كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 19
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في محرره:
باب الاستجمار والاستنجاء.
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: أتى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الغائط فأمرني أن آتيْه بثلاثة أحجار.
أن آتيَه، أن آتيَه.
"فأمرني أن آتيَه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين، والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته به، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: «هذا رِكْس»، رواه البخاري والترمذي وعلله ثم قال: هذا حديث فيه اضطراب، ورواه الإمام أحمد والدارقطني، وفي آخره: «ائتني بحجر»، وفي لفظ للدارقطني: «ائتني بغيرها».
وعن يعقوب بن كاسب عن سلمة بن رجاء، عن الحسن بن فرات، عن أبيه، عن أبي حازم، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُستَنجى بعظم أو روث وقال: «إنهما لا يطهران»، رواه أبو أحمد ابن عدي، والدارقطني وقال: إسناده صحيح، وقال ابن عدي: لا أعلم من رواه عن فرات القزاز غير ابنه الحسن."
لا أعلم رواه، لا أعلم رواه عن فرات.
لا أعلم رواه من رواه..
لا أعلم رواه بدون من بدون مَن..
عندي في النسخة مَن يا شيخ.
طيب.
"وقال ابن عدي: لا أعلم رواه عن فرات القزاز غير ابنه الحسن، وعن الحسن سلمة بن رجاء وعن سلمة بن كاسب.."
وعن سلمة..
وعن سلمة بنَ كاسب..
ابنُ.
"وعن سلمة ابنُ كاسب.."
كيف تجيء ذي؟ كيف تجيء؟ لا أعلم رواه عن فرات القزاز غير ابنه الحسن، وعن الحسن يعني رواه سلمة بنُ رجاء، وعن سلمةَ رواه ابنُ كاسب، يستقيم أم ما يستقيم؟ تامة العبارة.
"وسلمة أحاديثه أفراد."
ولسلمة أحاديث أفراد وغرائب.
"ولسلمة أحاديث وأفراد وغرائب، ويحدِّث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليها، وروى شعبة عن أبي معاذ واسمه عطاء بن أبي ميمون قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنَزةن فيستنجي بالماء، متفق عليه."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الاستنجاء والاستجمار باب الاستنجاء والاستجمار" تقدم الحديث في الكلام على باب، ومعناه في العُرْف العام والخاص، وإعرابه خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا باب، وباب مضاف، والاستنجاء مضاف إليه، والاستجمار معطوف عليه، والاستنجاء من النجو، وهو القطع، تقول: نجوت الشجرة إذا قطعتهان والمراد به قطع أثر الخارج، قطع أثر الخارج وإزالته، قطع أثر الخارج وإزالته بالماء، والاستجمار مثله إلا أنه بالأحجار، فالجمار هي الأحجار، الجمار هي الأحجار، فالمراد بالباب إزالة أثر الخارج من السبيلين، إزالة أثر الخارج من السبيلين بالماء أو بالأحجار أو بهما معًا، بالأحجار والماء، وجاء الاستنجاء بالماء على ما سيأتي في حديث ابن مسعود وغيره، وجاء الاستجمار بالأحجار في حديث أنس الاستنجاء بالماء، وفي حديث ابن مسعود الاستجمار بالأحجار، وجاء ما يدل على الجمع بينهما من قول عائشة، وما يذكر في مدح أهل قباء بالطهارة، وأنهم يتبعون الحجارة الماء، وفيه كلام لأهل العلم.
المقصود أنه وُجِد الخلاف في الاستنجاء بالماء في الصدر الأول، ثم انقرض، فحصل الإجماع على إجزاء الماء، والاكتفاء بالماء، ثم بعد ذلك مثله الاستجمار والاكتفاء به، محل إجماع على خلاف بين أهل العلم هل هو مطهِّر طهارة تامة بحيث يرفع النجاسة كالماء أو أنه في مقام طهارة الضرورة، وأنه يبيح ما يستباح إلا بالماء، وفائدة الخلاف أنه إذا استنجى بالماء وانقطع الأثر، وعادت خشونة المحل، وهذا الضابط في زوال أثر النجاسة بالماء عَوْد خشونة المحل هذا لا يُخالِف أحد في أن النجاسة انقطعت انقطاعًا تامًّا، وأنه لا أثر لها ألبتة بحيث لو عرِق المحل وانتقل هذا العرق إلى الثوب أو البدن فإنه طاهِر.
وأما بالنسبة للاستجمار وحقيقته أو حقيقة ما يزيله ليست في القوة مثل ما يزيله الماء، ولذا يقولون في ضابط الاستجمار ألا يبقى إلا شيء لا يزيله إلا الماء، فدل على أنه دون الاستنجاء، ولذا يختلف أهل العلم هل هو يطهِّر طهارة تامَّة كالماء، أو أنه يبيح فقط، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا استنجى بالأحجار، وبقي من الأثر ما لا يزيله إلا الماء، وعرِق بعد ذلك، وانتقل العرق إلى ثيابه أو إلى شيء من جسده، فإذا قلنا: إنه يطهِّرة طهارة كاملة كالماء قلنا: لا أثر لهذا العرق، وإذا قلنا: إنه يبيح فقط قلنا: إنه إذا انتقل عن محله، نجَّس الثوب والبدن. والصواب أنه كالماء تمامًا، أنه كالماء؛ لأنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعله ولم يتبعه بالماء، فدل على أنه يطهر المحل طهارة تامة، وأن ما يبقى من الأثر الذي لا يزيله إلا الماء مما يُعفى عنه، مما يُعفَى عنه.
في الحديث الأول يقول: "وعن عبد الله بن مسعود" ابن غافل الهذلي الصحابي الجليل المتوفى سنة اثنتين وثلاثين، من جلة الصحابة وفقهائهم وعلمائهم، من القراء المشهورين، ومن الفقهاء المعتبَرين.
يقول "رضي الله تعالى عنه: أتى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الغائط، أتى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الغائط"، وعرفنا فيما تقدم أن الغائط في الأصل يطلق على المكان المطمئن المنخفض من الأرض الذي يقصد لقضاء الحاجة؛ لكونه يستر مَن جلس فيه وقصده، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قصد هذا المكان المطمئن الذي يقضي فيه حاجته، وإن كان هذا الاسم انتقل إلى ما يوضع فيه وهو الخارج نفسه من باب إطلاق الحال أو المحل وإرادة الحال، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال، وصار فيه حقيقة.
"أتى النبيُّ -عليه الصلاة والسلام"- هذا المكان، يقول ابن مسعود: "فأمرني أن آتيَه بثلاثة أحجار، فأمرني أن آتيَه بثلاثة أحجار"؛ ليستنجيَ بها -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن العدد مقصود، وأن الثلاثة لا بد منها، والدليل على ذلك أنه لما أتاه بحجرين وروثة ألقى الروثة، وطلب منه أن يأتي بثالث، فدل على أن العدد لا بد منه، وأن استيعاب الأحجار الثلاثة أقل ما تُزال به النجاسة.
"فأمرني أن آتيَه بثلاثة أحجار" أمرني هذا استخدام، وابن مسعود حُرّ مُكَلَّف وهذه استعانة منه -عليه الصلاة والسلام- بابن مسعود أن يأتيه بهذه الأحجار، وسؤالٌ منه أن يأتيه بهذه الأحجار، وقد بايع النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- صحابتَه أو بعض أصحابه على عدم المسألة حتى كان الواحد منهم يسقط سوطه من يده، فلا يطلب من أحد أن يناوله حتى ينزل هو بنفسه فيأخذه، ففيه دلالة على أن المتبوع له أن يأمر التابع، له أن يأمر التابع لاسيما إذا عرف من نفس هذا التابع ومن حاله أنه يفرح بمثل هذا التكليف، وأن بعض الناس أمره تشريف لا تكليف، وهذا منه، يعني بعض الناس من المتبوعين تجده مديرًا مثلًا أو رئيس دائرة أو وزيرًا أو كبيرًا أو صغيرًا عنده أيسر الأمور هات كذا، كذا في غير ما استُؤجِر من أجره في غير مصلحة العمل.
ويتعدى الأمر أحيانًا إلى أن يستخدم استخدامًا تامًّا في الأمور العامة والخاصة، كأنه ملك له، فتجد بعض من وُلِّيَ بعض الأمور من مدير وشبهه من السهل اليسير أن يعطيه قائمة بالأغراض التي يريدها البيت في هذا اليوم أو في هذا الشهر أو في هذا الأسبوع، وهات الغاز هات ما أدري إيش؟
هذا استخدام، لكنه إذلال، هذا ما الذي جعله يخدمك؟ هل يتقرب إلى الله بخدمتك، أو أن أنك وُلِّيْت عليه، فبحكم هذه الولاية اكتسبت السلطة، والأمر والنهي وليس هذا من مصلحة العمل، فلا يجوز استخدام الأحرار بهذه الكيفية إلا بطيب نفس منه، يعني لو قال الموظف: إذا لم يكن إذا لم يترتب على ذلك خلل بالعمل قال الموظف للمدير: أنا اليوم أروح لسوق السمك مثلاً، فإن كان لك حاجة فأعطني لأشتري لك شيئًا منه، هذا إذا لم يكن فيه خلل وأثر على العمل مثل هذا أمره سهل، كما يتبادل الزملاء بينهم هذه الأمور مع بعض، هذا لا بأس به إن لم يَفهم منه المدير أن هذا الموظف يريد أن يتقرب إلى المدير؛ ليخلّ بعمله، أو يتغاضى عن بعض تقصيره، أو ينفعه بما هو من أصل مصلحة العمل، فتكون حينئذ رِشوة.
أمر النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- ابنَ مسعود، ابن مسعود حر ومكلف ورشيد، ويتشرف بمثل هذا الأمر، فدل على أن المتبوع له أن يأمر التابع إذا عرف من نفسه أنه يتشرَّف بهذا الأمر، وأن هذا من باب التشريف لا من باب التكليف، يعني بعض الطلاب وعلاقتهم علاقة علم ودين لا أثر للدنيا فيها، طالب مع شيخه، وكلاهما أعني المعلِّم والمتعلِّم ممن يرجو ثواب الله بهذه المهنة، ولا يأخذ عليها أجرًا، طالب ومعلم جاء الطالب وذكر كتابًا للشيخ وقال: ظهر كتاب بتحقيق فلان، وطبعة نفيسة وجيِّدة قال له الشيخ: ائتني بنسخة، وأعطاه قيمتها، هل هذا مثل أمره -عليه الصلاة والسلام- أو مثل أمر المدير؟ لأن هذا الطالب ما ذكر له ذلك إلا وهو يتشرف بخدمة الشيخ علَّه أن يكلفه به، وعلى الشيخ أن ينظر في حال هذا الطالب إن كان يرغب في مثل هذا، ويتشوَّف إليه، ويرغب في خدمته فلا بأس، أما إذا كان يستثقل ذلك ويظن هذا تكليفًا فلا.
"فأمرني أن آتيَه بثلاثة أحجار" فوجد حجرين "فوجدت حجرين" يقول ابن مسعود: "فوجدت حجرين"، والحجارة المقصود بها معروف، ويقوم مقامها ما استحجر من المدر من الطين اليابس، ويقوم مقامها ما يُنَظِّف المحل من الأمور الخشنة التي لا تضر، وأما الذي لا ينظف المحل فإنه لا يطهِّر؛ لكونه أملس كالزجاج والخشب الناعم جدًّا الذي يشبه الزجاج، ومثله الرخام وما أشبهه، كل هذا لا ينظِّف.
المقصود من المنظف هو الخشن من حجارة أو مدر، ومثلها يقوم مقام هذا المناديل الخشنة إذا أزالت الأثر كفت.
"فوجدت حجرين، والتمست الثالث" امتثالاً للأمر؛ لأن الأمر لا يتم إلا باستيعاب المأمور، فأمره أن يأتيه بثلاثة أحجار، فوجد حجرين، لا بد أن يُحضر معهما ثالثًا؛ ليتم الامتثال. "التمست الثالث فلم أجده فأخذت روثة" أخذت روثة، "فأتيت بها، بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، أخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: «هذا رِكْس»" وفي الحديث اللاحق «إنهما لا يطهِّران، إنهما لا يطهِّران» فدل على أن الروثة نجسة فهي روثة حمار وشبهه مما لا يؤكل لحمه، أما رَوْث ما يؤكل لحمه فإنه طاهر، وليس برِكْس، فإنه طاهر وليس بركس. النبي -عليه الصلاة والسلام- طاف على الدابة وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فأجازها، وهي لا تخلو من روثها، ومثل الروث الأبوال بول ما يؤكل لحمه طاهر، وأمر العرنيين لما اجتووا المدينة أن يشربوا من أبوال الإبل، فدل على أن روث وبول ما يؤكل لحمه طاهر. وقوله -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث «هذا رِكس» دليل على أنها روثة ما لا يؤكل لحمه كالحمار وشبهه، الروثة لا تطهِّر، لا تطهر؛ لأنها ركس، لكن لو كانت روثة ما يؤكل لحمه هل نستطيع أن نقول: إنها ركس؟
لا، بعد أن صار المرجَّح أنها طاهرة ليست بركس، لكن كونها لا تطهر يأتي هذا في الحديث اللاحق وقال: «هذا ركس».
"رواه البخاري والترمذي وعلله" وفيه كلام كثير لأهل العلم واختلاف طويل حكم عليه بعضهم بسببه بسبب هذا الاختلاف بالاضطراب.
"وعلله ثم قال: هذا حديث فيه اضطراب"؛ لأن فيه اختلافًا كبيرًا، ومادام الحديث في البخاري فلا بد من رجحان بعض الوجوه على بعض، وهذا هو الحاصل، وحينئذ ينتفي الاضطراب، ولذا خرجه البخاري في صحيحه، والذي خرجه البخاري في صحيحه لا كلام لنا فيه، لا كلام لنا فيه.
"ورواه الإمام أحمد والدارقطني" والترمذي علله بعلة ظاهرة أم خفية؟ الاختلاف على الراوي الاضطراب أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية على أوجه مختلفة متساوية هذه الأوجه المختلفة المتساوية يدركها طلاب العلم، لكن الترجيح بين هذه الأوجه المختلفة المتساوية قد لا يدركه إلا أقل القليل من الناس ممن يعتني بهذا الفن، ولذا علل الحديث يعني قال: إن فيه علة، وهو حديث معل ومعلول ومعلل، وعلته الاضطراب، والاضطراب رواية الحديث على أوجه مختلفة مما يُدرَك، لكن التوفيق بين هذه الأوجه المختلفة قد لا يدركه إلا الأقل من الناس، وهم أهل العلل، فأمكن ترجيح بعض هذه الوجوه على بعض، وللحافظ ابن حجر كلام نفيس في فتح الباري حول الاختلاف وفي مقدمة الفتح أيًضا حول الاختلاف على هذا الحديث فيُرجَع إليه، وأمكن ترجيح بعض الوجوه على بعض، فانتفى الاضطراب؛ لأنه إذا أمكن الترجيح انتفى الاضطراب، ولذا خرجه الإمام البخاري في صحيحه.
"ورواه الإمام أحمد والدارقطني وفي آخره: «ائتني بحجر ائتني بحجر»" يعني بدل الروثة، فدل على أن الثالث لا بد منه، وأن الواحد والاثنين لا يكفيان بل لا بد من ثلاثة، وفي لفظ "وفي لفظ الدارقطني «ائتني بغيرها»" يعني ثالثًا فلا بد من ثلاثة أحجار، لكن هل الثلاثة مقصودة لذاتها أو لأثرها؟
بمعنى أنه لو وُجد ما يؤثر في تنظيف المحل مثل أثر ثلاثة الأحجار اكتفي به وإلا فلا، ماذا نقول؟ إذا وجدنا حجرًا كبيرًا له ثلاث شعب، وأمكننا أن نمسح المحل بهذه الشعب الثلاث وصار بمثابة الثلاثة الأحجار يكفي أم ما يكفي؟
طالب: ..........
ثلاث شعب، له ثلاث شعب.
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
نعم، ما يخالف المقصود أنه ثلاث شعب، انتهينا من الحجر الواحد أو الاثنين الذي يُمكن أن يمسح بكل واحد منهما مسحة واحدة، هذا لا يكفي، لا بد من ثالث، لكن لو تصورنا أن حجرًا كبيرًا له جهات ثلاث، ومسحنا بكل جهة مسحة ونظف المحل يكفي أم ما يكفي؟ يعني هل المقصود اللفظ أو المعنى؟ لأن هذا أمر محسوس ومعقول العلة فيُكتفى بالحجر الواحد الذي له ثلاث شعب عند بعض العلماء، ومنهم من نظر إلى اللفظ، يعني هل المقصود ما يُمسح به وهو الحجر أو المقصود المسح نفسه؟
طالب: ..........
نعم، حديث ابن مسعود بأقل من ثلاثة أحجار نعم هو حجر واحد، لكنه في المعنى ثلاثة أحجار، هو في المعنى ثلاثة أحجار والإزالة معقولة معقولة المعنى، فإذا قلنا: إن المقصود الإزالة، وإذا قلنا: إن هذا تعبد بقطع النظر عن الإزالة، فلا بد من ثلاثة أحجار، وهو الأحوط وهو الأحوط، بدليل أنه لو أنقى بحجرين يكفي أم ما يكفي؟ ما يكفي، لا بد من ثالث لو أنقى بمسحتين لا بد من مسحة ثالثة، فدل على أنه مع كونه معقول المعنى إلا أن أثر التعبد فيه ظاهر.
"وفي لفظ للدارقطني: «ائتني بغيرها»، وعن يعقوب بن كاسب عن سلمة بن رجاء عن الحسن بن الفرات عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة" أبو حازم اسمه سلمان؛ لأن من يروي عن أبي هريرة اسمه سلمان، والذي يروي عن سهل بن سعد اسمه سلمة بن دينار الزاهد المعروف عن أبي حازم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُستنجى بعظم أو روث وقال: «إنهما لا يطهران»".
في حديث مضى في الباب السابق فيه أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم هذا حديث سلمان الذي أُشير إليه آنفًا، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أستنجي برجيع أو بعظم وهنا قال: نهى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُستنجى بعظم أو روث، وذكرنا فيما تقدم أن العظم ماذا فيه؟ طعام إخواننا الجن والروث علف دوابِّهم علف دوابِّهم وقال: «إنهما لا يطهِّران، إنهما لا يطهِّران»، افترض المسألة في عظم خشن؛ لأن من العظام ما هو خشن وروثة خشنة، وهما طاهران عظم مذكَّاة، وهو خشن يزيل وينقِّي وروثة مأكول اللحم وقال: إنهما لا يطهِّران، وزال بهما أثر الخارج، ونظف المحل نهى أن نستنجي أو ونهى أن يُستنجى؛ لأن العظام زاد إخواننا الجن، والروث علف دوابِّهم، هذا النهي متحد الجهة مع الاستنجاء أو منفك الجهة؟ الجهة منفكة، الجهة منفكة، فعلى هذا لو لم يرد قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنهما لا يطهران» لكانت القاعدة أنهما يطهِّران؛ لأن القصد تطهير المحل وتنظيفه وتم، والنهي الوارد عن ذلك ليس سببه أنهما لا يطهران لو لم ترد هذه اللفظة أن النهي لأمر خارج لا يعود إلى ذات المنهي عنه إنما يعود لأمر خارج؛ لأن كونهما زاد إخواننا الجن أو علف دوابهم أمر خارج عما استُعمل فيه، فالجهة منفكة، يعني النهي يقتضي التحريم، والإنقاء يقتضي التطهير، هذا من حيث القاعدة، والجهة منفكة؛ لأنه إذا لم يعد النهي إلى ذات المنهي عنه، يعني لو كانت روثة نجسة أو عظمًا نجسًا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، فيقتضي عدم الصحة والبطلان، لكن النهي عاد إلى أمر خارج، فماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام- «إنهما لا يطهِّران»؟
فهل نحمل هذا على العظم الأملس الذي لا ينظِّف المحل، والروثة الرِّكْس النجسة؛ لأن النجس لا يطهِّر، أو نحمل ذلك على عمومها ونقول: كل عظم ولو كان خشنًا لا يطهِّر، وكل روثة ولو كانت مأكول اللحم لا تطهر، يعني مقتضى القواعد أن نقول: إنهما يطهران إذا كانا طاهرين خشنين يزيلان أثر الخارج يطهران، هذا مقتضى القواعد، والعلة وقوله: «إنهما لا يطهران» محمول على ما لا يتم التطهير به من هذين النوعين من العظام والأرواث، العظام الملساء التي لا تزيل أثر الخارج لا تطهر، والروثة النجسة لا تطهر؛ لأنها لا تدفع الطهارة عن نفسها، فكيف تطهر غيرها؟ واضح الكلام أم ما هو بواضح؟
لو افترضنا أن العظم خشن وطاهر في الوقت نفسه، والاستنجاء به حرام، الاستنجاء به حرام لأمر خارج، وهو كونه زاد إخواننا من الجن، وهذا تقدَّم، لكن إذا نظرنا إلى حقيقته وجدناه طاهرًا وخشنًا يزيل النجاسة، ويزيل أثر الخارج، فهو من هذه الحيثية يطهِّر؛ لأن التطهير هنا تطهير حسِّي، وقد زال أثر الخارج، فهو مطهِّر من هذه الحيثية، كونه نُهي عن الاستنجاء به لكونه زاد إخواننا من الجن لا يعني أنه لا يطهر؛ لأن التطهير معناه إزالة أثر الخارج، فإذا كان خشنًا يزيل فهل يمكن أن نحمل العظم هنا على العظم الأملس، كما هو الأصل في العظام أنها لا تطهر؛ لأنها ملساء؟ وقل مثل هذا في الروث، هي خشنة، وتزيل أثر الخارج، لكن لكونها رِكْسًا من حيوان غير مأكول فإنها لا تطهر، فلو كانت من مأكول وأزالت أثر الخارج طهَّرت، فيُحمَل قوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنهما لا يطهِّران» على العظم الذي لا يطهِّر، والروث الذي لا يطهر بعظم أو روث نكرة في سياق النهي فتعم، فهي عامة لجميع العظام وجميع الأرواث، هذا العموم يمكن تخصيصه بالعلة أو لا يمكن؟ هذا العموم هل يمكن التخصيص بالعلة أم ما يمكن؟
طالب: ..........
لماذا؟
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
هو عام، لكن ما من عموم إلا ودخله الخصوص إلا القليل النادر.
طالب: العلة خرجت مخرج الغالب يا شيخ.
خرجت مخرج الغالب؛ لأن الغالب في العظام أنها لا تطهر؛ لأنها ملساء، طيب والغالب في الأرواث أنها لا تطهر أو أنها نجسة؟ يعني ما يُباح أكله من الحيوانات أكثر أو أقل مما لا يباح؟
طالب: ..........
يعني عند المالكية أم عند غيرهم؟
طالب: ..........
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} [سورة الأنعام:145].
على كل حال لا أريد أن أطيل في هذه المسألة، أريد أن تفهموا محل الإشكال في هذه المسألة، يعني كونه ينهى عن الاستنجاء بالعظم والروث، وأنه يحرم الاستنجاء بالعظم والروث، وفي الحديث: «لعل الحياة تطول بك يا رويفع، فأخبر الناس»، وفيه استنجى بعظم أو رجيع، المقصود أن هذا محرم لا إشكال في تحريمه، الأدلة على تحريمه كثيرة سواء كانت طاهرة أو نجسة خشنة أو ملساء، لا أحد ينازع في تحريم الاستنجاء بها، لكن العلة في قوله: «إنهما لا يطهران» ما معنى التطهير هنا؟ هل المقصود به تطهير حسي، أو تطهير معنوي، لكن الكلام بصدد الطهارة الحسية أو المعنوية؟
الحسية إذًا التطهير حسي، التطهير حسي، فكيف نقول: إن هذه الروثة الخشنة التي استعملت فوجدت تطهر وتنقي، والعظم الخشن الذي إذا استُعمِل أزال أثر النجاسة يعني تطهيرًا شرعيًّا يعني لا يطهر تطهيرًا شرعيًّا، وليس بحسي، يبقى أنه من حيث القواعد عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه اقتضى الفساد، وصار لا يطهِّر بالفعل؛ لأنا نريد صحة التطهير، وصحة التطهير لا تتم بما نُهي عنه، فحينئذ لا تتم الطهارة بهما، ولو زال أثر الخارج.
"رواه أبو أحمد ابن عدي والدارقطني وقال: إسناده صحيح" رواه أبو أحمد ابن عدي، يعني في الكامل، والدارقطني في سننه وقال: إسناده صحيح، وقال ابن عدي: ومن عادته أنه يذكر في ترجمة الرواة، والكتاب مخصَّص للضعفاء، الكتاب مخصَّص للضعفاء، وعادته أن يذكر في تراجم الرواة ما يُنكَر على الراوي، ما يُنكَر على الراوي.
"قال ابن عدي: لا أعلم رواه عن فرات القزاز غير ابنه الحسن" يعني تفرد به الحسن عن أبيه، ولا يعلم رواه عن الحسن أو نقول: استئنافية؛ لأنه يحتاج إلى استثناء إلا سلمة، وعن سلمة إلا ابن كاسب لو أردنا أن نعطف، لكن نستأنف فنقول: "وعن الحسن سلمة بنُ رجاء" يعني رواه سلمة بن رجاء "وعن سلمة" يعني ابن رجاء رواه "ابن كاسب" يعقوب بن كاسب، الآن عندنا يعقوب بن كاسب يرويه عن سلمة بن رجاء وسلمة يرويه عن الحسن بن الفرات عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة، يعني ليس له إسناد إلا هذا قال: ولسلمة يعني ابن رجاء، "ولسلمة" يعني ابن رجاء "أحاديث أفراد وغرائب أحاديث، أفراد وغرائب ويحدِّث عن قوم بأحاديث لا يتابَع عليها" يعني أنه يتفرد بأحاديث مما تُستغرب وتستنكر عليه، وهل تفرده محتَمَل أو غير محتمَل؟
يعني هل هو ممن، سلمة هذا سلمة بن رجاء هل هو ممن يحتمل تفرده أو لا يُحتمَل؟ فإذا كان يُحتمَل تفرده يصحَّح، وإذا كان ممن لا يحتمل تفرده يحكم عليه بالشذوذ وبالنكارة أحيانًا. المقصود أن هذا صحح إسناده الدارقطني، صحح إسناده الدارقطني، وأقل أحواله أن يكون حسنًا؛ لأن كلام الدارقطني وتصحيح إسناده معارَض بكلام ابن عدي الذي يليِّن إسناد الحديث يشم منه تليين الإسناد، فأقل أحواله أن يكون حسنًا.
"وروى شعبة عن أبي معاذ واسمه عطاء بن أبي ميمونة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء، كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخل الخلاء" وهو المكان الخالي المعدّ لقضاء الحاجة، تقدم، إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث»، يعني إذا أراد أن يدخل فالخلاء هو المكان الخالي المعدّ لقضاء الحاجة، والأصل فيه المكان الخالي مطلقًا، واستعماله العرفي الآن يُطلق على إيش؟
يقال: الخلاء، ذهبنا إلى الخلاء، جئنا من الخلاء، ما أدري الأعراف تتفاوت في هذا، لكن.. قد تتفاوت الأعراف في هذا، لكن هو عندنا في نجد المراد به الصحراء، المراد به الصحراء. على كل حال معناه هنا معروف، وهو المكان المعدّ لقضاء الحاجة؛ لأنه يُدخَل، والذي يُدخَل ما له أسوار، وله باب يُدخَل معه ويخرج منه.
"يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام" أنس يقول- رضي الله تعالى عنه- وهو غلام، وقد يكون تجاوَز سن التكليف "فأحمل أنا وغلام نحوي" أحمل أنا هذه ضمير فصل، له محل أم لا محل له من الإعراب؟ يعني له محل من الإعراب أو ضمير فصل لا محل له من الإعراب يؤتى به للتمكُّن من العطف على الضمير؟ ضمير الرَّفع المتصل لا بد أن يُفصل.
وإن على ضمير رفع متصل |
| عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
.......................... |
| ....... فافصل بالضمير المنفصل |
أو فاصل ما وبلا فصل يرد |
| في النظم فاشيا وضعفه اعتقد |
هنا يؤتى بمثل هذا الضمير وجوبًا ليُتمَكَّن من العطف على ضمير الرفع المتصل، فأحملُ أنا وغلامٌ الواو عاطفة تعطف غلام على ضمير الرفع المستتر في أحمل وغلام، الغلام أصله إنما يطلق في الصبي الصغير إلى أن يبلغ، وقد يطلق على من بلغ ممن يقارب عدم البلوغ يعني في أوائل البلوغ، وقد يطلق على المملوك، قد يطلق على المملوك، وقد يطلق على الخادم ولو كان حرًّا ولو كان حرًّا أنا وغلام نحوي هل هذا الغلام الثاني الغلام الأول أنس بن مالك، وهذا واضح، الغلام الثاني الذي نحو أنس بن مالك إن كان ابن مسعود، وقد جاءت الأدلة على أنه كان يحمل الإداوة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فابن مسعود كبير السن، كبير السن يتجاوز الأربعين أو الخمسين عند وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، توفي سنة اثنتين وثلاثين عن عمر يقرب أو يزيد على السبعين، فهو كبير، فكيف يقول أنس: أنا وغلام نحْوِي، ما معنى نحْوي؟ يعني نحوي في السن أو في الخدمة، إن كان غلامًا صغيرًا من أسنان أنس فهذا لا إشكال فيه معناه نحوه في السن، وهذا الأصل، وإن كان المراد به ابن مسعود فهو نحوه في الخدمة، فهو نحوه في الخدمة.
"فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعَنَزَة فيستنجي بالماء" فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعَنَزَة، الإداوة إناء من جلد، إناء صغير وعاء صغير من جلد يُحمَل فيه الماء، والعَنَزَة عصا طرفها محدَّد كالزج أو كالسنان، كسنان الرمح إذا غُرِسَت في الأرض وأُلْقِي عليها شيء يستتر به، العنزة باعتبار أن رأسها محدد ينغرس في الأرض من أجل أن يلقى عليه ثوب أو نحوه فيُستتر به في الصلاة، وفي قضاء الحاجة، كما هنا.
"فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء" هذا الحمل من جهة أنس والغلام الذي معه كيفية هذا الحمل هل واحد منهما يحمل الإداوة، والثاني يحمل العنزة أو يحملهما هذا أحيانًا، وهذا أحيانًا، أو يحملانهما معًا في آن واحد، فكل واحد منهما يمسك بطرف من الاثنين؟ يعني ما الذي يدل عليه اللفظ؟ ما الذي يدل عليه اللفظ؟ يعني هل نستطيع أن نقول: إن أنسًا يحمل الإداوة، والغلام الذي نحوه يحمل العنزة، أو العكس أو نقول: إن أنسًا يحمل الإداوة والعنزة بعض المسافة، ثم يحملهما الآخر، أو أن هذا مرة، وهذا مرة؟ يحمل هذا لوضوء صلاة العصر وهذا لصلاة المغرب أو العكس يحملهما معًا أو يحملانهما في آن واحد، يحملانهما في آن واحد، هذا ممسك بطرف العنزة وطرف الإداوة، والثاني مثله أو نقول: إن القسمة هنا تقتضي الأفراد كما في مقابلة الجمع بالجمع كل واحد يحمل واحدة، أو أن مثل هذه التفصيلات لا يتعلق بها حكم، لكن من باب التحليل اللفظي؛ لأن مثل هذا الكلام إذا ورد في كلام فأثره ضعيف، كما هنا، يعني كون أنا نفصل في هذه المسألة في هذا الحديث، فالأثر ما هو قوي، أثر التفصيل ضعيف، لكن يأتي من النصوص ما أثره قوي يحتاج إليه، فما الظاهر من هذا السياق؟
طالب: ..........
واحد يحمل الإداوة، وواحد يحمل العنزة، يعني من جنس مقابلة الجمع بالجمع يقتضي القسمة أفرادًا، كما في ركب القوم دوابّهم، كل واحد يركب دابّته.
طالب: ..........
كيف؟
طالب: ..........
يعني هذا لصلاة الظهر، وهذا لصلاة العصر، أنت تصور أن الإداوة إناء صغير إذا أمسكه من فمه انتهى الإشكال بيد، والعنزة بيد، ما فيه إشكال، يحملهما الغلام الصغير سهل، يعني هذا حملهما ممكن في آن واحد.
على كل حال كل الاحتمالات التي ذكرناها محتمَلة محتمَلة.
فيستنجي بالماء يعني يزيل أثر الخارج وهو من النجو، فيستنجي بالماء يعني يزيل أثر الخارج، وهو من النجو، وهو القطع والإزالة على ما تقدم في شرح الترجمة، فيستنجي بالماء، إذًا ما وجه كراهة الاستنجاء بالماء عند بعض السلف؟ نعم مباشرة النجاسة، مباشرة النجاسة، ومباشرة النجاسة عند أهل العلم لا تجوز، لكن هذا إذا كان لغير حاجة، إذا كانت مباشرتها لغير حاجة، الأمر الثاني أن المباشرة هنا هل المقصود المباشرة أو المقصود الإزالة؟
المقصود الإزالة، ولا تتم هذه الإزالة إلا بهذه المباشرة، لا تتم هذه الإزالة إلا بهذه المباشرة، كمن غصب أرضًا لا يتم له التخلص منها إلا باستطراقها، لا يتم له التخلص منها إلا باستطراقها، غصب أرضًا مساحتها ألف متر، لما جلس في منتصفها، في وسطها ندم وتاب وخرج منها، هل نقول: إن هذا الخروج استعمال لهذا المحرم فيحرم، أو نقول: إنه خروج بنية التخلص من هذا المحرم، إنما خرج استعملها ليتخلص من استعمالها ونقول هنا: استعمل النجاسة، وباشر النجاسة؛ ليتخلص منها؛ لأن هناك أمورًا وهي في الأصل لا تجوز، لكن لا مَفَرَّ منها، لا بد منها.
لو مات المحرم في أثناء الطريق ماذا نقول للمرأة؟ تجلس في الطريق الآن؟ لا لا، تعود إلى بلدها؛ لأن هذه أحوال ضرورة لا تباح لذاتها، وإنما تباح باعتبار أنه لا يمكن الوصول إلى المباح إلا بها، ثم بعد ذلك انعقد الإجماع على أنه مزيل للنجاسة، بل هو أقوى المزيلات والمنظفات، والأثر التابع لهذه الإزالة معفوٌّ عنه.
"قال -رحمه الله-:
باب أسباب الغسل.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنَّا في بني سالم وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عِتْبَان فصرخ به، فخرج يجر إزاره فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أعجلنا الرجل»، فقال عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل يُعجَل عن امرأته ولم يمنِ، ماذا عليه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الماء من الماء».
وفي لفظ آخر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر فقال: «لعلنا أعجلناك»، قال: نعم يا رسول الله، قال: «إذا أعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك، وعليك الوضوء»، متفق عليه، لكن لم يذكر البخاري قوله: «إنما الماء من الماء»، ولا قال: «فلا غسل عليك».
وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن أم سليم حدثته أنها سألت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأت المرأة فلتغتسل»، فقالت أم سلمة: واستحييت من ذلك قالت: وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم، فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه»، رواه مسلم. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل»، متفق عليه.
زاد مسلم: «وإن لم ينزل»."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب أسباب الغسل باب أسباب الغسل" الغُسل، والغَسل، والغِسل، يجعلها بعض أهل اللغة من المترادف، فيطلق هذا على هذا، وهذا على ذاك، وبعضهم يجعل الغَسْل الإزالة، والغُسْل الاغتسال، والغِسْل ما يُغْتَسَل به مما يُضَاف إلى الماء من خَطْمِيٍّ وأُشنان وصابون وشامبو وغيرها، كلها غِسل، الغِسل مصدر غَسل يغسل غَسلاً، والمراد به إزالة الأثر الذي لا يزيله إلا الغَسل، الذي هو الفعل، والاغتسال الذي هو تعميم البدن بالماء، وهو الغُسل، وأما الغِسل فهو الموادّ التي توضع مع الماء؛ ليُغْسَل به ما يحتاج إلى غَسل، والمراد به هنا الاغتسال، ومنه الاغتسال، والغُسل الكامل، ومنه المجزئ تعميم البدن بالماء مع النية، نية رفع الحدث وتعميم البدن بالماء والمضمضة والاستنشاق، هذا المجزئ وأما الغُسل الكامل فسيأتي، إن شاء الله تعالى.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال" سعيد أبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الخدْري الأنصاري، خُدْرة وخُدَارة بطنان من الأنصار، "قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الإثنين إلى قُباء يوم الإثنين" إلى قباء، ثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يزور قُباء كل سبت، كل سبت، وهذا هو المرتَّب، وجاء في فضل زيارة قُباء يوم السبت، وأنه يعدل عمرة هذا المرتب، ولا يمنع أن يُزار قباء في غير يوم السبت، في غير يوم السبت كيوم الإثنين إلا أنه مما لا تُشَدّ إليه الرحال إلا أنه مما لا تُشَدُّ إليه الرحال، فإذا كانت زيارته من غير شد رحل، فلا بأس؛ لأنه لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد «مسجدي هذا» يعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، «والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى»، وما عدا هذه المساجد الثلاثة لا تشد إليها الرحال.
يوم الإثنين إلى قباء، لكن هل المقصود هنا الخروج إلى المسجد أو إلى الحي؟ هل المقصود أن يزور المسجد أو يزور أناسًا في الحي، أو له هناك قصد ومأرب في تلك الجهة؟ ما فيه ما يدل على أنه يريد المسجد؛ لأن المسجد مضاف إلى حي، مسجد قباء.
"حتى إذا كنا في بني سالم" يعني في حي بني سالم وفي دار بني سالم، "وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عتبان بن مالك عتبان بن مالك" الآن الغاية قباء صحيح أم لا؟ الغاية قباء، وبنو سالم بين مسجده ودُوره -عليه الصلاة والسلام- وبين قباء وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عِتْبان، فباب عتبان ودار عتبان بين قباء وبين مسجده -عليه الصلاة والسلام- صحيح أم لا؟ هذا الكلام يترتب عليه أحكام، انتبهوا يا إخوان، تعلمون ماذا أريد أن أرتب عليه؟
طالب: .............
نعم، كيف؟
طالب: .............
عتبان جاء يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن كُفَّ بصره أن يصلي في بيته، وأن يأتيه ويزوره؛ ليصلي له في بيته، وزاره، وأَذِن له، ولم يأذن لابن أم مكتوم؛ لأنه قال لابن أم مكتوم: «أتسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «أجب، لا أجد لك رخصة»، وهنا عتبان أذن له النبي- عليه الصلاة والسلام-، وداره تقع بين مسجده -عليه الصلاة والسلام- وبين قباء، يعني أنها ليست ببعيدة من مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، افترض أنها قبيل قباء، هل يسمع النداء في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ يعني كم كيلو بين قباء والمسجد النبوي؟ لأن الذي وُجِّه به حديث عتبان وإذن النبي -عليه الصلاة والسلام- له حُمِل على أنه لا يسمع النداء، بينما ابن أم مكتوم لم يُؤذَن له؛ لأنه يسمع النداء، ولا طريق للجمع إلا بمثل هذا؛ لأن كلاًّ منهما أعمى، كل منهما يشق عليه حضور الجماعة، فكونه يأذن لعتبان، ولا يأذن لابن أم مكتوم؛ فلأن العلة منصوصة في حديث ابن أم مكتوم «أتسمع النداء؟» قال: نعم، قال: «أجب، لا أجد لك رخصة»، فدل على أن هذه العلة مفقودة في عِتْبَان، فهو بعيد عن المسجد، ولا يسمع النداء، لكن إذا تصورنا أن بين قباء وبين مسجده -عليه الصلاة والسلام- كم كيلو؟ خمسة كيلومترات، وافترضنا أن عتبان أقرب إلى قباء، يعني خل هذا أبعد الاحتمالات إذا كان مثلاً أربعة كيلو، وهو في طريقهم إلى قباء يسمع النداء أم ما يسمع؟ ما يسمع النداء؛ لأن السماع المفترض فيه سماعه من غير آلات، كما هو الأصل، ومن غير مؤثرات على عدم السماع، يعني افترض المسألة دون آلات ترفع الصوت وتُبلِّغُه إلى الأقاصي، ودون مؤثرات تحول دون سماعه كالأصوات والجلبة الموجودة الآن في أسواق المسلمين؛ بسبب السيارات وغيرها، بحيث لو كان الإنسان في مكان محكم، والمكيِّف شغال، ولو كان المسجد بجواره ما سمعه، هذا مؤثِّر، فمثل هذا لا يمنع من السماع، فهو يسمع حكمًا، يسمع حكمًا.
"وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عتبان، فصرخ به، صرخ به" يعني ناداه- عليه الصلاة والسلام-، "فخرج يجرُّ إزاره، خرج يجرُّ إزاره"؛ لأن الذي ناداه الرسول- عليه الصلاة والسلام-، "فخرج يجر إزاره فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «أعجلناك أعجلناك»" وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان يميز بين الناس وينزِّل الناس منازلهم، يعني رجل إذا دعاه صوَّت له وصرخ به أبوه، يختلف فيما إذا ناده أو دعاه زميله وصديقه، ومع الأسف أنه يوجد العكس، الزميل مجرّد أن يسمع منبه السيارة، لو احتمال لو كان يصلي أو يقرأ القرآن أجاب، بينما يسمع صوت الأب، وصوت الأم، ومع ذلك يتأخر ويتراخى، هذا موجود مع الأسف، حتى من بعض طلاب العلم، ولا شك أن هذا خلل، خلل في التدين، ينبغي أن يراجع نفسه.
ورجل في القرن الثالث حج من بغداد ماشيًا ثلاث مرات، كم بين بغداد ومكة؟ آلاف الكيلومترات، ويحج ماشيًا ذاهبًا وراجعًا ثلاث مرات، في المرة الثالثة لما رجع ودخل البيت فإذا الأم نائمة، فنام بجوارها، استيقظت في أثناء الليل وأحست به وقالت: يا فلان، أعطني ماءً، الماء في القربة معلَّقة، يعني مترين أو ثلاثة أمتار عنه، وهو يسمعها، وكأنه لم يسمع، ثم قالت: يا فلان أعطني ماءً، وهو يسمعها وكأنه لم يسمع ثم قالت له في الثالثة، فقام وجاء بالماء، ثم لما أصبح بعد أن ندم ندمًا شديدًا ذهب ليسأل، وقال هذا الحاصل، فسأل فقيل له: حجك الثلاث مرات لا يجزئك عن حجة الإسلام، من الذي يقول مثل هذا الكلام؟
من يسمى بفقهاء الباطن الذين يلاحظون أعمال القلوب، وأما فقهاء الظاهر فيقولون: إن الجهة منفكة، فله أجر الحج، وعليه وزر عدم الاستجابة للأم، ولا أثر لهذا عن هذا، لا شك أن أمره بإعادة الحج هذا ما هو بوارد، على أي تقدير، ليس بوارد، لكن ملحظ الذي قال له: أعد حجة الإسلام أن الإخلاص عنده حينما حج ماشيًا إلى مكة الإخلاص في تقدير هذا الذي أفتاه معدوم، والأعمال بالنيات، كيف صار الإخلاص معدومًا، لو كان هناك إخلاص ما مشى آلاف الكيلومترات، وتعذر عن أمتار، مع أن أمر الأم واجب، وطاعتها متعيِّنة، والحج الثاني والثالث ندب، فلو كان مخلصًا في حجه ما فعل مثل هذا، وعلى كل حال ينبغي أن ينزل الناس منازلهم كما أمرنا بذلك.
"فخرج يجر إزاره، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أعجلنا الرجل»" قال عتبان، أعجلنا الرجل يعني ما تركناه يكمل ما هو بصدده. "فقال عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل يعجل عن امرأته" يعني هذا إقرار، النبي -عليه الصلاة والسلام- توقَّع أنه أعجله، فأقرَّه عتبان، فسأل عتبان "فقال عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل يعجل عن امرأته، ولم يمنِ، ماذا عليه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الماء من الماء»"، يعني إذا جامع الرجل زوجته ولم يُنزِل، ماذا عليه؟ هل عليه أن يغتسل؟ هل عليه أن يغتسل؟ "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما الماء من الماء»".
منطوقه الاغتسال من الإنزال، الاغتسال من الإنزال، هذا إيش؟ منطوقه ومفهومه عدم الاغتسال مع عدم الإنزال، عدم الاغتسال مع عدم الإنزال، هذا المنطوق، وهذا المفهوم، ويأتي في الحديث الذي يليه «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل»، زاد مسلم: «وإن لم ينزل»، مفهوم الحديث الأول منطوقه معمول به أم غير معمول به؟ «إنما الماء من الماء» معمول به، لكن مفهومه معارَض بقوله: «وإن لم يُنزل»، وهو منطوق، فيقدم عليه، ولذا جاء ما يدل على نسخ هذا الحديث، جاء ما يدل على نسخ هذا الحديث، نسخ مفهومه أم منطوقه؟
نسخ المفهوم؛ لأنه ظاهر، لكن لو قيل بنسخ المنطوق أيضًا يصح، لماذا؟
طالب: .............
لا؛ لأن المنطوق فيه الحصر، «إنما الماء من الماء»، المنطوق فيه الحصر، فدلالته من طريق الحصر على عدم الغُسل مع عدم الإنزال إنما تستفاد من الحصر، إضافة إلى دلالة المفهوم، فكان في أوَّل الأمر الماء من الماء، كما دل على ذلك بعض الروايات، والترمذي في علل جامعه ذكر أن الحديث منسوخ، ذكر في السنن أن الحديث منسوخ، وقال في علل الجامع: وقد بينا علته في الكتاب الترمذي، سمى النسخ علة، الترمذي سمى النسخ علة، لكن هل هي علة في الثبوت أو في العمل دون الثبوت؟ «إنما الماء من الماء» يعني كان هذا في أول الأمر الماء الذي هو الاغتسال إنما يكون من الماء الذي هو الإنزال.
"وفي لفظ آخر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر" يعني بعد الاغتسال، "فقال: «لعلنا أعجلناك»، فقال: نعم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أُعجِلتَ أو أُقحِطْتَ فلا غسل عليك، وعليك الوضوء، إذا أُعجلت أو أقحطت فلا غسل عليك، وعليك الوضوء»" هذا منطوقه يدل على أن من جامع ولم ينزل فليس عليه غسل، فمنطوقه موافق لمفهوم الحديث الذي قبله "«فلا غُسل عليك، وعليك الوضوء» متفق عليه، لكن لم يذكر البخاري قوله: «إنما الماء من الماء» ولا قال: «فلا غسل عليك»".
ولا شك أن منطوق هذا الحديث معارَض بالحديث يليه مما يدل على أنه يجب عليه الغسل وإن لم ينزل.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن أم سُلَيم حدثت أنها سألت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل»" الظاهر أن أم سليم حدثت أنها سألت نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فالسائل أم سليم، سألت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، في بعض الروايات: إن الله لا يستحيي من الحق، إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فأجاب النبي -عليه الصلاة والسلام-: «نعم، إذا رأت الماء، نعم إذا رأت الماء»، وهنا تقول: سألت النبي، نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، ترى أن رجلاً يجامعها، المرأة ترى، تحتلم، ترى أن رجلاً يجامعها، كما أن الرجل يرى أنه يجامع امرأة في المنام، وهذا يحصل.
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل»".
ذلك إذا رأت ذلك، الإشارة تعود إلى إيش؟ إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، هل في الحديث ما يدل على وجود الماء، أو أنها إذا رأت أنها تجامَع مثل ما يرى الرجل؟
طالب: .............
رأت ماذا؟
طالب: .............
نعم، لفظ الحديث ما فيه دلالة على الماء، إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل، إذا رأت أنها تجامَع في المنام فإنها إذا رأت ذلك فلتغتسل، "فقالت أم سليم: واستحييت من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ هل يكون هذا؟ فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: «نعم»" نعم يكون ذلك، يكون مثل هذا «فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه» هل في الحديث ما يدل على رؤية الماء؟
طالب: .............
نعم، هذه قرينة، لكن ليست صريحة، الحديث الثاني أصرح منه. قلت: يا رسول الله، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: «نعم، إذا هي رأت الماء»، هذا تصريح بأن الغسل إنما يكون من الماء، فمن رأى أنه يجامِع أو رأت أنها تجامَع ولم تنزل، ولم ينزل، ولم يروا الماء فإنه لا غُسل، وعليه يُحمل عند بعض أهل العلم «إنما الماء من الماء»، وعليه يُحمل «إنما الماء من الماء».
يعني في المنام حمله بعضهم في المنام؛ لكي يوفِّق بين الأحاديث، لكن الحديث إنما سيق في قصة عتبان، وقصة عتبان فيها الجماع من غير إنزال، فدخول تلك الصورة في الحديث دخول قطعيّ، دخول السبب في المسبَّب دخول قطعي، عند أهل العلم، فيدخل فيها مما يدل يدخل فيها الجماع من غير إنزال، فيدل على أن هذا الخبر منسوخ، يعني كيف نبقيه في حال الاحتلام؟ مع أن دخول قصة عتبان دخول قطعي عند أهل العلم، دخول السبب في النص دخول قطعي، فقصة عتبان داخلة في الحديث، فدل على أن الخبر منسوخ إذا رأت ذلك المرأةُ، ذلك الإشارة إلى ما تراه في منامها مما يرى الرجل، وهو الجماع، وليس فيه إشارة إلى الماء إلا أن بقية الحديث فيه قرينة تدل على إرادة الماء، وهو تعليق الشبه به، الشبه يكون من مجرد رؤية المرأة في منامها؟ لا، إنما الشبه متعلق بالماء.
"فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- «نعم، فمن أين يكون الشَّبَه؟»" شَبَه الولد بأبيه أو بأعمامه، أو شَبَه الولد بأمه أو بأخواله يكون بسبب الماء، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر، وصار الشَّبَه للأب والأعمام، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل أو سبقه آنث، يعني أشبه أمه وأخواله؛ لأن بعضهم يفهم من هذا أنه أذكر أو آنث، يعني إن سبق ماء المرأة ماء الرجل جاء الولد أنثى، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة جاء الولد ذكرًا، فيعمدون إلى مثل هذا؛ ليكون أحدهما أسبق من الآخر؛ ليحصل لهم ما يريدون، ولن يحصل إلا ما أراده الله- جل وعلا- يقول: «فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه»، ولذا تجدون الأخوين الشقيقين بينهما في الأوصاف بَوْن شاسع، هذا على أبيه، وهذا على أمه، هذا على أحد أعمامه، وهذا على أحد أخواله.
"رواه مسلم" والشبه لا يُنكَر، ويُستدَلُّ به، وهو قرينة على الإلحاق في النَّسَب، الشبه قرينة على الإلحاق بالنسب عند عدم الأدلة، القرائن إنما يُلجأ إليها عند عدم الأدلة، في قصة عُتبة بن أبي وقاص سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة حينما اختصما إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في ولدٍ وُلِدَ على فراش زمعة، وشبهه البَيِّن بعتبة، شبهه البَيِّن بعتبة فقال سعد: هذا أخي وشبهه بأخي أو هذا ابن أخي وشبهه بأخي، المقصود أن عتبة شبه هذا الولد به بَيِّن، وهذه قرينة تدل على أنه منه، لكن هل هو منه بعقد صحيح أو بزنا؟ بزنا، ليس بعقد صحيح والولد وُلِد على فراش زمعة والد سودة ووالد عبد بن زمعة الذي يدعي الولد، فإذا اختلفت وُجِدت هذه القرينة مخالِفة للدليل الشرعي الدليل الشرعي «الولد للفراش الولد للفراش، وللعاهر الحجر»، والعبرة بالدليل الشرعي ولو خالفته القرينة، ولو خالفته القرينة، فقال: «هو لك يا عبد بن زمعة»، يعني هو أخ لك، «واحتجبي منه يا سودة»، مقتضى قوله: «هو لك يا عبد بن زمعة» أنه أخ لعبد، وأنه أخ لسودة؛ لأنه ولد على فراش أبيها، «الولد للفراش». المقصود أن مثل هذا إنما يُلجَأ إلى القرائن عند عدم الأدلة، وقد وجد الدليل الشرعي الحاسم وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «احتجبي منه يا سودة»؛ لوجود الشبهة لوجود الشبهة والشَّبه معتبر.
ولذا فرح النبي -صلى الله عليه وسلم- فرحًا شديدًا لما جاء مجزز المدلجي القائف، ووجد زيد بن حارثة وابنه أسامة نائمين وقد تغطيا ولم يبد من ذلك إلا الأقدام، وشهد بأن هذه الأقدام من هذه الأقدام، فرح النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن اللون بين أسامة وأبيه يختلف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحبهما حبًّا شديدًا فهو حبه وابن حبه، فلما شهد مُجَزِّز القائف بأن هذا من هذا سُرِّيَ عنه -عليه الصلاة والسلام-، وإن لم يكن -عليه الصلاة والسلام- في شك، وإنما هو مجرد إقناع للآخرين.
طالب: .............
لا لا، هذا احتياط، هذا احتياط هذا مجرد احتياط، هناك مسائل يحتاط فيها للطرفين، يمكن الاحتياط فيها للطرفين، ومسائل لا يمكن الاحتياط فيها للطرفين، فمثل هذا افترض أن امرأة أرضعت صَبِيًّا رضعتين مثلاً، وأرضعت صبية ثلاث رضعات، وأراد هذا الصبي أن يتزوج هذه الصبية، فيُحتاط من الجهتين فيقال: لا يتزوج هذه البنت، ولا تكشف له هذه البنت، بل تحتجب عنه.
"وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جلس» يعني الرجل، «إذا جلس» يعني الرجل «بين شعبها»" يعني المرأة، والضمائر معلومة وإن لم يتقدم لهما ذِكْر، وإن لم يتقدم لهما ذكر فالضمائر معلومة، «إذا جلس بين شعبها الأربع» والمراد بالشعب اليدان والرجلان، وهو كناية عن الجماع، هو كناية عن الجماع، وجلس ما معنى الجلوس هنا؟ معروف الجلوس في الأصل، الآن أنتم هيئتكم إيش؟ جلوس، فهل معنى هذا أن جلوس الرجل بين شعبها مثل جلوسكم هذا؟
لا، جلوس كل شيء بحسبه، كل شيء بحسبه، «إذا جلس بين شعبها الأربع» يعني يديها ورجليها، «ثم جهدها» يعني بلغ منها مبلغًا شق عليه وشق عليها، وهذا أمر معروف، «فقد وجب الغسل»، يعني بعد الإيلاج، بعد الإيلاج والجهد إنما يحصل بعده، «فقد وجب الغسل».
متفق عليه، زاد مسلم: «وإن لم ينزل وإن لم ينزل»" فبمجرد التقاء الختانين، كما في رواية «إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل» فالإيلاج موجِب للغسل وإن لم يحصل إنزال، وهذا يدل على نسخ حديث «إنما الماء من الماء».
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"