تعليق على تفسير سورة البقرة (57)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين.
قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:174-176].
يَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ} [البقرة:174] يعني: اليهود الذين كتموا صفة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- في كتبهم التي بأيديهم مما يشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك؛ لئلا تذهب رياستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم، فخشوا- لعنهم الله- إن أظهروا ذلك أن يتَّبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاءً على ما كان يحصل لهم من ذلك، وهو نَزرٌ يسير، فباعوا أنفسهم بذلك، واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول، والإيمان بما جاء عن الله، بذلك النزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن الله أظهر لعباده صدق رسوله بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات، والدلائل القاطعات، فصدَّقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه، وصاروا عونًا له على قتالهم، وباءوا بغضبٍ على غضب، وذمهم الله في كتابه في غير ما موضع".
طالب: بحذف ما؟
ما زائدة ما فيها إشكال تُزاد في مثل هذا الموضع، لكن هي زائدة على كل حال وإلا عندنا ما فيه (ما).
طالب:..........
نعم.
طالب:..........
على كل حال زيادتها وحذفها سواء ما تؤثر.
طالب: في غير ما وضع؟
في غير موضع.
طالب: موضع.
في غير موضع يعني: من كتابه.
"وذمهم الله في كتابه في غير موضع، فمن ذلك هذه الآية الكريمة {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:174] وهو عرض الحياة الدنيا {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:174] أي: إنما يأكلون ما يأكلونه في مقابلة كتمان الحق، نارًا تأجج في بطونهم يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]"
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد.
تقدَّم قبل آياتٍ يسيرة ما يُشبه هذه الآية في قوله –جلَّ وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:159-160] وهناك قال الحافظ ابن كثير: إنها نزلت في أهل الكتاب كما قال هنا، وأورد هناك حديث أبي هريرة المُخرَّج في الصحيح "لَوْلَا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ"، وفي بعض الروايات "لَوْلَا آيتان فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ" {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة:159] وبعض المُخرجين لصحيح البخاري ذكروا رقم الآيتين الأوليين، وبعضهم ذكروا رقم الآيتين الأخريين؛ لأنه ما أكمل {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة:159] إلى آخره في البخاري.
فأيهما أليق بمقالة أبي هريرة؟ لأنه هنا يقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:174].
طالب:..........
الآيات الأولى أَولى.
طالب:..........
نعم.
طالب:..........
{مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} [البقرة: 159-160]، ولذلك الحافظ ابن كثير أورد خبر أبي هريرة عند الآية الأولى، لكن ألا ينطبق على من يكتم العلم، ويكتم ما أنزل الله سواءً كان من القرآن أو من السُّنَّة يدخل في هذه الآية {وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة:174] الوعيد حاصل في الآيتين، فما وجه كون الأولى أولى بكلام أبي هريرة من الثانية؟ مثل ما قلت في البخاري: الذين أخرجوا الصحيح بعضهم ذكر رقم الآية الأولى، وبعضهم ذكر رقم الآية الثانية، وهما يشتركان في الكتمان، والوعيد الشديد على مَن كتم {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:174]. {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]. كلها وعيد شديد، نسأل الله العافية.
طالب:..........
من لازم الكتمان الشراء، لماذا يكتم؟ لماذا يكتم في الموضعين، ما الذي دعاه إلى الكتمان؟
طالب:..........
لأنه الشراء يُفهم من قوله: {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} [البقرة:174] مثل الشراء في الآية الأولى، {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا} [البقرة:175] نريد مرجحًا يُركن إليه ويُطمئن إليه بأن تكون الآية....أبو عبد الرحمن هات "فتح الباري" الأول الذي نحن نقرأ له.
طالب:..........
الأول "فتح الباري" كمِّل..كمِّل.
"وفي الحديث الصحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ»، وقوله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174]"
الذي يأكل أعم مِن أن يكون ذكرًا أو أنثى، فالتحريم شامل للرجال والنساء مع أن الحلية جائزة بالنسبة للنساء حرامٌ على ذكور هذه الأمة، لكن الأكل والشرب ليس من الحلية يستوي فيه الرجال والنساء، والتنصيص على الأكل والشرب؛ لأنه أوجَه وأوضح وجوه الانتفاع، أوضح وجوه الانتفاع؛ ولذا الجمهور على أن جميع الاستعمالات داخلةٌ في الوعيد.
يقول –رحمه الله-: باب حفظ العلم، ثُم ذكر بسنده عن أبي هريرة قال: "إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة". يعني من رواية الحديث دون غيره "ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثًا، ثُم يتلو: {إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة:159] إلى قوله: {الرَّحِيمُ} [البقرة:160]. الثانية فيها: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة:174].
{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة:174] فقوله: {يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة:159] يدل على أنه أراد الموضع الأول إلى قوله: {الرَّحِيمُ} [البقرة:160]. "إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون ويحفظ ما لا يحفظون" وأورده البخاري تحت قوله: باب حفظ العلم، وأبو هريرة لا شك أنه حافظ الصحابة، أحفظهم على الإطلاق قد روى من الأحاديث ما لم يروه غيره، ولا يُقرِّبه ولا يُدانيه فيه أحدٌ من الصحابة.
إلى قوله {الرَّحِيمُ} [البقرة:160] وهذه في الموضع الأول، يعني: آيتان، "ولولا آيتان من كتاب الله"، والذي ساقه ابن كثير –رحمه الله- "لولا آيةٌ في كتاب الله".
على كل حال الفرق يسير، لكن هنا يتضح الاهتمام بالترقيم؛ لأن بعض من يُخرج الكتب ينظر إلى الطرف يضع الرقم ولو لم يكن مطابقًا للمضمون يعني: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور:61] يضع رقم الآية والسورة وإن ما تُكمل الآية، فأحيانًا يضع الرقم والموضع موضع جهات على آية..
طالب: النور.
النور والعكس أحيانًا الموضوع موضع أكل ويضع آية...
طالب: الجهاد.
نعم، فمثل هذا مُشكِل لابد أن توضع الأرقام مناسبةً لِما يُطابق المقام.
نعم يا شيخ.
"وقوله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:174] وذلك لأنه تعالى غضبانٌ عليهم، لأنهم كتموا وقد علموا، فاستحقوا الغضب، فلا ينظر إليهم ولا يزكيهم، أي: يثني عليهم ويمدحهم، بل يعذبهم عذابًا أليمًا".
{وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:174]، وجاء في الحديث الصحيح «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» يدخل هؤلاء أم ما يدخلون؟
طالب:..........
ماذا؟ يدخلون، وماذا عن قوله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ} [البقرة:174]؟
طالب:..........
يعني: لا يُكلمهم كلامًا يتلذذون فيه؛ لأن تكليم الله –جلَّ وعلا- للعبد رفعة له؛ ولذا كان من خصائص موسى -عليه السلام- أنه الكليم، أما الكلام الذي فيه تعزير، وفيه شدة وغلظة عليه هذا عدمه أولى منه.
"وقد ذكر ابن أبي حاتم، وابن مردويه، هاهنا حديث الأعمش عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ»".
ولا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء، هذا مقرون بالخيلاء، وإذا تجرد عنها ففي النار. هذا حكم وذاك حكم.
"ثم قال تعالى مُخبرًا عنهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة:175] أي: اعتاضوا عن الهدى".
والباء تدخل على المتروك.
طالب:.........
تقول: اشتريت هذا الإناء بريال، فالمتروك الريال، والمتروك في الآية الهدى.
"وهو نشر ما في كتبهم من صفة الرسول، وذكر مبعثه والبشارة به من كتب الأنبياء، واتباعه وتصديقه، استبدلوا ذلك".
عن ذلك، "استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه".
"استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه بالضلالة، وهو تكذيبه والكفر به وكتمان صفاته في كتبهم والعذاب بالمغفرة، أي: اعتاضوا عن المغفرة بالعذاب، وهو ما تعاطوه من أسبابه المذكورة.
وقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175]".
طالب:..........
ماذا فيه؟
"واعتاضوا عنه بالضلالة" "استبدلوا عن ذلك واعتاضوا عنه بالضلالة" ترى أحيانًا بعض الأساليب، والفعل الداخل هذا بالنسبة للشراء واضح أن الباء تدخل على المتروك؛ لكن بعض الأفعال تحتاج في تعديتها إلى حرفٍ قد يُخالف القاعدة.
طالب:.........
هم قالوا: في أن الباء تدخل على المتروك، هذا هو الأصل، لكن قد يدل السياق على خلافه وإذا أُمِن اللبس جاز.
"وقوله تعالى: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175] يُخبر تعالى أنهم في عذابٍ شديدٍ عظيمٍ هائل، يتعجب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك، مِن شدة".
(مع) عندك من أم مع؟"
طالب: من.
"يتعجب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك، من شدة ما هم فيه من العذاب، والنكال، والأغلال عياذًا بالله من ذلك".
العجب والتعجب من صبرهم على ذلك مع أن هذا المصبور عليه شديد، عذاب ونكال وأغلال- عياذًا بالله من ذلك- فإن كان التعجب من صبرهم، قلنا: مع شدته، كان التعجب من صبرهم ومن شدة العذاب ساغ أن تكون (مِن) في الموضعين، وعلى كل حال صبرهم كافٍ في التعجب الأمر سهل يعني المعنى واضح.
"وقيل معنى قوله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175] أي: فما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [البقرة:176] أي: إنما استحقوا هذا العذاب الشديد؛ لأن الله تعالى أنزل على رسوله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وإبطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوًا، فكتابهم يأمرهم بإظهار العلم ونشره، فخالفوه وكذبوه، وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله تعالى، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهم يكذبونه ويخالفونه ويجحدونه، ويكتمون صفته، فاستهزؤوا بآيات الله المنزلة على رسله; فلهذا استحقوا العذاب والنكال، ولهذا قال: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [البقرة:176].
قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177].
اشتملت هذه الآية، على جملٍ عظيمة، وقواعد عميمة، وعقيدةٍ مستقيمة، كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا عبيد بن هشامٍ الحلبي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن عامر بن شَفي".
شُفي.
عن عامر بن شُفي، عن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، عن أبي ذر: أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما الإيمان؟ فتلا عليه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة:177] إلى آخر الآية، قال: ثم سأله أيضًا، فتلاها عليه، ثم سأله. فقال: «إِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً أَحَبَّهَا قَلْبُكَ، وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً أَبْغَضَهَا قَلْبُكَ»".
هذه من علامات الإيمان أن الإنسان إذا عمل حسنةً فرح بها، وإذا عمل سيئةً ساءته وشغلته حتى يتوب منها.
"وهذا منقطع، فإن مجاهدًا لم يدرك أبا ذر فإنه مات قديمًا".
والعجب من الحاكم وقد أخرجه بهذا السند عن مجاهد عن أبي ذر، وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، لكن الحافظ الذهبي يقول: كيف يكون على شرط الشيخين وهو منقطع؟ وهذا مما يدل على تساهل الحاكم، ومر بنا أمثلة كثيرة في الدروس كلها من تساهل الحاكم الشيء الكثير، والحافظ العراقي إيش يقول؟
وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيحِ إِذْ تُنَصْ صِحَّتُهُ أَوْ مِنْ مُصَنَّفٍ يُخَصْ |
بِجَمْعِهِ نَحْوِ ابْنِ حِبَّانَ الزَّكِي وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَكَالْمُسْتَدْرَكِ عَلَى تَسَاهُلٍ وَقَالَ مَا انْفَرَدْ بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدْ
|
عَلَى تَسَاهُلٍ وَقَالَ مَا انْفَرَدْ بِهِ فَذَاكَ حَسَنٌ مَا لَمْ يُرَدْ
|
بِعِلَّةٍ وَالْحَقُّ أَنْ يُحْكَمْ بِمَا... |
حتى كلام ابن الصلاح فيه تساهل أن يُحكم بالذي ليس فيه علة يُحكم له بالحسن مطلقًا ما هو بصحيح، بل فيه ضعيف كثير جدًّا، وفيه بعض الموضوع، "والحق أن يُحكَم بما يليق" يعني: كل حديث يُحكم عليه بما يليق به من خلال دراسة إسناده، "وَالْحَقُّ أَنْ يُحْكَمْ بِمَا يَلِيقُ، والبُستي" يعني: ابن حبان "يُداني الحاكما" يعني: في التساهل.
وقال المسعودي: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، قال: جاء رجلٌ إلى أبي ذر، فقال: ما الإيمان؟ فقرأ عليه هذه الآية: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة:177] حتى فرغ منها، فقال الرجل: ليس عن البر سألتك، فقال أبو ذر: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عما سألتني عنه، فقرأ عليه هذه الآية، فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأشار بيده: «المؤمن إذا عمل حسنة سرته ورجا ثوابها، وإذا علِم"
عمِل.
طالب: عندي علِم.
«عمِل سيئةً أحزنته».
"«وإذا عمِل سيئةً أحزنته وخاف عقابها» ورواه ابن مردويه، وهذا أيضًا منقطع، والله أعلم.
وأما الكلام على تفسير هذه الآية، فإن الله تعالى لما أمر المؤمنين أولاً بالتوجه إلى بيت المقدس، ثم حوَّلهم إلى الكعبة، شقَّ ذلك على نفوس طائفةٍ من أهل الكتاب وبعض المسلمين، فأنزل الله تعالى بيان حكمته في ذلك، وهو أن المراد إنما هو طاعة الله -عزَّ وجلَّ- وامتثال أوامره، والتوجه حيثما وجه، واتباع ما شرع".
الأصل في مشروعية النسخ امتحان المُكلفين، والنظر في امتثالهم وسرعة استجابتهم لأمر الله، فهم ينتقلون ويدورون حيثما دار النَّص بما جاء عن الله وعن رسوله –عليه الصلاة والسلام- قال: توجهوا إلى بيت المقدس توجهوا، نُسِخ التوجه إلى الكعبة توجهوا بادروا فداروا كما هم، أما من يتردد ويتلكأ وينظر كما فعل بعض المنافقين أو المنافقون، المنافقون واليهود انتقدوا لما حوِّلت القبلة {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142]، فجاء الجواب {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] أما أنت كنت عبدًا مأمورًا تأتمر بأمر الله، وتنتهي عما نهاك عنه.
"فهذا هو البر والتقوى والإيمان الكامل، وليس في لزوم التوجه إلى جهةٍ من المشرق إلى المغرب برٌّ ولا طاعة".
الجهات كلها بالنسبة إلى الله سواء.
"إن لم يكن عن أمر الله وشرعه؛ ولهذا قال: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:177] الآية، كما قال في الأضاحي والهدايا: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37].
وقال العوفي عن ابن عباسٍ في هذه الآية: ليس البر أن تُصلوا ولا تعملوا. فهذا حين تحول من مكة إلى المدينة، ونزلت الفرائض والحدود، فأمر الله بالفرائض والعمل بها، وروي عن الضحاك ومقاتلٍ نحو ذلك.
وقال أبو العالية: كانت اليهود تُقبل قِبل المغرب".
يعني: تتوجه.
"وكانت النصارى تُقبل قِبل المشرق، فقال الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة:177]".
ما معنى قوله –جلَّ وعلا- في سورة يونس: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:87] أي قبلةٍ؟
طالب:..........
نعم.
طالب:..........
يعني قبلتهم وما شُرِع لهم من القبلة، قبلتهم هم.
"يقول: هذا كلام الإيمان وحقيقته العمل، وروي عن الحسن والربيع بن أنسٍ مثله.
وقال مجاهد: ولكن البر ما ثبت في القلوب من طاعة الله، عزَّ وجلَّ.
وقال الضحاك: ولكن البر والتقوى أن تؤدوا الفرائض على وجوهها.
وقال الثوري: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة:177] الآية، قال: هذه أنواع البر كلها، وصدق -رحمه الله- فإن من اتصف بهذه الآية، فقد دخل في عرى الإسلام كلها، وأخذ بمجامع الخير كله، وهو الإيمان بالله، وأنه لا إله إلا هو، وصدَّق بوجود الملائكة الذين هم سفرةٌ بين الله ورسله، {وَالْكِتَابِ} [البقرة:177] وهو اسم جنسٍ يشمل الكتب المُنزلة من السماء على الأنبياء، حتى خُتمت بأشرفها، وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادةٍ في الدنيا والآخرة، ونُسِخ به كل ما سواه من الكتب قبله، وآمن بأنبياء الله كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين-".
الآية اشتملت على جميع أركان الإيمان إلا واحدًا وهو القدر، وهو الإيمان بالقدر.
"وقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177] أي: أخرجه، وهو محب له، راغبٌ فيه. نص على ذلك ابن مسعود، وسعيد بن جبير وغيرهما من السلف والخلف، كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ»".
ولا شك أن الصدقة بالمال الذي يُحبه الإنسان وما استغنى عنه أفضل وأكمل، وأفضل من ذلك الإيثار الصدقة بما يحتاج إليه، لكن إذا تصدق بشيءٍ فاضل عن حاجته بقي شيءٌ من طعامه الذي إن لم يتصدق به رماه ليس فيه فضل؟ فيه فضل بلاشك، لكنه ليس مثل الإنفاق من الشيء الذي يُحبه ولم يستغنِ عنه أو في الشيء الذي يحتاج إليه، وإطعام الطعام جاء فيه نصوص كثيرة من الكتاب والسُّنَّة، والإمام الشافعي كما في أحكام القرآن له مِن جمع الإمام البيهقي قال: أرجى آيةٍ في كتاب الله –يعني عنده-: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد:11] {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد:13-14] فإطعام الطعام عنده من أفضل القربات، وهو الذي جعل هذه الآية أرجى آية في كتاب الله، ولا شك أن في المساغب في الجوع الشديد لا شك أن الطعام لا يعدله شيء؛ لأنه به تُحفظ الأنفس والأرواح، بحيث لو لم يُطعم مات.
سنة ألف وثلاثمائة وسبع وعشرين وُجِد مسغبة في نجد صار الناس يموتون بالعشرات في الشوارع من الجوع، وهناك أخوان عندهما تمرٌ كثير للتجارة سافر أحدهما فلمَّا رجع ما وجد من التمر شيئًا، قال: ماذا صنعت به؟ يظن أنه باعه في وقت الحاجة بمكاسب طائلة، فقال: بعته بعت التمر بمكاسب أكثر مما تتخيل أضعافًا كثيرة فرح أخوه، ثُم لمَّا بيَّن له أنه تصدَّق به، وقالوا عنه: أنه لا يتصدق بالتمر هكذا، الناس ما يستطيعون أن يأكلوا من الجوع يأتي بالتمر والماء يمرس ويصب في أفواههم -رحم الله الجميع- لمَّا علِم اشتد فرحه –رحم الله الجميع- هم الأصل عندهم التجارة، لكن انظر في أيام المسغبة نفع الله بهذا التمر، وأحيا به نفوسًا كثيرة جدًّا؛ لأنه كثير، واستُعمل بطريقةٍ نافعة لو أُعطي كل واحد مقدارك في يوم أو يومين يمكن لا يستطيع أن يأكل، أو إذا أكل أكثر مما يستوعبه بطنه؛ لأن وقت الجوع ينبغي أن يُؤخذ الأكل بالتدريج، ما تكون البطن فاضية ويابسة ما فيها شيء ثُم تُملأ، خلاف ما يفعله كثيرٌ من الناس إذا صاموا في وقت الحر الشديد أكثروا من الأكل والشرب، وتضرروا بذلك، لكن ينبغي أن يُؤخذ الشيء بالتدريج، والله المستعان.
"وقد روى الحاكم في مستدركه، من حديث شعبة والثوريُ".
الثوريِّ، شعبة والثوريِّ عن منصور.
"من حديث شعبة والثوريِّ عن منصور، عن زَبيدٍ".
زُبيد.
"عن زُبيدٍ عن مُرة، عن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177] «أن تُعطِيه»".
تُعْطِيَهُ.
"«أن تُعْطِيَهُ وأنت صحيحٌ شحيح، تأمل العيش".
تأمل الغنى وتخشى الفقر.
"تأمل الغنى وتخشى الفقر»".
أخرج لنا زبيد يا أبا عبد الرحمن.
طالب:.........
زُبيد تعرفه؟
طالب:.........
أخرجه، تعرفه بالفعل أو بالقوة هذا قريب من عندك بين يديك.
طالب:...........
«تأمل الغنى وتخشى الفقر».
طالب:...........
الأحوج أفضل، الأحوج أي: المسغبة التي يموت فيها الناس أفضل من أُناسٍ يأخذونها للكماليات، كما في بعض الجهات، عندنا بعض الأسر تأخذ للكماليات؛ لأنهم تعودوا واستمرأوا هذه الكماليات، حتى أصبحت عندهم حاجة مُلحة كالضروريات.
طالب:...........
بلى على الأصل.
ما الذي معك يا شيخ صالح؟
طالب: "تقريب التهذيب" يا شيخ، هو بموحدة مُصغر بن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي بالتحتانية أبو عبد الرحمن الكوفي، مات سنة اثنتين وعشرين.
ما هذا المقصود أنه بالتصغير، ما بعد لقيت شيئًا؟
طالب:..........
كيف؟ ما يُريد تدوير هذا، ما هو مُرتب عندك على الحروف؟ إذا كتبت اسمه ما يطلع؟
طالب:.........
شيخك ما هو موجود عندك الآن شيخك، ماذا تسمونه؟ هات ما ظهر، يقولون: الآلات أسرع من الكتب والله ما هي بأسرع، إلا شخصًا ما يعرف عن الكتب شيئًا، ترى في التعامل مع الكتب مع الوقت الشخص الذي تُريده يطلع يعني تُقدِّم ورقة أو تؤخر ورقة، لكن لو أردت بحرف الألف تمسك آخر الكتاب هذا ما يجيء أو العكس.
"ثم قال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
قلت: وقد رواه وكيعٌ عن الأعمش، وسفيان عن زُبيدٍ، عن مُرة، عن ابن مسعودٍ، موقوفًا، وهو أصح، والله أعلم.
وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان:8-9] .
وقال تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92]، وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] نمط آخر أرفع من هذا".
لأنها مراتب، الصدقات مراتب أعلاها الإيثار أن تعطي شيئًا وأنت بأمس الحاجة إليه، كما فعل الأنصار {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]".
الأمر الثاني: أن تُعطي شيئًا ونفسك تتوق إليه، لكن عندك ما يعوضك، في الحالة الأولى ما عندك شيء تؤثِر به على نفسك، الثاني عندك منه أشياء، لكن هو محبوب إلى نفسك وإخراجه فيه مشقة عليك نفسك، لكن ما تتضرر بذلك.
ثُم بعد ذلك يأتي أن تُعطي من مالك الذي تأكل وعندك منه وفرة، ولكنه ما يزال ، ودونه أن يكون من النوع الأقل {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة:267] يعني: الأردأ، والله المستعان.
طالب: أحسن الله إليك، قوله: {مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] هل نفسه المنفق أو أهل عصر؟
لا، المُنفق، ما يُحبه المنفق.
تفضل.
طالب:.........
لكن يُعوَّض هذا بالكمية، يُعوَّض مثل هذا بالكمية، فالحاجة هي التي تُحدد، وإذا نقصت النوعية للمصلحة الراجحة بالنسبة للمتصدِّق عليه تُعوَّض بالكمية؛ ليشمل أكبر قدر ممكن من هذا النوع، ومن هذا الجنس.
"نمطٌ آخر أرفع من هذا، وهو أنهم آثروا بما هم مضطرين إليه، وهؤلاء أعطوا وأطعموا ما هم محبون له.
وقوله: {ذَوِي الْقُرْبَى} [البقرة:177] وهم: قرابات الرجل، وهم أولى من أُعطي من الصدقة، كما ثبت في الحديث: «الصدقة على المساكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة» فهم أولى الناس بك وببرك وإعطائك، وقد أمر الله تعالى بالإحسان إليهم في غير موضعٍ من كتابه العزيز. {وَالْيَتَامَى} [البقرة:177] هم: الذين لا كاسب لهم، وقد مات آباؤهم وهم ضعفاء صغار دون البلوغ والقدرة على التكسب، وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن جويبر، عن الضحاك".
وفي حكم اليتامى من لا أب له أصلاً كولد الزنا، من لا أب له أصلاً؛ لأن الزاني له الحجر «الولد للفراش وللعاهر الحجر» فلا أب له، بل قد يُقال: إن هؤلاء أولى من اليتامى الذين عُرف أباؤهم، وعُرف أقاربهم، قد يكون لهم إخوة، وقد يكون لهم أعمام وأهل وعشيرة، أما أولئك ليس لهم أحد، فالنصوص الواردة في اليتامى تشملهم.
"وقد قال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن جويبر، عن الضحاك عن النزال بن سبرة، عن عليٍّ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « لَا يُتْم بَعْدَ حُلُم»".
جويبر كما هو معلوم ضعيف.
"{وَالْمَسَاكِينَ} [البقرة:177] وهم: الذين لا يجدون ما يكفيهم في قوتهم وكسوتهم وسكناهم، فيُعطون ما تسد به حاجتهم وخلَّتهم".
وهذا ماشي على مذهب الجمهور، وأن المساكين أحسن حالاً من الفقراء، يجدون شيئًا لكن دون الكفاية، فيُعطون ما يُكمِّل كفايتهم، بخلاف الفقراء الذين لا يجدون شيئًا يُعطون جميع حاجتهم، وعند الحنفية العكس، المسكين أشد حاجةً من الفقير، والمسألة مبحوثة بأدلتها في الكتب الفقهية.
"وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَيْسَ الْمِسْكِينُ بهذا الطوَّاف الذي تَرده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ، وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ، وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدق عَلَيْهِ»".
هذا يقول: سقط هذا الجزء من الحديث من النسخة الأزهرية، يعني: الذي بين...
طالب: المسكين والذي لا يجد.
عندك؟ يعني «بهذا الْمِسْكِينُ الذي تَرده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ، وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ، وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ....» هذا لا يوجد يقول سقط من النسخة الأزهرية، ومضى له نظائر في تعبير المُحقق، وهذا الكلام ليس بصحيح كونه لا يوجد في النسخة الأزهرية لا يعني أنه سقط منها، هذا هو الموجود فيها من وضع المؤلف هكذا، لكن ما بين القوسين ليس مما زِيد على النسخة الأزهرية.
طالب:.........
ماذا فيه؟ اليامي.
"{وَابْنَ السَّبِيلِ} [البقرة:177] وهو: المسافر المجتاز الذي قد فرغت نفقته فيُعطى ما يُوصله إلى بلده، وكذا الذي يريد سفرًا في طاعة"
سواءً فرغت نفقته أو فقدها بأن ضاعت أو سُرِقت.
"وكذا الذي يريد سفرًا في طاعة فيُعطى ما يكفيه في ذهابه وإيابه، ويدخل في ذلك الضيف، كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس أنه قال: ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين، وكذا قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبير، وأبو جعفرٍ الباقر، والحسن، وقتادة، والضحاك والزهري، والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان".
طالب:..........
إيه عام..إيه عام. نعم.
طالب:..........
لأن عامة أهل العلم على أن ابن السبيل في آية الصدقات في آية الزكاة أنهم الغُزاة في سبيل الله. نعم.
طالب:..........
غزاة في سبيل الله نعم.
طالب:..........
في سبيل الله نعم، ابن السبيل المجتاز ابن الطريق الذي انقطع به الطريق، واحتاج إلى الناس يُعطى، في سبيل الله هم الغزاة. نعم.
"{وَالسَّائِلِينَ} [البقرة:177] وهم: الذين يتعرضون للطلب، فيُعطون من الزكوات والصدقات، كما قال الإمام أحمد: حدثنا وكيعٌ، وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى بن أبي يحيى، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها، قال عبد الرحمن: حسين بن علي"
الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة ابنته. نعم.
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمت: «لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ» رواه أبو داود.
{وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177] وهم: المكاتبون الذين لا يجدون ما يؤدونه في كتابتهم، وسيأتي الكلام على كثيرٍ من هذه الأصناف في آية الصدقات من براءة، إن شاء الله تعالى، وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال:حدثنا يحيى بن عبد الحميد، قال:حدثنا شريكٌ، عن أبي حمزة، عن الشعبي، قال: حدثتني فاطمة بنت قيس: أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أفي المال حق سوى الزكاة؟ قالت: فتلا علي {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177] ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن أبي إياس"
قد جاء في الحديث «في المال حقٌّ سوى الزكاة» وجاء ما يُقابله «ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة» والثبوت فيه كلام في الطرفين ولكن التوجيه «ليس في المال حقٌّ سوى الزكاة» يعني: حق واجب «وفي المال حقٌّ سوى الزكاة» حقٌّ مندوب كما جاء في هذه الآية.
طالب:.........
ترى تحتاج إلى ترجمان.
طالب:.........
هو ابن سبيل الضيف المجتاز بالبلد هو ابن سبيل.
طالب:.........
شو؟
طالب:.........
لا..لا الزكاة لا، الزكاة عامة أهل العلم على أنه في سبيل الله أنهم الغزاة في سبيل الله المجاهدون، المقاتلون لإعلاء كلمة الله. نعم.
طالب:.........
المجتاز.
طالب: الضيف له حق الضيافة.
بلا شك.
طالب: هل يُعطى الضيف من الزكاة؟
يُعطى باسم الحاجة والفقر؛ لأن ابن السبيل يُضيَّف ولو كان غنيًا، له حق ولو كان غنيًا.
طالب:........
وجوب عارض، معروف أن في المال حق سوى الزكاة إما على سبيل الندب أو على سبيل الوجوب، الوجوب الأصلي في الزكاة قد يجب في الكفارات، وتكون هذه الكفارة للفقراء والمساكين إما عمومًا أو لفقراء الحرم أو ما أشبه ذلك هذه أمور عوارض لكن الأصل الواجب هو الزكاة وما عداه من المندوب أبوابه كثيرة. نعم.
"ورواه ابن مردويه من حديث آدم بن أبي إياس ويحيى بن عبد الحميد، كلاهما، عن شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «في المال حقٌّ سوى الزكاة» ثم قرأ {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة:177] إلى قوله: {وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة:177] وأخرجه ابن ماجه والترمذي، وضعَّف أبا حمزة ميمونًا الأعور، قال: وقد رواه بيان، وإسماعيل بن سالم عن الشعبي.
وقوله: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة:177]"
طالب:.........
بيان، إيش عندك؟
طالب: سيار.
"وقد رواه بيان، وإسماعيل بن سالم عن الشعبي"
طالب:.........
شو؟
طالب:.........
(سيار) ما عندنا هذا.
طالب:.........
بيان، نعم يا شيخ.
"وقوله: {وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة:177] أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي.
وقوله: {وَآتَى الزَّكَاةَ} [البقرة:177] يحتمل أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنيئة الرذيلة، كقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشَّمْسِ:9-10] وقول موسى لفرعون: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النَّازِعَاتِ:18-19] وقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فُصِّلَتْ:6-7]. ويُحتمل أن يكون المراد زكاة المال كما قاله سعيد بن جبير، ومقاتل بن حيان، ويكون المذكور من إعطاء هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة"
لكن اقتران الزكاة بالصلاة في النصوص إنما يكون لزكاة المال لا لزكاة البدن، قد جاءت تزكية النفس في نصوص الكتاب والسُّنَّة ومدح من زكاها، وذم من دساها، لكن إذا قورِنت بالصلاة فالنصوص مطردة في أن المراد بها زكاة المال. نعم.
"ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس: إن في المال حقًا سوى الزكاة، والله أعلم.
وقوله: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا} [البقرة:177] كقوله: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرَّعْدِ: 20] وعكس هذه الصفة النفاق، كما صح في الحديث: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» وفي الحديث الآخر: «وإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ».
وقوله: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة:177] أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء. {وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة:177] أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله ابن مسعودٍ، وابن عباس، وأبو العالية، ومُرة الهمداني، ومُجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وأبو مالكٍ، والضحاك، وغيرهم.
وإنما نَصب {وَالصَّابِرِينَ} [البقرة:177] على المدح، والحث على الصبر في هذه الأحوال؛ لشدته وصعوبته، والله أعلم، وهو المستعان وعليه التُّكلان.
وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [البقرة:177]".
يعني مر بنا في كتاب "التوحيد" أن الإمام أحمد يقول: إن الله –جلَّ وعلا- ذكر الصابر في تسعين موضعًا من كتابه، وأحضرنا "عدة الصابرين" لابن القيم وقرأنا منها ما فيه حثٌّ على الصبر، واهتمام بشأنه في النصوص من الكتاب والسُّنَّة ... صاحبك. نعم.
طالب:.........
يعني ذكرنا من وجوه الوجوب الذي يستحق أن يُدعى عليه إذا ما اضطر غيره إليه إذا وُجِد في المسلمين من يحتاجه حاجة ضرورية، ويتضرر بتركه فمثل هذا يُستحق أن يُدعى عليه؛ لأنه ترك واجب. نعم.
"وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} [البقرة:177] أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:177] لأنهم اتقوا المحارم وفعلوا الطاعات"
اللهم صلِّ وسلم...
طالب:..........
عندنا في أيامنا هذه تساهل الناس في هذا الباب، وأيضًا أُسيء إلى بعضهم وهو صادق، فعلى الإنسان أن يتحرى لا ينهر السائل، وإذا شك في أمره لا يُعطيه شيء.
طالب:..........
إذا اقتضت المصلحة ذلك لا شك ما يُعطون.
طالب:..........
المقصود أن الإنسان لا يقع في محظور {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [الضحى:10].
طالب:..........
مثل الراحلة.
طالب:..........
قبلته حيثما اتجهت به راحلته في غير الفريضة.
طالب:..........
إذا أمكن أن يستقبل القبلة فيدور إليها لو دارت السفينة تعين عليه.
طالب:..........
ولو عانى الكثير؛ لأن هذا شرط.
طالب: من أراد أن يوقف بيت على أبنائه البنات فقط؟
لا..لا جنف هذا.
طالب: جزاكم الله خيرًا.
لكن يُوقف على الوصف على المحتاج من ذريته بالوصف ما عليه شيء.
طالب:........
لا يختلف الغرب عن الشرق.