شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1427 هـ) - 30
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب الصيام من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح والذي نستضيف فيه صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: كنا وعدنا الإخوة والأخوات أن نكمل هذه الحلقة بسرد أقوال أهل العلم في مسألة صيام الدهر وترجيح القول بإذن الله لعلنا نستكمل يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد، فقد مضى بعض الأقوال التي فيها أقوال من كرِه صوم الدهر ومن حرمه، وبقيت وبقية الأقوال نذكرها في هذه الحلقة، إن شاء الله تعالى.
يقول ابن حجر: ذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر، ذهب آخرون إلى جواز صيام الدهر وحملوا أخبار النهي على من صامه حقيقة فإنه يدخل فيه ما حُرِّم صومه كالعيدين، وهذا اختيار ابن المنذر وطائفة، ورُوي عن عائشة نحوه وفيه نظر، يقول ابن حجر: وفيه نظر؛ لأنه –صلى الله عليه وسلم- قد قال جوابًا لمن سأله عن صوم الدهر:«لا صام ولا أفطر» «لا صام ولا أفطر وهو يُؤذِن بأنه ما أُجِر ولا أثِم»، ومن صام الأيام المحرمة لا يُقال فيه ذلك؛ لأنه عند من أجاز صوم الدهر إلا الأيام المحرمة يكون فَعَل مُستحبًا وحرامًا.
المقدم: على قول ابن المنذر أو رأي ابن المنذر.
لا، ابن المنذر انتهى في اختيار.
المقدم: لكن ابن المنذر اختياره أن التحريم بسبب اشتمال صيام الدهر على العيدين.
نعم، لكن وفيه نظر هذا لابن حجر.
المقدم: نعم، في الرد عليه.
لأنه قد قال جوابًا لمن سأله عن صيام الدهر: «لا صام ولا أفطر وهو يؤذن بأنه ما أُجِر ولا أثِم»
المقدم: نعم.
كأنه لم يفعل شيئًا.
المقدم: نعم.
ومن صام الأيام المحرمة لا يُقال فيه ذلك؛ لأنه عند من أجاز صيام الدهر إلا الأيام المحرمة يكون قد فعل مستحبًّا وفعل حرامًا، وأيضًا فإن أيام التحريم مستثناة بالشرع، غير قابلة للصوم شرعًا، فهي بمنزلة الليل، وأيام الحيض فلم تدخل في السؤال عند من علِم تحريمها، ولا يصلح الجواب بقوله: «لا صام ولا أفطر» لمن لم يعلم تحريمها. نعم، المستثنى شرعًا لا يحتاج للتنصيص عليه.
المقدم: صحيح.
يعني لو أن إنسانًا استأجر أجيرًا نعم، النهار كله، هل يُحتاج أن يقول المستأجر والأجير من المسلمين يحتاج أن يقول الأجير: أستثني وقت الصلاة؟ ما يحتاج، ما يحتاج أن يقول: أستثني وقت الصلاة؛ لأنه مُستثنى شرعًا.
المقدم: صحيح.
تقدَّم ذكر من قال بالكراهة ومن قال بالتحريم، وقال ابن حجر: ذهب إلى جواز صيام الدهر، وذهب آخرون إلى استحباب صيام الدهر لمن قوي عليه ولم يفوِّت فيه حقًّا، وإلى ذلك ذهب الجمهور. قال السبكي: أطلق أصحابنا كراهة صوم الدهر لمن فوَّت حقًّا، ولم يوضحوا هل المراد بالحق الواجب أو المندوب، ويتجه أن يُقال: إن عُلم أنه يفوت حقًّا واجبًا حَرُم، وإن عُلم أنه يفوت حقًّا مندوبًا أولى من الصيام كُرِه وإن كان يقوم مقامه فلا، وإلى ذلك أشار ابن خزيمة فترجم بقوله: باب ذكر العِلة التي بها زجر النبي-صلى الله عليه وسلم- عن صوم الدهر، وساق الحديث الذي فيه «إذا فعلت ذلك هجمت عينك، ونفهت نفسك»، ومن حُجتهم حديث حمزة بن عَمروٍ الذي مضى فإن في بعض طرقه عند مسلم أنه قال: «يا رسول الله إني أسرد الصوم» فحملوا قوله لعبد الله بن عمرو لا أفضل من ذلك، أي في حقك، يعني لا في حق عموم الناس، لا أفضل من ذلك إذ في حقك فيلتحق به من في معناه، مما يدخل فيه على نفسه مشقة أو يُفوِّت حقًّا، ولذلك لم ينهَ حمزة بن عمرو عن السرد، فلو كان السرد ممتنعًا لبيَّنه؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، قاله النووي، يعني في شرح مسلم.
قال ابن حجر: وتُعُقِّب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال أسامة بن زيد: «إن النبي-صلى الله عليه وسلم- كان يسرد الصوم، كان يسرد الصوم فيُقال: لا يُفطِر» أخرجه أحمد. الذي يصوم أسبوعًا متتابعًا أو شهرًا متتابعًا ألا يُقال: سرد الصوم لكن إذا أفطر شهرًا ثانيًا يُقال: صام الدهر؟
المقدم: لا.
لا يُقال: صام الدهر.
المقدم: يعني هذا توجيه رأي الجمهور؟
كيف؟
المقدم: الجمهور يرون استحبابًا لهذا، يعني المقصود أن الدهر عندهم السرد فقط؟
لا، لا، الجمهور استدلوا بحديث حمزة بن عمرو أنه كان يسرد الصوم.
المقدم: نعم وهذا.
وهذا يدل على صيام الدهر، هذا رد عليهم أنه لا يلزم من سرد الصوم صيام الدهر، من حُجتهم حديث حمزة بن عمرو الذي معهم «إني أسرد الصوم» فأقره النبي-عليه الصلاة والسلام-، من حجة الجمهور. قال ابن حجر: تُعُقِّب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر، ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر، فقد قال أسامة بن زيد: «إن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يسرد الصوم فيُقال لا يُفطر» أخرجه أحمد، ومن المعلوم أن النبي- عليه الصلاة والسلام- لم يكن يصوم الدهر، فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر، وأجابوا عن حديث أبي موسى المقدم ذكره «ممن صام الدهر ضُيِّقَت عليه جهنم»، أجابوا عن حديث أبي موسى المقدم ذكره بأن معناه ضُيِّقت عليه فلا يدخلها، ضُيِّقت عليه فلا يدخلها، فعلى إذًا تكون على بمعنى عن، أي ضُيقت عنه.
وهذا التأويل حكاه الأثرم عن مُسدد وحكى رده عن أحمد، خلاف الظاهر بلا شك. وقال ابن خزيمة: سألت المُزني عن هذا الحديث فقال: يشبه أن يكون معناه ضُيقت عنه فلا يدخلها، ولا يشبه أن يكون على ظاهره؛ لأن من ازداد لله عملًا وطاعة ازداد عند الله رفعة، وعليه كرامة، ورجح هذا التأويل جماعة منهم الغزالي. الغزالي يقول في الإحياء في الجزء الثالث الصفحة أربع وأربعين: وأما صوم الدهر فإنه شاملٌ للكل. لما ذكر ما يُستحب صيامه من الأيام الاثنين والخميس وعشر ذي الحجة، وعاشوراء، ما يُستحب صيامه.
المقدم: نعم.
قال: وأما صوم الدهر فإنه شاملٌ للكل وزيادة، وللسالكين فيه طرق، فمنهم من كره ذلك؛ إذ وردت أخبار تدل على كراهته، والصحيح أنه إنما يُكره لشيئين: أحدهما: ألا يُفطر في العيدين وأيام التشريق، فهذا الدهر كله، والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجرًا على نفسه مع «أن الله -سبحانه وتعالى- يحب
أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه»، فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك، فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين-رضي الله عنهم- انتهى، وفي فتح الباري: أن الذين رجحوا ذلك قالوا: له مناسبة من جهة أن الصائم لما ضيق على نفسه مسالك الشهوات بالصوم، ضيق الله عليه النار فلا يبقى له فيها مكان؛ لأنه ضيَّق طرقها بالعبادة، وتُعُقِّب بأنه ليس كل عمل صالح إذا ازداد العبد منه ازداد من الله تقربًا، بل رُبَّ عمل صالح إذا ازداد منه ازداد بعدًا كالصلوات في الأوقات المكروهة، العبادة ولو كان جنسها مشروعًا إذا لم تكن على هدي النبي-عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنها تزيد الإنسان من الله بعدًا،
لا تقربه، وإنما تقربه إذا أخلصها لله –جل وعلا-، وجاءت على وفق ما جاء عن النبي-عليه الصلاة والسلام- ولذلك يقول: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ويقول: «خذوا عني مناسككم، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» فمثل هذا.. قد يقول الإنسان: إن النبي-عليه الصلاة والسلام- قد يترك بعض الأشياء خشية أن تُفرض ورفقًا بأمته، ونحن نقدر على الزيادة والمحظور منتفي، فإذا زدنا على فعله-عليه الصلاة والسلام-..، نعم إذا جاء ما يوحي من النصوص، أو ما يدل على أن الزيادة لا يمنع منها مانع فلا بأس، يعني إذا كان يُكثر من الصلوات، فله أصل «أعني على نفسك بكثرة السجود»، وأما إذا كان يُسرد، يُكثر من الصيام أكثر مما حُفِظ عنه –عليه الصلاة والسلام- جاء ما يدل عليها أن «أن من صام يومًا في سبيل الله» وغير ذلك من أحاديث الحث على الصيام، لكن إذا جاءت على خلاف نص، أو على خلاف هدي النبي-عليه الصلاة والسلام- لا شك أنها لا تدخل في هذا الكلام. قال ابن حجر: والأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على ما فوت حقًّا واجبًا بذلك، فإنه يتوجه إليه الوعيد، ولا يخالف..، والأولى إجراء الحديث على ظاهره وحمله على ما فوِّت حقًّا واجبًا بذلك، فإنه يتوجه إليه الوعيد. حديث « من صام الدهر ضُيِّقت عليه..».
المقدم: ضيقت عليه جهنم.
نعم، الأولى إجراء الحديث على ظاهره، وحمله على من فوَّت حقًّا واجبًا بذلك فإنه يتوجه إليه الوعيد، ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المُزني، تقدم في كلام المُزني، كلام المُزني، ألم يتقدم كلامه؟
المقدم: في تعليقه على الحديث؟
نعم تقدم، وسألت عنه المُزني.
المقدم: في أحد من الإخوة يذكر؟، يبدو أن الإخوة حتى ما يذكرون.
وقلنا: قال ابن خزيمة: سألت المُزني عن هذا الحديث فقال: يُشبه أن يكون معناه ضيقت عنه فلا يدخلها، ولا يُشبه أن يكون على ظاهره؛ لأن من ازداد لله عملًا وطاعة ازداد عند الله رفعة وعليه كرامة.
المقدم: نعم.
طيب، ولا يخالف القاعدة التي أشار إليها المزني؛ لأنه إذا ازداد من الله قربًا، ازداد عنده رفعة بحيث لا يفوت حقًّا، فيتفق الكلام، كلام ابن حجر مع كلام المُزني، ومن حجتهم يعني المُجيزين، ومن حجتهم يعني المُجيزين أيضًا قوله-صلى الله عليه وسلم- في بعض طرق حديث الباب: «فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر» وذلك مثل صيام الدهر، يعني السياق سياق مدح، يمدح من صام ثلاثة أيام من كل شهر أو «صام رمضان وأتبعه ستة من شوال كان كمن صام الدهر» فكيف يكون المُفضل عليه مرغوبًا والمُفضل ممنوعًا؟ لابد أن يكون المُفضل..
المقدم: والمفضل عليه مرغوبان.
يشتركان في وصف.
المقدم: صحيح.
وهو الطلب، كلاهما مطلوب.
المقدم: صحيح.
ويكون المشبه به أقوى في هذا الوصف، ومن حجتهم يعني المجيزين قوله-صلى الله عليه وسلم- بطرق حديث الباب: «فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر». وقوله فيما رواه مسلم: «من صام رمضان وأتبعه ستًا من شوال فكأنما صام الدهر» قالوا: فدل ذلك على صوم الدهر على أن صوم الدهر أفضل مما شُبه به وأنه مطلوب، وتُعقِّب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي الجواز فضلًا عن الاستحباب، وإن المراد حصول الثواب على تقييد مشروعية الصيام ثلاثمائة وستين يومًا. يعني صام رمضان وأتبعه ستة من شوال كأنه صام ثلاثمائة وستين يومًا.
المقدم: نعم.
وفي أول شرح الكتاب وفي أوائله إن كنت تذكر، في بدء الوحي.
المقدم: نعم.
قلنا: إن التشبيه لا لا يلزم أن يكون من كل وجه.
المقدم: صح.ءلال
حينما شُبه الوحي وهو مطلوب بصلصلة الجرس وهو مذموم
المقدم: صحيح.
ذكرنا هذا وذكرنا أن له نظائر فيرجع إليه من أراده؛ لأن الوقت لا يستوعب إعادة ما تقدم. تُعُقِّب أن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي الجواز فضلًا عن الاستحباب وإن المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يومًا؛ يعني هل من قرأ{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] سورة الإخلاص ثلاث مرات، كان من قرأ القرآن، ومن قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقه، هل نقول: إن من قرأ القرآن في من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] ثلاث مرات في دقيقة ماذا يُقال عنه؟ إذا كان من قرأ القرآن في أقل من ثلاث ليالٍ لم يفقه، ماذا يكون من قرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}[الإخلاص:1] في دقيقة؟ هل نقول: إن هذا مثل أصل؟ لا بد أن تُقرأ في ثلاثة أيام فأكثر؟ لا، ولذلك التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه.
من أوضح الأدلة على ذلك تشبيه رؤية الرب -جل وعلا- في رؤية المؤمنين لربهم بالجنة في البدر، والذين.. وأول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، فهل معنى هذا أن وجوههم مثل البدر ليس فيها عيون ولا فيها أنوف ولا فيها فم؟ لا، ما يمكن، فالتشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، ومن المعلوم أن المُكلف لا يجوز له صيام جميع السنة، فلا يدل التشبيه على أفضلية المُشبه به من كل وجه، واختلف المُجيزون لصوم الدهر بالشرط المتقدم، يعني بحيث لا يصوم الأيام المحرمة، ولا يفوِّت حقًّا واجبًا. اختلف المُجيزون لصوم الدهر بالشرط المتقدم هل هو أفضل أو صيام يوم وإفطار يوم أفضل، فصرَّح جماعة من العلماء بأن صوم الدهر أفضل؛ لأنه أكثر عملًا فيكون أكثر أجرًا، وما كان أكثر أجرًا كان أكثر ثوابًا، وبذلك جزم الغزالي كما نقله عنه، كما تقدم النقل عنه بالشرطين اللذين سبق ذكرهما عنه، وتعقبه ابن دقيق العيد في شرح العمدة بأن الأعمال المتعارضة المصالح والمفاسد ومقدار كل منها في الحث والمنع غير متحقق، فزيادة الأجر بزيادة العمل في شيءٍ يعارضه اقتضاء العادة يعارضه ما اقتضاه العادة التقصير في حقوق أخرى، هذا لا بد أن يقع الطلب التقصير.
المقدم: صحيح.
صحيح؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يأتي بجميع المطلوب، يعارضه اقتضاء العادة التقصير في حقوق أخرى يعارضها العمل المذكور ومقدار فائت من ذلك غير معلوم لنا. وقال ابن حجر: الأولى التفويض إلى حكم الشارع ولِما دل عليه ظاهر قوله: «لا أفضل من ذلك»، وقوله : أحب الصيام إلى الله تعالى، وذهب جماعة يقول ابن حجر، منهم المتولي من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل، وهو ظاهر الحديث بل صريحه، ويترجح من حيث المعنى أيضًا بأن صيام الدهر قد يفوِّت بعض الحقوق كما تقدم، يعني ولو لم تكون واجبة يعني ولو كانت راجحة، ولم تكن واجبة وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارًا، ويألف تناوله بالليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يومًا ويُفطر يومًا، فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر، وقد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق الصيام. يعنى الذي يسرد الصيام ولا يفطر أبدًا.
المقدم: جسمه اعتاد.
تعود على هذا، والأجسام على ما عُوِّدت، بخلاف من صام يومًا وأفطر يومًا. يقول قد نقل الترمذي عن بعض أهل العلم أنه أشق صيام، ويأمن مع ذلك غالبًا من تفويت الحقوق، كما تقدمت الإشارة إليه فيما تقدم قريبًا في حق داود –عليه السلام- ولا يفر إذا لاقى؛ لأن من أسباب الفرار.
المقدم: الجوع.
ضعف الجسد؛ لأن من أسباب الفرار ضعف الجسد ولا شك أن سرد الصوم ينهكه، وعلى ذلك يُحمل قول ابن مسعود فيما رواه سعيد ابن منصور بإسناد صحيح عنه، أنه قيل له: إنك لتقل الصيام، فقال: إني أخاف أن يضعفني عن القراءة، والقراءة أحب إلي من الصيام. تقدم أنه يضعفه عن الصلاة.
المقدم: نعم.
وهو يقول هذا ويقول هذا، والذي يُضعفه عن الصلاة يضعفه عن القراءة.
المقدم: القراءة.
لكن بعض الناس صيام النفل يُضعفه عن الدوام الرسمي الذي استؤجر عليه، ومع ذلك تجده يصوم يحمل على نفسه ويصوم الاثنين، ولا يؤدي العمل على الوجه المطلوب، وقد يستأذن بعض الوقت، وقد يتأخر في أول الوقت مثل هذا يجوز له الصيام؟
المقدم: لا.
لا، لأنه هذا يُخل بواجب، هذا يُخِل بواجب. نعم إن فُرِض أن شخصًا لا يفوته شيء لا يفوته شيء من الأعمال الصالحة بالصيام أصلًا، ولا يفوِّت حقًّا من الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح، يقول ابن حجر: نعم إن فُرض أن شخصًا لا يفوته شيء من الأعمال الصالحة بالصيام أصلًا، ولا يفوِّت حقًّا من الحقوق التي خوطب بها لم يبعد أن يكون في حقه أرجح، وليته استمر على قوله: الأولى التفويض على حكم الشارع.
المقدم: كأنها أخل بها هنا يعني رأيكم يا شيخ؟
مذهبهم الشافعية وكثير من الشافعية ينصُّون على أن صيام الدهر أفضل، إذا لم يفوت حقوقًا، ولا شك أن قوله هو الحق، التفويض إلى حكم الشارع ولما دل عليه ظاهر قول: «لا أفضل من ذلك»، هذا هو الأصل، وأنه أحب الصيام إلى الله. يقول: ولذلك أشار ابن خزيمة فترجم الدليل على أن صيام داود إنما كان أعدل الصيام، إنما كان أعدل الصيام وأحبَّه إلى الله؛ لأن فاعله يؤدي حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم، وهذا يُشعر بأن من لا يتضرر في نفسه ولا يفوت حقًّا أن يكون أرجح، وعلى هذا فيختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال، فمن يقتضي حاله الإكثار من الصوم أكثر منه، من يقتضي حاله الإكثار من الصوم أكثر منه، ومن يقتضي حاله الإكثار من الإفطار أكثر منه، ومن يقتضي حاله المزج فعله حتى إن الشخص الواحد قد تختلف عليه الأحوال في ذلك، وإلى ذلك أشار الغزالي أخيرًا، والله أعلم بالصواب، وفي عمدة القاري: فإن قلت ما الفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر؟ ما الفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر؟ قلت: هما حقيقتان مختلفتان. الآن مسألة صيام الدهر الذي ترجح فيه أن صيام داود أفضل منه.
المقدم: أفضل، نعم.
هذا بالنص صيام داود أفضل منه، فإن قلت: ما الفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر؟ قلت: هما حقيقتان مختلفتان، فإن من صام يومين أو أكثر، ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل، وليس هذا هو صوم الدهر، ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه هو صائم الدهر وليس ..
المقدم: مواصل.
بمواصل، والله أعلم بالصواب. وذكرنا فيما تقدم أن هذا الحديث خرجه الإمام البخاري في تسعة عشر موضعًا تذكر إن شاء الله تعالى في الموضع الأول في باب من نام عند السحر من كتاب الصلاة.
المقدم: نعم.
إن شاء الله تعالى.
المقدم: شيخ أحسن الله إليك، وأنتم تتحدثون بالذات في هذا الحديث نلحظ حرص الإسلام على استمرار العمل والمداومة عليه، وأنه لا بد أن الإنسان يسلك من الأعمال ما يستطيع المداومة عليها، أود في ختام هذه الحلقة أن أوجه نصيحة لي وللإخوة جميعًا بضرورة الاستمرار على الطاعة والعبادة سواء كان في رمضان أو في غير رمضان، هذا مطلب كبير والشرع جاء به.
لا شك أن الاستمرار مطلب شرعي، ولذا جاء التخفيف على النفس؛ لئلا تمل كما سبق ذكره، فعلى الإنسان أن يكلف من العمل ما يُطيق كما جاء في الخبر، ولا يكون كالمنبت، فعليه أن لا يحمل نفسه أكثر مما تُطيق بحيث ينقطع؛ لأن الحور بعد الكور مشكلة.
المقدم: صحيح.
والنكوص أيضًا دليل على الرغبة عن فعل الخير، بينما الاستمرار يدل على الرغبة في الخير، ونحن نلاحظ ونشاهد أن بعض الناس في رمضان، بل مشاهد من عموم المسلمين أنهم يزيدون في عباداتهم، في صدقاتهم، في صلاتهم، في تلاوتهم، في جميع أبواب الخير يزيدون عما كانوا عليه في شعبان، ويقل هذا الأمر عما كانوا عليه في شوال، وهذا لا شك أن له وجهًا شرعيًّا؛ لأنه وقت مضاعفة، مضاعفة للأجور، وهذا لا يمنع منه شرعًا ولو قَلَّ هذا في شوال، ولا يُعتبر هذا من عدم الاستمرار؛ لأن هذا اغتنام للأوقات الفاضلة، لكن الإشكال فيمن يعمل هذه الأعمال في رمضان، فإذا خرج رمضان كأن شيئًا لم يكن، فرط في الواجبات، ارتكب محرمات بعد ذلك هذا الذي يقول أهل العلم: إن هذا من علامات عدم قبول العمل.
المقدم: الله المستعان الله المستعان.
الله المستعان.
المقدم: الله المستعان، جزاكم الله خيرًا وأحسن إليكم ونفع بعلمكم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، ويجعلنا وإياكم من الموفقين، وأن يهدينا وإياكم سبل الرشاد، إنه جواد كريم.
أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة، نلقاكم بإذن الله تعالى في لقاءات قادمة وحلقات أخرى وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.