شرح كتاب التوحيد - 22
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
قال الإمام المجدد- رحمه الله تعالى-: باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56] الآية.. في الصحيح عن ابن المسيِّب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل فقال له: «يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» قالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك»، فأنزل الله -عز وجل-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:113]، وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء }[سورة القصص:56].
فيه مسائل:
الأولى / تفسير قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56] الآية..
الثانية / تفسير قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:113] الآية..
الثالثة / وهي المسألة الكبيرة تفسير قوله –صلى الله عليه وسلم-: « قل لا إله إلا الله» بخلاف ما عليه من يدعي العلم.
الرابعة / أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي –صلى الله عليه وسلم- إذ قال للرجل: «قل لا إله إلا الله»، فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام.
الخامسة / جِده –صلى الله عليه وسلم- ومبالغته في إسلام عمه.
السادسة / الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه.
السابعة / كونه –صلى الله عليه وسلم- استغفر له، بل نهي عن ذلك.
الثامنة / مضرة أصحاب السوء على الإنسان.
التاسعة / مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر.
العاشرة / الشبهة للمبطلين في ذلك لاستدلال أبي جهل في ذلك.
الحادية عشرة / الشاهد بكون الأعمال بالخواتيم؛ لأنه لو قالها نفعته.
الثانية عشرة / التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين؛ لأن في القصة أنهم لم يجادلوه إلا بها مع مبالغته –صلى الله عليه وسلم- وتكريره فلأجل عظمتها عندهم اقتصروا عليها".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد، فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى- في الباب السابع عشر في بعض النسخ.. كلها السابع عشر؟ لا، النسخة مثل التي معي ما تعتبر، الثامن عشر ماذا عندك السابع عشر؟ وأنت يا أبا إبراهيم؟
الذي في نسختنا السابع عشر، وفي بعض النسخ الثامن عشر، يعني لو الأبواب مئات أو ألوف كما يحصل في الكتب الكبار قيل: اختلاف في الترقيم أو سهو، لكن هذه أبواب قليلة، فكيف يحصل هذا التفاوت ومرده إلى الباب الأول، حسين ماذا معك؟ السابع عشر، أشوف الذي معه الثامن عشر، الترجمة الأولى بعد البسملة قال: كتاب التوحيد وقول الله تعالى بعضهم جعل لهذا الكتاب رقم، وبعضهم لم يجعل له رقمًا، صارت سبعة عشر، وإن وضع لها رقمًا صارت ثمانية عشر، عندك؟ لا هين، الباب الثاني متفق عليه أنه يحتاج إلى رقم الأول كتاب التوحيد، فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب الباب الأول عندنا كتاب التوحيد ما عليه رقم، إذًا ما مرد الاختلاف في الترقيم؟
طالب: ...........
الترجمة الأولى كتاب التوحيد وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56].
طالب: فضل التوحيد {وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ }[سورة الأنعام:82].
لا، انتهى هذا، أول الكتاب كتاب التوحيد افتح.
طالب: فضل التوحيد، أعط الشيخ نسختك.
لا هذا متأخر جدًّا، فضل التوحيد متأخر، انظر أول الكتاب.
طالب: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.
كتاب التوحيد وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات:56].
يعني هل هو مرقم؟ في النسخ التي فيها الباب الذي معنا الثامن عشر؟ من.. أين رقم واحد عندكم؟
طالب: الآن ذكر يا شيخ الباب الأول عندنا وذكر الثاني والأول...
ماذا معك أنت؟
طالب: ............
يعني فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب الباب الأول؟
طالب: نعم.
عندنا؟ وعندهم اثنان؟
طالب: ........
لكن ما فيه رقم.
طالب: وليست طبعة يا شيخ هذه أصلية، هذه فيها مكان للتعليقات، الطبعة التي ذكر فيها ثمانية عشر.
لا، حتى فيه طبعات قديمة مرقمة، والباب الثامن عشر الذي معنا بناءً على كتاب التوحيد رقم واحد، والذي لم يرقمه جعله عنوانًا للكتاب كله ليس بباب فرع من الكتاب كما يقتضيه عملهم في الأبواب الثانية، فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب الباب الأول، لكن ما معنى أنه كتاب التوحيد وقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} هذا رقم واحد، وقوله على طريقة الأبواب؟
نعم؟
طالب: وذكر له مسائل.
وذكر له مسائل وحقيقته باب، وليس هو العنوان الأصلي للكتاب، العنوان الأصلي للكتاب الذي في طبعته الأولى هذا كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، تأليف الإمام إلى آخره، هذا العنوان، أما كتاب التوحيد فهو ترجمة من مفردات تراجم الكتاب مثل الباب الذي معنا، بدليل أنه استدل بآيات وأحاديث على الترتيب في سائر الأبواب، وختمه بمسائل؛ فعلى هذا يكون الترتيب يبدأ برقم واحد، وهو وإن سماه كتابًا فهو في حقيقته باب، فيحتاج إلى ترجمة خاصة ومناسبة لما ذكره تحت هذا العنوان؛ لأن الذي يقرأ باب السابع عشر وينظر النسخ ثانية الباب الثامن عشر يظن أن فيه سقطًا ،أنه سقط باب.
طالب: ..........
هذا ما رقمه لكن الذي عندنا باب الثامن عشر يصير مرقمًا، والمفترض أنه يرقم؛ لأنه في حقيقته باب وليس بكتاب، ليس هو عنوان الكتاب.
طالب: ........
لكن طريقته فيه كطريقته في سائر الأبواب، استدل للعنوان بأبيات وأحاديث، ثم ختمه بمسائل كسائر الأبواب، وليس هو العنوان الأصلي الكلي للكتاب؛ لأن العنوان الأصلي لا يستدل له، الكتاب لا يستدل له إلا من خلال مفرداته من الأبواب، على كل حال الأمر سهل، ولولا أنه يخشى أن يقال: النسخة ناقصة، النسخة زائدة، سقط باب، أو ما سقط باب؟ ما يحتاج إلى تنبيه هذا.
قال- رحمه الله تعالى-: "باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [سورة القصص:56] " ..
الخطاب للنبي –صلى الله عليه وسلم-، فهو لا يهدي {إِنَّكَ لَا تَهْدِي} الآية تنفي الهداية عنه–عليه الصلاة والسلام- مع أنها جاءت مثبتة ومؤكدة {وإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم }[سورة الشورى:52] وفرق من قوله {إِنَّك} وهو تأكيد و{لَا تَهْدِي} نفي، {لَا تَهْدِي} كما عندنا {مَنْ أَحْبَبْتَ} وبين {وإِنَّكَ لَتَهْدِي} فرق، وكلها مؤكدة، هذي مؤكدة بالنفي المؤكدات هذه كلها للنفي، وتلك مؤكدات للإثبات {وإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم}، والذي لا يفرق بين هذا وهذا يقع في خطأ جسيم هذا الذي لا يفرق بين النفي والإثبات مع وجود المؤكدات مع النفي والإثبات يقع في خطأ جسيم كما سمعت إمامًا من كبار السن يقرأ {ثُمَّ لا تُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيم} {ثُمَّ لا تُسْألُنَّ} السياق مع المؤكدات كلها تدل على إثبات السؤال وهو يقرؤها على نفي السؤال، ضلال هذا، ولولا أنه معذور بجهله.. هو إمام، المشكلة في جهة من الجهات، وهذا مثل ما عندنا {إِنَّكَ لَتَهْدِي} {وإِنَّكَ لَتَهْدِي} {إِنَّكَ لَا تَهْدِي} فرق بين النفي والإثبات.
إذًا فما المثبت؟ وما المنفي من هذه الهداية؟
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي} هداية التوفيق والقبول، ما تستطيع أن تدخل هذه الهداية وهذا القبول في قلبه، هذا بيد الله- جل وعلا- لا يملكه أحد، وأما هداية الدلالة والإرشاد فهذه وظيفته –عليه الصلاة والسلام- {وإِنَّكَ لَتَهْدِي} يعني تدل الناس وترشدهم إلى الصراط المستقيم، ولكن يقبلون أو لا يقبلون، هذا بيد الله- جل وعلا-.
في قوله- جل وعلا-: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ} [سورة الواقعة:76-77] كيف يكون لا أقسم وإنه لقسم؟ ما فيه نفي وإثبات مؤكد، هل هو قسم أم ليس بقسم؟ هو القسم مثبت أم منفي؟
طالب: ...........
هذه قراءة الحسن البصري ما فيها نفي {فَلأُقْسِمُ}، والقراءة الثانية القراءات المتواترة كلها على أنها لا، لام ألف، كيف يفنى ويؤكد إثباته؟ {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيم} هذه إشكالات قد تورد الآن شبهًا من خلال التوسع في الاطلاع على وسائل الاتصال والقنوات ودخول المنحرفين والمخالفين من المبتدعة وغيرهم، لا أقسم وإنه لقسم، ما الأسلوب؟ وحينئذ يقال في لا، بعضهم يقول: صلة يتحاشى أن يقول: زائدة، وبعضهم ما يتورع أن يقول زائدة، يعني من حيث اللفظ، وإن كانت فائدتها من حيث المعنى تأكيد، ما في الدار مِن أحد، مِن هذه زائدة؛ لتأكيد النفي، على كل حال هذه أمور محسومة ومعروفة عند أهل العلم، ولولا أنه يوجد من يثيرها ما احتيج على الكلام فيها.
{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} [سورة ص:75] ما فيه نفي في بعض الآيات؟ ما منعك أن لا تسجد والقصة واحدة ظاهر يا شيخ ،مثل هذه الأمور التي قد يشوش بها بعض المغرضين، وتشوش على بعض أنصاف المتعلمين فضلاً عن العوام، ينبغي أن تكون حاضرة في ذهن طالب العلم.
وهنا يقول: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56] وهناك يقول: {وإِنَّكَ لَتَهْدِي}[سورة الشورى:52]، فالهداية هنا غير الهداية هناك، الهداية هنا هداية التوفيق والقبول، وهناك هداية الدلالة والإرشاد، فالرسل يهدون بمعنى يدلون وأتباعهم كذلك {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [سورة الإسراء:9]، وهذه الهداية بالنسبة للقرآن هل هي من الأولى أو الثانية هداية دلالة وإرشاد، لكن القرآن كلام الله الذي بيده التوفيق والقبول، لكن العلماء قالوا: إنها من الهداية الثانية هداية الدلالة والإرشاد؛ لأنه بمفرده يدل الناس ويرشدهم، لكن إدخال القبول والتوفيق لهذا الذي دل على الصراط المستقيم هذه لا يملكها إلا الله- جل وعلا-.
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56] فيه إشكال أم ما فيه اشكال؟ فيه إشكال؛ لأن الآية نزلت في أبي طالب وهو كافر، فكيف تكون هذه المحبة؟
طالب: ...........
محبة جبلية طبيعية كما تكون لمن أحسن إليك، وتكون للوالدين الوالد يحب ولده ولو خالفه في الدين، والولد يحب والده ولو خالفه في الدين محبة طبيعية جبلية، لكن المحبة الشرعية مقدمة عليها بحيث لو أمره أبوه بما يخالف أوامر الله وأوامر الرسول –عليه الصلاة والسلام- «فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، فإذا قدم طاعة الله تعالى على طاعة والده نقول: هذه المحبة جبلية وطبيعية ما تضر، لكن إذا قدمه وصار محبة شرعية، وقدم هذه المحبة الجبلية على الشرعية وحينئذ يتضرر، تضره هذه المحبة وتقديم هذه المحبة ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ﴾ [سورة التوبة: 24] إلى آخره.
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56] قلنا: إن هذه المحبة جبلية طبيعية لا تؤثر في المحبة الشرعية إلا إذا قدمت عليها، ولا شك أن أبا طالب عم الرسول –عليه الصلاة والسلام- وهو صنو أبيه، وقد أحسن إليه، وأعانه على نشر دعوته، ودافع عنه بكل ما يستطيع، وبذل نفسه وماله دون الدعوة ودون النبي –عليه الصلاة والسلام-، فالمحبة الجبلية طبيعية هي موجودة في الأصل تزداد بهذه الأمور، تزداد بهذه الأشياء، جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، لكن يبقى المحك إذا تعارضت هذه المحبة مع ما يحبه الله ورسوله، من يقدم؟ يقدم محبة الله ورسوله على محبة غيره كائنًا من كان، ومحبة الله ورسوله تكون بطاعتهما وتقديم الأوامر والنواهي على قول كل أحد كائنًا من كان.
طالب: ...........
الشيخ: يوادون، يوادّون، نعم المودة أعلى من المحبة.
طالب: ...........
قد يقول قائل تمامًا في الآية الأولى في الزوجة الكافرة من أهل الكتاب ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ َزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [سورة الروم:21]
المقصود أن كل هذه الأمور الجبلية لا تعارض بها الشرعية، والأمور الجبلية التي جبل عليها الناس فطرهم الله عليها وجبلهم وطبعهم عليها هذه لا يستطيعون مقاومتها، يعني كونها تكون فاضلة أو مفضولة في يوم من الأيام تجدها عند شخص فاضلة، وإذا زاد إيمانه صارت مفضولة، كما قال عمر -رضي الله عنه- : "إنك لأحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي «قال: بل ومن نفسك يا عمر» قال: ومن نفسي، "في الصحيح" أعم من أن يكون صحيح البخاري أو صحيح مسلم فقط أو الصحيحن معًا؛ لأنها تأتي وترد في كلام أهل العلم أحيانًا، تطلق على البخاري، وأحيانًا على مسلم، المهم أن الحديث صحيح، وموجود في كتاب صحيح أو في الصحيحين أيضًا كما هنا الحديث متفق عليه.
"في الصحيح عن ابن المسيَّب" أو المسيِّب؟ الجمهور يفتحونها، الجمهور يفتحون الياء مسيَّب، وسعيد نفسه يقول: سيَّب الله من سيَّب أبي، فالذين يتورعون من دخولهم في هذه الدعوة من هذا العبد الصالح يقولون: المسيِّب، وهو سعيد بن المسيِّب الإمام العلم المشهور أعلم التابعين فيما يقوله الإمام أحمد وغيره، وإن كان أويس القرني أفضل.. مفضل عند الكثير؛ لأنه ورد فيه نص في صحيح مسلم، وأُمر عمر- رضي الله عنه- على فضله وجلالته أن يطلب منه أن يستغفر له، وهو من التابعين، مما يدل على فضله، وأما ابن المسيِّب فهو أعلم التابعين قاطبة، ومراسيله أقوى المراسيل فيما ذكره أهل العلم ابن عبد البر وغيره، والشافعي- رحمه الله- في رسالته المشهورة قال: وإرسال المسيِّب عندنا حسن، وهو أحد الفقهاء السبعة، فقهاء المدينة السبعة.
فَخُذهُمْ عُبَيدُ اللهِ عِرْوَةُ قَاسِمٌ سَعِيدٌ أبُو بَكْرٍ سُلَيْمَانُ خَارِجَه
سبعة مع أنه مختلف في السابع، لكن هذا قول الأكثر، مات في أربع وتسعين بعد التسعين قالوا سنة أربع وتسعين، وهي سنة الفقهاء، الفقهاء السبعة غالبهم ماتوا في هذه السنة، سموها سنة الفقهاء كما نسمي سنة عشرين، ألفًا وأربع مائة وعشرين سنة العلماء، مات فيها جمع غفير من أهل العلم، والله المستعان.
"عن ابن المسيب عن أبيه" المسيّب بن حزم بن حزْن أو حزَن المخزومي وأبوه أسلم بعد هذه القصة وجده مسلم أيضًا، وأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- بتغيير اسمه حزْن يقابله السهل، أشار عليه أن يغيره إلى سهل فقال: السهل يوطأ، فما قبل أن يغير اسمه، يقول سعيد: فما زالت فينا الحزونة، بشؤم مخالفة توجيهه –عليه الصلاة والسلام-.. وليس اسمًا محرمًا لأجل أن يلزم بتغيره، لكن من باب الأدب أن يتسمى الإنسان أو يسمي ابنه اسمًا له معنى غير لائق.
"عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة" حضرت قالوا: حضرت علاماتها أو مقدماتها؛ لأنه إذا حضرت الوفاة ما نفعت، انتهت المهلة {حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [سورة النساء:18] هذا ما تنفعه إذا حضر ما ينفع، ولذلك قال أهل العلم: ليس المراد حضور الموت، حضور الوفاة، إنما هو حضور المقدمات، يعني لو أن شخصًا قرر الأطباء أنه لا أمل في بقائه وعقله تام، المريض مرضًا مخوفًا يمنع من بعض التصرفات التي تضر بالوارث، ولا ينفذ طلاقه، لكن توبته صحيحة، وإن كان مجذومًا؛ لأن هذا وإن كان مع جزم أطباء أنه لا مهلة له ولا بقاء له إلا أيام أو مدة يسيرة، لكنه مظنون توبته صحيحة ما لم تحضر الوفاة نفسها ويغرغر، حينئذٍ لا تنفع التوبة، انتهت وهنا يقول: "حضرت أبا طالب الوفاة" ما الفرق بينها وبين قول الله- جل وعلا-: {حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [سورة النساء:18] فيه فرق؟
طالب:............
ما الفرق؟
أنت طبق الآية على الآية، ما عليك من كلام الناس، هذاك حضرت الوفاة، وهذا حضر الموت ما الفرق بينهما؟ فيه فرق؟
طالب:............
لا أنا أقول: ما الفرق "حضرت أبا طالب الوفاة" {حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [سورة النساء:18]
طالب: ...........
هذي وفاة وهذاك موت، ما الفرق بينهما؟ كلهم حضروا الوفاة أو الموت فيه فرق؟
ما هو؟
الذي هنا؟
طالب:............
لا، أنا أجرِّد الموضوع من كلام أهل العلم واستحضار أن هذا مقبول التوبة، وهذا غير مقبول، كل هذا جرده أنت انظر إلى النص، فيه فرق بين النصين؟
طالب: ...........
نزل.. هذاك حضرت بأحدهم الوفاة قال: إني تبت الآن، وهذا حضرته الوفاة قال له: «قل يا عمي: لا إله إلا الله» ما الفرق؟ ما فيه بينهما فرق؟ الوفاة هي الموت؟
عندنا نص ثابت في الصحيحين تريد أن تقول مروي بالمعنى؟ ليس بهذا اللفظ، الحديث الأصلي؟ من الذي قال هنا: حضرت أبا طالب الوفاة؟
المسيِّب الذي قاله، وهناك الذي قاله الله- جل وعلا-، لكن هل يمكن أن يعبر بغير هذا والمسيب يعرف لغة العرب، وهو من أقحاحهم، ويعرف أن يطبق الكلام على الواقع، العلماء ما نظروا إلى هذا، هم قالوا: من باب الجمع بين الآية والحديث أن يقال: حضرت المقدمات والعلامات، ما حضر الموت نفسه.
طالب: ...........
نعم، ومنهم من: يقول هذا خاص بأبي طالب؛ لما له من يد على النبي –عليه الصلاة والسلام- وعلى دعوته؛ لأنه لو حضرت المقدمات ما حضرت الوفاة وقال: لا إله إلا الله ما يحتاج عنه تنفعه، وهنا لما حضرته الوفاة احتمال أن لا تنفعه، لكن النبي –عليه الصلاة والسلام- يحاج قال: «قل: لا إله إلا الله قبل أن يموت كلمة أحاج لك بها عند الله» فقالوا: هذا خاص.
طالب: ..........
هذاك مريض ما يلزم، حضرته الوفاة هذاك مات بالفعل، لكنه مريض احتمال أن يصحو، ترى علامات الاحتضار المؤكدة يعرفها أهل العلم وذكروها، والعامة الذين يحضرون المحتضرين يعرفونها ويميزونها بخلاف ما يزعمه بعض الأطباء ويقررون أنه انتهى ووفاة طبيعية، ويوقع عليها ثلاثة أطباء ويتبرعون بأعضائه وهو ما مات، كم واحد صحى بعد التقرير صحى في وقائع متعددة.
"جاءه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية المخزومي وأبو جهل" واسمه عمر أم عمرو؟ رأس الكفر والضلال والعداوة لمحمد –عليه الصلاة والسلام- ولأصحابه ولدينه، وهما من بني مخزوم قال بعضهم: يحتمل أن المسيب حضر أيضًا مع الاثنين مع أن الذي خاطبه اثنان "فقالا له" قالوا: إن المسيب حضر؛ لأن وصف القصة من قرب يقول: "لما حضرت" ولو كان فيه واسطة لبينه كان ينقل عن غيره، وهو أيضًا من بني مخزوم منهم كالاثنين.
"فقال له: «يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة»" بدل من لا إله إلا الله كلمة لا إله إلا الله كلمة؟ أم كلام؟
كلمة الإخلاص كلمة التوحيد وهنا يقول: كلمة أحاج بها لك عند الله.
تحفظ الألفية؟
نعم
وكِلْمَةٌ بِهَا كَلامُ قَدْ يُؤَمْ
ألست تقول ألقى كلمة؟ ممكن تكون خمس صفحات، عشر صفحات، أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد
أَلَا كُلَّ مَا خَلا الله بَاطِلُ
«يا عم» ما قال: يا أبا طالب مع أنه كافر، قال: «يا عم» يستثير فيه هذه القرابة ويستميله بها.
وهذا عين الأدب، وإذا كان هذا مع كافر فبعض الناس ينادي عمه يا أبا فلان يا أبا فلان يا أبا علي يا أبا صالح، هذا ليس من الأدب؛ لأن عم الرجل صنو أبيه، فينادى بما فيه دلالة على القرب «يا عم» ما قال: يا أبا طالب، وهو مشهور بأبي طالب، لكنه عمه، وعم الرجل صنو أبيه، يعني مثله «يا عم قل: لا إله إلا الله» لا معبود بحق إلا الله «كلمة أحاج لك بها عند الله».
أحاج: أخاصم، يستدل بها بعضهم على أنها ما نفعته؛ لأنه حضرته الوفاة، لكن مقامه -عليه الصلاة والسلام- ومقام أبي طالب منه ومنزلته عند ربه- جل وعلا- تجعله يحاج ويجادل، لكن جاء في سورة النساء ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً﴾ [سورة النساء:105]، ﴿هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [سورة النساء:109] هذا لو كان الكلام من غيره –عليه الصلاة والسلام- قيل له مثل هذا الكلام، لكن الرسول –عليه الصلاة والسلام- وهو يبلغ ما أوحي إليه من ربه ولا عوتب على ذلك، بل عوتب على الاستغفار فيما بعد، ما عوتب على هذا الكلام وهو من المعصوم –عليه الصلاة والسلام- «كلمة أحاج لك بها عند الله» هذا قلنا يستدل به من قال: لم يستفد منها، وأن قولهم: حضرت أبا طالب الوفاة مثل ما جاء في آية النساء {حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ} [سورة النساء:18] ما تنفعه، ولذلك يريد أن يجادل ويحاج ويخاصم، ولعلها تنفع هذه المجادلة والمحاجة، "فقالا له" عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل قالا لأبي طالب: "أترغب عن ملة عبد المطلب؟" عن ملة أبيك، دين الكبراء والأشياخ، أبو طالب أعاد عليه النبي –عليه الصلاة والسلام- فأعادا عليه الكلام في النهاية، نسأل الله العافية، ونسأل الله حسن الختام؛ لأنه لا يوصف بالجزع أو الخرع قال في النهاية: "هو على ملة عبد المطلب" هو على ملة عبد المطلب، وإلا فعنده علم ويقين من صحة دينه–عليه الصلاة والسلام- وعاصره وعاش معه طويلاً ومن قرب، تسع سنوات عاش مع النبي–عليه الصلاة والسلام- وزيادة، مات وعمر النبي –عليه الصلاة والسلام- تسعة وأربعون عامًا وأشهر، وماتت خديجة بعده بثمانية أيام، نسأل الله العافية.
يعني مع اليقين والمعرفة أبى أن يقول: لا إله إلا الله وقال: هو على ملة عبد المطلب، هو على ملة عبد المطلب، هل يكفي اليقين والاعتراف والمعرفة التامة بالحق عن النطق بالشهادة؟ هنا قال ما يناقضها، وهذا ظاهر وواضح، لكن لو واحد وقر الإيمان في قلبه، ولا عنده أدنى تردد، ليس عنده أدنى تردد، وقر الإيمان في قلبه، فذهب إلى شيخ؛ ليلقنه الشهادة فحضرته المنية قبل ذلك، ماذا نقول؟ في أحكام الدنيا هو على كفره؛ لأن النبي–عليه الصلاة والسلام- يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله» هذا ما قال: لا إله إلا الله، فهو في أحكام الدنيا كافر، وأما في الآخرة فالله يتولاه، وإن كان بعضهم يجزم بأنه دخل في الإسلام لا سيما إذا نطق بذلك بغير النطق بالشهادة.
وهذه مسألة سئلت عنها قبل ثلاثين سنة من شخص أفريقي يقول: لي زميل نصراني في الجامعة، وقر الإيمان في قلبه، وأراد أن يسلم، فقلت: نذهب إلى الشيخ فلان، فذهبنا إلى الشيخ فقال الشيخ: باقي على الصلاة ربع ساعة نتوضأ ونصلي ونلقنك، خرجا من عنده فإذا به هناك إطلاق نار فقتل، يعني ليس بمسائل نظرية مسائل عملية، الغزالي في الإحياء وبعض أهل العلم يقولون: هذا مؤمن مسلم؛ لأنه أخبر زميله أنه وقر الإسلام في قلبه، لكن الذي عندنا جاء بالنقيض، هو على ملة عبد المطلب، ما يكفي أنه ما قال: لا إله إلا الله، نطق بالنقيض، ما يدخل ولا بالخلاف الضعيف الذي ذكر من بعض أهل العلم، وإن ألف بعضهم إيمان أبي طالب هذا عند الرافضة معروف هذا، بل قالوا: بإيمان عبد المطلب ومن فوقه من سلسلة النسب نسب النبي–عليه الصلاة والسلام- يعني إذا قالوا بإيمان أبي طالب الذي قال:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ مِنْ خَيرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا
فماذا عمن فوقه مع أنه قال: هو على ملة عبد المطلب،؟ أحمد زيني دحلان مفتي الشافعية بمكة، وهو من أعداء الدعوة السلفية، من أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، صنف في إيمان أبي طالب مع وجود هذه النصوص الصريحة الصحيحة.
"هو على ملة عبد المطلب، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله" هو على ملة عبد المطلب في الأصل جاءت في رواية أحمد: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الرواة من باب الأدب في العبارة مع أنفسهم في مثل هذا الحال أو مع غيرهم يغيرون ما لا يغير المعنى، بدل أن ينسب إلى نفسه: أنا على ملة عبد المطلب، فلا يريد أن يقول هذه الكلمة؛ لأنها كفر، ولو كان ناقلاً، ولو كان ناقلاً عن غيره فيقول: هو على ملة عبد المطلب، ولا شك أن هذا من حسن التعبير والأسلوب وهذا مطلوب جاء في رواية عن الإمام أحمد: أنا على ملة عبد المطلب، وهذا ينبغي أن يكون في جميع الخطابات عن النفس أو عن الغير إذا كان هناك شيء ينسب إلى النفس أو إلى غيره مما كان.. أو مما لا يليق به فإنه يغيره بما لا يغير المعنى، هذا معلوم هو على.. من الذي قال: هو على ملة عبد المطلب؟ إلا إذا كان هذا اللفظ يترتب عليه حكم شرعي يتغير به الحكم، جاء ماعز إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: يا رسول الله إني زنيت" ثم الرواة كلهم يقولون في اللفظ: إني زنيت؛ لأنه في الإقرار بالزنا لابد من التصريح، فلو قال أحد الرواة: "أنه زنى" لظن بعضهم أن هذا من كلام ماعز، وأن الزنا منسوب إلى غيره، ولا بد أن يقر إقرارًا صريحًا صحيحًا؛ لأنه يترتب عليه رجم، وهذا انتهى ومات فماذا يترتب عليه من الأحكام؟
طالب: ..............
نعم، نقل كلام الكفار، لكن هل يلتبس بشيء؟ هل يقال: إنه قد يقول: إن المتكلم به بعد فرعون أنا ربكم الأعلى؟ من المتكلم؟
طالب:............
لا عقب فرعون، خل كلام فرعون معروف، الذي نقل لنا الكلام، الكلام في الناقل ليس الإشكال في أبي طالب، أبو طالب قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن النقلة قالوا: هو على ملة عبد المطلب، في القرآن ما يلتبس؛ لأنه يكشف حاله ويوضحه.
"هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله" لماذا؟ لأنه يعرف أنها تثبت الألوهية لله- جل وعلا-، وتنفي ألوهية ما عداه، ولذلك لما قال لهم النبي –عليه الصلاة والسلام- قولوا لا إله إلا الله قالوا: أجعل الآلهة إله واحدًا؟ فهم يفهمون، أبو طالب فهم ورفض أن يقول: لا إله إلا الله، ولذلك سيأتي في المسائل كلام الشيخ يقول: فقبح الله، نعم فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام، كلمة التوحيد، وهذا مع الأسف موجود في كثير من أقطار المسلمين، يدعو فلانًا وفلانًا، ويشرك الشرك الأكبر ويقول: لا إله إلا الله، ويزعم أن الولي الذي يدعوه ويرجوه ويخافه بيده تدبير الكون، نسأل الله العافية.
هذا كلام صريح صحيح مدون في الكتب على ألسنة مؤلفيها، كلام كثير للصوفية من هذا النوع لاسيما الغلاة منهم يزعمون أنهم يعلمون الغيب، ويدبرون الكون، ويتصرفون في جميع المخلوقات، ومع ذلك تجده يقول: لا إله إلا الله، وسبب ذلك أنهم عاشوا على هذه الحالة وفي هذا المجتمع وهذه البيئة فصارت عندهم عادة يقولون: لا إله إلا الله، ويزاولون ما يناقضها نسأل الله العافية.
"فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله- عز وجل-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:113] "
القصة في مكة أم في المدينة والآية مدنية؟ قوله: فأنزل: يعني ترتيب اللاحق على السابق وعطفه بالفاء يفهم منه أنه نزلت بسبب هذه القصة، مع أنها نزلت لأكثر من سبب، والعلماء يجيزون أن يتعدد السبب والنازل واحد، فيتعقب أسبابًا كثيرة ثم ينزل ما يبين أو ما يناسب هذه الأسباب، ولذلك قالوا في قصة اللعان إنها نزلت بسبب عويمر العجلاني، ومنهم من يقول: إنها نزلت بسبب.. وكلها "فأنزل الله" بسبب هلال بن أمية، ولا يمنع أن تكون نزلت بسبب الاثنين، واستأذن النبي –عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر لأمه فلم يؤذن، واستأذن أن يزورها فأُذن له، وزارها، وإبراهيم –عليه السلام- استأذن ليستغفر لأبيه، استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه، ولكن نزلت الآية؛ لتحسم الاستغفار كله، وأن الاستغفار لمن لا يستحق اعتداء في الدعاء، تستغفر لكافر هذا اعتداء في الدعاء {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:113] .
المنفلوطي في النظرات لما رثى جرجي زيدان قال: المرحوم، يقول: المرحوم جرجي زيدان يحصل مثل هذا حينما يقضى على الولاء والبراء وتمات هذه الشعيرة العظيمة في نفوس الناس.
وَمَا الدِّينُ إِلا الحُبُّ وَالبُغْضُ وَالوَلاء كَذاكَ البَرَاء مِنْ كُلِّ غَاوٍ وَآثِمٍ
ولا يعني هذا الاعتداء، في أول العمر عشنا في مجتمع يكاد الإنسان يتميز من الغيظ إذا رأى فاسقًا أو سمع بكافر فعل كذا، يبغضونهم بقدر ما عندهم من الانحراف، لكن ما نعرف واحدًا سطى على أحد أو ضربه أو شتمه أو فعل شيئًا؛ لأن الاعتداء شيء ثانٍ، وهم يظنون أن كل العدوان وهذا البغض وهذا التناحر وكذا سببه الولاء والبراء، ولذلك بدؤوا به من أجل التعايش السلمي على ما يزعمون، نحن عشنا الولاء والبراء قبل ثلاثين وأربعين سنة على أشده، ومع ذلك ما حصل اعتداء من أحد على أحد، فالشرح حاكم هذه مسألة، وهذه مسألة، المرحوم جرجي زيدان.
واحد من الحكام الذين ماتوا لما قتل إسحاق رابين تمنى أن يموت مثل موتة إسحاق رابين، حاكم بلد مسلم ما عاش بعده طويلاً، لكن مثل هذا يقال؟ هم ينحرفون، إنه يهودي ومؤذٍ، الله المستعان.
"وأنزل الله في أبي طالب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاء} [سورة القصص:56] يقول الشيخ- رحمه الله- فيه مسائل:
الأولى / تفسير قوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[سورة القصص:56]" عرفنا أن المراد بالهداية هداية التوفيق والقبول.
"الثانية / تفسير قوله: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:113]"؛ لأن النبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «لأستغفرن لك» «لأستغفرن لك» توكيد، «ما لم أنه عنك» فجاء النهي.
"الثالثة من المسائل / وهي المسألة الكبيرة" أصل الإسلام وأصل الأصول كلمة التوحيد، لابد من معرفتها والعمل بمقتضاها ومعرفة ما يناقضها؛ لئلا يقع الإنسان فيما يناقضها وهو لا يشعر، كما حصل لكثير من المسلمين، وهي المسألة الكبيرة؛ لأنها تتعلق بالأصل.
"تفسير قوله: « قل لا إله إلا الله»" يعني التفسير الصحيح لا معبود بحق أو حق إلا الله- جل وعلا-.
"بخلاف ما عليه من يدعي العلم" من يقول: لا صانع إلا الله أو لا خالق أو لا رازق إلا الله، المقصود أنهم يفسرونها بتوحيد الربوبية، إذا فسرت بتوحيد الربوبية يأبى أبو طالب أن يقولها؟ أو أبو جهل أو غيره؟ ما يأبون قولها، يقولونها؛ لأنهم يقرون بتوحيد الربوبية.
"بخلاف ما عليه من يدعي العلم" من المتكلمين قالوا: لا صانع إلا الله، أو لا خالق إلا الله، توحيد الربوبية يقر به المشركون، وقاتلهم النبي –عليه الصلاة والسلام- على توحيد الألوهية، "بخلاف ما عليه من يدعي العلم".
"الرابعة / أن أبا جهل ومن معه" المدعو أبو طالب إلى قولها وأبو جهل وعبد الله بن أبي أمية وكذلك سائر الكفار الذين يعرفون معاني الكلام؛ لأن المسلمين طرأ عليهم ما طرأ، ودخلت عليهم علوم، ودخل في الإسلام من الآفاق والأقطار التي هي بعيدة عن معرفة العربية، فصار يخفى عليهم كثير من أمور الدين، لكن العرب الأقحاح إذا خوطبوا يعرفون الخطاب، ويفهمونه على وجهه.
"الرابعة / أن أبا جهل ومن معه يعرفون مراد النبي –صلى الله عليه وسلم- إذ قال للرجل" من الرجل؟ أبو طالب « قل لا إله إلا الله» لما قالها للمشركين قالوا: أجعل الآلهة- استنكارًا- إله واحدًا؟ دل على أنهم يعرفونها "فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام".
طالب: ..........
أين؟
نعم ما يخالف لكن فيها زيادة.
"فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام" هذا موجود في المسلمين أم غير موجود؟ موجود في بعض من يدعي الولاية من.. في كتب تراجم الصوفية والأولية على ما يزعمون أمور مهولة، وفي الرحلات التي يدونها أهل العلم، وأكبر شاهد على ذلك رحلة ابن بطوطة، يعني يزور من تدعى فيهم الولاية، ويقدم لهم أشياء، ويتكلم بأمور يقشعر منها الجلد.
طالب: .............
لا، أيش؟ إذا قصر وإلا إذا قالها من يقول بتوحيد الألوهية وقال: لا خالق إلا الله، لا خالق إلا الله، كلام صحيح، لكن أن يكون هو المقصود بها فغير صحيح، أنت تفرق بين من يعرف عنه الحق ويتكلم بما يدل عليه أو بلازمه ما يضره هذا، يعني لو قال ابن القيم مثلاً أو شيخ الإسلام: والذي نفسي بيده، روحي بتصرفه نقول: إن شيخ الإسلام قالها فرارًا من إثبات الصفة؟ كلام صحيح ما فيه أحد روحه في غير تصرف الله- جل وعلا-، لكن لما يقولها فلان وفلان مثل النووي وغيره نقول: لا، هذا يفر من إثبات صفة اليد لله- جل وعلا-، يعني فرق بين هذا وهذا، ولا يسمى هذا الكيل بمكيالين؛ لأن المقصود إثبات الصفة هذا يثبت الصفة، ولا يقول ما يناقضها إذا قال من يقول بإثبات توحيد الألوهية: لا خالق إلا الله قلنا: صحيح، لكن ليس المقصود بكلمة التوحيد.
"الخامسة / جِده –صلى الله عليه وسلم- " وحرصه "ومبالغته في إسلام عمه".
أولاً لأنه يحب إسلام الناس كلهم، «ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله» هذا في الجملة، وينبغي أن يكون هذا خلق المسلم، يتمنى للناس كلهم أن يسلموا ويدخلوا في الإسلام ويسعى في ذلك ليحصل على أجورهم، لكن إذا كان هذا المدعو له فضل عليه كأب أو ابن أو أخ أو قريب أو محسن إليك تريد أن تحرص أكثر هذا أمر يتضافر فيه الشرع مع الجبلة.
"السادسة / الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه" يعني كلام صحيح؟ أم أبو طالب؟ لا، انتهينا من أبي طالب زعموا إسلامه وأتوا بأبياته ودفاعه عن النبي –عليه الصلاة والسلام- ومعرفته بالدين زعموا ذلك ورُد عليهم، عرفنا أنه صنف فيه مصنفات، لكن إسلام عبد المطلب وأسلافه، من أين يرد عليهم؟ هو على ملة عبد المطلب، ولو كان عبد المطلب مسلمًا نعم لما قال النبي-عليه الصلاة والسلام- ما قال: «لأستغفرن لك» معروف من السياق أنه ما أسلم.
"السابعة / كونه –صلى الله عليه وسلم- اسغفر له".
طالب: ............
نعم، من فوقه أصلاً أهل ديانته التي هي الشرك بالله- جل وعلا- أخذنا من قوله: هو على ملة عبد المطلب وما قبلها النبي –عليه الصلاة والسلام- ورفض أن يقول: «لا إله إلا الله» وقال: هو على ملة عبد المطلب، لو أن عبد المطلب مسلم لقال الرسول –عليه الصلاة والسلام- الحمد لله. يعني استجاب، لكنه التحق بغير مسلم، ورفض أن يقول: لا إله إلا الله، فدل على أن عبد المطلب ليس بمسلم ولا أسلافه الذين من قبله، ولذا قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «إن أبي وأباك في النار» في صحيح مسلم. يوجد فيهم قلة على ملة إبراهيم منهم ورقة بن نوفل، يعني قبل عمرو بن لحي الذي سيب السوائب، وأوجد الأصنام على دين إبراهيم -عليه السلام-.
طالب: .........
لا لا أسلافه الذين هم قبل عصره.
"السابعة / كونه –صلى الله عليه وسلم- استغفر له" {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [سورة النساء:48] يعني إذا وصلت المسألة للشرك انتهى فلم يغفر له، "بل نهي عن ذلك" في قوله- جل وعلا-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ} [سورة التوبة:113]، ونهي عن الاستغفار لأمه –عليه الصلاة والسلام- "بل نهي عن ذلك".
"الثامنة / مضرة أصحاب السوء على الإنسان" ما الذي منعه أن يقول: لا إله إلا الله؟ الجلساء أبو جهل ومن معه "مضرة اصحاب السوء على الإنسان" يعني هناك قال: "فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام" ما قال: وعبد الله بن أبي أمية؛ لأنه أسلم يعني فيما بعد، صار يعرف معنى لا إله إلا الله ويقول بلا إله إلا الله، لكن أبو جهل مات على كفره، وأما عبد الله بن أمية والمسيب كلهم أسلموا.
"الثامنة / مضرة أصحاب السوء على الإنسان" يعني وقفوا في طريقه أن يقول لا إله إلا الله ينجو بها من عذاب الله، ما أعظم من هذا الضرر؟ لا أعظم من هذا الضرر أن يكون خالدًا مخلدًا في النار بسبب جلساء السوء، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ولذلك على الإنسان أن ينفر من جلساء السوء، وأن يصحب الأخيار بنفسه وبمن تحت يده، ويوجه الناس إلى ذلك، والجليس الصالح والجليس السوء جاء التمثيل بجليس السوء كنافخ الكير، نسأل الله العافية، إما أن يحرقك، أو يحرق ثيابك، أو تشم ريحة نتنة، بخلاف الجليس الصالح كحامل المسك، مضرة أصحاب السوء على الإنسان شف النتاج لما كثر أصحاب السوء في المجتمعات وفي المحافل في المدارس والجامعات وكذا سواء كانوا بنين أو بنات، تجد البيت محافظًا ما عندهم شيء من الملاهي ولا عندهم شيء مما يغضب الله، والأب صالحًا صاحب صيام وقيام، والأم كذلك، ثم يخرج من بيتهم من يخرج؛ بسبب جلساء السوء، فعلى الإنسان أن يحرص أن يصحب نفسه ومن تحت يده الأخيار ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ [سورة الكهف:28].
صحيح أن صحبة أو مجالسة أصحاب السوء فيها طرائف ونكت وهمز ولمز وغيبة وما أشبه ذلك، يعني خفيفة على النفس، بينما الأخيار فيها تسبيح وتهليل واستغفار واقرأ يا فلان، مملة إلا من يسرها الله له، كثير من الناس إذا فتح الإمام يحدث بعد صلاة العصر طلعوا، ثقيلة وهو ماذا يقرأ حديثًا، أو حديثين بدقيقة واحدة، هذا ثقيل، لكن العاقبة حميدة، فهذا على مستوى الأفراد، على مستوى الأمم جلساء السوء كيف وصلت مضرتهم إلى المسلمين من علمائهم وشعوبهم، أحمد بن أبي دؤاد جليس للمأمون ما النتيجة؟ حمل الناس على القول بخلق القرآن، وآذى من آذى من العلماء وامتحنهم، وقتل من قتل بسبب جلساء السوء، البطانة، ابن العلقمي الرافضي الخبيث حينما اتخذه الخليفة العباسي في بطانته ما الذي حصل؟ كاتب التتار، وغزو بلاد المسلمين، وقتلوا في بغداد وحدها في ثلاثة أيام مليونًا ومئة ألف؛ بسبب جليس السوء هذا.
ولذلك يكثر المسلمون من الدعاء للولاة بأن يرزقهم البطانة الصالحة الناصحة؛ لما لهم الأثر البالغ عليه وعلى بلده وعلى شعبه، هذا هو الحاصل، يعني كل خلل مما يحصل من الولاة من المسلمين تجد وراءه من المستشارين من ورائه وما يحصل من خير، الأصل النزعة في المسلم الخير، لكن عنده بطانة تدل على خير، وبطانة تدله على الشر، فالموفق من يتخذ البطانة التي تدله على الخير وتعينه عليه بخلاف من يتخذ جلساء السوء هؤلاء الذين يؤثرون عليه وعلى غيره، وإذا كان هذا في مستوى الأفراد، فكيف بمستوى الشعوب التي يحصل ما يحصل لها من مضايقة في الدين، ويتبعه مضايقة الدنيا والعقوبات؛ بسبب جلساء السوء؟ ولذا يقول الشيخ- رحمة الله عليه-: نحن عندنا المثال الحديث «قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله» قالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ والنتيجة قال: هو على ملة عبد المطلب، فالإنسان عليه أن يجالس الاخيار ويأطر نفسه مع أهل الذكر والعبادة والتلاوة والصيام والقيام، ويترك مجالسة الأردى.
إذَا صَحِبْتَ قَوْمًا فأصْحَبْ خَيَارَهُم وَلا تَصْحَبْ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
تصير مثله مع الوقت يأثر عليك، كما قالوا الصاحب ساحب، والله المستعان.
"التاسعة / مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر" أترغب عن ملة عبد المطلب؟ ﴿وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [سورة الزخرف:22] هذي حجتهم ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾. الشوكاني في تفسير هذه الآية فتح القدير شدد على قضية التقليد، يعني أنت عندك كتاب وسنة ولك رأي ولك بصر تأخذ من الكتاب والسنة، أما أن تقلد فلانًا وفلانًا أحمد أو الشافعي أو أبو حنيفة أو مالك ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ لكن الكلام ليس بصحيح، يعني هذه مبالغة من الشوكاني- رحمه الله- وتنزيل الآية فيما يمكن أن يخرج عنها؛ لأن العامي فرضه التقليد أين يذهب ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [سورة النحل:43] العامي وشبه العامي الطالب الذي لم يتأهل حكمه حكم العامي، ولذلك يربى على متن فقهي في مذهب من المذاهب في بداية الأمر؛ لأن حكمه حكم العامي، ثم بعد ذلك يأخذ من العلم شيئًا فشيئًا حتى يتأهل، ثم بعد ذلك يخرج عن ربقة التقليد، ولا يجوز له أن يقلد الرجال، بخلاف كلام الصواي في حاشيته على الجلالين يقول: ولا يجوز الخروج عن المذاهب الأربعة ولو خالفت الكتاب والسنة. وقول الصاحبي؛ لأن الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر، نسأل الله العافية، ضلال والأخذ من النصوص مباشرة لعامي لا يفهم النصوص أو طالب مبتدئ ليست لديه الأهلية، ولا يعرف كيف يتعامل مع النصوص أيضًا هذا تضييع، سمع من سمع من حدثاء الأسنان أنه لا يجوز التقليد، خذ من الكتاب والسنة فصار يقرأ في صحيح مسلم باب ما جاء في الأمر بقتل الكلاب اشترى مسدسًا وصار يجول ويصول ويقتل الكلاب، وكل ما شاف من كلب أفرغ في رأسه رصاصة، يوم جاء الدرس الذي بعده من الغد باب نسخ الأمر بقتل الكلاب، ماذا يفعل؟
طالب: ........
لا لا المسألة تحتاج إلى نظر وروية وعلى الإنسان أن يعرف من يخاطب، الإنسان إذا تأهل وعرف كيف يتعامل مع النصوص ويفهم النصوص على فهم السلف الصالح من الصحابة التابعين والأئمة فرضه أن يتعلم من النصوص ولا يقلد في دينه الرجال، ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن المقلد ليس من أهل العلم، ولو حفظ المتون، لكنه في طريقه إلى العلم إذا استمر ووجد من يوجهه ويأخذ بيده في طريق العلم حتى يتأهل.
"التاسعة / مضرة تعظيم الأسلاف والأكابر" كم واحدًا ضل بسبب نظره إلى من يعظمه ﴿إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [ سورة الأحزاب:67]، ولذلك بعضهم يقول: إن العوام لا يعذرون ما دام يسمعون النصوص ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [سورة الأنعام:19] لا يعذرون ولو كانوا عوامّ، ولذلك حجتهم لم تقبل ﴿إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ لم تقبل حجتهم.
"العاشرة / الشبهة للمبطلين في ذلك لاستدلا أبي جهل في ذلك" ما عنده حجة، أبو جهل يقاوم كلام النبي –عليه الصلاة والسلام- إلا تعظيم الأسلاف، "أترغب عن ملة عبد المطلب؟" ما فيه غيرها، فلذلك لما أعاد النبي –عليه الصلاة والسلام- أعاد، ما أتى بكلام جديد، حجة جديدة يمكن أن يستدل بها.
"الحادية عشرة / الشاهد بكون الأعمال بالخواتيم" «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»، فالعبرة بالخواتيم "لأنه لو قالها نفعته" إما لأنه لم يحضره الموت، وإنما حضرته مقدماته، أو بشفاعة النبي –عليه الصلاة والسلام- ويكون هذا خاصًّا به.
"الثانية عشرة من المسائل / التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين" نعم المتبوعون لا شك أنهم لهم أثر في قلوب أتباعهم إذا وجد مع القناعة تعظيم للشخص تجده يقلده أحيانًا، يقلده فيما يضره وفيما ضرره ظاهر، ولا شك أن هذه الشبهة كبيرة، وتجد بعض الناس يمشي وراء شخص، وهذا الشخص قد تكون أفعاله أو أقواله أو تصرفاته ضارة له ولمن يقتدي به في قلوب الضالين، والانبهار ببعض الشخصيات التي أعطيت من الذكاء أو شيء من الفطنة والإبداع في بعض الأمور، تجد بعض الناس ينساق وراءه من غير روية، وهذه لا شك أنها ضارة جدًّا تضر بالتابع، وفي النهاية يتبرأ منه في القيامة ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ [سورة البقرة: 166] ماذا يقول الأتباع؟
﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ [سورة البقرة: 167] لكن فات الأوان؛ "لأن في القصة أنهم لم يجادلوه إلا بها" ما قالوا له إلا هذه الكلمة: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ "مع مبالغته –صلى الله عليه وسلم- وتكريره" مع معرفة أبي طالب بصدق محمد –عليه الصلاة والسلام- وبصحة دينه وما يدعو إليه، "فلأجل عظمتها ووضوحها عندهم" يعرفون معناها وأنها تثبت إلهًا واحدًا ﴿أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً﴾ [سورة ص:5]، وتنفي الألوهية عن جميع ما يدعى من دون الله وجميع ما يعبد من دون الله.
فلأجل عظمتها عندهم اقتصروا عليها"
فلأجل عظمتها يعني كلمتهم، شبهتهم؟ هو الكلام ينطبق على لا إله إلا الله عظيمة وواضحة ويعرفون معناها ويعرفون ما تثبته وما تنفيه، فهل اقتصروا عليها؟ تدل على أن المراد الشبهة التي هي أترغب عن ملة عبد المطلب؟
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"