التعليق على تفسير سورة البقرة من تفسير الجلالين (03)
..هنا يقول أظن وقفنا على قوله: "{هُدًى}" قوله "خبر ثانٍ أي هادٍ {للمتقين}"، المراد بالمتقين "الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار"، هنا قال: "{هُدًى} خبرٌ ثانٍ"، خبر ثان يعني لاسم الإشارة {ذَلِكَ} والخبر الأول {لَا رَيْبَ}.
يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: يحتمل أن تكون {هُدًى} يعني من حيث العربية أن يكون مرفوعًا على النعت ويحتمل أن يكون منصوبًا على الحال، فهدى أعربها المفسر عندنا على أنها خبر ثانٍ وابن كثير رحمه الله يقول: يحتمل أن تكون مرفوعًا على النعت لأي شيء؟ نعم للكتاب المشار إليه بذلك، يحتمل أن يكون منصوبًا على الحال {ذَلِكَ الكِتَاب لَا رَيْبَ فِيهِ} حال كونه هاديًا حال كونه هُدى والمراد بالهُدى الهادي، والهدى في الأصل مصدر كالسرى والتقى ومعناه أنه يهدي المتقين، ولذا قال المفسر أي هادٍ، يعني هل هو بنفسه هُدى أو أنه يهدي؟ يعني سبب لهداية هل هو الهداية نفسها؟ أو هو سبب الهداية؟
معناه أنه يهدي المتقين إلى الحق فالمراد هنا الهادي، اضطرب كلام سيبويه هل هو مصدر أو اسم مصدر؟ ولذا قال في موضع: هو عوض عن المصدر، المراد به اسم مصدر العوض عن المصدر اسم مصدر.
"{لِلْمُتَّقِينَ} الصائرين إلى التقوى بامتثال الأوامر واجتناب النواهي لاتقائهم بذلك النار"، وهدًى خاص بالمتقين ولذا قال {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} اختصاص الهدى بالمتقين لأنهم هم المنتفعون بالقرآن ابتداءً وإن كانت هدايته ودلالته لكل ناظر من مسلم وكافر بدليل أنه كم واحد اهتدى بالقرآن من غير المسلمين وكم اهتدى من المسلمين من غير المتقين من الفساق ولهذا قال تعالى {هُدًى لِلنَّاس}.
ابن كثير رحمه الله يقول: خُصت الهداية للمتقين كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَذينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالذِّينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِيْ آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [سورة فصلت: 44].
ابن الجوزي أورد سؤالا يقول: إن قيل المتقي مهتدي فما فائدة اختصاص الهداية به؟
يقول: فالجواب من وجهين:
أحدهما: إنه أراد المتقين والكافرين يعني هدىً للكافرين والمتقين فاكتفى بذكر أحد الفريقين عن الآخر كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَّ} [سورة النحل:81] يعني والبرد.
والثاني: أنه خص المتقين لانتفاعهم به كما تقدم كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [سورة النازعات:45] الذي لا يخشى؛ الرسول منذر له أو ليس بمنذر؟ هو منذر وهو رسول للناس كافة، كان عليه –عليه الصلاة والسلام- منذر لمن يخشى ولمن لا يخشى.
الشنقيطي -رحمه الله- يقول: ومعلوم أن المراد بالهدى في هذه الآية الهدى الخاص الذي هو التفضل بالتوفيق إلى دين الحق لا الهدى العام الذي هو إيضاح الحق. المراد بالهدى {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} في هذه الىية االهدى الخاص الذي هو التفضل بالتوفيق إلى دين الحق لا الهدى العام الذي هو إيضاح الحق أما إيضاح الحق فهو للجميع والهدى الخاص الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله خاص بالمتقين. والمتقون عرفهم في الكتاب بأنهم الصائرون إلى التقوى، وعرف التقوى بأنها امتثال الأوامر واجتناب النواهي سموا بذلك لاتقائهم بتقواهم النار.
المتقون هم الممتثلون للأوامر المجتنبون للنواهي وأصل التقوى التوقي مما يكره، الأصل في التقوى التوقي مما يكره مادتها.. يعني إذا بغينا نبحث في المداة في أصل المادة في كتب اللغة المرتبة على آواخر الكلمات مثل القاموس واللسان وغيرهم هاه أين نجدها؟ في باب الياء فصل الواو.
وقد سأل عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أبي بن كعب عن التقوى فقال له أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى قال فما عملت؟ قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوى.
وفي تفسير القرطبي التقوى فيها جماع الخير كله وهي وصية الله في الأولين والآخرين وهي خير ما يستفيده الإنسان كما قال أبو الدرداء –رضي الله عنه- وقيل له: إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حُفظ عنك شيء فقال:
يُـــــرِيـــــدُ المَــــــــرءُ أَنْ يُــــؤْتَـــــى مُـــنَـــــاهُ وَيَــــأبَـــى اللهُ إِلَّا مَـــا أرَادَا
يَــقُــولُ الـمَــــرءُ فَــــــائِـــــدَتِـــــي وَمَــــالــــي وَتَــقْـــوَى الله مـَـــا اســْــــــتَـــفَــادَا
وفي سنن ابن ماجه هذا الخبر فيه ضعف لأن في إسناده علي بن زيد جدعان عن أبي أمامة قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : «ما استفاد المرء بعد تقوى الله خير من زوجة صالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها طاعته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله».
"{الذِينَ يُؤْمِنُونَ} يصدّقون" {الذِينَ} إعرابها: وصف أو نعت للمتقين فهي في موضع جر، ويجوز الرفع على القطع يعني الاستئناف، ويجوز النصب على المدح ويجوز النصب أيضًا على المدح {الذِينَ يُؤْمِنُونَ} يصدِّقون؛ فسر الإيمان بالتصديق والإيمان في اللغة يطلق على التصديق كما قال تعالى في إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [سورة يوسف: 17] أي بمصدق ويتعدى بالباء واللام فمثال تعديته باللام...الآية: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} وبالباء؟ هاه؟ عندك {الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ}.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وأما الإيمان في اللغة فيطلق على التصديق المحض وقد يستعمل في القرآن الكريم والمراد به ذلك كما قال الله تعالى: {يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ للمُؤْمِنِينَ} [سورة التوبة: 61] كذلك إذا استعمل مقرونًا مع الأعمال كقوله تعالى: {وَالذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سورة البقرة: 82] فأما إذا استعمل مطلقًا فالإيمان الشرعي المطلوب لا يكون إلا اعتقادًا وقولاً وعملاً، هكذا ذهب إليه أكثر الأئمة وقد حكاه الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغير واحد؛ إجماعًا حكوا أن الإيمان قولٌ وعمل وأنه يزيد وينقص.
ابن رجب -رحمه الله تعالى- حرر الفرق في شرح الأربعين بين الإيمان والإسلام، أن الإيمان: تصديق القلب وإقراره ومعرفته، يعني لا يكفي التصديق بل لابد من الإقرار والمعرفة، والإسلام استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده له وذلك يكون بالعمل وهو الدين كما سمى الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الإسلام {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ} [سورة آل عمران: 19] وفي حديث جبريل سمى النبي –صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والإحسان دينًا قال: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».
{الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ} "يؤمنون يصدقون بالغيب" يعني "بما غاب عنهم من البعث والجنة والنار"، الغيب ما غاب عنهم من البعث والجنة والنار؛ فسر بعضهم الغيب بالخشية لقوله تعالى {إنّ الذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهَم بِالغَيْبِ} [سورة الملك: 12] وقوله: {مِنْ خَشِيَ الرّحْمَنَ بِالغَيْبِ} [سورة ق:33] والخشية خلاصة الإيمان والعلم كما قال تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [سورة فاطر:28] والغيب في كلام العرب كل ما غاب عنك وهو من ذوات الياء يقال منه غابت الشمس تغيب والغيبة معروفة وأغابت المرأة فهي مغيبة إذا غاب عنها زوجها، ووقعنا في غيبة وغيابة يعني هبطة من الأرض والغيابة الأجمة وهي جماع الشجر يغاب فيها ويسمى المطمئن من الأرض الغيب لأنه يغاب عن البصر، والمفسرون لهم أقوال في المراد في الغيب في هذه الآية فقال بعضهم: الغيب هو الله -سبحانه وتعالى- ومعنى {يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ} يؤمنون بالله -سبحانه وتعالى- وضعّفه ابن العربي، وقال آخرون: المراد بالغيب هنا القضاء والقدر، وقال آخرون: الغيب القرآن وما فيه من الغيوب، هناك قول آخر: وهو أن المراد بالغيب كل ما أخبر به الرسول –صلى الله عليه وسلم- مما لا تهتدي إليه العقول من أشراط الساعة وعذاب القبر والحشر والنشر والصراط والميزان والجنة والنار؛ كل هذا غيب كل هذا يجب الإيمان به، قال ابن عطية: وهذه الأقوال لا تتعارض بل يقع الغيب على جميعها. كل ما غاب عن الحس فهو غيب، من ماض ومستقبل وقد يكون حاضرا يعني ما وراء هذا الجدار غيب الذي دون الجدار لا يعرف حقيقته قد يستدل عليه بأشياء لكن يطلع بحقيقته بدقة، لا يدري ما هو، يعني ما وراء هذا الجدار يعرف ما هو؟ ما في داخل هذا الدالوب نعرف ما هو؟ غيب، الذي يدعي معرفته ممن يدعي علم الغيب لكن لو قدر أن هناك قرائن ودلائل تدل على ما وراء المبصرات يستدل بها عليه، يعني لو سمعنا صوت سيارة متميز عرفنا أن وراء الجدار نوع من السيارات اسمه كذا، لأننا استدلنا بصوتها عليها لكن كوننا نعرف ما وراء الحائط أو ما حدث مما لم نطلع عليه وما لم نخبر به أو ما سيحدث في المستقبل كل هذا غيب لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى-، يقول القرطبي وهذا هو الإيمان الشرعي المشار إليه في حديث جبريل حين قال للنبي –صلى الله عليه وسلم- فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» قال: صدقت. وقيل بالغيب أي بضمائرهم وقلوبهم بخلاف المنافقين يؤمنون بالغيب؛ ما معنى يؤمنون بالغيب على هذا؟ بالقلوب والضمائر بخلاف إيمان المنافقين فإنه باللسان فقط، عندك الضمير غيب واللسان ظاهر فالمؤمنون يؤمنون إيمانًا ظاهرًا وباطنًا والمنافقون يؤمنون في الظاهر فقط، يقول االقرطبي: هذا قول حسن. قال الشاعر:
وَبِـــالغَــــــيْـــبِ آمَـــنَّــــا وَقَدْ كانَ قَوْمُـــنَــا يُــصَــلُّـــونَ لِلأَوْثَــانِ قَـــــبْــــلَ مُـــحَـــــمِدِ
روى الإمام أحمد رحمه الله بسنده عن ابن محيريز قال قلت لأبي جمعةَ حدثنا حديثًا سمعته عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: نعم أحدثك حديثًا جيدًا تغدينا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ومعنا أبو عبيدة ابن الجراح فقال يا رسول الله هل أحدٌ خيرٌ منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك قال: «نعم قومُ من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني» هذا في المسند وقال عنه الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، في جزء الحسن بن عرفة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- «أي الخلق أعجب إيمانًا» قالوا: الملائكة، قال: «وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم» قالوا: فالنبيون قال: «وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم» قالوا: فنحن قال: «وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم» قال فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : «ألا إن أعجب الخلق إيمانًا لقومٌ يكونون من بعدكم يجدون صحفًا فيها كتاب يؤمنون بما فيها» وهو أيضًا حديث حسن، الحافظ ابن كثير رحمه الله استدل على هذا صحة العمل بالوجادة، استدلوا على هذا صحة العمل بالوجادة لأنه قال يجدون صحفًا فيها كتاب يؤمنون بما فيها، الوجادة طريق من طرق التحمل الثمان تحمل الأخبار التي هي السماع من لفظ االشيخ، القراءة على الشيخ، الإجازة، المناولة، الوصية، الإعلام، هو قال الثامنة الوجادة باقي واحد، المكاتبة، الوجادة، فالوجادة أن يجد بخط شخص لا يشك فيه، لا يشك أنه خطه. كثيرًا ما يقول عبد الله الإمام أحمد في مسند وجدت بخط أبي، وجدت بخط أبي هذه وجادة، فالوجادة أن يجد الشخص أو الطالب بخط أحدٍ من أهل العلم بحيث لا يشك فيه ولا يتردد بنسبة الخط إلى كاتبه، الحافظ ابن كثير -رحمه الله- يستدل بهذا الخبر على صحة العمل بالوجادة فهناك عمل وهناك رواية، العمل بالوجادة لا إشكال فيه، لكن الرواية بالوجادة؟ قرروا أنها منقطعة وفيها شوب اتصال كما قال ابن الصلاح -رحمه الله- يعني ليست منقطعة من كل وجه قد تكون مقطوع بانقطاعها، لا سيما إذا كان الواجد متأخرا عن صاحب الكتابة والخط...نجد كلاما مكتوبا لا نشك أن شيخ الإسلام هو الذي كتبه نجد كلاما مخطوطا لا نشك في أن ابن حجر كتبه نعمل به العمل بالوجادة كما قرر ابن كثير صحيح لكن الرواية بالوجادة تروي عن شيخ الإسلام؟ ويكون إسنادك متصل إلى الشيخ تقول وجدت بخط شيخ الإسلام، لكن لا شك أن مثل هذا فيه انقطاع انقطاع كبير.
طالب: .................
ما هو؟
طالب: .................
إيه
طالب: .................
لكن أنت تشك في كون هذا خط فلان؟
طالب: .................
الذي لا يشك فيه.
طالب: .................
إيه. أنت ما دام الإمام عبد الله ثقة عندك؟ وقد قال هذا الكلام بحيث أنه لا يشك في خط أبيه يلزمك العمل به، لكن كونه متصلا يرويه عبد الله بسند عن أبيه هذه مسألة أخرى، وإن كان من أهل العلم من يقول بالاتصال إذا وجد بشيخه بخلاف خط غيره، ولا تلازم بين الرواية والعمل لا تلازم، لا تلازم بين الرواية والعمل؛ كون الإنسان يروي خبرا ويعمل به شيء كونه يعمل به وإن لم تكن به رواية شيء آخر خلاف لما ذهب إليه ابن خير، ابن خير في فهرسته نقل الإتفاق على أنه لا يجوز العمل بخبر ليست لك به رواية لكن هذا الكلام ليس بصحيح.
قلت ولابْـــــنِ خَــــــيْــــــرٍ امْـــــتِـــــنَـــاعُ نَــــقْـــــلُ سِـــوَى مَرْوِيّــهِ إجْـــمَاعُه
نعم لكن ابن برهان غيره من أهل الأصول نقلوا الاتفاق على أنه تصح، أو يلزم العمل وإن لم تكن رواية على كلام ابن خير يبلغك حديث في صحيح البخاري وأنت مالك رواية في صحيح البخاري ما يلزمك أن تعمل به.
طالب: .................
لكن أنت تروي أنت تثق أن هذا الكتاب للإمام أحمد ومن كتابة ولده ورواية ولده عنه، فما يقول فيه حدثني أبي هذا مفروغ منه لأن عبد الله ثقة ما يقول فيه وجدت بخط أبي هل تشك أن هذا خط الإمام أحمد؟ فكون الإمام أحمد كتبه أو ألقاه فيه فرق؟
طالب: .................
كيف؟
طالب: .................
لا تصحح الرواية صحح العمل.
طالب: .................
يثبت عندك صحته لكن أنت إلى الإمام أحمد، افرض أنه جاء واحد مثل ما فعل الإمام.. الشيخ أحمد شاكر وحذف عبد الله من جميع الأسانيد وأثبت لك الإمام أحمد وحتى حذف الإمام أحمد أثبت من فوق الإمام أحمد يقول المسند مستفيض متواتر عن الإمام أحمد فلا حاجة لذكر الإمام أحمد ولا ولده عبد الله فأنا أذكر من شيوخ الإمام أحمد ما دام الكتاب مستفيض أنه للإمام أحمد، يبقى النظر فيما بعد الإمام أحمد، وعلى كل الكلام في الوجادة كلام طويل وهي تلتبس أحيانًا بالمكاتبة، لكن المكاتبة بين شخصين يكتب أحدهما للآخر يقصده بالكتابة، ولذا هي موجودة بين الصحابة والتابعين ومما بعدهم، في البخاري يقول: كتب إلي محمد بن بشار. وهذا غير الوجادة.
"{وَيُقِيمُوَنَ الصَّلًاةَ} أي يأتون بها بحقوقها" {يُقِيمُوَنَ الصَّلًاةَ} أي يأتون بها بحقوقها، يقول قتادة: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوءها وركوعها وسجودها. لكن قيامها وقراءتها وتشهدها وسلامها وتكبيرها أليس من إقامتها؟ هو أراد بذلك التمثيل وإلا فالمراد بإقامة الصلاة أداؤها على الوجه الشرعي، بشروطها وأركانها وواجباتها، الإتيان بسننها التي لا يأثم الإنسان بتركها قدر زائد على مجرد إقامتها، لذا لا يأثم من لا يأتي بالسنن لكن لا شك أنه من يأتي بها مأجور وأجره قدر أجره زائد على من يحافظ على أصلها بشروطها وأركانها وواجباتها، وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء، ومنه قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [سورة التوبة:103] أي ادعوا لهم ومنه الحديث: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليطعم وإن كان صائمًا فليصل» يعني فليدع «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرًا فليطعم وإن كان صائمًا فليصل» أي فليدع، هذا أشهر وعليه الأكثرن وإن كان بعضم يرى أن الصلاة في هذا الحديث المراد بها الصلاة الشرعية المعروفة يقول إذا دعي إلى وليمة يحضر يجيب إذا كان مفطرا يأكل وإن كان صائما يصلي ركعتين ويمشي، قال بعضهم بهذا والصلاة في الشرع هي العبادة المعروفة ذات الأقوال والأفعال على الصفة والهيئة المقررة عند أهل العلم والتي يزاولها المسلمون قاطبة.
طالب: .................
بقي اللغة التي هو الدعاء؟
طالب: .................
الآن عندنا حقائق شرعية وحقائق لغوية والثالثة عرفية، قد تكون الحقيقة لغوية هي أصل الكلمة والأصل في استعمالها ثم تأتي الحقيقة الشرعية فتزيد عليها، فتزيد على الحقيقة اللغوية كما هنا الصلاة في الأصل الدعاء حقيقة لغوية الدعاء على الخلاف في اشتقاقها على ما سيأتي، لكن الشرع أضاف إلى الدعاء القراءة والقيام والسجود والركوع إلى غير ذلك، الأصل في الإيمان التصديق لكن أضاف الشرع إلى حقيقته في الحقيقة الشرعية أضاف إلى الحقيقة الأصلية التي هو مجرد التصديق الاعتقاد والإقرار والعمل فصار حقيقة شرعية لهذه الأمور كلها، كما قرر شيخ الإسلام -رحمه الله- تأتي الحقيقة اللغوية وهي تامة في وقتها ثم يضيف إليها الشرع لتكون الحقيقة الشرعية قدرا زائدا على ما هو في أصل اللغة.
يقول ابن جرير: أرى الصلاة المفروضة سميت صلاةً لأن المصلي يتعرض لاستنجاح طلباته من ثواب الله تعالى بعمله مع ما يسأل ربه من حاجته، يريد أن يقرن أي يوفق بين التعريف اللغوي والاصطلاحي ويقول ابن كثير: هي مشتقة من الصلوين إذا تحركا في الصلاة عند الركوع وهما عرقان يمتدان من الظهر حتى يكتنفا عجب الذنب ومنه سمي المُصلِّي أو المُصلِي وهو الثاني أو المَصلِي وهو الثاني للسابق في حلبة الخيل وفيه نظر، لماذا فيه نظر؟ هذان العرقان يتحركان في الصلاة لكنهما لا يتحركان إلا في حال الركوع ولذا قال الحافظ ابن كثير: فيه نظر، وقيل هي مشتقة من الصَلِي وهي الملازمة للشيء، من قوله تعالى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [سورة الليل:15] أي يلزمها ويدوم فيها إلا الأشقى وقيل مشتقة من تصلية الشيء في النار ليقوم، إذا أردت أن تعدل شيئًا مائلاً تمره على النار تصليه عليها لكي يتقوم المعوج، كما أن الصلاة تقوم عوجه عوج المصلي لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [سورة العنكبوت:45] ولا شك أن اشتقاقها من الدعاء أشهر عند أهل العلم وعلى كل حقيقتها الشرعية لا تلتبس بغيرها.
"{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أعطيناهم، مما رزقناهم أعطيناهم"، الرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به، حلالاً كان أو حرامًا، خلافًا للمعتزلة في قولهم إن الحرام ليس برزق أولاً المراد بالرزق مطلق الرزق نعم، مطلق الرزق لأنه هنا قال {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} أعطيناهم ينفقون في طاعة الله قد يقول قائل الحرام لا يدخل هنا لأنه لا يجوز الإنفاق منه فيقرب من قول المعتزلة لأن الله مدح من ينفق من هذا الرزق فكيف تقولون أن عموم ما ينتفع به حلالاً كان أو حرامًا رزق؟ والرسول –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا»! يقول الأصل في الرزق أنه ما ينتفع به، المعتزلة يقولون أن الحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه وأن الله -سبحانه وتعالى- لا يرزق الحرام وإنما يرزق الحلال والرزق لا يكون إلا بمعنى المِلك لكن القرطبي في تفسيره افترض مسألة يقول: لو نشأ صبي مع لصوص ولم يأكل شيء إلا ما أطعمه هؤلاء اللصوص إلى أن بلغ وقوي فصار لصًا فلم يزل يتلصص ويأكل من سرقته إلى أن مات فإن الله سبحانه وتعالى لم يرزقه شيئًا إذ لم يُمَلِّكه وإنه يموت ولم يأكل من رزق الله شيئًا هذا صبي من ولادته عاش مع لصوص يطعمونه من سرقاتهم لما كبر وقوي صار لصًا فعاش على سرقته كذلك إلى أن مات نقول هذا ما أكل من رزق الله شيء؟
طالب: .................
إيه لكن على التنزل مع المعتزلة يكون ما رزقه الله شيئا؟
طالب: .................
إيه ما ليس الإشكال في علمه وعدم علمه، الإشكال إنه منذ أن ولد إلى أن مات ما أكل حلالا، قد يكون ملك أموالا ملك ثروات وصار عنده أموال طائلة مزارع وضياع وقصور من هذه السرقات نقول هذا ما أخذ من رزقه شيء؟ والمَلك يؤمر أن يكتب لأربع ومنها رزقه حينئذٍ مثل هذه الصورة لا يكون إذا أمر بكتب رزقه قال ماله رزق هذا على رأي من؟ على رأي المعتزلة، يقول القرطبي: وهذا فاسد. نظير قول المعتزلة في هذه المسألة مثل هذا الذي أمر المَلَك بكتب رزقه وقال ماله رزق، أمر بكتب أجله قالوا لا سيموت قبل أجله لأن المقتول عندهم مات قبل أجله، هذه قريبة من تلك المسألة.
طالب: .................
إيه مبني على أصلهم ستأتي الإشارة إليه، يقول وهذا فاسد يقول القرطبي: وهذا فاسد والدليل عليه أن الرزق لو كان بمعنى التمليك لوجب أن لا يكون الطفل مرزوقًا ولا البهائم التي ترتع في الصحراء ولا السخال من البهائم لأن لبن أمهاتها ملك صاحبها دون السخال ولما أجمعت الأمة على أن هؤلاء مرزوقون وأن الله تعالى يرزقهم مع كونهم غير مالكين علم أن الرزق هو الغذاء، ثم قال والذي يدل على أنه لا رازق إلا الله سبحانه وتعالى قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ} [سورة فاطر:3] {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} وقال: {إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات:58] {وَمَا مِن دَابَّةِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [سورة هود:6] وهذه نصوص قطعية على أنه لا رازق إلا الله سبحانه وتعالى، يقول وقد خرج بعض النبلاء من قوله تعالى: {كُلُواْ مِنْ رِّزْقِ رَبِّكِمْ وَاشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طِيِّبَةٌ وَرَبُ غَفُورٌ} [سورة سبإ:15] يقول: ذكر المغفرة يشير إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام. على كل، القدرية الذين هم مجوس هذ الأمة يثبتون أن مع الله -سبحانه وتعالى- متصرف وأن الإنسان يخلق فعله وأن الشر لا يضاف إلى الله -سبحانه وتعالى-، كما أن المجوس يثبتون خالقين خالقا للخير وخالقا للشر، فهم يثبتون مع الله -سبحانه وتعالى- متصرفا مدبرا، ولذا جاء في الخبر تسميتهم مجوس هذه الأمة والمعتزلة قدرية والشيعة في هذا الباب قدرية.
طالب: قدرية؟
باب القدر.
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} أي القرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أي التوراة والإنجيل وغيرهما أي التوراة والإنجيل وغيرهما.
طالب: .................
كيف؟
طالب: .................
إلا.
طالب: .................
نعم.
طالب: .................
يقول: {ومما رزقناهم} أعطيناهم انتهينا من الرزق هنا "{ينفقون} في طاعة الله" الإنفاق إخراج المال من اليد، ومنه نفق المبيع أي خرج من يد البائع إلى يد المشتري، ونفقت الدابة خرجت روحها، ومنه نافِقا اليربوع لأنه يخرج منه، ومنه النفاق والمنافق لأنه يخرج من الإيمان أو يخرج الإيمان من قلبه، واختلف العلماء في المراد بالنفقة ها هنا اختلف العلماء في المراد النفقة هنا، فقيل الزكاة المفروضة لمقارنتها الصلاة فهي قرينتها في كثير من النصوص، وقيل نفقة الرجل على أهله وهذا مروي عن ابن مسعود لأن ذلك أفضل النفقة. روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:.. نعم
طالب: سؤال
نعم.
طالب: قول أن النفقة على العيال هل يا شيخ ........... هل الأفضل أن ينفق .. أم الأفضل يتصدق به؟
الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع» ، فإذا كان هؤلاء الأهل الذين تلزم نفقتهم الذين ممن تلزم نفقته محتاجين لهذا المال لا يجوز لك أن تصرفه إلى غيره، فلا يجوز لك أن تعطي البعيد مع حاجة القريب، هذا ممن تلزم نفقته وإلا الذي لا تلزم نفقته من قريب مثل هذا كما جاء في الخبر هي على البعيد صدقة وعلى القريب صدقة وصلة، لكن من تلزم نفقته لا يجوز أن يضاع بدعوى أبواب البر الأخرى، فهم أحق من غيرهم وألزم لكن كمالياتهم لا شك أن الكلام في الضروريات وفي الحاجيات أما الكماليات فأمرها آخر.
إذا وسع الله على الإنسان وأخرج زكاة ماله هذا لا يطالب بغيرها، فلا يلام إذا أنفق في الكماليات لكن إذا أسرف في الكماليات يلام إذا اقتصد في الكماليات يمدح إذا آثر غيره عليه مع قوة صبره واحتماله يمدح، ولذا جاء في مدح الأنصار ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصه.
طالب: .................
المنافق؟ إذا كان إيمانه إذا كان نفاقه اعقاديا بالكلية ولذلك يستحقون الدرك الأسفل من النار تحت الكفار. هذا المنافق نفاقه خالص أكبر اعتقادي.
وقيل المراد صدقة التطوع وقيل الحقوق الواجبة العارضة في الأموال عدا الزكاة...ما الحقوق العارضة الواجبة العارضة عدا الزكاة؟ النفقات. وأيضًا؟
طالب: .................
الحقوق الواجبة العارضة في الأموال عدا الزكاة؟
طالب: .................
كيف؟
طالب: .................
يعني الزكاة؟
طالب: .................
نعم.
طالب: .................
الكفارات.
طالب: .................
قراء الضيف.
طالب: .................
النذور وغيرها وقيل هو عام يعني في جميع ما تقدم يقول القرطبي: وهو الصحيح؛ لأنه خرج مخرج مدح في الإنفاق مما رزقوا.
وقال بعض المتقدمين في من حكاه أبو نصر القشيري {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} يعني مما علمناهم يعلِّمون، هذا وإن كان مطلوب من العالم والمتعلم أن يعلم كل بحسبه إلا أنه بعيد عن الآية لأن لفظها في الإنفاق والعلم وإن شابه المال في أنه ينفق منه ويزكو بكثرة الإنفق إلا أن الآية فيما يظهر أنها خاصة بالأموال، واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات فإنه قال أو للتأويلات وأحقها بصفة القوم أن يكونوا لجميع اللازم لهم في أموالهم مؤدين زكاة كان ذلك أو نفقة من لزمته نفقته من أهل أو عيال وغيرهم ممن تجب عليه نفقته بالقرابة والملك وغير ذلك لأن الله عمّ وصفهم ومدحهم بذلك، وكل من الإنفاق والزكاة ممدوح به محمود عليه.
هذا يسأل يقول: كيف يوفق المسلم بين طلب الرزق وبين طلب الآخرة خاصة في هذا الزمن الذي تعقدت فيه الأمور وصعبت؟
الأصل عمل الآخرة، لأن الإنسان مخلوق للعبادة فهذا هو الأصل لكن باعتبار أن الدنيا لابد لها من قوت ولابد لها من متطلبات جاء التوجيه الإلهي بقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص:77] هذا باعتبار أن الأمة كما أراد الله -سبحانه وتعالى- همها الآخرة وجهوا أن لا ينسوا نصيبهم في الدنيا لكن حال غالب الناس اليوم العكس همهم الدنيا ونسي غالبهم نصيبهم من الآخرة مع أن الآخرة لها الحظ الأوفر ولها النصيب كله هذا هو الأصل لكن الناس عكسوا.
يقول: كيف يوفق المسلم بين طلب الرزق وبين طلب الآخرة؟
عليه أن يسدد ويقارب عليه أن يعبد الله بما شرعه وبما افترضه عليه ويطلب العلم الشرعي الذي به يستطيع أن يعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة ويعلم ما حصل عليه من علم ومع ذلك لا ينس نصيبه من الدنيا الذي به بلغته، وكون الإنسان يكون مستغنيًا بما هيّء له من الأسباب غنيًا بما أوصله الله عليه -سبحانه وتعالى لا يذم بذلك؛ لا يذم الإنسان بكونه استغنى وكونه غني، إنما يذم متى؟ إيه إذا رأى أنه استغنى، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب يجعل الحظ الأوفر لآخرته ولا ينس نصيبه من الدنيا بحيث يجلس عالة يتكفف الناس فالمؤمن القوي خير من الضعيف وإن كان في كلٍ خير لكن عليه أن يبذل الأسباب لما.. لطلب ما يغنيه عن الخلق.
وعلى كل، كل ميسر لما خلق له. قد يتعب الإنسان في أمور دينه لتعلم العلم ولا يحصل إلا الشيء اليسير قد يلهث الإنسان ليل نهار وراء هذه الدنيا ولا يحصل له إلا التعب بل قد يحصل له الضرر يحصل له الخسائر يحصل له النقص من جراء تعبه والله المستعان.
يقول ابن كثير: كثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال فإن الصلاة حق الله وعبادته، وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه وتمجيده والابتهال إليه ودعاءه والتوكل عليه، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب، فكل من النفقات الواجبة والزكاة المفروضة داخل في قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ولهذا ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان والحج» فلا شك أن الزكاة من أركان الإسلام ومن دعائمه قرينة الصلاة في كثير من النصوص حتى قال بعض أهل العلم بكفر تارك الزكاة، ككفر تارك الصلاة، ومنهم من يرى تكفير من ترك أحد الأركان، وعلى كلٍ الخلاف في هذه المسألة كما هو معروف عند أهل العلم لكن الذي عليه اتفاق الصحابة أنهم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} "من" هنا تبعيضية {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} يعني ليس المطلوب من الإنسان أن ينفق جميع ماله وإنما ينفق من ماله يعني بعض ماله فلا يلزم الإنسان أن يخرج من جميع ماله بل الخلاف بين أهل العلم قائم في أفضلية الخروج من المال كله يعني شخص عنده أموال وله حاجات ومتطلبات وله أسرة يقول أنا أريد أن أتصدق بجميع مالي في حياتي يسمع النصوص ويسمع الحث على النفقة في سبيل الله فيقول أنا أريد أن أتصدق من يكون حاله مثل حال أبي بكر –رضي الله عنه- في قوة التوكل والصبر والتحمل مع غلبة الظن أنه قادر على الإكتساب بحيث لا يتكفف الناس إذا خرج من ماله.
له ذلك وقد فعله أبو بكر –رضي الله عنه- خرج من جميع ماله، وعمر من نصفه، وإنفاق عثمان –رضي الله عنه- أمر لا يخفى على أحد فهم معروفون بالبذل والإحسان مقتدون في ذلك بنبيهم –عليه الصلاة والسلام- الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، أعطى غنمًا بين جبلين أعطى من الناس مئة من الإبل، وكان –عليه الصلاة والسلام- أجود الناس، يتضاعف جوده في رمضان حينما يلقاه جبريل لكن هو في سائر أحواله أجود الناس، وأسلم كثير من الناس بسبب جوده لما ينظرون إلى حاله -عليه الصلاة والسلام- وسيرته ومعاملته للناس وتألفه لهم يسلمون؛ لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها فالإحسان إلى الناس...
أَحْـــــسِـــنْ إِلَــى الــنـَّـاسِ تَـسْــــتَــــعْــــبِـــــدْ قُـــلُـــوبَهُـــم ............
فالإحسان إلى الناس يجلبهم ويجذبهم والرسول –عليه الصلاة والسلام- رغم ما جبل عليه من جود إلا أنه مؤمن أشد الإيمان بموعود الله وأن الله -سبحانه وتعالى- لن يضيعه وقد جاء في الحديث الصحيح «أنه في كل يوم ينزل ملكان يقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعطِ ممسكًا تلفًا» وعلى كل حال الإنفاق في سبيل الله أمر مستفيض ومتواتر في النصوص وحال سلف هذه الأمة معروف ومشهور لكن المطلوب إنفاق بعض المال لأن قوله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} من تبعيضية، هنا يقول الرازي في تفسيره: يقول بعضهم {الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُوَنَ الصَّلًاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} يحتمل أن يكون كالتفسير لكونهم متقين، وذلك لأن المتقي هو الذي يكون فاعلًا للحسنات تاركًا للسيئات أما الفعل فإما أن يكون فعل القلب وهو قوله: {الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ} وأما أن يكون فعل الجوارح وأساسه الصلاة والزكاة والصدقة لأن العبادة إما أن تكون بدنية وأجلها الصلاة أو مالية وأجلها الزكاة ولهذا سمى الرسول –صلى الله عليه وسلم- الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإسلام وأما الترك فهو داخل في الصلاة، ترك السيئات داخل في الصلاة كيف يدخل؟
طالب: .................
نعم.
طالب: .................
يعني كيف؟
طالب: .................
نعم. يقول لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ} [سورة العنكبوت:45] ثم يقول: والأقرب أن لا تكون هذه الأشياء تفسيرًا لكونهم متقين؛ وذلك لأن كمال السعادة لا يحصل إلا بترك ما لا ينبغي وفعل ما ينبغي، فالترك هو التقوى، والفعل إما فعل القلب وهو الإيمان، أو فعل الجوارح وهو الصلاة والزكاة وإنما قدم التقوى الذي هو الترك على الفعل يعني قدم الترك على الفعل قدم التقوى الذي هو الترك على الفعل الذي هو الإيمان والصلاة والزكاة لأن القلب كاللوح، القابل لنقوش العقائد الحقة والأخلاق الفاضلة يقول: واللوح يجب تطهيره أولاً عن النقوش الفاسدة حتى يمكن إثبات النقوش الجيدة فيه وكذا الأخلاق فلهذا السبب قدم التقوى وهو ترك ما لا ينبغي ثم ذكر بعده فعل ما ينبغي.
هم يقولون التخلية قبل التحلية، يعني لو جئت لهذا الجدار مثلاً فيه كتابات ونقوش وزخارف أشياء ما هي بـ.. تريد أن تغيرها بأحسن منها تكتب عليها وإلا تزيلها أولا؟ تزيلها أولا لأن التخلية تخلية المكان مما لا يصلح أولى من تحليته بما يصلح فإذا تمت تخليته فلا مانع من تحليته فالمطلوب تحليته لكن لا شك أن التحلية أولى من التخلية، وعلى هذا نقول الترك أولى من الفعل، نقول ترك المنكرات أولى من فعل الواجبات؟
طالب: .................
لا، منهم من يطْرِد ترك المحظورات أولى من فعل الواجبات، أذكرها قاعدة لأنه في النص إذا أتيتكم إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم جعل فيه شيء من الخيار، إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ما ترك لهم خيارا، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى العكس أن فعل الواجبات أولى من ترك المحظورات، ويستدل -رحمه الله- بكون آدم عصى بفعل وإبليس عصى بترك وهذا كفر وهذا تاب وتيب عليه وفق للتوبة وتيب عليه على ما سيأتي إن شاء الله، لكن لا ينبغي الإطلاق بهذا ولا ذاك؛ لأن مثل هذا إنما يُلجأ إليه عند التعارض يعني تعارض عندك فعل واجب وترك محرم لابد أن تفعل أحدهما، لابد من فعل الواجب مع ترك المحظور أو ترك المحظور مع ترك الواجب ولاشك أن هذا يتفاوت تفاوتا كبيرا بقدر تفاوت الواجبات والمنكرات، لو قدر أن شخصًا في طريقه إلى مسجد بغي لا يمكن أن يصل إلى المسجد حتى يجبر على الوقوع عليها الزنا حرام بل من كبائر الذنوب والصلاة مع الجماعة واجبة، إذا تعارض هذا مع هذا نقول صل في البيت ما يلزمك أن تصلي جماعة مع وجود هذا المنكر، لكن لو يقول قائل: الطواف بالبيت ركن من أركان الحج والحج ركن من أركان الإسلام والطواف فيه نساء بعضهن متبرجات أنا لن أطوف مع وجود هذه النساء نقول تعارض فعل واجب مع ترك محظور نقول اترك هذا الواجب؟ لا، كل شيء يقدر بقدره ويحسب بحسابه فلا نطرد القاعدة نقول أن فعل الأوامر مقدم ولا ترك النواهي مقدم؟
طالب: إذا كان الطواف مزحوما...
الطواف مزحوم مسألة أخرى لكن الكلام في ترك الواجبات.
طالب: .................
إذا كان مسنونا وبالفعل الضرر يغلب على الظن لا بأس، أما إذا كان متوقعا أو مجرد علة يعني لن أذهب أزاحم تعبان وهلم جرا...الجلوس أفضل له والسواليف أحسن له هذا منهم من قال ائذن لي ولا تفتني وجاء العتاب ما قيل أن نساء بني الأصفر فاتنات لا تجاهدوا فهمت؟
طالب: .................
إيه أيهم المقدم؟
طالب: .................
المقدم النفي لا إله، المقدم النفي.
طالب: .................
لا لا هم يطردونها قاعدة المقصود أنه لا هذا ولا ذاك، يعني ينظر.. المسألة متى يحتاج إليها؟ عند التعارض، إذا تعارض فعل واجب مع ارتكاب محظور نقول انظر، نعم؟
طالب: .................
نعم؟
طالب: .................
أين؟
طالب: .................
وراه؟
طالب: .................
لا لا هذا الأصل في تعريفها، بعد هذا {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} "{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يعني القرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أي التوراة والإنجيل وغيرهما"، الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله -سبحانه وتعالى- أحد أركان الإيمان كما جاء في حديث عمر -رضي الله عنه- في قصة جبريل حينما سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» فذكر الإيمان بالكتب ضمن أركان الإيمان فعلى المسلم أن يؤمن بأن الله سبحانه أنزل على رسله كتبًا لهداية الخلق تفصيلاً بالنسبة للمسلمين بالقرآن وإجمالاً بغيره ما سمي يؤمنا باسمه إجمالاً به وما لم يسمّ يعتقد أن الله -سبحانه وتعالى- أنزل على رسله كتبًا لهداية الخلق كما جاء في آخر هذه السورة: {آمَنَ الْرَّسُولُ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَآمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [سورة البقرة: 285].
"{وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} يعلمون" الآخرة هي اسم لما بعد الدنيا سميت آخرة لأن الدنيا قد تقدمتها، وقيل سميت الآخرة لأنها نهاية الأمر، قال ابن الجوزي: سميت الآخرة لأنها نهاية الأمر والمراد بها البعث والقيامة والجنة والنار الحساب والميزان وغير ذلك، قيل سميت آخرة لأن الدنيا قد تقدمتها فالذي يأتي بعد شيء يسمى متأخرا وآخر بالنسبة له، الشوكاني في قصيدة له يقول:
قِـــــيــــــلَ جِـــــئْــــــــتَ آخِـــرًا قُــلْــتُ جَــــــــــنَّــــــــةُ الْخُـــلْــــدِ أُخْـــــرَا
يعني ما يضر كونه متأخرا لا يضره كونه متأخرا فجنة الخلد في الأخرى بلا شك ليست في الدنيا.
طالب: .................
ما الذي فيه؟
طالب: .................
في الولاية هذه مسألة أخرى..
و{يُوقِنُونَ} فسر هنا اليقين بالعلم {يُوقِنُونَ} يعلمون واليقين ما حصلت به الثقة وثلج به الصدر وهو أبلغ علم مكتسب فسره هنا كما قلنا بالعلم وهو ما لا يحتمل النقيض وهو على درجات، علم اليقين وماذا؟
طالب: .................
أيهما أولى؟ الأول أيهم؟ علم اليقين، والثاني عين اليقين، والثالث حق اليقين، فعلم اليقين إذا أخبرك زيد من الناس وهو ثقة عندك أو أخبرك أكثر من واحد بأن دفعة كبيرة من العسل قد جاءت من البلد الفلاني مثلاً هذا علم اليقين لكن إذا رأيته بعينك انتقل إلى ما هو...انتقل إلى درجة المعاينة تكون عين اليقين، إذا لعقته قدر زائد على مجرد الرؤية هذا هو حق اليقين، فاليقين مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، قد يرد الظن ويراد به اليقين هنا قال: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} قد يرد الظن ويراد به اليقين كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِم} [سورة البقرة:46] وإلا فالأصل في الظن أنه الاحتمال الراجح الاحتمال الراجح يحتمل النقيض لكن الاحتمال الراجح هو الظن ومقابله المرجوح.
ما الوهم ومستوي الطرفين يقال له الشك فعندنا المعلوم متفاوت، العلم الذي لا يحتمل النقيض والظن وهو الاحتمال الراجح والشك وهو الاحتمال المساوي والوهم الذي هو ماذا؟ الاحتمال المرجوح والخامس ماذا؟ الجهل الذي هو عدم العلم، ومنهم من يجعل الخامس الكذب لأن اليقين والاعتقاد الذي هو الأول المطابق وهذا غير مطابق قد يصل الخبر وهو مجرد قبل يعني في درجة علم اليقين يصل إلى درجة عين اليقين فمثلاً الأخبار المتواترة المقطوع بها هل هناك فرق بين في.. بين شخص وآخر شخص ذهب إلى مكة ورآها وشخص جالس في بلده ما ذهب إلى مكة هل هناك فرق بين ثبوت الوجود بالنسبة لهذا البلد بين الاثنين؟ نعم؟ يعني الذي ما ذهب إلى مكة هل يشك بحال من الأحوال أن هناك مكة؟ نعم عنده علم اليقين بلغه بالتواتر لكن قد يصل علم اليقين إلى أن يرتقي إلى درجة عين اليقين كأنه مرئي، الأخبار التي وصلت إلى النبي –عليه الصلاة والسلام- بطريق التواتر تلقاها عن الله -سبحانه وتعالى- عبر عنها بالرؤية جاءت في القرآن معبر عنها بالرؤية {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الْفِيلِ} [سورة الفيل:1] هو رأى؟ ما رأى بعينه {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [سورة الفجر:6] ما رآى ما فعله؛ لكن بلغه بطريق مساوٍ ومطابق للرؤية، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: اختلف المفسرون في الموصوفين هاهنا، أين؟ عندنا المتقين {الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُوَنَ الصَّلًاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} الموصوفون هنا الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك هل هم الموصوفون بما تقدم "الذين يؤمنون بالغيب" أم غيرهم؟ يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: اختلف المفسرون في الموصوفين هاهنا هل هم بما تقدم من قوله تعالى: {الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُوَنَ الصَّلًاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ومنهم على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير.
أحد هذه الأقوال أن الموصوفين هم الموصوفون ثانيًا، وهم كل مؤمن مؤمن العرب ومؤمن الكتاب وغيرهم.
والثاني هما واحد الموصوف أولاً هم الموصوفون ثانيًا لكن المراد بهم في الموضعين مؤمنو أهل الكتاب وعلى هذا تكون الواو عاطفة تعطف صفات على صفات لا تعطف أفرادًا على أفراد. الآن ما الفرق بين الأول والثاني؟
طالب: .................
نعم المراد بذلك.
طالب: .................
هذا الأول، الموصوفون ثانيًا هم الموصوفون أولاً في القولين، لكن على القول الأول هم كل مؤمن، من مؤمني العرب ومؤمني أهل الكتاب، وعلى القول الثاني أنه خاص الوصف الأول والثاني خاص بمؤمني أهل الكتاب والثالث أن الموصوفين أولاً مؤمنو العرب {الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُوَنَ الصَّلًاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} هؤلاء هم مؤمنو العرب الموصوفون ثانيًا {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} هؤلاء هم مؤمنو أهل الكتاب والقول الأخير اختاره ابن جرير، واختار ابن كثير رحمه الله الأول، عن مجاهد رحمه الله: أربع آيات في أول سورة البقرة في نعت المؤمنين وآياتان في نعت الكافرين وثلاثة عشر آية في نعت المنافقين. يقول ابن كثير رحمه الله: فهذه الآيات الأربع عامة في مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي من إنسي وجني، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرى بل كل واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها، فلا يصح الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- وما جاء به من قبله من الرسل والإيقان في الآخرة كما أن هذا لا يصح إلا بذاك. إلى أن قال: لكن لمؤمني أهل الكتاب خصوصية وذلك أنهم مؤمنون بما بأيديهم تفصيلًا اليهود مؤمنون بما في التوراة تفصيلاً النصارى مؤمنون بما في الإنجيل تفصيلاً إذا دخلوا في الإسلام وآمنوا به تفصيلاً كان لهم على ذلك الأجر مرتين، وأما غيرهم من مؤمني هذه الأمة آمنوا بما في القرآن تفصيلاً لكنهم آمنوا بما في الكتب السابقة إجمالاً أما غيرهم يحصل لهم الإيمان بما تقدم مجملاً ولذا ثبت في الصحيحن من حديث أبي موسى –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي ورجلٌ مملوك أدى حق الله وحق مواليه ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها» وهذا الحديث متفق عليه.
"{أُوْلَٰٓئِكَ} الموصوفون بما ذُكر" يعني بجميع ما ذكر من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة والإنفاق في طاعة الله ومرضاته والإيمان بالقرآن وما قبله من التوراة والإنجيل والإيقان بالآخرة {أُوْلَٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِم وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ} على هدى من ربهم لا من غيره، ففيها رد على القدرية الذين يزعمون أنهم يخلقون إيمانهم وهداهم تعالى الله عن قولهم، ولو كان كما قالوا لا قال من أنفسهم أولئك على هدى من أنفسهم لأنهم يزعمون أن العبد يخلق فعله فيثبتون مع الله -سبحانه وتعالى- خالقا كما أنهم يثبتون معه رازقا، والمراد بالهدى الرشاد والنور والاستقامة والبصيرة، الإستقامة على دين الله، والنور الذي يقذفه الله -سبحانه وتعالى- في قلب عبده المؤمن، والبصيرة في دين الله ليعبد الله -سبحانه وتعالى- على هذه البصيرة.
"{عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِم وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلمُفلِحُونَ}" يجوز أن تكون هم مبتدأ ثانيًا وخبره المفلحون، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ويجوز أن تكون هم ضمير فصل لا محل له من الإعراب والمفلحون هو الخبر..
"على كل حال إذا كان المكان فيه مُنكر لا يُستطاع إنكاره، فلا يجوز الذهاب إليه، وإجابة الدعوى في وليمة العرس واجبة جاء الأمر بها، فإذا كان ثَمَّ مُنكر لا يُستطاع تغييره؛ فإنه لا تجوز إجابة مثل هذه الدعوى.
إذا كانت الترجمة أكثر من آيات القرآن وهذا هو الغالب، فإن الحكم للغالب، فيجوز حينئذٍ للكافر أن يمسَّها لاسيما إذا ترتب على ذلك مصلحة، وغَلب على الظن أنه يتأثر ويُسلِم بسببها.
من عمل عملاً من الطاعات ينوي به نيةً أخرى في نفسه، كمن تصدَّق ليدعو له المتصدَّق عليه، أو تصدَّق بنية طلب الشفاء، أو تصدَّق ليستجيب الله دعاءه، أو من قامت تُصلي الليل لتدعو الله بالزوج الصالح، أو من يَبر والديه؛ ليبره أبناؤه في كبره، وما أشبه ذلك، فقد ذكر بعضهم أن هذا من الشرك الخفي؛ لأنه من إرادة الشخص بعمله الدنيا؟
هذه الأمور التي جاء النص عليها في النصوص مثل: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم» وأيضًا «داووا مرضاكم بالصدقة» يعني هذه الأمور المنصوص عليها في النصوص إنما ذُكِرت لتُقصد، مع أن القصد أولاً وآخرًا هو الصدقة لوجه الله –جلَّ وعلا- ثُم دخول مثل هذه الأمور ليس من التشريك؛ لأنه لو كان من التشريك لما نُص عليه، مادام منصوص عليه في الحديث ليس من التشريك، والتشريك المؤثِّر تشريك في العبادات منه ما هو مؤثِّر، ومنه ما هو غير مؤثِّر.
تشريك عبادة بعبادة هذا لا يؤثِّر، فقد كان عمر –رضي الله تعالى عنه- يُجهز الجيوش وهو في الصلاة، فهذا لا يُؤثِّر في الصلاة.
من صام ليتداوى بالصيام، قال له الأطباء: عليك بالحمية، فصام. هذا لا يُؤثِّر، نعم ليس أجره كأجر من صام لا ينهزه إلى الصيام إلا ابتغاء وجه الله –جلَّ وعلا- ليس أجره مثل هذا، لكن أجره ثابت إن شاء الله تعالى.
وقُل مثل هذا فيمن طاف بالبيت وقد أُمِر بالمشي هذا لا يضره إن شاء الله تعالى- لأن التشريك مُباح بعبادة.
الإشكال في التشريك في أصل القصد كالرياء مثلاً، أهل العلم في مسألة الإمام ينتظر الداخل في الركوع؛ ليُدرك الركعة. الإمام راكع، فأحسّ بمن دخل فأطال الركوع؛ من أجل أن يُدرك هذه الركعة. هذا تشريك، تطويل هذا ليس من أصل العبادة إنما هو من أجل أن يُدرك هذا الداخل الصلاة أو يُدرك هذه الركعة، هل هذا يُؤثِّر أو لا يُؤثِّر؟ عند جمهور أهل العلم أنه لا أثر له، بل يستحبون هذا إذا لم يشق على المأموم الداخل في الصلاة من أولها، أما إذا شقَّ على المأموم فملاحظة المتقدم أولى من ملاحظة المتأخر.
وقال بعض المالكية: أن هذا ممنوع؛ لأنه تشريك. النبي –عليه الصلاة والسلام- يُريد أن يطيل الصلاة، ثُم يُخفف؛ لِما يسمع من بكاء الصبي. هذا تشريك ولا غير تشريك؟ لكنه يُؤثِّر أو غير مؤثِّر؟ ليس كل تشريكٍ مؤثِّر لاسيما ما ورد به النص.
أنت الآن حينما تصلي ترجو بذلك الثواب من الله –جلَّ وعلا- هل تلحظ بذلك دخول الجنة، والنجاة من النار أو لا تلحظ؟ هذا كل مسلم يلحظه؛ لأن الله –جلَّ وعلا- ذكر في ترغيبه على لسان النبي –عليه الصلاة والسلام- «أن في الصلاة منجاة من النار وسبب لدخول الجنة» وقُل مثل هذا في سائر العبادات، هل نقول: إن هذا تشريك أو ليس بتشريك؟ لكنه غير مؤثِّر، وإن كان بعضهم يستدل بآخر آيةٍ في سورة الكهف {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:110] يقول: من نظر إلى الثواب فقد أشرك شرَّك. هذا الكلام ليس بصحيح، وإلا ما معنى أحاديث الترغيب في الأعمال، وذكر الثواب العظيم على بعض الأعمال، وذكر الوزر والإثم العظيم على بعض الأعمال إلا من أجل أن تُلاحظ فتُترك هذه الأعمال، أو تُفعل الأعمال الصالحة التي رتِّب عليها هذا الثواب العظيم.
معروف أن أهم الكتب عند الحنابلة الذي يذكر القول بدليله "المُغني" هو كتاب يذكر المذاهب بأدلتها، وعند الشافعية كتاب "المجموع" للنووي، وعند الحنفية أمثلها في الجملة ومُحدِّث وخُرِّجت أحاديثه كتاب "الهداية" مع شرحه "فتح القدير" وشرح الحطاب على مختصر الخليل شرحٌ طيب، وفيه ذكرٌ للأدلة والتعليل.
تجارة الأسهم صار لها صولة وجولة، وتُرِك الطلب فترة من أجلها من بعض طلاب العلم، ثُم عادوا بعد ذلك بعد أن باؤوا بالخسارة. والله المستعان.
وعلى كل حال من عرف قدر المطلوب؛ هان في تحصيله كل مرغوب، والله المستعان.
الأصل أن كل من تربطك به صلة من جهة الآباء أو الأمهات أنهم من أرحامك، وإذا كثروا خفَّ أمرهم، وإذا قلوا زاد حقهم، ففرقٌ بين شخص له عم واحد، وخالة واحدة، وبين شخص له عشرة أعمام، ولكل واحدٍ منهم عشرة من الأولاد، وعشر خالات، وثلاثة أخوال، هذا المشقة تجلب التيسير، والهجرة أو الهجر ينقطع بالسلام. يكفي أن تزورهم إذا كثروا بحيث يشق عليك زياراتهم في كل أسبوع أن تزورهم في كل شهر، وإذا زادوا على ذلك الأبعد منهم العم المباشر شقيق الأب تزوره في كل أسبوع أو في كل شهر إن كان عددهم كثير، وعم الأب أو ابن عم الأب الكبير مثلاً تزوره في المناسبات وتتصل عليه بالهاتف.
المقصود أن مثل هذه الأمور على الإنسان أن يُسدد ويُقارب بين مصالحه الخاصة، وبين ما يتعلق بأقاربه.
الذي يُفكر في المعصية بمعنى: أنها ترد على خاطره، ثُم ينصرف عنها، ويصرف ذهنه وفكره عنها، الخواطر لا مؤاخذة عليها، وكذلك الهواجس، وكذلك حديث النفس هذه كلها لا مؤاخذة عليها، كلها مرفوعة، والهم بالمعصية إذا همَّ الإنسان وهو مرتبة فوق ما ذُكِر من الخاطر، والهاجس، وحديث النفس، وكذلك الهم كلها مرفوعة، إنما الذي فيه المؤاخذة هو العزم على فعل المعصية، العزم على فعل المعصية يُؤاخذ عليه.
والدواء الناجح لطرد هذه الخواطر معرفة الآثار والعقوبات المُرتبة على هذه المعاصي، وما ذكره ابن القيم –رحمه الله- في مقدمة "الجواب الكافي" أفاض في ذكر أضرار المعاصي والآثار المترتبة عليها، فعلى المسلم أن يطَّلع على هذه الآثار؛ لئلا يخطر بباله المعصية التي ينفر منها أشد النفرة.
لا، لا يدخل في هذا إلا من باب ما للعم أو للخال من حق، فإن كانت الصلة... ليس من هذه الصلة أن تزورها أو تجلس معها وهي ليست محرمًا لك لا، إنما تبعث لها بشيء من الهدايا لاسيما إذا كان هذا مما يَسرُّ العمّ أو الخال، فحقها من حقه، وكذلك زوجة الأب إذا كانت صلتها وخدمتها تسرّ الأب؛ فصلتها من صلته.
هذا يسأل يقول: هل يحق لشخصٍ الذي يحضر بعض الدورات، ويتابع بعض الأشرطة، ويعرف بعض الاختيارات الفقهية والحديثية –يعني عن شخصٍ معين- يقول: هل له أن يقول: قال شيخنا فلان، يعني: إذا تتلمذ عليه في الدورات فقط، وسماع الأشرطة والدروس من خلال الآلات، ولم يمثُل بين يديه في الدروس العامة المرتبة المنظمة طول العام؟
أي، نعم، يحق له أن يقول: قال شيخنا، مادام جلس عنده في الدورات، وسمع الأشرطة. اللهم إلا إذا كان سماعه من الأشرطة أو من خلال الآلات مثل الإنترنت مثلاً، فمثل هذا لو بيَّن حقيقة الحال، لو قال: قال فلان في الشريط أو فيما سمعته من خلال الإنترنت؛ لئلا يُوهِم أنه رحل إلى هذا الشيخ، وأخذ عنه مباشرةً، وكان أهل العلم وأهل التحري يتقون مثل هذا، ويبينون فيقول: أخبرنا إجازةً، أخبرنا مناولةً، أخبرنا...إلى آخره يُبينون طريقة التلقي.
عليه أن يتعلم العربية؛ لأنه بواسطتها يفهم نصوص الكتاب والسُّنَّة، ومع ذلك يتعلم مبادئ اللغة بلغته أولاً، ثُم إذا تعلم يتعلم مبادئ العقيدة، وما يُصحح عباداته بلغته قبل أن يتمكن من تعلُّم اللغة، فإذا تيسر له ذلك؛ فليتعلم العربية. يعني يبدأ بمبادئ ما يُصحح عباداته، يعني كيف يتوضأ؟ يقول: أنتظر إلى أن أتعلم العربية، نقول: لا، تعلَّم كيف تتوضأ، تعلَّم كيف تُصلي ولو لم تعرف العربية، ومع ذلك تعلَّم العربية، فتجمع بين هذا وهذا.
مبتلى بالقراءة البطيئة، يعني: أنه ليس بسريع القراءة.
أولاً: مسألة البطء هذا أمر عادي في بداية الأمر، فالذي ما تعوَّد على الجرد جرد الكتب لابد أن يكون في بداية الأمر تكون قراءته بطيئة، فقارئ القرآن في أول الأمر يحتاج إلى نصف ساعة لقراءة الجزء الواحد، ثُم إذا أخذ لسانه وزل لسانه بالقرآن نقصت إلى ثلث ساعة، ثُم إلى ربع ساعة وهذا مُجرَّب، وبعضهم يقرأ الجزء في عشر دقائق، ومع ذلكم يتدبر ويبكي، يعني ما مسألة سرد بدون تدبر لا، هذا ممكن لمن اعتاد القراءة، أما في أول الأمر ما يستطيع أن يقرأ في الساعة أكثر من جزئين، ثُم بعد ذلك يصل به الأمر إلى أن يقرأ خمسة أجزاء في الساعة، وهذا شيءٍ معروف، يعني القرآن قراءته في ست ساعات مُجرَّبة.
المقصود أن البطء هذا لا يضر، وإذا كان هذا البطء ناتج عن تأمل وترديد وتَفهُّم لِما تقرأ هذا طيب، لكن مع الوقت ثق أنك مع الوقت تنحل هذه المشكلة.
أما أنه يُعنى بجمع الكتب، فادعُ الله أن يُعافيني مما ابتلاني به، وما هي الطريقة لحل هذه المشكلة؟
على كل حال جمع الكتب أمرٌ طيب، ومطلوب لطالب العلم، ولا يُمكن أن يطلب العلم بدون كتب، كما أنه لا يُمكن أن يسعى إلى الهيجا بغير سلاح، فالكتب سلاح طالب العلم، فلابد من جمعها.
الإشكال إذا كان هذا الجمع فتنة، يعني: يُفتتن بجمع الكتب، ويجمع الطبعات، ويجمع النُّسخ المتعددة، وهذه أحسن ورق، وهذه أحسن تجليد، وهكذا...إلى آخره. هذا الذي يحتاج إلى علاج، وابتُلي بهذا معروف في القديم والحديث، ابتُلي من يجمع من الكتاب الواحد عشر نُسخ عشرين نسخة، ويُضيِّق على نفسه وعلى أهله وولده، والخطيب البغدادي –رحمه الله- في مقدمة "اقتضاء العلم العمل" يقول: وهل جامع الكتب أو كانز الكتب إلا ككانز الفضة والذهب. يعني مجرد بلوى، لكن كثرة التصانيف -كما يقول ابن خلدون-: مشغلة عن التحصيل.
فعلى الإنسان أن يجمع من الكتب ما يحتاج إليه ولا يزيد على ذلك.
العبرة بالدليل..العبرة بالدليل، فالذي يُؤيده الدليل هو الذي يُعمَل به، والإنسان يعمل ويُنكر حسب ما يدين الله به ويعتقد، إذا كان يعتقد أن صلاة الجماعة واجبة فتاركها صار مرتكب مُنكر، فيُنكر عليه، لكن كيفية هذا الإنكار هو الذي يختلف، إذا كانت المسألة من المسائل المُختلف فيها، يعني المسألة تكون إرشاد وتوجيه من غير عنف، وبيان للحق بدليله، ويزول -إن شاء الله تعالى- هذا المنكر.
هذا كذب..هذا كذب.