شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (320)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم "شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح" مع بداية هذه الحلقة نرحب بضيف البرنامج الذي يتولى شرح أحاديث هذا الكتاب صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا بكم فضيلة الشيخ.
حياكم الله، وبارك فيكم، وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: لتذكير الإخوة والأخوات، نحن في الحديث مائة وسبعة وعشرين بحسب المختصر، مائة وتسعة وخمسين بحسب الأصل حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، توقفنا عند قوله– صلى الله عليه وآله وسلم -: «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه» لفظة: «غفر له ما تقدم من ذنبه»، أحسن الله إليكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
ففي قوله -عليه الصلاة والسلام-: «غفر له ما تقدم من ذنبه» يقول ابن حجر: ظاهره يعم الكبائر والصغائر؛ لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، قوله: في غير هذه الرواية أو في غير هذا الحديث.
المقدم: المفروض أن يقول في غير هذا الحديث.
في غير هذا الحديث؛ ليبقى هذا الحديث مطلقًا، غير مقيد، أما في غير هذه الرواية يفهم منه أنه في رواية أخرى من روايات الحديث...
المقدم: قيده.
نعم.
المقدم: وكل الروايات الخمس مواضع أو الست غير مقيدة.
أن ما فيها تقييد، يقول: وهو في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته بنظير ذلك.
ويقول العيني: قوله: «غفر له ما تقدم من ذنبه» يعني من الصغائر دون الكبائر، كما هو مبين في مسلم، وظاهر الحديث يعم جميع الذنوب، ولكنه خص بالصغائر، والكبائر إنما تكفر بالتوبة، وكذلك مظالم العباد؛ لأنها من الديوان الذي لا يغفر، مظالم العباد لابد من التخلص منها، فإن قيل: حديث عثمان -رضي الله عنه - الآخر الذي فيه: خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره، مرتب على الوضوء وحده، ليس فيه وصلى ركعتين فلو لم يكن المراد بما تقدم من ذنبه في هذا الحديث العموم في الصغائر والكبائر لكان الشيء مع غيره كالشيء لا مع غيره، كان الشيء مع غيره وضوء مع الصلاة، كالشيء لا مع غيره وضوء فقط، فإن فيه الوضوء والصلاة، وفي الأول الوضوء وحده، وذلك لا يجوز.
يقول: أجيب بأن قوله: خرجت خطاياه، لا يدل على خروج جميع ما تقدم له من الخطايا، فيكون بالنسبة إلى يومه أو إلى وقت دون وقت ما، وأما قوله: «ما تقدم من ذنبه» فهو عام، فهو عام بمعناه، وليس له بعضٌ متيقن، كالثلاثة في الجمع، أعني الخطايا، الخطايا إذا ثبت أنه غفر له ثلاث من الخطايا صدق أنها خرجت خطاياه، لكن الجمع إذا أضيف.
المقدم: خطاياه؟
نعم، يعني مثل ما تقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي مثلًا، هل تريد بعضها أو تريد الجميع؟
المقدم: الجميع.
نعم؛ لأن الجمع إذا أضيف أفاد العموم، لكنه عموم في الصغائر، قال: فيحمل على العموم في الصغائر، وقال بعضهم -يعني ابن حجر، هذا أسلوبه إذا أراد أن ينتقد- قال بعضهم: وهو في حق من له كبائر وصغائر ومن ليس له صغائر كُفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خففت عنه بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزاد في حسناته نظير ذلك، يقول العيني: قلت الأقسام الثلاثة الأخيرة غير صحيحة، أما الذي ليس له إلا صغائر فله كبائر أيضًا؛ لأن كل صغيرة تحتها صغيرة فهي كبيرة، هذا الكلام صحيح أم لا؟
المقدم: ما هو بصحيح.
هو نظر إلى الكبر بالصغر النسبي.
المقدم: يعني قصده كلما تراكمت الصغائر أدت إلى الكبائر؟
لا، كِبر وصِغر نسبي.
المقدم: وليس اللفظ الشرعي.
لا ليس المعنى الشرعي، هو يقصد الكبر والصغر النسبي.
المقدم: أمور صغيرة تكون شيئًا كبيرًا.
لا، الطفل إذا كان عمره عشر سنوات صغير أم كبير؟ إذا نظرت إليه بمفرده.
المقدم: صغير.
لكن عنده أخ عمره ثماني سنوات.
المقدم: يكون بالنسبة له كبيرًا.
كبير، هو بالنسبة له كبير، فهو نظر إليها من هذه الحيثية نظر إليها نسبيًّا، فكل صغيرة دونها صغيرة تكون التي قبلها كبيرة بالنسبة لها.
المقدم: لكن هو ما قال التي قبلها هل أشار إلى التي قبلها؟
لا، يقول: أما الذي ليس له إلا صغائر فله كبائر أيضًا؛ لأن كل صغيرة تحتها صغيرة، فهي كبيرة، هو نظر إليها بالنسبة، كبر وصغر نسبي، لكن ليس هذا هو المراد في نصوص الشرع، الكبائر لها حدود ومعروفة عند أهل العلم. أما الذي ليس له إلا كبائر فله صغائر؛ لأن كل كبيرة تحتها صغيرة، وإلا لا يكون كبيرة، يعني لا يتصور أن يوجد شخص ليس عنده إلا كبائر وليس عنده صغائر، هذا متصور؟ لأن مقدمات هذه الكبائر صغائر، فمثلًا الزنا كبيرة من عظائم الأمور من الموبقات، النظر من مقدماته صغيرة، اللمس التقبيل كلها بالنسبة للكبيرة صغائر، لكن مع ذلك هل يتصور أن تتم هذه الكبيرة دون هذه المقدمات؟
المقدم: ما يمكن.
ما يتصور، فالقول بأنه لا يمكن أن يحصل كبيرة مجردة دون صغائر هذا فيه بعد، لكن قد مثلاً يشرب الخمر، كبيرة من الكبائر ليس لها مقدمات، قد لا يكون لها مقدمات، قد لا تتطلب مقدمات، يهدى له زجاجة خمر ويشربها، لئلا يقول إنه في مقدمات شرائها حرام.
المقدم: وجلس مع من يشربها وأعدت أو أعدها بنفسه.
قد يتصور هذا، لكن هو من البعد بمكان؛ لأن الذي يرتكب الكبائر تهون عليه الصغائر، ولا تكون في عينه شيء، يقول: أما الذي ليس له إلا كبائر فله صغائر؛ لأن كل كبيرة تحتها صغيرة لأنه نظر إليها كما نظر إلى الجملة الأخرى التي قبلها، والكبر والصغر النسبي، وإلا لا يكون كبيرة، وأما الذي ليس له إلا صغائر فله كبائر أيضًا؛ لأن ما فوق الصغيرة التي ليس تحتها صغيرة فهي كبائر، فافهم. وكل كلامه يدور على الكبر والصغر النسبي، وكلام ابن حجر يدور على الكبر والصغر في الحقيقة الشرعية، في النصوص الشرعية، اكتفى الحافظ ابن حجر في رده في انتقاض الاعتراض بقوله: حكاية هذا الكلام تغني عن التشاغل برده، وهذا كلام صحيح، نعم؛ لأن التعامل مع النصوص بالنصوص وبالحقائق الشرعية وبالمصطلحات الشرعية، لا بالافتراضات العقلية.
المقدم: خصوصًا إذا كانت لا تقبل بناءً على هذه النصوص، هذه الافتراضات.
لاحتمالات مجردة، العقلية لا مدخل لها في هذا الفن ألبتة، ما لم يسندها دليل شرعي، في شرح ابن بطال يقول في الحديث: إن الإخلاص لله في العبادة وترك الشغل بأسباب الدنيا يوجب الله عليه الغفران، ويتقبله من عبده، وإذا صح هذا وجب أن يكون من لهى في صلاته عما هو فيه وشغل نفسه بالأماني فقد أتلف أجر عمله، وقد وبخ الله بذلك أقوامًا فقال: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [سورة الأنبياء 3]، وقد جاء أن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاهٍ.
قال غيره: وأما من وسوس له الشيطان وحدث نفسه في صلاته بأشياء دون قصد منه لذلك، فإنه يرجى أن تقبل صلاته ولا تبطل، وتكون دون صلاة الذي لم يحدث نفسه، بدليل أن النبي– صلى الله عليه وآله وسلم – قد أشغل باله في الصلاة حتى سها، هل يمكن أن يرتب هذا الكلام على سهوه -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة، أشغل باله، كلمة أشغل يعني نسبة الشغل إليه- عليه الصلاة والسلام-، نعم، لو قال..
المقدم: أو أُشغل باله.
من أجل أن يسهو، هو سها ليسن، والسهو في حقه في هذه المواضع كمال -عليه الصلاة والسلام-.
المقدم: يعرف الناس الحكم.
بلا شك، قال غيره: وأما من وسوس له الشيطان، وحدث نفسه في صلاته بأشياء دون قصد منه لذلك، فإنه يرجى أن تقبل صلاته، ولا تبطل، وتكون دون صلاة الذي لم يحدث نفسه، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد أشغل باله في الصلاة حتى سها، هل الكلام في الحديث قبول الصلاة وصحة الصلاة وعدم بطلان الصلاة، أو قدر فوق ذلك؟ «غفر له» مثل ما ذكرنا في حلقة سبقت، والمسألة مراتب، منهم من تقبل صلاته، ويكتفى بهذا، ولا أجر له فيها، تقبل بمعنى...
المقدم: الإجزاء.
بمعنى الإجزاء وسقوط الطلب، ولا تقبل من جهة ترتب الثواب عليها؛ لأنه قد يرد نفي القبول ويراد به نفي الصحة «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ». يطلق القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العمل، {إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} [سورة المائدة 27]، «لا يقبل الله صلاة عبدٍ آبق»، «لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر» والتفريق بين القبول والقبول إنما هو إذا كان العمل الذي رتب عليه عدم القبول مؤثر في صحة الصلاة قلنا: إنه راجع إلى نفي الصحة، وإذا كان الذي رتب عليه نفي القبول لا يؤثر في الصلاة، أمرًا خارج عن الصلاة قلنا: إنه نفي الثواب؛ لأنه مخالفة في مقابل الثواب، وهذا قلما يسلم منه أحد وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الشيطان لا يزال بالمرء في صلاته حتى يذكره ما لم يكن يذكر حتى لا يدري كم صلى» يذكر عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه جاءه رجل قال إنه فقد ضالة، فقد مبلغًا من المال أو متاعًا من الأمتعة فقال له:
المقدم: اذهب فصلِّ.
صلي ركعتين، لكن هذا يليق بالإمام؟ ما يليق بالإمام أصلًا، ولا تصح نسبته إليه، وقوله في حديث عثمان: «لا يحدث فيهما نفسه» يدل على هذا المعنى؛ لأن ما ضمنه لمراعي ذلك في صلاته من الغفران يدل على أنه قلما تسلم صلاته من حديث نفس، لو أن الناس كلهم يستطيعون مثل هذا العمل، ما احتاج الناس إلى إغراء بمثل هذا الحديث.
وقال ابن حجر: وفي الحديث التعليم بالفعل؛ لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم، والترغيب في الإخلاص، وتحذير من لهى في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول، لاسيما إن كان في العزم على عمل معصية، يعني قد يكون التفكير بأمر مباح، قد يكون التفكير بعبادة، قد يكون التفكير بمحرم، وتحذير من لهى في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا من عدم القبول لاسيما إذا كان في العزم على عمل معصية، فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها، بعض الناس مشغوف بتأويل الكلام، تأويل الكلام العادي قال فلان كلمة قال بمعناها هذا، هذا موجود في الناس، وبعضهم مشغوف بالتنكيت، بعضهم مشغوف بالتقليد، المقصود بعضهم خواطره كلها تدور في النساء، بعضهم خواطره تدور حتى في الكتب بعض الناس تشغله عن صلاته.
المقدم: تأتينا أسئلة يا شيخ أن أشخاصًا تدور أبيات الشعر على ألسنتهم في كل لحظة، وهو نائم، وهو جالس من شدة شغفه بالشعر، حتى في صلاته.
وتحضر له في صلاته، النكت والطرائف، ذكرنا فيما مضى مرارًا أنه سمع من يضحك وهو ساجد؛ لأنه تذكر نكتة؛ لأن ديدنه ذلك، وكما قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -: «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة»، يعني... من نفسك، ومرن نفسك وأطر نفسك على الإقبال على الله -جل وعلا- تعان على ذلك، والله المستعان.
ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث، قال النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا تغتروا» يعني في حديث عثمان، لما قال: «غفر له ما تقدم من ذنبه، ولا تغتروا» أي فتستكثروا من الأعمال السيئة بناءً على أن الصلاة تكفرها، فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأنى للعبد بالاطلاع على ذلك، يأتي مزيد بيان لهذه الجملة في موضعها، إن شاء الله في الموضع الخامس.
يقول العيني في أحكام الحديث: الحكم الثالث فيه استحباب الركعتين بعد الوضوء، وتفعل في كل وقت إلا الأوقات المنهية، وقالت... بياض ولعلها فرقة أو طائفة أو الشافعية مثلًا: تفعل في كل وقت حتى وقت النهي، لماذا؟ لأنها ذات سبب، وقالت المالكية: ليست هذه من السنن، يعني ركعتي الوضوء ليست من السنن، يعني وإن كانت من الفضائل عندهم؛ لأن عندهم تفريقًا بين الفضائل والسنن.
الآن الحنفية: تفعل في كل وقت إلا الأوقات المنهية، قالت وقلنا: إن فيه بياضًا ولعلهم الشافعية: تفعل في كل وقت حتى وقت النهي، قالت المالكية: ليست هذه من السنن، يعني لا تفعل، وإن كان وقت سعة غير وقت نهي لا يمنع من أن تفعل عندهم؛ لأنه وإن لم تكن من السنن إلا أنها مرغب فيها.
المقصود أن الخلاف في فعل هذه الصلوات في أوقات النهي ذوات الأسباب، وفرق بين أن يؤمر بالصلاة، فيكون في الأمر قوة لمعارضة النهي، وبين أن يحث عليه أو يرغب فيه مجرد ترغيب، يعني هنا مجرد إقرار من النبي -عليه الصلاة والسلام- لبلال، لكن هل في هذا الإقرار ما يعارض لا صلاة بعد الصبح، لا صلاة بعد العصر ثلاث ساعات كان الرسول– صلى الله عليه وآله وسلم – ينهانا، هل في هذا النص إذا تجاوزنا عن تحية المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين وقلنا: إن فيه قوة لمقابلة النهي، والكفتان متساويتان، لكن يبقى أن مثل هذه النصوص التي ليس فيها أمر صريح تقوى لمعارضة النهي، من يجمع ذوات الأسباب في سلك واحد يقول: تفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، ويجعل هذه منها، لكن ينبغي أن يفرق بين النصوص التي فيها أمر مؤكد، من النصوص التي لا أمر فيها، بل مجرد حث أو مجرد استحباب، إذًا الصلوات كلها مرغب فيها، حتى النووي في المطلق مرغب فيها، هل تقوى لمعارضة النهي؟
لا، لو لم يكن في النوافل المطلقة من السبب إلى الحث العام، لكن هناك ما يقوى ليكون في مصف النهي، وهناك ما يضعف، وركعتا الوضوء عندي أنها لا تقوى لمعارضة النهي؛ لأنه لم يأت فيها أمر، وحينما يرجح أهل العلم بين النصوص ينظرون في قوة النص، وهذا من المرجحات.
الأمر الثاني: أن الساعات الثلاثة التي جاءت في حديث عقبة، ثلاث ساعات كان الرسول– صلى الله عليه وآله وسلم – ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا الأوقات المضيقة هذه لا يفعل فيها شيء من التطوعات ألبتة؛ لأن النهي فيها شديد، وأما بالنسبة للوقتين الموسعين فالتعارض ظاهر، والجمهور على المنع، الجمهور على منع فعل أي شيء من التطوعات حتى ما له سبب في الأوقات الخمسة، وأما بالنسبة للشافعية فيرون أن هذه تفعل، وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام- رحمه الله-.
وقالت الشافعية: هل تحصل هذه الفضيلة بركعة، توضأ وضوءًا نحو وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم صلى ركعة تحصل هذه الفضيلة؟
المقدم: لا.
الحديث فيه "ركعتين"، كما قيل في تحية المسجد، دخل المسجد وصلى ركعة.
المقدم: ما يمكن.
والنبي -عليه الصلاة والسلام-.. حتى يصلي ركعتين دخل بعد العشاء وقال: أوتر بركعة، أو توضأ ثم صلى الوتر ركعة يحصل له هذا الموعود، قالوا: الظاهر المنع، وفي جريان الخلاف فيه وفي التحية ونظائره نظر.
يقول العيني: الحكم الرابع الثواب الموعود به مرتب على أمرين:
الأول: وضوؤه على النحو المذكور.
والثاني: صلاته ركعتين عقيبه بالوضوء المذكور في الحديث.
الثواب: «غفر ما تقدم من ذنبه» مرتب على أمرين: الوضوء، والصلاة، والمرتب على مجموع أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما، توضأ نحو وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: أرجو أن أدخل في الحديث ما صلى ركعتين، ما يدخل، أو توضأ وضوءًا مخالفًا لوضوئه -عليه الصلاة والسلام- وإن كان مجزئًا ثم صلى ركعتين.
المقدم: ما يحصل له.
أو توضأ وضوءًا نحو وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلى ركعتين حدّث فيهما نفسه لا يحصل له؛ لأن الأجر مرتب على الأمور كلها، يقول: والمرتب على مجموع أمرين لا يلزم ترتبه على أحدهما إلا بدليل خارج، يعني مثل الحكم المعلل بعلتين أو بعلة مركبة من أمرين، مثل الصلاة بالنسبة لمن أكل ثومًا أو بصلًا، العلة مركبة من أمرين:
الأول: حضور المسجد.
والثاني: الأذى الحاصل، «فلا يقربن مسجدنا».
المقدم: هذه علة يا شيخ؟ ما هي علة.
علة، يعني لو أكل ثومًا وصلى جماعة ببيته.
المقدم: لكن هذه علة مترتبة للأذى ذاته.
المقصود أنها مركبة، يعني لو لم نعتبر هذه العلة لقلنا: يحرم أكل الثوم؛ لأنه لابد أن يصلي، لكن لا يصلي في المسجد «فلا يقربن مسجدنا»؛ لئلا يؤذينا، يعني لابد أن يحصل الأذى، لو دخل المسجد وما فيه أحد، ما فيه أحد يتأذى منه فالعلة مركبة من أمرين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: «إن هاتين الشجرتين الخبيثتين...» إلى آخره، قال بعضهم: أحرام هما يا رسول الله؟ قال: «لا، أنا لا أحرم ما أحل الله»، لا يلزم ترتبه على أحدهما إلا بدليل خارج، وقد يكون للشيء فضيلة بوجود أحد جزئيه، فيصح كلام من أدخل هذا الحديث في فضل الوضوء فقط، لحصول مطلق الثواب، لا الثواب المخصوص، يعني كون الشيء جزء علة يعني جزء علة في مرغب فيه، ألا يكون هذا الجزء مرغبًا فيه باعتبار جزء علة؟
يقول: فيصح كلام من أدخل هذا الحديث في فضل الوضوء فقط، لحصول مطلق الثواب لا الثواب المخصوص المرتب على مجموع الوضوء على النحو المذكور، والصلاة الموصوفة بالوصف المذكور، لكن ما يمكن قسمه من الأعمال الشرعية، بحيث يأتي بجزء وجزء لا يأتي به، إن كان الجزء الذي يمكن الإتيان به يصلح أن يكون عبادة مستقلة يأتي به، وإذا كان لا يصلح أن يكون عبادة مستقلة فلا يأتي به، وهذه المسألة تبحث في قاعدة من قدر على بعض الواجب وعجز عن بعضه.
المقدم: لكن هنا يدخلها في الفضائل ولا يدخلها في الأجر المترتب، يصح هنا.
يصح نعم، لكن لو كان ما فيه ثواب إطلاقًا إلا بصلاة ركعتين قلنا: لا، نظير ما قالوا فيمن قدر على بعض العبادة، وعجز عن بعضها الذي لا يستطيع القراءة في الصلاة، هل يعفى عن القيام الذي يستطيعه؛ لأنه هو عبادة مستقلة جاء الأمر بها، نعم ذكرها القراءة، لكن الذي لا يستطيع أن يقرأ نقول: حرك لسانك وشفتيك؟
لا؛ لأنه ليس بعبادة مستقلة.
المقدم: أحسن الله إليكم، بالنسبة لأطراف الحديث، لعلنا نرجئ الحديث عنها إن شاء الله في الحلقة القادمة، بإذن الله تعالى.
أيها الإخوة والأخوات، بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، لنا بكم لقاء بإذن الله في حلقة قادمة، وأنتم على خير. شكرًا لطيب المتابعة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.