شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الصوم (عام 1428 هـ) - 01
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا لنستكمل وإياكم أحاديث كتاب الصيام في كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح في حلقات نستضيف فيها صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: قال المصنف -رحمه الله تعالى-: عن أنس -رضي الله عنه- قال: دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، قال: «أعيدوا سمنكم في سقائه، وتمركم في وعائه، فإني صائم»، ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فقالت أم سليم: يا رسول الله! إني لي خويصة. قال: «ما هي؟»، قالت: خادمك أنس، فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، قال: «اللهم ارزقه مالًا وولدًا وبارك له»، فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضع وعشرون ومائة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،
فراوي الحديث أنس بن مالك الأنصاري النجاري، خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مر ذكره مرارًا.
هذا الحديث ترجم عليه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم.
يقول ابن حجر على الترجمة: باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم، أي: في التطوع، أي: في التطوع، لماذا؟ لأن الفرض.
المقدم: واجب على الجميع.
ما يحتاج، ما يحتاج إلى ترجمة، والتطوع فيه الخلاف الذي مر ذكره في قصة سلمان مع أبي الدرداء لما عزم عليه أن يفطر، والخلاف في مسألة الإفطار -إفطار الصائم تطوعًا بين أهل العلم- مضى ذكره بالتفصيل، عند المالكية والحنفية المنع إلا لحاجة، وغيرهم يقول: المتطوع أمير نفسه، فلم يفطر عندهم، أي: في التطوع.
وهذه الترجمة تقابل الترجمة الماضية، وهي من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، وموقعها، وموقعها أن لا يُظن أن فطر المرء من صيام التطوع لتطييب خاطر أخيه حتم عليه، بل المرجع في ذلك إلى من عُلم من حاله في كل منهما أنه يشق عليه الصيام، فمتى عرف أن ذلك لا يشق عليه كان الأولى أن يستمر على صومه.
هذا كلام ابن حجر، فهو لحظ حال الصائم، إذا كان يشق عليه، إذا كان يشق عليه، فالأولى أن يفطر، إذا كان لا يشق عليه، فالأولى أن يستمر في صيامه.
وهناك ملحظ آخر، وهو حال المضيف.
المقدم: يعني هذا ملحظ في حال الصائم ذاته؟
نعم.
يقول: في كل منهما أنه يشق عليه الصيام، بل المرجع في ذلك إلى من عُلم من حاله من كل منهما أنه يشق عليه الصيام، من كل منهما لعله يقصد؟
المقدم: يقصد المضيف والضيف.
نعم، الصائم والمضيِّف.
فمتى عُرف أن ذلك لا يشق عليه كان الأولى أن يستمر على صيامه.
المقدم: وممكن يتخيل أنه يشق على الصائم إذا رأى الأكل وكذا؟
محتمل، نعم.
فالملحظ من نواحٍ متعددة، من الصائم نفسه، ومن المضيف؛ لأن بعض الناس إذا اعتذرت بأي عذر قبل، وبعض الناس لا يقبل إذا اعتذرت منه، فمثل هذا لا شك أن الفطر عنده أولى.
وأيضًا يبقى عوارض أخرى تحتف بالمسألة، إذا كان في الفطر مصالح أخرى؛ كمثل عزيمة والد مثلًا يعزم الوالد على ولده يفطر، قريب يشق عليه ويقع في نفسه شيء، على كل حال الظروف والأحوال هي التي ترجح الاستمرار في الصيام أو الفطر.
فهناك عزم سلمان على أبي الدرداء.
المقدم: فأفطر.
فأفطر، أن يفطر فأفطر، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «سلمان أفقه منك»، وهنا استمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في صيامه، فلهذه المسألة من الظروف ما يحتف بها، فيجعل الفطر أحيانًا أفضل، وما يجعل الاستمرار في الصيام أحيانًا أولى.
يقول العيني: أي: هذا باب في بيان من زار قومًا وهو صائم في التطوع، فلم يفطر عندهم، وهذا الباب يقابل الذي قبله بعشرة أبواب، وهو باب من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع، ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.
في قوله: دخل النبي -عليه الصلاة والسلام- على أم سليم.
أم سليم هي والدة أنس بن مالك المذكور -راوي الحديث-، ووقع لأحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل على أم حرام، هنا دخل على أم سليم، ووقع لأحمد من طريق حماد عن ثابت عن أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل على أم حرام.
المقدم: بنت ملحان.
أختها، كلاهما بنت ملحان.
وهي خالة أنس، لكن في بقية الحديث ما يدل على أنهما معًا كانتا مجتمعتين، ما يدل على أنهما معًا كانتا مجتمعتين، فيصدق أنه دخل على أم سليم, ويصدق أنه دخل على أم حرام.
في شرح العيني على قوله: أم سليم، يقول: يعني اسمها الغميصاء، وقيل: الرميصاء، وقال أبو داود: الرميصاء أم سليم سهلة، ويقال: وصيلة، ويقال: رميثة، ويقال: أنيفة، ويقال: مليكة -يعني اختلف في اسمها، وهذا شأن من اشتهر بالكنية-، وقال ابن التين: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يزور أم سليم؛ لأنها خالته من الرضاعة، وقال أبو عمر -يعني ابن عبد البر-: إحدى خالاته من النسب، إحدى خالاته من النسب؛ لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن أنس، بن أسد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأخت أم سليم أم حرام بنت ملحان، أخت أم سليم أم حرام بنت ملحان بن زيد بن خالد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنْم، -يعني كأنه يشرح حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل على أم حرام، وإذا كانت أم حرام خالته أيضًا تكون أم سليم خالته-، وأخت أم سليم أم حرام بنت ملحان بن زيد بن خالد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم -يعني يلتقيان في الجد.
المقدم: هذه أخت أم سليم.
أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد بن أسد بن خداش بن عامر، وأم حرام بنت ملحان بن زيد بن خالد بن حرام بن جندب بن غنم.
المقدم: أين يلتقيان؟
في عامر بن غنم، في الجد؟
المقدم: السابع.
الخامس، في الجد الخامس، فهل مثل هذا الالتقاء في الجد الخامس ينشر محرمية؟
المقدم: لا.
ولذا قال: أنكر الحافظ الدمياطي هذا القول، وذكر أن هذه خؤولة بعيدة، لا تثبت حرمة، ولا تمنع نكاحًا.
إذا كانت بنت خالته المباشرة يتزوجها وليست محرمًا له، بنت خالته.
المقدم: كيف بالجد الخامس؟
نعم، لا تثبت حرمة ولا تمنع نكاحًا.
قال: وفي الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا على أم سليم، فقيل له في ذلك، قال: «ارحمها، قتل أخوها حرام معي»، فبيَّن تخصيصها بذلك، فلو كان ثمة علة أخرى لذكرها؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهذه العلة مشتركة بينها وبين أختها أم حرام، وهي أيضًا علة مشتركة لجميع من قُتل أخوهن، إخوانهن، يعني من الصحابيات جميع من قُتل إخوانهن معه -عليه الصلاة والسلام- يشتركن مع أم سليم في هذا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- { بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128]، فهو رحيم بالجميع، وإذا كانت هذه ميزة لأم سليم وأم حرام، ميزة أيضًا لكل من قُتل معه إخوانهن أو آبائهن من باب أولى أو أولادهن وهو أشد.
قال: وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها، فلعله كان ذلك مع ولدٍ أو خادم أو زوج أو تابع، وأيضًا: فإن قتل حرام كان يوم بئر معونة في صفر سنة أربع، ونزول الحجاب سنة خمس، فلعل دخوله كان قبل ذلك.
قال: وليس في الحديث ما يدل على الخلوة بها، فلعله كان ذلك مع ولدٍ أو خادم أو زوج أو تابع، يعني في قصص ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل على فلانة، فتفلي رأسه، ودخل على أم سليم، ولا يُظن به أنه يخلو مع وجود النصوص المحرمة للخلوة، يعني لا بد من أمن الفتنة، وانتفاء الخلوة، هذا أمر مفروغ منه، جاء بنصوص أخرى محكمة، ويبقى هل النبي -عليه الصلاة والسلام- كغيره من الرجال الأجانب في دخولهم على النساء من وجوب الحجاب؟ يقول القرطبي: يمكن أن يقال: إنه -صلى الله عليه وسلم- كان لا تستر منه النساء؛ لأنه كان معصومًا بخلاف غيره، وهذا الذي ترجح عند ابن حجر من خلال قضايا متعددة أنه -عليه الصلاة والسلام- لا حجاب عنه من قبل النساء.
المقدم: أما الخلوة فيثبت التحريم في حقه يا شيخ؟
في حق كل أحد.
المقدم: حتى في حقه؟
هو في حقه -عليه الصلاة والسلام- باعتباره مشرعًا، وفي هذا، لا سيما في هذا الباب يسد جميع الوسائل الموصلة لمثل هذا خشية أن يقتدى به، فلم يحصل أنه خلا بأحد -عليه الصلاة والسلام-.
المقصود أنه -عليه الصلاة والسلام- الذي حرره ابن حجر وأنه من خصائصه أنه لا حجاب عنه، وأنه كالوالد، كما جاء في الحديث الصحيح.
المقدم: لكن يا شيخ -أحسن الله إليك- لما اختلف أهل العلم في مسألة هل خلا أو لم يخل مع وجود الراوي وهو أنس، هل يظن هؤلاء أن أنسًا سمعه يعني لم يشهد الحادثة؟ لماذا لا يقول بأن أنسًا موجود وتنتفي الخلوة في هذه الحالة؟
هو قوله عن أنس -رضي الله عنه- دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- على أم سليم، يحتمل أن يكون موجودًا أو غائبًا؛ لأنه يحكي قصة، يحكي قصة شهدها بنفسه؛ كما هو الأصل، أو رواها عن أمه أم سليم، على كل حال؛ الخلوة منتفية؛ لأن معها أم حرام، ومعها أيضًا من يحتمل ممن ذُكر.
فأتته بسمن وتمر، بتمر وسمن، يعني على سبيل الضيافة، على سبيل الضيافة.
قال -صلى الله عليه وسلم-: «أعيدوا سمنكم في سقائه».
قال ابن حجر: فيه ما يشعر بأنه كان، فيه ما يشعر بأنه كان ذائبًا -يعني السمن-.
المقدم: لأنه سيعيده في السقاء؟
نعم، ولكنه ليس بلازم.
المقدم: يعاد في السقاء ولو كان جافًا؟
احتمال؛ لأن الجفاف نسبي، يعني ذائب بمنزلة الماء ينصب، لكن إذا كان ذائب وعُصر عصرًا من، أو أعيد بما يشبه الملعقة مثلًا ولا شيء أدخل في السقاء، يحتمل، أو قطع إرب إِرَب ثم أُدخل في السقاء، ما فيه إشكال.
ولذلك قال: وليس بلازم، بلازم، والسقاء -بكسر السين- ظرف الماء من الجلد، وربما جعل فيه السمن والعسل.
«وتمركم» أي أعيدوا تمركم في وعائه، «فإني صائم».
ثم قال -صلى الله عليه وسلم-، ثم قام -صلى الله عليه وسلم- إلى ناحية من البيت، ثم قام -صلى الله عليه وسلم- إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة -يعني تطوعًا؛ لأن المكتوبة إنما يصليها حيث ينادى بها في المسجد-.
في رواية أحمد عن ابن أبي عدي عن حميد: فصلى ركعتين وصلينا معه.
قال ابن حجر: وكأن هذه القصة غير القصة الماضية في أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير -لما دعته أم سليم للأكل، فجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- فأكل، ثم عمد أنس -رضي الله عنه- إلى حصير قد اسود من طول ما لبس، فنضحه بالماء، فصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: فصففت أنا واليتيم خلفه، والعجوز من ورائنا، والعجوز من ورائنا، هذه قصة أخرى؛ لأنه أكل، دعي لأكل فأكل ثم صلى، بينما في قصة عتبان دُعي للصلاة، فصلى ثم أكل، هذا من باب إجابة الدعوة، دعي للأكل فقدم الأكل، ثم صلى، وفي قصة عتبان: دُعي للصلاة في بيته، فصلى ثم أكل.
هنا يقول ابن حجر: وكأن هذه القصة غير القصة الماضية في أبواب الصلاة التي صلى فيها على الحصير، وأقام أنسًا خلفه، وأم سليم من ورائه، لكن وقع عند أحمد في رواية ثابت المذكورة، وهو لمسلم من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت نحوه، نحوه، ثم صلى ركعتين تطوعًا، فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا، وأقامني عن يمينه.
هذا يدل أيضًا على تعدد القصة؛ لأنه في القصة الأولى التي في أبواب الصلاة: صففت أنا واليتيم؟
المقدم: والعجوز خلفنا.
والعجوز خلفنا، وهنا قال: ثم صلى ركعتين تطوعًا، فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا، وأقامني عن يمينه.
المقدم: لم يكن معه اليتيم.
ما معه اليتيم، وأيضًا أم سليم معها أم حرام.
ويحتمل التعدد؛ لأنه القصة الماضية لا ذكر فيها لأم حرام، ويدل على التعدد أيضًا أنه هنا لم يأكل، وهناك؟
المقدم: أكل.
أكل -عليه الصلاة والسلام-.
فدعا لأم سليم وأهل بيتها، فدعا لأم سليم وأهل بيتها.
هنا جمع بين الأمرين، الصلاة والدعاء، الصلاة والدعاء، وفي الحديث: «إذا دعا أحدكم أخوه فليجب، فإن كان مفطرًا فليطعم، وإن كان صائمًا فليصل»، وأهل العلم يختلفون في معنى الصلاة هنا، هل هي الصلاة الشرعية بمعنى أنه يصلي الركعتين وينصرف أو الصلاة اللغوية وهي الدعاء؟ والأكثر على أنها اللغوية، وفي حديث الباب حصل منه..
المقدم: الأمران.
الأمران، الصلاة صلى ركعتين تطوعًا، ودعا أيضًا لأم سليم وأهل بيتها، فليس فيه ما يرجح هذا أو ذاك.
فقالت أم سليم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله! إن لي خويصة -بتشديد الصاد وتخفيفها-، إن لي خويصة -بتشديد الصاد وبتخفيفها- تصغير خاصة، وهو ما اغتفر فيه التقاء الساكنين، إن لي خويصة، أين الساكنان؟ وهو ما اغتفر فيه التقاء الساكنين.
المقدم: الياء مشددة.
ساكنة، ساكنة.
المقدم: ساكنة، والصاد شددت.
الحرف المشدد المضعف عبارة عن حرفين أولهما ساكن، فالساكنان هما الياء والصاد الأولى.
قال: «ما هي؟»، قالت: خادمك أنس، وفي بعض الروايات بالتصغير: خويدمك، خادمك أنس.
قال ابن حجر: هو عطف بيان أو بدل، عطف بيان أو بدل، والخبر محذوف تقديره: أطلب منك الدعاء له، خادمك أنس، يقول: هو عطف بيان أو بدل، وكل ما صلح أن يكون بيانًا يصلح أن يكون بدلًا إلا ما استثني.
وصالحا ً لبدليّة ٍ يرى |
|
في غير نحو يا غلام ُ يعمرا |
وغير بشر ٍ تابع البكريّ |
|
............................... إلخ |
فيما ذكره أهل العلم.
يقول: والخبر محذوف تقديره: أطلب منك الدعاء له، ووقع في رواية ثابت المذكورة عند أحمد: إني لي خويصة، خويدمك أنس، ادع الله له، ادع الله له.
في شرح الكرماني، وهو دائمًا يورد أسئلة، يورد أسئلة، يفترض سؤال، ويجيب عنه لكن الكرماني يجيب بالاحتمالات، يجيب بالاحتمالات العقلية التي يحتملها الكلام؛ لأنه لم يحط بروايات الحديث، ابن حجر يجيب بالروايات إذا ورد إشكال؛ لأنه عنده إحاطة بالروايات، بينما الكرماني وغيره وكثير من الشراح يجيب بالاحتمالات العقلية، والحافظ ابن حجر يكرر مرارًا ردًّا على الكرماني إذا أجاب باحتمال عقلي، يقول: الاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، لا مدخل لها في هذا الفن، يعني إذا استغلق الأمر ولا وُجد رواية يبقى الإشكال باقي ولا يحل بأدنى احتمال؟ لا مانع من أن يحل، لا مانع من حله، لكن إذا وجد ما يحله من الروايات الأخرى هذا هو الأصل.
في شرح الكرماني: فإن قلت: خادمك أنس، مبتدأ وخبر، فما وجه تعلقه بكونه خويصة لها، فما وجه تعلقه بكونه خويصة لها؟ قلت: مقصودها لازمه، قلت: مقصودها لازمه، أي: إن ولدي أنسًا له خصوصية بك، له خصوصية بك؛ لأنه يخدمك، فادع له خاصة، دعوة خاصة، قلت: مقصودها لازمه، أي: إن ولدي أنسًا له خصوصية بك.
يعني قولها في الحديث: إني لي خويصة، خصوصية به، خصوصيته، خصوصية أنس هذه بالنسبة لأمه أو للرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ إن لي خويصة.
المقدم: واضح أنه لها، لي.
تقول: لي.
المقدم: ما قالت: لك.
والكرماني يقول: قلت: مقصودها لازمه أي: إن ولدي أنسًا له خصوصية بك؛ لأنه يخدمك، فادع له دعوة خاصة.
يعني ظاهر اللفظ الخصوصية بأمه، وإن كان الواقع يشهد بأن له خصوصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- ولذا صار ينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من الأمور الخفية والأسرار التي لم يطلع عليها حتى ولا أبو بكر وعمر، مما يدل على أنه له خصوصية، خصوصية الخادم بمخدومه.
لأنه يخدمك فادع له دعوة خاصة، أو أنس هو بيان أو بدل للخادم -يعني كما قال ابن حجر-، والخبر محذوف، أي: خادمك الذي هو ولدي يرجو منك الدعاء له.
وقال العيني متعقبًا الحافظ، قال: وقال بعضهم: قوله: خادمك أنس، هو عطف بيان أو بدل والخبر محذوف، قلت: توجيه الكلام ليس كذلك، بل قوله: خادمك مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: هو خادمك؛ لأنها لما قالت: إني لي خويصة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما هي؟»، قال: «ما هي؟» بالنص، قالت: خادمك، يعني هذه الخويصة هو خادمك، ومقصودها أن ولدي، أن ولدي أنسًا له خصوصية بك؛ لأنه يخدمك فادع له دعوة خاصة، وقوله: أنس مرفوع؛ لأنه عطف بيان أو بدل.
يعني كأنه رجع إلى كلام، كأنه رجع إلى كلام ابن حجر؛ لأنه قال: أنس هو عطف بيان أو بدل، والخبر محذوف، والخبر محذوف، كأنه عاد إليه، وعلى كل حال أحيانًا، وإن كان العيني عنده دقة في تعقباته ونظره في متون الأحاديث إلا أنه ليس مثل الحافظ في اطلاعه على الروايات من جهة، والأمر الثاني: المنافسة التي بينه وبين الحافظ جعلته أحيانًا.
المقدم: يثير القضايا.
نعم، ثم يرجع في نهايتها إلى كلام الحافظ.
المقدم: أحسن الله إليكم، وشكر لكم لعلنا نستكمل -بإذن الله- ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث في حلقة قادمة، وأنتم على خير، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الصيام من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لقاؤنا بكم -بإذن الله تعالى- في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب المتابعة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.