شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (146)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم، شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع مطلع حلقتنا نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، الذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب، فأهلاً بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- في باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، مازلنا في كلمة "الهرج" وأقوال العلماء فيها، يقول الحافظ ابن حجر في شرح كتاب الفتن من الصحيح: "وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط"، وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط، يقال: "هرج الناس" اختلطوا واختلفوا، و"هرج القوم في الحديث" إذا أكثروا أو إذا كثروا وخلطوا، وأخطأ من قال: نسبة تفسير الهرج بالقتل لسان الحبشة "وهم" من بعض الرواة، وإلا فهي عربية صحيحة، ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل إلا على طريق المجاز؛ لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرًا إلى القتل، وكثيرًا ما يسمى الشيء باسم ما يؤول إليه، واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة، هو بلسان الحبشة، وكيف يُدعى على مثل أبي موسى الأشعري "الوهم" في تفسير لفظة نبوية، بل الصواب معه، الذي ادعى أنه "وهم"، صاحب المطالع، صاحب المطالع كما تقدم في الحلقة السابقة، وكيف يُدعى على مثل أبي موسى الأشعري "الوهم" في تفسير لفظة نبوية؟
بل الصواب معه واستعمال العرب "الهرج" بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة، وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف كحديث معقل بن يسار رفعه: «العبادة بالهرج كهجرة إلي»، أخرجه مسلم، وذكر صاحب المحكم "للهرج" معاني أخرى ومجموعها تسعة، شدة القتل، من صاحب المحكم؟
المقدم: ابن سيده.
شدة القتل، وكثرة القتل، والاختلاط، والفتنة في آخر الزمان، وكثرة النكاح، وكثرة الكذب، وكثرة النوم، وما يرى في النوم غير منضبط، وعدم الإتقان للشيء، تسعة.
وقال الجوهري: أصل "الهرج" الكثرة في الشيء؛ يعني حتى لا يتميز، أبو موسى الذي فسر الكلمة في الصحيح، المراد به الأشعري، أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس راوي الحديث، كما مر في كلام ابن حجر، هو راوي الحديث بالفعل، أعقبه بروايته قال أبو موسى: "والهرج القتل بلسان الحبشة".
من حقق المبتكرات؛ مبتكرات اللآلئ والدرر، لما ذكر البوصيري الكلام مضافًا إلى أبي موسى علقوا على أبي موسى ليترجموا له، اثنين الذين حققا.
المقدم: فقالا..
ماذا قالا؟ علقا على المبتكرات بقولهما: هو الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني الأصبهاني صاحب السباعيات في الحديث والشرح المكمِّل المتوفى سنة إحدى وثمانين وخمسمائة.
يقول أهل العلم وهذه الكلمة كررها ابن حجر وغيره، يقول: "إذا تصدى للأمر غير أهله فانتظر العجائب".
الأخ الحاضر:.......
"ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب" قالوا هذا وهذا، فمثل هذا الكلام يمكن أن يقال يعلق على كتاب بهذه الطريقة، أقول تأويل الشيء وتفسيره بما يؤول إليه، الذي مر بنا في كلام الحافظ ابن حجر، الكلام السابق يدل على أن القتل من معاني "الهرج"؛ يعني فرد من أفراده، وجاء في النصوص الشرعية تفسير العام ببعض أفراده، ومر بنا في كلام ابن حجر أن استعمال "الهرج" بمعنى القتل في لغة العرب على طريق المجاز؛ لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي إلى القتل، وكثيرًا ما يُسمى الشيء باسم ما يؤول إليه، هذا كلام الحافظ ابن حجر.
أقول: تأويل الشيء تفسير الشيء، وتأويله بما يؤول إليه أمر معروف في لغة العرب، كما يقال للزوجين احذرا الخلاف والنزاع، احذرا الخلاف والنزاع، فيقال ما الخلاف؟ فيقال: الطلاق. لماذا؟ لأنه يؤول إليه، ومن هذا تفسير النبي- صلى الله عليه وسلم- الحمو بالموت، تفسير النبي- صلى الله عليه وسلم- الحمو بالموت، يقول القرطبي في المفهم: خرج هذا مخرج قول العرب: "الأسد الموت" و"الحرب الموت"؛ أي لقاؤه يفضي إلى الموت، وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج، أو برجمها إن زنت معه؛ لأنه يفضي إلى الموت، فتأويل الكلمة بما تؤول إليه أمر معروف في لغة العرب، قيل: يا رسول الله، وما الهرج؟ فقال بيده، هكذا، هو من إطلاق القول على الفعل، هو من إطلاق القول على الفعل كما جاء في صفة التيمم، فقال بيده هكذا؛ يعني فعل، فحرّفها، الفاء تفسيرية، كأن الراوي بيّن أن الإيماء كان محرفًا، كأنه يريد القتل، كأن ذلك فهم من تحريف اليد وحركتها كالضارب.
قال ابن حجر: لكن هذه الزيادة لم أرها في معظم الروايات، وكأنها من تفسير الراوي عن حنظلة، فإن أبا عوانة رواه عن عباس الدوري عن أبي عاصم عن حنظلة وقال في آخره: وأرانا أبو عاصم كأنه يضرب عنق الإنسان، فهذا التفسير كأنه من الراوي عن حنظلة، في شرح ابن بطال قال أبو الزناد، قال أبو الزناد، من أبو الزناد؟ يكثر عنه.
المقدم: ابن بطال.
ابن بطال قال أبو الزناد: فيه من الفقه من الرجل إذا أشار..، يعني الكلام ما يسعف في كونه الراوي، أولاً أبو الزناد الراوي اسمه؟
الأخ الحاضر: عبد الله بن ذكوان.
عبد الله بن ذكوان، أبو الزناد هذا ابن سراج، أبو الزناد بن سراج ممن تصدى لشرح الصحيح، وينقل عنه ابن بطال كثيرًا ، يقول: فيه من الفقه أن الرجل إذا أشار بيده، أو برأسه، أو بشيء يفهم به إشارته أنه جائز عليه، وفيه حجة لمالك في إجازة لعان المرأة الصماء البكماء، ومبايعتها، ونكاحها، إذ الإشارة تقوم مقام الكلام، ويفهم بها المعنى المقصود، ويفهم بها المعنى المقصود.
هذا الحديث خرجه الإمام البخاري- رحمه الله تعالى- في مواضع كثيرة من صحيحه، خرجه الإمام البخاري في ثلاثة عشر موضعًا.
الأول: هنا في كتاب العلم، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس قال: حدثنا مكي بن إبراهيم قال، أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، قال: سمعت أبا هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره .
وسبق ذكر المناسبة الثانية، في كتاب الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والآيات قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب قال: أخبرنا أبو الزناد عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض» باب ما قيل في الزلازل.
المقدم: وكتاب الاستسقاء.
وكتاب الاستسقاء، والحديث فيه تكثر الزلازل، يعني مناسبة الحديث للباب، واضحة.
المقدم: واضحة.
لكن ما مناسبة إدخال الزلازل في كتاب الاستسقاء؟ يقول الزين بن المنير: وجه إدخال هذه الترجمة، أولاً ابن المنير ممن خدم الصحيح اثنان، الزين بن المنير هذا له كتاب في المناسبات، في مناسبات الأحاديث للتراجم، ناصر الدين بن المنير له شرح أو له حاشية شرح مختصر يقول حاشية على البخاري.
يقول الزين بن المنير: وجه إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء أن وجود الزلازل ونحوها يقع غالبًا مع نزول المطر، وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصه، في الاستسقاء، فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شيء.
المقدم: بعيد.
فيه بعد..
الأخ الحاضر: ألا يمكن أن يقال -أحسن الله إليك- بعض العلماء ذهب إلى أنه يصلى للزلازل، كما يصلى للكسوف.
نعم، لو أدخلها في كتاب الكسوف، قلنا هذا الكلام.
المقدم: هو أدخله في كتاب الاستسقاء.
كتاب الاستسقاء، نحن نريد علاقة ما قيل في الزلازل مع كتاب الاستسقاء، يعني الاستسقاء دعاء، طلب سقيا، فهل يدعى لرفع هذه الزلازل كما يدعى لنزول المطر؟ وقد يدعى لرفع المطر إذا كثر مثلاً.
المقدم: صحيح.
يعني إذا زاد المطر، عندنا الأصل في الاستسقاء، طلب السقيا، إذا زاد نزول المطر وخشي منه الضرر، طُلب رفعه، كما أنه إذا وجدت الزلازل يطلب رفعها، لكن هل هناك خبر ثابت يُستدل به على الدعاء عند حصول الزلازل؟ نعم يجأر الناس إلى الله -عزَّ وجلَّ- كما في أي مصيبة أو أي كارثة من الكوارث، لكن هل هناك شيٌء مرتب عن النبي- عليه الصلاة والسلام-، مرفوع إليه؟ يقول: إدخال هذه الترجمة في أبواب الاستسقاء؛ لأن وجود الزلازل ونحوها يقع غالبًا مع نزول المطر، وهذا يحتاج أيضًا إلى استقراء. وقد تقدم لنزول المطر دعاء يخصه، فأراد المصنف أن يبين أنه لم يثبت على شرطه في القول عند الزلازل ونحوها شيء، يقول ابن حجر: وهل يصلى عند وجودها؟ هذا البحث بصلاة الكسوف أشبه؛ لأنها كلها آيات، وهل يصلى عند وجودها؟ حكى ابن المنذر فيه اختلافًا، وبه قال أحمد وإسحاق، وجماعة، وعلق الشافعي القول به على صحة الحديث عن علي، وصح ذلك عن ابن عباس أخرجه عبد الرزاق، وغيره.
الموضع الثالث في كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب قال: أخبرنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-«لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته وحتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه لا أرب لي فيه»؛ يعني لا حاجة لي فيه .
المقدم: يُهم هكذا.
نعم، من الهم، كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل الرد، لا تقوم الساعة حتى يكون كذا، وكذا، وكذا، حديث مطول، يقول ابن المنير ما ملخصه: مقصوده بهذه الترجمة الحث على التحذير من التسويف، الحث على التحذير؛ يعني لو قال: المقصود بهذه الترجمة التحذير من التسويف، لسنا بحاجة إلى الحث على التحذير، تطويل هذا، أحيانًا تعوز العبارة، التحذير من التسويف في الصدقة؛ لما في المسارعة إليها من تحصيل النمو المذكور؛ لأن الزكاة زكاء ونمو، وتطهير، قيل لأن التسويف بها يكون ذريعة إلى عدم القابل لها، إذ لا يتم مقصود الصدقة إلا بمصادفة المحتاج إليها، وقد أخبر الصادق أنه سيقع فقد الفقراء المحتاجين إلى الصدقة، بأن يخرج الغني صدقته فلا يجد من يقبلها، ولذا على أصحاب الأموال أن لا يؤخروا صدقاتهم، لاسيما في أوقات الضرورات؛ لأن الأجور إنما تضاعف بقدر الحاجة إلى هذه الأموال، فلا شك أن الصدقة على المضطر أفضل من الصدقة على المحتاج؛ لأن الضرورة أعظم، فعليهم المبادرة بإخراجها قبل أن تذهب الضرورة التي وجدت، تذهب الحاجة، وقد يأتي الوقت الذي أخبر عنه النبي- عليه الصلاة والسلام-، وحتى يعرضها فيقول الذي يعرضها عليه: «لا أرب لي فيه»، وحينئٍذ لا قيمة لها، ولذا جاء التفريق بين من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ممن أنفق بعده؛ لأن الحاجة أشد.
الموضع الرابع في كتاب المناقب، في باب علامات النبوة في الإسلام قال: حدثنا الحكم بن نافع قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة»، لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة، وهذه جملة من الحديث بطوله، وفي كتاب المناقب باب علامات النبوة: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان» .
والموضع الخامس في الكتاب والباب نفسه، أورده في هذا الباب مرتين متواليين، قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن همام عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان، فيكون بينهما مقتلٌة عظيمة، دعواهما واحدة» مناسبة علامات النبوة للمناقب، باب علامات النبوة في الإسلام كتاب المناقب ظاهرة؛ لأن علامات النبوة، نبوة النبي- عليه الصلاة والسلام-، ومعجزاته- عليه الصلاة والسلام-...
المقدم: من مناقبه.
من مناقبه، ومناسبة الحديث لعلامات النبوة ظاهرة أيضًا؛ لأن الإخبار عن الأمور المستقبلة مما لا يُدرك بالرأي، بل هو معجزة مؤيَّدة بالخبر عن الله -عز وجل-.
الموضع السادس في كتاب التفسير، باب {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}، لغة أهل الحجاز "هلم" للواحد، والاثنين، والجمع، حدثنا موسى، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا عمارة، قال: حدثنا أبو زرعة، قال: حدثنا أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس، آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» الكتاب التفسير، والترجمة باب {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} يقول العيني: مطابقته للترجمة ظاهرة.
كيف ظاهرة؟ العيني جعل الترجمة على هذا الحديث باب قول الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} [سورة الأنعام:158]، {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}، لغة أهل الحجاز ثم ذكر الحديث، وذكر بعده الطريق الثاني؛ يعني جعل الترجمة التي ذكرها البخاري في رواية أبي ذر التي اعتمدها الحافظ ابن حجر ومشينا عليها، جعل الترجمة ترجمة على الموضع السابع، باب {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} قبل الحديثين، وفي رواية أبي ذر جعل الترجمة باب {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} بعد الحديث الأول وقبل الثاني، بعد الطريق الأول وقبل الطريق الثاني، فهنا وجد الإشكال، وإلا لو كانت الترجمة على ما مشى عليه العيني قبل الحديثين، صارت المناسبة ظاهرة؛ لأنه في الطريق الأول قال: فذاك حين {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}، والترجمة باب {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} إذًا ظاهرة على كلام العيني؛ لأن هذه الترجمة متقدمة على الطريق الأول؛ فمناسبة الطريق الأول لهذه الترجمة، ظاهرة أيضًا.
الموضع السابع في كتاب التفسير، إما بعد الطريق الأول، وقبلهما الترجمة، أو الترجمة على صنيع الحافظ ابن حجر مشى على رواية أبي ذر، في كتاب التفسير، باب لا ينفع نفسًا إيمانها قال: حدثني إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، وذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها»، ثم قرأ الآية، والمناسبة ظاهرة، يعني ظاهرة، لكن الإشكال في الترجمة على الطريق الأول بقوله: باب {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}، عادة البخاري أنه يترجم بما يدل عليه الحديث، لكن هل في الحديث دلالة على قوله باب {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}؟ ليس فيه، البخاري- رحمه الله تعالى- إذا مر بشيء له أدنى مناسبة، سواءً كان من القرآن..
المقدم: أو من السنة.
أو من السنة في طريق ليست على شرطه، وفيها أو.. على شرطه وذكرها في موضع آخر وفيها كلمة غريبة يناسب شرحها في هذا الباب البخاري..
المقدم: يوردها.
لا يتردد في إيرادها، ولذا كتابه من أنفع ما دُوِّن في غريب الحديث، وغريب القرآن أيضًا، {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ} لغة أهل الحجاز هلم للواحد والاثنين والجمع، بينما أهل نجد يرون المطابقة، هلم...
المقدم: للواحد.
للواحد، هلمي...
المقدم: للمرأة.
للأنثى، هلما...
المقدم: للمثنى.
للمثنى، هلموا..
المقدم: جمع.
للجمع، نعم، والموضع الثامن في كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء، وما يكره من البخل، قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «يتقارب الزمان وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل القتل» والمناسبة بين الباب والكتاب ظاهرة، حسن الخلق والسخاء مناسب جدًّا لكتاب الأدب، وما يكره من البخل، كراهية البخل أيضًا مناسبة للأدب، المناسبة بين الباب والكتاب ظاهرة، إذ إن حسن الخلق والسخاء من الأدب، ويضاده البخل، ومناسبة الحديث في «ويلقى الشح»، ومناسبة الحديث للترجمة ظاهرة؛ إذ الشح المذكور في الحديث بخل وزيادة، فالشح أخص من البخل، فإنه بخل مع حرص، ومعنى «يلقى» يوضع في القلوب فيكثر، ويروى يلقّى أي يعطى القلوب الشح.
والموضع التاسع في كتاب الرقاق، باب بدون ترجمة، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، حدثنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا» الحديث مطولاً..، كتاب الرقاق، باب بدون ترجمة مر بنا مرارًا أن الباب بدون ترجمة بمنزلة الفصل من الباب الذي قبله، والباب الذي قبله باب قول النبي- عليه الصلاة والسلام-: «بعثت أنا والساعة كهاتين» يقول ابن حجر: باب كذا للأكثر بغير ترجمة، وللكشميهني باب طلوع الشمس من مغربها، وجاء في هذه الطريق، حتى تطلع الشمس من مغربها مطابقة، وكذا هو في نسخة الصاغاني، وهو مناسب، ولكن الأول أنسب، يعني بدون ترجمة، يقول ابن حجر: الأول كونه بدون ترجمة أنسب؛ لأنه يصير كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به أن طلوع الشمس من مغربها إنما يقع عند إشراف الساعة؛ لأن النبي- عليه الصلاة والسلام- بعث هو والساعة كهاتين كما في الترجمة، والمناسبة أيضًا، مناسبة هذا الكلام «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت لا»، هذا تخويف، ترقيق للقلوب، مناسبة هذا لكتاب الرقاق ظاهرة، والرقاق جمع رقيق، وتجمع على رقائق، سُميت هذه الأحاديث بذلك؛ لأن في كل منها ما يُحدِث في القلب رقة.
والموضع العاشر، في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة»، قال: حدثنا علي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة»، والمناسبة ظاهرة، بلفظ الترجمة.
يقول ابن حجر: والمراد بالفئتين جماعة علي وجماعة معاوية -رضي الله عن الجميع-، والمراد بالدعوة الإسلام على الراجح، كلهم إنما يدعي الإسلام، وقيل: المراد اعتقاد كل منهما أنه على الحق، قال: وأورده هنا للإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه كما عند الطبري من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد أنه حديث الباب، وزاد في آخره «فبينما هم كذلك»؛ لأنه قد يقول قائل: مطابقة الحديث للباب ظاهرة، لكن لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة، كل منهما ينتسب للإسلام، والكتاب كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، فهي تدخل في المعاندين.
يقول: وأورده هنا للإشارة إلى ما وقع في بعض طرقه كما عند الطبري من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد نحو حديث الباب، فزاد في آخره: «فبينما هم كذلك إذ مرقت مارقة يقتلها أولى الطائفتين بالحق»؛ فبذلك تظهر مناسبته لما قبله؛ يعني باب من ترك قتال الخوارج، الباب الذي قبله، باب من ترك قتال الخوارج للتألف ولئلا ينفر الناس منه، النبي- عليه الصلاة والسلام- لم يقتل ذا الخويصرة حينما استدرك عليه، وهو أصل الخوارج؛ لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.
والموضع الحادي عشر في كتاب الفتن، في باب ظهور الفتن قال: حدثنا عياش بن الوليد قال: أخبرنا عبد الأعلى قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويظهر الفتن، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله: أي ما هو؟ قال: القتل القتل»، المناسبة ظاهرة، يظهر الفتن، والباب ظهور الفتن، والكتاب كتاب الفتن.
والثاني عشر في كتاب الفتن أيضًا، بابٌ لا تقوم الساعة حتى يُغبط أهل القبور، حتى يُغبط أهل القبور، حدثنا إسماعيل قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه».. ومناسبة الحديث للباب ظاهرة، والباب لكتاب الفتن أيضًا مناسبته أظهر.
والثالث عشر في كتاب الفتن، بابٌ بدون ترجمة قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب قال: أخبرنا أبو الزناد، عن عبد الرحمن، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:«لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان يكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة» فذكره مطولاً، يقول ابن حجر: باب كذا للجميع بغير ترجمة فهو كالفصل من الذي قبله؛ يعني باب خروج النار، وقال أنس: «أول أشراط الساعة نارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب»، وتعلقه به أن ذلك يقع في الزمان الذي يستغني فيه الناس عن المال، إما لاشتغال كل منهم بنفسه عند طرق الفتنة، فلا يلوي على الأهل فضلاً عن المال، فعند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر، إذا كان خلفك نار تسوقك -نسأل الله السلامة والعافية- تلتفت على شيء؟ لا تلتفت على شيء، فعند خروج النار التي تسوقهم إلى المحشر، يعز حينئذٍ الظهر وتباع الحديقة بالبعير الواحد، ولا يلتفت حينئذٍ إلى ما ينقله من المال، بل يقصد نجاة نفسه، ومن يقدر عليه من ولده وأهله، وهذا أظهر الاحتمالات وهو المناسب لصنيع البخاري، والعلم عند الله تعالى، كذا قال ابن حجر.
والحديث أخرجه أيضًا الإمام مسلم- رحمه الله تعالى- فهو متفق عليه.
المقدم: أحسن إليكم، ونفع بعلمكم، ونسأل الله تعالى أن يعصمنا وإياكم والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، نلقاكم بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.