كتاب اللعان من المحرر في الحديث - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
نعم.
"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
قال المؤلف -رحمه الله- باب لحاق النسب:
عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليَّ مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال: «ألم تري أن مجزِّرًا..»."
مجزِّزًا..
أحسن الله إليكم.
"«ألم تري أن مجزِّزًا نظر آنفًا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لمن بعض»، متفق عليه.
وعن زيد بن أرقم قال: أُتِيَ عَلِي بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين، أتقرِّان هذا بالولد؟ قالا: لا، حتى سألهم جميعًا، فجعل كلما سأل اثنين قالا: لا، فأقرع بينهم، فألحق الولد بالذي صارت عليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية، قال: فذكر ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- فضحك حتى بدت نواجذه، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حزم وابن القطان وغيرهما، وقد أُعِلّ، وقال أحمد: هو حديث منكر.."
وقال أبو حاتم..
"وقال أبو حاتم: قد اختلفوا في هذا الحديث، فاضطربوا فيه، ورواه الحميدي في سنده، وفيه: وأغرمته ثلثي قيمة الجارية، وقد روي موقوفًا، والله أعلم."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-.. "باب لحاق النسب" النسب يثبت الولد إلى أبيه إما بالاستفاضة، الاستفاضة إذا اشتهر بين الناس أن هذا ولد فلان، وهذا الأصل هو الغالب؛ لأنه لا يمكن الوقوف على حقيقة الحال من جماع الرجل لامرأته، إلى ولادتها، لكن الاستفاضة في هذا كافية، وعموم الناس على هذا ما فيه أحد لو تقول: تشهد أن فلانًا ابن فلان تقول: أشهد، نعم؛ لأنه استفاض منذ أن ولد إلى أن شب وشاب وهو مع أبيه، تقول تحلف بالله أنك رأيت هذا الرجل وقع على هذه المرأة فحملت بهذا الولد مدة معتبرة، ثم وضعته بعينه؟
يستطيع أحد أن يشهد بهذا، لذلك الاستفاضة في هذا عند أهل العلم كافية، هذا الأصل في لحاق النسب، أحيانًا يجهل نسب الشخص، يجهل نسب الشخص؛ لأسباب كثيرة منها؛ أن تُطَلَّق الأم، وتنتقل إلى بلد بعيد جدًّا، ولا يُعرَف لها أو لولدها أثر بعد عين، ثم الأب يذهب؛ ليبحث عن ابنه في ذلك البلد، وهو لا يُعرَف، من يشهد بأن هذا الولد له؟ والأم مع طول العهد نسيت هذا الرجل، هناك أمور كثيرة، هناك الادعاء بأن يدعي هذا الولد أكثر من واحد.
المقصود أن في حديث الباب في قصة مجزِّز القائف المدلجي ما يدل على اعتبار القيافة ، نعم.
فقال- رحمه الله-: "عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل عليَّ مسرورًا تبرق أسارير وجهه" يتهلل وجهه ويتلألأ -عليه الصلاة والسلام- فرحًا مسرورًا مغتبطًا.
"فقال: «ألم تري يا عائشة أن مجززا المدلجي»" مجزز هو المدلجي من بني مدلج، وكانت فيهم القيافة، وقيل له: مجزز؛ لأنه يجز ناصية من يقع بيده أسيرًا ثم يطلقه.
القيافة كانت في بني مدلج في السابق، والآن ماذا يسمون القائف؟ يسمونه المري، يسمونه المَرِّي؛ لأن القيافة كَثُرَت في بني مُرَّة، ولو كانت من أي قبيلة أخرى يسمونه مريًّا؛ لأنها صارت علمًا على القافة.
«إن مجززًا مر آنفًا» يعني قريبًا، «إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد» أسامة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان يدعى زيد بن حارثة، وكان يدعى زيد بن محمد، إلى أن نزل قوله- جل وعلا-: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [سورة الأحزاب:40]، زيد بن حارثة حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان أبيض اللون، أبيض، وأسامة بن زيد ولده، حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وابن حبه، ولذلك فرح النبي -عليه الصلاة والسلام- لما شهد مجزز أن أسامة ابن زيد.
"فقال: «إن بعض هذه الأقدام لمِن بعض»" دخل مجزز عليهما، وقد التحفا بلحاف غطى رؤوسهما، وبدت أرجلهما، "فقال: «إن بعض هذه الأقدام لمِن بعض»" أسامة أسود اللون، وأبوه أبيض، فصار الناس منهم من يشك، ومنهم من يطعن صراحة، وكان هذا يؤذي الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يؤذي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يحب زيدًا، ويحب أسامة، فهما محبوبان لديه، فيؤذيه ما يؤذيهما، يتشككون في نسبة أسامة إلى زيد؛ لاختلاف اللون، فقال مجزز، وهو قائف معتبَر عند العرب، يحتجون بقوله، فقال: «إن بعض هذه الأقدام لمن بعض». وجاء رجل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يشك في ولده؛ لاختلاف لونه معه، يشك فيه؛ لاختلاف اللون، مثل ما هنا، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «هل لك من إبل؟» فقال الرجل: نعم، يا رسول الله، قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «وهل فيها من أورق؟»، يعني يختلف لونه، قال: نعم يا رسول الله، قال: «من أين؟» قال: لعله نزعه عرق، قال: «ولدك هذا لعله نزعه عرق» -عليه الصلاة والسلام-، «لعله نزعه عرق» من جد ثالث، رابع، خامس، جد لم تدركه.
ففي الحديث دليل على اعتبار القيافة في إثبات النسب، وهو قول جمهور أهل العلم، خلافًا للحنفية الذين لا يرونها في إثبات النسب، وقالوا: إنما جاءت هذه القصة، جاءت؛ لتؤكد نسبًا ثابتًا، نسبًا ثابت لأسامة من أبيه زيد، لكن لإزالة شبهة لو لم يقل مجزز: هذه الأقدام بعضها من بعض، هل يحكم بنفيه عن أبيه؟ هل هذا كلام قطعي أثبت النسبة ولولا كلامه ما ثبتت نسبة أسامة لزيد، أو أنه مجرد إزالة شبهة؟
لكن الموضوع فيه أكثر من قصة، وفيه أكثر من حدث.
وعلى كل حال إن لم تكن دليلاً قاطعًا فهي قرينة قوية، لكن الجمهور على أنها حجة كافية لإثبات النسب، والحنفية لا يرونها حجة.
على كل حال هذا الحديث فيه مستمسك لمن يقول بإثبات النسب، ويشهد له عدة أحاديث، وفي زماننا وجد أدلة أخرى، بل هي قرائن، التحليل الذي يسمونه (DNA) هذا يقولون: إنه حجة قطعية، حجة قطعية في إثبات النسب، ومع ذلك لم يرد به شرع، فلا يعدو أن يكون قرينة، فلا يعدو أن يكون قرينة، وإذا كان قرينة فيكون مرجِّحًا عند تعارض هذه الدعاوى، يدعيه فلان وفلان، فجاء القائف فقال: هو لفلان، خلاص لفلان، هذا مرجح، وكذلك التحليل الذي أوجدوه، وزعموا أنه قطعي لا يخطئ.
"متفق عليه" يتداول الناس قصة وهو أن رجلاً أسمر اللون تزوج، لا، أبيض، أبيض، شديد البياض، أبيض شديد البياض تزوج امرأة كذلك، وكان صاحب أعمال، فلما حملت الزوجة سافر سفرًا بعيدًا، فرجع بعد أن وضعت ولدًا أسود، فخشيت أن تتهم، فقتلته، فلما جاء، سألها أين الولد؟ قالت: مات، وُلِد فمات على طول، ما تأخر بعد الولادة، ثم حملت ثانية كذلك فعلت بالثاني ما صنعت بالأول، فلما جاء من سفره، وهو صاحب تجارة، ما يجلس في البلد، ذكرت له أنه ولد ومات، ثم حملت بالثالث وقال: لن أسافر حتى تضع، فلما وضعت، فإذا به كأخويه أسود قال: سبحان الله، هذا جدي الذي لا يختلف! جده لونه هذا.. ندمت المرأة ندمًا شديدًا، ولا أخبرته بما حصل.
على كل حال الإنسان لا يتعرض لقتل مسلم نفس مسلمة يتعمد قتلها؛ من أجل ألا يتهم، لا شك أن التهمة تحز بالنفس كما قالت مريم: {لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً} [سورة مريم:23]، لكن قتل النفس ليس بالسهل، قتل النفس شأنه عظيم، وقال بعض أهل العلم درءًا للتهمة: إن الإنسان إذا استضاف شخصًا يعني نام عنده، وفي البيت نساء وبنات، فاحتلم، وخشي أن يتهم يتيمم، هذا من هذا الباب، وإلا فمعلوم أنه لا يصح التيمم والماء موجود، فالتهمة شأنها عظيم، لا تقبلها النفوس، لكن الشرع مقدم على حظوظ النفس، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} [سورة الطلاق:2].
الآن في الابتزاز، يأتي شخص من الفجرة، ويتغانم فرصة غفلة، أو يصور له في مناسبة امرأة متجملة متزينة، ثم ينقلها إلى جواله، ويركب عليها، ويدبلج عليها صورة عارية أو شيئًا من هذا، ثم يهددها إن استجابت وإلا ذهب لأبيها، إن استجابت وإلا ذهب لأبيها، وفضحها بين قومها، وعلى هذا لا يجوز لها أن تستجيب مهما قويت التهمة.
عائشة -رضي الله عنها- اتهمت، وصبرت، ونزل القرآن في براءتها، في قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وهكذا يقال في مثل هذا الابتزاز: لا يجوز لها أن تستجيب، بل تصبر وتحتسب، وسوف يبرئها الله.
وعلى كل حال لو قدر أنها ما ظهرت براءتها أمام الناس، فالله يعلم، وتعذر شرعًا، ولا يجوز لها أن تستجيب لمطالب هؤلاء الفجرة، وأي شيء أعظم من عرضه -عليه الصلاة والسلام-؟! ما فيه شيء، {لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [سورة النــور:11]؛ لأن الإنسان يبتلى من أجل أن ترفع درجاته، وتحط سيئاته، فيصبر ويحتسب، ويصدق مع الله، ولن يضيره شيء بعد ذلك.
قال -رحمه الله-: "وعن زيد بن أرقم قال: أتي عليٌّ بثلاثة وهو باليمن، أتي علي بثلاثة وهو باليمن، وقعوا على امرأة في طهر واحد".
بمناسبة الشبه شخص في شرق آسيا تزوج امرأة رآها فأعجبته، جميلة جدًّا، فولدت له بنتًا أقل بكثير من مستواها، بل قد تكون دميمة، ثم جاءت بثانية كذلك، وثالثة كذلك، أجبرها على أن تخبره بالسبب، قالت: أنا كنت مثل هؤلاء البنات، لكن عملت عمليات تجميلية، وصرت بهذا الشكل الذي ترى، فقاضاها عند المحكمة، فغُرِّمَت بمائة وعشرين ألف دولار، وهذه محكمة تحكم بغير ما أنزل الله، لكن هذا الحاصل، يعني أن الشبه معتبر، لكن قال: عملت عمليات تجميلية فذهب عنها ما كان موجودًا في بناتها؛ لأنه ثلاث بنات يختلفون عنها وعنه، شك في الموضوع، شك في الموضوع، فضغط عليها؛ لئلا تكون قارفت، فقالت: إنها عملت عمليات تجميلية فصارت على الشكل الذي ترى، والله المستعان.
"أتي علي بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر" نكاح أم ملك يمين أم زنى؟ يعني في طهر واحد وقعوا عليها، هذا نكاح أم سفاح؟
زنى، في طهر واحد ما يمكن أن يكون نكاحًا.
"وقعوا على امرأة في طهر واحد، فسأل اثنين: أتقران هذا لهذا بالولد؟" الثالث، "قالا: لا، حتى سألهم جميعًا" يأتي باثنين: أتقران لهذا؟ قالا: لا، يأتي باثنين يضم واحدًا مع الثاني، أتقران لهذا؟ قالا: لا، وهكذا في الدفعة الثالثة من الاثنين فقالا: لا.
"حتى سألهم جميعًا، فجعل كلما سأل اثنين قالا: لا، فأقرع بينهم" قرعة، فأقرع بينهم.
في قصة سليمان مع المرأتين امرأة تدعي أن هذا ولدها، والثانية كذلك، فسليمان ماذا قال؟ نشقه نصفين، كل واحدة لها نصف، قالت الصغرى: لا أريده، هو لها، الكبرى قالت: صحيح نقصه، آخذ نصفه، وهي تأخذ نصفه، والصغرى قالت: لا، هو لها يا نبي الله، استدل بهذا على أنه للصغرى، لن ترضى الأم أن يقسم ولدها نصفين، وهي ترى، لا يمكن، لا يمكن أن ترضى، نعم، مثل هذا لا يقبل القسمة، فحكم به للصغرى؛ لأن عاطفة الأم وحنان الأم وجد فيها دون الكبرى، نعم.
هنا في هذه القصة، والقصة منكرة، والحديث منكر لا يثبت، "فأقرع بينهم، فألحق بالولد الذي صارت إليه القرعة، وجعل عليه ثلثي الدية" يعني قسم دية الولد أثلاثًا فأسقط حق من أعطي، وجعل للاثنين المدعيين ثلثي الدية، كل واحد ثلث.
"قال: فذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- فضحك حتى بدت نواجذه، رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وابن ماجه، وصححه ابن حزم وابن القطان وغيرهما، وقد أُعِلّ، قال أحمد: هو حديث منكر"، والأمر كذلك الحديث لا يثبت، ولا يصح.
"وقال أبو حاتم: قد اختلفوا في هذا الحديث، فاضطربوا فيه، ورواه الحميدي في مسنده قال: وفيه: وأغرمته ثلثي قيمة الجارية، وقد روي موقوفًا، والله أعلم"، لكن كونه يُغرَم ثلثي قيمة الجارية، يعني أم الولد هذا أو ثلثي دية الولد لا شك أن هذا اضطراب، واختلاف؛ لأن قيمة الجارية تختلف عن دية الولد، وأيضًا الحديث أعله جمع من الحفاظ والأئمة الكبار، وحكم عليه الإمام أحمد بأنه منكر.
والله أعلم.
صلى الله على محمد.