شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح - كتاب الحج - 06
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة ضمن برنامجكم شرح كتاب الحج ضمن شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: بقي بعض المسائل في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- في إرداف النبي -صلى الله عليه وسلم- للفضل بن العباس، لعلنا نستكملها في هذه الحلقة يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تقدم الكلام في مسألة الحجاب وأريد أن .. ، أحب أن أضيف ما قاله ابن العربي في عارضة الأحوذي يقول: "في حديث ابن عمر: «ولا تنتقب المرأة» يقول: وذلك لأن سترها وجهها بالبرقع فرض.
المقدم: المرأة أم المحرمة يا شيخ؟
نعم تنتقب المرأة المحرمة معروف؛ لأن سترها وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج، فإنها ترخي شيئًا من خمارها على وجهها غير لاصق به؛ لأن سترها وجهها بالبرقع فرض، يعني تغطية الوجه، والبرقع هو النقاب، والنهي عن الانتقاب في حال الإحرام صحيح ثابت في الصحيح وغيره، وإن حاول بعضهم أن يعل هذه اللفظة.
المقدم: لا تنتقب المحرمة.
نعم، هروبًا من ماذا؟ من إقرار النقاب في غير الإحرام، يريد أن يسد الباب على ...
المقدم: من المعاصرين.
من المعاصرين، وفيه إشارات من المتقدمين كأبي داود وغيره، لكن يبقى أن الحديث في الصحيح، والبخاري مقدم على غيره.
قول: من أراد أن يغمز هذه الكلمة، وهي في الصحيح، ولعله من حسن نية وقصد؛ لئلا يفهم منه أن غير المحرمة تنتقب، ويريد بذلك أن يمنع النقاب الموجود الآن، النقاب العرفي الذي تعارف الناس عليه الآن ويسمونه نقابًا أو برقعًا؟ أقول: النقاب الموجود الآن ليس بنقاب، وإنما هو سفور؛ لأن النقاب الأصل فيه مأخوذ من النقب، وهو الفتحة الصغيرة التي تبدي سواد العين فقط، أما إذا تعدى ذلك فأظهر شيئًا من البشرة ولو كان يسيرًا صار سفورًا، وليس بنقاب.
فأولًا: نحدد معنى النقاب الذي دل الحديث على جوازه، دل مفهوم الحديث على جوازه في غير الإحرام، نقول: في غير الإحرام دل مفهومه على جوازه، لكن نحدد المقصود بالنقاب، يعني النقاب العرفي هل يمكن أن يوصف بأنه شرعي؟ لا؛ لأنه سفور في الحقيقة.
فإذا جاز للمرأة أن تستر وجهها وهي محرمة عن نظر الرجال مع إجماعهم، بعضهم نقل الإجماع على وجوب كشف المرأة وجهها للإحرام، والواجب لا يترك إلا لواجب، إذا علم هذا فليحذر أولئك الذين يطالبون بنزع الحجاب.
أولًا: مسألة الوجه والكفين والخلاف في كونهما عورة أو ليس بعورة المسألة خلافية، لكن الحكم النصوص هي الحكم {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [النساء 59].
المقدم: لكن هم اتفقوا -أحسن الله إليك- حتى الذين قالوا بكشف الوجه والكفين اتفق الجميع على أنه في حال الفتنة يجب الحجاب.
بلا شك؛ لأن الفتنة كل ذريعة تصل إلى الفتنة يجب سدها، وكل شيء يوصل إلى محرم فالوسائل لها أحكام الغايات.
أقول: من أداه اجتهاده إلى أحد القولين، والمسألة مسألة اجتهاد ليست مسألة تطاول على النصوص؛ لأنه فرق بين من يبحث عن المسألة من خلال أدلتها ليريد أن يتوصل إلى الحق، وينصر ما يراه الحق، وبين من يبحث في النصوص ليجد فيها ما يؤيد هواه، فأقول: إذا علم هذا فليحذر أولئك الذين يطالبون بنزع الحجاب لهوى في أنفسهم، وليسوا أهلًا للنظر والاجتهاد، فهؤلاء ممن يتتبع خطوات الشيطان الذي كان من وظائفه الأولى، من وظائف الشيطان الأولى كما قال الله -جل وعلا- عنه: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} [الأعراف 27] هذه من وظائف الشيطان الأولى؛ لأنه تعهد أن يغوي الناس أجمعين.
وهي أيضًا من وظائف أتباعه من المنافقين، والذين في قلوبهم مرض، كما قال -جل وعلا- بعد ذكر آية الحجاب مباشرة: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب 59] قال بعد ذلك مباشرة: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [سورة الأحزاب 60 - 61] فالارتباط وثيق بين الآيتين.
يقول البرهان البقاعي في تفسيره المبني على التناسب (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) البرهان البقاعي، يقول: "ولما كان المؤذون بما مضى {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب 58] ولما كان المؤذون بما مضى وغيره أهل النفاق ومن داناهم {ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب 59] من الذي يؤذيهن؟ أهل النفاق، ومن أذاهم لهن مطالبتهن بنزع الحجاب.
يقول: ولما كان المؤذون بما مضى وغيره أهل النفاق ومن داناهم، حذرهم بقوله مؤكدًا دفعًا لظنهم دوام الحلم عنهم: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ} [الأحزاب 60] أي عن الأذى {الْمُنَافِقُونَ} [الأحزاب 60] الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [الأحزاب 60] أي مقرب من النفاق حامل على المعاصي {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب 60] وهم الذين يشيعون الأخبار المخيفة لأهل الإسلام التي تضطرب لها القلوب سواء كانوا من القسمين الأولين أم لا {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب 60] أي: بأن نحملك على أن تولع بهم، بأن نأمرك بإهانتهم، ونزيل الموانع من ذلك، ونثبت الأسباب الموصلة إليه ... إلى آخره.
المقصود أن الارتباط وثيق بين الآيتين، وهناك كتابات يشم منها.
المقدم: صحيح.
يشم منها شيء من هذا أنه مجرد إشباع رغبة، وإلا لو بحثت المسألة من قبل أهل العلم، ولا تبحث المقدمات وتلقى على عوام الناس بشبه تزحزحهم عن ثوابتهم، هذه مسألة علمية يبحثها أهل العلم، أهل النظر والاجتهاد، على أن الاحتياط لأعراض المسلمين ونسائهم أمر مطلوب، حتى لو ترجح عند إنسان أن الكشف جائز بالأدلة، وما أشبه ذلك عليه أن يتقي الله -جل وعلا- لا سيما في البلدان التي التزمت هذا الحجاب.
الحديث حديث الباب يستفاد منه كما قال النووي: "إزالة المنكر باليد لمن أنكره"؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صرف وجه الفضل بيده، والإنكار باليد هو المرتبة الأولى من مراتب التغيير، ففي الحديث الصحيح: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» خرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد.
ومن فوائده: جواز النيابة في الحج عن العاجز "أفأحج عنه؟ قال: «نعم» جواز النيابة في الحج عن العاجز الميؤوس منه بهرم أو زمانة أو موت، الهرم ميؤوس منه أنه يُشفى، وكذلك الزمانة المقعد مثلًا ميئوس منه، وكذلك الميت.
واستدل الكوفيون بعمومه على جواز حج من لم يحج نيابة عن غيره.
المقدم: يعني لا يشترط أن يحج النائب عن نفسه.
عن نفسه قبل ذلك؛ لأنه ما فيه استفصال هنا "أفأحج عنه؟ قال: "نعم إن كنت حججت عن نفسك".
المقدم: بل جزمًا أنها لم تحج أم لا؟
الحجة هذه.
المقدم: بلى، هي الآن حاجة.
الحجة هذه عن نفسها، وتريد أن تسأل عن المستقبل، هي محرمة لنفسها الآن، فهل نحتاج أن نقول بمثل هذا؟
استدل الكوفيون بعمومه على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره، وخالفهم الجمهور، فخصوه بمن حج عن نفسه، واستدلوا بما في السنن وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلًا يلبي عن شبرمة، فقال: «أحججت عن نفسك؟ » فقال: لا، قال: «هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة».
قال الحافظ في بلوغ المرام، الحافظ ابن حجر في البلوغ: "رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان، والراجح عند أحمد وقفه.
لكن الحديث صحح البيهقي إسناده، ورجح أحمد في رواية ...
المقدم: وقفه يا شيخ وقفه على الصحابي.
نعم يعني أنه موقوف على ابن عباس.
المقدم: نعم، لكن مثل هذه الحوادث لما تذكر كيف يصحح وقفه؟ هي ليست قولًا هي فعلًا في الغالب؟
يعني هل السؤال المسؤول النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
المقدم: هو ليس سؤالًا، الآن هي حادثة وأوقفه قال: من شبرمة؟ حججت عنه، يعني يشكل علي أحيانًا أن الفعل يقول: يصح وقفه، ليس مثل القول، القول يمكن أن يصح وقفه، لكن الفعل يا شيخ؟
هذا لما سمعه ابن عباس يلبي لبيك عن شبرمة قال: من شبرمة؟ قال: قريب لي، أو أخ لي، قال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: هذه عن نفسك، ثم احجج عن شبرمة، فيه إشكال؟
المقدم: نعم فيه إشكال بالنسبة للراوي عن ابن عباس.
ماذا فيه؟
المقدم: كيف ينسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو رأى أصلًا، يعني القول ممكن أن ينسب، لكن الفعل.
هذا ما فيه أدنى إشكال، تعارض الوقف والرفع يرد هنا.
المقدم: في القول؟
حتى في القول.
المقدم: في القول ممكن، لكن في الفعل يا شيخ! يعني الذي روى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- كيف ينسبه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو رأى ابن عباس؟
ما يلزم الذي بعده، ما يلزم أن يكون التابعي هو الذي رفعه، مشيًا على الجادة، لا، تعارض الوقف والرفع يرد هنا.
الإمام أحمد في رواية ابنه صالح صحح أنه مرفوع.
العيني وهو حنفي، يعني مذهب الحنفية جواز النيابة ممن لم يحج عن نفسه، لا سيما إذا كان غير مستطيع للحج، فحج نيابة عن غيره بالأجرة، ماذا يقول؟ يقول: نعم الراجح الوقف خلاف ما تذكر أنت، الراجح الوقف لماذا؟ يعني كيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع ما حج أحد قبله، يقول: حججت عن نفسك؟ متى حج عن نفسه؟
المقدم: نعم هذا هو الإشكال.
عكس ما تقول، يعني عكس ما ذكرت أنت.
المقدم: لا، هنا العيني يرجح الوقف لا ...
نعم يرجح الوقف، يقول: هذه حجة الوداع، ولم يحج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبلها بعد فرض الحج.
المقدم: كيف يسأل هذا السؤال؟
فكيف يسأل هذا السؤال حججت عن نفسك؟ متى؟ يعني يحتمل أنه حج مع أبي بكر وعلي في السنة التاسعة احتمال؟
المقدم: يرد.
النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث أبا بكر وبعث عليًّا ...
المقدم: للحج الأول، وتطهير البيت من الأوثان ومن العراة.
البيت من العراة، من الأوثان لا، في الفتح.
المقدم: في الفتح ألا يطوف في البيت بعد العام عريان.
لا يحج.
المقدم: ألا يطوف بالبيت بعد هذا العام مشرك ولا عريان.
لا يحج بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان.
المقدم: هذا نداء كان في السنة التاسعة.
في السنة التاسعة.
المقدم: وحج أبو بكر وعلي -رضي الله عنهما-.
في السنة التاسعة.
المقدم: حجًّا كاملًا يعني وفقًا.
هو بعثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وحجوا، وهذه قد تكون الصورة ظاهرة عندهم من قوله -عليه الصلاة والسلام-، وقد تكون ...
المقدم: أو يكونوا حجوا على ...
على طريقة إبراهيم -عليه السلام-، كما حج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة.
المقدم: ومعهم وفود حجت؟
ما أعرف أن معهم أحدًا، المقصود أن هذا وجهة نظر العيني، لكن لا يمتنع أن يقال: هل حججت عن نفسك؟ مع العلم بأنه لم يحج عن نفسه، من باب تأكيد الأمر في النفس وتثبيته، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «هل صليت ركعتين؟» وهو يراه قد جلس، هو يراه دخل وجلس، وهذه طريقة نبوية في تقرير المسائل العلمية والعملية، أحيانًا قد يخفى عليك الأمر لو قلت لشخص: قم فصل ركعتين احتمال أن يكون صلى وأنت ما رأيته، فمن باب الأدب أن تقول: هل صليت ركعتين؟ وهذا مأخوذ من الأدب النبوي، وأنت تعرف هذا الشخص ما سبق أن حج، تقول: هل حججت عن نفسك؟ لتبين له الحكم مقرونًا بعلته، تبين له الحكم مقرونًا بعلته، فتبين له أنه لا بد أن تحج عن نفسك أولًا، ثم تحج عن غيرك.
من فوائد الحديث: جواز حج المرأة عن الرجل؛ لأنها قالت: أفأحج عنه؟ ومنع ذلك بعض العلماء، لماذا؟ زعم أن المرأة تلبس في الإحرام ما لا يلبسه الرجل، فلا يحج عنه إلا رجل مثله، وهذا القول نسبه النووي إلى الحسن بن صالح.
وقال النووي: وفيه وجوب الحج على من هو عاجز بنفسه مستطيع بغيره كولده، هذا في الحديث، الأب أو الجد على ما تقدم في الروايات الشيخ الكبير هذا الذي لا يثبت على الراحلة عاجز بنفسه، لكنه مستطيع بولده، وقد يكون بعضهم يستطيع بماله، فلا يسقط عنه الحج.
وقال ابن حجر: واستدل به على أن الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس، وعكس بعض المالكية فقال: من لم يستطع بنفسه لم يلاقه الوجوب، وأجابوا عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع، وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب، لكن تقدم لنا في حديث أبي رزين: «حج عن أبيك واعتمر» أمر.
المقدم: لكن ألا يكون إجابة «حج عن أبيك واعتمر» إجابة عن سؤال فهم منه التبرع؟
فهم منه التبرع ولا يلزم، هل يلزم الولد أن يحج عن أبيه؟
المقدم: لا ما يلزم.
ما يلزم حتى على القول بجوازه.
يبقى أنه يمكن أن يستدل بـ «دين الله أحق أن يقضى».
وأجابوا عن حديث الباب بأن ذلك وقع من السائل على جهة التبرع، وليس في شيء من طرقه تصريح بالوجوب، وبأنها عبادة بدنية، فلا تصح النيابة فيها كالصلاة، وقد نقل الطبري وغيره الإجماع على أن النيابة لا تدخل في الصلاة.
قالوا: ولأن العبادات فرضت على جهة الابتلاء، وهو لا يوجد في العبادات البدنية إلا بإتعاب البدن، فبه يظهر الانقياد أو النفور، قالوا: بخلاف الزكاة فإن الابتلاء فيها بنقص المال، وهو حاصل بالنفس وبالغير، يعني الحج لا بد من أن تؤديه بنفسك؛ لأنه عبادة بدنية على كلامهم، والصلاة لا بد أن تؤدى بالنفس؛ لأنها عبادة بدنية، الزكاة إذا أخرجتها، وتركت شخصًا يدفعها إلى الفقير نقص المال حاصل، لكن يبقى أنه يقبل النيابة من هذه الحيثية.
وأجيب بأن قياس الحج على الصلاة لا يصح؛ لأن عبادة الحج مالية بدنية معًا، فلا يترجح إلحاقها بالصلاة على إلحاقها بالزكاة.
يعني لو قيل: إنه ينتابها قياس الشبه، لو خلت من الأدلة، عندنا عبادة بدنية كالصلاة لا تجوز فيها النيابة، عبادة مالية كالزكاة تجوز فيها النيابة، الحج عبادة مالية بدنية ينتابها الأمران، فهل تلحق بالصلاة باعتبارها بدنية، أو تلحق بالزكاة باعتبارها مالية؟ وهذا يسمونه قياس الشبه، يتردد فرع بين أصلين، فيلحق بأكثرهما شبهًا، هذا لو خلت المسألة من النصوص، والمسألة فيها نص.
ولهذا قال المازري: من غلّب حكم البدن في الحج ألحقه بالصلاة، ومن غلب حكم المال ألحقه بالصدقة.
وقد أجاز المالكية الحج عن الغير إذا أوصى به، ولم يجيزوا ذلك في الصلاة، فتبين أن هناك فرقًا حتى عند المالكية.
المقدم: لكن هل المسألة الآن مسألة الإنابة هي نفسها مسألة وصول الثواب في العبادات أو تختلف؟ من قال بالإنابة يقول بوصول الثواب في العبادات؟
يعني إهداء الثواب؟
المقدم: إهداء الثواب.
شخص يريد أن يحج عن أبيه مثلًا.
المقدم: يصله الثواب.
يريد أن يحج عن أبيه تطوعًا مثلًا، هذا في الفريضة ما فيه إشكال، هذا شخص يريد أن يحج عن أبيه تطوعًا، هذه مسألة إهداء الثواب، يصل أو لا يصل؟ مسألة يأتي تقريرها -إن شاء الله تعالى-.
المقدم: لكن الذين قالوا بالخلاف هنا وهنا هي نفس المسألة أم يختلف؟
لا، لا، يختلف.
المقدم: تصور المسألة يختلف.
حتى من صحح النيابة في الفرض اختلفوا في النفل.
المقدم: نعم جيد.
ادعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية، كما اختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير، حكاه ابن عبد البر، وتعقب هذا بأن الأصل عدم الخصوصية، وما ورد مما يدل على الخصوصية ضعيف، فيه خبر مرسل.
وادعى آخرون أن ذلك خاص بالابن يحج عن أبيه، قال ابن حجر: ولا يخفى أنه جمود.
نعم الأسئلة التي وجهت من هذا النوع كلها تقول: إن أبي، إن أمي، فالنيابة خاصة بالابن، ولا شك أن هذا جمود، إذا صح من الابن صح من الأخ ونحوه.
المقدم: لكن الأبناء دائمًا أقرب للسؤال عن ....
بلا شك، نعم.
واختلفوا فيما إذا عوفي المعضوب الذي لا يستطيع الحج، إذا عوفي، شخص أناب ابنه أو ناب ابنه عنه، ثم عوفي بعد ذلك.
المقدم: هل تسقط عنه فريضة الحج أو لا؟
نعم.
فقال الجمهور: لا يجزئه الحج الذي حج عنه؛ لأنه تبين أنه لم يكن ميئوسًا منه، وقال أحمد وإسحاق: لا تلزمه الإعادة؛ لئلا يفضي إلى إيجاب حجتين.
نظير ذلك...
المقدم: يعني يتصور فيمن حكم عليه يا شيخ بالسجن المؤبد مثلًا في بعض الدول.
أو مريض، مريض قرر الأطباء أنه ميئوس منه، ثم عوفي.
المقدم: وهذا أيضًا خرج هل إذا حج عنه ثم عوفي أو خرج من سجنه يلزمه الحج؟
الأمل في المسجون أكبر منه في المريض، لكن المسألة نظيرها مثلًا خصال الكفارة الواجب الأول في الكفارة عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم، هذا شخص ما استطاع الرقبة ولا استطاع الصيام أطعم ثم وجد رقبة.
المقدم: تسقط أم ما تسقط؟
يجزئ الصيام أو لا يجزئ؟ إن قلنا: إنه لا يجزئ فعليه أن يعتق، قلنا: أوجبنا عليه كفارتين، وإذا قلنا: لا يجزئ .. ، إذا قلنا يجزئ .. ، إذا قلنا: لا يجزئ أوجبنا عليه كفارتين، وإذا قلنا: لا يجزئ عرفنا أنه ليس بميئوس من الخصلة الأولى من خصال الكفارة.
الحديث فيه تواضع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سبق، وفيه منزلة الفضل بن العباس منه، وفيه بيان ما ركب في الآدمي من الشهوة، وجبلت طباعه عليه من النظر إلى الصور الحسنة.
قال ابن حجر: وفيه أن إحرام المرأة في وجهها، فيجوز لها كشفه في الإحرام، قال: ويحتمل أن ذلك قبل نزول الأمر بإدناء الجلابيب.
وفي الحديث بر الوالدين، والاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما من قضاء دين وخدمة ونفقة وغير ذلك من أمور الدين والدنيا.
قال ابن العربي: حديث الخثعمية أصل متفق على صحته في الحج خارج عن القاعدة المستقرة في الشريعة من أنه ليس للإنسان إلا ما سعى، رفقًا من الله في استدراك ما فرط فيه المرء بولده وماله.
وتعقب بأنه يمكن أن يدخل في عموم السعي، الولد من سعيه ومن كسبه، وبأن عموم السعي في الآية مخصوص اتفاقًا، وبقي مواضع، وبقيت أطراف الحديث.
المقدم: ولعلنا -إن شاء الله- نعد الإخوة والأخوات بأن تكون أو يكون الحديث عن أطراف هذا الحديث في الحلقة القادمة -بإذن الله تعالى-.
أيها الإخوة والأخوات بهذا نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة في شرح كتاب الحج من كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح.
كان معنا صاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكر الله له، وشكرًا لطيب متابعتكم.
نستكمل الحديث عن أطراف هذا الحديث في الحلقة القادمة -بإذن الله تعالى- وأنتم على خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.