شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (202)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم يا دكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لا زلنا في باب كتابة العلم، وبالتحديد في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- لعلنا نستكمل مع الإخوة والأخوات ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم، وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
في آخر الحلقة السابقة في شرح قوله: «فمن قُتل فهو بخير النظرين»، وعرفنا أنه سقط منها ما جاء في الرواية الأخرى «فمن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يُعقل، وإما أن يُقاد أهل القتيل» شرحنا هذا. بعد ذلك قوله: «فجاء رجل من أهل اليمن» رجل من أهل اليمن جاء بيانه في الحديث نفسه عند الإمام البخاري في اللُّقطة، وأنه أبو شاه، بهاءٍ منونة أبو شاهٍ كذا، لكن هل هذا اللفظ المراد به الشاة المعروفة الحيوان المعروف أو لا؟
المقدم: قريب منه، لكن هل هو المراد؟
بـ "هاء" منونة.
المقدم: تلك شاة.
هي تاء، يعني تاء تُقرأ في الدرج تاءً، لكنها مع الوقف يوقف عليها بالهاء.
المقدم: لكن هذا مع الوقف، والوصل أبو شاه؟
أبو شاهٍ نعم. بـ "هاء" منونة، ومسمى في اللقطة، وفيه قُلت (القائل: الوليد بن مسلم) الراوي عن الأوزاعي ما قوله: «اكتب لي يا رسول الله» قال هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال النووي في شرح مسلم: هو بـ "هاءٍ" في الوقف والدرج، يعني وقفت عليه، أو درجت مثل: ماجه، وداسه، ومنده، كلها يُوقف عليها، وتُدرج أيضًا هاءً وليست تاءً، ولا يقال بالتاء، فدل هذا على أنه ليس المراد باللفظ الحيوان المعروف، قالوا: ولا يُعرف اسمه (اسم أبي شاه لا يُعرف، وإنما يُعرف بكُنيته). وفي عمدة القاري، نقلاً عن المطالع مطالع إيش؟
المقدم: الأنوار.
لمن؟ كتاب مشهور. مر بنا مرارًا.
المقدم: المشارق طبعًا في ضبطه للقاضي عياض.
القاضي عياض (خلِّ هذا)، وهذا مختصر منه "المطالع"، والعجيب أنه يُنقل من "المطالع" في الشروح.
المقدم: لابن قرقول.
نعم، يُنقل عن "المطالع" في الشروح أكثر من أصله أكثر من "المشارق".
المقدم: أكثر من المشارق.
مع أن "المشارق" فيه براعة فائقة للقاضي عياض، فلعله غير متيسر في وقتهم، الآن العكس "المشارق" طُبع مرتين، طُبع بمصر، وطُبع بالمغرب، و"المطالع" إلى الآن ما طُبع رغم أهميته، وفيه زوائد عن "المشارق". في عمدة القاري نقلاً عن المطالع، وأبو شاه مصروفًا، ضبطته وقرأته أنا معرفةً ونكرة، كيف معرفة ونكرة! كذا نقله العيني عنه في "المطالع"، وأبو شاه مصروفًا ضبطته وقرأته أنا معرفةً ونكرة. الآن كيف يُصرف وآخره هذه الهاء؟ أولًا اتفقنا على أنه ليس المراد بهذا اللفظ لفظ الحيوان المعروف (الشاة) في أربعين شاةً، شاةٌ بالتاء لكن هذه لا تقال بالتاء، وهو مصروف، والذي يغلب على ظني أن صرفهُ؛ لعدم وجود المانع، مثلًا: عبد الله بن سياهٍ مصروف، وسياه لفظ أعجمي، الآن "الشاه" عند الأعاجم الملك، "الشاه" عند الأعاجم يُطلق على الملك، وليس بِعَلَمْ ليُمنع للعلمية والعُجمة، استعماله عندهم ليس بعلم، وإلا لمُنع من الصرف. كما أن عبد الله بن سياهٍ مصروف، وإن كان سياه أعجميًّا لكن استعماله في الأعجمية ليس بالعلم، ولذا صُرف، والمانع العلمية مع العُجمة، فتخلفت العلمية، ولعل شاه مثله، هذا الذي يتبادر إلى ذهني الآن؛ ولذلك قالوا إنه مصروف. وعن ابن دِحية: أنه بالتاءِ منصوبًا أبو شاةَ لماذا؟
المقدم: على اعتبار الحيوان؟
نعم.
المقدم: مفروض بالجر.
لكن الحيوان.
المقدم: يصرف.
مصروف. يقول: وعن ابن دِحية أنه بالتاءِ منصوبًا، وقال النووي: هو بـ "هاءٍ" في آخره درجًا ووقفًا، قال: وهذا لا خلاف فيه، ولا يُغتر بكثرة من يصحفه ممن لا يأخذ العلم على وجهه، ومن مظانهِ؛ وهذه آفة تعترض كثيرًا من طلاب العلم الذين يأخذون العلم من الصحف؛ لأن الرسم واحد لكن النطق، النطق كيف يُضبط؟ لا بد من التلقي عن الشيوخ، والعناية بالضبط، ولذا بعض المشايخ ممن له عناية بالمتون يقرن هذه المتون التي قام بتصحيحها بأشرطة تسجيل لها؛ ليتلقاها الطالب من لفظ الشيخ مضبوطة ومُتقنة، هذا عمل جيد في الجملة لمن؟ لمن لا يستطيع الجُثي بين أيدي الشيوخ، والقراءة عليهم هذه تنفع.
وفي "الاستيعاب" لابن عبد البر: أبو شاهٍ الكلبي رجلٌ من أهل اليمن، فعرفنا نسبته إلى كلب، إضافةً إلى ما عندنا، وليس في كتب التراجم أكثر من هذا. يذكرون القصة التي في الحديث، لكن استفدنا من كلام ابن عبد البر أنه من كلب، وأما كونه رجلًا من أهل اليمن فهذا مذكور في الحديث «فجاءَ رجلٌ من أهل اليمن» وقصته في هذا الحديث واضحة، ووقع في رواية لابن أبي شيبة: فقال رجلٌ من قريش يُقال له: شاه، هو رجل من أهل اليمن، وأما الرجل القرشي، فقال رجلٌ من قريش المراد به على ما سيأتي العباس، فهذا لا شك أنه وهم شديد.
قال العيني، وقبله ابن حجر: وهو غلط. فقال أبو شاه: «اكتب لي يا رسول الله» يطلب الكتابة من النبي- عليه الصلاة والسلام- وهو أُميّ لا يقرأ ولا يكتب، فإما أن يكون جاهلًا بحال النبي -عليه الصلاة والسلام- أو يكون يطلب الأمر بالكتابة، والآمر بالشيء يُنسب إليه، كثيرًا ما يُنسب إلى من يأمر ما يلتبس بالمباشرة إذا قيل: حفر الأمير بئرًا، يعني أمر بحفرها، ما يتصور أن الأمير يحفر بئرًا، لكن منه ما هو متميز بنفسه، ومنه ما يغلب على الظن تمييزه، ومنه ما يلتبس من هذا النوع. فقال: اكتب لي يا رسول الله، تقدم سؤال (الوليد بن مسلم) الأوزاعي عن المطلوب كتابته، فقال الأوزاعيّ: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قال ابن حجر: وبهذا تظهر مطابقة هذا الحديث للترجمة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «اكتبوا لأبي فلان» (هو أبو شاه)، فقال رجلٌ من قريش (هو: العباس بن عبد المطلب) عم النبي- صلى الله عليه وسلم- كما بُين في رواية المُصنف في كتاب "اللُقطة" فقال العباس: بدل فقال رجل من قريش.
«إلا الإِذخِر يا رسول الله» (الإِذخِر) يقول الكِرماني: وبكسر الهمزة، وسكون المعجمة، وكسر الخاء المنقطة. الآن لو قال: وسكون الذال، وكسر الخاء اشتبهت الذال بالدال، والخاء بالحاء، وللتفنن (يعني ما يحسن أن يقول كالسكون المعجمة، وكسر الخاء المعجمة أيضًا) قال مرةً: معجمة، وقال مرةً: منقطة (أو منقوطة)، وهو بمعنى واحد. هو نبت معروف طيب الرائحة، (الإِذخِر) نبت معروف طيب الرائحة، وفي المُصباح: نبت معروف ذكي الريح، وإذا جفَّ ابيضَ، طيب لماذا طلب العباس الاستثناء؟ استثناء الإِذخِر؟ قال: فإنا نجعله في بيوتنا، فإنا نجعله في بيوتنا أي: نُسقف به البيوت فوق الخشب؛ لأن الخشب ينزل من بينها...
المقدم: المطر.
وغير المطر الطين إذا وُضع فوقها ينزل، ولا يتماسك؛ لأنه ما نتصور أن الخشب وضعه من الدقة مثل ما هو الخشب الموجود الآن بحيث إذا تراص، خشب الأثل يُنشر، ثم بعد ذلك يقع بينه، يكون بينه فجوات، ومن ثم إذا لم ينضبط هذا ينزل المطر فيما بعد، ويُجعل هذا الإِذخِر ليمسك الطين، ليُمسك بالطين سواءً كان في البيوت، أو في القبور نُسقف به البيوت فوق الخشب، وقيل كانوا يخلطونه بالطين؛ لئلا يتشقق. الطين إذا يبس يتشقق، كذلك الإسمنت إذا لم يُرش، لكن الطين يضره الرش، ما هو مثل الإسمنت. وقيل: كانوا يخلطونه بالطين؛ لئلا يتشقق إذا بُني به كما يُفعل بالتبن، يُخلط بالطين؛ لكي يتماسك، وهو نظير ما يُجعل من الشبوك الحديدية في الإسمنت لاسيما في الزوايا؛ لئلا تتشقق.
(وقبورنا) لأنه يسد به الفُرج المتخللة بين اللبنات، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إلا الإِذخِر»، قال ابن حجر: هو في روايتنا مكرر (إلا الإِذخِر، إلا الإِذخِر)، والثانية على سبيل التأكيد. يقول الكِرماني: يعني في الاستثناء إلا الإِذخِر سواء كان في كلام العباس، أو في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: فإن قُلت: ليس في كلام العباس ما يُستثنى الإِذخِر منه، فما المُستثنى منه؟ يعني إلا الإِذخِر في كلام العباس يُستثنى من إيش؟
المقدم: لا يُعضد شجرها.
يعني: هل هو من كلامه يستثني منه؟
المقدم: هو يستثني من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الآن هل هذا استثناء؟ أو تلقين بالاستثناء؟ لكي يستثني النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه استثناء العباس ما ينفع ما هو بتشريع، العبرة باستثناء النبي -عليه الصلاة والسلام. يقول: ليس في كلام العباس ما يُستثنى الإِذخِر منه، فما المُستثنى منه؟ قلت: ليس مستثنى، يقول قلت: ليس مستثنى، بل هو تلقينٌ بالاستثناء، فكأنه قال: قل يا رسول الله: لا يُختلى شوكها، ولا يُعضد شجرها إلا الإِذخِر. ليس مُستثنى، بل هو تلقين يعني الكلمة هذه تلقين هل هي مقبولة في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-. هنا الاستثناء التلقيني، وعندهم العطف التلقيني، يعني لما قال سليمان -عليه السلام- بل حلف ليأتين على نسائه.
المقدم: كلهن.
نعم، فأُمر بالاستثناء، ولم يستثنِ فلم يلد واحدة منهن ولدًا كاملًا إلا شق ولد. فدل على أن الإنسان إذا نُبه للاستثناء، ولو لم يكن في باله، وعلى ذهنه قبل النطق به يعني لو نطق بالكلام أولًا ولم يكن في باله أن يستثني فلُقن الاستثناء فاستثنى نفعه ذلك، ينفع ولو لم يكن منويًّا قبل، وهذا هو حقيقة التلقين، لكن (التلقين) كلمة يعني ما هي..، لو بُحث عن بديل لها يقوم مقامها لاسيما... وأن التلقين يكون لمن يقبلهُ، وقبول التلقين عند أهل العلم قدح. على كل حال لم يكن في باله الاستثناء، ولهذا ينفع من أقر مثلًا قال: عندي مائة لفلان فقيل له: إلا عشرة، فقال: إلا عشرة يعني لقنه شخص يعرف أنه ليس في ذمته إلا تسعون، فقال: إلا عشرة، وقال إلا عشرة ينفعه، ولو لم يكن في ذهنه قبل الاستثناء.
المقدم: شيخ، أحسن الله إليك، في الهامش عندنا يشرح الإِذخِر يقول: نبت طيب الريح، له أصلٌ من فن.
الفن، والفنن ماذا؟ {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن:48]، والفن والفنن شيء واحد. وأما الواقع في لفظه -صلى الله وعليه وسلم- فهو ظاهرٌ أنه استثناء من كلامه السابق، الواقع في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا الإِذخِر؛ لأنه هو المتكلم بالكلام السابق، أما العباس فلم يسبق له كلام يستثني منه، وإنما هو على حد كلامهم يُلقن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو قيل: إنه يلتمس من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستثني لكان أفضل وأليق بالمقام.
يقول الكِرماني أيضًا: فإن قلت: كيف جاز؟ الآن فيه فاصل بين المُستثنى في قوله -عليه الصلاة والسلام- «إلا الإِذخِر»، وبين قوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يختلى شوكها، ولا يُعضد شجرها» فيه فاصل طويل، فإن قيل: كيف جاز، وشرط الاستثناء الاتصال بالمُستثنى منه، وها هنا قد وقع الفصل؟ السؤال ظاهر؟ المُستثنى منه بعيد، يعني قبل ذلك بثلاثة أسطر.
المقدم: ولم يستثنِ إلا مؤخرًا.
إلا مؤخرًا، بعد الالتماس الواقع من العباس. وها هنا قد وقع الفصل؟ قُلت: جاز الفصل عند ابن عباس، عند ابن عباس يجوز الفصل بين المُستثنى والمُستثنى منه عند ابن عباس، فلعل أباه يُجوز ذلك أيضًا، يعني هل المسألة شرعية، وهذا من فقه ابن عباس، أو المسألة لغوية يشترك فيها العباس مع ابنه؟
شرعية، أم لغوية؟ هو يترتب عليها أحكام شرعية بلا شك.
المقدم: الذي يظهر أنها لغوية.
لغوية لماذا يُختلف فيها، وجمهور أهل العلم أنه لا بد أن يكون متصلًا؟ لكن لعل اجتهاد العباس يوافق اجتهاد ابن عباس -رضي الله عن الجميع- يقول: أو الفصل كان يسيرًا وهو جائز اتفاقًا، أو الفصل كان يسيرًا وهو جائز اتفاقًا، يعني لعل الأصل يعني الرواة قدَّموا وأخَّروا في الجمل تقديمًا لا يضر، ويجوز التقديم والتأخير إذا كان لا ترتبط الجمل بعضها ببعض هنا قال: «لا يُختلى شوكها، ولا يُعضد شجرها»، فقال العباس: إلا الإِذخِر؟ فقال النبي-عليه الصلاة والسلام- «إلا الإِذخِر» صار يسيرًا في مكانه، ثم بعد ذلك قال: ولا تُلتقط لقطتها إلا لمنشد، وحينئذٍ يكون يسيرًا، ويكون تأخير هذا الاستثناء من تصرف بعض الرواة.
يقول أو كان الفصل يسيرًا، وهو جائز اتفاقًا؛ ولَئن سلمنا عدم الجواز فيُقدر تكرار لفظ: «لا يُختلى شوكها» فيكون استثناءً من المعاد لا من الأول، ولأن سلمنا عدم الجواز فيُقدر تكرار لفظ: «لا يُختلى شوكها»، فيكون استثناءً من المعاد لا من الأول، يعني كأنه لما قال العباس: «إلا الإِذخِر يا رسول الله؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: لا يُختلى شوكها، ولا يُعضد شجرها إلا الإِذخِر» استثنى أعاد الكلام، فيكون الاستثناء من الكلام المعاد هذا كلام الكِرماني.
المقدم: هذا المقصود استثناء النبي -صلى الله عليه وسلم- لا استثناء العباس؟
لا، لا ما هو باستثناء العباس.
المقدم: طيب لماذا ما نقول: إن استثناء العباس أيضًا من الكلام المعاد، لما كتبوا للرجل فيكون الكلام معادًا، فقال العباس: إلا الإِذخِر يا رسول الله، فقال: إلا الإِذخِر، فيكون من الكلام المعاد المكتوب، أو المقروء للرجل؟
المقرر أنه ليس باستثناء، كلام العباس.
المقدم: العباس.
كلام العباس ليس استثناءً، وإنما هو تلقين، وأفضل من ذلك أن يُقال: التماس من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما يُشكل كلام العباس، المُشكل في استثناء النبي -عليه الصلاة والسلام- مع طول الفصل، هذا الذي أشكل عليه.
يقول العيني، وفيه نظر من وجهين؛ أحدهما: أنه قال أولًا مثله ليس مُستثنى، بل هو تلقين بالاستثناء، فإذا لم يكن مُستثنى فلا يرد سؤاله. الآن سؤال الكِرماني: هل هو في استثناء العباس، أو في استثناء النبي- عليه الصلاة والسلام- الذي فيه الفصل؟ الذي يظهر استثناء النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى هذا فلا يرد تنظير العيني هذا، والآخر قوله أو الفصل كان يسيرًا، وليس كذلك، بل الفصل كثير، والصواب ما ذكرنا أن المُستثنى من محذوف، والاستثناء منه من غير فصل. واضح تنظير العيني في كلام الكِرماني؟ يقول: فيه نظر من وجهين أحدهما أنه قال أولًا مثله ليس مُستثنى، يعني الكِرماني قال: مثله ليس مُستثنى، بل هو تلقين، فلماذا يحتاج إلى أن يقول مثل هذا الكلام؟ يقول: مثله ليس مُستثنى، بل هو تلقين بالاستثناء، فإذا لم يكن مُستثنى لا يرد سؤاله، نقول: نعم إذا كان مراد الكِرماني بكلامه هذا استثناء العباس الذي هو تلقين، والالتماس من النبي -عليه الصلاة والسلام. أما إذا كان مُراده استثناء النبي -عليه الصلاة والسلام- فكلامه وارد بلا إشكال، وارد.
وما ذكره في تنظيره الآخر قوله: الفصل كان يسيرًا، وليس كذلك بل الفصل كثير، والصواب ما ذكرنا أن المُستثنى منه محذوف، والاستثناء منه من غير فصل. الكِرماني يقول: ولأن سلمنا عدم الجواز، فيُقدر تكرار لفظ لا يُختلى شوكها، نفس كلام العيني. الآن قلنا: إن مسألة التلقين غير مقبولة في جانبه -عليه الصلاة والسلام- وإن دَرَجت على ألسنتهم.
المقدم: فنقول بالتماس.
بالالتماس نعم بالالتماس منه -عليه الصلاة والسلام-، ويأتي ما في هذا الالتماس، وجوابه من مسألة هل للنبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجتهد، أو أنه يستثنى بوحي؟ يأتي هذا في الحلقة اللاحقة إن شاء الله تعالى.
المقدم: الكتابة التي تمت للرجل من اليمن يا شيخ هل هي هذا النص فقط؟ أم الخطبة الطويلة، وأكيد أنها اشتملت على أشياء أخرى؟
على كل حال المكتوب الخُطبة كما تقدم في كلام الأوزاعيّ الخطبة بما فيها هذا الكلام.
المقدم: أحسن الله عليكم، ونفع بعلمكم، أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل، وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، نستكمل بإذن الله ما تبقى في الحلقة القادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.