شرح الموطأ - كتاب الحج (18)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: وقوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] ذكروا أن هذه الآية نزلت سنة ست، أي عام الحديبية، حين حال المشركون بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين الوصول إلى البيت، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها، وأنزل لهم رخصةً أن يذبحوا ما معهم من الهدي وكان سبعين بدنة، وأن يحلقوا رؤوسهم، وأن يتحللوا من إحرامهم فعند ذلك أمرهم -عليه السلام- أن يحلقوا رؤوسهم، وأن يتحللوا، فلم يفعلوا انتظارًا للنسخ حتى خرج فحلق رأسه، ففعل الناس وكان منهم من قصّر رأسه ولم يحلقه، فلذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: ((رحم الله المحلقين)) قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ فقال في الثالثة: ((والمقصرين))، وقد اشتركوا في هديهم ذلك كل سبعة في بدنة، وكانوا ألفًا وأربعمائة، وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم، وقيل: بل كانوا على طرف الحرم، فالله أعلم.
ولهذا اختلف العلماء هل يختص الحصر بالعدو، فلا يتحلل إلا من حصره عدو لا مرض ولا غيره؟ على قولين:
فقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري قال: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس وابن أبي نَجِيح عن ابن عباس أنه قال: لا حصر إلا حصر العدو، هذا موقوف على ابن عباس، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء، إنما قال الله تعالى: {فَإِذَا أَمِنْتُمْ} فليس الأمن حصرًا، قال: وروي عن ابن عمر وطاووس والزهري وزيد بن أسلم نحو ذلك.
والقول الثاني: أن الحصر أعمّ من أن يكون بعدو أو مرض أو ضلال وهو التَّوَهان عن الطريق أو نحو ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا حجاج بن الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من كُسِر أو وجع أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى)) قال: فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا: صدق.
وأخرجه أصحاب الكتب الأربعة من حديث يحيى بن أبي كثير، وفي رواية لأبي داود وابن ماجه: ((من عرج أو كُسر أو مَرض)) فذكر معناه، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عُلَيَّة عن الحجاج بن أبي عثمان الصواف به، ثم قال: وروي عن ابن مسعود وابن الزبير وعلقمة وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ومجاهد والنخعي وعطاء ومقاتل الإحصار من عدو أو مرض أو كسر.
قال الثوري: الإحصار من كل شيء آذاه، ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج وأنا شاكية، فقال: ((حجِّي واشترطي أنَّ محلي حيث حبستني)) ورواه مسلم عن ابن عباس بمثله، فذهب من ذهب من العلماء إلى صحة الاشتراط في الحج لهذا الحديث، وقد علق الإمام محمد بن إدريس الشافعي القول بصحة هذا المذهب على صحة هذا الحديث، وقال البيهقي وغيره من الحفاظ: وقد صح -ولله الحمد-، والحديث في الصحيحين، يعني بعضهم أنكر أن يكون حديث ضباعة في صحيح البخاري؛ لأنه لم يورده لا في الحج ولا في الإحصار، وإنما أورده في كتاب النكاح، تردد القرطبي في تصحيحه؛ لأنه نسبه إلى السنن ولم ينسبه إلى الصحيحين.
المقصود أن المسألة فيها الأقوال المذكورة التي سبق أن أشرنا إليها، وهناك تفصيل للشنقيطي -رحمه الله تعالى-، وقبله للقرطبي، القرطبي -رحمه الله- يقول: قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] فيه اثنتا عشرة مسألة:
الأولى: قال ابن العربي: هذه آية مشكلة، عضلة من العضل، قلت -يقول القرطبي-: لا إشكال فيها، ونحن نبينها غاية البيان فنقول: الإحصار هو المنع من الوجه الذي تقصده بالعوائق جملة، فجملةً أي بأي عذر كان، كان حصر عدو أو جور سلطان أو مرض أو ما كان.
واختلف العلماء في تعيين المانع هنا على قولين: الأول: قال علقمة وعروة بن الزبير وغيرهما: هو المرض لا العدو، وعرفنا أن ابن عبد البر ينسب هذا لمالك، أن الآية في المرض لا في العدو، وقصة الحديبية دليل على الحصر بالعدو دون المرض.
وقيل: هو العدو خاصة، قاله ابن عباس وابن عمر وأنس والشافعي، قال ابن العربي: وهو اختيار علمائنا، ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن أحصر -أحصر الرباعي- عرض للمرض، وحصر الثلاثي نزل به العدو، قلت: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، الآن أحصر، والآية في ماذا؟ هل هي من الثلاثي أو من الرباعي؟ أحصرت من الرباعي، يقول ابن العربي ماذا؟ ورأى أكثر أهل اللغة ومحصليها على أن أحصر عرض للمرض، فعلى هذا تكون الآية في المرض، وحصر نزل به العدو.
قلت: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، عرفنا في درس الأمس أن ابن عبد البر نسبه لمالك -رحمه الله-، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، وقالوا: الإحصار إنما هو المرض، وأما العدو فإنما يقال فيه: حُصر حصرًا فهو محصور.
طالب:........
ابن العربي؟ نعم؟ قال ابن العربي: العدو ماذا؟ يقول: الأول: قال علقمة وعروة ابن الزبير: هو المرض لا العدو.
وقيل: العدو خاصة، قاله ابن عباس وابن عمر وأنس والشافعي، قال ابن العربي: وهو اختيار علمائنا، ما هو اختيار علمائهم؟ العدو خاصة، الذي أنكر القرطبي ما نسبه ابن العربي إلى أنه اختيار علمائهم؛ لأنه لم يقل به إلا أشهب، وقيل: العدو خاصة، قال: هذا اختيار علمائنا يقوله ابن العربي، العدو خاصة، في الموطأ فيما مضى من الدروس يقرر أن الحصر حصر العدو فقط، وأن من حصر بغير العدو هذا لا يأخذ هذا الحكم، لا يتحلل.
يقول: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا فلم يقل به إلا أشهب وحده، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، وقالوا: الإحصار إنما هو المرض، وأما العدو فإنما يقال فيه: حصر حصرًا فهو محصور، قاله الباجي في المنتقى، وحكى أبو إسحاق الزجاج أنه كذلك عند جميع أهل اللغة على ما سيأتي، وقال أبو عبيدة والكسائي: " أحصر بالمرض، وحصر بالعدو، وفي المجمل لابن فارس على العكس، فحصر بالمرض وأحصر بالعدو، وقالت طائفة: يقال: أحصر فيهما جميعًا من الرباعي، حكاه أبو عمر.
ولعل هذا يجمع الأقوال، الحصر والإحصار بمعنًى واحد وهو المنع؛ لأن أصل المادة تدل على هذا، قلت: وهو يشبه قول مالك حيث ترجم في موطئه "أحصر" فيهما، في الموطأ ماذا قال في الترجمتين؟ نعم؟
طالب:........
نعم في الترجمتين قال: أحصر، باب: ما جاء فيمن أحصر بعدو، ثم قال: باب: ما جاء فيمن أحصر بغير عدو، وهو يشبه قول مالك في موطئه أحصر فيهما فتأمله، وقال الفراء: هما بمعنى واحد في المرض والعدو
قال القشيري -أبو نصر-: وادعت الشافعية أن الإحصار يستعمل في العدو، فأما المرض فيستعمل فيه الحصر، والصحيح أنهما يستعملان فيهما، قلت: ما ادعته الشافعية قد نص الخليل بن أحمد وغيره على خلافه، قال الخليل: حصرت الرجل حصرًا منعته وحبسته، وأحصر الحاج عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه، هكذا قال، جعل الأول ثلاثيًا من حصرت، والثاني في المرض رباعيًّا، وعلى هذا خرج قول ابن عباس: لا حصر إلا حصر العدو، قال ابن السكيت: أحصره المرض إذا منعه من السفر أو من حاجة يريدها، وقد حصره العدو يحصرونه إذا ضيقوا عليه فأطافوا به، وحاصروه محاصرة وحصارًا، قال الأخفش: حصرت الرجل فهو محصور، أي حبسته، قال: وأحصرني بولي، وأحصرني مرضي، أي جعلني أحصر نفسي، قال أبو عمرو الشيباني: حصرني الشيء وأحصرني أي حبسني.
قلت: فالأكثر من أهل اللغة على أن (حصر) في العدو، و(أحصر) في المرض، وقد قيل ذلك في قوله تعالى:
{لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} [(273) سورة البقرة] هذا بماذا؟ بعدو وإلا بغيره؟ بغير العدو.
وقال ابن ميادة:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت |
| عليك ولا أن أحصرتك شغولُ |
قال الزجاج: الإحصار عند جميع أهل اللغة إنما هو من المرض، فأما من العدو فلا يقال فيه إلا حصر، يقال: حصر حصرًا، وفي الأول أحصر إحصارًا فدل على ما ذكرناه، وأصل الكلمة من الحبس، ومنه الحصير للذي يحبس نفسه عن البوح بسره، والحصير: الملك؛ لأنه كالمحبوس من وراء الحجاب، والحصير الذي يجلس عليه لانضمام بعض طاقات البردي إلى بعض، كحبس الشيء مع غيره.
الثانية: ولما كان أصل الحصر الحبس قالت الحنفية: المحصر من يصير ممنوعًا من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غير ذلك.
واحتجوا بمقتضى الإحصار مطلقًا، قال: وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الزكام...)) وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، نعم؟
طالب:........
وذكر الأمن في آخر الآية لا يدل على أنه لا يكون من المرض، هو يريد أن يفند قول من قال: إن ذكر الأمن في الآية يدل على أن الإحصار من العدو فقط، نعم.
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((الزكام أمان من الجذام)) وقال: ((من سبق العاطس بالحمد))... الحديث الذي ذكرناه بالأمس ((أمن من الشوص واللوص والعلوص)) الشوص: وجع السن، واللوص: وجع الإذن، والعلوص: وجع البطن، أخرجه ابن ماجه في سننه، وقلت لكم أني من سنين أبحث عنه ولم أجده، ونسبه إلى بعض كتب الموضوعات: اللآلئ المصنوعة، والفوائد المجموعة وغيرها، نعم؟
طالب:........
وجدته؟
طالب:........
في الأوسط؟ أنا في زوائد المعجمين ما وجدته، أما في مجمع البحرين ما هو موجود.
طالب:........
ماذا ذكر؟
طالب:........
هنا؟
طالب:........
هذه؟
طيب، حديث ((من سبق العاطس)) ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة وقال: ضعيف، ضعفه واضح، لكن لماذا لم يذكر في مجمع البحرين؟ هل لأنه موجود في سنن ابن ماجه وهذه زوائد؟ نعم؟ لأنه ما يذكر الذي في الكتب الستة، نعم، فلعله لهذا، وذكرنا بالأمس أنه يحتمل أن يكون في رواية لم تبلغنا، أو لقصور أو تقصير في البحث، الله أعلم، من أهل العلم من نفى أن يكون البخاري خرج حديث ضباعة وهو موجود، لكن لما صار في غير مظنته نفاه.
قال: وإنما جعلنا حصر العدو حصارًا قياسًا على المرض إذا كان في حكمه لا بدلالة الظاهر، يعني الحكم واحد، لا بدلالة الظاهر، إيش معنى دلالة الظاهر؟ يعني أن كون دلالته على العدو أظهر من دلالته على المرض، لا بدلالة الظاهر، وقال ابن عمر وابن الزبير وابن عباس والشافعي وأهل المدينة: المراد بالآية حصر العدو؛ لأن الآية نزلت في سنة ست في عمرة الحديبية حين صد المشركون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مكة.
قال ابن عمر: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي -صلى الله عليه وسلم- هديه وحلق رأسه، ودل على هذا قوله تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ} [(196) سورة البقرة] ولم يقل: برأتم، والله أعلم.
الثالثة: جمهور الناس على أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه، وقال قتادة وإبراهيم: يبعث بهديه إن أمكنه، فإذا بلغ محله صار حلالًا، وقال أبو حنيفة: دم الإحصار لا يتوقف على يوم النحر، بل يجوز ذبحه قبل يوم النحر إذا بلغ محله، وخالفه صاحباه فقالا: يتوقف على يوم النحر، وإن نحر قبله لم يجزه، وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان.
الرابعة: الأكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه الهدى، وهو قول الشافعي، عرفنا فيما مضى أن عددهم ألف وأربعمائة، ومر علينا ذكرهم، وأن معهم سبعين في كلام الحافظ ابن كثير، والسبعين لا تفي للألف وأربعمائة، هذه حجة من يقول: إنه لا يلزم الهدي إلا من ساقه، نعم؟
طالب:........
كيف؟
طالب:........
نعم لم يقضِ، هذا دلالة الهدي؛ لأنه ذبح، ونص عليه في الآية، أما القضاء ما نص عليه في الآية.
طالب: لكن -أحسن الله إليك- هو الآن قاسها بأن بعضهم لم يقضِ وفات أن السبعين لا تكفيهم في الهدي.
لا، هو عدم الذكر ما يعني أنه..، لكن الآية دلت صراحة على الهدي، ولم تدل صراحة على القضاء، نعم؟
طالب:........
صيام عشرة أيام، البقية صاموا؟
طالب:........
نقول: عدم الذكر هنا لا يعني عدم الوجود، هذه حجة من يقول بأن..، اسمع كلام أهل العلم.
الأكثر من العلماء على أن من أحصر بعدو كافر أو مسلم أو سلطان حبسه في سجن أن عليه الهدى، وهو قول الشافعي، وبه قال أشهب، وكان ابن القاسم يقول: ليس على من صد عن البيت في حج أو عمرة هدي إلا أن يكون ساقه معه، وهو قول مالك، ومن حجتهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما نحر يوم الحديبية هديًا قد كان أشعره وقلده حين أحرم بعمرة، فلما لم يبلغ ذلك الهدى محله للصد أمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنحر؛ لأنه كان هديًا وجب بالتقليد والإشعار، وخرج لله فلم يجز الرجوع فيه، ولم ينحره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أجل الصد؛ فلذلك لا يجب على من صد عن البيت هدى.
واحتج الجمهور بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحل يوم الحديبية ولم يحلق رأسه حتى نحر الهدى، فدل ذلك على أن من شرط إحلال المحصر ذبح الهدى إن كان عنده، وإن كان فقيرًا فمتى وجده وقدر عليه لا يحل إلا به، وهو مقتضى قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] وقد قيل: يحل ويهدى إذا قدر عليه، والقولان للشافعي، وكذلك من لا يجد هديًا يشتريه قولان.
الخامسة: قال عطاء وغيره: المحصر بمرض كالمحصر بعدو، وقال مالك والشافعي وأصحابهما: من أحصره المرض لا يحله إلا الطواف بالبيت وإن أقام سنين حتى يفيق، وكذلك من أخطأ العدد أو خفي عليه الهلال، قال مالك: وأهل مكة في ذلك كأهل الآفاق، وهذا كله مر علينا في الموطأ، وإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به وافتدى وبقي على إحرامه لا يحل من شيء حتى يبرأ من مرضه، فإذا برئ من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعًا، وسعى بين الصفا والمروة، وحل من حجته أو عمرته.
وهذا كله قول الشافعي، وذهب في ذلك إلى ما روي عن عمر وابن عباس وعائشة وابن عمر وابن الزبير أنهم قالوا في المحصر يمرض أو المحصر بمرض أو خطأ العدد: إنه لا يحله إلا الطواف بالبيت، وهذا مر في الموطأ كله، وكذلك من أصابه كسر أو بطن منخرق، ماذا عندنا أمس؟
طالب: متحرق.
متحرق نعم، وهنا يقول: أو بطن متحرق، وهنا يقول: منخرق، نعم؟
طالب:........
منخرق؟
وحكم من كانت هذه حاله عند مالك وأصحابه أن يكون بالخيار إذا خاف فوت الوقوف بعرفة لمرضه إن شاء مضى إذا أفاق إلى البيت فطاف وتحلل بعمرة، وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل، نعم أمس أوردنا أنه لا يبقى على إحرامه وإنما يتحلل بعمرة، لماذا؟ لأنه أحرم بحج قبل أشهره، وهنا يقول: إن شاء تحلل بعمرة وإن شاء أقام على إحرامه إلى قابل، وإن أقام على إحرامه ولم يواقع شيئًا مما نهي عنه الحاج فلا هدي عليه.
ومن حجته في ذلك الإجماع من الصحابة على أن من أخطأ في العدد أن هذا حكمه لا يحله إلا الطواف بالبيت، وقال في المكي إذا بقي محصورًا حتى فرغ الناس من حجهم: فإنه يخرج إلى الحل فيلبي ويفعل ما يفعله المعتمر ويحل، فإذا كان قابل حج وأهدى، وقال ابن شهاب الزهري في إحصار من أحصر بمكة من أهلها: لا بد له من أن يقف بعرفة وإن نعش نعشًا، يعني ولو حمل على نعش مثل الميت، واختار هذا القول أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن بكير المالكي فقال: قول مالك في المحصر المكي أن عليه ما على الآفاق من إعادة الحج والهدى خلاف ظاهر الكتاب؛ لأن الكتاب فرق بين حاضري المسجد الحرام وبين غيرهم؛ لقول الله -عز وجل-: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة].
قال: والقول عندي في هذا قول الزهري في أن الإباحة من الله -عز وجل- لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أن يقيم لبعد المسافة يتعالج وإن فاته الحج، فأما من كان بينه وبين المسجد الحرام ما لا تقصر في مثله الصلاة فإنه يحضر المشاهد، وإن نعش نعشًا لقرب المسافة بالبيت، وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل من منع من الوصول إلى البيت بعدو أو مرض أو ذهاب نفقة أو إضلال راحلة أو لدغ هامّة بالتشديد وإلا بالتخفيف؟
طالب: بالتشديد.
الهوام هي التي تلدغ، أما الهامة التي هي البوم لا ما تلدغ.
أو لدغ هامّة فإنه يقف مكانه على إحرامه ويبعث بهديه أو بثمن هديه، فإذا نحر فقد حل من إحرامه، كذلك قال عروة وقتادة والحسن وعطاء والنخعي ومجاهد وأهل العراق؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] الآية، هذا رأي أبي حنيفة ومعروف عند الحنابلة، قد نأتي إلى حديث ضباعة.
السادسة: قال مالك وأصحابه: لا ينفع المحرم الاشتراط في الحج إذا خاف الحصر بمرض أو عدو، وهو قول الثوري وأبي حنيفة و أصحابهم.
والاشتراط أن يقول إذا أهل: لبيك اللهم لبيك ومحلي حيث حبستني من الأرض، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور: لا بأس أن يشترط وله شرطه، وقاله غير واحد من الصحابة والتابعين، وحجتهم حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أنها أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني أردت الحج أأشترط؟ قال: ((نعم)) قالت: فكيف أقول؟ قال: ((قولي: لبيك اللهم لبيك، ومحلي من الأرض حيث حبستني)) أخرجه أبو داود والدارقطني وغيرهما، قال الشافعي: لو ثبت حديث ضباعة لم أعده، وكان محله حيث حبسه الله.
قلت: قد صححه غير واحد، منهم أبو حاتم البستي وابن المنذر، قال ابن المنذر: ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لضباعة بنت الزبير: ((حجي واشترطي)) وبه قال الشافعي إذ هو بالعراق، ثم وقف عنه بمصر، قال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول، وذكره عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن طاووسًا وعكرمة أخبراه عن ابن عباس قال: جاءت ضباعة بنت الزبير إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني امرأة ثقيلة وإني أريد الحج، فكيف تأمرني أن أهل؟ قال: ((أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني)) قال: فأدركت، يعني حجت، وهذا إسناد صحيح، يعني خفي عليه أن الحديث في الصحيحين، ومعروف أن المفسر القرطبي بضاعته في الحديث ضعيفة؛ ولذا تجده ينسب الحديث في البخاري ينسبه إلى ابن ماجه، هذا كثير عنده، فبضاعته في الحديث ضعيفة، ليس من أهل الحديث، وليس الحديث صنعته، ولو كان محدثًا مع هذا الجمع الجامع النافع الماتع الذي أتى على جل ما يحتاجه طالب العلم، لا سيما في أحكام القرآن، وبسط القول في مسائله، يذكر عن بعض الآيات ستين، سبعين، ثمانين مسألة، في آية واحدة، فهو كتاب عظيم لا يستغني عنه طالب علم، يبقى أن الأحاديث لا بد من خدمتها، كنت قد شرعت في ذلك قبل سنين فرأيت أنها كثيرة جدًّا، يعني بالمجلد الأول ستمائة حديث، إذا قلنا: الكتاب عشرين مجلدًا يعني اثنا عشر ألف حديث يحتاج إلى عمر وتفرغ تام، ويذكر أن الذي خدم تفسير الطبري وتفسير الدر المنثور وغيرهما من التفاسير وكتب الفقه الآن يشتغل عليه، نعم؟
طالب:........
ما هو بعد.....
طالب:........
لا، لا هو مشكل، مشكل، لا، كتاب كبير يعني يحتاج إلى تفرغ، إلا إنسان يوزعه على ناس يشتغلون ويشرف إشرافًا، هذا سهل، لكن الكتاب كبير.
طالب:.......
لا، تخريج ضعيف، طبع مرارًا بتخريجات ضعيفة، ما تكفي.
طالب:........
لا، لا هذا غيره ممن له صلة بالحديث نفى أن يكون البخاري رواه، تدري أنه خرجه في النكاح؟ باب الأكفاء في الدين، وخرج الحديث وكانت تحت المقداد، بنت الزبير بن عبد المطلب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- ومع ذلك كانت تحت المقداد مولى، نعم فنزع إلى هذه الكلمة وهو يكرر بعض الأحاديث عشرين مرة، وهذا يعني صعب علينا نكرره في الحج من أجل أن يجده الناس؟ رحمة الله عليه، الله المستعان.
طالب:........
القرطبي الطبعة الثانية لدار الكتب المصرية المقابلة على ثلاثة عشر نسخة، هذه أفضل الطبعات، يبقى خدمة الكتاب من ناحيتين: الأحاديث، تخريج وتصحيح وتضعيف، الناحية الثانية: العقيدة، لا بد من التنبيه على المخالفات العقدية في الكتاب.
السابعة: اختلفت العلماء أيضًا في وجوب القضاء على من أحصر، فقال مالك والشافعي: من أحصر بعدو فلا قضاء عليه لحجه ولا عمرته، إلا أن يكون صرورة، صرورة يعني لم يحج قبل حجة الإسلام، إلا أن يكون صرورة لم يكن حج فيكون عليه الحج على حسب وجوبه عليه، وكذلك العمرة عند من أوجبها فرضًا.
وقال أبو حنيفة: المحصر بمرض أو عدو عليه حجة وعمرة، وهو قول الطبري.
وقال أصحاب الرأي: إن كان مهلًا بحج قضى حجة وعمرة؛ لأن إحرامه بالحج صار عمرة؛ لأنه تحلل بعمرة نعم صارت عليه هذه العمرة ويقضي ما أحرم به وهو الحج، وإن كان قارنًا قضى حجة وعمرتين، وإن كان مهلًا بعمرة قضى عمرة، وسواء عندهم المحصر بمرض أو عدو على ما تقدم، واحتجوا بحديث ميمون بن مهران قال: خرجت معتمرًا عام حاصر أهل الشام ابن الزبير... إلى آخره.
المقصود أن مع النبي -عليه الصلاة والسلام- عدد ألف وأربعمائة ولم يحفظ أنهم كلهم قضوا من عام قابل، فالقضاء يحتاج إلى نص ملزم، والذي يظهر أنه لا قضاء عليه، وأما كون الحصر يشمل المرض والعدو فهذا هو المتجه؛ لأن العلة واحدة، إنسان ممنوع من أن يصل إلى البيت، نقول: اجلس على إحرامك حتى تشفى ولو قرر الأطباء أنك محكوم عليك بالإعاقة الدائمة مقتضى كلامهم أنه خلاص حتى يشفى، ولو يطاف به منعوشًا، كيف؟ الحمد لله محصر ويذبح، نعم؟
طالب:........
أبدًا، بل العدو يتصور أنه في بعض الحالات أسهل من بعض الأمراض، نعم؟
طالب:........
إذا أحصر وصد عن المشاعر يتحلل، ما المانع؟
طالب:........
مع الاستطاعة كغيرها من الأحكام؛ لأنه نص عليها، مشارطة بينه وبين قريش، سميت عمرة القضاء، لأنهم قاضاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بها.
طالب:........
ليس من باب القضاء، لا.
فاض في المسائل كثيرة.
طالب: الاشتراط يا شيخ -أحسن الله إليك- ماذا يظهر لك: مطلق وإلا مقيد؟
هو ما عرف الاشتراط إلا في حديث ضباعة، وعلى هذا من كانت حاله مثل حال ضباعة يشترط وأما لا فلا، نعم؟
طالب:........
الشيخ الشنقيطي أيضًا ذكر مسائل وذكر فروع جلها من القرطبي، لكن حرر بعض المسائل حينما يقول -رحمه الله تعالى-؛ لأن أول الكلام كله مأخوذ من القرطبي بحروفه.
طالب: لكن تأتي أسطر مثل حجة ضباعة يرى الاشتراط.
نعم، لا، حرر بعض المسائل، قال: قال مقيده، وفيه مسائل، أحكام منقولة عمن بعد القرطبي، وأيضًا تحرير مسائل، وربطها بقواعدها الأصلية، نعم؟
طالب: من أسباب النزول.
يقول: نزلت في صد المشركين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وهم محرمون بعمرة عام الحديبية عام ست بإطباق العلماء.
وقد تقرر في الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول فلا يمكن إخراجها بمخصص، فشمول الآية الكريمة لإحصار العدو الذي هو سبب نزولها قطعي، فلا يمكن إخراجه من الآية بوجه.
هذا كلام ابن عبد البر في درس الأمس، إن الآية فيمن حصر بمرض وقصة الحديبية من أحصر بعدو، نعم؟
طالب:........
فيه ما فيه، أقول: فيه ما فيه.
يقول: كونها قطعية هنا، يقول: وروي عن مالك -رحمه الله- أن صورة سبب النزول ظنية الدخول لا قطعية، وهو خلاف قول الجمهور، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله...، لعل منزع هذا القول أن سبب نزول هذه الآية هو هذه القصة قد لا يكون إثباتها بسبب قطعي، فلظنية ثبوتها تبع ذلك دلالتها، لكن يبقى أنه لو قدر أنه دخل شخص عليه آثار الحاجة والفاقة ثم أمر أحد من الأغنياء بأن يعطى كل فقير -لو رأى هذا الشخص- أن يعطى كل فقير مائة ريال مثلًا هل نقول: إن هذا الفقير الذي دخل الذي هو سبب هذا الأمر ما يدخل؟ ما يعطى؟ هذا قطعي دخوله، عامة أهل العلم على هذا أن دخول سبب النزول قطعي.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لنا رجحانه بالدليل من الأقوال المذكورة هو ما ذهب إليه مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه أن المراد بالإحصار في الآية إحصار العدو، وأن من أصابه مرض أو نحوه لا يحل إلا بعمرة.
لأن هذا هو الذي نزلت فيه الآية، ودل عليه قوله تعالى: {فَإِذَآ أَمِنتُمْ} [البقرة: 196]... الآية، ولا سيما على قول من قال من العلماء: إن الرخصة لا تتعدى محلها، وهو قول جماعة من أهل العلم، وأما حديث عكرمة الذي رواه الحجاج بن عمرو وابن عباس و... نعم؟
طالب:........
وأبي هريرة -رضي الله عنهم- ماذا؟ فيه سقط.
فلا تنهض به حجة لتعين حمله على ما إذا اشترط، على ما هذا اشترط كثيرة الأخطاء الطبعة هذه، على ما إذا اشترط ذلك عند الإحرام، بدليل ما قدمنا من حديث عائشة عند الشيخين، وحديث ابن عباس عند مسلم، وأصحاب السنن، ثم ذكر حديث ضباعة.
الفرع الأول: إذا كان مع المحصر هدي لزمه نحره إجماعًا، وجمهور العلماء على أنه ينحره في المحل الذي حصر فيه، حلًّا كان أو حرمًا، وقد نحر -صلى الله عليه وسلم-... إلى آخره.
الفرع الثاني: إذا لم يكن مع المحصر هدي فهل عليه أن يشتري الهدي ولا يحل حتى يهدي أو له أن يحل بدون هدي؟ ذهب جمهور العلماء إلى أن الهدي واجب عليه، فلا يجوز له التحلل بدونه إن قدر عليه، ووافق الجمهور أشهب من أصحاب مالك، وخالف مالك وابن القاسم الجمهور في هذه المسالة، فقالا: لا هدي على المحصر إن لم يكن ساقه معه قبل الإحصار، وحجة الجمهور واضحة وهي قوله تعالى: {فَإِنْ اُحْصِرْتُمْ فَمَا استيسر مِنَ الهدي} [البقرة: 196] وذكرنا أن ما استيسر يراد به ما تيسير، وهذا اليسر يعني في التخيير بين أنواع ما يهدى احتمال أن يكون بين الإبل والبقر والغنم المتيسر منها أو بين الذبح وعدمه، وهذا أيضًا احتمال، نعم؟
طالب:........
يعني التخيير يكون بين أنواع ما يهدى.
قال بعض أهل العلم: لا بدل له إن عجز عنه، ممن قال لا بدل لهدي المحصر أبو حنيفة، فإن المحصر عنده إذا لم يجد هديًا يبقى محرمًا حتى يجد هديًا أو يطوف بالبيت.
مسائل وفروع كثيرة يعني لا بد من مراجعتها في الكتابين، لا بد من مراجعة تفسير هذه الآية في الكتابين، فيها فروع نافعة ويحتاجها طلاب العلم، ولولا أنها تحتاج إلى أكثر من درس لأكملناها.
طالب:........
كيف؟
طالب: أهل مكة.
أهل مكة استثنوا من الهدي الواجب بالاتفاق، وهو هدي المتعة والقران، أقول: استثنوا، نعم؟
طالب:........
الآن مختلف في غيرهم فكيف بهم؟
يقول: ذكرت أنه لم ينقل أن الذين صدوا عن البيت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنهم نحروا أو لم ينحروا، في الصحيحين من حديث جابر قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر؛ كل سبعة منا في بقرة، نعم؟
لكن ما معهم إلا سبعين، هذا الذي معهم.
فكيف التوجيه، وعلى هذا ألا يكون قوله تعالى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [(196) سورة البقرة] للوجوب في أصل النحر والتسهيل في النوع؟
هو الذي يرشح ويرجح الوجوب التخيير بين أو الانتقال مع عدم الهدي إلى الصيام.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في بناء الكعبة:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) قال: فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "لئن كانت عائشة -رضي الله عنها- سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم".
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت".
وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب -رحمه الله تعالى- يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: "ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: ما جاء في بناء الكعبة" واختلف في أول من بناها فقيل: أول من بناها الملائكة، وقيل: آدم، وقيل: شيث، والقرآن ينص على أن إسماعيل وإبراهيم بنياها، والحافظ ابن كثير يرجح أن أول من بناها إبراهيم؛ لأنه هو المنصوص عليه، ولا يوجد نص يدل على أنها بنيت قبل ذلك.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر" نعم؟
طالب:........
رواية الأكابر عن الأصاغر "عن عائشة" بلغه الخبر عن عائشة "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألم تري أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) قصرت بهم النفقة، ما استطاعوا أن يتمموا بناء الكعبة بكاملها قصروا دون قواعد إبراهيم ((اقتصروا عن قواعد إبراهيم)) "قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟" الآن بالإمكان، النفقة موجودة، فلماذا لم ترد على قواعد إبراهيم؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت))" لأن مثل هذا فتنة للناس، الأمور المعظمة شرعًا كونها تعرض للهدم والبناء لا شك أن مثل هذا يوجد في القلوب شيء، لا سيما من لم يتمكن الإيمان من قلبه "((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت)) قال: فقال عبد الله بن عمر: "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم" هذا الذي تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام- والذي منعه منه حدثان القوم بالكفر فعله ابن الزبير لما تولى، فحقق هذه الأمنية، لكن هل استمر على ذلك؟ لم يستمر، هدمت لما حاصر الحجاج ابن الزبير، ونصب المنجنيق، وتهدمت جوانبها أعادها كما كانت على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي عهد أبي جعفر استشار الإمام مالك في أن تعاد على قواعد إبراهيم، لا سيما والمفسدة مندفعة بعد أن مضى قرون من انقراض هؤلاء الذين عهدهم بالكفر جديد -حديث-، فرأى أبو جعفر أن تعاد على قواعد إبراهيم، وهذا ما تمناه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمنعه الإمام مالك لئلا تكون ملعبة بأيدي الملوك، كل ملك من الملوك يتولى من جديد يتصرف، فشخص أقول: ملك يستدل بالفعل، وملك يستدل بالقول، وهكذا إلى قيام الساعة؛ ليحصل على شرف خدمة البيت، شخص من هؤلاء الملوك يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- تمنى، ولماذا لا نفعل والنفقة موجودة وحدثنان العهد انتهى؟ والثاني يقول: لا، بقعة طاف بها النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذه الهيئة لا بد أن نطوف عليها وهي على هذه الهيئة، فكل واحد ينقض كلام الثاني وتصير ملعبة للملوك، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-، ومثل هذه التصرفات المتتابعة لا شك أنها تزيل هيبتها من القلوب.
"((لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت))" يعني لأعدتها على قواعد إبراهيم "قال: فقال عبد الله بن عمر: "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هو لا يشكك في رواية الخبر، والخبر ثابت في الصحيحين وغيرهما، لكن هو ليرتب عليه حكم "لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أرى -يعني ما أظن- الرسول -عليه الصلاة والسلام- ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر -يعني في جهة الشمال- إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم".
ولذلك عيب على ابن عمر أنه لا يستلم من البيت إلا الركنين كما في مسلم، لا يستلم من البيت إلا الركنين ويترك ركنين، لماذا؟ وغيره وجد في عصره من يستلم الأركان الأربعة، ويقول: ليس شيء من البيت مهجورًا.
فابن عمر قال: هكذا رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يستلم الركنين فقط، والعلة هي ما أشار إليه هنا؛ لأنه ليس على قواعد إبراهيم، ولذلك الركنان الشاميان لا يستلمان، ويقتصر في الاستلام على الركنين اليمانيين؛ لأنهما على قواعد إبراهيم، نعم؟
طالب:........
فعل كونه يمسح؟
طالب:........
عمله بالسنة؛ ولذلك ما مسحه، لو تبرك كان مسح بقية الأركان، وبقية أجزاء الكعبة، لكنه اتباع.
طالب:........
لا، تبرك.
طالب:........
على كل حال هو له اجتهادات لكن ما ووفق عليها، -رضي الله عنه وأضاه-.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عائشة أم المؤمنين قالت: "ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت" لأن الحجر من البيت، فإذا صلت في الحجر فقد صلت في البيت، لكن هل دخوله حقيقة أو حكمًا، بمعنى أنه من البيت وقصرت النفقة دونه و.... عليه..... حجة يعني مع البيت، ليطوف الناس من ورائه، لكن لو نذر شخص أن يصلي في البيت أو أقسم أن يصلي في البيت، ثم بعد ذلك منع من دخول البيت وصلى بالحجر يكون بر بقسمه ووفى نذره أو لا؟ نعم؟
طالب:.........
هل يرجع إلى نيته، أو يرجع إلى العرف؟
طالب: لو رجع إلى.....
الإمام مالك يرى أنه يرجع إلى نيته، ما في نيته يكفيه، والجمهور على أن الأيمان والنذور مبناها على العرف، لكن عندنا حقيقة شرعية للبيت تشمل الحجر، فهل إذا عمل بهذه الحقيقة الشرعية يكون أدى ما عليه؟ أو نقول: لا بد أن يصلي فيما تعارف عليه الناس أنه هو البيت؟ وحينئذٍ يلزمه ما يلزمه؟ نعم؟
طالب: الحقيقة الشرعية في العرف عند خلو الحقيقة الشرعية.
لا شك أنها حقيقة شرعية، لكن لا يظن، أهل العلم يقررون أن الأيمان والنذور مبناها على العرف، لكن افترض أن شخصًا ما دري أن هذا من البيت، ما عرف أن هذا من البيت، هذا ما عرف أن الحجر من البيت، وأقسم أن يصلي في البيت، ولا في ذهنه إلا هذا المغلق عليه الباب، نعم؟
طالب:........
لا، له أن ينتقل من الأسفل إلى الأعلى، من الأدنى إلى الأعلى ولا عكس، نعم، وأيهما أعلى داخل البيت وهذا الذي في نيته، وفي عرفه ولا يعرف غيره أو خارج المحجور؟ وهو منه من الأصل، هذا أولى، فما ينتقل من الأعلى إلى الأدنى، ظاهر هذا، أقول: مبنى الأيمان والنذور لا شك أنه لا بد أن يحتاط لها، عامة أهل العلم على أن مبناها على العرف.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سمع ابن شهاب يقول: سمعت بعض علمائنا يقول: "ما حجر الحجر فطاف الناس من ورائه إلا إرادة أن يستوعب الناس الطواف بالبيت كله" ما دام هو من البيت، الحجر من البيت، فلا بد أن يكون الطواف من ورائه لأنه جزء من البيت، فلو طاف إنسان ودخل في الحجر لم يصح طوافه؛ لأنه لم يستوعب أجزاء البيت، فلا بد أن يكون الطواف من ورائه.
طالب: الحجر لماذا سمي حجر إسماعيل.
والله ما أعرف أصلها، لكنه لأنه حجر.
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الرمل في الطواف:
حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف".
قال مالك: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف ويمشي أربعة أطواف.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة يقول: "اللهم لا إله إلا أنت وأنت تحيي بعد ما أمتا" يخفض صوته بذلك.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- أحرم بعمرة من التنعيم، قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى، وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: الرمل في الطواف" الرمل: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى، وهو دون الخبب، دون السعي، لكنه فوق المشي العادي.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن جعفر بن محمد" المعروف بالباقر، جعفر بن محمد بن علي بن الحسين الباقر جعفر الصادق "عن أبيه" محمد بن علي بن الحسين الذي هو الباقر، فجعفر هو الصادق، وأبوه محمد بن علي هو الباقر "عن جابر بن عبد الله" الصحابي الجليل، راوي الحجة النبوية في مسلم وفي غيره، وهذا قطعة من حديثه الطويل في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه ثلاثة أطواف" وهذا في حجة الوداع، رمل من الحجر الأسود حتى انتهى إليه، بمعنى أنه استوعب الأشواط الثلاثة بالرمل، وأما في عمرة القضاء فكان رمله من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ويمشي بين الركنين، لماذا؟ لأن المشركين الذين قالوا ما قالوا، وشرع الرمل من أجل مقالتهم ولدفعها وردها كانوا من جهة الحجر، لا يرونهم إذا كانوا بين الركنين، فيمشون؛ لأنهم لا يرون، ويحققون الحكمة من الرمل، وأما في حجة والوداع وقد انتهى سبب التشريع وعلته رُجع إلى الأصل؛ لأن الترك إنما هو من أجل مراءاة المشركين، وإغاظة المشركين، والإبقاء على من قدم من بعيد، ثم ارتفعت هذه العلة، وبقي الرمل مع ارتفاع علته؛ لأنه لا يوجد من يقول: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب ومع ذلك بقي الحكم، وهذا من الأحكام التي شرعت لعلة فارتفعت العلة وبقي الحكم كالقصر، القصر الأصل في مشروعيته {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] فارتفع الخوف صار صدقة، وهذا أيضًا ارتفعت علته وبقي حكمه، وما صار للمشي بين الركنين مبرر؛ لأنه لا يوجد من يراءى في مثل هذا، والمراءاة هذه من أجل إغاظتهم، يعني ما هو بالفعل الدافع لهذا الفعل تشريكهم به مع الله -جل وعلا- ليكون من باب الرياء، لا، وإن جاء لفظ المراءاة لكن المقصود بها الإغاظة، إغاظة الكفار {وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [(120) سورة التوبة] وهذا يغيظهم، وما يذكر عن بعضهم أنه إذا كان وطء نسائهم يغيظهم جاز، هذا لا أصل له، يعني الاسترسال في مثل هذا، هذا ينسب لبعض أهل العلم، لكن مع ذلك قول ساقط، بعضهم أطلقوا.
المقصود أنه في عمرة القضاء يمشي بين الركنين، وفي حجة الوداع يستوعب الأشواط الثلاثة بالرمل.
"قال مالك: "وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا" يعني أنهم يرملون في الأشواط الثلاثة من أول طواف يطوفه الداخل في النسك، هذا هو الذي عليه الأمر ببلده وهو اختيار أهل العلم، إلا من قال: إن هذه ارتفعت وليست سنة، وإنما هي لعلة وارتفعت كما يذكر عن ابن عباس، المقصود أنها بقيت ورمل الصحابة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورمل النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وجود العلة، كونه رمل في حجة الوداع يدل على أنه حكم باقٍ إلى قيام الساعة.
على كلٍّ الرمل قد لا يتمكن منه الإنسان مع الزحام، فهل نقول لمن قدم وشرع في حقه الرمل: ابتعد عن محل الزحام وطف من وراء الناس وارمل؟ أو نقول: الأفضل أن تقرب من الكعبة ولو تركت هذه السنة؟ أهل العلم يقررون أن الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى بالمحافظة من الفضل المرتب على مكانها أو زمانها ما لم يكن المكان أو الزمان مما يشترط لصحتها، أما إذا كان أفضل فالمفاضلة بين ما يتعلق بذات العبادة وبين ما يتعلق بمكانها وزمانها، أهل العلم يرجحون ما يتعلق بذاتها.
طالب:........
الرمل أفضل، ولو أبعد؛ لأن هذا يحقق فضل في ذات العبادة.
طالب:........
على كل حال الطواف الذي فيه الرمل هو أول طواف يطوفه القادم، يسمى طواف القدوم، سواءً كان للقدوم بالفعل الذي هو سنة، أو ركن العمرة، أو ركن الحج، بمعنى أنه لو جاء الحاج مفردًا أو قارنًا وذهب إلى عرفة مباشرة وما طاف للقدوم، طاف طواف الإفاضة يرمل؛ لأن هذا أول طواف يطوفه القادم، أما المقيم بمكة نعم في آخر الباب، "كان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة"؛ لأنه مرتبط بالقدوم، وأصل المشروعية فيها: يقدم محمد وأصحابه، فدل على أن لهذه المادة أثر في الحكم.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرمل من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ثلاثة أطواف ويمشي أربعة أطواف" يعني كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع.
"وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:........
ما الذي يحرم بعمرة؟ خلاص رمل أو لما قدم يكفيه.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يسعى الأشواط الثلاثة يقول: "اللهم لا إله إلا أنتا وأنت تحيي بعد ما أمتا" يعني يسعى يرمل وإلا فالسعي أشد، السعي أشد من مجرد الرمل، لكن يستعار هذا لهذا وهذا لهذا؛ ولذا يقولون: طاف بين الصفا والمروة، وسعى حول البيت، وهنا يقول: يسعى الأشواط الثلاثة، وإلا فالأصل أن الطواف مع الرمل بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة بين العلمين.
"وكان يقول: اللهم لا إله إلا أنتا، وأنت تحيي بعد ما أمتا" وهذا شعر، فهل يقول الطائف شيئًا من الشعر؟ هذا فعل صحابي عن أبيه عروة بن الزبير تابعي، فهو مقطوع، وهذا اجتهاد منه، وإن اقتصر على ما ورد من الأدعية لا سيما المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو جاءت من أدعية الكتاب أو السنة، أو الأدعية المطلقة التي لا محظور فيها كان أولى.
"يقول: اللهم لا إله إلا أنتا، وأنت تحيي بعد ما أمتا، يخفض صوته بذلك" لئلا يظن أنه مرفوع فيتعبد به، فمثل هذه الاجتهادات التي يجتهدها بعض الناس، ويخشى من اقتداء غيره به مثل هذا يخفيه؛ لئلا يتعبد بغير مشروع.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة" مثل ما في الخبر الذي قبله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى" لأنه ما قدم فلا يطوف للقدوم، إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت إلا إذا رجع، حتى يرجع من منى، يعني بعد رمي جمرة العقبة؛ لأنه لم يقدم، والطواف للقدوم إنما يشرع للقادم، والسعي إنما يصح بعد طواف مشروع، وهذا لم يشرع فيه الطواف، إذًا لا يسعى بعده "كان إذا أحرم من مكة لم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى يرجع من منى" يعني بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر، "وكان لا يرمل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة" لأن الرمل مرتبط بأول طواف يطوفه إذا قدم، وهو لم يقدم، فلا يشرع في حقه.
طالب:........
هو مشي، الأكثر مشي، والحكم للغالب لماذا لا يقال: المشي بين الصفا والمروة؟ تريد هذا؟
طالب:........
نعم؛ لأن الحكم للغالب.
طالب:........
فاسعوا.
طالب: فلا جناح عليه.
أن يطوف، لكن السعي أعم من أن يكون المشي الشديد أو المشي مع السكينة والوقار {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [(9) سورة الجمعة]، ومع ذلك لو سعى من بيته إلى الجمعة يشرع وإلا ما يشرع؟ لا يشرع، المقصود أن المسألة فيها سعة -إن شاء الله-.
طالب:........
لا، هذا ما قدم، ما قدم.
طالب: كما فعل ابن الزبير، عبد الله بن الزبير.
نعم.
طالب: كان إذا أخذ عمرة من التنعيم يرمل، بينما ابن عمر لأنه في مكة ما يرمل.
لكن هل مثل هذا الآن يسمى قادم وإلا ما يسمى قادم؟ يسمى من حاضري المسجد الحرام أو من غير....؟
طالب: عبد الله من الحاضر.
لا، هو من حاضري المسجد الحرام على كل حال، وأهل مكة يختلفون في مثل هذه الأحكام عن غيرهم.
طالب:........
أين؟
طالب: هو من أهل مكة.
من أهل مكة وأحرم من الميقات.
طالب:........
هذا قادم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: الاستلام في الطواف:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف: ((كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن؟)) فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبت)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها، وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"باب: الاستلام في الطواف" استلام الأركان الأربعة، عرفنا أن الركنين الشاميين لا يستلمان، ولا يشار إليهما، والركن اليماني باقٍ على قواعد إبراهيم فيستلم، فإن تيسر استلامه وإلا فلا يشار إليه، والركن الذي فيه الحجر فيه أكثر من مزية، باقٍ على قواعد إبراهيم، وفيه أيضًا الحجر، وحينئذٍ إن أمكن تقبيله واستلامه باليد وإلا فالإشارة إليه... أو يستلم بواسطة محجن أو شبهه، أو يشار إليه بالمحجن والعصا، أو يشار إليه باليد، ففيه أكثر من مزية.
"قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين" بلغه من طريق الصادق عن الباقر عن جابر، نعم في الحديث السابق، فهي صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم، وهو مروي بهذه السلسلة "أنه كان إذا قضى طوافه بالبيت وركع الركعتين، وأراد أن يخرج إلى الصفا والمروة استلم الركن الأسود قبل أن يخرج" فيستلمه في كل شوط من الأشواط، ويستلمه أيضًا إذا انتهى.
"وركع الركعتين" ركعتي الطواف، وسيأتي الحديث عنهما، "وأراد أن يخرج إلى الصفا" بعد فراغه من الطواف وما يتعلق به "استلم الركن الأسود قبل أن يخرج" إذا كان لا يستطيع أن يستلم، وقلنا: إنه إذا لم يستطع في جميع الأشواط يشير، فهل يشير إذا لم يستطع بعد الركعتين؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه كلما حاذى الركن كبر، وسيأتي في باب جامع الطواف أن التكبير والإشارة تكون في البداية والنهاية، في الفاتحة والخاتمة، كما جاء في حديث جابر، فهل يشير ويكبر إذا انتهى من الركعتين ولم يتمكن من الاستلام؟ لأن هذا هو البدل.
طالب:........
كيف؟
طالب:........
يشير كبقية الأشواط، كالأشواط إذا لم يستطع الاستلام فإنه يشير ويكبر، وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعبد الرحمن بن عوف: ((كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن؟)) فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت" استلمت لما استطعت، وتركت عندما عجزت وشق علي، "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبت))".
وعلى هذا فلا يزاحم على الحجر فيشق على نفسه ويشق على الناس، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب؛ لأنه رجل قوي قد يؤثر على من حوله إذا أصر على الاستلام، كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لشدة اقتدائه واتباعه أنه يصر على الاستلام حتى يرعف خشمه -أنفه-، يرعف الدم، ويصر على الاستلام، يعود ثانية وثالثة ويدفع، لكن ليس هذا من السنة، وهذا من اجتهادات ابن عمر التي لم يوافق عليها.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها"، "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه -عروة بن الزبير- كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها، وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه" الأركان كلها يعني الأربعة أو التي على القواعد؟ هو وجد من بعض الصحابة استلام الأركان الأربعة، وأنه ليس شيء من البيت مهجور، فهل هذا منه أنه يستلم الأربعة أو يقتصر على الركنين؟ الظاهر أنه يقصد الأربعة، يستلم الأركان كلها، ومع ذلك في اليماني؛ لأنه على القواعد يحرص عليه أشد من غيره "وكان لا يدع اليماني إلا أن يغلب عليه" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"