شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح (124)
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بكم إلى حلقة جديدة في برنامجكم شرح كتاب التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح، مع بداية حلقتنا يسرنا أن نرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير، فأهلًا ومرحبًا بكم شيخ عبد الكريم.
حياكم الله، وبارك فيكم وفي الإخوة المستمعين.
المقدم: شيخ عبد الكريم في الحلقة الماضية تحدثتم عن حديث ابن مسعود في باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، توقفنا عند أطراف الحديث، لعلنا نستكمل ما تبقى، أحسن الله إليكم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين. الحديث أخرجه البخاري في ثلاثة مواضع:
الأول: هنا في كتاب العلم، باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا سفيان هو الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-...» فذكره، وسبق ذكر المناسبة.
والموضع الثاني: في كتاب العلم أيضًا في الباب الذي يليه، باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن أبى وائل قال: «كانَ عبدُ اللَّهِ يذَكِّرُ النَّاسَ في كلِّ خميس» فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني عن ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بها؛ مخافة السآمة علينا.
من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة، ابن مسعود جعل لهم يوم الخميس، رتب لهم يومًا معلومًا في الأسبوع فالمطابقة والمناسبة ظاهرة.
والموضع الثالث: في كتاب الدعوات، باب الموعظة ساعة بعد ساعة، قال: حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثني شقيق قال: كنا ننتظر -شقيقه أبو وائل الذي سبق ذكره- قال: كنا ننتظر عبد الله إذ جاء يزيد بن معاوية، قلت: ألا تجلس قال: لا، ولكن أدخل فأُخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست، يزيد بن معاوية قال: كنا ننتظر شقيقه ووائل شقيق ابن سلمة، كنا ننظر عبد الله إذ جاء يزيد بن معاوية قلت: ألا تجلس؟ قال: لا، ولكن أدخل فأُخرج إليكم صاحبكم وإلا جئت أنا فجلست، فخرج عبد الله وهو آخذ بيده فقام علينا فقال: أما إني أخبر بمكانكم، يعني أنا أعرف بمكانكم، ولكنه يمنعني من الخروج إليكم أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كان يتخولنا، مناسبة هذا الحديث أو هذا الباب لكتاب الدعوات باب الموعظة ساعة بعد ساعة لكتاب الدعوات أن الموعظة غالبًا يخالطها التذكير بالله -جل وعلا-، والذكر من جملة الدعاء، الموعظة يخالطها تذكير، والذكر من جملة الدعاء، وقد تكون الموعظة مشتملة على أدعية لاسيما في آخرها تختم بأدعية، يقول: إذ جاء يزيد بن معاوية، من يزيد بن معاوية؟ هو النخعي، كوفي تابعي ثقة عابد من طبقة الربيع بن خثيم، والحديث خرجه الإمام مسلم، فهو متفق عليه.
المقدم: أحسن الله إليك، سنفتح المجال للإخوة لطرح أسئلتهم، ذكرتم في الحلقة الماضية أن مما قاله بعض أهل العلم في معنى كونه يتخولهم الموعظة أنها بحسب الحال، أو نهاية ما تحدثت عنه أنها بحسب الحال بمعنى إذا كانت الحال تستدعى التطويل يطول، أو يكثر من الموعظة إذا كان الحال لا تستدعي ذلك، ألا يفهم من هذا...
وقد جاء هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحيانًا يخطب الساعات.
المقدم: ما ينقل هذا لخطبة الجمعة ما دام أن من فقه الرجل أن يقصر في الخطبة.
نعم، حتى خطبة الجمعة إذا اقتضت الحال، وهناك أمور مما ينبغي التنبيه عليه مما يفوت، ينبغي للخطيب أن يتناول هذه الموضوعات ببيان وبسط ووضوح، على ألا يمل الحاضرين.
الأخ الحاضر: ألا يكون يا شيخ حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- خاصًّا بالموعظة التي فيها الترغيب والترهيب خصوصًا مع مطابقة نص الحديث، أما الحلال والحرام والأحكام فلا بأس من تكرارها، ولو أكثر من مرة في اليوم أو عدد الأيام.
لا شك أن الحديث لفظه خاص بالموعظة، لكن معناه وهي كراهية السآمة علينا يتعدى ذلك إلى العلم من الحلال والحرام، ولذا الإمام البخاري -رحمة الله عليه- لما ترجم على الخبر قال: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم، وقال في الترجمة الثانية: باب من جعل لأهل العلم أيامًا معلومة، ولا شك أن الجميع يحتاجون إلى تخول، فإذا كانت المواعظ التي لا تشق على النفوس، لا يشق على النفوس استماعها ولا تلقيها لسهولتها في الجملة؛ لأنها تخاطب المشاعر، ولاسيما مشاعر العوام غالبًا، والعلم أثقل من الموعظة يحتاج إلى كد ذهن واستحضار واستجماع نفس، فهو أولى بالتخول، لكن مثل ما ذكرنا سابقًا أن الشيخ إذا تجاوز مرحلة المجاهدة والطلبة كذلك لديهم رغبة في الاستزادة من العلم، وصار لديهم نهم، وقد جاء في الخبر «منهومان لا يشبعان طالب علم، وطالب مال»، وعرفنا وقرأنا وسمعنا من يستغرق جل الوقت في القراءة، والبحث والدرس والتدريس والمناقشة والمناظرة، مثل هذا الذي تجاوز مرحلة مجاهدة النفس إلى مرحلة التلذذ بهذا العلم، وقل مثل هذا في أبواب العبادات كلها مثل قيام الليل مثلاً، مثل صيام الهواجر، بعض الناس يتلذذ بهذا، وتقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ما حُفظ عنه أنه قام ليلة كاملة، لكن يتلذذ بهذا، صار هذا ديدنه وهذا شأنه، فالمسألة بحسبها والأشخاص والأحوال والظروف لا شك أن بينها تفاوتًا.
المقدم: أحسن الله إليكم، بعض الناس ينكر من يحدث يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة مباشرة، ينكر عليه هذا، وأنه فيه نهي حول هذا.
جاء النهي عن التحلق يوم الجمعة وأهل العلم يقول إن هذا خاص في مكانها وفي وقتها، يعني قرب وقتها ما زال قبيل الزوال، لو يوجد مثلًا حلق للتعليم لا شك أنه الوقت ما هو مناسب، ولم يفعله أحد، لكن بعد صلاة الجمعة وجد من يعظ من السلف، ووجد من يعلم، ووُجد من يفسر القرآن، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- كان يفسر القرآن بعد صلاة الجمعة وبعد العصر كذلك وُجدت الدروس بعد العصر، والحمد لله، الأمر فيه سعة ما لم يضيق على هذه الشعيرة التي هي صلاة الجمعة.
المقدم: نقرأ حديث أنس.
تفضل.
قال -رحمه الله- عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يسِّروا ولا تعسِّروا وبشِّروا ولا تنفِّروا».
راوي الحديث أنس بن مالك قد تقدم التعريف به.
والحديث ضمن الترجمة السابقة، ومناسبة الحديث لا سيما قوله -عليه الصلاة والسلام- «ولا تنفِّروا» لقوله في الترجمة "كي لا ينفروا" مطابقة.
قوله: «يسِّروا» من اليسر وهو نقيض العسر قال الكرماني: فإن قلت الأمر بالشيء نهي عن ضده فما الفائدة في «ولا تعسِّروا» ما دام أمروا بالتيسير؟ لماذا قال: لا تعسروا؟
قلت (يقول الكرماني): لا نسلم ذلك، ولو سلمنا فالفرض التصريح بما لزم ضمنًا للتأكيد، يعني قد يصرح بما هو مجرد توضيح، هو الإرادة الذي أورده الكرماني إذا قلنا: إن التيسير والتعسير من باب النقيض، أما إذا قلنا إنه من باب الضد، فلابد من ذكرهما معًا على ما سيأتي، وقال: إنه لو اقتصر على يسروا لصدق على من يسر ولو مرة واحدة وعسر كثيرًا يقول: أنا امتثلت الأمر، يسروا، الحمد لله، يسر لك، لكن هل يلزمك من كل شيء تيسير؟ نعم يلزم من كل شيء تيسير؛ لأنه قال: «ولا تعسِّروا» فنفى العسر وأثبت ضده فقال: ولا تعسروا لنفي التعسير في جميع الأحوال، وكذا القول في عطفه عليه ولا تنفروا، وأيضًا فإن المقام مقام الإطناب لا الإيجاز، لكن هل معنى التيسير التساهل في الواجبات نقول: هذا تيسير أو تتبع الرخص أو تتبع الأقوال السهلة من أقوال أهل العلم؟
كلا، الدين فيه تكاليف، فيه واجبات، وفيه محرمات في حدود لا يجوز تجاوزها في حدود لا يجوز قربانها، بعض الناس يفهم من «يسِّروا ولا تعسِّروا» أنه دين يسر، ولله الحمد، نعم الدين يسر، لكنه أيضًا دين تكاليف، الجنة حفت بالمكاره، فليس في هذا مستمسك لمن يرخص لنفسه في ارتكاب ما حرمه الله عليه أو ترك ما أوجب الله بقصد التيسير أبدًا، الدين يسر ليست فيه آصار ولا أغلال، وليس فيه ما يكلف الإنسان فوق طاقته، لكن فيه شيء من المشقة، وبعض العبادات فيها ما يشق على النفس، وهذه المشقة نسبية، قد تشق على بعض الناس، وتكون لبعض الناس متعة ولذة وراحة، فالصلاة يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أرحنا بالصلاة»، وهي من أثقل الأشياء على المنافقين وكل الناس.. له من اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- ومن شبه المنافقين كلٌّ بحسبه يقرب ويبعد الإنسان بحسب ما يقر في قلبه من إيمان.
واليسر -كما في المفردات للراغب- ضد العسر، هنا قوله: يسروا من اليسر، وهو نقيض العسر، وهنا اليسر ضد العسر، حتى الكلام الأول للراغب يقول: اليسر نقيض العسر، ثم قال: اليسر ضد العسر، قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] ، {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق:7] ، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا } [الشرح:5،6]. كذا في المفردات، ولن يغلب عسر يسرين، العسر نقيض اليسر، واليسر ضد العسر، هل يمشي مثل هذا الكلام؟ هل النقيض والضد معناهما واحد بحيث يحل أحدهما محل الآخر؟
لا، النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، الضدان لا يجتمعان، لكن قد يرتفعان، وهنا اليسر والعسر، اليسر الذي هو السهولة، والعسر ما فيه مشقة، ألا يوجد واسطة بينهما؟ إن وجدت واسطة فهما ضدان، وإن لم يوجد واسطة فهما نقيضان.
وفي النهاية لابن الأثير: العسر ضد اليسر، وهو الضيق والشدة والصعوبة، ومنه حديث عمر: أنه كتب إلى أبى عبيدة وهو محصور: مهما تنزل بامرئ شديدة يجعل الله بعدها فرجًا، فإنه لن يغلب عسر يسرين، ومنه حديث ابن مسعود أنه لما قرأ {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5،6] قال: لن يغلب عسر يسرين، لن يغلب عسر يسرين. يقول الخطابي: معناه أن العسر بين يسرين، إما فرج عاجل في الدنيا، وإما ثواب آجل في الآخرة.
إذا تصورنا، الجهاد يسر أم عسر؟ عسر، لكنه إما الجنة أو النصر، إحدى الحسنيين فهو بين حسنيين، هذا ما ذهب إليه الخطابي، وقيل: أراد أن العسر الثاني هو الأول تبعًا للقاعدة أن المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عينها، وإذا أعيدت نكرة كانت غيرها، وقيل: أراد أن العسر الثاني هو الأول؛ لأن ذكره معرفًا باللام، وذكر اليسرين نكرتين، فكانا اثنين، تقول: كسبت درهمًا ثم أنفقت الدرهم، الدرهم هو الأول.
الأخ الحاضر:.......
نعم الذي ذكر { كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل:15-16] المذكور الإنسان فالثاني هو الأول المكتسب الدرهم الثاني هو الأول المكتسب.
«وبشِّروا» بعد قوله: «يسِّروا» فيه الجناس الخطي؛ لأن بشروا ويسروا متقاربتان في الخط، قاله الحافظ، ووقع عند المصنف في الأدب عن آدم عن شعبة بدل بشروا؛ "سكنوا"، «سكنوا ولا تنفروا»، وهي التي تقابل «ولا تنفروا»؛ لأن السكون ضد النفور، الذي ضد التبشير النذارة، والذي ضد النفور السكون، كما أن ضد البشارة النذارة، لكن لما كانت النذارة وهى الإخبار بالشر في ابتداء التعليم توجب النفرة قوبلت البشارة بالتنفير، ولما كانت النذارة وهي الإخبار بالشرف ابتداء التعليم توجب النفرة قوبلت البشارة بالتنفير، «بشروا ولا تنفروا» لو قال: "انذروا ولا تنفروا" المقابل..
المقدم : ولا تبشروا.
بشروا ولا....
المقدم: تنذروا.
يأتي؟
المقدم: ما يمكن.
لماذا؟ هل يمكن أن يقال: بشروا؟ هل تتم المقابلة بقوله: "بشروا ولا تنذروا"؟
المقدم: لا.
لأن النذارة أيضًا مطلوبة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- إنما أرسل تبارك الذي...
المقدم: بشيرًا ونذيرًا.
والمراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذا الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف، يعني الأسلوب في الدعوة ينبغي أن يكون على هذه الطريقة، يتضمن البشارة، ولا يتضمن التنفير يقول: وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف؛ ليقبل، وكذا تعليم العلم، ينبغي أن يكون بالتدريج، نعم التعليم تعليم الجاهل ينبغي أن يكون برفق ولين، وحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ومعاملة النبي-عليه الصلاة والسلام- دليل على هذا، والصحابة -رضوان الله عليهم- لما زجروا نهاهم النبي-عليه الصلاة والسلام- عن ذلك، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلًا حبب إلى من يدخل فيه، وتلقاه بانبساط، وكان عاقبته غالبًا الازدياد بخلاف ضده، والله تعالى أعلم.
لو يأتي طالب علم مبتدئ يستشير شيخًا فيما يقرأه في البداية يقول: يا بني اقرأ فتح الباري، هل هذا مناسب له؟ ألا يخشى على هذا الطالب أن يترك العلم بالكلية؟ نعم يتركه؛ لأنه لم يعط هذا العلم بالتدريج، لكن يعطى، يربى على صغار العلم بالمتون الصغيرة، ثم التي فوقها، ثم بعد ذلك يصل إلى هذه المرحلة.
قال الكرماني: وهذا الحديث من جوامع الكلم؛ لاشتماله على خير الدنيا والآخرة؛ لأن الدنيا دار الأعمال، والآخرة دار الجزاء، فأمر-صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالدنيا بالتسهيل، وفيما يتعلق بالآخرة بالوعد بالخير والإخبار بالسرور؛ تحقيقًا لكونه -عليه الصلاة والسلام- رحمة للعالمين في الدارين. وفى الحديث الأمر بالتيسير، أو الأمر بالتبشير بفضل الله وسعة رحمته، والنهي عن التنفير بذكر التخويف أي من غير ضمه إلى التبشير، يعني لو قدر أن شخصًا واعظًا سلك مسلك التخويف، ويوجد عليه من أدلة الوعيد في كل موعظة لا شك أنه سوف يحملهم أسلوبه هذا على اليأس من رحمة الله، وتنفيرهم عن دين الله، لكن إذا كانت موعظته مزيجًا من التبشير من أخبار الوعد ومن أخبار الوعيد؛ لئلا يقنط من رحمة الله، وييأس من روحه، ولئلا يأمن من مكر الله أيضًا لو كان الأسلوب كله وعدًا.
الأخ الحاضر:.......
هو يختلف أيضًا بحسب أحوال الناس، ويختلف باختلاف الأوضاع، إذا كثر التساهل في الناس ينبغي أن يؤتى بنصوص الوعيد أكثر، تكون نصوص الوعيد التي تلقى عليهم أكثر من نصوص الوعد؛ لتحد من تساهلهم وإذا كثر التشدد، والإفراط يكثر من إيراد أحاديث الوعد؛ لأن الواعظ والمعلم كالطبيب ينبغي أن يعالج كل شخص بما يناسبه.
يقول: وفيه تأليف من قرب إسلامه وترك التشديد عليه، وكذا من تاب من المعاصي، هؤلاء يتلطف بهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلًا قليلًا، لو أن أحدًا تعب من معاصيه فيأتي يستشير، ماذا أعمل؟ فيقول: له مشير «عليك بصيام داوود صم يومًا وأفطر يومًا» مثل هذا قد يصد عن توبته، ويرجع، لكن لو قيل له: صم من كل شهر ثلاثة أيام، فإذا أنس بالصوم، وتلذذ به يمكن أن يزاد عليه، وهكذا بقية العبادات.
وفيه تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه، وكذا من تاب من المعاصي يتلطف بهم ويدرجون في أنواع الطاعة قليلًا قليلًا، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج، فمتى تُيُسر على الداخل في الطاعة والمريد للدخول فيها سهل الدخول، يعني مثل تحريم الخمر جاء بالتدريج، لا يطيقون فراقه من أول وهلة.
سائل: شيخنا أحسن الله إليك، يذهب البعض إلى جعل هذا الحديث: «يسِّروا ولا تعسِّروا» قاعدة في اختيار الأيسر من الفتاوى رفقًا بالناس، فهل هذا الفعل شرعي؟ وما توجيهكم لمن يصنع هذا؟
اختيار الأيسر إذا كان يسنده الدليل أو يعضده أحد احتمالي الدليل، أما إذا كان الأيسر فيه مخالفه للدليل فلا عبرة به، نظيره ما يقول عنه أهل العلم إن تتبع الرخص، من تتبع الرخص تزندق، يقررها أهل العلم، فإذا حرص على التلفيق بين المذاهب في أيسر ما يوجد فيها فأخذ من مذهب الحنفية أيسر ما عنده، وأخذ من مذهب المالكية أسهل ما عندهم، وأخذ من مذهب الشافعية كذلك، والحنابلة كذلك، يخرج من الدين بالكلية وهو لا يشعر، يكون الدين كله مباحات إلا مسائل يسيرة جدًّا، وهي المتفق عليها، فعليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن يختار من الأقوال ما يعضده الدليل لا غير، ولا يكون اختياره بين المذاهب على سبيل التشهي ولو كان قصده حسنًا للتيسير على الناس لا، لا يكفي التيسير، إنما التيسير المطلوب الذي جاءت به الشريعة، وهو ما يسنده الدليل، تكاليف على الداخل في الطاعة والمريد للدخول فيها سهل الدخول، وكان عاقبته غالبًا التزايد منها، ومتى عسرت عليه أوشك ألا يدخل فيها.
وهذا الحديث أخرجه البخاري في موضعين هنا في كتاب العلم، باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، قال -رحمه الله-: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا شعبة قال: حدثني أبو التياح يزيد بن حميد الضبعي عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكره. ومناسبة قول أحدهم: "ولا تنفروا" الترجمة ظاهرة.
الموضع الثاني: في كتاب الأدب، باب قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يسِّروا ولا تعسِّروا»، وكان يحب التخفيف والتيسير على الناس، يقول: حدثنا آدم قال: حدثنا شعبة عن أبى التياح قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يسِّروا ولا تعسِّروا وسكنوا ولا تنفِّروا» هذه الرواية التي أشرنا إليها، والمناسبة بين التيسير والأدب ظاهرة، «يسِّروا ولا تعسِّروا» الذي هو نص الحديث، يعني مناسبة الحديث للترجمة ظاهرة، حديث «يسِّروا ولا تعسِّروا»، والترجمة «يسِّروا ولا تعسِّروا»، مناسبة التيسير وعدم التعسير لكتاب الأدب ظاهرة.
والحديث أخرجه مسلم أيضًا، فهو متفق عليه.
المقدم: أحسن الله إليكم شيخ، ونفع بعلمكم، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، شكر الله لضيفنا فضيلة الشيخ الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، شكرًا للإخوة الذين حضروا معنا، شكرًا لكم أنتم أيها الإخوة والأخوات على طيب متابعتكم لنا، نلقاكم بإذن الله في حلقة قادمة من برنامجكم هذا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.