التعليق على تفسير سورة ق من تفسير الجلالين (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف في قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا} [(9) سورة ق] يقول: "كثير البركة" ماءً مباركاً نفعه للخلق عظيم، والماء عموماً جعل منه كل شيء حي، فهو مادة الحياة، هذا الماء لا يمكن أن يعيش بدونه أي نام من حيوان أو جماد، بدون الماء يموت، وهذا سر بركته، اعتماد كل شيء عليه بإذن الله -جل وعلا-، {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [(68-69) سورة الواقعة] ومع الأسف أنه يدار في مجالس الناس مسألة الاستمطار، مسألة الاستمطار، وأنهم يستطيعون بآلاتهم واختراعاتهم إنزال المطر، والله -جل وعلا-: {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [(69) سورة الواقعة] لا يستطيع أحد أن يمطر على الناس، أو ينزل من السماء ماءً بحال من الأحوال، قد يرشون الأرض بوسائلهم بطائراتهم بمراكبهم بغيرها، المقصود أن إنزال المطر لا يستطيعه غير الرب -جل وعلا- {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ} [(69) سورة الواقعة].
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا} [(9) سورة ق] وهو أيضاً جاء في وصفه أنه طهور، {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(48) سورة الفرقان] فهو غاية في الطهارة، وفيه أيضاً البركة، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل المطر يكشف عن ساقه ورأسه، ويقول: ((إنه حديث عهد بربه)).
{فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ} [(9) سورة ق] والمراد بالجنات البساتين، والزروع والثمار، وأيضاً العشب، وغيره مما يحتاجه الخلق من الأناسي والدواب وغيرهم.
{فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [(9) سورة ق] الحب: الزرع، والحصيد: المحصود فعيل بمعنى مفعول، {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [(9) سورة ق] هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، من إضافة الشيء إلى نفسه، كقولهم: مسجد الجامع، وصلاة الأولى، ولا بد حينئذٍ من تقدير، قالوا: مسجد المكان الجامع وهكذا، ويجوز إضافة الشيء إلى نفسه لاختلاف اللفظ، وهو وارد في النصوص ووارد في لغة العرب كما هنا، {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [(9) سورة ق] الحب هو الحصيد، الحب هو المحصود، إلا إذا قلنا: إن الحصيد أعم من الحب، فالحب يؤخذ من الحصيد، يؤخذ من المحصود، من السنبلة المحصودة، الحب يؤخذ من السنبلة المحصودة، فتصح الإضافة هنا من إضافة الشيء الجزئي إلى الكل.
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [(10) سورة ق] يقول: "طوالاً" وإعرابها حال، {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} يعني حال كونها باسقات، والبسوق: الطول، والعرب بسليقتهم يدركون أي خلل في الأسلوب، ولذا لما قرأ بعضهم: "والنحل باسقات" قال الأعرابي: لا يستقيم الكلم إلا إذا كانت لاسعات، ما تجي نحل باسقات، ما تجي، نعم إن كانت لاسعات صحيح، فأين هذه السليقة مما يفهمه كثير من الناس من كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟! يعني إذا كانت الحقائق العرفية قد تختلف مع الحقائق الشرعية فأين نحن من هؤلاء؟ حقائق عرفية؛ لأن الحقائق ثلاث كما هو معلوم: لغوية، وشرعية، وعرفية، فبعضهم يرى أن الشخص إذا كانت عنده الأرصدة الملايين لكنه بخيل وشحيح على نفسه وعلى أولاده، يأخذ من الزكاة، الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، هذا محروم، هذا محروم في عرف الناس وإلا في الشرع؟ في العرف، لكن تدفع له زكاة وإلا لا؟ ما تدفع له زكاة؛ لأنه ليس بمحروم شرعاً، المحروم الذي لا يتعرض للناس، ولا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه، وفي المقابل السائل، فأين هذا من هذا؟ يعني المحروم شرعاً غير المحروم عرفاً، فتعارضت الحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية، بعض الناس يعني إذا قلت مثل هذا التأويل قد يسنده شيء من اللغة، فهناك تآويل على ألسنة الناس لا يسندها لغة، ولا حتى ولا عقل، يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} [(33) سورة النــور] أجبر ابنته على الزواج ممن لا تريده، وقيل له: لا تنكح البكر حتى تستأذن، قال: لكن الله -جل وعلا- قال: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [(33) سورة النــور] ثم قال بعد ذلك: {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(33) سورة النــور] يقول: أنا أريد هذه المغفرة وهذه الرحمة، كيف حمل الآية ما لا تحتمل؟ البغاء قالت: والله أنا ما أبغيه أنا ما يصلح لي، قال: لا بد نكرهها على البغاء، هو ما يدري إن البغاء الزنا الحين، فهذا يذكر لبيان بُعد الناس عن فهم القرآن، بُعد الناس عن فهم القرآن، هذا يقول: ما يمكن تجي النحل هنا أبداً، النحل باسقات ما يمكن، فكيف؟ يقول: النحلة هي النحلة ما تجي طويلة وإلا قصيرة، إن كانت لاسعات صح، هذا أمي لا يقرأ ولا يكتب، فأين هذا ممن يفسر القرآن بهذه الطريقة، ويجرؤ على كتاب الله -جل وعلا-، ويهجم على النصوص ويفسرها بهذه الطريقة؟ فعلى الإنسان أن يهتم لكتاب الله -جل وعلا-، وقد جاء الوعيد الشديد على من فسر القرآن برأيه، يعني إذا كان ما عندنا ما نعتمد عليه، ولا نستند إليه من مأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في تفسير القرآن، ولا من أقاويل الصحابة، ولا من أقاويل التابعين، ولا حتى من لغة العرب، ما عندنا شيء فكيف نهجم على القرآن؟ ونحن نسمع من يفسر القرآن برأيه، وقد فسر بعضهم آية فيها سبعة أقوال لأهل العلم، سبعة أقوال لأهل العلم فسرها بتفسير لا يوافق ولا قول من السبعة، لا شك أن هذه جرأة يأثم بسببها.
والإمام أحمد يُسأل عن معنى حديث فيتحرى ويتوقى، وكثيراً ما يقول: اسأل غيري، هذه طريقة السلف، وهذا ورعهم عن أن يهجم المسلم على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذا من القول على الله بلا علم.
{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [(10) سورة ق] يعني طوال، وباسقات: حال {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} "متراكم بعضه فوق بعض" طلع: ما يطلع منها، وما ينتج منها بدايةً من اللقاح الذي هو يسمونه إيش؟
طالب:......
هاه؟
طالب:......
البار؟
طالب:......
لا بعض الجهات يسمونه كافور، وفي الأصل: كفَّاراً، هو هذا الطلع الذي يلقح به، بدأً من هذا إلى الطعام الشهي اللذيذ الذي يجمع بين التفكه والغذاء، التمر، نضيد: يعني متراكم بعضه على بعض، يعني وقت خروجه متراكم؛ لأن بعض الناس يظن النضيد هو المكبوس بعضه على بعض، يعني بعد ما يجنى وييبس يكبس بعضه على بعض يقول: هذا نضيد، لا، النضيد إنما يطلع من أمه، ولا يمنع أن يكون ذاك نضيد، لكن المقصود بالآية ليس المقصود به في المآل، إنما المقصود به في الحال.
{رِزْقًا لِّلْعِبَادِ} [(11) سورة ق] رزقاً: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ} [(9-11) سورة ق] مفعول لأجله، مفعول لأجله يعني أنزل الله -جل وعلا- هذا الماء المبارك، وأنبت هذا وهذا وهذا من أجل رزق العباد، رزقاً للعباد مفعولاً له.
{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [(11) سورة ق] يقول المفسر: "يستوي فيه المذكر والمؤنث" لأن البلدة لفظها مؤنث، وما قال: ميتة، بلدة ميتاً، ما قال: ميتة؛ لأن الميت مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، والميت بالتخفيف من مات بالفعل، بخلاف الميّت بالتشديد الذي سيموت، الذي مات ميْت، والذي سيموت يقال له: ميِّت، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] يعني ستموتون، وهذا يستوي فيه المذكر والمؤنث، تقول: زيد ميت، وهند ميت، وهنا التذكير ميتاً التذكير على معنى البلدة التي يراد بها المكان، التي يراد بها المكان، كذلك أي مثل هذا الإحياء لهذه البلدة الميتة الخروج من القبور، فكيف تنكرونه؟ إذا كانوا يقولون: إن الميت من مات بالفعل، والميت من سيموت.
ليس من مات فاستراح، ليس من مات فاستراح إيش؟ بميْت، وإلا بميِّت؟ نبي نشوف البيت جاري على القاعدة وإلا ما هو بجاري؟
ليس من مات فاستراح بميِّتٍ |
|
لكن الميت ميت الأحياءِ |
هل هذا جاري على القاعدة وإلا ما هو بجاري؟ هذا مات واستراح انتهى، نقول له: ميِّت وإلا ميْت؟ الأصل نقول: ميْت، ولكن الميِّت الذي سيموت ميت الأحياء، والشطر الأول مخالف والثاني موافق، وعلى كل حال مثل هذه القواعد، ومثل هذه الألفاظ التي يطردونها هي أغلبية ليست بكلية.
{كَذَلِكَ} [(11) سورة ق] أي: "مثل هذا الإحياء الخروج من القبور -يعني البعث- فكيف تنكرونه؟ وهذا من الأمثال التي يضربها للناس، يضربها الرب -جل وعلا- للناس، يضرب المعقول المعنوي بالمحسوس، يعني هل ينكر الناس أن السماء ينزل منها المطر، ينزل الله -جل وعلا- منها المطر على الأرض الميتة ثم ينبت فيها العشب والكلاء، ما ينكرون هذا، لماذا ينكرون البعث وهذا مثله؟ فكيف تنكرونه؟ يقول: "والاستفهام للتقرير" الاستفهام للتقرير، ولا يمنع أن يكون الاستفهام للتوبيخ والإنكار، "والاستفهام للتقرير، والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر" هذا مثل ضربه الله -جل وعلا- لهؤلاء من أجل أن يقيسوا الغائب على الحاضر، المعنوي بالمحسوس، الخفي بالمشاهد، لكن الأمثال من يعقلها؟ ما يعقلها إلا العالمون، ولذا كثير من أهل العلم إذا أشكل عليه فهم مثل رجع إلى نفسه بالتأنيب، كيف يدعي العلم؟! والله -جل وعلا- يقول عن هذه الأمثال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] فعلينا معاشر طلاب العلم أن نعنى بالأمثال {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الحشر] هذه الأمثال من أغلى وأنفس ما يدرس من فروع علوم القرآن؛ لأن النفي والإثبات الحصر {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] معناه أن الجهال لا يعقلونها، فإذا أنت جربت نفسك في مثل من الأمثال لم تفهمه فأنت جاهل؛ لأن الجهال لا يعقلون هذه الأمثال، والله -جل وعلا- لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها، فالله -جل وعلا- يضرب الأمثال؛ لأنه بالأمثال يتضح المقال، هناك أمور معنوية لا يحسها الإنسان، ولا يدركها بحواسه، يدركها بالخبر، لكن لا يستطيع أن يدركها على حقيقتها إلا بالمثل؛ لأن الشيء الذي لم تره هل يكفي السماع بالإحاطة به؟ ما يكفي، الآن أنت تسمع عن عالم في الهند مثلاً تعرف عنه ما بلغك من علمه، وما بلغك من وصفه، لكن هل تستدل باسمه على حقيقته؟ لو مثلاً قيل لك: زيد بن فلان في المغرب، وألف كتاب كذا وكذا، تعرف منه بهذا القدر المحدود، بخلاف ما لو رأيته، إذا لم تره ولم يتسنَ لك لقياه قيل لك: إنه مثل فلان، خلاص الآن الصورة قربت، وكثيراً ما نسمع من خلال وسائل في المذياع مثلاً أو بالهاتف تتوقع غير الحقيقة تماماً، تسمع الصوت تقول: أكيد إن هذا لونه أبيض وطويل، وما أدري إيش؟ ثم تفاجئ إذا نظرته إلى العكس تماماً، ليش؟ لأن العقول ما تدرك ما وراء الحيطان، العقل محدود، لكن إذا جيء بالمثال، إذا قيل لك: والله فلان العالم الفلاني الذي تسمع كلامه وتسمع شهرته كأنك ترى فلان، بالمثل اتضح، لو استطردنا قليلاً -والله المستعان- يعني يحتاج إلى شيء من البسط لأن المسألة مهمة جداً قد لا يدركها طلاب العلم إلا بالأمثلة والمزيد من ذلك.
الآن طريقة أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه، وما أثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام-، على ما يليق بجلاله وعظمته من غير كيفية، الآن يكتب في المواقع أن مذهب أهل السنة هو التفويض، والمحققون من أهل العلم يصفون المفوضة مع المبتدعة مثل المعطلة ومثل الجهمية ومثل..، يعني لا شك أنه يؤثر عن أهل السنة أنها تمر كما جاءت، لكن هل يعني هذا أنها لا معنى لها؟ هل هذا أن لا معنى لها؟ لا، فالذي يكتب الآن، ويدار في هذه المواقع أن مذهب أهل السنة هو التفويض، هذا الكلام ليس بصحيح، ومرفوض، بل أهل السنة يشددون النكير على المفوضة، نعم قال أهل السنة: تمر كما جاءت لئلا يستغرق الإنسان ويسترسل فيصل إلى حد التكييف والتشبيه.
ما الفرق بين قول أهل السنة إيمانهم واعترافهم وإقرارهم بما جاء عن الله على مراد الله، والمعاني معلومة، الاستواء معلوم، والكيف مجهول، وبين قول المفوضة؟ الفرق بينهما أنك مثل ما تقول: زيد وديز، زيد عالم بالمغرب، وديز عكس كلمة زيد، ديز لها معنى وإلا لا؟ ليس لها معنى، التفويض مثل هذا، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [(5) سورة طـه] مثل ديز ما نعرف شيء البتة عن هذا، وإقرار السلف بأن لها معنى مثل إقرارنا بأن زيد العالم في المغرب زيد نعرف أن هذه الكلمة لها حقيقة، وأنها تدل على شخص مسمى بهذا الاسم، والأصل أنه خلق على أحسن تقويم كبني آدم، لكن ما نعرف كيفيته، ما نعرف وراء ذلك شيء، لا نعرف هل هو طويل وإلا قصير وإلا أبيض وإلا أسود، ما نعرف شيء، فالمعنى معلوم، والكيف مجهول، فنريد أن نفرق بين قولهم بالتفويض، التفويض مثل ديز، تسمع كلمة ديز ويش معناها؟ عكس زيد، لكن لها معنى وإلا لا؟ ليس لها معنى، يعني كالطلاسم، وكالأسماء الأعجمية عند من لا يحسن الأعجمية، لكن إثبات السلف وإقرارهم بمعرفة المعنى دون الكيف مثل كلمة زيد، وهذا مثال تقريبي وإلا فالله -جل وعلا- أعلى وأعظم من أن يقارن بمثل هذه الأمثلة، لكن نريد أن نفرق بين مذهب السلف وبين من يقول بالتفويض، وأنا أحتاج إلى مثل هذا؛ لأن هذه المواقع حقيقة صار لها جمهور، وصار يروج مثل هذا الكلام من حسن نية أو سوء نية، الله أعلم.
يقول: "فكيف تنكرونه؟ والاستفهام للتقرير، والمعنى أنهم نظروا وعلموا ما ذكر" يعني المحسوس شاهدوه، فغير المحسوس يجب أن يقاس على هذا المحسوس، فالمثال ضرب بالمحسوس لغير المحسوس من أجل أن يقاس عليه، ويعتبر به.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في قوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} [(12) سورة ق] يقول: "تأنيث الفعل لمعنى قوم" لمعنى قوم، وأنهم جمع، والجمع يذكر له الفعل ويؤنث، باعتبار الجمع والجماعة، تقول: قام الرجال، وقامت الرجال، فإذا قلت: قام الرجال، نظرت إلى الجمع، وإذا قلت: قامت الرجال، نظرت إلى الجماعة، وهو هنا يقول: "تأنيث الفعل لمعنى قوم" كذبت قبلهم يعني قبل قريش، قوم نوح -عليه السلام-، الذين بعث فيهم، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، وزاول معهم من أساليب الدعوة ما زاول، فلم يجدي فيهم، ثم في الأخير دعا عليهم فأغرقوا.
{وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} [(12) سورة ق] يقول: "هي بئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام، ونبيهم قيل: حنظلة بن صفوان، وقيل: غيره" أصحاب الرس: "هي بئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام، ونبيهم قيل: حنظلة بن صفوان، وقيل: غير ذلك".
على كل حال المفسرون يختلفون في نبي أصحاب الرس، الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ذكر أكثر من قول، وكذلك الحواشي على الجلالين، وهنا اقتصر على قوله: "ونبيهم قيل" و(قيل) كما تعلمون صيغة تمريض؛ لأنه لم يجزم به، "قيل: حنظلة بن صفوان، وقيل غيره" {وَثَمُودُ} [(12) سورة ق] "قوم صالح"، {وَعَادٌ} [(13) سورة ق] "قوم هود"، {وَفِرْعَوْنُ} [(13) سورة ق] يعني وقومه، {وَإِخْوَانُ لُوطٍ} [(13) سورة ق] الذين بعث فيهم لوط -عليه السلام-، كل هؤلاء كذبوا الرسل، كذبوا أنبياءهم، وكذلك أصحاب الأيكة، الغيضة التي هي الشجر الملتف وهم قوم شعيب، وهم قوم شعيب، وشعيب أرسل إلى أصحاب الأيكة، وأرسل أيضاً إلى مدين، وأرسل إلى مدين، {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [(85) سورة الأعراف] وأما صاحب مدين الذي له القصة مع موسى -عليه السلام-، لما ورد ماء مدين موسى في سورة القصص، {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [(23) سورة القصص].. إلى آخر القصة، فوالد المرأتين صاحب مدين، لكن هل هو شعيب أو غيره؟ كثير من المفسرين يستبعد أن يكون هو؛ لأن بين شعيب صاحب مدين وبين صاحب موسى مفاوز؛ لأن صاحب مدين قريب من لوط، ولذا قال: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ} [(89) سورة هود] وهل البعد زمان أو بعد عمل؟ يعني هم ليسوا ببعيدين، المسألة قرب زمان وإلا قرب عمل؟ يعني أنتم تشبهونهم في المخالفة؟ الذي يظهر أنه قرب زمان، وبين لوط الذي شعيب قريب منه وموسى -عليه السلام- مفاوز، قرون عديدة، فمنهم من يجزم بأنهما اثنان، ومنهم من يقول: واحد، ولا يستغرب أن يعمر هذه المدة الطويلة، وعلى كل حال المسألة خلافية ولا يترتب عليها أثر، {وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} [(14) سورة ق] أي: "الغيضة قوم شعيب"، {وَقَوْمُ تُبَّعٍ} [(14) سورة ق] يقول: "هو ملك كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه" يعني الاقتران هنا أولاً: قوم تبع مثل قوم لوط ومثل قوم نوح ومثل..، هؤلاء كذبوا، والاقتران يدل على أن تبع إما نبي أو رجل صالح دعا قومه إلى الدين فكذبوه، وتقدم في التفسير نفسه هنا في سورة الدخان {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [(37) سورة الدخان] قال: "هو نبي أو رجل صالح"، هنا: "هو ملك كان باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه" وتبع علم، علم جنس على من ملك اليمن، كما يقال بالنسبة لمن ملك مصر: فرعون، ولمن ملك فارس: كسرى، ولمن ملك الروم يقال له: قيصر، ولمن ملك الحبشة يقال له: النجاشي وهكذا، كل من المذكورين، من المذكورين قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وقوم فرعون وإخوان لوط، فرعون وقومه، كل هؤلاء كذبوا الرسل.
كلٌ من المذكورين كذب الرسل، التنوين في كلٌ يقولون: هو تنوين عوض، تنوين عوض، إيش معنى تنوين عوض؟ يعني أنه عوض عن المضاف إليه، الأصل كل هؤلاء كذب الرسل، كل هذا كذب الرسل كقريش، فقريش حينما كذبوا النبي -عليه الصلاة والسلام- لهم سلف، {فَحَقَّ وَعِيدِ} [(14) سورة ق] فحق وعيدي أي "وجب نزول العذاب على الجميع، فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك" يعني السنة الإلهية بالنسبة للمخالفين لا تتغير ولا تتبدل، فمتى وجدت المخالفة وأيس من الاستجابة حق الوعيد، وحقت كلمة العذاب، والسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، وما نعيشه في زماننا من مخالفات مع أن الله -جل وعلا- يوالي علينا من النعم ما لا نقوم بشكره، يخشى منه من سوء العاقبة، فلو قرأنا في المجلد السادس من نفح الطيب وجدنا الصورة مطابقة، لكن نسأل الله -جل وعلا- أن يتداركنا، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، فالسنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل، يعني ما استثني من الوعيد الذي حق على هؤلاء المكذبين إلا قوم يونس، استثنوا لما رأوا العذاب آمنوا، وإلا حق الوعيد ورأوا العذاب ما فيه، السنن لا تتغير ولا تتبدل، ما في إذا رأيت المقدمات، مقدمات الفتن، ومقدمات الشرور والعذاب تقول: آمنت، ما يكفي، أعطيت فرصة ومهلة وعندك ما يدلك على الصراط المستقيم، ومع ذلك خالفت بطوعك واختيارك تحمل.
يقول: {فَحَقَّ وَعِيدِ} [(14) سورة ق] أي: "وجب نزول العذاب على الجميع، فلا يضيق صدرك من كفر قريش بك" لا يضيق صدرك من كفر قريش بك، وفي هذا تسلية للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- يعني الأرجح عنده والمفضل عنده أن يستجيبوا له، وينجون بسببه، لكن الذي يخالف مع الإصرار والعناد يتحمل، الذمة برئت من تبليغه، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله -جل وعلا-: أولاً: يجب أن يكونوا على بصيرة من أمرهم، وأن يقتدوا بنبيهم -عليه الصلاة والسلام-، وما عليهم بعد ذلك إلا البلاغ، مع أنك تدعو وتدعو وتدعو لا ترى مستجيب لا يعني أن هذا خلل فيك أو في دعوتك، وإنما النتائج بيد الله -جل وعلا- القلوب بيده -سبحانه وتعالى-، أنت عليك أن تبذل السبب تأمر وتنهى وتدعو إن استجاب المدعو وإلا فالأمر ليس إليك، ليس لك من الأمر شيء، هذه قيلت لأشرف الخلق، فلا يضيق صدرك بمثل هذا، نعم، ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) لكن لا يعني أنك تحترق أو تبخع نفسك أو تقتل نفسك إذا لم يستجب لك أحد، أنت أجرك ثابت، وكما يقال: العقوبة على المخالف، النتائج بيد الله -جل وعلا-، ومن نعم الله -جل وعلا- أن رتب الأجر على بذل السبب، لا على النتيجة.
وبعض الكتاب المعاصرين مع الأسف أن كتبهم تتداول في المكتبات يقول: إن نوحاً فشل في دعوته، يعني ألف سنة إلا خمسين عام ما استجاب إلا نفر يسير، ما استطاع أن يؤثر على ولده ولا على زوجته، دعوته فاشلة، مثل هذا يقال في حق نبي؟ في حق رسول؟!
ويتطاول أيضاً على أشرف الخلق ويقول: إن محمداً فشل في دعوته في مكة والطائف ونجح في المدينة، ما على الرسل إلا البلاغ، الدعاة أتباع الرسل الذين يدعون إلى الله على بصيرة قد لا يستجيب لهم أقرب الناس إليهم، ولو فتشنا في بيوت العلماء الكبار وجدنا في أبنائهم مخالفات، وجدنا في نسائهم مخالفات، لكن هل يعني هذا أنهم ما بذلوا؟ بذلوا يا أخي، لكن الهداية بيد الله -جل وعلا-، لا يملك القلوب إلا الله -جل وعلا-، أنت عليك بذل السبب، وكثير حتى من طلاب العلم يتندر يقول: شوف فلان انشغل بدعوة الناس وتعليم الناس والمصالح العامة والخاصة وشوف أولاده وش لونهم؟ إنا نعرف من شيوخنا أنه يتقطع أسى على أولاده، وبذل لهم من جهده ووقته وماله ما يسعى به إلى إصلاحهم، لكن ما بيده حيلة، لكن لا يعني هذا أن الإنسان يفرط في تربية أولاده ونسائه وأطرهم على الحق ثم يقول: النتائج بيد الله، ابذل والنتائج بيد الله، أنت عليك بذل السبب.
{أَفَعَيِينَا} [(15) سورة ق] يعني: أعجزنا بالخلق الأول، الجواب؟ الخلق الأول يعني بدأ الخلق، أفعيينا به، يعني عجزنا عنه؟ نعم، يعني كل إنسان مسلم وكافر وموافق ومخالف يقول: لا، ما عجز؛ لأنه هو الذي أوجدهم، الخلق الأول كلهم يقرون به، لكن المسألة في الإعادة {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ} [(15) سورة ق] "أي لم نعيا به، فلا نعيا بالإعادة" يعني لن نعجز عن الإعادة؛ لأننا لم نعجز عن البدء، والبدء أشد، فلا نعيا بالإعادة {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} [(15) سورة ق] شك، واللبس كما يكون بالشك يكون أيضاً بالخلط، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ} [(82) سورة الأنعام] الفعل: لبس له معان منها: الشك، يعني الالتباس، التباس الأمر واسبتهامه، هذا لبس وهو شك، ومنه أيضاً اللبس الخلط {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام] يعني لم يخلطوا إيمانهم بظلم، وأما اللبس للقميص ونحوه فهو معروف.
{بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} [(15) سورة ق] يعني شك {مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهو البعث، هم في شك من البعث، لماذا؟ لأنهم لم يؤمنوا بالأخبار التي جاءت به، ولم يروه بأعينهم، يعني ما عندهم وسيلة من وسائل الاعتراف والإقرار؛ لأنهم صموا أسماعهم وعميت أبصارهم عن إدراك هذه الحقيقة التي دلت عليها الدلائل القطعية، عموا عن ذلك فلم يؤمنوا به، وإن كان بعضهم قد علم به؛ لإيمانه بأن الخالق هو الله -جل وعلا-، هم كلهم يعترفون بأن الله -جل وعلا- هو الخالق الرازق المدبر، لكن شركهم في الألوهية، بعضهم من باب المكابرة جحد بتوحيد الربوبية، جحد بتوحيد الربوبية، {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [(23) سورة الشعراء] {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} [(14) سورة النمل] فإذا استيقنت بها أنفسهم من لازم ذلك، من لازم الإقرار بتوحيد الربوبية الإقرار بتوحيد الألوهية، ولا شك أن النتيجة لتوحيد الألوهية إنما تكون بعد البعث، فهي متلازمات، فمن أقر بتوحيد الربوبية عليه أن يقر بتوحيد الألوهية، ثم بعد ذلك إذا أقر بتوحيد الألوهية ما الدافع للإقرار بتوحيد الألوهية إلا من أجل الإقرار بالبعث بعد الموت والجزاء.
باقي وقت وإلا ما باقي؟ والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التفاسير بالأثر هي أولى ما يهتم به طالب العلم، ومن أعلاها وأغلاها وأنفسها تفسير ابن جرير الطبري فهو أصلها، ثم بعد ذلك تفسري الحافظ ابن كثير والبغوي، هذه لا يستغني عنها طالب علم، ثم بعد ذلك يأتي إلى التفاسير التي تهتم بالصناعة اللفظية مثل تفسير القرطبي مع أحكام القرآن؛ لأن أصل التأليف للقرطبي الجامع لأحكام القرآن، لكن عنايته باللغة بارزة وواضحة، بحيث لو جرد اهتمامه باللغة لجاء تفسير متوسط، ويستشهد على ذلك من لغة العرب، الذي يستطيع أن يخرج سالماً من تفسير الزمخشري، الذي يستطيع؛ لأنه معتزلي، ومعروف يعني خفاء الاعتزال في تفسيره، حتى أن العلماء أخرجوا اعتزالياته بالمناقيش، لكن طالب العلم المتوسط لا يصلح أن يقرأ في مثل هذا، ولا في تفسير الرازي، فعلى كل حال تفسير البيضاوي أخف منهما، وما كتب عليه من الحواشي كحاشية: زادة، وكحاشية: الشهاب، حاشية: القينوي، حواشي مفيدة جداً لطالب العلم.
نعم وجد من يفتي بالقنوات وغيرها من وسائل الإعلام بفتاوى شاذة يخالف فيها المتقدمين والمتأخرين، فمثل هذا لا يقلد، ولا يعتنى بجمع فتاواه، ولا يعتنى أيضاً بالرد عليه إلا بقدر الحاجة، يترك الرد عليه للكبار، إن قاموا به وإلا فمن دونهم.
عرفنا أن المسألة خلافية، هل هي آية من سورة الفاتحة كما يقول الشافعية ورواية عن أحمد؟ أو ليست بآية كما يقوله غيرهم؟ المسألة معروف الخلاف فيها، فمن قال بذلك فله سلف، من قال: بأنها آية له سلف، ومن قال: بأنها ليست بآية له سلف أيضاً.
أولاً: القرآن نزل منجماً مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، وكون الشيء ينزل بالتدريج ويؤخذ تدريجياً، ليست مشقته مثل مشقة ما يؤخذ دفعة واحدة.
الأمر الثاني: أن قراءة القرآن في أول الأمر كان فيها شيء من السعة مناسبة لحال الصحابة وظرفهم في أول الأمر، فإنهم دخلوا في الإسلام وفيهم الكبير، وفيهم الصغير، وكلهم بل جلهم أميون، لا يقرؤون ولا يكتبون، فشرع التخفيف عليهم، فأنزل القرآن على سبعة أحرف، كل هذا مراعاةً لحالهم، كل هذا مراعاةً لحالهم، فلا يجدون مشقة، مع أنه قليل منهم من جمع القرآن كاملاً في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنهم كانوا مشغلون بتأسيس الدولة النبوية معه -عليه الصلاة والسلام-، بالدعوة إلى دين الله في أول الأمر، ثم بالجهاد وما يعين على إقامة هذه الدولة بالهجرة ومفارقة الأوطان وغير ذلك، وكان أيضاً يشغلهم ما هم بصدده من أمور دنياهم، كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "كان إخواننا من المهاجرين يشغلهم الصفق في الأسواق، وإخواننا من الأنصار يشغلهم العمل في زروعهم وحروثهم" فلم يتفرغوا كما تفرغ أبو هريرة لحفظ السنة، وعلى كل حال الأمر في أول الأمر فيه شيء من السعة؛ لأنه كما ذكرنا القرآن نزل منجماً تنزل الآية والآيتان والثلاث فتحفظ، ليست مثل ما يجده الإنسان بعد ذلك بعد جمع القرآن، يجده كاملاً بين الدفتين وقد يكون عنده من الحرص على حفظه في أقصر مدة ما يجعله يشق على نفسه، فلو أخذ بالتدريج لثبت ورسخ، لكن لا على التراخي الذي يؤدي إلى التفريط في حفظه، كما فعل كثير من طلاب العلم، تجدهم تراخوا وقدموا عليه علوم أخرى ثم في النهاية صعب عليهم حفظ القرآن.
على كل حال هذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- إذا نزلت الآية قال: ((اكتبوها في الموضع الفلاني، في السورة التي يذكر فيها كذا، بعد قوله كذا)).
يا إخوان القراءة التي هي حزبك اليومي، ونصيبك اليومي من كتاب الله -جل وعلا- بحيث تقرأها نظراً بالتدبر والترتيل ينبغي أن يكون على طريقة الصحابة؛ لأن تقسيمهم مقسم على أيام الأسبوع، وهو مناسب لذلك جداً، لكن قد يقول قائل: أنا والله لا أستطيع أن اقرأ في اليوم خمسة أجزاء، نقول: اقرأ ما تستطيع لكن لا تهجر القرآن، وكلما أكثرت فالله أكثر، وكل حرف بعشر حسنات، والختمة بثلاثة ملايين حسنة، وإن حرمت حرمت نفسك، فالقراءة هذه قراءة الحروف يعني جلب الحسنات أو اكتساب الحسنات عن طريق الحروف، هذا لا شك أنها بواسطة تحزيب الصحابة، أما بالنسبة للحفظ ومراجعة الحفظ فكل إنسان أعرف بنفسه، كل إنسان أعرف بنفسه، ضعيف الحافظة يقتصر على آيتين، ثلاث، خمس، لا يزيد على ذلك؛ لأنه لو زاد على ذلك تفلت عليه وما استطاع الإحاطة به، الذي أقوى منه حافظة يزيد إلى عشر مثلاً، أقوى منه حافظة يزيد إلى عشرين، المقصود أن مثل هذا كل إنسان يعرف قدرته واستطاعته، وتقسيم القرآن إلى ثلاثين جزءاً هذا لا ينافي تحزيب الصحابة، لا ينافيه أبداً.
أكثر المفسرين على أنه لا مفهوم لقوله: {تَرَوْنَهَا} [(2) سورة الرعد] وأنها بنيت بغير عمد، ومنهم من قال عن ترونها لها مفهوم، وهذا أيضاً فيه دلالة على عظمة الخالق، حيث يوجد أعمدة تسند هذه السماوات لكنها لا ترى.
الحرص على الأسانيد سواءً كانت في القراءات أو في السنة النبوية لا شك أنه حرص على ما تمتاز به هذه الأمة، وتختص به، من بقاء الإسناد إلى آخر الزمان، إلى آخر الزمان، بينما الأمم السابقة انقطعت صلتها بأنبيائها، لا يوجد عندهم أسانيد، فالأسانيد من خصائص هذه الأمة، لكن أثر هذه الأسانيد في الواقع أثر لا..، لا يوجد لها أثر من حيث الثبوت وعدمه، يعني الأسانيد كان معول أهل العلم عليها في الإثبات والنفي، لكن بعد ذلك، بعد أن دونت الأحاديث في الكتب هذه الأسانيد قيمتها في المحافظة على خصيصة هذه الأمة، أما كونه يصحح حديث أو يضعف حديث؛ لأن فلاناً يرويه بالأسانيد منه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد التدوين هذا لا قيمة له، يعني يفترض أنا عندي رواية في صحيح البخاري هل يتأثر صحيح البخاري إذا كان بيني وبين البخاري رواة ضعفاء؟ ما يتأثر ما له قيمة، لكن مع ذلك الحرص على هذه الأسانيد إنما هي لمجرد المحافظة على خصيصة هذه الأمة، وهي أنها أمة أسانيد، ما تقبل الدعاوى بدون ما يثبتها، ومع ذلك على طالب العلم أن يسدد ويقارب، يعني ما يمنع أن ينتقي من الشيوخ من شيوخ عصره من يشرف بالانتساب إليه، إذا كان عنده أسانيد، فيروي عنه ولو بالإجازة، أما تتبع هذه الأسانيد، وهذه الأثبات في الأقطار والأقاليم يوماً في المغرب، ويوماً في المشرق من أجل أن يأخذ إجازة من فلان أو علان، وينفق عمره ويضيع أوقاته لا فائدة في هذا، ولا أثر يترتب على ذلك، وأما بالنسبة لقراءة القرآن بالأسانيد فهي مثل ما قلنا في السنة، والقرآن ثبوته قطعي ولو لم يروه القارئ بالأسانيد؛ لأن فيه تواتر الطبقة، تواتر الطبقة، يعني منذ نزوله على النبي -عليه الصلاة والسلام- من الله -جل وعلا- بواسطة جبريل -عليه السلام-، والصحابة يتلقونه، ويتلقاه عنهم التابعون، وهكذا إلى يومنا هذا، إلى يومنا هذا وإلى أن يرفع في آخر الزمان.
ما أدري، الله أعلم.
ما تجي، تفسير ابن كثير لابن كثير، أما مختصر ابن كثير المسمى: عمدة التفسير للشيخ أحمد شاكر، أما ثلثه الأول الذي طبع في وقته فهذا بلغ فيه إلى الغاية، أتقنه إتقاناً عجيباً، وأما الثلثان اللذان طبعا بعده متأخران فهذا ليست جودتهما مثل الثلث الأول، إنما الذي يظهر أن الطابع طبع ما أقره الشيخ أحمد شاكر في نسخته؛ لأنه عمد إلى نسخة طبعة الاستقامة من خلال التصوير الذي رأيناه أنها طبعة الاستقامة أو التجارية؛ لأن الاستقامة مأخوذة عن التجارية، فالشيخ يقرأ ويخطط بالقلم، يضع علامات يشطب على بعض المقاطع، فالطابع طبع ما تركه الشيخ فيه، وحذف ما عليه هذا الضرب الذي وضعه عليه، فسموه: مختصر ابن كثير للشيخ أحمد شاكر، أما الثلث الأول الذي وصل فيه إلى الأنفال هذا في غاية الجودة.
نعم، يقرأها على الوجه المأمور به، يقرأها على الوجه المأمور به، بالترتيل وتحسين الصوت وتزيينه؛ لأنه بهذه الطريقة يحصل تحريك القلوب بهذه السورة العظيمة، فأمرنا أن نرتل القرآن وهذا قرآن، أمرنا أن نزين القرآن، أمرنا أن نحسن أصواتنا بالقرآن، كل هذا مأمور به، وقراءة القرآن على الوجه المأمور به، هي التي تؤثر الأثر المبني على ذلك كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به هي التي تزيد القلب طمأنينة ويقين وإيمان وعلم" كما يقول ابن القيم:
فتدبر القرآن إن رمت الهدى
فالعلم تحت تدبر القرآنِ
تفسير ابن عاشور اللي هو التحرير والتنوير تفسير رائع، من أجمل ما كتبه المعاصرون، وعنايته ببيان القرآن، وإعجاز القرآن، ولغة القرآن واضحة، فيستفيد منه طالب العلم، وهو كتاب متعوب عليه، يعني ألف في أربعين عاماً، ما هو مجرد نقل هو تحرير وتحليل، ولا شك أن فيه جهد مبذول ونافع على كل حال.
(حدائق الروح والريحان) هذا إن كان تفسير الهرري الذي أكثر من اثنين وثلاثين جزء، هذا أنا اقتنيته أخيراً ولا قرأت فيه، فلا أستطيع الحكم عليه.
هذا في كل مناسبة نذكر هذين التفسيرين، وأن طالب العلم يفيد منهما فائدة عظيمة.
مسألة التوسع في إدخال الإعجاز والاختراعات العصرية، وما جد وما استحدث، وإدخاله تحت آي القرآن، أو تحت نصوص السنة، التوسع في هذا لا شك أنه غير مرضي، حتى أن بعضهم بل كثير منهم توسع فأدخل في ذلك نظريات قابلة للنقض، قابلة للنقض، فماذا عن هذه النظرية إذا نقضت هل ينقض ما فسر به أو ما فسرت به ما كانت تفسيراً له من كتاب أو سنة؟ التوسع في هذا غير مرضي، والجزم بذلك مزلة قدم، وقد ألف بعضهم: (مطابقة الاختراعات العصرية لما جاء عن خير البرية) ورد عليه، رد عليه بكتاب اسمه: (إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة) المؤلف مغربي فرد عليه.
على كل حال تجد بعض الناس مغرم بهذا إذا وجد أدنى شيء له علاقة ذكره، يعني ذكروا الهندسة كلها تحت قوله -جل وعلا-: {انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} [(30) سورة المرسلات] إيش الرابط بين هذا وهذا؟ {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} [(31) سورة الأعراف] أودعوا فيه كل ما في الطب، نعم هذه إشارات، إشارات لكن لا ينبغي أن تجعل مرتعاً لتخصصات لا علاقة لها بالقرآن، وإن كان الإسلام شاملاً عاماً لجميع نواحي الحياة، يعني ما في فصل بين أمور الحياة وبين أمور الدين، لكن نحمل النصوص ما لا تحتمل، نجعل نصوص الكتاب والسنة عرضة للنفي والإثبات تبعاً لهذه النظريات؟ لا.
لا شك أن طالب العلم عليه أن يهتم وينتبه لما هو بصدده من التحصيل، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، إذا كان ينتبه إلى الجوال، وينتبه للرايح والغادي هذا ما يدرك شيء، هذا لا يدرك شيء، هذا لا بد أن يأتي إلى الدرس بكليته، ويترك الدنيا كلها وراء ظهره، من أجل أن يستفيد، أما إذا أراد أن يأتي للدرس وعلى التراخي مع شيء من الفتور ويستند إلى جدار أو إلى عمود، ولا يدافع النوم، إن جاء فأهلاً وسهلاً، وإن راح سمعنا ما يقال، هذا ما يدرك علم، فلا بد لطالب العلم أن يهتم لذلك، وأن يعنى به، ولا يترك مجالاً للشيطان يضيع به وقته، لا جوال ولا غير الجوال، ومع ذلك إذا كان..، إذا كانت الغفلة من طالب العلم مؤثرة عليه هو فالجوال يؤثر على غيره، وهذا فيه أذية للحاضرين، ويخشى أن يدخل في الذين يؤذون المؤمنين.
أما الجنب فلا يدخل المسجد إلا عابر سبيل، وإذا كان الدرس في غير المسجد ولم يحتج إلى مس مصحف ولا قراءة آيات، فهذا لا إشكال فيه.
دراسة علم التفسير لا شك أن التفاسير كثيرة جداً، وفيها المطولات التي تنقطع دونها الأعناق، وإذا كان تفسير البيضاوي عليه ما يقرب من مائة وعشرين حاشية، فكيف يتسع العمر لما هو أهم من البيضاوي فضلاً عن هذه الحواشي؟
طالب العلم في بادئ الأمر عليه أن يقرأ القرآن مثل ما ذكرنا، على الوجه المأمور به، ويكون معه ورقة وقلم يدون فيه الألفاظ التي يعجز عن فهمها، وكذلك الجمل والتراكيب التي فيها إشكال من وجهة نظره، ثم يراجع عليها كتب الغريب، ومن أخصر ما كتب في الغريب وأنفعه كتاب: (غريب القرآن) للسجستاني (نزهة القلوب) مطبوع مفرد، ومطبوع على هامش المصحف، ويراجع أيضاً المختصرات، التفاسير الموثوقة مثل تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، أو الشيخ فيصل بن مبارك، هذه كتب مباركة ونافعة وموثوقة، ثم بعد ذلك يقرأ عاد في التفاسير، هذه مختصرة يجردها كاملة، ثم يرتقي إلى التي فوقها من تفسير ابن كثير ونحوه، ثم بعد ذلك يقرأ في المطولات، وهناك شريط اسمه: (المنهجية في قراءة الكتب في المتون والمطولات والشروح والحواشي) يرجع إليه من أراده.
تفسير ابن عطية تفسير متقدم ونافع، فيه تحريرات لغوية وفقهية، ويستفيد منه طالب العلم، ويكثر عنه المفسرون النقل، وفيه فوائد عظيمة، ابن عاشور تكلمنا عنه.
نعم هو دين من الديون، الدين لبيت المال مثل غيره من الديون، كغيره من الديون، وأما معنى: "الميت مرتهن بدينه" فلا شك أنه يعفى عن حقوق الله -جل وعلا- أكثر مما يعفى عن حقوق الآدميين، وإذا كانت الشهادة والقتل في سبيل الله تمحو كل شيء إلا الدين، فالدين شأنه عظيم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رفض أن يصلي على المدين حتى ضمن الدين، ومعلوم أن هذا كان في أول الأمر، فلما فتحت الفتوح وكثر الدخل والوارد إلى بيت المال قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أنا أولى المؤمنين من أنفسهم، من ترك ديناً فعلي، ومن ترك مالاً فلورتثه)) فإذا قام بيت المال بتسديد الديون، فلا شك أن هذا من أولى الأولويات، لكن شريطة ألا يكون الدين ناشئاً عن تفريط؛ لأن بعض الناس إذا سمع مثل هذا الكلام يقول: خلاص ما دام بيت المال بيسدد أو ولي الأمر بيسدد يتساهل، علماً أنه إذا تساهل متساهل بذمته، الإنسان ذمته مرهونة ومعلقة بدينه.
الكتاب مثل ما ذكرنا أن كتاب السجستاني مناسب جداً.
الأدلة تدل على أنه بعد دفنه، وإنه ليسمع قرع نعالهم، بعد الدفن يأتيه ملكان إلى آخره، ولكن لو قدر أنه لم يدفن أكله سبع، أو مزقته..، مزقه حريق أو حادث أو ما أشبه ذلك ما استطيع دفنه، أو لم يوقف عليه، فالله -جل وعلا- قادر على أن يسأله على الكيفية التي يراها.
أولاً: في مثل هذه الحالة لا يجوز الدخول مع الإمام، حتى يعلم المصلي المؤتم ما يصنع إمامه ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) وإذا كان لا يعرف ما الذي يصنعه الإمام لا يجوز اقتداؤه به.
تفسير (في ظلال القرآن) أولاً: ليس بتفسير على طريقة أهل العلم بالمأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعن الصحابة وعن التابعين هو تفسير أشبه ما يكون بكتب الأدب، والمؤلف أديب، ولذا حصل منه المخالفات، ووجد فيه بعض ما يستنكر، فهو يقرأ مثل ما يقرأ غيره من الكتب الأدبية المرتبطة بالقرآن، يبين جمال الأسلوب، وهو أشبه ما يكون بالتفسير البياني، مثل: التفسير البياني للقرآن لعائشة بنت الشاطئ، ومثل: إعجاز القرآن للرماني ونحوه، هذه الكتب يعني كتب ثانوية جانبية، ليست هي الأصول التي يعول عليها، ومع ذلك لو أن طالب العلم ما نظر فيها ما فقد شيء، ما يفقد شيء حينما لا ينظر فيها، الجادة معروفة عند أهل العلم، والتدرج في قراءة هذا العلم كغيره من العلوم.
على كل حال هذه التفاسير فيها مخالفات، ولا ينكر أن فيها شيء من بيان أسلوب القرآن وجمال الأسلوب، والقرآن على كل حال أفصح الكلام، وهو معجز بألفاظه ومعانيه.
تفسير الصابوني إن كان المقصود به مختصره لابن كثير فهذا رد عليه فيه، تولى أهل العلم الرد عليه في مخالفات، قد يقول قائل: كيف يكون مخالفات وهو مختصر من تفسير لإمام محقق؟ نعم قد توجد مخالفات؛ لأن هذا الإمام المحقق يذكر أكثر من وجه في تأويل الآية وفي معنى الكلمة، ثم هذا الذي يأتي بعده ويختصر كلامه يقتصر على الوجه المرجوح عند ذلك الإمام، فتحصل هنا المخالفات، وله تفسير أيضاً جمعه من تفاسير، وكذلك أيضاً وجد فيه بعض المخالفات.
أما بالنسبة للأنبياء فالله -جل وعلا- حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأما الشهداء فهم أحياء، فهم أحياء، والوقائع تدل على أنهم..، أن أجسادهم محفوظة، غيرهم من الصالحين قد، لكنه ليس بمطرد كالأنبياء والشهداء، وقد يحفظ العبد الصالح كرامة له من أن تأكله الأرض، لكنه ليس بمطرد.
في تفسير للخوارج الإباضية طبع، طبعته دار الغرب في أربعة مجلدات، مؤلفه: هود بن محكم الهواري، موجود في الأسواق، على طريقة الإباضية الخوارج، وفيه غيره من التفاسير، في أيضاً تفاسير للصوفية، تفسير: ابن عربي، تفسير: المهايمي تفاسير موجودة يعني في الأسواق، وهناك تفاسير للرافضة وغيرهم والزيدية، والأسواق مملوءة من هذا وهذا.
الذي يقول بفناء الجنة والنار هم المعتزلة، هم المعتزلة، يوافقهم منذر بن سعيد البلوطي من غيرهم، شيخ الإسلام يذكر عنه القول بفناء النار، وكلام ابن القيم قد يفهم منه في آخر (حادي الأرواح) و(مفتاح دار السعادة) وبعض كتبه إشارات تدل على أنه يتوقف؛ لأنه لم يرجح ترجيحاً واضحاً في هذه المسألة.
على كل حال لو قالوا بهذا وهم أئمة ومعتبرون، لا شك أن الحق الذي دلت عليه النصوص أن الجنة والنار باقيتان، وأن أصحابها أصحاب الجنة خالدون مخلدون، وأصحاب النار كذلك.
القرآن متعبد بلفظه، فلا تجوز روايته بالمعنى بخلاف السنة، التي جمهور أهل العلم على جواز الرواية بالمعنى بشرطه، بشرطه، من عارف بالألفاظ وما يحيل المعاني، أما القرآن فلا بد من لفظه.
إي وربي، إن كانت هناك حافظة تسعف فمن أفضل ما تنفق فيه الأوقات بعد نصوص الوحيين مثل هذه النونية، إن كانت الحافظة تسعف؛ لأن النونية خمسة آلاف وثمانمائة وستين بيت، تحتاج إلى معاناة، وفيها صعوبة، وفي فهمها أيضاً خفاء في بعض الأحيان، لكن طالب العلم متوسط الحافظة قد لو انتقى منها ألف بيت مثلاً واهتم بها، وحفظها جيد.
أولاً: الدين والشرع لا يأتي بالمحال، قد يأتي بما تحتار فيه العقول، لكن لا يأتي بالمحالات، فالعقل الصريح لا يمكن أن يناقض النقل الصحيح، والمقصود بالعقل العقل الباقي على فطرته، أما العقول التي لعبت بها الأهواء واجتالتها الشياطين، هذا لا عبرة بها، لا عبرة بها، المعول على العقل الباقي على فطرته، ولشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- كتاب اسمه: (درء تعارض العقل والنقل) من أبدع ما كتب في الباب، كتاب كبير، يعني في عشرة مجلدات، الكتاب عظيم جداً، لكن الإشكال في الكتاب أن المتوسط بل الكبار من طلاب العلم قد لا يفهم جملة كبيرة من الكتاب، يعني مستوى الكتاب غاية في الدقة والصعوبة، لذا يقول ابن القيم -رحمه الله-:
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي
ما في الوجود له نظير ثانِ
الكتاب عظيم، لكن متوسط الطلاب لا يقرأ فيه؛ لأنه لا يستفيد إلا الشيء اليسير، ونعرف من العلماء الكبار المتمكنين من قرئ عليهم في هذا الكتاب، ويقول: اترك، اترك، يعني امش، الصفحات العشر العشرين صفحة كلها كأنها طلاسم لدى طلاب العلم المعاصرين، ورده على الرافضي في المجلد الأول ما يقرب من ثلاثمائة صفحة من هذا النوع، وفي المجلد السادس كذلك، يعني قراءتها عبث بالنسبة لكثير من طلاب العلم، بعض الطلاب من الصغار يسمع كلام ابن القيم ومدح (درء تعارض العقل والنقل) ثم يقرأ فيه، ثم بعد ذلك يترك القراءة بالكلية؛ لأنه يحكم على نفسه بالفشل التام، وهذه الإشكال في عدم التدرج في القراءة، فلا يتطاول طالب العلم على مثل هذه الكتب كما يسمع ثناء ابن كثير وإطراء ابن كثير لعلل الدارقطني ثم يذهب يقرأ في علل الدارقطني، ثم بعد ذلك يترك القراءة، لا، على طالب العلم أن يعرف قدر نفسه، هناك كتب للمبتدئين، كتب للمتوسطين، كتب للمتقدمين والمنتهين، فالذي جرنا إلى هذا أن العقل قد لا يدرك جميع ما جاء به الشرع، وإن كان لا يأتي الشرع بالمحال، قد يأتي بمحارات العقول، لكنه لا يأتي بمحال.