كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 24
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي- يرحمه الله تعالى- في محرره: باب الحيض، روى ابن عدي عن محمد بن عمرو عن ابن شهاب.."
روى ابن..
عن محمد..
روى ابن..
ابن عدي..
ابن أبي..
عفا الله عنك.
روى ابن أبي عدي..
لأنك إذا قلت: روى ابن عدي انصرف الذهن إلى صاحب الكامل، إلى صاحب الكامل، ويكون حينئذ مؤشِّرًا إلى ضعف الخبر؛ لأن ما يتفرد به ابن عدي ضعيف، وهو مظنة الضعيف.
وما نمي لعد وخط وكر |
| ومسند الفردوس ضعفه شهر |
فهذه مظان الضعيف، روى ابن أبي عدي..
"روى ابن أبي عدي عن محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي»، رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني، وقال: رواته كلهم ثقات، والحاكم وقال: على شرط مسلم، وقال النسائي: قد روى هذا الحديث غير واحد فلم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي، وقال أبو حاتم: لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف- رحمه الله تعالى-: "باب الحيض" الحيض مصدر حاضت تحيض حيضًا، وأصله من السيلان، وجاء في كتب اللغة من قول العرب: حاض الوادي، يعني سال، ومناسب جدًّا للمعنى الاصطلاحي، فهو سيلان الدم من المرأة، ويعرفه أهل العلم بأنه دم طبيعة وجبلة يرخيه الرحم، يرخيه الرحم من رحم المرأة البالغة في أوقات معلومة، في أوقات معلومة، والله- جل وعلا- خلقه، وأوجده لحكمة، وقد كتبه على بنات آدم، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة، وجاء ما يدل على أن نساء بني إسرائيل ابتلين بالحيض حتى قال بعضهم: إن الحيض لم يعرف قبل نساء بني إسرائيل، لكن هذا الكلام صحيح أم ليس بصحيح؟
في الحديث الصحيح «إن الله كتبه على بنات آدم» يعني من أول الأمر بنات آدم لصلبه فما دونهن وما بعدهن، وما جاء مما يدل على أن الله كتبه على بنات بني إسرائيل، أو ابتلى بنات بني إسرائيل به فإنما يراد به إن صح كثرته، يحمل على كثرته، وأنهن ابتلين بذلك، خلقه الله- جل وعلا- لحكمة عظيمة، وهي تغذية الجنين، تغذية الجنين، ولذا القول الصحيح من أقوال أهل العلم: إن الحامل لا تحيض الحامل لا تحيض، بدليل أن الحيض جعل علامة على براءة الرحم، الحيض حينما جعل في العدد إنما سبب ذلك ليُعلم بذلك براءة الرحم، ولو كانت الحامل تحيض ما عرفنا براءة رحمها بعدم الحيض، ولهذا المرجح عند أهل العلم أن الحامل لا تحيض، وما ينزل معها من دم يحكم بأنه دم فساد، استحاضة، أو نزيف على ما سيأتي في الاستحاضة.
قال: "وروى ابن أبي عدي عن محمد بن عمرو عن ابن شهاب عن عروة" محمد بن أبي عدي ثقة ثبت، مكانه في الحفظ معروف عند أهل العلم، ومحمد بن عمرو فيه ما تقدم من لين في حفظه، ضعَّفه بعضهم بسببه، ووثقه آخرون؛ لديانته، وتوسط بعضهم، ولعله هو المرجح أن حديثه من قبيل الحسن؛ لأن ضعفه ليس بشديد، ضعف الحفظ عنده ليس بشديد، فحديثه من قبيل الحسن.
"عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة -رضي الله عنها-" الحديث هذا الحديث اختلف فيه أهل العلم اختلافًا كبيرًا، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "رواه أبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني وقال: رواته كلهم ثقات، والحاكم وقال: على شرط مسلم، وقال النسائي: قد روى هذا الحديث غير واحد فلم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي، وقال أبو حاتم: لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية وهو منكر".
على كل حال صححه آخرون، واستنكره بعضهم، ابن القيم- رحمه الله تعالى- يقول في تهذيب سنن أبي داود، وهذا الكتاب في غاية الأهمية لطالب العلم، لا يستغني عنه طالب علم، بيَّن فيه العلل التي في سنن أبي داود بكلام لا نظير له عند المتأخرين، فهو به يحاكي المتقدمين، ويدل على إمامته ورسوخ قدمه في هذا الشأن، رحمه الله.
يقول: حديث عروة عن فاطمة هذا قال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام: منقطع، نقل ابن القيم لأنه انفرد به محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة، ورواه عن محمد بن عمرو محمد بن أبي عدي مرتين إحداهما من كتابه هكذا، والثانية عن زاد فيه عائشة بين عروة وفاطمة، وهذا متصل، زاد فيه عائشة بين عروة وفاطمة، وهو الذي ساقه المؤلف واعتمده، وهذا متصل، ولكن لما حدّث به من كتابه منقطعًا ومن حفظه متصلاً، فزاد عائشة، أورث ذلك نظرًا فيه، وقد جاء في سنن أبي داود مصرحًا به أنه أخذه من عائشة لا من فاطمة، فإذا نسبه إلى فاطمة مباشرة عن عروة عن فاطمة يكون أسقط عائشة، ومكانه من عائشة معروف، خالته، والحديث الذي ساقه المؤلف هنا من مسند عائشة أم من مسند فاطمة؟
من مسند عائشة، فإذا أسقط عائشة صار من مسند فاطمة يقول: إنه أخذه من عائشة لا من فاطمة، فإذا أسقط عائشة صار منقطعًا هذا كلام ابن القطان، يقول ابن القيم: أما قوله: إنه منقطع فليس كذلك، فإن محمد بن أبي عدي مكانه من الحفظ والإتقان معروف لا يُجهَل، وقد حفظه وحدث به مرة عن عروة عن فاطمة، ومرة عن عائشة عن فاطمة، وقد أدرك كلتيهما، وسمع منهما بلا ريب، ففاطمة بنت عمه، وعائشة خالته، فالانقطاع الذي رمي به حديث مقطوع دابره، هذا كلام ابن القيم. وقد صرح بأن فاطمة حدثته به، يعني لا يمنع أن يكون يرويه عن فاطمة بواسطة عائشة، وأن يرويه عنها مرة أخرى بدون واسطة، لا مانع أن يسمع الحديث بواسطة عن صاحبة الشأن، ثم بعد ذلك يسمعه منها فيرتقي ويترك الواسطة، وله أمثلة كثيرة، وهذا منها، فالمرجَّح أن الحديث ثابت، وأقل أحواله الحسن.
"عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، كانت تستحاض" يأتي في الأحاديث الأخرى حديث حمنة وحديث أم حبيبة، وفي غير هذا الكتاب أحاديث أخرى؛ لأنه بلغ عدد المستحاضات في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعًا، وهن ابتلين بالاستحاضة، حمنة استحيضت سبع سنين، فهذه بلوى النزيف ومصيبة بالنسبة للمرأة، لكنها من ضمن المصائب التي تؤجر عليها إذا صبرت واحتسبت، وقد شكت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي، فالشكوى إنما تكون فيما يضر بالإنسان على ما سيأتي ذكره، إن شاء الله تعالى، فلا شك أن مثل هذا يضر بالمرأة، لكن عليها أن تصبر وتحتسب كغيرها من المصائب، تسع ذكرهن أهل العلم فيمن استحيض، السيوطي نظمهن في حاشيته على النسائي في بيتين يقول:
قد استحيضت في زمان المصطفى |
| تسع نساء قد رواها الراوية |
بنات جحش سودة والفاطمة |
| زينب أسماء وسهلة وبادية |
سودة وفاطمة وزينب وأسماء وسهلة وبادية ست، وبنات جحش ثلاث بنات جحش ثلاث حمنة وأم حبيبة وأيضًا زينب أم المؤمنين، ثلاث مع أنه ثبت حديث أم حبيبة وثبت حديث حمنة/ لكن حديث زينب لم يثبت لم يثبت/ فالقول بأنها كانت تستحاض يحتاج إلى دليل.
"أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، كانت تستحاض" والاستحاضة والحيض أصل المادة واحد، الحيض والاستحاضة أصل المادة والحروف الأصلية واحدة، لكن زيد في الاستحاضة حروف لا توجد في الحيض، وأهل العلم يقررون أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فدل على أن في الاستحاضة قدرًا زائدًا عن الحيض قد تشتمل الاستحاضة على حيض وزيادة، وقد تنفرد عن الحيض إذا جاءت في غير وقته وقلت مدته عن مدة الحيض تكون أقل، لكن الغالب أن الاستحاضة أكثر من الحيض، وهذا هو السبب الزيادة على ما جاء في أصل المادة السين والتاء زائدة على أصل المادة التي هي الحاء والياء والضاد.
قولهم زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى هل هذا مطرد أم غير مطرد؟
طالب:.........
نعم غير مطرد من ذلك صيغة المبالغة فاعل حذر مثلاً حذر أبلغ من حاذر، أبلغ وأقوى في المعنى من حاذر، مع أن حاذر أكثر في الحروف، فهذا ليس من المطرد، إنما هو أغلبي. فاطمة بنت أبي حبيش كانت تستحاض، يعني مبتلاة ابتليت بخروج الدم بكثرة ونزيف.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن دم الحيض أسود، إن دم الحيض دم أسود يعرف»، وفي رواية «يعرِف» يعرَف يعني تعرفه النساء، تعرفه النساء، دم الحيض تعرفه النساء؛ لأنه يتكرر عليهن، ولذلك البنت المبتدأة أول ما تبدأ ما تدري تفزع إذا رأت الدم، فإذا أخبرت أمها، أخبرتها؛ لأنها تعرِف، فيعرَف يعني يعرفه النساء، والرواية الأخرى: يعرِف يعني له عرض رائحة، فدم الحيض له علامات منها أنه أسود وله رائحة منتنة، وهو أيضًا ثخين غليظ، ثخين غليظ أسود منتن، هذه علامات دم الحيض بخلاف دم الاستحاضة، بخلاف دم الاستحاضة فإنه أحمر، وليست له رائحة، وهو أيضًا رقيق ليس بثخين، هذه العلامات الفارقة بين دم الحيض ودم الاستحاضة، ويذكر بعضهم أن دم الحيض لا يتخثر بسرعة، يعني لا يتأكسد ولا يتجلط بسرعة، بخلاف غيره من الدماء فإنه بمجرد ما يخرج يتأكسد، ما معنى يتأكسد؟
إذا جاء مر عليه الأكسجين يعني يكون صلبًا بعد أن كان سائلاً.
«إن دم الحيض دم أسود يعرَف أو يعرِف، فإذا كان ذلك، فإذا كان ذلك» يعني وجد ذلك فكان هنا تامة أم ناقصة؟
تامة، «فإذا كان ذلك فأمسكي» ذلكَ أم ذلكِ؟ الآن الإشارة للمرأة أم للدم؟
طالب:.........
إذًا يكون ذلكَ، «فإذا كان ذلكَ فأمسكي عن الصلاة» هذا دليل على أن الحائض لا تصلي، وأيضًا هي لا تصوم، وهذا محل إجماع بين أهل العلم، تمسك عن الصيام وعن الصلاة، ولا يصحان منها لو فعلت، بل يحرم عليها أن تصوم وتصلي، «فأمسكي عن الصلاة»، يعني إذا وجد ذلك الدم الموصوف بهذه الأوصاف «فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر» يعني غير الأسود الذي له رائحة، المعروف عند النساء، إذا وجد غيره «فتوضئي وصلي»، فإذا كان الآخر يعني دم الاستحاضة الأحمر فتوضئي وصلي، وأهل العلم يقولون: هذا محمول على المبتدِئة أو المتبدَأة مبتدِئة أم مبتدَأة، أو يصح الأمران؟
هي التي بَدأت أو بُدِئت بالدم؟ هي بُدِئت، طيب ماذا عن المجادَلة والمجادِلة؟ طيب تجادِل وتجادَل أيضًا؛ لأن الفعل من طرفين، وهنا من طرف واحد، وفي البخاري: باب بدء الحيض، بدء الحيض، فالذي يبدأ الحيض، فهي مبتدَأة مبتدأة، ألا يصح أن يقال: مبتدِئة بمعنى أنها جديدة على هذا الأمر، كما يقال: هذا طالب مبتدِئ، لكن إسناد الفعل إلى الطالب وإسناد الابتداء هنا إلى الحيض لا إلى المرأة.
هذا الحديث عند الإمام أحمد محمول على المبتدَأة غير المعتادة، فغير المعتادة التي هي المبتدَأة تعمل بالتمييز، تعمل بالتمييز، والمعتادة تعمل بعادتها، هي امرأة مبتدَأة وبنت مبتدأة أول ما نزل عليها الحيض شهرًا كاملًا لكن يتغير لونه من حين إلى آخر يكون أسود أحيانًا ويكون أيضًا أحمر أحيانًا فمثل هذه التي ليست لها عادة تعمل بالتمييز كما هنا إذا جاء الأسود تمسك، إذا جاء الآخر تتوضأ وتصلي، أختها التي أكبر منها لها عادة من خمس سنوات، وهي تحيض ولها عادة ستة أيام مثلًا تعمل بعادتها، ولو اختلفت العادة مع التمييز هذا عند مَن؟ الإمام أحمد فالحديث محمول عنده على المبتدَأة غير المعتادة فتعمل حينئذ بالتمييز، الإمام أحمد أيضًا له رواية توافق مذهب الشافعي، وهي أن العمل بالتمييز مطلق وهذا الحديث يشمل المبتدأة ويشمل أيضًا المعتادة فالتمييز أقوى من العادة، التمييز أقوى من العادة عنده، عند الشافعي ورواية عند الإمام أحمد، والعادة عند الإمام أحمد في المشهور عنه أقوى.
الحال الثالثة التي لا عادة لها ولا تمييز، المميزة تعمل التمييز، المعتادة تعمل بالعادة، التي لا عادة لها ولا تمييز سيأتي أنها تحيض غالب عادة نسائها ستة أو سبعة على ما سيأتي في زاد المستقنع، يقول: المستحاضة معتادة ولو يميز تجلس عادتها، تجلس عادتها المعتادة ستة أيام، جاءها الدم الأسود خمسة أيام وانقطع في السادس يقول: تجلس السادس؛ لأنها معتادة، والعادة عنده أقوى من التمييز، عادتها ستة أيام، زاد معها الدم الأسود سبعة أيام يقول: تجلس عادتها الستة أيام.
ولا شك أن التفاوت في الدم له أثر في الحكم له أثر في الحكم، والأدلة على هذا وهذا، كما سيأتي في الأحاديث، كما سيأتي في الأحاديث، فالإمام أحمد له أدلته، وأجاب عن أدلة الآخرين بمثل هذا بحمله على ما ذكر، والشافعي قوله واضح كل النساء مبتدأة معتادة كبيرة صغيرة زادت معها المدة استحيضت شهرًا إذا كان أسود يعرَف أو يعرِف تجلس هذا الشهر أسبوعًا، الشهر الثاني خمسة أيام، الثالث عشرة أيام، تجلس تعمل بالتمييز مطلقًا، هذا قول الإمام الشافعي، وهو رواية عن الإمام أحمد، والقول المعروف عند الحنابلة أنها تعمل بعادتها، تجلس عادتها، إذا كانت المعتادة ستة تجلس ستة فقط، ولو زاد الدم إلى عشرة، ولو نقص الدم إلى ثلاثة.
«إن دم الحيض دم أسود يعرَف، أفإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي»، حمل الحديث على المعتادة، حمل الحديث على المعتادة، كما يقول الحنابلة، الداعي إليه معارَضته لما سيأتي لبعض الأحاديث، وأنها تتحيض ستة أيام وسبعة وتجلس عادتها التي كانت تحيضها، فمادام عارَض تلك الأحاديث ونُص على أن المعتادة تجلس عادتها دل على أن هذه غير معتادة؛ لأنها أحيلت على التمييز.
يقول في الزاد: والمستحاضة معتادة ولو مميزة تجلس عادتها، وإن نسيتها عملت بالتمييز، نسيت العادة، ما تدري كم، تعمل بالتمييز، فإن لم يكن لها تمييز، لا عادة ولا تمييز فماذا تصنع؟
تجلس غالب الحيض، غالب ما يحيض أقاربها من النساء ستة أو سبعة على ما سيأتي، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي باعتبار أنه انقطع، توضئي وصلي، انقطع الأسود المعروف عند النساء، وجاء الأحمر، هل يكفي أن نقول: توضئي وصلي، أو لا بد من الغسل، لأن الحيض انتهى، وبانقطاعه حقيقة أو حكمًا يجب الغسل؟
الآن في الحديث «فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي»، وسيأتي ما يدل على الاغتسال، لكن الأصل أن الحائض إذا انقطع دمها حقيقة أو حكمًا في حال الاستحاضة مثلاً، وحكمنا بأنه انقطع إما بالتمييز إن كان هناك تمييز، أو بالعادة إن كان هناك عادة، أو بجلوسها غالب أيام الحيض انقطع حكمًا، وإن لم ينقطع حقيقة، يجب عليها الغسل، فإذا انقطع الدم حقيقة أو حكمًا وجب عليها الغسل، هنا يقول: وإذا كان الآخر انقطع الأسود المعروف فتوضئي وصلي، يكفي الوضوء أم ما يكفي؟ يعني بعد المعروف المقرر بالنسبة للحيض وهو الاغتسال، يعني غسل الحيض واجب أم ما هو بواجب؟
واجب، هذا معروف ومقرر، فهذا أمر لا بد منه، وإن سكت عنه في هذا الحديث، أمر لا بد منه وإن سكت عنه في هذا الحديث؛ لأنه معلوم من أدلة أخرى، فتغتسل إذا انقطع الأسود المعروف، ثم بعد ذلك تتوضأ وتصلي لكل صلاة، ولا يلزمها غسل على ما سيأتي تقريره، تتوضأ وتصلي.
يقول: "رواه أبو داود والنسائي وابن حبان، والدارقطني قال: رواته كلهم ثقات، والحاكم وقال: على شرط مسلم، وقال النسائي: قد روى هذا الحديث غير واحد، فلم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي".
لم يذكر ما ذكر ابن أبي عدي في إيش؟ في متنه أو في إسناده، في متنه أو في إسناده، يعني عائشة، ابن أبي عدي ذكر عائشة، ومن عداه لم يذكروا عائشة، ما ذكره ابن أبي عدي.
"وقال أبو حاتم: لم يتابَع، لم يتابَع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر، وهو منكر" ومجرد التفرد عند بعض أهل العلم نكارة، ولا شك أن تفرد من لا يحتمل تفرده نكارة عند جمع من أهل العلم المتقدمين، يطلقون عليه النكارة، لاسيما إذا كان لا يحتمل تفرده، وهو أحد قسمي المنكر والشاذ عند ابن الصلاح، القسم الأول ما تضمن مخالفة، والثاني مجرد التفرد بالنسبة لمن لا يحتمل تفرده، وعرفنا أن الحديث أقل أحواله أنه حسن.
"قال -رحمه الله-: وعن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصلي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سبحان الله! هذا من الشيطان لتجلس في مَرْكن..»"
مِركَن كمِنبَر، مِركن.
"«لتجلس في مِركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحدًا، وتغتسل للفجر غسلاً، وتتوضأ فيما بين ذلك»، رواه أبو داود والدارقطني والحاكم وقال: على شرط مسلم، وقد أعله بعضهم."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني "وعن أسماء بنت عميس" أسماء بنت عميس معروفة كانت زوجة لمن؟
جعفر بن أبي طالب الطيار، ثم بعده لما استشهد تحت أبي بكر، ثم بعده لما مات، علي بن أبي طالب علي بن أبي طالب.
"وعن أسماء بنت عميس قالت: قلت: يا رسول الله، إن فاطمة بنت أبي حبيش" التي مر ذكرها في الحديث السابق، "استحيضت منذ كذا وكذا، فلم تصلِّ" يعني تركت الصلاة؛ لأنها مستحاضة؛ لأنه يخرج منها الدم بناءً على أن كل من خرج منها الدم لا تصلي، فهي تركت الصلاة، فلم تصل منذ كذا وكذا.
"فقال رسول الله: «سبحان الله!» تعجب كيف تترك الصلاة هذه المدة وهذا ليس بحيض، إنما هو ركضة من الشيطان، هل أُمرت بقضاء ما تركته من الصلوات؟ هل جاء أمرها بما تركته بقضاء ما تركته من الصلاة؟ يعني الحديث ليس فيه شيء من ذلك، لكن التعجب يعني كونها تترك الصلاة، يعني القواعد العامة والأدلة والنصوص الكثيرة تدل على أن من ترك صلاة نسيها أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، لكن الجاهل مثل هذه، وهذا يحصل، كثير من النساء في بداية الأمر تترك الصلاة، وتترك الصيام، ولا تقضي، ثم تسأل بعد سنين هي في أول الأمر لما بلغت، وقد تكون بلغت في سن مبكرة في التاسعة وفي العاشرة، ثم تستمر لا تصلي ولا تصوم بناءً على أنها مازالت، ثم يأتي السؤال بعد سنين، ثم تقول: لا أحصي كم رمضان تركت، أو تزعم أنه لا يلزمها قضاء هذه الأيام التي هي حيض بالفعل، وليست كل المدة لا تصلي ولا تقضي ولا تصوم وتقضي الصيام، لكن هذه ما قضت، ما صلت، ولا أُمرت بقضاء.
فهل نقول: إن الجاهل يعذر بمثل هذا، أو نقول: إذا كانت تحصيه تحصي هذا، ولا يشق عليها، يعني امرأة استحيضت سبع سنين وتركت الصلوات هذه يشق عليها أن تؤمر بالقضاء، لكن إذا كانت في بيئة مسلمة، هل يخفى مثل هذا عليها، أو هذا مرده التساهل لا الجهل، والتفريط؟
أما إذا كان القضاء يشق فمثل هذا المشقة تجلب التيسير، أما إذا كان محصورًا معروفًا مضبوطًا، ما فرّطت فيه، هذا يلزمها القضاء، والأدلة تدل على هذا.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «سبحان الله!» تعجب مكثت هذه المدة الطويلة لا تصلي، هذا «من الشيطان هذا من الشيطان»، في الحديث الذي يليه قال: «إنما هي ركضة من الشيطان»، ركضة من الشيطان، يعني رفسة ركضها، يعني رفسها، وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم، يسلط على بني آدم إذا لم تكن الصلة بالله -جل وعلا- وثيقة يكثر من التسلط عليه، يكثر من التسلط عليه، فينسيه ما يحتاج إلى ذكره، وقد يحصل له بسببه غفلة تضره يتضرر بسببها.
المقصود أن على الإنسان أن يكون على ذكر من الله -جل وعلا- لهجًا بذكره متصلاً به متعلقًا به مستعيذًا بالله- جل وعلا- من الشيطان وشركه وشره.
«سبحان الله! هذا من الشيطان، لتجلس» اللام لام الأمر، والأصل فيه الوجوب، «لتجلس في مِرْكَن» المِرْكَن قالوا: الإجانة التي تُغسل فيها الثياب، يعني مثل الطست، تجعل طستًا تجلس فيه، «فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل» هذا اختبار، وجود الصفرة فوق الماء دليل على إيش؟ وجدت صفرة يعني انقطاع الدم الأسود، ولا يلزم أن يكون انقطع الدم كله، انقطاع الدم الأسود؛ لأن الأحمر إذا اختلط بالماء صار أصفر، «فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل»، واللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، والجمهور حملوه على الاستحباب، على ما سيأتي.
«فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحدًا، وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاً واحدًا، وتغتسل للفجر غسلاً»، يعني تغتسل ثلاث مرات في اليوم؛ لأن أمرها بالاغتسال خمس مرات يشق عليها، فلتغتسل ثلاث مرات: للظهر والعصر هذا غسل واحد، وللمغرب والعشاء غسل ثانٍ، وللفجر غسل ثالث، يعني وجود الصفرة هل هو علامة على انقطاع الدم بالكلية أو انقطاع دم الحيض؟
دم الحيض فقط؛ لأنه لو كان علامة لانقطاع الدم بالكلية ما أمرها أن تغتسل ثلاث مرات، تغتسل مرة واحدة وينتهي الإشكال، تغتسل للمغرب والعشاء، وتغتسل للظهر والعصر، تغتسل للفجر، وفي الحديث الذي يليه أنها تجمع بين الصلاتين؛ لأن التوقيت مع الأمر بالاغتسال لكل وقت يشق عليها، وسيأتي ما في الجمع اللاحق هل هو حقيقي أو صوري.
«وتتوضأ فيما بين ذلك» تتوضأ فيما بين ذلك، يعني تغتسل للظهر والعصر، فإذا اغتسلت وصلت الظهر ووجد فاصل بينها وبين العصر تتوضأ للعصر، وقل مثل هذا فيما بين المغرب والعشاء.
في سبل السلام يقول: اختلف العلماء، يعني في حكم الاغتسال بالنسبة للمستحاضة، فروي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنه يجب عليها الاغتسال لكل صلاة، وجاء الأمر به «واغتسلي لكل صلاة»، وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب عليها ذلك، وضعفوا رواية الاغتسال لكل صلاة، وقيل: إنه منسوخ، وقيل: إنه منسوخ بحديث فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تتوضأ لكل صلاة، على ما سيأتي في حديثها أنها كانت تتوضأ لكل صلاة، وجاء أمرها بذلك «توضئي لكل صلاة».
والجمع بين الأحاديث بحمل الأمر على إيش؟ الاستحباب، الجمهور حملوه على الاستحباب؛ لأن الأحاديث الأخرى صرفت هذا الحديث وإلا فالأصل أن اللام للأمر، والأمر أصله الوجوب، عدم ذكره في الوقائع اللاحقة، والاكتفاء بالأمر بالوضوء دليل على أنه ليس بواجب، الجمع بين الأحاديث بحمل الأمر على الاغتسال بالاغتسال على الندب أولى؛ لأن منهم من قال: هو منسوخ، أولى من القول بالنسخ؛ لأنه إذا أمكن الجمع لا يصار إلى النسخ، والنسخ أيضًا لا يثبت الاحتمال.
يقول: "رواه أبو داود والدارقطني والحاكم وقال: على شرط مسلم، وقد أعله بعضهم، وقد أعله بعضهم" ممن أعله البيهقي قال عقيبه: هكذا رواه سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة، واختلف فيه عليه، والمشهور رواية الجمهور عن الزهري عن عروة عن عائشة في شأن أم حبيبة بنت جحش، على ما سيأتي، لا أنها في قصة فاطمة بنت أبي حبيش.
وعلى كل حال الحديث مروي من طريق سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عن أسماء، سهيل بن أبي صالح فيه كلام لأهل العلم، وأنه لا يرتقي إلى درجة أو إلى مرتبة الثقات الأثبات، فيه كلام كثير لأهل العلم، لكن المرجح في شأنه أنه مثل محمد بن عمرو، حديثه حسن.
"قال -رحمه الله-: وعن حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله، إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما تأمرني فيها قد منعتني الصيام والصلاة؟ قال: «أنعت لك الكرسف، فإنه يذهب الدم»، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: «فتلجمي»، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: «فاتخذي ثوبًا» قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًّا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سآمرك بأمرين أيهما صنعتِ أجزأ عنكِ، فإن قويت عليهما فأنتِ أعلم، فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعًا وعشرين ليلة أو ثلاثًا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي وصلي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتؤجلي العصر فتغتسلين حين تطرين وتصلين الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين، وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك».
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هو أعجب الأمرين إليَّ»، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وهذا لفظه، وصححه، وكذلك صححه أحمد بن حنبل، وحسنه البخاري وقال الدارقطني: تفرد به ابن عقيل وليس بقوي، وقال الدارقطني: تفرد به ابن عقيل وليس بقوي، ووهنه أبو حاتم وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتاج به."
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن حمنة بنت جحش" أخت زينب أم المؤمنين وأخت أم حبيبة الآتي ذكرها "قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة"، كنت أستحاض، يعني فيما مضى، ولعله استمر بها؛ لأنها مبتلاة استحيضت في بعض الروايات سبع سنين، كنت أستحاض حيضة كثيرة، يعني في كمية الدم كثرة شديدة كانت تثج ثجًّا على ما سيأتي، يسيل منها الدم بغزارة شديدة، بقوة يندفع منها الدم بقوة.
"فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أستفتيه" السين والتاء للطلب، يعني أطلب الفتوى في أمري وشأني، الفتوى بيان الحكم، يفرق أهل العلم بين الفتوى والقضاء؛ لأن الفتوى بيان الحكم مع عدم الإلزام به، والقضاء بيان الحكم مع الإلزام، والمفتي موقِّع عن الله- جل وعلا- يبين للناس حكم الله في الوقائع، وهو نائب عن الله، فإن كان بحق فالفتوى من أفضل الأعمال، وقد تولاها سادات الأمة من نبيها إلى يومنا هذا، وإن كانت بغير حق فليكن المرء منها على حذر فهي جديرة بالتوقي لما ورد في شأنها من النصوص ما يدل على عظم أمرها، وأنها قول على الله بغير علم، وكذب على الله، تستفتي النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مفتٍ، وهو إمام المفتين، والمفتون هم الموقعون عن الله- جل وعلا-، لابن القيم كتاب عظيم جدا في هذا الباب اسمه إعلام الموقعين عن رب العالمين، ويقصد بذلك المفتين، إعلام أو أعلام، إعلام يعني إخبار، فكل من يتصدى للفتوى لا بد أن يقرأ هذا الكتاب؛ لأن فيه شروط المفتي وآداب المفتي ونماذج للفتوى، فتاوى النبي -عليه الصلاة والسلام- وفتاوى الصحابة والتابعين ومن بعدهم، أو أعلام كما ضبطه بعضهم ففيه الأعلام من هذه الأمة الذين قاموا بهذا الشأن العظيم، وجاء في حق الله -جل وعلا- ما يدل على أنه مفتٍ ويفتي، يستفتونك في الكلالة قل الله، {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [سورة النساء:176]، يفتيكم في الكلالة، فأخبر عن نفسه- جل وعلا- بأنه يفتي.
"أستفتيه وأخبره" يعني عن أمري وشأني، "فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش" أم المؤمنين، "فقلت: يا رسول الله، إني أستحاض حيضة كبيرة" في بعض النسخ كثيرة على ما تقدم في صدر الحديث: "شديدة، فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة"، والنساء لاسيما من اتصف منهن بالحرص على أمر الدين يشق عليها هذا الأمر مشقة عظيمة، ويحز في نفسها أن الناس يصلون وتراهم يصلون ويصومون، وهي لا تصوم ولا تصلي، ولذا يعمد كثير من النساء من أجل استغلال الأوقات أو الأماكن الفاضلة إلى استعمال وتناول ما يمنع من نزول الدم؛ لأن هذا فيه مشقة على النفس بالنسبة لمن لديها حرص وإلا بعض النساء تفرح أن أن الدورة تأتيها في العشر الأواخر؛ لئلا تلام بالنسبة لحضور الصلوات المطولة التي تشق عليها، على خلاف ما تهواه النفوس، لكن أهل الحرص يشق عليهم ذلك.
وهذا ينبني على مسألة وهي هل الحيض مرض بحيث يُكتَب للحائض ما كانت تعمله قبل ذلك، وأنها إذا لم يمنعها من الصوم مع الناس والصلاة مع الناس إلا الحيض يكتب لها أو لا يكتب؟
المريض والمسافر يكتب له ما كان يعمله صحيحًا مقيمًا، والمسألة خلافية بين أهل العلم فلكونه أذى {قُلْ هُوَ أَذًى} [سورة البقرة:222]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [سورة البقرة:222]، فمنهم من يلحقه بالمرض؛ لأنه أذى يؤذي كالمرض، ويمنع من مزاولة الأعمال، مثل ما يمنع المرض، فيقول: يكتب لها مادام المنع ليس بيدها ولا بسببها، فما المانع من كتابة أجرها على هذا القول؟
والقول الآخر يقول: لا، لا يكتب لها، ولذا عد حيضها نقصانًا في دينها؛ لأنه لو كان يكتب لها ما صار نقصانًا.
وعلى كل حال الله -جل وعلا- رؤوف رحيم إذا علم من المرأة صدق النية، وأنه ما منعها من هذه العبادة إلا ما خلق الله -جل وعلا- فيها، فالله -جل وعلا- لن يضيع عملها، ولن يضيع نيتها؛ لأن بعض الناس يؤجر أجر المجاهد وهو في الجهاد لا يلزمه كالأعمى مثلا ً يتمنى أن لو كان مبصر ًا فيجاهد، مثل هذا يؤجر على هذه النية، لكن بعض المبصرين يعاقَب معاقَبة المتخلِّف، ولو كان في الصف، شخص في الصف يجاهد يتمنى أن لو كان أعمى أو أعرج، لئلا يجب في حقه الجهاد، النيات متفاوتة بلا شك، والنية لها مدخل كبير في الثواب والأجر، بل المدار عليها فالأعمال بالنيات..
"فما تأمرني فيها؟ قد منعتني الصيام والصلاة" بعض النساء يحز في نفسها أن الناس يصومون في رمضان وهي تصوم لا رغبة في العبادة، أو استغلالاً في هذا الوقت الفاضل، إنما يشق عليها أن تصوم وحدها إذا انتهى صيام الناس، هذه ظنية، ولها مدخل في ثوابها قلة وكثرة، فالناس يتفاوتون، والرجلان يصليان بجوار أحدهما الآخر في الصف وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، فالأمور بمقاصدها، والأعمال بنياتها.
قال: «أنعت لك الكرسف» يعني أصف لك الكرسف، يعني القطن، «فإنه يذهب الدم»، يعني يمتص الدم، "قالت: هو أكثر من ذلك" ما يكفيه الكرسف، قال: «فتلجمي» يعني تحفظي، اجعلي في موضع الدم عصابة أو حفاظة، استثفري، والاستثفار عندهم كما جاء في حديث أسماء بنت عميس لما ولدت في الميقات: استثفري، تربط على وسطها حبلًا، ثم تأتي بخرقة ولا حاجة إليه ولا داعي له الآن؛ لأنه وجد أمور ميسرة تتحفظ بها النساء، وما تحتاج حبالًا، ولا تحتاج إلى شد ولا ربط، ثم بعد ذلك تأتي بخرقة وتلفه على قبلها وتربطه بهذا الخيط. «فتلجمي» "قالت: هو أكثر من ذلك، قال :«فاتخذي ثوبًا» يعني أكثر من مسألة التلجم الذي يكتفى فيه على موضع الخارج زيد في اللف.
"قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًّا" تثج ثجًّا، والثج هو سيلان الدم بقوة، وأفضل الحج إيش؟
العج والثج، العج رفع الصوت بالذكر والتلبية، والثج ثج الدم في الهدي، أنتم ترون الذبيحة لما تُذبَح، الأضحية أو الهدي أو غيرها كيف يخرج الدم، ثج يعني بقوة.
"فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سآمرك بأمرين أيهما صنعت أجزأ عنكِ، فإن قويت عليهما فأنت أعلم»، يعني الأمر متروك إليكِ؛ لأن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رؤوف رحيم بأمته، ترك الأمر لاختيارها، فإن قويت عليهم فأنت أعلم، فقال: «إنما هي ركضة من الشيطان»، يعني رفسة بالرجل، {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [سورة ص:42]، والركضة هي الرفسة وزنًا ومعنى، «من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام» ستة أو سبعة أو هذه للتخيير أو للشك أو للإباحة أو للتنويع والتقسيم.
....................... |
| خيِّر أبح قسم بأو وأبهم |
أو للإبهام، يعني أن الأمر مبهم، فإن كان فافعلي كذا أو كذا، يقولون: هذا للتنويع، هذا للتنويع، فبعض النساء تتحيض ستة أيام باعتبار أن أقاربها جرت العادة أنهن يجلسن ستة أيام، وبعض النساء تجلس سبعة أيام؛ لأن أقاربها تجلس سبعة، لكن هو يخاطب -عليه الصلاة والسلام- امرأة واحدة، كيف يكون تنويعًا وهي امرأة واحدة، التنويع باعتبار أن الأقارب أنواع لا أن المخاطبة أنواع؟ لا، الأقارب أنواع، فإن كنت من هذا النوع التي أقاربها تصيبها الحيضة ستة أيام فتحيضي ستة أيام، وإن كنت من هذا النوع التي أقاربها تتحيض سبعة أيام تحيضي سبعة أيام، وهذا هو الغالب، والتنصيص على الغالب، لكن لو كان أقاربها تجلس تسعة أيام نقول: لا تزيد على سبعة، وإذا كان أقاربها يجلس خمسة أيام نقول: لا تزيد، الآن لا تعمل بعادة ولا تمييز؛ لأنها لو كانت معتادة جلست عادتها، ولو كانت مميزة عملت بالتمييز، هذه ليست معتادة ولا مميزة، هذه تجلس ستة أيام أو سبعة، اعتبار ما يحصل لأقاربها.
«في علم الله، في علم الله» يعني هذا الأمر لا أستطيع أن أجزم به، أو أبت به من غير نظر في عادة أقاربك الله -جل وعلا- يعلم «ثم اغتسلي» وجوبًا، وهذا غسل الحيض؛ لأن الحيض انقطع حقيقة أم حكمًا؟ حكمًا، انقطع حكمًا، «ثم اغتسلي، فإذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعًا وعشرين ليلة أو ثلاثًا وعشرين ليلة» يعني بالأيام أربع وعشرين ليلة، إن تحيضت ستة أيام وثلاثًا وعشرين ليلة، إن تحيضت سبعة أيام يعني بقية الشهر «وصومي وصلي، وصومي وصلي، فإن ذلكِ أو فإن ذلكَ يجزئك» يعني يكفيك شرعًا، وإن لم تميز، معتادة تجلس أيام عادتك هذا يكفيك شرعًا؛ لأنه لو لم يقل بهذا فإما أن يقال: لا تصلي أبدًا، أو تصلي باستمرار، لكن هذا حكم شرعي يرجع إليه متى؟
إذا لم يكن ثَمَّ عادة ولا تمييز، «فإن ذلكِ، فإن ذلكَ يجزئك» يكفيك شرعًا، «وكذلك فافعلي» يعني تجلسين ستة أيام أو سبعة في كل شهر «كما تحيض النساء»، يعني غالب النساء من أقاربك يعني أحالها إلى أقاربها، وكما يطهرن لميقات حيضهن، ومعلوم أن الرجوع إلى عادة غالب النساء كما في هذا الحديث خاص فيمن لا عادة لها ولا تمييز على ما تقدم، «وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن فإن قويتِ على أن تؤخرين وتعجلين» عندكم تؤخرين وتعجلين أم تؤخري وتعجلي؟ بالنون أم بدون؟
طالب: .......
بدون نون؟ تؤخري بالياء؟
طالب: .......
على كل حال المعروف الذي في البلوغ بدون ياء، وهنا في (س) و(ر) و(ط) و(هـ) تؤخري و(س) و(ر) و(ط) و(هـ) تعجلي، يعني كم في الأصول واحد اثنان ثلاثة أربعة أصول بحذف النون، وهو مقتضى قواعد العربية، هو مقتضى القواعد، لكن لماذا أثبت النون؟ هل لأنه في الأصول التي خرج منها النون ثابتة؟ لم يبين هذا يعني، الأصل أن يقول في (س) إلى آخر النسخ الأربع تؤخري، وما أثبته فهو مقتضى ما في الأصول، يعني الأصول المخطوطة الأربع الأصول ما فيها نون، فعلام اعتمد في إثبات النون؟ هل لأن الأصول التي خرج فيها الحديث من المسند وسنن أبي داود وغيره الأصول التي خرجت الحديث أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي إلى آخره، هل فيها نون؟ أو علام اعتمد في إثبات النون؟ والقواعد تقتضي حذف النون، والأصول الأربعة التي اعتمد عليها كلها بحذف النون؟
فلماذا أثبت النون؟
لا يمكن أن يثبت النون إلا إذا كانت في الأصول المخرج منها كذلك وإلا يصير خطأً في التحقيق، أو يكون عنده أصل اعتمده فيه إثبات النون، يعني من الأصول المخطوطة أنْ هذه عملها في الفعل ما عملها في الفعل أنْ ولنْ وكَيْ النصب، والفعل المقترن بالياء المؤنثة المخاطبة يُنصَب بإيش؟ بحذف النون، لكن جاء في شواهد العربية ما يدل على إلغائها.
أن تقرآن على أسماء ويحكما |
| ........................ |
فله ما يشهد له، لكن إثباته يحتاج إلى أن يكون اعتمد على الأصول التي خرج منها الحديث أو على أصل اعتمده يكون هو أوثق النسخ، أما أن يثبت من غير أصل يعتمد عليها فلا؛ لأن الأصل أنها عاملة، ولم أتمكن من مراجعة الأصول، المصادر الأصلية التي خرج منها الخبر، فإن قويتِ على أن تؤخرين الظهر وتعجلين العصر لتقومي بهذا العمل، وهو الاغتسال ثلاث مرات، وتجمعين هذا الجمع وتأخير الظهر وتقديم العصر، تأخير المغرب وتقديم العشاء يسميه أهل العلم الجمع الصوري، الجمع الصوري، تؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، وتقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها، وجاء في حديث ابن عباس في صحيح مسلم في الجمع أنه صلى سبعًا وثمانيًّا من غير خوف ولا مطر، جاء فيه أنه أخر الأولى، وعجل الثانية، فصار جمعًا صوريًّا، وعليه حمله بعض أهل العلم؛ لأنه بدون سبب، وأراد ألا يحرج أمته -عليه الصلاة والسلام-، وأراد ألا يحرج هذه المرأة ويشق عليها، فوجهها إلى هذا الجمع، لكن الجمع الصوري بمعناه الدقيق بمعنى أنه لا يوجد فاصل بين الصلاة الأولى والثانية، الآن وقت صلاة العصر في الثالثة مثلًا وست وأربعين دقيقة، صحيح؟ نقول: تصلي الظهر في الثالثة وأربعين دقيقة بمعنى أنها إذا سلمت يكون وقت صلاة العصر قد دخل، وقل مثل هذا في المغرب والعشاء، هذا جمع صوري حقيقي، حقيقي باعتبار الالتصاق، صوري باعتبار أن كل صلاة وقعت في وقتها، فالحقيقة باعتبار التصاق الصلاتين، لا فاصل بينهما إلا الإقامة، وهو صوري باعتبار أن كل صلاة وقعت في وقتها، لكن هل هذا فيه مشقة أم ما فيه مشقة؟ نعم مع وجود التقويم سهل، وتقويم، والساعة موجودة ثلاث وأربعين يقيم لصلاة، أو تقيم لصلاة الظهر، فإذا سلَّمت فإذا بها قد صارت خمسًا وأربعين مثلاً، فإذا أقامت وكبرت للثانية دخل وقتها أنت تصور المسألة في وقت هذه المرأة ماذا تفعل؟
ما تستطيع، الجمع الصوري فيه مشقة شديدة؛ لأن ملاحظة أوائل الأوقات وأواخرها بدقة أشق على المكلف من التوقيت، من أن يصلي كل صلاة في وقتها، ولذا الحنفية لما منعوا الجمع بالكلية حتى في السفر لما منعوه وحملوه على الجمع الصوري قيل: الجمع إنما شُرِعَ لرفع المشقة، ومراقبة أوائل الأوقات وأواخرها في المشقة أعظم من أن تصلى كل صلاة في وقتها، لكن ما يمنع أن تؤخر الصلاة هنا إلى الثالثة والنصف مثلاً، وتعجل صلاة العصر إلى الثالثة وخمسين دقيقة أو خمس وخمسين دقيقة، فيه تأخير، وفيه تعجيل، لكن ما هو تأخير بدقة بحيث تراقب الشمس هل صار ظل الشيء طوله أو مثله أو مثليه، لا؛ لأن هذا فيه مشقة عظيمة على المكلف، ولذلك قال: فإن قويت، ورده إلى قوتها وقدرته، ما يدل على أن الأمر فيه سعة.
المقصود ألا تشق على نفسها.
«فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعًا، ثم تؤخرين المغرب والعشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي». ولذا جمع من أهل العلم لم يلتفت إلى هذا الجمع الصوري، يعني هو يفهم منه أنه جمع صوري؛ لأن فيه تأخير الأولى وتعجيل الثانية، لكن أهل العلم لما رأوا الحكمة من مشروعية الجمع والتخفيف على المكلف، وأن هذا الجمع الصوري أشد من التوقيت قالوا: إنه جمع حقيقي، وللمرأة المستحاضة أن تجمع جمعًا حقيقيًّا، تؤخر صلاة الظهر عن وقتها إلى وقت العصر، فإذا أمكن الجمع الصوري ولو وجد فاصل بين الصلاتين شيء يسير، ومع وجود التقاويم ومع وجود الساعات أمره سهل بالنسبة للمكلفة، وهو أولى من الجمع الحقيقي؛ لأن الجمع الحقيقي يترتب عليه ترك الصلاة الأولى إلى أن يخرج وقتها، في الجمع الصوري تصليها في وقتها، لكن المشقة المترتبة على ذلك ترتفع بوجود الفاصل، «ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الصبح وتصلين» الصبح لا تُجمَع ولا يُجمَع إليها، هي مفردة، تحتاج إلى غسل مستقل، «وكذلك فافعلي وصومي إن قويت على ذلك» فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وهو أعجب الأمرين إليَّ» أن تفعل هذا الفعل، يعني أحب إليه- عليه الصلاة والسلام- وأحسنه، وغيره جائز، وهذا يدل على أن بعض الأعمال أفضل وأحب وأحسن وأعجب إلى الشارع من بعض، «وهو أعجب الأمرين إلي» الأمر الأول أن تغتسل مرة واحدة عند انتهاء الحيض، وبعد ذلك تتوضأ لكل صلاة، هذا الأمر الأول، والثاني أن تغتسل لكل صلاة، لكنها تجمع مع وجود المشقة، يعني الأمر الأول أن تغتسل مرة واحدة إذا انقطع حيضها حقيقة أو حكمًا، ثم بعد ذلك تتوضأ لكل صلاة على ما سيأتي، الأمر الثاني وهو أعجب إليه -عليه الصلاة والسلام- أن تغتسل لكل صلاة، لكنها تجمع؛ لوجود المشقة. يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وهذا لفظه، وصححه" الترمذي يقول: حسن صحيح، "وكذلك صححه أحمد بن حنبل" فيما نقله الترمذي، "وحسنه البخاري" أيضًا فيما نقله الترمذي عنه.
"وقال الدارقطني: تفرد به ابن عقيل، وليس بقوي" في حفظه شيء، "ووهنه أبو حاتم" يعني ضعفه، "وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به" وعلى كل حال حسنه ظاهر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"