شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (216)

المقدم:

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم إلى حلقه جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.

 مع مطلع هذه الحلْقة، يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة، الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلاً ومرحبًا بكم فضيلة الدكتور.

حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.

لازلنا في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، وكنتم أسلفتم الحديث حول الترجمة أو الخلاف في المقصد من الترجمة، وسقتم كلامًا للإمام ابن حجر –رحمه الله-، وعدنا أن نستكمل هذا الموضوع للإخوة والأخوات.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،

أما بعد،

فتقدم في الحلقة السابقة ذكر شيء من المناسبة بين الحديث وترجمته، وفيها كلام طويل، حيث قال ابن المنير ومن تبعه: احتمل أن يريد أن أصل السمر، الترجمة باب السمر في العلم، والحديث «بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث» إلى آخره.

قال ابن المنير، ومن تبعه: يحتمل أن يريد أن أصل السمر يثبت بهذه الكلمة وهي قوله: «نام الغليم»، ويحتمل أن يريد ارتقاب ابن عباس لأحوال النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا فرق بين التعليم من القول والتعليم من الفعل؛ لأن ارتقاب ابن عباس، وسبره لحال النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الليلة، تعلم، هو ينظر إلى فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ ليتعلم، وهذا تعليم فعلي من النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن عباس، فقد سمر ابن عباس ليلته في طلب العلم، طلب العلم العملي، هكذا قال ابن المنير، ومن تبعه، زاد الكرماني قال: أو ما يفهم؛ يعني أن الترجمة قد تكون مما يفهم من جعله عن يمينه، بعد أن صف ابن عباس عن يساره، أداره النبي -عليه الصلاة والسلام- عن يمينه، كأنه -صلى الله عليه وسلم- قال لابن عباس: قف عن يميني، قف عن يميني فقال: وقفت، ويجعل الفعل في منزلة القول، أو أن الغالب، هذا وجه يكون ماذا؟

من قوله: «نام الغليم» في كلام (ابن المنير) التعليم بالفعل ومراقبة (ابن عباس) هذا ثانٍ، الثالث: ما زاده الكرماني، أو ما يفهم من جعله عن يمينه، كأنه -صلى الله عليه وسلم- قال لابن عباس: قف عن يميني، وهذا تعليم، سمر في العلم.

الاحتمال الرابع: وأبداه أيضًا الكرماني يقول: أو أن الغالب أن الأقارب إذا اجتمعوا لا بد أن يجري بينهم حديث للمؤانسة، وحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- كله فائدة وعلم، ويبعد من مكارمه -عليه الصلاة والسلام- أن يدخل بيته بعد صلاة العشاء بأصحابه، ويجد ابن عباس –رضي الله عنهم– بائتًا له ولا يكلمه.

يقول ابن حجر: كل ما ذكره معترض؛ لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يُسمى سامرًا؛ لأن أولى من كونه قال: «نام الغليم» بالسمر، أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا دخل البيت، أو في طريقه من المسجد إلى البيت، وهذا أكثر، فإذا عددنا هذه سمرًا حتى ولو لم يقل «نام الغليم» كان سامرًا بسلامه ورده السلام.

يقول ابن حجر: كل ما ذكره معترض؛ لأن من يتكلم بكلمة واحده لا يسمى سامرًا، وصنيع ابن عباس يسمى سهرًا، لا سمرًا، إذ السمر لا يكون إلا عن تحدث، قاله الإسماعيلي عندك الآن أذكار النوم، أذكار النوم إذا آوى إلى فراشه هل تسمى سمرًا؟

المقدم: أبدًا.

وهى أكثر من هذا، حتى قال ابن القيم في طريق الهجرتين: وهي نحو من أربعين، أذكار النوم، نحو من أربعين، هل نقول: إن هذا سمر؟ إذًا السمر لا ينفك منه أحد، نعم، فمثل هذا لا يسمى سمرًا فيما قاله ابن حجر هو ظاهر، قال: وصنيع ابن عباس يسمى سهرًا لا سمرًا؛ إذ السمر لا يكون إلا عن تحدث، قاله الإسماعيلي وأبعدها الأخير؛ لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم، لا يسمى سمرًا.

قال ابن حجر: والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة مستفادة من لفظ آخر في هذا الحديث بعينه، من طرق أخرى، وهذا يصنعه المصنف كثيرًا، يريد به تنبيه الناظر في كتابه على الاعتناء بتتبع طرق الحديث، والنظر في مواقع ألفاظ الرواة؛ لأن تفسير الحديث بالحديث أولى من الخوض فيه بالظن، وإنما أراد البخاري –رحمه الله تعالى– هنا ما وقع في بعض طرق هذا الحديث مما يدل صريحًا على حقيقة السمر بعد العشاء، وهو ما أخرجه في التفسير وغيره من طريق كريب عن ابن عباس قال: «بت في بيت ميمونة فتحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أهله ساعة ثم رقد».

 هذا ظاهر، هذا ظاهر، مناسبته ظاهرة للترجمة، فكلام ابن حجر في غاية الدقة والصحة قال: فصحت الترجمة بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن، فإن قيل: هذا إنما يدل على السمر مع الأهل، لا في العلم، فالجواب أنه يلحق به، والجامع تحصيل الفائدة، أو هو بدليل الفحوى؛ لأنه إذا سمر في مباح، إذا سمر فيه فمباح فلأن يسمر في العلم.

المقدم: من باب أولى.

من باب أولى؛ لأنه إذا شرع في المباح، فالمستحب من طريق الأولى، لكن هل يرضى العيني بمثل هذا الكلام؟ هذا الكلام في غاية الجودة وتقدم نظيره مرارًا، مما يذكره ابن حجر، وينقله العيني ويقره ، مرارًا مثل هذا، وهذا ملحظ قوي، لكن من يدرك مثل هذا؟ من يعنى بجمع الطرق وتتبع الطرق والإحاطة بالكتاب المشروح من أوله إلى آخره، أما من لا يحيط بالكتاب المشروح، فإنه لا يبدي مثل هذا، يخفى عليه ما جاء في المواضع الأخرى، حتى إن الكرماني في بعض المناسبات، أبدى شيئًا لا يخطر على بال البخاري –رحمه الله تعالى- ولا غيره، والمناسبة منصوصة في الباب الذي يليه، حتى قال ابن حجر: وهذا جهل بالكتاب المشروح؛ يعني أقل الأحوال أن تكون على علم بما تشرح، ولهذا نوصي الطلاب أن يتعلموا الحديث على هذه الكيفية، على هذه الكيفية التي يشير إليها ابن حجر؛ لأن الذي لا يحيط بطرق الحديث، ويخفى عليه الموضع الذي يلي هذا، تقع الأوهام في كلامه؛ لأنه يضطر أن يبدي المناسبة من هذه الطريق فقط، وقد لا يكون هناك مناسبة، المناسبة يشير إليها في حديث آخر، وفي طريق آخر، وفي طريق أخرى.

 نقول: نوصي الطلاب لتطبيق ما أشار إليه ابن حجر في هذا الكلام، أن يدرس الكتب الستة معًا، في آن واحد، كمرحلة أولى لدراسة السنة، وهذه يتعلم منها الطالب، الإحاطة بالمتون بقدر ما أعطاه الله –جل وعلا– من حفظ، يحيط من المتون ومن الأسانيد بقدر ما عنده من حافظة، ولو أضطره هذا إلى أن يردد، وأيضًا يتفقه من الأحاديث بجميع طرقها في آن واحد.

فمثلاً: لو أتينا إلى الحديث الأول من صحيح البخاري، وهو حديث عمر «إنما الأعمال بالنيات» وأردنا أن نطبق هذه الطريقة، لوجدنا أن الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- خرّج الحديث في سبعة مواضع، خرّج الحديث في سبعة مواضع، في الموضع الأول، ورقم أربعة وخمسين، وألفين وخمسمائة وتسعة وعشرين، وثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانية وتسعين، وخمسة آلاف وسبعين، وستة آلاف وستمائة وتسعة وثمانين، وستة آلاف وتسعمائة وثلاثة وخمسين، هذا تقدم ذكره، وهو بالنسبة للبخاري هذا الذي نصنعه في جميع ما تقدم وما يلحق إن شاء الله تعالى، يعني نذكر أطراف الحديث، وما ترجم به البخاري على هذه الأطراف؛ ليتفقه الطالب ويتعلم المتون والأسانيد، والفقه والاستنباط في آن واحد.

يأتي إلى الموضع الأول وينظر في سنده، ومتنه، وما ترجم به البخاري عليه – رحمه الله– وما أردفه من آثار؛ لأن هذه الآثار تحل إشكالات، فيدرس الطالب هذه الطريق بهذه الكيفية، ويربط بين المتن والترجمة، وينظر في الإسناد، وينظر ما فيه من لطائف، ثم بعد ذلك ينتقل إلى الموضع الثاني، رقم أربعة وخمسين، وينظر فيه على هذه الطريقة، ينظر في المتن والإسناد، والربط بالترجمة، والآثار التي أردفت بها الترجمة، وهكذا إلى آخر المواضع السبعة في البخاري، ثم يرجع إلى مسلم من الحديث مخرّج عند الجماعة كلهم، ينظر إليه في مسلم، وينظر ما ترجم به شراح الإمام مسلم على هذا الحديث؛ لأن هذا فقههم، التراجم فقههم، ثم بعد ذلك ينظر في طرق الحديث التي يوردها الإمام مسلم في موضع واحد، وينظر ما بينها من اتفاق واختلاف في المتون والأسانيد، ثم بعد ذلك يضع علامة على المواضع التي درسها.

مثلًا: رقم أربعة وخمسين من صحيح البخاري الطرف الثاني من حديث «الأعمال بالنيات» يشير إليه أنه سبقت دراسته مع رقم...

المقدم: واحد.

واحد، ثم بعد ذلك، هكذا بقية الأرقام، يقول: سبقت دراستها مع رقم واحد، وإذا نظر في مسلم، وانتهى منه على هذه الكيفية، أشار في نسخته من صحيح مسلم أن هذا الحديث، سبقت دراسته مع الحديث رقم واحد من صحيح البخاري، ثم يأتي إلى أبي داود، وينظر في متنه، وإسناده، وترجمته، على الكيفية التي ذكرناها، ويشير في سنن أبي داود في نسخته أن هذا الحديث دُرس مع الحديث رقم واحد من صحيح البخاري، ثم يأتي إلى الترمذي فينظر فيه على هذه الكيفية، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، فينظر في حديث «الأعمال بالنيات» بجميع طرقه وألفاظه، وما ترجم به الأئمة على هذا الحديث في الكتب الستة.

وبهذا يكون انتهى من سبعة أحاديث في البخاري، وصفحة أو صفحة ونصف من صحيح مسلم؛ لأنه يذكر الحديث بطرقه، وأسانيده، ومتونه، واختلافه، في موضع واحد، وينتهي من أحاديث في أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في آن واحد بأرقامها، يكون بهذا انتهى مما يقرب من عشرين حديثًا من الكتب الستة، وهو ينظر في حديث واحد، عشرين رقمًا من الكتب الستة، وهو حديث واحد، وبهذا يأخذ تصورًا كاملًا عن الحديث، واستنباطات الأئمة، أهل الحديث، فقه أهل الحديث هذا.

وأيضًا فقه السلف؛ لأن البخاري يردف التراجم بأقوال السلف، فيجتمع لديه من الملكة الحديثية، وحفظ المتون والأسانيد، ما لا يجتمع لغيره، لماذا؟ لأنه أحيانًا يكون في بعض طرق الحديث ما يحل إشكالًا في بعض الطرق الأخرى، فمتى يصل إلى هذا الحل؟ إذا كان في سنن الترمذي مثلًا هذا الحل، يصل إليه إذا قرأ الكتب مرتبة البخاري، ثم مسلم، ثم أبو داود، ثم الترمذي متى يصل؟ يصل بعد سنين، لكنه يصل إلى حل الإشكال في وقته، ثم بعد ذلك الحديث الثاني، على هذه الطريقة، الحديث الثالث، الرابع، العاشر، إلى آخره.

قد يقول قائل: هذه طريقة صعبة، نقول أيضًا: وهل علم الحديث سهل؟ علم الحديث في غاية الصعوبة، بعضهم يؤثر حفظ المتون من المختصرات، نعم الذي تسعفه الحافظة، حافظته تيسر عليه السرعة في مسح الكتب، هذا جيد، لكن يبقى أنه يحرم الأصول، يحرم الطرق، يحرم التراجم التي هي فقه الأئمة، يحرم أيضًا ما يوضح هذه التراجم من كلام السلف، فهو محروم من هذه كلها.

 قد يقول قائل: أنا الآن في وقت الحفظ أخزن متونًا ثم بعد ذلك أنظر في الفقه والاستنباط، نقول: نعم إذا كانت تسعفك الحافظة فافعل، إذا كان بإمكانك أن تحفظ البخاري بدون تكرار، ثم زوائد المسلم، ثم زوائد أبي داود، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد النسائي، ثم زوائد ابن ماجه في وقت قصير وتضمن حفظ هذه المتون، بعد ذلك تبدأ بالتفقه، لا يمنع من هذا شيء، لكن الإشكال فيمن لا تسعفه الحافظة كيف يتفقه؟ يضيع وقته سدى؛ لأنه لا عنده حافظه تسعفه، يبدأ يحفظ، وليست لديه طريقة في التفقه التي ذكرناها، يضيع، لكن إذا كانت الحافظة ضعيفة ومن كثرة التكرار، يقرأ الحديث في البخاري سبع مرات، وينظر بين الفروق مع إحضار الذهن؛ لأن المسألة دقيقة، وينظر في السنن كذلك، لا ينتهي من الحديث إلا وقد رسخ في ذهنه.

 فهذه الطريقة وهي مجربة، لا أقول جربتها بنفسي، جربت نماذج منها، هي مجربة، جربها بعض الإخوان، فاستفادوا فائدةً عظيمة، أنا جربت منها نماذج، وطبقت والفائدة لا يتصورها إلا من عاناها، قد يقول قائل: هذا يحتاج إلى سنوات، نقول: هل تستكثر على الكتب الستة أن تفني فيها من عمرك عشر سنوات؟ مع أنه مع الجد وحفظ الوقت أقل بكثير، ما تحتاج ولا خمس سنوات، بهذه الطريقة التي شرحناها، فأحسب أن هذه طريقة ناجحة، وجربها بعض الإخوان، وذكروا أشياء من الفوائد قد لا تخطر حتى ببالي أنا، بالنسبة لمن جربها، أما أنا فطبقت نماذج، فوجدتها في غاية النفع، ولكن المسألة تحتاج إلى جد، تحتاج إلى جد، والعلم بهذه المعاناة يثبت، أما مجرد ما تمسك الكتاب وتقرأ، هذه إن كانت الحافظة تسعفه، قوية تستفيد، لكن إذا كانت الحافظة ضعيفة وأطبقت الكتاب لم يبق في ذهنك منه شيء، فمثل هذا يحتاج إلى مثل هذه الطريقة التي تعينه على حفظ السنة وفهم السنة.

 وحتى مسألة الأسانيد، إذا تكرر عليك الرجل بالإسناد سبع مرات، وتكشف المبهم من خلال طريق أخرى، جاءك مثلاً سفيان هنا ما بُيّن سفيان، هذا يسمونه؟ مهملًا، كيف يتم تعيينه وتمييزه؟ بالطرق الأخرى يتميز، فأنت تستغني عن كثير من الشروح بهذه الطريقة، نعم أشكل عليك لفظة غريبة في المتن، ولم تجد حلها في المتون الأخرى ولا في الكتب الأخرى، تراجع عليها كتب الغريب وكتب الشروح، وأنت بهذا تكون قد أحطت بكتب السنة إحاطة تستفيد منها فائدة عظيمه إن شاء الله تعالى؛ لأن الوقت يضيع، الوقت يضيع من الطلاب وهم لا يشعرون، وبعضهم يتخبط كيف يتفقه؟

وأقول: إن هذه الطريقة تكون بعد حفظ المتون الأولى، التي هي الطبقات الأولية من التحصيل؛ يعني كتب الطبقة الأولى، المتون الصغيرة مثلاً، وكتب الطبقة الثانية، المتون المتوسطة، وهكذا فإذا أنهى متون الطبقة المتقدمة، وشرع في تحصيل العلم النبوي، الميراث النبوي من سنته -عليه الصلاة والسلام- بهذه الطريقة، أحسب أنه يستفيد فائدة عظيمة.

وهذا ما أشار إليه ابن حجر، وهذا ما ميز ابن حجر، هذا الذي يميز ابن حجر، ولذلك الإطباق على كونه الحافظ، فيه أحد يقول: قال ابن حجر أو قال الحافظ ابن الحجر لماذا؟ لأنه حفظ ما يستحق أن يوصف به، ولذلك كثيرًا ما نستدرك من هذا النوع، تجد الذي لا يحفظ، يتلمس، يتلمس المناسبة، ولذلك الذي يعاب على أهل الرأي كما ذكر ابن القيم في إغاثة اللهفان أنه أعجزهم حفظ المتون، حفظ الأحاديث، أعجزهم فصاروا أي حديث يقع في أيديهم يستنبطون منه بمفرده، ولا ينظرون إلى ما يوافقه ويشهد له ولا ما يعارضه، وبهذا يكون التصور فيه شيء من الخلل.

قد يكون الحديث فيه ضعف، لكن أنت ما تحفظ طرقًا أخرى، وليست لديك الأهلية في أن تنظر في الطرق الأخرى، ما تستفيد كثيرًا، على كل حال هذه طريقة، سلكها ابن حجر، وأحسب أنها مجديه.

هذا الذي قاله ابن حجر، وقال: إن الترجمة صحت بحمد الله تعالى من غير حاجة إلى تعسف ولا رجم بالظن، هذا لا شك أنه يفرح به مثل ابن حجر، وممن ينحو منحى ابن حجر الوقوف على مثل هذه الطريقة التي تلوح فيها المناسبة ظاهرة، لكن هل هذا يعجب غيره؟

المقدم: مع الأسف، لا .

تعقب العيني ابن حجر بقوله، قلت: اعتراض هذا المُعترِض كله مُعترض، اعتراض هذا المُعترض كله مُعترض، أما قوله: لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا يسمى سامرًا فغير صحيح؛ لأن حقيقة السمر التحدث بالليل، ويطلق ذلك على التحدث بكلمة، أنا أقول: لو قلنا بهذا لقلنا كل الناس سمار، كلهم سمار، أقل الأحوال أن يأتي بأذكار النوم، لكن قد يقول قائل: إن التحدث إلى الغير، المقصود به السمر التحدث مع الغير، لا مع النفس، السلام، إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إذا دخل بيته، أو في طريقه من المسجد، هذا أكثر من «نام الغليم»، فهو لا يعد سمرًا، وإلا لا يخلوا أحد من سمر، ويقع الناس كلهم في المنهي عنه، على هذا يكره الحديث بعده، الحديث أيش؟ قول السلام عليكم، المقصود بها الحديث الذي لا ينفع، لا ينفع السامر.

قال: أما قوله لأن من يتكلم بكلمة واحدة لا ،يسمى سامرًا فغير صحيح؛ لأن حقيقة السمر التحدث بالليل ويطلق ذلك على التحدث بكلمة، وقد بيَّن ذلك ابن المنيّر بقوله: إن أصل السمر ثبت بهذه الكلمة وهي قول: «نام الغليم»، والذي قاله صحيح؛ لأن أحدًا لم يشترط أن لا يكون السمر إلا بكلمات متعددة، وأهل اللغة قاطبة لم يقولوا إلا أن السمر هو التحدث بالليل، وهو يطلق على القليل والكثير، فنقول: هذا التعقب هو لمجرد التعقب، التعقب من العيني – رحمه الله-، هو لمجرد التعقب، وأما قوله: وصنيع ابن عباس يسمى سهرًا لا سمرًا، فنقول: إن السمر كما يطلق على القول يطلق على الفعل، يقال: "سمر القوم الخمر" إذا شربوها، و"سامر الإبل" ما رأى منها بالليل، يقال: "إن إبلنا تسمر" أي ترعى ليلًا، بالفعل سمر بالفعل، لكن السمر هو التحدث بالليل والفعل بالليل، من طرف واحد أو من أكثر من طرف؟

المقدم: أكثر من طرف.

أكثر من طرف، فابن عباس يراقب فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.

المقدم: لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يراقبه.

لا يراقبه، الأمر الثاني، لو أرق من نومه، أرق نقول سمر، أرق، ما جاءه النوم بسهولة، هذا لا يسمى سمرًا، يسمى...

المقدم: أرقًا.

أرقًا، وأما قوله: "وأبعدها الأخير"، فهو أبعد اعتراضاته، يعني أبعدها من وجوه المناسبة، في قول ابن حجر عن كلام الكرماني، أبعدها الأخير، فهو أبعد اعتراضاته، بل هو الأقرب، هذا كلام العيني؛ لأن قوله لأن ما يقع بعد الانتباه من النوم لا يُسمى سمرًا، مخالف لما قاله أهل اللغة، وبيان قرب الأخير الذي أدعى أنه أبعدها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان وقت جعله ابن عباس عن يمينه في مقام التعليم له ولا شك أنه لم يكتف وقتئٍذ بمجرد الفعل، بل علمه أيضًا بالقول بزيادة البيان، ولاسيما أن ابن عباس كان حينئذ صغيرًا، ولم يكن عالمًا بموقف المقتدي من الإمام.

وأما قوله: "والأولى من هذا كله"، وأما قوله: والأولى من هذا كله أن مناسبة الترجمة إلى آخره، فكلام ليس له توجيه أصلاً، هذا كلام العيني، فكلام ليس له توجيه أصلاً فضلاً عن أن يكون أولى من غيره، لأن من يعقد بابًا بترجمة ويضع فيه حديثًا، وكان قد وقع هذا الحديث بعينه في باب آخر، ولكن بطريق أخرى، وألفاظ متغايرة، هل يقال: مناسبة الترجمة في هذا الباب يستفاد من ذلك الحديث الموضوع في الباب الآخر؟ فما أبعد هذا الكلام، وأبعد من هذا البعيد، أنه علل ما قاله بقوله: لأن تفسير الحديث بالحديث، أولى من الخوض فيه بالظن.

فسبحان الله! هؤلاء ما فسروا الحديث هاهنا، بل ذكروا مطابقة الحديث للترجمة بالتقارب، وما ذكره هو الرجم بالظن، اعتراضه على ابن حجر؛ لأن ابن حجر أبدى المناسبة من طريق أخرى في باب آخر، هو يقول: نحن أمام ترجمة، وحديث، نريد أن نربط بين هذه الترجمة، وما ذكر تحتها من حديث، ما لنا علاقة بالأحاديث الأخرى، نقول: صحيح هذا في غير البخاري، لكن البخاري -رحمه الله تعالى- له مقاصد، وله مغازٍ ما يدركها كل أحد، ومر بنا مرارًا إبداء المناسبة بهذه الطريقة من الطرق الأخرى، ولعل الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- من مقصده أن يطلّع على جميع الطرق، وهذا مقصد حسن وحث للطلاب على.

المقدم: شحذ الهمم.

 معرفة هذه الطرق، ولا يلزم أن يكون كل شيء يجعله أهل العلم مناسبته تلوح كالشمس، لا بد من أن يكون.

المقدم: بحث.

لابد من البحث ولابد من التعب في تحصيل هذا العلم، ولذا الإمام البخاري –رحمه الله تعالى- لما وضع حديث ضباعة بنت الزبير الذي فيه أنها كانت شاكية، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: «حجي واشترطي، فإن لكِ على ربك ما اشترطتي» أو «ما استثنيتي»، لما وضع هذا الحديث في كتاب النكاح، ولم يضعه في كتاب الحج، المناسك، ولا الإحصار، وإنما وضعه في الحج.

المقدم: في النكاح.

في النكاح، نعم، طالب العلم يستغرب، وضعه لكلمة جاءت في آخره "وكانت تحت المقداد" قرشية هاشمية ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- تحت مولى، المقداد مولى وترجم عليه باب الأكفاء في الدين، هذه دقة، أم ما هي بدقة؟

المقدم: دقة نعم.

وهناك ما هو أعجب من هذا، لكن إذا كانت المناسبة، في غير البخاري تجد المناسبة ظاهرة، لكن عند البخاري، تجد يقارب البخاري في هذه الدقة، وفي هذا الإبعاد الذي يجعل طالب العلم يحرص على الفهم، صنيع الإمام المجدد، محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله تعالى– في كتاب التوحيد، فكثير من مسائله التي يختم بها الأبواب تحتاج إلى إعمال ذهن، وتحتاج إلى معاناة؛ ليثبت هذا العلم الذي ذكر في هذا الكتاب.

 ابن حبان لما ألف كتابه الأنواع والتقاسيم، لو كان على وضعه الذي جعله عليه مؤلفه، ما استطاع طالب علم أن يستفيد منه، لماذا؟

لأن طلاب العلم ما عندهم استعداد يمسكون الكتاب من أوله إلى آخره فيقرؤون، وكان من أهداف ابن حبان أن يُقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، هنا يرجع إليه، تأخذ الفائدة من قرب، ثم بعد ذلك تترك الكتاب، هو يريدك وأنت تريد هذه الفائدة تمر بمئات الفوائد، وهذه طريقة من يعاني الكتب من غير فهارس ولا آلات، يستفيد فائدة عظيمه في طريقه، أما إذا كشف عن ما يريد بالآلات، فهذا لا يستفيد إلا هذه المسألة التي يريدها، وقلنا مرارًا أن هذه الآلات يستفاد منها مع ضيق الوقت، مع ضيق الوقت أو اختبار العمل، على ما ذكرناه ورددناه مرارًا .

المقدم: أحسن الله إليكم ونفع بكم.

 أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، تبقى في هذا الحديث مجموعة من القضايا، بإذن الله ستكون محاور الحديث في حلقات قادمة، وأنتم على خير، شكرًا لطيب متابعتكم.

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.