شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1426 هـ) - 25
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب الصوم من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع مطلع هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: قال -رحمه الله تعالى- عن ابن أبي أوفى -رضي الله عنهما- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقال لرجل: «انزل فاجدح لي»، قال: يا رسول الله! الشمس، قال: «انزل فاجدح لي»، قال: يا رسول الله! الشمس، قال: «انزل فاجدح لي»، فنزل فجدح له، فشرب، ثم رمى بيده هاهنا، ثم قال: «إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم».
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فراوي الحديث عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي، اختلف في كنيته، أبو إبراهيم أو أبو محمد، أو أبو معاوية، صحابي جليل، شهد بيعة الرضوان، ومات سنة ست أو سبع أو ثمانٍ وثمانين. قال الفلاس: هو آخر من مات بالكوفة من الصحابة.
وهذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري: باب الصوم في السفر والإفطار، باب الصوم في السفر والإفطار، أي: هذا باب في حكم الصوم في السفر، وحكم الإفطار فيه، الإفطار معطوفة على الصوم، وحكم الإفطار فيه، هل هما مباحان فيه أو المكلف مخير سواء كان ذلك في رمضان أو في غيره.
ومطابقته للترجمة من حيث إنه -صلى الله عليه وسلم- كان صائمًا في سفره هذا، كان صائمًا في سفره هذا، وهو مطابق للجزء الأول من الترجمة: باب الصوم في السفر.
والجزء الثاني: الإفطار، ما وجه مطابقة الحديث له؟ باب الصوم في السفر والإفطار.
المقدم: الصوم واضح؛ لأنه صائم.
صائم، نعم.
المقدم: ولم يفطر إلا، لما.
غربت الشمس.
المقدم: غربت الشمس، فقد أفطر الصائم.
في وقت الفطر، المقصود أن المطابقة بين الحديث والجزء الأول من الترجمة، الجزء الثاني: الإفطار؟
المقدم: أحاديث أخرى.
أحاديث أخرى، والآية، نص مقطوع به.
وقال ابن حجر: موضع الدلالة منه ما يشعر به سياقه من مراجعة الرجل له بكون الشمس لم تغرب في جواب طلبه لما يشير به، فهو ظاهر في أنه عليه الصلاة والسلام- كان صائمًا، وسيأتي بعد عشرة أبواب من الصحيح باب متى يحل فطر الصائم؟ باب متى يحل فطر الصائم؟ التصريح بأنه -صلى الله عليه وسلم- في سفر وهو صائم، يعني في بعض طرق الحديث.
قوله: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر، وفي رواية مسلم: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر في شهر رمضان.
قال العيني: يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح، والدليل عليه رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سفر في شهر رمضان، وسفره في شهر رمضان منحصر في غزوة بدر، وفي غزوة الفتح، وسفره في شهر رمضان منحصر في غزوة بدر، وفي غزوة الفتح، فإن ثبت، فلم يشهد ابن أبي أوفى بدرًا.
وهو يقول: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
المقدم: في سفر.
يدل على أنه؟
المقدم: كان معه.
معه، نعم، فابن أبي أوفى لم يشهد بدرًا، فتعينت غزوة الفتح.
فقال لرجل، وفي رواية: فلما غابت الشمس قال لبعض القوم: «يا فلان! قم فاجدح لنا»، وفي رواية: فلما غربت الشمس، يعني فلما غابت، في رواية: فلما غربت.
قال ابن حجر: وهي تفيد معنى أزيد من معنى غابت.
ما المعنى الزائد على غابت؟ أيهما أبلغ: غابت أم غربت.
المقدم: غربت يعني تحقق الغروب، أما غابت فقد تكون غابت عن نظر الإنسان، ولم تغرب بعد.
نعم، يعني وجود حائل، ولو لم؟
المقدم: تغرب.
تغرب، نعم.
ولذا قال: وهي -يعني رواية غربت- تفيد معنى أزيد من معنى غابت.
وقال ابن حجر: لم يسم المأمور بذلك، لم يسم المأمور بذلك.
المأمور بأي شيء؟
المقدم: أن ينزل فيجدح.
نعم.
وقد أخرجه أبو داود عن مسدد شيخ البخاري فيه، فسماه، ولفظه فقال: «يا بلال انزل» إلى آخره، وأخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم من طرق عن عبد الواحد، وهو ابن زياد شيخ الإمام البخاري فيه، عن عبد الواحد بن زياد، وهو شيخ مسدد، مسدد شيخ البخاري، وعبد الواحد بن زياد شيخه، فاتفقت رواياتهم على قوله: «يا فلان»، فلعلها تصحفت، ولعل هذا هو السر في حذف البخاري لها.
في البخاري؟
المقدم: لرجل.
نعم، لرجل؛ لأن فلانًا تصحفت لبلال، فحذف التكنية عن الاسم فلان؛ لأنه عرضة للتصحيف، فهل يا فلان، أو بلال يشملهما ما أثبته البخاري، فقال: لرجل.
وفي حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- عند ابن خزيمة قال: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أقبل الليل»، الذي في آخر الحديث، «إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم»، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعمر كما عند ابن خزيمة: «إذا أقبل الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم»، فيحتمل أن يكون المخاطَب بذلك عمر، فإن الحديث واحد، فلما كان عمر هو المقول له: «إذا أقبل الليل...» إلى آخره، احتمل أن يكون هو المقول له أولًا: «اجدح»، السياق: فقال لرجل: «انزل فاجدح لنا، لي»، قال: يا رسول الله! إلى آخره، يعني مرارًا، ثلاث مرات، ثم رمى بيده هاهنا، ثم قال: «إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم»، وحديث ابن خزيمة: قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أقبل الليل».
المقدم: مما يدل على أنه هو.
لكن رواية البخاري: «إذا رأيتم الليل»، الخطاب في هذا؟
المقدم: للجمع.
للجميع، للجميع، ما قال: إذا رأيت الليل، يخاطب واحدًا، فعمر من ضمن من خوطب، فيصح أن يكون ممن يتجه إليه الخطاب بلفظ الجمع «إذا رأيتم»، ولا يتعين أن يكون هو المبهم، لكن يؤيد كونه بلالًا قوله في رواية شعبة: فدعا صاحب شرابه، فإن بلالًا هو المعروف بخدمة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
«انزل فاجدح» قال النووي: هو بجيم ثم حاء مهملة. «انزل» من أي شيء؟ من راحلته؟
المقدم: انزل للبئر.
أنت تصورت الجدح هذا هو الاستسقاء من البئر.
المقدم: هذا هو المعروف، أو أنه المقصود به ما يفعلونه من السويق؟
يعني اخلط، اجدح: اخلط.
«انزل» هذا يظهر أنه من دابته أو من شيء مرتفع.
«انزل فاجدح» قال النووي: هو بجيم ثم حاء مهملة، وهو خلط الشيء بغيره، والمراد هنا خلط السويق بالماء وتحريكه حتى يستوي، والمجدح -بكسر الميم-: عود مجتمع الرأس يساط به الأشربة، وقد يكون له ثلاث شعب.
وقال صاحب المفهم، من صاحب المفهم؟
المقدم: القرطبي.
القرطبي، نعم، أي: اخلط اللبن بالماء، والجدح خلط الشيء بغيره، والمجدح المخوض، قالوا: وهو عود في طرفه عودان، لعله أثناء الجدح يصنع به مثل ما يصنع بالمغزل، هكذا يبرم إبرامًا.
ونقل العيني عن الداودي قال: اجدح يعني: احلب، ورد ذلك عياض وغيره؛ لأنه المعروف في الجدح: الخلط.
وعن القزاز: هو الملعقة. القزاز صاحب كتاب أيش؟ اسم كتابه؟
المقدم: القزاز؟
نعم، مر مرارًا.
المقدم: الجامع في اللغة؟
الجامع، نعم.
في عارضة الأحوذي يقول: الجدح هو كل سبب يكون فيه سُقيا، ومنه نوع، نوء المجدح، ومنه حديث عمر: لقد استسقيت بمجاديح السماء، أي: بالأسباب التي توجب جدحه، يعني الاستغفار، قال الله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا} [نوح: 10 – 11].
القزاز يقول: هو الملعقة، الملعقة مفعلة، هي التي يلعق بها الطعام والشراب، فهي معروفة عندهم.
قال: يا رسول الله! الشمس، الشمسُ أو الشمسَ؟
المقدم: الشمسُ.
بالرفع، ويجوز النصب، وتوجيهها ظاهر؛ كما قال الحافظ.
قال العيني: بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذه الشمس يعني ما غربت الآن، ويجوز فيه النصب على معنى: انظر الشمسَ، وهذا ظنٌّ منه أن الفطر لا يحل إلا بعد ذلك، لما رأى من ضوء الشمس ساطعًا، وإن كان جرمها غائبًا.
هو استدل بوجود الضوء، الضوء موجود، وإن غاب القرص يبقى أثرها، يبقى أثرها، فهو اعتمد على أن هذا الأثر وهو الضوء، يدل على وجود المؤثِّر، فما دام الأثر موجودًا، فالمؤثِر موجود، التي هي الشمس، ولو كانت غائبة لما وُجد أثرها، هذا ظنه.
وهذا ظنٌّ منه أن الفطر لا يحل إلا بعد ذلك، لما رأى من ضوء الشمس ساطعًا، وإن كان جرمها غائبًا.
وفي رواية: قال: يا رسول الله! فلو أمسيت، يعني دخلت في المساء، وانتظرت حتى يغيب الأثر، فلو أمسيت، وقال في الثالثة: إن عليك نهارًا.
يعني ما زلنا في النهار، ما دام أثر الشمس باقيًا، فما زلنا في النهار، هذا على ظنه.
قال ابن حجر: يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو، فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول: لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه، أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس، وأما قول الراوي: وغربت الشمس، فإخبار منه بما في نفس الأمر، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندًا.
معروف أن الغاية غروب الشمس، {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ } [البقرة: 187]، والليل يبدأ من غروب الشمس، فلو كان الصحابي تحقق غروب الشمس، لكان بعد مراجعته للنبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثًا يكون معاندًا، لكن ما المانع أنه يرى الشمس وقد سقط قرصها ووجبت، ومع ذلك يستدل بأثرها على وجودها ظنًّا منه أن هذا لا بد أن ينقطع.
وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف؛ لأنه حينئذ يكون معاندًا، وإنما توقف احتياطًا واستكشافًا عن حكم المسألة.
وفي شرح العيني: فإن قلت: المراجعة معاندة، المراجعة معاندة، ولا يليق ذلك بالصحابي؟ قلتُ: قد ذكرنا أنه ظن، يعني ظن بقاء الشمس، فلو تحقق أن الشمس غربت ما توقف، وإنما توقف احتياطًا واستكشافًا عن حكم المسألة، وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك، فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقعت ثلاثًا، وفي بعضها مرتين، وفي بعضها مرة واحدة.
يعني راجع النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة، في بعض الروايات: راجعه مرتين، وفي بعضها؟
المقدم: ثلاثًا.
ثلاثًا، والذي عندنا؟
المقدم: ثلاث.
قال: يا رسول الله! الشمس، قال: يا رسول الله! الشمس.
المقدم: النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره ثلاثًا.
أمره ثلاثًا.
المقدم: والمراجعة تصير ثنتين.
في هذا تكون اثنتين.
المقدم: معناها إذا راجعه ثلاثًا، معناه الأمر أربع.
لا، هو في الأخيرة ما يكون فيه أمر، يكون فيه التعليل، رمى بيده هاهنا، ثم قال: «إذا رأيتم».
المقدم: بس إذا قلنا: إنه راجعه ثلاثًا، فالأمر أربع.
هو إذا راجعه، قال: اجدح، فقال: الشمس، ثم قال: «انزل فاجدح»؟ قال: الشمس.
المقدم: قال: الشمس، «انزل فاجدح»، قال الشمس.
طيب، ثم رمى بيده هاهنا، ثم قال: «إذا رأيتم الليل»، ما يلزم أن يكون الأمر أربعًا.
المقصود أنه أكثر ما وقع، أن المراجعة وقعت ثلاثًا، وفي بعضها مرتين، وفي بعضها مرة واحدة، وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة.
قال الزين بن المنير: يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر؛ لاحتمال أن لا يكون المراد إمرارها على ظاهرها، يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن لا يكون المراد إمرارها على ظاهرها.
يمكن أن الأمر في قوله: «انزل فاجدح» ما هو على ظاهره، يمكن أنه تهيأ، لا حقيقة الأمر، فراجعه ثانيًا، يمكن أن الأمر الثاني أيضًا تأوله على شيء آخر، فيجوز الاستفسار بهذا القصد؛ ليكون الظاهر على حقيقته؛ لاحتمال أن لا يكون المراد إمرارها على ظواهرها، وكأنه أخذ ذلك من تقريره -صلى الله عليه وسلم- الصحابي على ترك المبادرة إلى الامتثال.
يعني الزين بن المنير أخذ هذا من تقرير النبي -عليه الصلاة والسلام- على ترك المبادرة إلى الامتثال، ما أنكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- إنكارًا يليق بمن يرد قوله عليه، يعني الرد مع المواجهة، أقول: الرد القطعي؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يتكلم فورًا بدون وسائط، فرد قوله -عليه الصلاة والسلام- عليه مع المواجهة لا شك أنها خطيرة جدًّا، لكن هو متأول، أنه يحتمل أن الأمر ليس على حقيقته، وإلا لو كان حمل الأمر على حقيقته وتردد، فالأمر خطير.
فنزل الصحابي فجدح، أي: امتثل بعد تلك المراجعة له، أي: للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فشرب -عليه الصلاة والسلام-، ثم رمى بيده، رمى بيده، معناه أشار بيده إلى المشرق، ويؤيد ذلك ما رواه مسلم: ثم قال بيده: «إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا فقد أفطر الصائم».
«إذا غابت الشمس من هاهنا» يعني من جهة؟ المغرب، «وجاء الليل من هاهنا» من جهة؟ المشرق، «فقد أفطر الصائم».
وفي لفظ له: ثم قال: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا -وأشار بيده نحو المشرق- فقد أفطر الصائم».
تُذكر القصة عن أبي حنيفة أنه دخل عليه رجل وهو يحدث، رجل ظاهره الهيبة، وكان يحدث بهذا الحديث، كف أبو حنيفة رجله، هذه تذكر القصة، وفي سياق إذا كان المظهر يختلف؟
المقدم: عن المخبر.
عن المخبر، ثم لما حدّث أبو حنيفة بهذا الحديث، قال هذا الرجل: أرأيت لو جاء النهار من هاهنا، والليل من هاهنا، يعني المغرب، وأدبر النهار من هاهنا، يعني المشرق، يعني عكس ما جاء في الحديث، فيذكر أن أبا حنيفة مد رجله وقال: آن لأبي حنيفة أن يمد رجله، وهذه القصة مشهورة مستفيضة، فمثل هذا الذي يخالف الواقع الذي لا يؤيده لا عقل ولا نقل، وهذا كثيرًا ما يقوله شيخ الإسلام لبعض الآراء التي تخالف النقل الصحيح والعقل الصريح، فكثيرًا ما يعبر عن ذلك يقول: هذا من باب فخرَّ عليهم السقف من تحتهم، يعني وافق النقل؟
المقدم: أبدًا.
والعقل؟
المقدم: ولا العقل.
ولا العقل.
«هاهنا» في شرح المفصل لابن يعيش، وهذا الكتاب مطبوع في عشرة أجزاء، من أطول كتب النحو المطبوعة، يقول: يجوز إدخال هاء التنبيه عليها -يعني هنا-؛ كما تدخل على ذا، فتقول: هاهنا، قال الله تعالى: {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24]، ويدخل عليها أيضًا كاف الخطاب، فيقال: هناك، فهنا إشارة إلى مكان قريب، وهناك إشارة إلى مكان متباعد؛ كما كان في ذاك، وكذلك، فإن أرادوا زيادة البعد جاؤوا باللام، فقالوا: هنالك؛ كما قالوا: ذلك، يقول الله -جلَّ وعلا-: {هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ} [الكهف: 44].
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا»، أي: من جهة المشرق.
قال العيني: فإن قلت: ما الحكمة في قوله: «إذا أقبل الليل من هاهنا»؟ وفي رواية، وفي لفظ مسلم: «إذا رأيتم الليل قد أقبل من هاهنا»؟ في لفظ الترمذي عن عمر بن الخطاب: «إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغربت الشمس فقد أفطر»، والإقبال والإدبار والغروب متلازمة.
«إذا رأيتم الليل أقبل والنهار أدبر وغربت الشمس»، يمكن أن يقبل الليل ولا يدبر النهار؟ يمكن أم ما يمكن؟ ما يمكن، والعكس كذلك، هل يمكن أن يدبر، أن يقبل الليل ويدبر النهار ولا تغرب الشمس؟ هذه أمور متلازمة، هذه الثلاثة متلازمة.
لأنه لا يقبل الليل إلا إذا أدبر النهار، وإلا إذا غربت الشمس.
أجاب القاضي عياض في إكمال المعلم: بأنه قد لا يتفق مشاهدة عين الغروب، ويُشاهد هجوم الظلمة حتى يُتيقن الغروب بذلك فيحل الإفطار.
يعني يأتي بالجمل الثلاث وهي مؤداها واحد، ولا تنفك واحدة عن أختيها، لكنه قد يتفق مشاهدة عين الغروب، ويُشاهد هجوم الظلام، قد لا يتفق مشاهدة عين الغروب، قد يكون الإنسان في مكان بحيث يكون بينه وبين الشمس حائل، لا يرى غروب الشمس، لكنه يتأكد إذا هجم عليه الظلام.
قال العيني: قال شيخنا، يعني؟ مر مرارًا، الحافظ العراقي -رحمه الله- في شرح الترمذي، قال شيخنا -يعني العراقي-: الظاهر إن أريد أحد هذه الأمور الثلاثة، فإنه يعرف انقضاء النهار برؤية بعضها، ويؤيده اقتصاره في حديث ابن أبي أوفى على إقبال الليل فقط.
«إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر الصائم»، ما فيه: «وأدبر النهار وغربت الشمس».
ويؤيده اقتصاره في حديث ابن أبي أوفى -يعني حديث الباب- على إقبال الليل فقط، وقد يكون الغيم في المشرق دون المغرب أو العكس، وقد يُشاهد مغيب الشمس فلا يُحتاج معه إلى أمر آخر.
لكن إذا كان يُشاهد سقوط قرص الشمس فما نحتاج إلى أن ننظر لا إلى إقبال ولا إدبار.
المقدم: صحيح، كافٍ.
لأن هذه هي آية النهار، وقد غربت، إذن انتهى النهار، لكن إذا حال دون النظر، نظر الشمس وهي تسقط في مغيبها، إذا حال دونها شيء من جبل ونحوه، فلا بد من العلامتين الأخريين، وهما إقبال الليل وإدبار النهار.
المقدم: نكتفي بهذا، أحسن الله إليكم على أن نستكمل -بإذن الله- ما تبقى في حلقات قادمة، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، شكرًا لطيب متابعتكم، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.