التعليق على الموافقات (1426) - 10

 

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:

قال المؤلف –رحمه الله-: "في المسألة الثالثة: كل تكملةٍ فلها- من حيث هي تكملةٌ- شرط، وهو: أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال، وذلك أن كل تكملةٍ يفضي اعتبارها إلى رفض أصلها، فلا يصح اشتراطها عند ذلك؛ لوجهين".

كل التكميلات والتحسينات والحاجيات ارتباطها بالضروريات، فما لم تُوجد أصل المسألة فتكميلها لا قيمة له، من الضرورات حفظ النفس، فإذا ذهبت النفس زهقت النفس، هل يصلح أن نُعالج الأطراف بما فيها من جروح، يصلح هذا أم ما يصلح؟ ما يصلح هذا؛ لأن هذه الأطراف تابعة للأصل، فإذا مضى ونفق الأصل فلا قيمة لمعالجة هذه الأطراف، هذا مثال تقريبي.

الأمر الثاني: أنه إذا كانت مُعالجة الأطراف تقضي على الأصل، فلا قيمة لمعالجة هذه الأطراف، يعني بعد نفاق الأصل لا قيمة لمعالجتها، ومع وجود الأصل، لكن معالجة الأطراف تأتي أو تقضي على الأصل أو تكون سببًا في القضاء عليه فإنه لا قيمة له رجل في طرفه يجب استئصاله، لكن إن استؤصل مات المريض هل نقول: يُستأصل ولو مات؟ ما يُستأصل يبقى؛ لأنه لو استؤصل مات، فالمحافظة على الأصل أولى من المحافظة على التكميل.

وفي أمورنا العادية لو أن السيارة مخبطة ماكينتها تالفة، وبحاجة إلى تلميع الصدام مثلاً، نقول: يلمع الصدام والماكينة مخبطة، هذه يقول بها أحد؟! نعم لا قيمة للتكملة إذا كانت مع فقد الأصل أو يكون معالجتها سببًا لإتلاف الأصل.

أحدهما: أن في إبطال الأصل إبطال التكملة".

نعم إذا بطل الأصل القلب مثلاً في الإنسان إذا تعطل فلا داعي بطل كل ما في الجسم من أجزاء، "إبطال الأصل إبطال للتكملة" فلا داعي للاشتغال بهذه التكملة مع وجود ما يقضي على الأصل.

"لأن التكملة مع ما كملته كالصفة مع الموصوف، فإذا كان اعتبار الصفة يؤدي إلى ارتفاع الموصوف، لزم من ذلك ارتفاع الصفة أيضًا".

بلا شك لأنه إذا مات الإنسان زالت جميع أوصافه، صار الحديث عنها لا قيمة له بمفردها، فالصفة تابعةٌ للموصوف وجودًا وعدمًا.

"فاعتبار هذه التكملة على هذا الوجه مؤدٍّ إلى عدم اعتبارها، وهذا مُحالٌ لا يتصور".

اعتبارها مؤدٍّ إلى عدم اعتبارها، والوجود والعدم وجود الاعتبار وعدم الاعتبار نقيضان، الوجود والعدم من باب النقيض، لا يمكن أن يجتمعا واجتماعها أو تصور اجتماعهما مُحال والمُحال ليس بشيء.

"وإذا لم يتصور، لم تعتبر التكملة، واعتبر الأصل من غير مزيد".

حينئذٍ نشتغل ونُعنى بالأصل ونترك هذه التكملة التي تؤدي إلى تلف الأصل.

"والثاني: أنَّا لو قدرنا تقديرًا أن المصلحة التكميلية تحصل مع فوات المصلحة الأصلية، لكان حصول الأصلية أولى لما بينهما من التفاوت.

وبيان ذلك أن حفظ المهجة مهم كلي، وحفظ المروءات مستحسن، فحُرِّمت النجاسات حفظًا للمروءات، وإجراءٌ لأهلها على محاسن العادات، فإن دعت الضرورة إلى إحياء المهجة بتناول النجس، كان تناوله أولى".

نعم محافظةً على الأصل، لكن لو اشتغلنا بالتكميل وهو مُجانبة النجاسات، ترتب على ذلك فوات الأصل نُلغي اعتبار التكميل ونشتغل بالأصل؛ ولذا جاء الشرع بإباحة أكل الميتة للمضطر محافظةً على الأصل.

"وكذلك أصل البيع ضروري، ومنع الغرر والجهالة مُكمل، فلو اشتُرط نفي الغرر جملةً لانحسم باب البيع".

نعم؛ لأن هناك من أنواع الغرر ومن أصنافه ما هو مغتفر؛ لأنه لا يُمكن الاطلاع عليه، لو قلنا: في بيع البيوت وشرائها هذا أمر لابد منه السكن حاجةٌ أصلية لا يُمكن الاستغناء عنها، لكن لو قلنا: إنه لا يجوز بيع البيت ولا شراؤه حتى نعرف الأساسات، ونعرف دواخل الصبَّات، ونعرف القواعد وما تحت القواعد، مثل هذا يقضي على الأصل بالزوال الذي هو أصل البيع، لو اشترطنا انتفاء الغرر الذي هو مُكمِّل للبيع لو اشترطناه لقضى على الأصل الذي هو أصل البيع كان ما يُوجد بيع ولا شراء بهذه الطريقة.

 وكذلك الإجارة ضروريةٌ أو حاجية، واشتراط حضور العوضين في المعاوضات من باب التكميلات".

يعني "كذلك الإجارة ضرورية أو حاجية" "أو" هذه للتقسيم؛ لأن من الإيجارات ما هو ضروري، ومنها ما هو حاجي، ومنها ما هو تكميلي؛ لأن الإجارة تأتي عليها الأنواع الثلاثة، ضروري تستأجر امرأة لتُرضع ولدك الذي لو لم يأكل لمات هذه إجارة ضرورية، تستأجر بيتًا، لكن بإمكانك أن تسكن في خيمة مثلاً أو في البراري مع البادية؛ لأنه ليس من الضروريات أن تقوم الحياة بهذا، نعم هو حاجة أصلية ينال الإنسان بسببها مشقة شديدة، لكن ليس بضرورة، ما زاد على البيت الذي هو المسكن الأصلي قد تستأجر مكانًا لتودع فيه كتبك مثلاً أو لتستقل به عن أهلك لترتاح هذا أيش؟ حاجة أم تكميل؟ هذا تكميل.

"ولمَّا كان ذلك ممكنًا في بيع الأعيان من غير عسر".

هناك غرر مترتب على الإجارة ومتداول الآن تجد صاحب العمارة يقسم أجرة الكهرباء أو أجرة الماء أو أجرة المنافع العامة على السكان بالسوية مع أن هذا أكثر وهذا أقل، وهذا متوسط وهذا زائد، هذا مُسرِف، وهذا مُقتِّر، يعني لو افترضنا أن فاتورة الماء لهذه العمارة على طول السنة ألف ريال، وفيها خمس شقق، منهم من يُسرف ثلاثمائة، ومنهم من يستهلك مائة، ومنهم من يستهلك المائتين، هذا لا يمكن الاطلاع عليه إلا بوضع عدادات خاصة، المسألة مفترضة أنه ما فيه إلا عداد واحد، لابد من أن يُقسم بينهم بالسوية، وحينئذٍ هل للإنسان الذي عائلته أقل وأُخذ منه من الأجرة مثل ما أُخذ أو من قيمة الاستهلاك مثل ما أُخِذ من غيره من أسر كبيرة تُسرف في الماء، وتستهلك أكثر أن يترك الماء هباءً دون فائدة حتى يستوفي ما دفع، هل له أن يستوفي؟

ليس له ذلك، وعلى الإنسان في أمور الإيجارات أن يفعل بها بأموال الناس مثل ما يفعل في بيته؛ لأن بعض الناس إذا استأجر شقة مثلاً طارئة في مكة أو في المدينة أو في أي مكانٍ ثانٍ، يقول: نحن مستأجرون ولا علينا كهرباء ولا ماء ولا شيء، نحن سندفع الإيجار ولا يختلف، لماذا لا أستعمل المكيف طول الوقت؟ نقول: هل تصنع هذا في بيتك؟ تصنع في بيتك تجعله يعمل طول الوقت؟ لا ما أشغله إلا ساعة في اليوم، نقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» ويُقاس على هذا جميع الأمور.

فالغرر موجود، ولو قُسم بينهم بالسوية؛ لأنهم يختلفون في الاستهلاك، ومثل هذا الغرر معفوٌّ عنه لا يُمكن الاطلاع على حقيقته، على حقيقة الحال والمقاسمة بدقة.

الأمر الثاني: أن الغرر يرد من قِبل الساكن في كيفية استعمال المستأجر، بعض الناس استعماله مُنهك للعين المؤجرة، وبعضهم يُعيد العين المستأجرة كما كانت، وإذا أردت أن تعتبر بمثالٍ واقعي... المدرس في أيام الامتحانات ينظر إلى كتب الطلاب، بعضهم كأنه اليوم استلم، وطالب جيد وذاكر، يعني ما تركه إهمالًا والكتاب نظيف، والثاني مُمزق، فالناس يتفاوتون في استعمالهم للأعيان وفي انتفاعهم بها، فبعض الناس إذا طلع من الشقة تحتاج إلى ترميم أكثر من أجرتها، وبعضهم لا تحتاج ولا مسمار ولا غيره، فعلى الإنسان أن يتوسط في أمره، وينظر إلى أموال الآخرين كأنها ماله، بل يحتاط لغيره أكثر من أن يحتاط لنفسه، وبهذا تقوم الأمور.

"ولمَّا كان ذلك ممكنًا في بيع الأعيان من غير عسر مُنع من بيع المعدوم إلا في السلم، وذلك في الإيجارات ممتنع، فاشتراط وجود المنافع فيها وحضورها يسد باب المعاملة بها".

طيب مُنع "ولمَّا كان ذلك ممكنًا في بيع الأعيان من غير عسر" الأعيان الموجودة ما يُعسر أن يُنظر إليها وينتفي فيها الغرر غير المغتفر، أما الضرر المغتفر أو الغرر المغتفر اليسير فهذا لا يسلم منه شيء.

في السَّلم وهو موصوف، موصوف، وفي الوقت نفسه معدوم، وإلا فالأصل في بيع الموصوف جائز، يعني أن يكون المبيع معلومًا هذا من شروط البيع إما برؤية أو بصفة كاشفة، بحيث إذا اختلفت عن الوصف صار للمشتري خيار الخُلف في الصفة.

بيع السَّلم كيف تصف؟ هو معدوم في الأصل ما بعد وُجِد، وقد يكون صاحب البضاعة الذي أخذ المال في مقابل السَّلم غير مالك لأصل السلعة، المسألة معدومة، فمثل هذا استُثني؛ ولهذا استُثني السَّلم، وجعله بعضهم على خلاف الأصل، لكن إذا ضُبط بوصف المُسلَم فيه ضُبط بوصف مثل ما تُضبط العين الموجودة ينتفي هذا الغرر.

طالب:........

ما الفرق بينهما؟ مَن يذكر الفرق؟

طالب:........

طيب، لماذا هو غير قادر على التسليم؟ هو يملك الأصل، وكثير من أهل العلم يشترط أن يكون عاقد السَّلم مالكًا للأصل، ومنهم من يقول: إنه أُجيز السَّلم في عهد النبي –عليه الصلاة والسلام- وذُكِرت الشروط ولم يتعرض لملك الأصل، المهم أن يكون الكيل معلومًا، والوزن معلومًا، والأجل معلومًا، وما عدا ذلك لم يُتعرض به، وكأن البخاري يميل إلى هذا -رحمه الله-.

طالب:........

نعم.

طالب:........

افترض أنه على القول الثاني أنه غير مالك للأصل، لأصل السلعة، جاءك واحد قال: أنا محتاج إلى مائة ألف تنقدها لي الآن، وأسلمك بعد سنة سيارة موديل ألفين وسبعة على وقت حضورها من نوع كذا، وما هو بصاحب مصنع ولا شيء.

طالب:........

نعم.

طالب:........

إلا بعد استلام السلعة.

طالب:........

مِن وجه؟

طالب:........

لا، هو افترض أن السَّلم في سيارة مثلاً أو في أي آلة من الآلات التي تُطلب صناعتها، السين والتاء للطلب، فالاستصناع طلب الصناعة، لكن السَّلم لابد أن يكون المال مدفوعًا في وقت العقد، هذا شرطه عندهم، والاستصناع لا يُشترط، لكن إن قُدِّم فيه إشكال؟

طالب:........

كيف؟

طالب:........

لكنه يملك الأصول، عنده الأخشاب، وعنده... أنت جئت لمنجرة مثلاً وقلت له: أنا أريد دالوبًا أو دواليب بهذه الصفة وطاولة وكرسيًّا، أثاثًا مكتبيًّا، وقال لك: قيمتها خمسة آلاف تُعطينا ألفين أو ثلاثة نشتري لك أخشابًا، والبقية عند التسليم، ماذا صار؟ فيه إشكال؟

طالب:........

نعم.

طالب:........

لكن مثل هذه الصورة فيها إشكال؟

طالب:........

ما فيها أدني إشكال.

إذًا ما الفرق بينهما أنه يجوز تأجيل المقابل في الاستصناع، ولا يجوز تأجيله في السَّلم.

طالب:........

أين.

طالب:........

هو قريب من السَّلم وقريب...من مجموعة عقود.

طالب:........

نعم من مجموعة عقود.

طالب:........

طيب.

طالب:........

هذا إما توكيل أو بيع ما لا يملك، إما توكيل بالشراء له، وحينئذٍ لا يجوز أن يأخذ إلا أجرة المثل أو بيع ما لا يملك.

"والإجارة محتاجٌ إليها، فجازت وإن لم يحضر العوض أو لم يُوجد، ومثله جارٍ في الاطلاع على العورات".

أين العوض؟ يقول: "وإن لم يحضر العوض أو لم يُوجد".

طالب:........

"والإجارة محتاجٌ إليها، فجازت وإن لم يحضر العوض أو لم يُوجد" يعني في السَّلم لابد من تسليم العوض والإجارة مُحتاجٌ إليها، السَّلم مُحتاج إليه، لكن وجه الحاجة في السَّلم إحضار الثمن، يعني وجه الحاجة من المزارع الذي أُبيح له أن يبيع هذا قبل بدو صلاحه، وقبل وجوده فهو معدوم في الحقيقة حاجته إلى المال، فحاجته قائمة، وحينئذٍ صارت سببًا لإباحة هذه الصورة شريطة أن يُدفع ما يدفع حاجته الذي هو الثمن.

هنا الإجارة "فجازت وإن لم يحضر العوض أو لم يُوجد" العين موجودة، لكن العقد ليس على العين، وإنما العقد على المنفعة، والمنفعة في حكم الموجود، فإذا وُجِد أحد العوضين ليس مثل ما إذا عُدِم العوضان في عقد السَّلم، فأحد العوضين موجودٌ حكمًا، وهو تخلية المكان المؤجَّر لينتفع بها المستأجر، ولو لم ينتفع به، لكن ما من شأنه أن يُنتفع به افترض أن إنسانًا أستأجر شقة وأغلقها، لما تمت سنة سلمها ما دخلها ولا مرة ماذا نقول عن العقد؟ العقد صحيح، العقد على منفعة ما تمت المنفعة من شأنها أن تتم، لكن فرَّط فيها صاحبها، ما استوفاها، هذا يتحمل مسؤوليته.

"ومثله جارٍ في الاطلاع على العورات للمباضعة والمداواة وغيرهما".

نعم، الأصل وجوب ستر العورة «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلا عِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» "للمباضعة" للحاجة التي بين الزوج وزوجته أو أمته يجوز ذلك، "وللمداواة" ولطبيب مسلم، شريطة أن يكون ثقة، نظر ولُمس ما تدعو إليه الحاجة، لكن بشرط ألا يوجد من يقوم به من الجنس نفسه، فلا يجوز للمرأة بحال أن تُباشر عورات الرجال إلا إذا لم يُوجد رجل، والعكس لا يجوز للرجل أن يُباشر عورات النساء إلا لهذه الحاجة، شريطة ألا يُوجد من النساء من يقوم بها.

طالب:........

لا، ليس بعذر؛ لأن المحافظة على هذا أهم من المحافظة على المال، المحافظة على الأعراض أولى من المحافظة على الأموال، لكن المحافظة على الوقت أو على المال، أيهما أهم؟

طالب:........

المحافظة على الوقت أو على المال؟

طالب:........

كيف؟

طالب:........

والوقت؟ هو النفس، العمر كله عبارة عن هذا الوقت، أو نقول: يختلف باختلاف الأشخاص، بعض الناس وقته أنفس من ماله، وبعضهم ماله أنفس من وقته، يعني وقت ضائع ضائع، كثير من الناس مغبون في فراغه، وبعض الناس العكس.

مثال ذلك: لو أردت الذهاب أنت في شرق الرياض أردت الذهاب إلى غربه، أو في شماله أردت الذهاب إلى جنوبه، أنت في شرق الرياض تُريد الذهاب إلى الغرب، إن ذهبت إلى الغرب على طريقة الخط المستقيم هذا أيسر في المصروف، يعني تحتاج إلى كم لتر حتى تصل إلى أقصى غرب الرياض؟ لكن قدامك إشارات، وقدامك زحمات، فتحتاج إلى ساعتين، بينما لو ذهبت مع الدائري أصرفت ضعف ما تصرفه من البنزين، لكن الوقت أقل من الربع، فهل تذهب مع الدائري ولو أنفقت من المال ما أنفقت، أو تذهب مع الطريق المستقيم الذي فيه المال إسرافه أقل مع المحافظة على الوقت؟ والظاهر أن هذا يختلف باختلاف الأشخاص.

"وكذلك الجهاد مع ولاة الجور قال العلماء بجوازه، قال مالك: لو تُرك ذلك لكان ضررًا على المسلمين".

نعم "الجهاد مع ولاة الجور قال العلماء بجوازه" لأن تركه بهذه العلة أو بهذا السبب أن الوالي جائر يقضي على هذه الشعيرة من شعائر الإسلام، فأجازه العلماء، بل أوجبوه، وجاءت به النصوص، يعني إذا كان هذا الوصف الذي هو صفة لا شك أن الجور في الأئمة هذا وصف ذم بالنسبة لهم، ومن شروط الإمام أن يكون عدلاً، والجور نقص، فإذا قلنا: إنه لا يُجاهد معهم ولا يُصلى خلفهم أحدث شرخًا وضررًا عظيمًا في الإسلام وأهله، فلابد من أن يُجاهد معهم ويُصلى خلفهم، وتُصلى خلفهم الجُمع والأعياد، ولا يُنظر إلى هذا الوصف، وهذا الوصف مغمور بالنسبة لما يُحققه من المصالح.

"فالجهاد ضروري، والوالي فيه ضروري، والعدالة فيه مكملةٌ للضرورة، والمكمل إذا عاد للأصل بالإبطال، لم يُعتبر".

يعني على ما تقدَّم؛ لأن هذا المُكمِّل وهو عدالة الوالي لو لاحظناه، وأهدرنا الأصل، لقلنا: إن المُكمِّل قضى على الأصل، الذي هو أصل المسألة المبحوثة.

"ولذلك جاء الأمر بالجهاد مع ولاة الجور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك ما جاء من الأمر بالصلاة خلف الولاة السوء".

وعليه عمل سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة، يُجاهدون ويُصلون الجُمع والأعياد وحتى الفرائض الخمس يُصلونها خلف أئمة الجور، وإن كان جورهم قد سرى إلى العبادة نفسها، فمن أئمة الجور في صدر هذه الأئمة -يعني بعد الخلافة الراشدة- من يُؤخر الصلاة عن وقتها، ويترتب على تأخر هذا العالم أو هذا الفاضل عن الصلاة خلف هذا الوالي الجائر ضرر، لا شك أن الضرر بالغ في التأخر عنه، ومع ذلك يُصلي صلاته في وقتها، ثم يُصلي مع هؤلاء نافلة.

"فإن في ترك ذلك تركُ سُنَّة الجماعة".

تركَ..تركَ.

"فإن في ترك ذلك تركَ سُنَّة الجماعة، والجماعة من شعائر الدين المطلوبة، والعدالة مكملةٌ لذلك المطلوب، ولا يبطل الأصل بالتكملة.

ومنه إتمام الأركان في الصلاة".

يعني قوله: "سُنَّة الجماعة" إن كان مراده أنها ثابتة بالسُّنَّة عن النبي –عليه الصلاة والسلام- فهذا لا إشكال فيها.

وإن أراد أن حكمها سُنَّة فهذا فيه نظرٌ ظاهر والأدلة تدل على وجوبها، على وجوب صلاة الجماعة.

"ومنه إتمام الأركان في الصلاة مكملٌ لضروراتها، فإذا أدى طلبه إلى أن لا تُصلى، كالمريض غير القادر، سقط المكمل".

كالقيام، يقول: أنا لا أستطيع القيام، نقول له: لا تُصلي؟ نقول له: صلى جالسًا؛ لأن القيام مُكمِّل، وإن كان ركنًا من أركان الصلاة، لكن بقية الصلاة وهيئتها موجود، فإذا كان الإتيان بهذا المُكمِّل -وإن كان في الحقيقة شرطًا- وبقية الصلاة قائمة، فلابد من الإتيان بها مع هذا الخلل الموجود، أما لو قلنا: بأنه مادام ما يستطيع أن يأتي بهذا الركن، والركن تركه مُبطل للصلاة عُدنا على الأصل بالإبطال، ولاحظنا هذا المُكمَّل، ولو كان رُكنًا، وخالفنا القاعدة التي بنى عليها جميع هذا الكلام، لكن إذا كان الذي لا يستطيعه أو الذي يستطيعه من الصلاة مما يتطلبه الركن، من مقتضيات هذا الركن، يستطيع أن يقف، ولكن لا يستطيع أن يقرأ، القيام يلزمه؛ لأنه ركن مستقل عن القراءة، لكن تحريك اللسان والشفتين وهو لا يستطيع أن يقرأ لا يلزمه، يعني الذي يستطيعه من العبادة إن كان مقصودًا لذاته فلابد من الإتيان به، وإن كان مقصودًا لغيره فلا يلزم الإتيان به، من ذلك كما قالوا في القواعد: إمرار الموسى على رأس الأصلع، فمنهم من يقول: هذا يأتي، يستطيع أن يأتي بالموسى ويمره على رأسه وغاية ما هنالك أنه أدى ما عليه، لكن ما وجد شعر، والصحيح أنه إنما يُجاء بالموسى ويُمر به على الرأس من أجل إزالة الشعر، فإذا لم يكن ثَم شعر فلا قيمة لهذا العمل.

"أو كان في إتمامها حرج ارتفع الحرج عمن لم يُكمل، وصلى على حسب ما أوسعته الرخصة، وستر العورة من باب محاسن الصلاة، فلو طُلب على الإطلاق، لتعذر أداؤها على من لم يجد ساترًا، إلى أشياء من هذا القبيل في الشريعة تفوق الحصر، كلها جارٍ على هذا الأسلوب.

وانظر فيما قاله الغزالي في الكتاب (المستظهري) في الإمام الذي لم يستجمع شروط الإمامة، واحمل عليه نظائره".

يعني لو تخلَّف شرط من شروط الإمامة، نقول: ما نحتاج إمامًا حتى تتوافر هذه الشروط؟ ما يُقال مثل هذا، لا يُمكن أن يُقال؛ لأنه يأتي على الأصل بالإبطال، وحينئذٍ يُنظر الأكمل فالأكمل، الكتاب (المستظهري) يقول في (كشف الظنون) (حلية العلماء في مذاهب الفقهاء) للشيخ/ أبي بكر محمد بن أحمد القفال الشاشي الشافعي، هذا مطبوع (حلية العلماء) مطبوع، لكن يقول في (كشف الظنون): المعروف بـ (المستظهري): صنَّفه للخليفة المستظهر بالله العباسي، القفال الشاشي هذا متوفى سنة سبع وخمسمائة في وقت الخليفة المستظهر بالله، وفي الوقت نفسه الغزالي توفي سنة خمس وخمسمائة، فلعله ألَّف كتابًا بهذا الاسم لهذا الخليفة، وإلا لم يُذكر في (كشف الظنون) أو في غيره (المستظهري) للغزالي، ذُكِر (المستظهري) للشاشي المعروف بـ (حلية العلماء) وهو مطبوع، ومادام كل منهما في عهد الخليفة المستظهر بالله لا يبعد أن يكون الغزالي قد ألَّف له كتابًا كما ألَّف القفال الشاشي كتابًا له.

اللهم صلِّ على محمد.

طالب:........

نعم.

طالب:........

ماذا يقول؟

طالب:........

الغزالي؟ هات.

قال فيه بعد أن ذكر شروط الإمامة: "فإن خلا الزمان عن قرشيٌ مجتهد يستجمع جميع الشروط وجب الاستمرار على الإمامة المعقودة إن قامت له الشوكة، وهذا حكم زماننا، وإن قُدِّر ضربًا للمثل حضور قرشي مجتهد مستجمع للورع والكفاية وجميع شرائط الإمامة، واحتاج المسلمون في خلع الأول إلى تعرض لإثارة فتنٍ واضطراب أمور لم يجز لهم خلعه ولا استبداله".

لم ينظر إلى أن هذه الشروط إنما تُطلب في حال الاختيار، أما في حال الإجبار فلا نظر إلى هذه الشروط؛ لأنه الأحاديث دلت على أن الأئمة من قريش، ودلت الأحاديث أيضًا أنه لو تولى ولو عبدٌ حبشي فإنه يجب له السمع والطاعة، وهذا محمولٌ على حال الاختيار، وذاك محمولٌ على حال الإجبار.

كلامه هذا مطبوع في صفحة مائة وتسعة عشر ومائة وعشرين مطبوع.

(المستظهري) للغزالي عندك ما هو مُراجع؟ يمكن الجزء الأخير نُراجعه في المجلد الأخير.

يقول: ما بالنا نُقلد المشايخ في كل أمورهم حتى في طريقة كلامهم، ولكن دون أخلاقهم في التعامل مع الناس نرجو إيضاح السبب والعلاج وشكرًا؟

الأصل في العالم أن يكون عاملاً بعلمه مُتبعًا؛ ليكون قدوة لطلابه ولغيرهم، فإذا كان كذلك عاملاً بالعلم، مُحققًا له، مُتبعًا للأسوة النبي –عليه الصلاة والسلام-فينبغي أن يُقلد في كل ما يوافق فيه الصواب.
دعنا نبدأ بالدرس لأجل الوقت، نقول: لابد أن نُقدِّم عن كتاب الموافقات للمبتدئين من طلبة العلم، ونُبين طريقة المصنِّف إلى آخره، الإشكال أن الكتاب الآن له ثلاث سنوات، أربع سنوات، الكتاب له أربع سنوات، وأمضينا الربع من الكتاب، وطريقة المصنِّف مرت فيما تقدَّم وألمحنا إلى شيءٍ منها مُتجدد فيما بعد، ومن حضر من الأول لا شك أنه بانت له معالم الكتاب.

هذا يقول: نرجو التكرم بإيضاح السبب الذي من أجله لم تقرأ الكتب المصاحبة لهذا الدرس حتى الآن، مع أننا تحن الطلاب نُحضر الكتب؟

الأصل أن مثل هذه الدروس التي يُذكر فيها في الوقت الواحد دروس متعددة بحيث لو اجتمعت أخذت وقتًا طويلاً، مثل هذه الدروس دروس قراءة ما هي بدروس شرح وتحليل، مثل الدرس المُفرد في وقتٍ مُعين، هذه مرتبطة بأصحابها، إن حضر القارئ الذي من سنين وهو يقرأ قامت وإلا تُركِت، وكان التفسير تفسير القرطبي كذلك، لكن بإلحاحٍ من الإخوان جُعل كالمتون بحيث لا يمر وقت إلا ويُقرأ فيه؛ لأنه سبب بذلك تعطيلًا في الكتاب، وطول المدة.
الآن الإخوان حضروا أصحاب الكتب المصاحبة حضروا في من يقرأ (زاد المعاد) إن شاء الله تعالى، وفيمن يقرأ في (سُبل السلام)، وأما بالنسبة (لقرة عيون الموحدين) فمن الدرس القادم- إن شاء الله تعالى- على أن الاحتمال الأقوى أننا في الأسبوع القادم ما فيه درس؛ لأن عندي سفرًا لا العصر ولا العشاء.

يقول: ذكرت في مناسباتٍ كثيرة منهجية وطريقة نافعة للحفظ، ولكن السؤال أني عملت بها، ولمَّا كثرت علي محفوظاتي أحتاج إلى مراجعتها، كيف الطريقة السليمة لمراجعة المحفوظات؟

المراجعة مع الأقران تكون مع واحد من الزملاء يُناسبك في الفهم والتحصيل، تقرأ عليه ويقرأ عليك، وهذه مراجعة ومذاكرة في الوقت نفسه لا تقتصر على الحفظ، بل على الفوائد المُقيدة والفوائد المستفادة من الشيوخ، كل واحد يُفيد أخاه بما عنده.