شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (214)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى حلقة جديدة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لازلنا في باب السمر في العلم في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، أسلفتم في الحلقات الماضية ذكر شيء من ألفاظ الحديث، لعلنا نستكمل في هذه الحلقة ما تبقى أحسن الله إليكم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فقد تقدم بعد النقول عن الخضر، وهل هو حيٌّ أم ميت؟! في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- سُئل عن الخضر وإلياس، هل هما معمران؟ فأجاب: إنهما ليسا في الأحياء ولا معمران، وقد سأل إبراهيم الحربي أحمد بن حنبل عن تعمير الخضر وإلياس، وأنهما باقيان يريان، ويروى عنهما فقال الإمام أحمد: من أحال على غائب لم ينصف منه، وما ألقى هذا إلا شيطان، وسُئل البخاري -رحمه الله- عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على وجه الأرض أحد».
وقال شيخ الإسلام في "منهاج السنة": والذي عليه سائر العلماء المحققين أنه مات، وفي مجموع الفتاوى في الدرس السابق في الحلقة السابقة ذكرنا أن قول الجمهور ادُّعيَ في الطرفين، ادعاه من يقولون بموته، وادعاه من يقولون بحياته، في مجموع الفتاوى أيضًا في الجزء السابع والعشرين، والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجودًا في زمن النبي -صل الله عليه وسلم- لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون في مكة والمدينة تبعًا للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يجوز الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، كما تقرر في الدرس الماضي، ولكان يكون حضوره مع الصحابة للجهاد معهم، وإعانتهم على الدين أولى من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم، كذا في الفتاوى ليرقع لهم سفينتهم، لكنه المعروف أنه خرقها، إلا إذا كانت هذه في قصة أخرى، ولم يكن مختفيًا عن خير أمة أخرجت للناس، إلى أن قال: وإذا كان الخضر حيًّا دائمًا، فكيف لم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك قط؟! ولا أخبر به أمته ولا خلفاؤه الراشدون.
ولشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- فتوى أخرى قال فيها: أما حياته فهو حيٌ، الفتوى الأولى التي ذكرناها في الرابع صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة، والثانية المعارضة لها في الرابع ثلاثمائة وثماني وثلاثين إلى ثلاثمائة وأربعين-.
قال في هذه الفتوى: أما حياته فهو حيٌّ، لكن هذه الفتوى شكَّك فيها جامع الفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن قاسم- رحمه الله- بقوله: هكذا وجدت هذه الرسالة فهو يشكك فيها، وهي مخالفة لما قرره شيخ الإسلام في كثير من كتبه من أنه قد مات، تقدم النقل عنه في أكثر من موضع من الفتاوى، وفي منهاج السنة، مثل هذه الفتاوى المتعارضة إذا وجدت من عالم واحد، الفتاوى المتعارضة إذا وجدت من عالم واحد كهذه المسألة أو غيرها من المسائل التي تذكر عن الأئمة، كثيرًا ما يذكر عنهم أقوال وروايات ووجوه، فكيف نتعامل مع هذه الأقوال؟ أولًا يُنظر في ثبوتها، هل هي ثابتة أو لا تثبت؟ لكن كيف نثبت أو ننفي دون إسناد في مثل هذه؟
إذا كانت الفتوى جارية على قواعد وأصول هذا الإمام احتُمل قبولها وإلا فلا، وهذه الفتوى لا شك أنها مخالفة لما قرره الإمام في كثير من المواضع، وما نقله عنه أخص الناس به كابن القيم وابن عبد الهادي وغيرهم. هذا من هذه الحيثية إذا قلنا إنها قد تجري؛ لأن الإمام قد يُروى عنه فتاوى متعارضة لتغير الاجتهاد، فيتعامل معها كما يتعامل كما قرر أهل العلم مع النصوص، فإن عرف المتقدم والمتأخر فلا إشكال تكون المتأخرة...
المقدم: ناسخ.
ناسخة للأولى، وإن لم يُعرف المتقدم والمتأخر يكون العمل بأقربهم إلى أصوله، إلى أصول الإمام، على كل حال مثل هذه الفتوى قد لا تثبت عن شيخ الإسلام؛ لأن عنه نقولًا كثيرة، وأعرف الناس به وألصقهم به كابن القيم وابن عبد الهادي يثبتون خلافها. ولو قلنا على بعد أنه يمكن أن يكتبها شيخ الإسلام في بداية الطلب تبعًا لما يشاع على ألسنة كثير من حياته والاجتماع به لكثرة من يأتيه ويقول له: رأيت الخضر، قال لي الخضر، فلان قال عن الخضر، يعني الإنسان قد يتأثر أحيانًا، لكن مثل هذا الإمام الجبل الراسخ لا يظن به أن يتعارض كلامه بمثل هذه الطريقة، اللهم إلا إذا قيل: إنه في بداية الطلب.
ابن الجوزي له كتاب أسماه "عجالة المنتظر" في شرح حال الخضر، وهذا الكتاب ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، "عجالة المنتظر" في شرح حال الخضر، قال ابن الجوزي: ابن كثير نقلاً عنه أنه أثبت في هذا الكتاب موت الخضر استدلالاً بقول الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] فالخضر إن كان بشرًا فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه إلا بدليل صحيح، والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يُذكر فيه دليل على التخصيص عن معصوم يوجب قبوله، فابن الجوزي يقرر أنه ميت استدلالاً بالآية، ابن القيم -رحمه الله تعالى- له كلام في المنار المنيف في معرفة بيانة الصحيح من الضعيف من الأحاديث، وذكر علامات الأحاديث الضعيفة والموضوعة، يقول -رحمه الله تعالى-:
المقدم: في أي مجلد يا شيخ؟
المنار المُنيف هو مجلد واحد وجزء واحد في صفحة سبع وستين إلى خمس أو ست صفحات.
يقول -رحمه الله تعالى-: فصلٌ: ومنها الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته كلها كذب، ولا يصح في حياته حديث واحد كحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان في المسجد فسمع كلامًا من ورائه، فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر، وحديث يلتقي الخضر وإلياس كل عام، وهذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وحديث يجتمع بعرفة جبريل ومكيائيل والخضر، والحديث المفترى الطويل وهو أيضًا في موضوعات ابن الجوزي.
يقول ابن القيم: سئل إبراهيم الحربي عن تعمير الخضر وأنه باقٍ فقال: من أحال على غائب لم ينتصف منه، وما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان، هنا ابن القيم -رحمه الله- جعل المسؤول إبراهيم الحربي، وشيخ الإسلام فيما تقدم من كلامه.
المقدم: أن إبراهيم الحربي سأل الإمام.
سأل الإمام أحمد ونفس الجواب من أحال على غائب لم ينصف منه، وهنا قال: لم ينتصف منه، وما ألقى هذا إلا شيطان، قد يكون الأمر في بدايته أن إبراهيم الحربي..
المقدم: سأل الإمام.
يسأل الإمام أحمد ثم بعد ذلك...
المقدم: بدأ يُفتي بلا شك.
يُفتي بقوله بالحرف، ولا يمنع من هذا، قال: وسئل البخاري عن الخضر وإلياس هل هما أحياء؟ فقال: كيف يكونوا هذا وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على ظهر الأرض أحد»، وسئل عن ذلك كثير غيرهما من الأئمة فقالوا: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]، وسئل عنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- فقال: لو كان الخضر حيًّا لوجب عليه أن يأتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يجاهد بين يديه ويتعلم منه، وقد قال النبي -صل الله عليه وسلم- يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض»، وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم، فأين كان الخضر حينئذٍ؟!
ثم قال ابن القيم: قال أبو الفرج بن الجوزي: والدليل على أن الخضر ليس بباقٍ في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين من العلماء والمعقول، عمدة من قال بأنه حي كما تقدم اتفاق جمهور العلماء والعامة، وذكرنا أن مدخل العامة في مثل هذه المسألة ومأخذهم هو نفس مأخذ العلماء.
المقدم: التناقل.
التناقل والرؤية، ادعوا الرؤية أنهم رأوه، أن كلًّا منهم رآه سواء أكان عاميًّا أو عالمًا، فالمعول عليه واحد، يقول ابن الجوزي: والدليل على أن الخضر ليس بباقٍ في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين من العلماء والمعقول.
أما القرآن، فقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] فلو دام الخضر لكان خالدًا، وأما السنة فذكر حديث «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على ظهر الأرض ممن هو عليها اليوم أحد» متفق عليه، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بقليل: «ما من نفس منفوسة يأتي عليها مائة سنة وهي يومئذٍ حية»، وأما إجماع المحققين من العلماء فقد ذكر عن البخاري أي عن ابن الجوزي، فقد ذكر عن البخاري وعلي بن موسى الرضا أن الخضر مات، وأن البخاري سئل عن حياته فقال: وكيف يكون ذلك؟ وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث. قال: وممن قال: إن الخضر قد مات إبراهيم بن إسحاق الحربي وأبو الحسين بن المنادي، وهما إمامان، وكان ابن المنادي يُقبح قول من يقول: إنه حي، وحكى القاضي أبو يعلى موته عن بعض أصحاب الإمام أحمد، وذكر عن بعض أهل العلم أنه احتج بأنه لو كان حيًّا لوجب عليه أن يأتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا شريح بن النعمان قال: حدثنا هُشيم قال: أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني»، فكيف يكون حيًّا ولا يصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ولا الجماعة ويجاهد معه، ألا ترى أن عيسى -عليه السلام- إذا نزل إلى الأرض يصلي خلف إمام هذه الأمة من أتباع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا يتقدم لئلا يكون ذلك خدشًا في نبوة نبينا -صلى الله عليه وسلم- قال أبو الفرج: وما أبعد فهم من يثبت وجود الخضر، وينسى ما في طي إثباته من الإعراض عن هذه الشريعة!!
تقدم القول بأن من زعم أنه من النواقض، أن من زعم أنه يسعى وراء الخروج..
المقدم: عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، يعني يسعه الخروج عن شريعة موسى لماذا؟ لأنها ليس عامة بخلاف شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: أما الدليل من المعقول فمن عشرة أوجه أحدها: أن الذي أثبت حياته يقول: إنه ولد آدم من صلبه، وهذا فاسد لوجهين:- أحدهما أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة، يعني من صلب آدم، يكون الخضر ابن آدم على طول.
المقدم: ستة آلاف سنة في وقت الإمام ابن القيم.
ابن الجوزي؛ لأن نقل هذا الكلام ..
المقدم: نقل عن ابن الجوزي.
نعم، أحدهما أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة فيما ذكر في كتاب يُوحنا المؤرخ، ومثل هذا بعيدٌ في العادات أن يقع في حق البشر، وهذا بناءً على ما اشتهر عندهم أن مدة الدنيا سبعة آلاف، وهذا قد لا يوجد دليل يعضده ولا يسنده، والثاني: أنه لو كان ولده لصلبه أو الرابع من ولد ولده كما زعموا، وأنه كان وزيرًا لذي القرنين، فإن تلك الخلقة ليست على خلقتنا، بل مفرط في الطول والعرض، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «خلق الله آدم وطوله ستون ذراعًا، فلم يزل الخلق ينقص بعدُ»، وما ذكر أحدٌ ممن رأى الخضر أنه رآه على خلقة عظيمة، وهو من أقدم الناس.
الوجه الثالث: أنه لو كان الخضر قبل نوح لركب معه في السفينة، ولم ينقل هذا أحد.
الوجه الرابع: أنه قد اتفق العلماء أن نوحًا لما نزل من السفينة مات من كان معه ثم مات نسلهم ولم يبق غير نسل نوح والدليل على هذا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات:77] وهذا يبطل قول من قال إنه كان قبل نوح.
والوجه الخامس: أنه لو كان صحيحًا أن بشرًا من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر، ومولده قبل نوح، لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب، وكان خبره في القرآن مذكورًا في غير موضع؛ لأنهم من أعظم آيات الربوبية، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى من أحياه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وجعله آية، فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر، ولهذا قال بعض أهل العلم: ما ألقى هذا بين الناس إلا شيطان، يعني يتراءى بصورته، يتراءى للناس بصورته.
والوجه السادس: أن القول بحياة الخضر قول على الله بلا علم، وذلك حرام بنص القرآن، أما المقدمة الثانية: فظاهرة أن القول على الله بلا علم حرام بنص القرآن، وأما الأولى: قول على الله بلا علم فإن حياته لو كانت ثابتة لدل عليها القرآن أو السنة أو إجماع الأمة؟ فهذا كتاب الله تعالى، فأين فيه حياة الخضر؟! وهذه سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأين ما يدل على ذلك بوجه، وهؤلاء علماء الأمة هل أجمعوا على حياته؟ الجواب: لا.
الوجه السابع: أن غاية ما يتمسك به من ذهب إلى حياته حكايات منقولة يخبر الرجل بها أنه رأى الخضر، فيا لله العجب هل للخضر علامة يعرفه بها من رآه، وكثير من هؤلاء يغتر بقوله: أنا الخضر، ومعلوم أنه لا يجوز تصديق قائل ذلك بلا برهان من الله تعالى، فأين للرائي أن المخبر صادق لا يكذب؟ لأنه السبب في ذلك تشكيك في خبره أنه مجهول.
الوجه الثامن: أن الخضر فارق موسى بن عمران كليم الرحمن ولم يصاحبه وقال له: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] فكيف يرضى لنفسه بمفارقته لمثل موسى، ثم يجتمع بجهلة العبّاد الخارجين عن الشريعة الذين لا يحضرون جمعة ولا جماعة ولا مجلس علم، ولا يعرفون من الشريعة شيئًا وكل منهم يقول: قال: الخضر...، وجاءني الخضر...، وأوصاني الخضر.. فيا عجبًا له يفارق كليم الله ويبحث على صحبة الجهال، أو يبحث عنها على صحبة الجهال ومن لا يعرف كيف يتوضأ ولا كيف يصلي؟
الوجه التاسع: أن الأمة مجمِعة على أن الذي يقول: أنا الخضر لو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا وكذا لم يُلتفت إلى قوله، أن الأمة مجمعة على أن الذي يقول: أنا الخضر لو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذا وكذا لم يُلتفت إلى قوله، ولم يُحتج به في الدين إلا أن يُقال: إنه لم يأت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بايعه أو يقول هذا الجاهل إنه لم يُرسل إليه، وفي هذا من الكفر ما فيه.
الوجه العاشر: أنه لو كان حيًّا لكان جهاده الكفار ورباطه في سبيل الله ومقامه في الصف ساعةً، وحضوره الجمعة والجماعة وتعليمه العلم أفضل له بكثير من سياحته بين الوحوش في القفار والفلوات، وهل هذا إلا من أعظم الطعن عليه والعيب له؟! يعني مثل هذه الأخبار الشبيهة التي كثير منها رؤى، وبعضهم يتجاوز حد الرؤيا إلى أن يدّعي أنه رآه في اليقظة، وهذا كما ادعوه في النبي -عليه الصلاة والسلام- ادعى من ادعى منهم أنه كان يراه في اليقظة، وأنه يسأله عن الحديث فالرسول -عليه الصلاة والسلام- قد مات بنص القرآن، وفارقت روحه جسده، فكيف يخرج من قبره ليقابل فلانًا أو علانًا -عليه الصلاة والسلام-، وأما رؤياه في النوم ثبت في الحديث الصحيح بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- بأن الشيطان لا يتمثل به، وأن من رآه فقد رآه على حقيقته، وبعضهم يعتمد على مثل هذه الرؤى وينقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعض الأحكام، وينقل عنه ويسأله أحيانًا عن تصحيح بعض الأحاديث، وهذا يفعله السيوطي وغيره، لكن هل يعوّل على مثل هذا التصحيح أو التضعيف؟
المقدم: لا.
أبدًا، هل يمكن أن نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- أو المرئي بصورته -عليه الصلاة والسلام- ليس هو النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! الشيطان لا يتمثل به، لكن الطعن في الاعتماد على الرؤيا من جهة أن الرائي غير مكتمل القوى، يعني هل يعتمد على شخص سأل في النوم ، كثير من الناس ينسى ثلاثة أرباع الرؤيا إذا انتبه من نومه، فهل من هذه حاله يعتبر قوله في النقل؟
المقدم: أبدًا.
هذا تقدم تقريره في شرح حديث «من رآني في المنام فقد رآني» فمثل هذا لا يعتمد عليه ولا يعول عليه حتى لو قال: إنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثبت بحديث صحيح أن الشيطان لا يتمثل به، وقال: سألت النبي- عليه الصلاة والسلام- في كذا وكذا، الشرع اكتمل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة للنقل عنه من تصحيح أو تضعيف أو غيره، فالطعن في حال الرائي وأنه مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان في حال اليقظة فإن هذه الأوصاف تُسلب منه أو كثير منها أو نسبة كبيرة منها إذا نام، بدليل أن الرؤيا كثير ممن يرى وهو من أوثق الناس وأضبطهم ينسى، ينسى أكثر رؤياه، فدل على أنه ليس بضابط ولا متقن.
المقدم: يا شيخ أحسن الله إليك فيما يتعلق بمنافحة غلاة الصوفية في مسألة حياة الخضر، واعتبار حياته بالنسبة لهم مهمة، وقيام بعض أصولهم على هذا، ما الداعي لهذا؟ هل هناك داعٍ لهذا؟
الداعي هو تلبيس الشيطان هو لبس عليهم من أول الطريق
المقدم: لكن ألا يمكن أن يبحث عن شخصية أخرى لماذا الخضر بالذات؟ لماذا لم يكن أحد من كبار الصحابة مثلاً..
لأن هذا كما يزعمون كما قال الله عنه: وآتيناه من لدنا علمًا، فهذا الرجل عنده العلم اللادني وعندهم العلم اللادني له شأن، فهم يأخذون منه مباشرة يريدون أن يأخذوا منه مباشرة، ولا يوجد أحد بهذا الوصف، اللهم إلا أن يدعوا حياة أحد من الأنبياء، لكن..
المقدم: الخضر أقرب إليه وعدم ثبوت موته..
أقرب إليهم، أبدًا وهذا هو السبب إلا من النصوص العامة.
وبالتالي ينقلون عنه، يعتمدون على بعض النقول للعلم اللادني المزعوم عنده.
ينقلون ويتوسعون ويضربون بنصوص الكتاب والسنة عرض الحائط من أجل هذه الخرافات.
المقدم: سبحان الله.
وغالب بدع الصوفية من هذا النوع مبنية على خرافات، والسبب في هذا بعدهم عن الكتاب والسنة، ففي قدر ما يبتعد الإنسان عن نصوص الوحيين يدخل عليه الدخَل بقدره، ولذا من أمات سنة أو ترك سنة ابتلي ببدعة، نعم بلا شك، ومن أمات بدعة وفق لعمل سنة {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ:26]، يقول في مثل هذه الأخبار التي يتداولونها ويتناقلونها، وعليها مبنى كثير من أقوالهم أعني الصوفية.
والصوفية حقيقة من باب الإنصاف أن منهم الغلاة، الغلاة الذين قد تخرجهم بدعتهم من الملة، ومنهم المتوسطون عندهم بدع كبرى، لكن لا يصل الأمر إلى إخراجهم من الملة، ومنهم من صاحب بدعة صغرى وشيخ الإسلام ينقل عنهم كثيرًا، ينقل عن أبي يزيد البسطامي، وينقل عن الجنيد، وينقل عن أبي سليمان الداراني وغيرهم من باب إقناع قومهم لا من باب اعتبار أقوالهم؛ لأن كلام الشيخ -رحمه الله- يقرأه الصوفي، فإذا سمع كلام مثل هؤلاء وشيخ الإسلام ينتقي من أقوالهم الحق فلا شك أن هذا يؤثر في أتباعهم ومن يحسن الظن بهم، وإلا ففي نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل التحقيق ما يغني عن نقل أقوال هؤلاء وغيرهم.
المقدم: جزاكم الله خيرًا، وأحسن إليكم، ونفع بعلمكم،
المقدم: أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة على أن نستكمل بإذن الله ما تبقى من ألفاظ هذا الحديث ومن أحكامه أيضًا في حلقة قادمة، وأنتم على خير.
المقدم: شكرًا لطيب متابعتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.