شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 22
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقةٍ جديدة في شرح كتاب ((الصوم)) من كتاب ((التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)).
والذي نُرحب مع مطلع حلقتنا بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المُستمعين.
المقدم: لتذكير الإخوة والأخوات فقط، نحن في كتاب (الصوم) من كتاب (التجريد) في باب من أقسَم على أخيه ليُفطِر في التطوُّع. رقم الحديث في (التجريد): 935، وفي الأصل: 1968.
توقفنا أحسنَ الله إليكم، عند الأطراف، لعلنا نبدأ بها في هذه الحلقة.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فحديث أبي جحيفة في قصة سلمان مع أبي الدرداء خرَّجه الإمام البخاري في موضعين: الأول في كتاب (الصوم) في باب من أقسَم على أخيه ليُفطِر في التطوُّع ولم ير عليه قضاءً إذا كان أوفق له، قال- رحمه الله-: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي- صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء، الحديث، الذي سبق شرحه والمناسبة أيضًا تقدمت.
والموضع الثاني: في كتاب (الأدب) في باب صُنع الطعام والتكلُّف للضيف، قال- رحمه الله-: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فذكره.
قال البخاري: أبو جحيفة وهب السوائي، يقال: وهب الخير. وسبق في ترجمته أن الذي قال له: وهب الخير، هو علي- رضي الله تعالى عنه-.
الإسناد في الموضعين، يقول: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا جعفر بن عون- في الموضعين- قال: حدثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء. مُطابق في الإسناد والمتن، والبخاري لا يُكرر حديث بإسناده ومتنه..
المقدم: إلا لهدف، لنُكتة مُعينة.
مسألة الاستنباط هذه مفروغ منها، لكن مسألة التكرار بالمُطابقة هذا لا يفعله البخاري مُطلقًا، إلا في عشرين موضعًا. في نحو عشرين موضع من سبعة آلاف وثلاثمائة حديث، يعني هذه نادرة. فإذا كرر، لابد أن يُغيِّر إما في الإسناد أو في المتن أو في صيغ الأداء. يعني المتن فيه تقديم وتأخير يسير، لا يُعد تغييرًا. أو مثلاً فقال له أو قال، هذا ما يُعد تغييرًا. لكن هذا من المواضع التي كررها البخاري بسنده ومتنه، وأشار الحافظ ابن حجر أن البخاري لا يُكرر الحديث بسنده ومتنه في موضعين إلا في نحو عشرين موضعًا فقط. عشرون حديثًا هي التي فعل فيها هذا، وهذا بالاستقراء وهذا فيه صعوبة. لكن الآن من خلال الآلات، الكمبيوتر مثلاً، تأتي بحديث تُطابقه على حديث آخر، سهل، الآلات تُخرجه، لكن مَن يُخرج بنفسه بطريقته.
المقدم: هذا دليل أن ابن حجر- رحمه الله- غاص في الكتاب.
نعم، أحاط إحاطة تامة. ومع ذلك هو بشر.
في البخاري أربعة أحاديث يرويها البخاري- رحمه الله- بسندٍ أنزل من سند مُسلم، يعني البخاري يرويها عن شيخ بواسطة ومُسلم يرويها عن شيخٍ بدون واسطة، هذا في البخاري مبثوث، مبثوثة في البخاري وهذه من يستحضرها؟ ابن حجر يُنبِّه على حديث أن هذا رواه البخاري أنزل من مُسلم، فكيف العثور عليها؟ هذا لابد من قراءة الشرح؛ لأنه قد تقرأ مُسلمًا والبخاري ولا تنتبه. ما تنتبه لمثل هذه الأمور، لكن الشرح يُنبه. وبالكمبيوتر مثلاً، بلحظة يُخرجها لك. يعني قد يُتوصَّل إليها من خلال كتاب (عوالي مُسلم). (عوالي مُسلم) مطبوع، يُمكن أن يتوصل إليها. لكن الإنسان الذي توصل إلى المعرفة بنفسه، سيمر بفوائد كثيرة، وأيضًا هذه الأحاديث تبقى في ذهنه، تنحفر في قلبه. بينما من ضرب زر الكمبيوتر هذا وخرجت له في لحظة، المسألة.. العلم يحتاج إلى معاناة.
يقول ابن حجر: الحديث ظاهرٌ فيما ترجم له، كتاب (الأدب) باب صنع الطعام والتكلُّف للضيف، الحديث ظاهرٌ فيما تُرجِم له. ووقع في التكلُّف للضيف، حديث سلمان: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتكلَّف للضيف، أخرجه أحمد والحاكم.
أحيانًا يتكلَّف..
المقدم: أين ظاهر، يا شيخ؟ يقول: ظاهر، أين التكلُّف في القصة؟ ما تكلَّف لسلمان، صنع له طعام، ما جاء أنه طعام كثير.
صنع طعام، لكن الأصل أنه لواحد. يعني أبو الدرداء صائم، وقُدِّم لواحد، فلما عُزِم عليه وأفطر أكل معه، فدلَّ على أنه لأكثر من واحد. وإن كان الحديث: «طعام الواحد يكفي الاثنين»، لكن واضح أنه أكثر مما يحتاجه سلمان. يعني دقيقة هذه، أما كونه ظاهرًا ما هو بظاهر.
أما مسألة كونه فيه دلالة، فيه دلالة.
المقدم: يعني، يا شيخ، قد ما يكون ظاهرًا خصوصًا لمثل بيت أبي الدرداء المعروف- رضي الله عنه- بالزهد والورع، والقصص عنه كثيرة في ذلك.
لا، ظاهر، هذا أظهر، يعني من مثل أبي الدرداء ويُقدم طعامًا ظاهر أنه على خلاف الأصل. لكن لو جئت إلى بيت بعض الناس، وأنت واحد مثلاً أو عشرة، ما حسبوا لهم حسابًا، وكفاهم الطعام، هذا موجود عند بعض الناس. وبعض الناس يكون ضيفه واحدًا ويتكلَّف ويُقدم له من الأنواع والألوان ويُكثر منها، ويتعلل أن هذا من باب إكرام الضيف، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم ضيفه». وأيضًا هذا لا يدخل- على حد قوله- يدخل في الإسراف؛ لأنه يوجد من يأكله من أهل البيت مثلاً أو من الجمعيات، جيران فقراء أو ما أشبه ذلك. أما إذا لم يوجد من يأكله، لا شك أنه داخل في حيِّز السرف المنهي عنه.
وقع في التكلُّف للضيف حديث سلمان: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نتكلَّف للضيف، أخرجه أحمد والحاكم. وفيه قصة سلمان مع ضيفه حين طلب منه زيادة على ما قُدِّم له. سلمان جاءه ضيف، فقدم له طعامًا، قال: هات، طلب زيادة. فطلب زيادة على ما قُدِّم له، فرهَن مِطهرته بسبب ذلك، ثمَّ قال الرجل لما فرغ: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال له سلمان: لو قنعت، ما كانت مطهرتي مرهونة.
اقرأ الحديث الذي يليه.
المقدم: قال- رحمه الله-: عَنْ عَائِشَةَ- رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.
نعم، راوية الحديث: أم المؤمنين، الصديقة بنت الصديق، عائشة بنت أبي بكر، مرَّ ذكرها مرارًا ومناقبها أكثر من أن تُحصر.
والحديث ترجم عليه الإمام البخاري: بابُ صوم شعبان. قال ابن حجر: قوله: باب صوم شعبان، أي: استحبابه، وكأنه لم يُصرح بذلك؛ لما في عمومه من التخصيص وفي مُطلقه من التقييد، كما سيأتي بيانه.
يعني ما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان، عمومه مخصوص وإطلاقه مُقيَّد، على ما سيأتي بيانه- إن شاء الله تعالى.
وسُمي شعبان، يعني الأشهر تسميتها قديمة وأيضًا مُعللة بأسباب، رمضان؛ لأنه أتى في ذلك الوقت- وقت التسمية- وقت حرٍّ شديد، الرمضاء شديدة وما أشبه ذلك. وشعبان، قالوا: لتشعبهم في طلب المياه أو في الغارات، يُغيرون، العرب في الجاهلية كانوا يُغير بعضهم على بعض، نهب وسلب وما أشبه ذلك.
المقدم: خصوصًا بعد رجب، يا شيخ.
نعم.
وفي الغارات بعد أن يخرج شهر رجب الحرام؛ لأنهم ممنوعون، وهذا أولى من الذي قبله وقيل فيه غير ذلك.
وقال العيني: أي هذا بابٌ في بيان فضل صوم شهر شعبان وهذا الباب أول شروعه في التطوعات من الصيام، يعني الذي يليه من الأبواب في صيام التطوع، وهذا أول الأبواب التي في صيام التطوع.
يقول: واشتقاق شعبان من الشَّعب وهو الاجتماع، سُمي به؛ لأنه يتشعب فيه خيرٌ كثير كرمضان. وقيل: لأنهم كانوا يتشعبون فيه بعد التفرقة. ويُجمع على شعابين وشُعبانات.
كيف يتشعبون بعد التفرقة؟ الآن هل التشعب التفرق أو الاجتماع؟
يقول: اشتقاق شعبان من الشعب وهو الاجتماع، سُمي به؛ لأنه يتشعب فيه خيرٌ كثير- يعني يجتمع فيه خيرٌ كثير- كرمضان. وقيل: لأنهم كانوا يتشعبون فيه بعد التفرقة. ويُجمع على شعابين وشُعبانات.
في كلام ابن حجر: وسُمي شعبان؛ لتشعبهم في طلب المياه- يعني لاجتماعهم أو لتفرقهم؟
المقدم: التفرق.
أو في الغارات مثلاً.
المقدم: يتشعبون، كل قبيلة، كل كتيبة تخرج في غارة مُعينة.
لكن الاجتماع مُحتمل أيضًا، هم يجتمعون على الماء ويجتمعون على الغارة على شيءٍ مُعيَّن. فالمسألة مُحتملة.
وقال ابن دريد: سُمي بذلك لتشعبهم فيه، أي: لتفرقهم في طلب المياه، يعني عكس ما تقدَّم.
وفي (المُحْكَم): سُمي بذلك لتشعبهم في الغارات..
عندنا ابن دريد له كتاب اسمه؟ في اللغة، كتاب مشهور من الكتب المتقدمة وإن كان فيه بعض ما يُلاحظ عليه، اسمه (الجمهرة).
في (المُحْكَم) لمَن؟ هذا مرَّ بنا مرارًا، لابن سيده.
سُمي بذلك لتشعبهم في الغارات.
وقال ثعلب: قال بعضهم: إنما سُمي شعبان؛ لأنه شَعَب، أي: ظهر بين رمضان ورجب.
وعن ثعلب: كان شعبان شهرًا تتشعب فيه القبائل، أي: تتفرَّق؛ لقصد الملوك والتماس العطية. مع أن تشعبهم وتفرقهم لقصد الملوك، الأولى أن يكون في رجب؛ لأنهم يأمنون على أنفسهم. أما إذا تشعبوا وقصدوا الملوك؛ التماسًا للعطية ...
المقدم: ثمَّ قُطِع عليهم الطريق ...
نعم، وإن كان قصده أنهم في رمضان ليتفرغوا للعبادة، لاسيما إذا كان الكلام بصدد مسلمين، فهم يجمعون ما يُحتاج إلى جمعه قبل دخول رمضان، فتجدهم يتسببون لجمع ما يحتاج إليه في رمضان، هذا مجرد توجيه.
المقدم: لكن التسمية أقدم.
نعم، معروف، لكن هذا مجرد توجيه، فإن كان هذا فلا بأس.
مُطابقة الحديث للترجمة كما في (عُمدة القاري) في قوله: وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان.
قوله: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول: لا يُفطِر، يعني ينتهي صومه إلى غاية أن نقول: إنه لا يُفطِر. بمعنى أنه يسرد الصوم، حتى يقول القائل: إنه لا يُفطِر. وإذا جاء في هذه الفترة وافد على المدينة، قال: النبي- عليه الصلاة والسلام- لا يُفطِر. فينتهي إفطاره إلى غاية حتى نقول: إنه لا يصوم، يعني ينتهي صومه إلى غايةٍ نقول: إنه لا يُفطِر، وينتهي إفطاره إلى غايةٍ حتى نقول: إنه لا يصوم، بمعنى أنه يسرد الفِطر؛ وذلك لأن الأعمال التي يتطوع بها ليست منوطةً بأوقاتٍ معلومة، وإنما هي على قدر الإرادة لها والنشاط فيها.
لكن هذا الكلام أيضًا ليس على إطلاقه، فهي منوطة بأوقات فاضلة ومفضولة. ويبقى أن عموم الأوقات محل للصيام، عدا الأيام التي ورد النهي عنها.
النبي- عليه الصلاة والسلام- يصوم حتى يُقال: لا يُفطِر، ويُفطِر حتى يُقال: لا يصوم، ومع ذلك حث على صيام داود، وقال: إنه «أحب الصيام إلى الله».
المقدم: صيام يوم وإفطار يوم.
نعم، ومع ذلك ما فعله.
المقدم: فيه مشقة، يعني جاء صح الخبر، قال: «أفضل الصيام صيام داود، لولا ما فيه من المشقة» علينا.
المقصود أنه مع تكلفه فاضل؛ لأن الخبر في سياق مدح، سياقه مساق مدح. فمن فعله، فقد فعل أفضل الصيام. لكن بما لا يُعارض ما جاء في شرعنا، يعني تخصيص الجمعة بالصوم مثلاً، صام الأربعاء ويصوم الجمعة ويصوم الأحد. نقول: لا، لا يصوم الجمعة.
ولعل صوم النبي- عليه الصلاة والسلام – على هذه.....
المقدم: لماذا لا يصوم الأحد، يا شيخ؟
ما نقول: الأحد، الجمعة، قال: افطري.
المقدم: لكن صيام يوم وإفطار يوم.
لكن لابد أن يُصام قبله يوم أو بعده يوم، النبي- عليه الصلاة والسلام- قال لأم المؤمنين وقد صامت يوم الجمعة: «صُمتِ أمس؟» قالت: لا، قال: «أتصومين غدًا؟» قالت: لا، قال: «فافطري». فلا يجوز إفراد الجمعة بالصوم.
المقدم: ما يُقال إنه يعرف من حالها أنها لم تلتزم صيام داود وهو أفضل.
المقصود أن ما جاء في شرعنا يُقدم على ما جاء في عموم مثل هذا الخبر.
النبي- عليه الصلاة والسلام- قد يقول قائل: إنه في صنيعه الوارد في هذا الحديث، أنه يريد أن يُحقق صيام داود، فيجمع الأيام التي تُصام ويصوم بقدرها ثمَّ يُفطِر بقدرها؛ ليصح في حقه أنه صام يومًا وأفطر يومًا.
وعلى كل حال، هذه عادته وهذا ديدنه.
قالت: فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بالفاء فما. ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: وما، استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان. وهذا يدلُّ على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصُم شهرًا تامًّا غير رمضان. يعني في الحديث الذي يليه: وكان يصوم شعبان كله، حديث عائشة، الرواية الأخرى التي اختصرها المؤلف.
المقدم: اختصرت هنا، نعم.
نعم، وإلا فالأصل: وكان يصوم شعبان كله.
وهذا يدلُّ على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصُم شهرًا تامًّا غير رمضان، قال العيني: فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي سلمة عن أم سلمة: لم يكن يصوم في السنة شهرًا كاملاً إلا شعبان، يصله برمضان.
يعني حديث عائشة الذي يلي هذا: وكان يصوم شعبان كله، وهذا يُعارض الحديث المشروح: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان. والحديث الذي يليه، حديث عائشة: وكان يصوم شعبان كله.
يعني التعارض ظاهر.
المقدم: والراوي واحد.
حتى إنه من طرفه، طرف لهذا الحديث، القصة واحدة.
يقول العيني: فإن قلت: روى أبو داود من حديث أبي سلمة عن أم سلمة: لم يكن يصوم في السنة شهرًا كاملاً إلا شعبان، يصله برمضان.
يعني لو أورد الحديث الذي يليه وهو يشرح الكتاب، وهو في البخاري، لكان أولى.
وهذا يُعارض حديث عائشة، وكذا روى الترمذي من حديث سالم بن أبي الجعد، عن أبي سلمة، عن أم سلمة قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. وهذا أيضًا يُعارضه.
قلت: قال الترمذي: روي عن ابن المبارك- هذا فيه كلام كثير لأهل العلم- قلت: قال الترمذي: روي عن ابن المبارك أنه قال في هذا الحديث، قال: هو جائزٌ في كلام العرب، إذا صام أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله. ويُقال: قام فلان ليله أجمع، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره. ثمَّ قال الترمذي: كان ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين مُتفقين، يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر.
يقول العيني: وقال شيخنا زين الدين، زين الدين مَن؟ العراقي، نعم، في (شرح الترمذي)، وذكرنا مرارًا أن (شرح الترمذي) من أفضل ما كُتِب على (جامع الترمذي)، والناس في أمس الحاجة إليه ومع ذلك لم يُطبَع إلى الآن، وهو مُحقق في رسائل وهو تكملة لشرح ابن سيد الناس.
يعني لو طُبِع هذا أفاد طلبة العلم كثيرًا، يعني يُمكن يسد الثغرة التي حصلت بفقد شرح ابن رجب على الترمذي. يعني شرح ابن رجب، إذا نظرنا إلى حال الإمام- رحمه الله- ابن رجب، تحسرنا عليه. لكن مع ذلك، لو طُبِعَ هذا الكتاب، لسد شيئًا من فقد شرح ابن رجب.
المقدم: الرسائل العلمية قُدمت هنا، يا شيخ؟ في الجامعات هنا؟
نعم، أظن في الجامعة الإسلامية وجامعة أم القرى.
وهو تكملة لشرح ابن سيد الناس. شرح ابن سيد الناس طُبِع منه جزآن في شيءٍ يسيرٍ منه، والمُحقق- وفقه الله- أكثر التعليقات عليه. نعم تعليقات مفيدة ونفيسة وبحث بعض المسائل يصلُح أن يكون رسائل، بل كتبًا، قد يُعلِّق على راوي في سبعين صفحة، ويجمع فيه كل ما قيل فيه ببحوث قد لا يُستغنى عنها، لكنه مع ذلك مثل هذه التعاليق يعوق عن إخراج الكتاب، متى ينتهي الكتاب إذا كان بهذه المثابة؟
قال العيني: وقال شيخنا زين الدين- رحمه الله-: هذا فيه ما فيه؛ لأنه قال فيه: إلا شعبان ورمضان، فعطفُ رمضان عليه يُبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره؛ إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه. والعطف يقتضي المُشاركة فيما عُطِف عليه، وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول: إن اللفظ الواحد يُحمَل على حقيقته ومجازه، وفيه خلافٌ لأهل الأصول. انتهى كلام الحافظ العراقي وله ارتباط بما بعده.
الحافظ العراقي يقول: هذا فيه ما فيه- كلام ابن المبارك؛ لأنه في الترمذي يقول، تقول أم سلمة: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان. ابن المبارك يقول: يجوز أن يُقال الكل للأكثر، فكان يصوم أكثر شعبان، فصح أن يُقال: أكثر. فماذا عن رمضان؟ هل يُمكن أن يُقال هذا؟
المقدم: لا، كامل رمضان جزمًا.
لابد أنه كامل. أو نقول: إنه يصوم شهرين متتابعين، يعني كاملين، والمقصود الأكثر من شعبان، ورمضان الكل.
المقدم: يعني هذا السؤال يحتاج إلى توجيه وحل.
لابد، فهي قضية تحتاج إلى بحث.
المقدم: إذًا نتركه مطلع الحلقة القادمة- بإذن الله تعالى- على أن نبدأ بهذا الموضوع.
بهذا أيها الإخوة والأخوات، نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب ((الصوم)) في كتاب ((التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح)).
شكرًا لطيب متابعتكم، لقاؤنا بكم – بإذن الله تعالى – وأنتم على خير في حلقةٍ قادمة.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يُعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحُسن عبادته.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.