ، وأما طريق حمّاد بن زيد فليس فيه اختلاف، إنما يرويه عن عبد العزيز بن صهيب على وجه واحد كان إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث».
"قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح" وأخرجه الشيخان، وعلى كل حال الاختلاف غير مؤثر، ومما يحتمله تجويز الرواية بالمعنى، يعني سواء قال القائل: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" أو قال: "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" لا فرق، لا فرق بينهما من حيث المعنى، فالمقصود الاستعاذة، قد يقول قائل: إن مثل هذه الألفاظ وهي الأدعية متعبد بها فكيف يغير لفظ بلفظ ونقول: لا يؤثر؟ أولاً: اللفظان ثابتان عن الرواة، ولا إشكال في ثبوتهما في الصحيحين وغيرهما، الأمر الثاني: أن التعبد بلفظ الاستعاذة، بلفظ الاستعاذة، وسواء قدّمنا المستعاذ به أو أخرناه لا فرق، يعني في حديث البراء في ذكر النوم: «ونبيك الذي أرسلت» قال الراوي الصحابي حينما عرضه على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ورسولك الذي أسلت" قال: «لا! قل: ونبيك الذي أرسلت» هنا الاختلاف مؤثر؛ لأن رسولك الذي أرست تكرار للكلام، بخلاف النبي الذي أرسل فللنبي معنى غير معنى الرسول في مثل هذا الموطن فيؤتى به بلفظه، أما: «اللهم» أو «أعوذ بالله» هذا ما في فرق بينهما؛ لأن المستعاذ به واحد، ولذا إذا كان الإسناد إلى ذات واحدة إلى ذات واحدة يعني المقصود الذات التي لا تتغير بتغير الأسماء فلا فرق، إذا كان اللفظ يتغير بتغير الأسماء يرد الفرق، الرسول والنبي الرسول غير النبي، يعني لا شك أن الرسالة غير النبوة، والرسول في الجملة غير النبي عند أهل العلم، لكن إذا كان المقصد التعبير عن ذات واحدة لا تتغير بتغير الأسماء فلا يمنع من إيراد هذا مكان هذا، أو هذا مكان هذا كما قرره أهل العلم في إبدال لفظ الرسول بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، في ذكر النوم يتأثر المعنى، لكن لو قال هنا: كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فرق وإلا ما في فرق؟ نحن لا نريد التحدث عن ذات النبي -عليه الصلاة والسلام- نعم؟ لا نريد التحديث عن ذاته أو عن وصفه بالنبوة أو بالرسالة لا، نريد أن ننقل عنه قولاً من قوله أو فعلاً من أفعاله -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ لا يتأثر المقصود والمراد بتغير لفظ النبي بالرسول أو العكس، النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه معصوم من الشيطان، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكونه يستعيذ بالله من الشيطان، كونه -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من الشيطان وقد عصم منه، أو كونه يقول: «غفرانك» إذا خرج من الخلاء وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لا شك أنه استشكله بعض أهل العلم، كيف يستعيذ من شيء عصم منه؟ الشيطان اللعين عرض للنبي -عليه الصلاة والسلام- في مواطن، عرض له في مواطن، يعني ليلة الإسراء عرض له، وفي صلاته عرض له، وكاد أن يوثقه -عليه الصلاة والسلام-، فخشية أن يعرض له يستعيذ منه، هذا قول لبعض أهل العلم، ومنهم يقول: إن استعاذته من الشيطان وهو معصوم لتعليم أمته للتشريع، وكذلك استغفاره -عليه الصلاة والسلام- تشريع لأمته وإلا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولا يمنع أن يكون مغفور له ويستغفر، ولا مانع من أن يكون معصوماً ويستعيذ؛ لأن هذا من باب الزيادة في الشكر لله -جل وعلا-، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تقدم وقام في الليل حتى تفطرت قدماه، وأجاب عن استشكال عائشة «أفلا أكون عبداً شكوراً» الإنسان يهضم نفسه، ويزيد مما يطلب من غيره، ولو لم يطلب منه، النبي -عليه الصلاة والسلام- مغفور له، ومنهم من يقول: إنه مغفور له بشرط الاستغفار، ومعصوم من الشيطان بشرط الاستعاذة، لكن هذا لا دليل عليه، هو يستغفر من باب المزيد، ومن باب التعليم لأمته -عليه الصلاة والسلام-، وكذالك يستعيذ، نعم.
عفا الله عنك.
باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إسماعيل عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ» قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَلَا نَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟"
عرفنا ما يقول إذا أراد الدخول إلى الخلاء وأنه يستعيذ بالله -جل وعلا-، ويعتصم ويلتجئ إليه، ويلوذ به من شر هذه الشياطين التي تسكن هذه الحشوش، إذا خرج من الخلاء ماذا يقول؟ يقول كما قال المؤلف -رحمه الله تعالى:
"حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل" وهو البخاري "قال: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إسماعيل" في كثير من الطباعات بما فيها النسخة التي شرحها واعتنى بها الشارح، يقول: "حدثنا محمد بن حميد بن إسماعيل" محمد بن حميد بن إسماعيل، وفي بعض النسخ: حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا حميد قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، وكلاهما خطأ، كلاهما خطأ فإنه ليس في الشيوخ شيخ يدعى حميد، يعني من شيوخ البخاري، ويري عن مالك بن إسماعيل، كما أنه لا يوجد في شيوخ الترمذي من يدعى محمد بن حميد بن إسماعيل، والصواب ما أثبت وهو موجود في بعض النسخ المحققة الموثقة المقابلة المصححة.
"حدثنا محمد بن إسماعيل" وهو الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- "قال: حدثنا مالك بن إسماعيل" بن درهم النهدي ثقة متقن توفي سنة تسعة عشرة ومائتين "عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ" بن أبي إسحاق السبيعي المتوفى سنة ستين ومائة "عن يوسف بن أبي بردة" بن أبي موسى الأشعري "عن أبيه" أبو بردة بن أبي موسى واسمه: عامر، وأبو موسى اسمه: عبد الله بن قيس، فيوسف بن عامر بن عبد الله بن قيس الأشعري "عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-" يوسف بن أبي بردة قال عنه الحافظ: إنه مقبول، مقبول، ومتى يقال للراوي مقبول؟ المقبول عند الحافظ ابن حجر وضع ضابط وقاعدة في المرتبة الخامسة، وهو من ليس له من الحديث إلا القليل، راوي ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حديثه ما يُترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فليّن، والكلام حول هذه القاعدة التي قعّدها ابن حجر -رحمه الله- كلام طويل قد لا ينتهي؛ لأنه حين يوصف الراوي بأنه مقبول فيه إشكال كبير، أن لا نحكم على الراوي إلا إذا وجدنا له متابع، فإذا استعرضنا مثلاً الضحاك في التقريب، التقريب موجود مع أحد منكم؟ الضحاك بن حمرة مثلاً مقبول، الضحاك المعافري لين، الضحاك بن نبراس ضعيف، هؤلاء الثلاثة الذين حكم علهم بالأحكام الثلاثة المتفاوتة الذي قال فيه: مقبول إذا لم يتابع صار عنده لين مثل الذي بعده، واللين هذا إذا توبع صار مقبول مثل الذي قبله، الضعيف إذا توبع صار مقبول أيضاً، إذا توبع وكان ضعفه يسير وتوبع صار مقبول وارتفع حديثه إلى الحسن، فإشكال كبير حول هذا التقعيد؛ لأن الأصل أن الكتاب للرواة لا للمرويات، فينظر في حال الراوي مجرداً عمن يتابعه أو يخالفه، الراوي الضعيف إذا توبع ارتفع حديثه، الراوي اللين إذا توبع من باب أولى يرتفع حديثه، الراوي المقبول إذا لم يتابع نزل حديثه، فهذا التقعيد فيه ما فيه عند الحافظ -رحمه الله-؛ لأن أصل الكتاب إنما وضع للرواة لا للمرويات، وحينئذٍ ينظر في حال الراوي مجرد، مجرد عما يرويه، نعم إذا أردنا أن نحكم عليه في حديث خاص كما هنا ننظر في حاله نحكم عليه بما يليق به مجرداً ثم إذا وجد ما يتابعه وجد ما يشهد له نرقي حديثه، أما أن نحكم عليه بحكم بحيث إذا توبع صار كذا، وإذا لم يتابع صار كذا ما نخرج بنتيجة.
"عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها-" أبوها أبو بردة بن موسى الأشعري، ثقة، واسمه: عامر، على ما سيأتي "عن عائشة -رضي الله عنه-" عائشة أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق الصحابية الجليلة الفاضلة الفقيهة المحدثة الراوية "-رضي الله تعالى عنها- قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: «غُفْرَانَكَ»" قال: «غفرانك» مفعول مطلق اغفر غفرانك، أو منصوب بفعل مقدر أي أسألك وأطلبك غفرانك، وهذا الاستغفار وطلب المغفرة مثل ما قيل في الاستعاذة قاله ليعلِّم أمته الاستغفار، وقد أُثر عنه عليه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يستغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة، ثبت عنه أنه قال: «إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة» فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الاستغفار، والاستغفار: هو طلب المغفرة، شأنه عظيم، حتى جاء في حق من لزمه أن الله -جل وعلا- يجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، وهذا ديدن الصالحين، وشأن الأوابين المتقين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- قد ذكر في بعض المواضع أنه قد يستغلق عليه فهم مسألة ثم يكثر من الاستغفار فتنحل له، ولا شك أن هذا من المخرج الذي أشار إليه الحديث.
وعلى كل حال كونه يستغفر -عليه السلام- لأنه مكث مدة يقضي فيها الحاجة لا يذكر الله -جل وعلا-، فمثل هذا في حق المسلم ينبغي أن يجبر، وهو إن لم يكن ذنب لكنه تقصير؛ لأن الأصل في حياة المسلم أن تعمر بالعبودية بطاعة الله، بذكر الله -جل وعلا-، هذه الفترة انخرم فيها هذه الأصل، فيعوض عنها عن هذا الأصل بالاستغفار، الذي يجبر ما وقع من تقصير في الذكر الذي ينبغي أن يكون الديدن، وأيضاً تقصير شكر الذي أخرج هذه المادة الضارة من البدن فيطلب في المغفرة للتقصير في الأمرين.
"قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ" هذا الحدث أخرجه الخمسة إلا النسائي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال النووي في شرح المهذب: حسن صحيح، والإمام أبو عيسى يقول: هذا حديث حسن غريب، حديث حسن غريب، كما أستشكل الجمع بين الحسن والصحة استشكل الجمع من الحسن والغرابة، لأن الترمذي يعرّف الحسن بأنه:
............وقال الترمذي: ما سلم بكذب ولم يكن فردًا ورد ج |
|
من الشذوذ مع راوٍ ما أتهم |
حديث ليس بشاذ، ولا يكون في رواته من يتهم، ويروى من غير وجه، لا بد أن تتوافر هذه الشروط الثلاثة عند الترمذي ليكون الحديث حسناً، غير شاذ، وأيضاً لا يكون في رواته من يتهم، ويروى من غير وجه، فكيف يوصف الحديث الذي يروى من غير وجه بأنه غريب؟! هذا إشكال؛ لأن الحكم له بالحسن إثبات بأنه روي من غير وجه، والحكم عليه بالغرابة دليل على أنه تفرد به راوي، ولا شك أنه تفرد به إسرائيل كما نص على ذلك الإمام، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، فكيف يصفه بأنه حسن وقد اشترط للحسن أن يرى من غير وجه؟! ومع ذلك قال: لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة؟ لعل الحسن بالنسبة للنظر للمتن، والغرابة بالنسبة إلى السند، ويمشي مثل هذا التعليل عندهم بانفكاك الجهة، بانفكاك الجهة، لكن الحسْن أيضاً الترمذي يقرنه بالسند، المراد بالحسن حسن السند، بأن لا يكون المتن شاذ، ويرى من غير وجه، وهذا مهم عند الترمذي إذا روي من غير وجه استحق أن يوسف بالحسن وأيضاً لا يكون في رواته من يتهم بالكذب، فالنظر إلى الإسناد للوصف بالحسن معتبر عند الإمام الترمذي فكيف يقال: إن الحسن منصب إلى المتن؟ قالوا: إن الترمذي إنما يطبق الشروط الثلاثة التي اشترطها للحسن حينما يحكم على الحديث بأنه حسن فقط من غير وصف آخر، أما إذا أردفه بوصف آخر فلا يشترط له تعدد الطرق، لا يشترط أن يروى من غير وجه، فإذا أردف الحسن بالصحة لا يشترط أن يروى من غير وجه إذا أردف الحسن بالغرابة لا يشترط أن يروى من غير وجه، ويكون هناك ما يجبروا هذا الشرط الذي اختل عنده.
"حديث حسن غريب لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ: عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَلَا نَعْرِفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-" يعني ما يقال إذا خرج من الخلاء لا يعرف إلا هذا الحديث، طيب في أحاديث كثيرة، الباب فيه أحاديث كثيرة، منها حديث أنس قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: «الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني» رواه ابن ماجه، ومثله لأبي ذر عند النسائي ونحوه عند الدارقطني من حديث ابن عباس، وجاء حديث سهل بن أبي حثمة ذكره ابن الجوزي في العلل، وحديث ابن عمر عند الدارقطني «الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى علي قوته، وأذهب عني أذاه» هذه أحاديث تقال بعد الخروج، والترمذي يقول: لا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة، ومن حق الترمذي أن يقول هذا الكلام؛ لأن هذه الأحاديث ضعيفة، يعني لا نعرف في هذا الباب مما يثبت إلا حديث عائشة، كونه يرد في الباب من الأحاديث التي لا تثبت لا يرد على نفي الترمذي، فلا يرد عليه إلا لو وجد حديث ثابت يستدرك عليه، أما أحاديث ضعيفة لا تستدرك على الترمذي في نفيه وتعميمه عدم المعرفة لغير هذا الحديث، والله الباب هذا باب: النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول لا ينفك عن الباب الذي يليه، الرخصة في ذلك، فكونه يترك مع الباب الذي يليه وننظر في بعض الأسئلة ليكون الدرس القادم خالياً عن الأسئلة.
"
في الحديث جاء أن المصلي إذا نعس فليرقد، فلعله يريد أن يدعو لنفسه فيدعو عليها، لكن إذا كان ديدن الإنسان النعاس ماذا يصنع يرقد؟ إذا فتح المصحف نعس، إذا سجد نعس، إذا جلس في درس نعس فهل هذا حل أنه كلما نعس يرقد؟ هذا ليس بحل، بل يعالج هذا النعاس، أولاً: ينام النوم الكافي، ويتخفف من الشواغل التي تذهب نشاطه وقوّته وتفكيره التي لا تفيده ولا تعينه على أمر دين ولا دنيا، كثير من الناس يشغل الذهن بأمور لا تنفعه في دينه ولا في دنياه بحيث إذا جاء إلى أمر ينفعه ما استطاع أن يستحضر القلب ولا التركيز ولا ينظر في ما يقال، حتى ولو كان يقرأ قرآن ما يدري ما يقرأ لأنه استغرق ذهنه فيما لا ينفع، ومع الأحداث التي تعيشها الأمة تجد كثير من طلاب العلم ينشغل بالقيل والقال، وينشغل بالأخبار، وينشغل بالصحف ووسائل الإعلام ينشد ذهنه مع هذه الأمور وتشغله عما هو بصدده من تحصيل العلم النافع الذي ينفعه في دينه ودنياه، مثل هذه الأمور لا شك أنها شواغل وصوارف ينبغي لطالب أو يتعين عليه أن يتخفف منها، ولا يؤخذ منها إلا بقدر البلغة، نعم هو يحتاج إلى أن يعرف ما يدور حوله لكن لا يؤخذ عليه هذا كل الجهد، فعلى طالب العلم أن يحرص على الاستعداد للدرس، يحرص على أن يستعد للدرس، ويتجه بكليته وهمَّته، ويترك الشواغل والصوارف التي تصرفه عن الاهتمام بالدرس والعناية به، والإقبال عليه، وحينئذٍ يعالج وضعه، بعض الناس مبتلى بكثرة النوم مثل هذا الحجامة فيها شئ من التخفيف.
على كل حال هذا قول عامة أهل العلم لورود القيد، لورود القيد «ما لم تغشَ كبيرة» «ما اجتنبت الكبائر» هذه القيود لا بد من اعتبارها، وبهذا يقول عامة أهل العلم، وخالف في هذا بعضهم.
نعم له شروح مختصرة، منها: (زهر الربى على المجتبى) للسيوطي، ومنها: حاشية للسندي، وكلاهما مطبوع.
على كل حال من شغل وقته بذكر الله وطاعة الله، وأنس بالله، هذا الإنفراد خير له من الاجتماع، الإنفراد خير له من الاجتماع، أما إذا لم يشغل وقته بما يرضي الله -جل وعلا-، ولم يكن وقته معمور بذكر الله وشكره والإنس بالله فمثل هذا تسلط عليه الشياطين والوساوس كثيرة، والأمراض النفسية، والأزمات يشكو منها ويعاني منها كثير من الناس، لكن إذا وجد الأنس بالله فلا يعدله شيء، فلا يعدله شيء، في السفر يعني لا يلزم أن يكون الثلاثة في سيارة واحدة، يعني إذا وجد في الطريق سيارات تمشي ولو كان مفرداً بسيارته هذا ليس بمنفرد، إذا كان الطريق معمور سالك للناس كلهم فمثل هذا ليس بمنفرد، كما أن من ركب دابته وبجواره آخر على دابته وثالث على دابة ثالثة هؤلاء ركب، ولا يلزم أن يركب الثلاثة كلهم على دابة واحدة وكذلك السيارة.
الأصل طبعة دار الغرب ودار الجيل مصور عنها.
الزواج مما يسر طلب العلم ويعين عليه.
عرفنا أن الحافظ الذهبي -رحمه الله- قال: إن توثيق أو تصحيح الترمذي غير معتبر؛ لأنه متساهل، وأن أحمد شاكر قال: إنه معتبر وتوثيق لرجاله، والتوثيق العملي للراوي من قبل الأئمة كأن يخرج له البخاري أو مسلم أو غيرهما من الأئمة هذا توثيق عملي من قبلهم، لكنه شريطة أن يتفرد به هذا الراوي، إذا كان الحديث لا يعرف إلا من طريقه وصحح الخبر فهو توثيق عملي، وليس مثل التنصيص على توثيقه؛ لأن التوثيق العملي يعتريه ما يعتريه مما يحتف به، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا عن الترمذي -رحمه الله- أنه يصحح بالمجموع، بمجموع ما في الباب.
أما تحقيق سليم الهلالي على عمدة الأحكام فما رأيته، لما أره بعد، وأفضل تحقيق لبلوغ المرام ظهر تحقيقات كثيرة منها سمير الزهيري هذا له عناية بالكتاب وتحقيق وتخريج على الأحاديث، لكن فيه شيء مما لا ينبغي أن يتربى عليه طالب العلم، فيه ردود على الأئمة وإن كان في جملته من أفضل الموجود، لكن فيه أحياناً رد صريح على أحمد أو على ابن معين أو على البخاري أو على..، ومع ذلك يصدر التخريج بقوله: صحيح، ولو كان الحديث في الصحيحين، فمثل هذا لا ينبغي أن يربى عليه طالب علم، مع أن الكتاب في جملته وفي نظري أفضل التحقيقات.
أفضل طبعة لصحيح البخاري هي الطبعة السلطانية التي طبعة سنة ألف وثلاثمائة وإحدى عشر، وصورت أخيراً وانتشرت ولله الحمد.
أما الاسم المطول (الجامع المختصر من السنن عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل) هذا شرح لواقع الكتاب، ووسمٌ مطابق لمضمون الكتاب، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- سمى كتابه: (الجامع الصحيح المسند من سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأحواله وأيامه) ولا يمنع أن يختصر الاسم بأن يقال: جامع الترمذي أو جامع البخاري أو صحيح البخاري أو الجامع الصحيح، لا مانع من ذلك -إن شاء الله-، المسألة فيها سعة.
الإنسان ليس له أن يتحكم في شيء من بدنه، وبدنه ليس له، فليس له أن يؤخذ ولا أن يتبرع.
وماذا يفعل لو طلب من رجل أن يتبرع، أو لو طلبت أم رجل منه أن يتبرع لها بجزء من كبده إذا كان محرم؟
إذا كان محرم فلا طاعة لأحد فيه، وإذا كانت الأم ألحّت ونظر في القول الثاني له ذلك.
على كل حال إذا كان الإنسان يرى من نفسه العمل الصالح، وهذا لا يتحدث به إلا من باب تحديث النفس من أجل العزم على الشكر والمزيد من ذلك لا بأس، أما إذا رآه بعين الإعجاب فهذا يحتاج إلى إخلاص؛ لأنه يحبط العمل.
جمعياً يعني هو وزميله هذا.
هذه من الطرق الجيدة المفيدة وهل من مقترح؟ أم كيف ندرس الفقه لنتوسع فيه؟
أما القراءة والدارسة الجماعية لا شك أنها نافعة، وهي أنفع من القراءة المفردة للجادين، إذا كانوا على مستوى واحد أو متقارب في الفهم والحفظ والجد نافعة لهم، لأن كل واحد يعين الآخر، أما إذا تفاوتوا في الجد والهزل وفي الحفظ والضعف مثل هذا يكون بعضهم عالة على بعض على حساب بعض، ويعوق بعضهم بعضاً، فمثل هذا الجاد ينفرد بنفسه، ولا يكون مع الهازل، ومن قويت حافظته ينفرد ولا يكون مع الضعيف؛ لأنه يثبطه عن المقدار الذي يريد حفظه، هذا من حيث الجمع والاجتماع على الدروس، ولا مانع من أن يجتمع خمسة، ستة، عشرة في مستوى واحد مما ذكرنا، يجتمعون على دراسة كتاب ومدارسته والنظر في مسائله، والرجوع إلى الشروح، وتداول الآراء فيما بينهم؛ هذا يعين بعضهم بعضاً، وهذا في المذاكرة أنفع، يعني بعد الفراغ من الدرس، التحضير للدرس بالإنفراد، حفظه ومراجعة الشروح والحواشي، حضور الدرس والتعليق على الكتاب يكون هذا الطالب بمفرده، لكن في حال المذاكرة بعد الفراغ من الدرس تنفع المذاكرة الجماعية.
أما كيف ندرس الفقه؟ ذكرنا طريقة وهي أن يجعل محور الدراسة كتاب معين، ولكن مثلاً الزاد، زاد المستقنع لكثرة مسائله، كتاب مضغوط على صغر حجمه ولا يوجد في ما يقاربه في كثرة المسائل، هذا الكتاب يكون محور للدراسة، تأخذ مسائله مسألة مسألة وينظر فيها، وتتصور التصور الدقيق الصحيح، وتراجع عليها الشروح، ثم يستدل لهذه المسائل، كل مسألة تقرن بدليلها وتعليلها، من مراجعة الشروح والحواشي والكتب الأخرى، الكتب الأخرى بشروحها، ثم بعد ذلك ينظر من وافق المؤلف على هذا الحكم الذي ذكره بعد تصور الدليل، تصور المسألة، ثم ينظر من خالف، ودليل المخالف، فإذا تأهل الطالب لهذا صارت لديه أهلية الموازنة والترجيح بين الأقوال، ثم رجح القول المعتبر واستعان بترجيح أهل التحقيق من أهل العلم، ما ينتهي الكتاب إلا وعنده رصيد كافي من الفقه -إن شاء الله تعالى-، ويتأهل بذلك للفتوى وللقضاء وللتعليم وغيرها.
التصوير بجميع صوره وآلاته لذوات الأرواح محرم، وما عند الله لا ينال بسخطه.
عليه أن يتم ولا يجمع.
حديث: «من صلى أربعاً قبل العصر» هذا لا بأس به -إن شاء الله تعالى-.
لا، تكفر الصغائر بالعبادات، واجتناب الكبائر بمفرده مكفر للصغائر.
قلنا مراراً: إن أفضل الطبعات الآن طبعة مكتبة أولاد الشيخ في خمسة عشر جزءاً، طبعة مقابلة على نسخ ومخرجة الأحاديث والآثار، ومعتنىً بها، وطبعة الشعب فيما يوجد فيها من أفضل ما طبع، طبعة الشعب فيها خروم كثيرة لكن الموجود فيها من أصح ما طبع، وطبعة السلامة مكتبة طيبة الطبعة الثانية أنفس من الأولى وأفضل، البداية والنهاية طبعة ابن تركي لا بأس بها، وما الطبعات الأولى ففيها تحريف وتصحيف كثير.
لا يوجد كتاب مطبوع على المحرر لابن عبد الهادي، مع أنه أنفس ما كتب في أحاديث الأحكام، وهو أمتن من البلوغ في أحكام المؤلف على الأحاديث، لكن البلوغ فيه زوائد، وفيه ترتب قد يكون أنسب لكثير من الأحاديث من ترتيب المحرر، أما الشروح المسجلة فيها كثيرة وموجودة في محالات التسجيل.
السنة أن يتوضأ وضوءه للصلاة قبل الغسل، لكن إذا عم بدنه بالماء مع النية والمضمضة والاستنشاق يكفيه عن الوضوء؛ لأنهما عبادتان من جنس واحد، عبادتان من جنس واحد تدخل الصغرى في الكبرى.
تقول ما يناسبها، وهي أمة لله -جل وعلا-.
لو اعتنى طالب العلم بالمحرر وأخذ الزوائد من البلوغ وعلقها على المحرر انتفع كثيراً -إن شاء الله-.
هذه لم ترد، ولذا لا ينبغي أن تقال، لكن إذا قيلت في السجود لأن الأمر فيه سعة، أو قيلت بعد الفراغ من التشهد لا بأس.
أنا لا أعرفه ولا يضيره أني لا أعرفه، لكن هذا بيان الواقع.
الرفاعي إن كان المقصود به محمد نسيب الذي اختصر تفسير الحافظ ابن كثير فهو تفسير جيد، وعليه تعليقات للمؤلف نافعة.
الصلاة في الحجر كالصلاة في جوف الكعبة لأنه منها.
لا يجوز لها النظر إلى الرجل، بل يجب عليها أن تغض البصر.
هذا لا يمنع أن..، لا تعارض بين ما ذكر عن يأجوج ومأجوج وأنهما ينقبان في السد، ثم يعيده الله -جل وعلا- كما كان، مع النقب الذي اخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لأن النقب الذي أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسع أحداً للخروج منه، وأما ما ينقبونه فلعله أكبر من هذا ثم يعاد.
كل هذا لا يجوز؛ لأن العبرة بفعله -عليه الصلاة والسلام- وقد نهى عن السواد، فقال: «وجنبوه السواد» والعبرة ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الأمر بالإعفاء والإكرام.
عورة المرأة بالنسبة للمرأة كعورتها عند محارمها، فما تبديه لأبيها وأخيها ووالد زوجها وابن زوجها تبديه للنساء وما عدا ذلك لا يجوز؛ لأن النساء عطفن على المحارم في آية النور وفية آية الأحزاب.
الجمهور على أن المراد الصغائر، من أهل العلم من يحمله على العموم، لكن الجمهور يرون أن الكبائر لا بد لها من توبة.
نعم النوافل فقط، تصلى النافلة على السيارة.