كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 12
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب صفة الصلاة في الحديث الثالث:
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة" شرحنا هذا "قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض))" تلاحظون في نصوص الكتاب والسنة جمع السماوات وإفراد الأرض {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(164) سورة البقرة] السماوات سبع، جاء التنصيص عليها في القرآن، لكن الأرضين؟ {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] هل هو في العدد وإلا في إيش؟ يعني ما في نص قطعي يدل على أن الأرضين سبع، لكن في مثل حديث: ((لو أن السماوات السبع، والأرضين السبع في كفة)) ((لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة)) هذا دليل على أن الأرضين سبع {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] يستدل به على أن الأرضين سبع، ولذلك ما تجدون الجمع في مثل هذا {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [(79) سورة الأنعام] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(164) سورة البقرة] فتجمع السماوات، والأرض مفردة.
من أهل العلم من يقول: تجمع السماوات تعظيماً لها، والأرض تفرد ويراد بها الجنس، جنس الأرضين، وهي دون السماوات في منزلة، ومنهم من يقول: إن السماوات تجمع للإفادة من السماوات السبع كلها، وأما الأرضين السبع فلا يستفاد إلا من الأرض التي عليها الناس، ما يستفيدون إلا من الأرض الأولى.
وجاء عن ابن عباس: أن الأرضين السبع في كل واحدة منها مثل ما في الأرض التي نعيش عليها، الأرض الأولى، حتى أن فيها محمد كمحمدكم، وموسى كموساكم، وعيسى كعيساكم، يعني صورة طبق الأصل للأرض التي نعيش عليها، هذا يذكر عن ابن عباس بسند جيد، لكن ليس له ما يؤيده من كتاب ولا سنة، فلعله مما تلقي عن بني إسرائيل، مما لا يصدق ولا يكذب، لكن هل يتصور أن محمد -عليه الصلاة والسلام- تكرر سبع مرات في كل أرض من الأرضين السبع؟ هذا يبعده المعقول، ولا يوجد ما يشهد له من المنقول.
((حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين)) والرواية الأخرى: ((وأنا أول المسلمين)) كما في الآية: ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي)) النفس أعم من أن تكون الذات التي هي الجسد أو الروح، فهو ظالم لنفسه لذاته المشتملة على الجسد والروح.
((واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) هذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تعليماً لأمته.
((فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) انتهينا من شرح هذا كله.
ثم بعد ذلك: ((واهدني لأحسن الأخلاق)) الخلق الحسن له شأن في الإسلام، وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، والوصية النبوية لمن جاء يستوصي من النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((لا تغضب)) قال: أوصني، قال: ((لا تغضب)) وذلكم لأن حسن الخلق يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فتجد الإنسان الحسن الخلق محبوب عند الناس، مقبول بما يوجههم به، و يرشدهم إليه، بينما سيء الخلق ما يقبل منه شيء، ولذا جاء الأمر بأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وسيء الخلق ما يعرف الحكمة، ولا يعرف الحسن من القول، فعلى الإنسان إن كان مجبولاً على حسن الخلق من الحلم والأناة والرفق أن يحمد الله -جل وعلا- على هذا الخلق، وإن كان مجبولاً على ضده أن يتخلق، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، الإنسان إذا أطر نفسه على خلاف ما تشتهيه أعين على ذلك، ولذلك لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) هل يستطيع الرجل أن يقول: لا أستطيع؟ ما يمكن، يعني بيدك وإن كنت يعني جبلت على الغضب لكن بالتدريج، تتحلم، وأكثر ما يعانيه المرضى من سوء الخلق؛ لأن الطبيب قد يحجب الإنسان عن الأكل، ويحجبه عن أشياء كثيرة، لكن إذا قال له: لا تغضب، وهو مجبول على سوء الخلق يعني مثلاً ضغط الدم مما يؤثر فيه أثر بالغ الغضب، فإذا قيل للمريض: لا تغضب، قال: أنا والله ما أستطيع، لازم أغضب، وأدنى شيء يثيرني، نقول: أنت إن كنت تريد الصحة فلا تغضب، وإن كنت تريد خير الدنيا والآخرة فاعمل بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) فالحلم بالتحلم.
((واهدني لأحسن الأخلاق)) ((إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)) وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق.
((لا يهدي لأحسنها إلا أنت)) من بيده الهداية؟ الله -جل وعلا-، هداية القبول والتوفيق بيد الله -جل وعلا-، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي بيد محمد -عليه الصلاة والسلام- وغيره من الأنبياء وأتباعهم إلى قيام الساعة، يدلون الناس على الخير ويهدونهم إليه، لكن القبول والتوفيق من الله -جل وعلا-، وقد يكون بعض الناس سبب في هداية الشخص لأحسن الأخلاق، تجدون بعض الناس بالمصاحبة تجدوه خلقه سيء، ثم إذا صحب شخصاً خلقه حسن تأثر به والعكس، لو كان الخلق حسن ثم صحب شخص سيء الخلق تأثر به، حتى البهائم تؤثر، الغلظة والجفاء في الفدادين رعاة الإبل؛ لأن الإبل مجبولة على الجفاء، فيتأثر صحابها بها، بينما راعي الغنم يتأثر بها في الهدوء واللين وحسن الخلق، إذا كانت البهائم تؤثر فكيف بالجليس الصالح؟!
يعني بعضهم يقول: إذا كانت الإبل جبلت على هذا، والغنم جبلت على..، وهذا استنباط، مجرد استنباط، ويطرحوه للنقاش، جبلت على اللين، يعني الغنم ليست كالإبل وهذا واضح، يقول: هل نقيس على هذا مثلاً السيارات الكبيرة تجعل صاحبها سيء الخلق مثلاً، السيارات الصغيرة يعني أخف منها أو شيء من هذا؟ الظاهر أن هذا ما له أثر؛ لأن الشيء الذي يؤثر ما جبلت عليه، السيارات الكبيرة يمكن أنها جبلت على الرفق أكثر من الصغيرة؛ لأن ما في طبلونها من السرعة إلا شيء ما يجعل الإنسان يطيش ويتهور مثل السيارات الصغيرة، بعض الناس يستروح يقول: إن الشاحنات الترلات مثل الإبل، كبار فتأخذ حكمها، ما يظهر هذا، والواقع يشهد أن بعض السيارات الصغيرة بأيدي هؤلاء الشباب الطائشين يمشون سرعة هائلة، ويؤذون الناس بقيادتهم أكثر من أصحاب السيارات الكبيرة، وعلى كل حال هذا مجرد استرواح وطرحه للنقاش ما يمنع أن يطرح.
((واصرف عني سيئها)) يعني الإنسان مع كونه يروض نفسه على حسن الخلق، وترك سيء الأخلاق، ومع ذلك يستعين بالله -جل وعلا-، وأهل العلم يوصون الشخص إذا كان كثير الغضب، وعنده شيء من سوء الخلق عليه أن يتمرن ويتخلق، ومع ذلك يكثر من الاستغفار، وهذا يذكر عن حذيفة -رضي الله عنه-.
((واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) يعني لا يملك صرف سيء الأخلاق إلا الله -جل وعلا-، وعلى الإنسان أن يكثر من دعاء موسى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [(25-26) سورة طـه] شرح الصدر مهم، وهناك وسائل تعين وأسباب تعين على شرح الصدر، وقد بينها ابن القيم في مناسبات من كتبه، وابن رجب أيضاً تكلم عنها، فعلينا أن نحرص عليها.
((لبيك وسعديك)) لبيك تثنية لبى، وأصلها بالنون لبين، وحذفت النون للإضافة.
نوناً تلي الإعراب أو تنويناً |
| مما تضيف احذف كطور سينا |
فالنون حذفت للإضافة ومعنى ((لبيك)) من لبى بالمكان أي أقام به، فيكون المعنى حينئذٍ: أنا مقيم على طاعتك، وإجابة أمرك، إقامة بعد إقامة؛ لأن لبيك تثنية، وسعديك كذلك، إسعاداً بعد إسعاد لأوامرك، واجتناب نواهيك، أو سعادة بعد سعادة تحصل لي بامتثال أوامرك، واجتناب نواهيك.
((والخير كله في يديك)) خزائن الأمور كلها بيد الله -جل وعلا-، الخير كله بيد الله -جل وعلا-، والمحتاج يأتي إلى التاجر والتاجر عنده خير، والمراد بالخير المال {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة:180] يعني مال، هذا التاجر عنده خير؛ لأن عنده مال، فيأتي الفقير ويدفع له ما يدفع به حاجته، ويأتيه آخر فلا يعطيه شيئاً، هل نقول: إن هذا التاجر أعطى ومنع، أو أن الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع؟ الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع، هو الذي أعطى زيد ومنع عمرو، وأما التاجر فهو وسيلة وسبب في إيصال هذا الخير إلى هذا المعطى، وسبب في حرمان من مُنع، والمعطي هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) وأما الخلق فهم أسباب يجري الله على أيديهم ما ينفع، وقد يجري على أيديهم ما يضر.
((والخير كله في يديك)) وفي هذا إثبات لليدين لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته ((والشر ليس إليك)) يعني الشر لا ينسب إليك، إما على سبيل الاستقلال دون أن يضاف الخير إليه، ويكون هذا من باب الأدب {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ} [(10) سورة الجن] أريد بني للمجهول {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] أضيف إلى الله -جل وعلا-، فمن حسن الأسلوب والأدب ألا يضاف الشر إليه، وحينئذٍ لا يقال: يا خالق العقارب والحيات مثلاً تدعو ربك في سجودك يا خالق العقارب والحيات، نعم هو خالق العقارب والحيات، لكن هل مثل هذا مما يخص به الرب -جل وعلا-؟ يعني من باب الأدب في الأسلوب؟ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] لما ذكر الشر بني الفعل للمجهول، ولما ذكر الخير أظهر الفاعل، وهو الرب -جل وعلا-، وهذا من باب تحسين وتلطيف الأسلوب والأدب في الأسلوب، وإلا الله -جل وعلا- خلقكم وما تعملون، وفي أعمالكم ما هو خير، وفي أعمالكم ما هو شر، يعني شخص لدغته حية فمات من الذي قدر عليه هذه المصيبة؟ نعم الرب -جل وعلا-، الرب -جل وعلا- هو الذي قدر عليه هذه المصيبة، وهي شر بالنسبة لهذا الشخص إلا أنها لا يمكن أن يقال: في أفعال الله -جل وعلا- ما هو شر محض، ما يمكن، لا يمكن أن يقال: هذا شر محض، قد يقول قائل مثلاً: لماذا تخلق العقارب والحيات؟ ولماذا..؟ ملك من الملوك شك في الحكمة من خلق الذباب، قال: ما الفائدة من خلق الذباب؟ فجالس واحد من جلسائه قال: ليذل الله به الجبابرة، تطرده عن وجهك ويرجع، وأصل التسمية من ذُب فآب، يعني طرد ورجع، وما يذر الجبابرة إلا مثل هذه الحشرات الصغيرة التي يظن أنه مسيطر على أعاظم الأمور، ثم تبتليه هذه الذبابة، ليس فيها شر محض، إنما فيها خير وفيها شر، يلدغ الإنسان فيحمد الله -جل وعلا- ويسترجع فترفع منازله، وتكفر سيئاته هذا خير عظيم، تلدغه حية فيموت ويكون الله -جل وعلا- قد حجبه عن شر، ولذلكم الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-.
((أنا بك وإليك)) يعني وجودي وقوامي وقوتي بك، يعني مستعيناً بك، وكائنة بك، يعني بسببك، وإليك مرجعي ومآلي.
((تباركت وتعاليت)) التبارك، تبارك بهذه الصيغة لا تجوز إلا لله -جل وعلا-، والبركة هي ما يوجده الله -جل وعلا- في بعض أفعاله ومخلوقاته، فمن المخلوقات ما فيه بركة، ومنها ما ليس فيه بركة، وأظهر البركة الحسية في محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعظم الناس بركة، والله -جل وعلا- تبارك وتعالى وتعاظم، لا يجوز أن يقال: تبارك زيد، أو تبارك علينا، كما يقوله بعض العامة، لكن قد يكون في الإنسان بركة لما يرى من أثره في الناس، هذه بركة تعدت، والله -جل وعلا- هو الموجد لهذه البركة، ولذا لا يجوز التبرك بالمخلوقين؛ لأن هذه البركة لا تتعدى بنفسها، البركة خاصة بمن جعل الله -جل وعلا- فيه البركة الحسية وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يتبرك بغيره، ولا بآثار غيره، وبعض الناس مفتون بهذه البدعة، يتمسح بالجمادات التي لا تنفع ولا تضر، يعني باب من حديد صنعه الصانع، وباعه على شخص، لا يدري أيجعله باباً لمسجد أو باب لحمام، ثم يأتي من يأتي من يتمسح بهذا الباب، وأنتم تشاهدون في الحرم من يتمسح ويتبرك -نسأل الله العافية- يطلب البركة من غير الله -جل وعلا-.
وامرأة من بعض الجهات تتمسح بالمقام، قلنا: هذا حديد لا ينفع ولا يضر، فقالت: عندكم ما ينفع لكن عندنا ينفع -نسأل الله العافية-، والله بالحرف تقول هذا الكلام، عندنا ينفع، يعني دينكم غير ديننا؟! إن كان ديننا واحد فالذي في ديننا أن مثل هذا لا ينفع، وإن كان لكم دين آخر فابحثوا عن مكان آخر، والله المستعان.
((تباركت وتعاليت)) من العلو، والله -جل وعلا- يثبت له العلو المطلق بأنواعه، علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، فهو عال على خلقه، بائن منهم، مستوٍ على عرشه.
((أستغفرك وأتوب إليك)) السين والتاء للطب، يعني أطلب المغفرة منك يا رب، وأتوب إليك، والمغفرة من الغفر وهو الستر، والمراد بذلك ستر الذنوب، ويكون سترها بمحوها، وأتوب إليك، وأرجع إليك مما اقترفت من ذنوب ومعاصي.
"وإذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت))" لك ركعت {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام] الصلاة لله -جل وعلا- فأجزاؤها له، ومنها الركوع ((اللهم لك ركعت)) هذا جزء من الصلاة التي هي لله رب العالمين.
((وبك آمنت)) يعني لا بغيرك، والإيمان عند أهل السنة قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، هذه أجزاؤه الثلاثة: قول وعمل واعتقاد.
((ولك أسلمت)) آمنت وأسلمت، نحتاج إلى أن نقول: أسلمت مع قولنا: آمنت؟ لأن الإسلام يدخل في الإيمان، نحتاج إلى أن نقول: بك آمنت ولك أسلمت؟ ما يكفي أن نقول: بك آمنت ويدخل فيه الإسلام؟ أهل العلم يقررون أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهنا اجتمعا إذاً يفترقان، فالإسلام غير الإيمان هنا، ويحمل الإيمان على العقائد، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويحمل الإسلام على أعمال الجوارح، كما في حديث جبريل -عليه السلام- حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان.
((خشع لك سمعي وبصري)) الخشوع والخضوع ويكون كل منهما في القول والجوارح، ومن أهل العلم كصاحب القاموس من يفرق بينهما، بأن يكون الخشوع باللسان والخضوع للجوارح، لكن يرد عليه بقوله -جل وعلا-: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] فدل على أن الخضوع أيضاً يكون بالقول.
((خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) يعني جميع أطرافي خشعت لله -جل وعلا-، والخشوع سواءً كان خشوع السمع أو خشوع البصر أو خشوع المخ والعظم والعصب مطلوب لا سيما في الصلاة، والجمهور على أن الخشوع سنة، تصح الصلاة بدونه، لكن هو لب الصلاة وخلاصتها، وأوجبه جمع من أهل العلم كابن القيم وابن رجب، وقبلهما الغزالي في الإحياء، وأطال الكلام عليه، ما الذي دعا الجمهور أن يقولوا: إن الخشوع سنة؟ نعم؟
طالب:.......
عمل قلبي، ومع ذلك الذي لا يذهب من صلاته إلا بعشرها؛ لأن المراد بالخشوع حضور القلب، وبقدر حضور القلب يدرك من صلاته ما يدرك، فإذا لم يخشع في صلاته ولم يذهب من أجرها إلا بالعشر هل نقول: الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ صحيحة، لكن الأجر المرتب عليها قل بقدر حضور القلب، فإذا كان حضور القلب بنسبة تسعة إلى عشرة، والصلاة صحيحة يعني شريطة أن يأتي بالشروط والأركان والواجبات، نعم إذا جاء بهذه ولم يحضر قلبه، يعني لم يخشع فيها الخشوع المطلوب في الصلاة بحيث لم يستحضر منها إلا لم يعقل منها إلا العشر، ولا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: إن صلاته باطلة، وإنما قال: ((ليس له من صلاته إلا ما عقل)) والباطلة لا ثواب فيها أصلاً، والذي له عشرها صلاته صحيحة؛ لأن الباطلة لا أجر فيها، فأهل العلم ينظرون إلى هذه المسألة من هذه الزاوية، يقولون: الذي لا يستحضر من صلاته إلا العشر هذا خاشع وإلا غير خاشع؟ نعم؟
في الغالب ليس بخاشع، ليش خاشع وهو ما ذهب إلا بعشر الأجر؟ يعني ما استحضر من صلاته إلا العشر، ومع ذلك صلاته صحيحة ومجزئة ومسقطة عن الطلب، وإن كان أجرها وأثرها المرتب عليها قليل، ومع الأسف أن كثير من المسلمين يصلي بأقل من هذه النسبة، ومنهم من يصلي بهذه النسبة، ومنهم من يصلي بأعلى بأعظم، ولذلك لا تجدون الأثر المرتب على الصلاة موجود في حياة المسلم {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] تجد المسلم يصلي ويسرق، يصلي ويكذب، يصلي ويغتاب، يصلي ويفعل، وين الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ الصلاة المراد بها الصلاة التي تؤدى على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فيها الإخلاص التام لله -جل وعلا-، وفيها المتابعة التامة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حصل هذان الوصفان ترتبت الآثار، وما دام ما يخرج من الصلاة إلا بعشر أجرها، والصلوات الخمس كفارات لما بينهن، لكن هل يتصور أن الصلاة التي لم يخرج منها صاحبها إلا بالعشر بالربع تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ شيخ الإسلام يقول: هذه إن كفرت نفسها بركة، يكفي، والله المستعان.
على كل حال على الإنسان أن يستحضر مثل هذه الأمور، ويخشع في صلاته، وبجميع أطرافه، يعني هل يتصور أن القلب يخشع والأطراف تتحرك؟ نعم؟ لا القلب الملك، هو الذي يدبر هذه الأطراف، لو خشع حقيقة ما تحركت الأطراف، ويذكر عن عمر -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه، ويذكر في المرفوع لكنه لا يصح، المقصود أن مثل هذا الأمر على طالب العلم أن ينتبه له، ويكون قدوة وأسوة للناس.
طالب: ما التلازم بين الطمأنينة والخشوع؟
بينهما ارتباط من جهة باعتبار أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، إذا فقدت فقد معها الخشوع من باب أولى، لكن قد يطمئن ولا يخشع، نعم قد يطمئن وقلبه سارح؛ لأن الطمأنينة إنما هي في الأفعال.
"وإذا رفع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد))" وقد يقول: ربنا لك الحمد بدون اللهم، وقد يجمع بين اللهم والواو فيقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد يقول: ربنا ولك الحمد بدون اللهم، فالصيغ أربع.
((اللهم ربنا ولك الحمد)) وهذه ثابتة في البخاري وغيره، وإن نفاها ابن القيم؛ لكنها في الصحيح.
((اللهم ربنا لك الحمد)) كما هنا ((ربنا لك الحمد)) دون اللهم والواو و((ربنا ولك الحمد)) دون اللهم، وهي أربع صيغ، ويقولها كل مصلٍ، ربنا ولك الحمد يقولها كل مصلٍ، وأما سمع الله لمن حمده التي تقال قبلها، فإنما يقولها الإمام والمنفرد، ولا يقولها المأموم، المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ويقولوها الإمام أيضاً، ويقولها المنفرد، وسيأتي تفصيل هذا في الأحاديث اللاحقة -إن شاء الله تعالى- خلافاً للشافعية الذين يقولون: إنه يجمع بينهما كل مصلٍ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد، وهو القدوة وهو الأسوة، لكنه قدوة باعتباره إمام في هذه الصورة، لأنه يأتي في الحديث: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فوظيفة الإمام قول سمع الله لمن حمده، وأيضاً يقول: ربنا ولك الحمد مع المأمومين، كما أنه ((إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين)) والإمام يقول: آمين، أما المأموم فلا يقول: سمع الله لمن حمده.
ومنهم -من أهل العلم- من يرى أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ولا يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده، لكن عرفنا أنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد، ويقول الإمام: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وسيأتي مزيد بسط لهذه -إن شاء الله تعالى-.
((ملء السماوات، وملء الأرض)) يعني مثل ما تقدم السماوات جمع، والأرض مفرد ((وملء ما بينهما)) يعني لو قدر أن الحمد جسم فإنه حمد عظيم، عظيم كبير الحجم جداً، يملأ السماوات ويملأ الأرض، ويملأ ما بينهما.
((وملء ما شئت من شيء بعد)) يعني مما نعرفه ومما لا نعرفه كالكرسي والعرش مثلاً، يملأ كل شيء هذا الحمد.
"وإذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت))" مثل ما تقدم أن السجود كالركوع جزء من الصلاة التي هي لله -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام] والسجود جزء منها، فالصلاة لله، والسجود أيضاً لله -جل وعلا- لا يجوز أن يصرف لغيره كالصلاة، يعني لا يجوز أن يصلي لأحد، ولا يجوز أن يركع لأحد، ولا يجوز أن يسجد لأحد، يعني من سجد لغير الله -جل وعلا- أشرك الشرك الأكبر، من ركع لغير الله -جل وعلا- فقد أشرك الشرك الأكبر، كمن صلى لغير الله -جل وعلا-.
((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت)) يعني كما تقدم.
((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) يعني ما سجد إلا الوجه؟ أو ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))؟ سجد الوجه، سجدت اليدان، سجدت الركبتان، سجدت أطراف القدمين، كلها ملامسة للأرض، لكن باعتبار أن الوجه أشرف ما في الإنسان اقتصر عليه، فإذا سجد الأشرف تبعه ما دونه.
((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) وهو الله -جل وعلا-، فتبارك الله أحسن الخالقين.
((وشق سمعه وبصره)) السمع أضيف إلى الوجه، والبصر أضيف إلى الوجه، ولذا العينان تغسلان مع الوجه، لكن هل السمع لما أضيف إلى الوجه من الوجه؟ الأذنان من الوجه أو من الرأس؟ العينان من الوجه بلا شك لكن الأذنان؟ استدل بهذا الحديث من قال: إن الأذنين من الوجه، تغسلان مثل ما يغسل الوجه؛ لأنه قال: ((وشق سمعه)) سمع إيش؟ لأنه قال: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه)) يعني سمع الوجه، الإضافة هنا للوجه، يعني الاستدلال من هذا الحديث ظاهر؛ لكن هل يراد يعني لما سجد الوجه الذي هو أشرف ما في الإنسان قد تكون الإضافة والنسبة للمجاورة، يعني النسبة في الأصل أنها حقيقية، لكن قد تكون النسبة للمجاورة، والأذنان مجاورتان للوجه فنسبتا إليه، وتجدون في نسب كثير من الرواة فلان بن فلان الخياط مثلاً، وإذا بحثت ما وجدته خياط، لكن كان يجلس عند الخياطين، فالنسبة مجاورة، ليست نسبة حقيقية، فلان كذا ينسب إلى قبيلة من القبائل، نزل عندهم وجاورهم فنسب إليهم، فالمجاورة ينسب إليها، فالنسبة تكون لأدنى مناسبة ((لأنتن صواحب يوسف)) يقوله لبعض أمهات المؤمنين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ما علاقتهن بيوسف لينسبن إلى صحبته؟ لأدنى مناسبة، صدر منهن فعل يشبه من وجه ما صدر من النسوة صواحب يوسف.
المقصود أن النسبة قد تكون للمجاورة، ومنها قوله: ((وشق سمعه وبصره)).
((تبارك الله أحسن الخالقين)).
"ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت))" يعني ما تقدم من ذنوبي، وما سلف منها في أول عمري، ((وما أخرت)) يعني ما تأخر منها، وما وجد منها في آخر عمري، وليس معنى هذا الذنوب المتأخرة عن هذه الدعوة، يعني إذا قلت هذا الكلام في صلاة العشاء ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) هل معنى ما قدمت ما صدر قبل هذه الصلاة، وما أخرت ما يأتي بعد هذه الصلاة؟ يعني تستغفر من ذنب لم يحدث، أو تستغفر لذنوبك المتقدمة والمتأخرة يعني القديمة والجديدة؟ إذا قيل مثلاً: هذا قول جمع من العلماء المتقدمين والمتأخرين، هل معنى هذا أن المتأخرين ما بعد جو؟ هل يلزم منه العلماء ما بعد..؟ لا أبداً، ما يقول أحد هذا، إنما هم ممن عاش في الزمن القديم، وممن تأخر وجوده إلى الزمن المتأخر، فحينما تقول: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، اغفر لي يعني ذنب وقع يحتاج إلى دعاء مغفرة، فالذنوب المتقدمة والمتأخرة كلها واقعة.
ومنهم من يقول: إن المراد بالذنوب المتقدمة ما حصل وتقدم على هذه الصلاة، والذنوب المتأخرة ما يأتي بعد هذه الصلاة، يعني إن حصل مني ذنب فاغفره لي {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [(2) سورة الفتح] فالمتقدم ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية)) فمن هذا يعني يكفر الذنوب التي حصلت بالفعل، وما لم يحصل من الذنوب إن حصل، يكون بهذا الشرط، وهذا له وجه.
((اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت)) وما أسررت يعني ما عملته خفية، وما أعلنت يعني ما أظهرته وعملته علناً، وما أسرفت يعني ما زدت فيه على القدر المطلوب شرعاً.
((وما أنت أعلم به مني)) لأن الإنسان قد يعمل السيئة والخطيئة ويعرف أنه عملها، فيستغفر منها، وقد يقع في معاصي لا يشعر بها، ولا يعلمها، وقد يظنها حسنات، فهذا مما الله -جل وعلا- أعلم به من العبد ((وما أنت أعلم به مني)) قد يشرك الإنسان شركاً يعرفه، وشرك يخفى عليه، وكفارة ذلك أن يقول: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)).
((وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) الله -جل وعلا- بيده أزمة الأمور كلها.
تقدم زيد في الأعمال الصالحة وتأخر عمرو، من الذي قدم زيد ومن الذي أخر عمر؟ الله -جل وعلا-، تقدم في بعض الأوصاف وتأخر هذا في بعض الأوصاف، المقدم والمؤخر هو الله -جل وعلا-، أيضاً تقدم هذا في وفاته، تقدم في وجوده، تأخر في وفاته إلى آخره، كل هذا بيد الله -جل وعلا-، لا يستطيع الإنسان أن يتصرف في شيء من هذا "((أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) رواه مسلم".
يقول ابن حجر: في رواية له أن ذلك في صلاة الليل، وهذا أشرنا إليه في درس الأمس، وقال الصنعاني: لم نجده في مسلم، يعني ما نص مسلم أن هذا في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم حديث علي هذا في قيام الليل، ويكفي هذا؛ لأن مسلم دقيق في وضع الأحاديث، حينما وضع الحديث بين أحاديث قيام الليل دل على أن هذا الكلام إنما يقال في صلاة الليل.
وقد نقل الحافظ في التلخيص عن الشافعي وابن خزيمة أنه يقال في المكتوبة، وهو أيضاً عند ابن حبان أنه في الصلاة المكتوبة، ولا مانع أن يقال في الصلاة المكتوبة، ويقال في صلاة الليل، ومع ذلك يقوله غير الإمام؛ لأن فيه طول، فقد يشق على المأمومين، ويقوله الإمام الذي يعرف من رغبة المأمومين في الإطالة ما يعرف.
ثم بعد ذلك قال:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر" كبر تكبيرة الإحرام، وتقدم أنها ركن عند الجمهور وعند الحنفية شرط، وعرفنا فائدة الخلاف.
"إذا قام في الليل كبر قائلاً: الله أكبر، ثم يقول بعد ذلك: ((سبحانك اللهم وبحمدك))" سبحان مصدر سبح يسبح تسبيحاً وسبحان مثل غفران، والمعنى التسبيح التنزيه، يعني أنزه الرب -جل وعلا- عن كل ما لا يليق به، ((وبحمدك)) الواو هذه عاطفة، والتقدير وبحمدك سبحتك، سبحانك وبحمدك سبحتك، كما قال الزجاج، فهي عاطفة تكون الواو حينئذٍ عاطفة.
((وتبارك اسمك)) يعني البركة في اسمك في ذكره، يعني والاسم مفرد مضاف، مفرد مضاف اسمك، وإذا أضيف المفرد دل على إيش؟ العموم، فالمراد هنا جميع أسماء الله -جل وعلا- مباركة.
((وتعالى جدك)) تعالى يعني تعاظم قدرك، وتعالى جدك، والجد يأتي بمعنى العظمة، ويأتي أيضاً بمعنى القدر، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، وقال بعض المفسرين في تفسير سورة الجن في قول الله -جل وعلا-: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [(3) سورة الجن] قال بعض المفسرين: إن هؤلاء الجن جهلة، يعني أول يدخلون في الإسلام الآن ما يعرفون شيء عن الإسلام، وظنوا أن للرب جداً، تعالى الله عن هذا القول، ووصفوا هذا الجد، الجد الذي هو أبو الأب، قال بعض المفسرين: إنهم جهال، لا يعرفون عن الله -جل وعلا- ما يقتضي تعظيمه عن مثل هذا الوصف، أنهم ظنوا أن له جداً كغيره، تعالى الله عما يقولون، أو عما قيل، لكن هذا القول ليس بشيء، لماذا؟ لأن القرآن نزل مؤيداً له، وبحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف يسوغ مثل هذا الكلام؟! هذا وجد في كتب التفسير، لكن كيف يسوغ بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول مثل هذا الكلام ولا ينكره! وينزل القرآن بذكره من غير تفنيد؟ هذا لا يمكن، هذا قول لا حظ له من النظر.
((ولا إله غيرك)) يعني لا معبود بحق سواك يا الله، وإن عبد معه غيره، لكنه ليس بحق، معبودات باطلة {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [(98) سورة الأنبياء].
"ثم يقول: ((الله أكبر كبيراً))" يعني بعد دعاء الاستفتاح هذا يقول: الله أكبر كبيراً، وجاء عن ابن مسعود أيضاً ((والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً)) لكن هذا المعروف عن ابن مسعود في تكبيرات صلاة العيد لا في هذا الموضع.
على كل حال هذا موجود في حديث أبي سعيد، وحديث أبي سعيد فيه كلام لأهل العلم نذكر شيئاً منه عند كلام المؤلف.
"ثم يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم))" لماذا؟ لأنه يريد أن يقرأ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ} [(98) سورة النحل] هذا الأمر يشمل القراءة في الصلاة وخارج الصلاة.
((أعوذ بالله السميع العليم)) أعوذ يعني التجئ وأعتصم بالله -جل وعلا- ((السميع العليم)) الموصوف بهاتين الصفتين، والمسمى بهذين الاسمين السمع والعلم.
((من الشيطان الرجيم)) الشيطان إما من شطن إذا بعُد، أو من شاط إذا احترق ((الرجيم)) والمقصود به إبليس اللعين، ومن يتبعه من شياطين الإنس والجن؛ لأن (أل) جنسية هذه، الرجيم المرجوم.
((من همزه ونفخه ونفثه)) من همزه الهمز هو من الكيد كما يقول بعض أهل العلم، أو أنه هاه؟ إيش؟
طالب:.......
الصرع، نعم الصرع.
((ونفخه)) النفخ والنفث النفخ بلا ريق، والنفث مع الريق، لكنه دون التفل، ويراد بذلك الوسوسة والسحر والشعر والأمور التي تجري على ألسنة الشياطين، وفي أفعالهم يستعاذ بالله من الشيطان، وجميع أفعاله المؤثرة على الإنسان بقدرة الله -جل وعلا-.
منهم من يقول: الهمز الموتة وقد..، الشيطان يصرع الإنسان وقد يزيد في ذلك فيقتله، حصل هذا لبعض أهل العلم في التراجم، يذكرون أن الشياطين أو الجن قتلوه، وقد جاء في وفاة سعد بن عبادة أنه بال في جحر فقتله الشياطين.
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة |
| رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده |
والقصة معروفة فيها ضعف، على كل حال يستعاذ من الشياطين، والاستعاذة مطلوبة قبل قراءة القرآن، والصيغة الواردة ما جاء في هذا الحديث وغيره: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] ما فيه السميع العليم، يعني من قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم امتثل الأمر، ومن زاد السميع العليم فله ذلك؛ لأنها جاءت بها بعض النصوص {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [(200) سورة الأعراف] نعم فإذا زاد السميع العليم لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن اقتصر على أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفاه.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه من رواية جعفر بن سليمان، وقد احتج به مسلم عن علي بن علي الرفاعي، وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد".
"وقال الترمذي: وقد تكلم في إسناده، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي" علي بن علي معروف بإيش؟ بالعبادة، رجل عابد، رجل صالح، وهذا النوع من الرواة الذين يصرفون جل أوقاتهم للعبادة لا بد أن يقع في حديثهم ما يقع؛ لأنهم يغفلون عن تحفظ الأحاديث بالعمل، ينصرفون إلى..، وكثير هذا في العباد، لكن لا يؤثر على العابد الذي عنده قوة حافظة، يتذكر بها ما شاء متى شاء، لكن مع ذلك من الناس من حافظته أقل، لكنه يكثر المراجعة، ويديم النظر في مروياته، هذا يضبط ويتقن، إذا غفل عن ذلك، إذا غفل إلى العبادة مثلاً لا شك أنه على حساب العلم، لكن على هذا ينبغي أن يكون العالم وطالب العلم عنده شيء من التوازن، لا يصرف جهده إلى العبادة فينصرف عن العلم، ولا يصرف جهده إلى العلم بحيث ينسى العبادة، فيكون عنده شيء من التوازن، فتُكلم في علي بن علي من أجل هذا.
كان يحيى بن سعيد القطان يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وقال أبو داود: هذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن -رحمه الله تعالى- يعني حينما يقال: رحمه الله وهو رجل متكلم فيه يدل على أنه يستحق أن يترحم عليه، لماذا؟ لأن عنده من العبادة ما عنده، ولذلك تجدون بعض الناس مثلاً النووي مثلاً قد يكون الراوي ضعيف، وإذا ترجم به أشاد به لأنه عابد؛ لأن كل إنسان ينظر إلى الناس مما يميل إليه، تجد هذا الراوي تكلم عليه ابن حجر، ويتكلم عليه النووي، النووي ينظر إليه من زاوية العمل، وابن حجر ينظر إليه من زاوية العلم، فتجد لو كان من أعبد الناس وعنده شيء من الضعف ابن حجر يشير إلى أنه عابد، لكن ما يشيد به مثلما يشيد به النووي، بينما لو كان حافظ من الحفاظ ومنزلته في العبادة أقل تجد النووي يشير إلى أنه حافظ مجرد إشارة ويمشي، فكل إنسان ينظر إلى هذه الأمور حسب ميله، يعني هذا الظاهر يعني لو تقرأ في تراجم الرواة عند النووي غير ما تقرأ لابن حجر، ابن حجر ينظر إليه من حيث الضبط والحفظ والإتقان، يعني من حيث ما يثبت حديثه ويضعفه، النووي لا، الرجل عابد يقدر لأمثال هؤلاء هذه العبادة عنده، فيشيد بهم، فحينما يقول: الرجل متكلم فيه، يقولون: هو عن علي بن علي -رحمه الله تعالى-، فالناس يساقون إلى الدعاء لمثل هذا، ولا شك أن العالم العابد الناس تثق به ثقة مطلقة، وتجري الدعوات على ألسنتهم شعروا أو لم يشعروا، وعمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة أخذ من بني أمية من أقاربه ومعارفه ما منحوه، وما أقطعوا من أراضي ممن منحهم من قبله، فجاء شخص إلى من بعد عمر بن عبد العزيز هشام؟ نعم؟ فقال: سليمان الذي قبل عمر بن عبد العزيز أعطاني أرضاً، فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، قال: يا أخي الذي أعطاك الأرض ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: ويش بيدي الناس كلهم تقول هذا، كلهم يقولون هذا، فلا بد أن يجري الله -جل وعلا- على ألسنة الناس من الثناء لمن يستحق الثناء شاءوا أم أبوا، والله المستعان، والناس شهداء الله في أرضه.
"قال: الوهم من جعفر" يعني ليس من علي بن علي، إنما هو من جعفر بن سليمان، وعلى كل حال الحديث له طرق تجعله مقبولاً.
ثم قال:
"وعن عبدة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة كبر، ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)) يعني الاستفتاح بهذا اللفظ وارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرفوعاً من حديث أبي سعيد، ووارد من قول عمر -رضي الله عنه-، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".
الموقوف على عمر ذكره مسلم في صحيحه، والمرفوع عرفنا ما فيه من الكلام، المرفوع فيه كلام لأهل العلم، مضعف بسبب ما قيل في علي بن علي، وفيه وهم أيضاً من قبل نعم؟ جعفر بن سليمان، وحديث عمر يرويه عبدة أن عمر، يرويه عبدة لا يرويه عن عمر، إنما عبدة يقول: أن عمر -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" هذا ينبني على كون عبدة أدرك عمر أو لم يدركه؟ إن كان أدرك عمر فهو يحكي قصة أدركها، وإن كان لم يدرك عمر فهو يحكي قصة لم يدركها، وعلى كل حال الخبر في صحيح مسلم.
يقول: "ذكره مسلم في صحيحه لأنه سمعه مع غيره" يعني عبدة سمعه مع غيره، المقصود أن عمر كان يجهر بها ويعلمها الناس، فلكثرة من يرويها عن عمر مسلم -رحمه الله تعالى- لكثرة من يرويها عن عمر، واستفاضة هذا اللفظ عن عمر اكتفى الإمام مسلم بهذه الاستفاضة عن تطبيق الشرط، وإلا فعبدة لم يدرك عمر، ولم يسمع منه، إنما رآه رؤية، مجرد رؤية لا يثبت بها اتصال.
وليس هو على شرطه؛ لأن شرط مسلم المعاصرة، وهو بسنة أو سنتين هذا معاصر لمن مات بعد ذلك مباشرة؟ لا تكفي مثل هذه المعاصرة، إنما المعاصرة مع إمكان السماع، وهنا السماع غير محتمل، نعم رآه رؤية.
يقول: "وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه إنما رآه رؤية" كذا عندكم؟
طالب: رواه رواية.
لا هين سهل هذا، يقول: "فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه، إنما رآه رؤية".
طالب:......
لا لا، هي رآه رؤية، ما نقول: رواه رواية، سهل هذا، ما هو الإشكال هنا، الذي لم يدرك الابن عبد الله بن عمر يقال: إنه لم يدرك عمر؟ الذي لم يسمع من عبد الله بن عمر يقال: إنه لم يدرك عمر، وقد عاش عبد الله بن عمر بعد أبيه خمسين سنة؟ نحتاج إلى أن نقول: إنه لم يدرك عمر؟ نحتاج؟ ما نحتاج؛ لأن هنا مفاوز، والذي ينص عليه ما يحتاج إليه، يعني مما يحتمله السياق، ولذا في نيل الأوطار يقول: "وعبدة لا يعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من عبد الله بن عمر، ويقال: رأى عمر رؤية" يعني الذي رأى عمر يشك في سماعه من ابن عمر؟ نعم؟ لأن ابن عمر عاش بعد أبيه خمسين سنة، فلا يشك في سماعه منه، وعنكم يقول: "فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه" يعني إذا قلنا: لم يسمع من ابن عمر فمن باب أولى لم يسمع من أبيه ولم يدركه، إنما رآه رؤية، يعني رأى عمر رؤية، والرؤية لا يثبت بها اتصال، ولا تثبت بها المعاصرة، ولذلك صغار الصحابة مثل محمد بن أبي بكر لا يقال له: صحابي؛ لأنه لما توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- صغير جداً، عمره ثلاثة أشهر وأيام.
"وقد روى الدارقطني بإسناده عن الأسود عن عمر أنه كان يقول هؤلاء الكلمات، وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر" قال المروزي من أصحاب الإمام أحمد: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر؛ لأن عمر جهر به على المنبر، وعلمه الصحابة، فيرجحه الإمام أحمد "وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك" يعني روي فيه مرفوع من وجوه ليست بذاك القوي، يعني فيها ضعف، أما الموقوف على عمر فصحيح.
هذا نوع من أنواع الاستفتاح، ونوع الذي جاء في حديث علي، ونوع جاء في حديث أبي هريرة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي...)) إلى آخره.
أنواع الاستفتاحات محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم أن يحفظها، يحفظ ما ثبت منها، ويقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، ويقول ما جاء في صلاة الليل في صلاة الليل، وما لم يذكر فيه صلاة الليل يقال في الصلوات كلها.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير"
يستفتح يعني يبتدئ الصلاة بالتكبير، فيقول: الله أكبر، وهذه التكبيرة هي تكبيرة الإحرام التي هي ركن من أركان الصلاة، لا تنعقد إلا بها، وعلى هذا لا يوجد أي كلام من أجل الصلاة قبل التكبير، يقصد إلى مصلاه ويقول: الله أكبر، ولا يتكلم بكلام قبل هذا، لا يقول: نويت أن أصلي صلاة كذا أربع ركعات، فرض الوقت، خلف الإمام، أو مثل ما يقال من الألفاظ المبتدعة وهذه لم تثبت، ولم تذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا عن صحابته ولا عن التابعين، لا بإسناد صحيح ولا حسن ولا ضعيف، بل هي بدعة، فالنية القصد، مجرد القصد هذه نية.
"يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءةَ بالحمدُ لله رب العالمين" الحمدُ مرفوع على الحكاية، يعني ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، يستدل بهذا من لا يرى الاستفتاح ولا يرى التعوذ ولا البسملة، الله أكبر الحمد لله رب العالمين؛ لأن الحديث: "يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" وهذا معروف عند المالكية أنه لا استفتاح، ولا تعوذ، ولا بسملة، والجمهور يرون الاستفتاح، وقد دلت الأدلة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول بين التكبير والقراءة دعاء الاستفتاح، ويتعوذ ويسمي، طيب ماذا عن هذا الحديث: "يستفتح القراءة"؟ فهل دعاء الاستفتاح قراءة؟ دعاء الاستفتاح ليس بقراءة، فهو يستفتح القراءة وإذا كان يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا منافاة بين أن يوجد الاستفتاح قبل القراءة، والقراءة إنما تفتتح بالحمد، يوجد الاستفتاح ويوجد التعوذ من أجل القراءة، يوجد الاستفتاح؛ لأنه ليس بقراءة، فلا ينفيه هذا الحديث، ويوجد التعوذ الذي هو من أجل القراءة عند إرادة القراءة، كما ثبت في الآية والأحاديث، ويبسمل، ويكون المراد بالحمد لله رب العالمين هذه الجملة علم على هذه السورة، يعني اسم الفاتحة: الحمد لله رب العالمين بما فيها البسملة عند من يقول بأن البسملة آية من آيات الفاتحة كالشافعي على الخلاف بين أهل العلم، هل البسملة آية من الفاتحة أو ليست بآية؟ هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية من أي سورة؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ خلاف بين أهل العلم.
والبسملة بعض آية من سورة النمل إجماعاً، وليست بآية في أول التوبة إجماعاً أيضاً، وما عدا ذلك من السور خلاف، منهم من يقول: إنها آية من كل سورة، ومنهم من يقول: هي آية من سورة الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: هي آية في القرآن كله نزلت للفصل بين السور.
فالذي يقول: إن البسملة آية من الفاتحة نعم يفتتح القرآن بسورة الحمد بما فيها البسملة، والذي يقول: إنها ليست بآية من الفاتحة يقول: حكمها حكم الاستعاذة، فالاستفتاح ليس بقرآن ولا بقراءة، يستفتح القراءة بالحمد فلا ينفي أن يستفتح، يتعوذ لإرادة القراءة كما أمر، والبسملة أيضاً ثبتت أنه كان يبسمل قبل السور، المقصود أن مثل هذا لا ينفي الاستفتاح ولا التعوذ ولا البسملة؛ لأنه ورد نصوص مفسرة مفصلة تبين أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يستفتح ويتعوذ ويبسمل قبل قراءة الفاتحة.
"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه" يشخص رأسه يعني يرفع رأسه، يعني لا يرفع رأسه هكذا، لم يشخص رأسه {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] يعني ترتفع، ولم يصوبه، يخفض رأسه، بل يكون الرأس بمستوى الظهر، لا يشخصه بمعنى يرفعه، ولا يصوبه يعني يخفضه، ومنه قيل للمطر: الصيب، لماذا؟ لأنه ينزل في الأرض ((اللهم اجعله صيباً نافعاً)) يعني نازلاً ينفع الأرض -إن شاء الله تعالى-.
"ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" يعني يكون باستواء الظهر "وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً" يعني لا بد من الطمأنينة في هذا الركن، وحتى يعود كل فقار إلى مكانه على ما تقدم "وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً" وفي هذا رد على من لا يرى الطمأنينة في هذين الركنين، وفصلنا هذا بالأمس.
"وكان يقول في كل ركعتين التحية" التحية هل المراد بها السلام عليكم؟ {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ} [(86) سورة النساء] تحية أهل الإسلام، تحية أهل الجنة إيش؟ السلام عليكم، هل يقول: السلام عليكم؟ إذا صلى ركعتين قال: السلام عليكم؟ ما المراد بالتحية هنا؟ التحيات "وكان يقول في كل ركعتين التحية" قد يقولها بعد ركعة، قد يقول التحية بعد ركعة، لكن الغالب أن الصلاة لا تقل عن ركعتين، فإذا كانت من ركعتين، أو أربع بين كل ركعتين، بعد كل ركعتين تحية، إذا كانت ثنائية أو رباعية كان بين كل ركعتين تحية، لكن إذا كانت ركعة واحدة، والصلاة قد تكون ركعة كالوتر مثلاً يقول فيها التحية، إذا كانت ثلاثية يقول بعد الركعتين التحية، ويقول بعد الثالثة التحية، فالحديث خرج مخرج الغالب.
"وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى" وكان يفرش رجله اليسرى فيجلس عليها، وينصب رجله اليمنى "وكان ينهى عن عقبة الشيطان" فسرت عقبة الشيطان بأن يلصق إليتيه على الأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويرسل يديه على الأرض، يعني كما يفعل الكلب، وهذا هو الإقعاء المنهي عنه.
"وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" هكذا على الأرض وهو ساجد، الذراعين، يجعل الذراعين على الأرض، هذا منهي عنه، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وجاء تفسيره بالكلب أيضاً، وكان يختم الصلاة بالتسليم، يفتتحها بالتكبير، ويختتمها بالتسليم، فالتكبير ركن، تكبيرة الإحرام، وكذلك التسليم ركن على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به عند الجمهور خلافاً للحنفية أنه إذا فرغ من التشهد فقد تمت صلاته كما في حديث ابن مسعود ويأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-.
"رواه مسلم".
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به))" يعني فلا يتقدم عليه ولا يفتأت عليه، ولا يتأخر عنه تأخراً بيناً ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ليقتدى به، ويفعل مثل أفعاله ((ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا)) إذا كبر للإحرام أو غيرها من تكبيرات الانتقال كبروا، والمقصود إذا فرغ من التكبير فكبروا، ولا يوافق في التكبير يكون تكبير الإمام مع تكبير المأموم، لا، إنما يكبر الإمام، فإذا فرغ من التكبير يكبر المأموم.
((وإذا ركع فاركعوا)) إذا شرع في الركوع فاركعوا، إذا شرع في الركوع وليس المراد بالشروع الهوي، لا، يعني بدأ بالركوع فعلاً ((فاركعوا)) وعرفنا أنه إذا كبر فكبروا يعني فرغ، وإذا ركع شرع، وإذا قام إلى الصلاة أراد القيام وهكذا، فالفعل الماضي يأتي للفراغ من الفعل، والشروع فيه، وإرادة الفعل.
((وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ((فقولوا: اللهم ربنا)) يعني عندكم مكرر اللهم اللهم؟
طالب: لا واحدة، واحدة يا شيخ.
يعني ما في الثانية بين قوسين؟
طالب: لا لا، واحدة فقط بين قوسين.
اللهم اللهم، كتب مرتين، هذا خطأ قطعاً.
((اللهم ربنا لك الحمد)) وعرفنا الصيغ الواردة في هذه الجملة، اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد كما هنا، اللهم ربنا ولك الحمد كما في البخاري، وهي التي قال ابن القيم: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، ويستدرك عليه وليس بمعصوم، ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد.
((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) هذا الأصل، صل قائماً، يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة المفروضة، لا تصح الصلاة من قعود بالنسبة للقادر على القيام، أما بالنسبة للنافلة فتصح النافلة، لكن ليس له من الأجر إلا النصف.
وعرفنا أن النص ((صلى قائماً فصلوا قياماً)) هذا يشمل الفرض والنفل ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) يشمل الفرض والنفل، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) محمول على النافلة، وحديث عمران بن حصين محمول على الفريضة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند البيهقي دخل المسجد والمدينة محمة، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة؛ لأنهم ما يصلون قبل حضوره الفريضة، ودل على أنه بالنسبة للقادر على القيام تصح صلاته، لكن على النصف نعم؛ لأنهم تجشموا القيام فقاموا أما العاجز عن القيام أجره كامل في الفريضة والنافلة.
((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس عن يساره، وأكمل الصلاة جالساً -عليه الصلاة والسلام-، وهم من قيام، كيف نوفق بين حديث مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد صلى قاعداً وهم قيام وهذا الحديث: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))؟ وأجمعون تأكيد للواو في صلوا، وجاء أجمعين منصوب على الحال، حال كونكم أجمعين، أي مجتمعين.
((صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) وصلى في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- قاعداً وهم من قيام، فمن أهل العلم من يرى أن مثل هذا النص منسوخ، منسوخ بما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، فقد صلى قاعداً وهم يصلون قياماً، والآخر ينسخ المتقدم هذا قول الأكثر، مالك ما يرى صحة الإمامة خلف القاعدة، لا من قيام ولا من قعود، هذا قول المالكية، صلاة المأموم خلف القاعد باطلة فيبحث عن غيره.
الحنفية والشافعية يقولون: تصح إمامة القاعد، لكن يصلي القادر على القيام من المأمومين قياماً، وهذا الحديث منسوخ.
الحنابلة يقولون: لا، الحديث محكم، كيف نوفق بين هذا الحديث وبين صلاته في مرضه -عليه الصلاة والسلام- قاعد والمأمومين من قيام؟ قالوا: نحمل هذا الحديث على حالة، وهي: إذا ما صلى إمام الحي، إذا افتتح، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً، إذا صلى إمام الحي، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها فإنهم يصلون خلفه من قعود، إمام الحي وتبدأ الصلاة؛ لأن الصلاة في مرضه -عليه الصلاة والسلام- ابتدأت من قعود وإلا من قيام؟
طالب: من قيام.
من قيام؛ لأن الذي صلى بهم أول الأمر أبو بكر قائم، فالصلاة ابتدأت من قيام، والحديث لا يشمله هذا، يحمل على ما إذا ابتدأت من قعود، وأن يكون الإمام إمام الحي، أما إذا ابتدأها غيره من قعود فلا يصلى وراءه، يبحث عن غيره، أو يصلون خلفه قياماً، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها، نأتي بشخص مقعد ونقدمه بيننا أمامنا يعني ميئوس منه مقعد، أو أقطع الرجلين يجلس يصلي جالساً، نأتي بمثل هذا لنترخص به ونصلي من قعود! لا، مثل هذا إن صلى لميزة واضحة لا نصلي من قيام، والأصل أن مثل هذا لا يصلي؛ لئلا يقع الناس في الحرج ((كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم)) الصلاة خلف القاعد من قيام فيها مشابهة لفارس والروم، فمثل هذا لا يصلي، لكن إن كانت له مزية تجعله يؤم الناس لفضله وعلمه وإمامته يصلي بالناس، يصلون من قيام؛ لأن العلة لا يرجى برؤها، فإذا ابتدأ الإمام -إمام الحي- الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها فإنهم يصلون خلفه من قعود ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) أما إذا افتتحت الصلاة من قيام فلا.
إذا كان الإمام غير إمام الحي فلا، إذا كانت العلة لا يرجى برؤها فلا، وبهذا يوفق بين النصين، مذهب الحنفية والشافعية الحديث منسوخ، فالقاعد لا يجوز له أن يقعد..، ومذهب المالكية يقولون: القاعد لا يصلى خلفه، والحنابلة يقولون بهذه القيود، يصلي الناس جلوس مثل الإمام، وإذا اختل شرط من هذه الشروط فإنهم يصلون من قيام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"