شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 23
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيُّها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا ومرحبًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصوم من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية هذه الحلقة يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور
حيَّاكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
لا زلنا- أحسن الله إليكم- في حديث عائشة –رضي الله تعالى عنها- في باب صوم شعبان، الإشكال في كون اللفظ الوارد أنه صام شعبان كله وتوجيه هذه القضية، هل صام شعبان كله؟ هل إطلاق العرب للكل ويُراد به الأغلب يستقيم مع أنها قالت: في رمضان أيضًا، كيف يمكن حل هذا الإشكال يا شيخ؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
في حديث عائشة تقول: «ما رأيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان»، وفي حديثها الذي يليه، وقد جعله المُرقِّم محمد فؤاد عبد الباقي طرفًا لهذا الحديث، فمعنى هذا أنهما حديث واحد.
المقدم: واحد.
ماذا تقول؟ نعم، «وكان يصوم شعبان كله» هذا لا شك أنه إشكال، وذكر وتقدم في الحلقة السابقة في كلام ابن المبُارك فيما نقله عنه الترمذي، أنه قال في هذا الحديث: هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر يُقال: صام الشهر كله، ويُقال: قام فلان ليله أجمع، ولعله تعشى واشتغل بأمره، هذا تقدَّم.
المقدم: ما جاء بها المحقق أو الدرس الثاني ما أوردها في الزوائد لماذا؟ يرى أنها حديث واحد أيضًا؟
نعم، كيف؟
المقدم: يعني المفترض أن الزبيدي-رحمه الله- أغفل بعض الأحاديث اعتقد أنها في الاختصار، مع أنه المفترض أن تأتي في الزوائد.
التي هي ..
المقدم: حديث عائشة، يصوم شعبان كله. لمَ لمْ يدخلها على أساس أنها جزء من هذه الرواية؟
لا، هو جاء بما اعتمده ورأى أن الحُكم بصيام أكثر شعبان لا بجميعه، واستغنى عن هذه اللفظة؛ لأن أهل العلم أجابوا عنها، واعتمدوا الرواية التي أثبتها؛ أكثر شعبان.
المقدم: مع أنها لم ترِد قبل،
كيف؟
المقدم: في أي موضع؟
إلى ما وردت
المقدم: بناءً على قاعدتها، أليس المُفترض أن يأتي بها؟
لا، هو لاحظ أن المسألة؛ مسألة الحكم الشرعي، يقوم بها أكثر من أكثر صيامًا منه في شعبان، فالحث على أكثر شعبان. لا جميع شعبان. ثم قال الترمذي: كان ابن مرقد رأى كلا الحديثين متفقين يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر. قال شيخنا زين الدين –رحمه الله- يقوله العيني: هذا فيه ما فيه؛ لأنه قال فيه: إلا شعبان ورمضان، فعطف رمضان عليه يُبعد أن يكون المراد بشعبان أكثره؛ إذ لا جائز أن يكون المراد برمضان بعضه، والعطف يقتضي المشاركة فيما عُطِف عليه، وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول: إن اللفظ الواحد يُحمَل على حقيقته ومجازه، وفيه خلاف لأهل الأصول انتهى. يعني هل يمكن أن يُحمل اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه؟
المقدم: في آنٍ واحد.
نعم، نعم، يعني في الحديث السابق أتينا بـ حينما أمر سلمان أبا الدرداء أن يُفطر، واحتج أهل العلم على عدم إبطال العمل بقوله –جل وعلا-: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد:33]، النهي الأصل فيه حقيقته التحريم.
المقدم: نعم.
وقررنا أنه للتحريم فيما إذا كان المُبطل..
المقدم: واجبًا
واجبًا، وللكراهة فيما إذا كان ..
المقدم: المُبطَل
المُبطَل
المقدم: مُستحبًّا.
نعم، إذًا استعملنا اللفظ الواحد في معنييه.
والأكثر لا، لا يُجيزون مثل هذا. نعم، فإما أن يكون للتحريم أو للكراهة.
المقدم: نعم
فهذا يوضح ما عندنا، يقول: وإن مشى ذلك فإنما يمشي على رأي من يقول: إن اللفظ الواحد يُحمل على حقيقته ومجازه، وفيه خلاف لأهل الأصول. انتهى.
يقول العيني: قلت: لا يمشي هنا ما قاله على رأي البعض أيضًا، حتى من جوَّز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه لا يمكن أن يمشي، لماذا؟ قلت: لا يمشي ها هنا ما قاله على رأي البعض أيضًا؛ لأن من قال ذلك قال في اللفظ الواحد، وهنا لفظان شعبان ورمضان. لا بد من أن ننتبه لهذه الدقائق، يعني العيني يستدرك على شيخه الحافظ العراقي، فهل الحق مع العراقي أو مع العيني؟
المقدم: مع العيني.
يقول: قلت: لا يمشي هنا على ما قاله على رأي البعض أيضًا؛ لأن من قال ذلك قال: في اللفظ الواحد، وهنا لفظان شعبان ورمضان.
المقدم: صحيح.
يمشي أم ما يمشي؟
المقدم: ما يمشي إذا كان المراد بكل الأغلب يمشي على شعبان.
طيب.
المقدم: ولا يستقيم على رمضان، كل بمعني الأغلب.
إذًا إنك ما أدركت المحز الذي يريده لا العراقي ولا العيني.
المقدم: نعم.
الآن الجمع بين شعبان ورمضان في صيام الكل.
المقدم: نعم.
الحافظ العراقي يقول: الاستعمال يجوز مثل هذا؛ كلام ابن المبارك ..
المقدم: يُطلق هنا في المراد.
في الكل، في اللفظ الواحد الذي هو الكل، فنستعمله في رمضان في حقيقته جميعه.
المقدم: ونستعمله.
وفي شعبان فيه أكثرية.
المقدم: كما استعملنا نحن قبل قليل في قاعدة الإبطال.
نعم، العيني يقول: لا، ما بلفظ الواحد يُستعمل في حقيقته ومجازه، هما لفظان شعبان ورمضان، فنقول: لا، ليس مراد الحافظ العراقي شعبان ورمضان لا، إنما يريد الكل.
المقدم: لفظ الكل الوارد في الحديث.
نعم، «شهرين متتابعين».
المقدم: صح.
ما صام شهرين متتابعين، يعني قصد الحافظ العراقي إطلاق الكل في معنييه، فقد يُطلق على الجميع وهذا هو الأصل وقد يُطلق على الأكثر كما في كلام ابن المبارك، وكلامه لا غبار عليه.
المقدم: جميل.
لكن العيني ما انتبه لمثل هذا، وكثير ما يقع مثل هذا؛ لأن بعض الناس لا، يمكن في موضع آخر، يعني في قضية أخرى انتبه لها العيني وقرر مثل هذا، لكنه وهو مشغول بالرد..
المقدم: لا ينتبه.
قد لا ينتبه لمثل هذه الأمور، وهذه تمشي على بعض الناس، فلابد من الانتباه لها. فننظر إلى المحك، لابد أن نُحرر الموضع المتنازع فيه بدقة من أجل إما أن نُصوِّب أو نُخطِّئ.
قلت: المراد باللفظ هذا من عندي، المراد باللفظ في كلام الحافظ زين الدين العراقي كاملًا، يعني كله متتابعين هذا فيُحمل على الكل بالنسبة لرمضان، والأكثر بالنسبة لشعبان، فيستقيم كلام الحافظ العراقي.
وقال ابن التين: إما أن يكون في أحدهما وَهم، إما أن تكون الرواية الأولى كله وهم. أو الثاني أو التي قبلها الرواية الأولى «ما رأيت الرسول-صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيت أكثر صيام» إما أن تكون هذه وَهم، أو الرواية الثانية: «وكان يصوم شعبان كله».
المقدم: كله وَهم.
وهم، أحدهما وهم. يقول ابن التين: إما أن يكون في أحدهما وهم، أو يكون فعَل هذا وهذا، مرة صامه كله، ومرة صام أكثره، أو أطلق الكل على الأكثر مجازًا، وقيل: كان يصومه كله في سنة وبعضه في سنة أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة منهما لا يُخلي منه شيئًا بلا صيام. يعني سنة مثلًا يصوم العشر الأول من شعبان، والسنة التي تليها يصوم العشر الأواسط، والسنة الثالثة يصوم العشر الأواخر، ويُلفِّق من الثلاث سنوات أنه صام الشهر كله، نعم، هذا فيه بُعد.
المقدم: صحيح.
يعني مثل من يقول: من استغرق ساعات يوم الجمعة، أدرك ساعة الاستجابة بلا ريب. يقول: يجلس مثلًا في المسجد الجامع مثلًا الذي تُصلى فيها الجمعة، من صلاة الفجر ساعتين أو ثلاث ثم يخرج، في الجمعة القادمة يبدأ من حيث انتهى، خرج الساعة الثامنة، يأتي هذه الجمعة الساعة الثامنة.
المقدم: ويجلس إلى العاشرة.
إلى العاشرة، ثم بعد ذلك يأتي من العاشرة إلى أن يصلي، ثم بعد ذلك يأتي متأخرًا مع دخول الإمام ويجلس إلى العصر مثلًا، ثم بعد ذلك يصلي العصر ويجلس إلى المغرب فيكون قد أدرك، جلس اليوم كاملًا وأدرك ساعة الإجابة بلا محالة، هذا يُدركه إذا كانت الساعة ثابتة. أما من يقول: إنها تتنقل أحيانًا مع دخول الإمام وأحيانًا في آخر اليوم، أو من يقول مثلًا: أنها في آخر ساعة، وهذا قول الأكثر، فهذا الكلام يعني لا وجه له. وأيضًا من قال: إنه تارة يصوم أوله، وتارة يصوم أثناء ..
المقدم: وسطه.
هذا لا يتأتى هنا. «وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان»، «وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان»، كذا للأكثر أو لأكثر رواتب النصب. «أكثر صيامًا»، «ما رأيته أكثر»، وحكى السُّهيلي أنه ُروي بالخفض: ما رأيته
المقدم: أكثرِ صيامٍ.
لا، صيامٍ.
المقدم: وليس أكثر.
نعم، الخلاف في صيام.
ما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان، كذا لأكثر الرواة بالنصب، وحكى السهيلي أنه روي بالخفض أكثر صيامٍ، يعني على الإضافة.
المقدم: جيد.
وهو وهمٌ، ولعل بعضهم كتب صيامً بغير ألف على رأي من يقف على المنصوب بغير ألف، اللغة يسمونها الربعية، لغة ربيعة، يقفون على المنصوب بغير ألِف، ما تقول: رأيت محمدًا، رأيت محمدً يقرأ، تقول: رأيت محمدَ يقرأ، أو رأيت محمدَ بدون ألف، بدون تنوين، هذه لغة ربيعة، وإذا قلت: سمعت، إذا قال مثلًا التابع: سمعت أنسَ ... ابن مالك، هذا لغة ربيعة وإلا في الأصل أن يقول:
المقدم: أنسًا.
سمعت أنسًا ابن مالك، يقول: ولعل بعضهم كتب صيامً بغير ألِف، على رأي من يقف على المنصوب بغير ألف فتوهمه مخفوضًا، أو أن بعض الرواة، أو أن بعض الرواة ظن أنه مضاف؛ لأن صيغة أفعل تضاف كثيرًا، فتوهمها مضافًا، وذلك لا يصح هنا قطعًا، قاله الزركشي في التنقيح، وابن حجر، وقوله: أكثر بالنصب وثاني مفعولي رأيت بالنصب، ثاني مفعولي رأيتُ، وقوله: «في شعبان»، يتعلق بصيامًا، والمعنى كان يصوم في شعبان وغيره، والمعنى: كان يصوم في شعبان وغيره، وكان صيامه في شعبان تطوعًا أكثر من صيامه فيما سواه؛ لأن أفعل التفضيل أكثر تقتضي الاشتراك بين الأشهر، وأنه كان يصوم منها، يصوم فيها، إلا أنه في شعبان يزيد عليها، وهذا مقتضى التفضيل.
من شعبان زاد في حديث يحيى بن أبي كثير: «فإنه كان يصوم شعبان كله»، والرواية التي في الباب نفسه، ورواية يحيى ذكرها البخاري في الباب نفسه قال الكرماني: «كله»، فإن قلت: كيف يُجمع بينه وبين ما قالت عائشة: «ما استكمل صيام شهر إلا رمضان» قلت: المراد من الكل الجُل أو هو تخصيص آخر بعد التخصيص الحاصل بالاستثناء، وقال الزركشي: وقوله: «وكان يصوم شعبان كله» يحتاج إلى الجمع بين هذا وبين رواياتها الأولى «وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان»، فقيل: الأول مُفسر للثاني ومُخصص له، وأن المراد بالكل الأكثر، وقيل: بل كان يصومه مرة كله، ومرة ينقص منه؛ لئلا يتوهم وجوبه، يعني يترك بعضه لبيان الجواز.
وقال الزين بن المنير كما في فتح الباري: إما أن يُحمل قول عائشة على المبالغة، والمراد الأكثر، وإما أن يُجمع بأن قولها الثاني متأخرٌ عن قولها الأول، فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان، وأخبر الثاني عن آخر أمره أنه كان يصومه كله.
قال ابن حجر: ولا يخفى تكلفه، والأول يعني ما جاء في كلام ابن المبارك الذي سبق نقله عن الترمذي عنه، والأول، يعني ما جاء في كلام ابن المبارك الذي سبق نقله عن الترمذي عنه ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة– رضي الله عنها- عند مسلم، وسعد بن هشام عنها عند النَّسَائي ولفظه: «ولا صام شهرًا كاملًا قط منذ قدِم المدينة غير رمضان» وهو مثل حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعد هذا. قال بسنده عن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: «ما صام النبي-صلى الله عليه وسلم- شهرًا كاملًا قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يُفطِر، ويُفطِر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم»، وسيأتي حديث أنس في المختصر إن شاء الله تعالي.
وقال العيني: فإن قلت: كيف التوفيق بين هذه الأحاديث وبين حديث أبي هريرة الذي رواه أهل السنن «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»؟ يعني مقتضى حديث الباب يصوم أكثر شعبان، أن يصوم بعد الانتصاف.
المقدم: بعد الانتصاف.
نعم، «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»، لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي: «إذا بقي نصفٌ من شعبان فلا تصوموا»، ولفظ النسائي: «فكفُّوا عن الصوم»، ولفظ ابن ماجه: «إذا كان النصف من شعبان فلا صوم». قلت- العيني-: أما أولًا فقد اُختلِف في صحة هذا الحديث «إذا انتصف شعبان» اُختلِف في صحة هذا الحديث، فصححه الترمذي، وابن حبَّان، وابن عساكر، وابن حزم، وضعَّفه أحمد فيما حكاه البيهقي عن أبي داود، قال: قال أحمد: هذا حديث مُنكر، قال: وكان عبد الرحمن لا يُحدِّث به، عبد الرحمن بن مهدي، كان لا يُحدِّث به، وأما ثانيًا فقال قوم: بأن أبا هريرة كان يصوم في النصف الثاني من شعبان، فدلَّ على أن ما رواه منسوخ، يعني في أول الأمر نُهي عن صيام النصف الثاني من شعبان؛ لئلا يُتقدم رمضان، أو لئلا يُظن أنه يختلط برمضان وما أشبه ذلك فنُسخ، وقيل: يُحمَل النهي على من لم يدخل على من لم يُدخِل تلك الأيام في صيام اعتاده، يعني ما دخل في صيام اعتاده، يعني ما اعتاد أن يصوم إلا النصف الثاني من شعبان، هذا لا يُنهي عنه، ومما يُضعفه، يُضعف الحديث، مفهوم حديث أبي هريرة المُتقدِّم عند المصنف عن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومًا، فليصم ذلك الصوم» فإن مفهومه جواز تقدم رمضان ..
المقدم: بثلاثة أيام مثلًا.
نعم.
المقدم: بأربعة.
بأكثر من ذلك.
المقدم: نعم.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز-رحمه الله- في الجزء الخامس عشر صفحة خمسة وثمانين وثلاثمائة، يقول الشيخ –رحمه الله-: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان كله، وربما صامه إلا قليلًا كما ثبت ذلك من حديث عائشة وأم سلمة، أما الحديث الذي فيه النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان فهو صحيح كما قال الأخ العلاَّمة الشيخ ناصر الدين الألباني، والمراد به النهي عن ابتداء الصوم، النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف، أما من صام أكثر الشهر، أو الشهر كله، فقد أصاب السُّنة، والله ولي التوفيق.
يقول ابن حجر: اُختلِف في الحكمة في إكثاره –صلى الله عليه وسلم- لصوم شعبان، فقيل: كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر بسفر أو غيره فتجتمع، يعني جاء حثه –عليه الصلاة والسلام- على صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فكان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان، يعني الأشهر الماضية من كل شهر ثلاثة أيام، افترضنا مثلًا عنده عشرة أشهر ما صام ثلاثة أيام فإذا اجتمعت، أو تسعة أشهر مثلًا، فإذا اجتمعت صار مجموع قد تأتي على مجموعه، وقد تأتي على غالبه. اُختلِف في الحكمة من إكثاره –صلى الله عليه وسلم- من صوم شعبان، فقيل: كان يشتغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر لسفر أو غيره فتجتمع، فيقضيها في شعبان، أشار إلى ذلك ابن بطَّال، وفيه حديث ضعيف أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن أبيه عن عائشة قالت: «كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصوم ثلاثة أيام من كل شهر» فربما أخَّر ذلك حتى يجتمع عليه صوم السنة فيصوم شعبان.
وابن أبي ليلى ضعيف، والمراد به محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه القاضي المشهور مُضعّف لسوء حفظه، وحديثه الذي بعده، حديث الباب والحديث الذي بعده دال على ضعف ما رواه. قيل كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان. تخصيص شعبان بهذا إنما كان لتعظيم رمضان، وورد فيه حديث آخر أخرجه الترمذي من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس، وصدقة بن موسى الدقيقي مُضعف عند أهل العلم. عن ثابت عن أنس، من طريق صدقة بن موسى عن ثابت عن أنس قال: «سئل النبي-صلى الله عليه وسلم- أي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: شعبان لتعظيم رمضان». قال الترمذي: حديث غريب، وصدقة عندهم ليس بذاك القوي، قلت -القائل ابن حجر-: ويعارضه ما رواه مسلم عن حديث أبي هريرة مرفوعًا «أفضل الصوم بعد رمضان صوم المُحرَّم» صوم المُحرَّم، وقيل: الحكمة في إكثاره من الصيام في شعبان دون غيره أن نساءه كُنَّ يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان، وقيل: الحكمة في إكثاره من الصيام في شعبان دون غيره أن نساءه كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان، وهذا عكس ما تقدَّم من الحكمة في كونهن يؤخِّرن قضاء رمضان إلى شعبان..
لأنه ورد فيه أن ذلك لكونهن كن يشتغلن معه عن الصوم، وقيل: الحكمة في ذلك أنه يعقبه رمضان وصومه مُفترض، وكان يُكثِر من التطوع في شعبان قدر ما يصوم في شهرين غيره لما يفوته من التطوع بذلك في أيام رمضان، يعني يزيد من التطوع في شعبان؛ لأنه لا يستطيع أن يتطوع في رمضان، والأَولى في ذلك ما جاء في حديثٍ أصح مما مضى، يقوله ابن حجر: والأَولى في ذلك ما جاء في حديث أصح مما مضى أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خُزيمة عن أسامة بن زيد قال: «قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين»، يقول: «ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم» يعني غفلة الناس عن الشيء هل هو مبرر لشرعيته؟ يعني لو قال قائل: الناس في الساعة العاشرة صباحًا كلهم غافلون عن العبادة، الموظف في عمله، التاجر في متجره، الطالب في مدرسته وهكذا.
المقدم: إذا كان من النبي –صلى الله عليه وسلم- مبررًا.
أو نقول: إن الحكمة أو العِلة مركبة، لكونه يُغفل عنه وتُرفع فيه الأعمال، فلا يتم إلا بالعِلة المركبة. العمل، الحُكم المُعلَّل بعِلة مركبة لا بد من توافر العلتين، لكن ألا تستقل العِلة الثانية «وتُرفع فيه الأعمال لرب العالمين»؟ نعم، يُكتفى بهذه العِلة، يعني كما في صيام يوم الاثنين، وهي أيضًا عِلة مركبة، «يوم وُلِدت فيه وتُرفع فيه الأعمال»، فلا يستقل كونه وُلِد في الاثنين أن تُشرع فيه أعمال لم تُشرع، فالعلل المركبة لابد من توافرها لترتب الحكم، «فأُحب أن يُرفع عملي وأنا صائم» ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه: «إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة فأُحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم». وعلى كل حال شعبان ورد فيه أحاديث كثيرة، شعبان ورد فيه أحاديث كثيرة، وأكثرها ضعيفة وموضوعة، ومنها ما يقبل التحسين، وقد حسًّن ابن رجب في لطائف المعارف بعضها، لكن عمومها ضعيف.
المقدم: حديث النصف؟
حديث النصف ضعيف، وإن حسَّنه ابن رجب، وعلى كل حال ما جاء في حديث الباب من أصح الصحيح في البخاري؛ كونه يُخص بمزيد من الصيام.
المقدم: نعم، جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم، نسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا وإياكم لكل خير.
أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب الصوم في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. شكرًا لطيب متابعتكم نلقاكم بإذن الله تعالى في حلقة قادمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.