التعليق على تفسير سورة الرحمن من تفسير الجلالين (02)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله -جل وعلا-: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن].
يقول: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(29) سورة الرحمن] أي: "بنطق أو حال" أي بنطق أو حال، أحياناً يكون السؤال بلسان المقال بالنطق، وأحياناً يكون السؤال بلسان الحال، الفرق بينهما؟ يعني مثال ظاهر يعني لو جاء شخص فقير وتقدم وقام أمام الناس وسألهم، وذكر حاجته هذا بلسان المقال، تكلم وأعطاه الناس تحقيقاً لطلبه، هذا بالنطق، أما بلسان الحال لو جلس مبيناً حاجته من غير كلام، جلس في مكان عادة يجلس فيه من يتصدق عليه، قام من الصف بعد السلام وجلس عند الباب، وما تكلم بكلمة هذا يسأل لكنه بلسان الحال لا بلسان المقال، وهنا يقول: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(29) سورة الرحمن] أي: "بنطق أو حال" وكثيراً ما تكون الحال أبلغ من المقال، وفي بعض الآثار: "علمك بحالي يغني عن مقالي" هذا بالنسبة لله -جل وعلا- لا تخفى عليه خافية، لكن بالنسبة للبشر لو أن شخصاً محتاجاً وجاء في هيئة حسنة وجلس عند رجل ثري، هذا الثري ما يفهم منه أنه جاء يطلب الزكاة، أو يطلب الصدقة، لكن لو جاء في هيئة رثة وجلس مجلساً على صفة معينة، وعلى هيئة معينة فإنه يسأل، لكنه بلسان الحال لا بلسان المقال، ونظير ذلك طلب الرقية، الاسترقاء الذي جاء في حديث السبعين الألف طلب بأن يذهب إلى فلان ويقول: ارقني يا فلان هذا بلسان المقال، لكن لو أنه ذهب إليه أو زاره هذا الشخص الذي ترجى إجابة دعوته ولم يقل له: أرقني، وإنما فتح الأزارير أزارير الثوب وتهيأ للرقية، هذا استقرى لكنه بلسان الحال لا بلسان المقال، وهل يؤثر مثل هذا في عدم الدخول في سبعين الألف أو لا يؤثر؟ هذا محل نظر، هذا محل نظر.
أي: "بنطق أو حال ما يحتاجون إليه" نعم من الذي يستغني عن الله -جل وعلا-؟ كل الخلائق بحاجته، فهم يسألونه سواءً كانوا من أهل السماوات من الملائكة وغيرهم، أو من أهل الأرض كل يسأل، ما يحتاجون إليه "من القوة على العبادة" هذا بالنسبة لأهل السماوات والأرض أيضاً "والرزق والمغفرة" هذا بالنسبة لأهل الأرض؛ لأن أهل السماوات لا يسألون الرزق ولا يسألون المغفرة، وإنما يسألون القوة على العبادة، وقد يسألون الرزق لأهل الأرض والمغفرة لهم {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} [(5) سورة الشورى] "وغير ذلك" فالمسألة لا شك أن كل إنسان بحاجة إلى خالقه و رازقه، بحاجة إلى ما يعنيه على أمر دينه ودنياه، ولا يمكن أن يستغني الإنسان عن ربه طرفة عين، سواءً كان من أهل السماوات أو من أهل الأرض، سواءً كان من الإنس أو الجن أو الدواب أو غيرهم.
{كُلَّ يَوْمٍ} [(29) سورة الرحمن] يعني كل وقت {هُوَ فِي شَأْنٍ} المراد باليوم، ليس المراد به الزمن المحدد بأربع وعشرين ساعة، وإنما المراد به الوقت، كل الوقت مشغول في شأن من شئونه -جل وعلا-.
{فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن] يقول المفسر: "أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل" أمر يظهر على وفق ما قدره، الله -جل وعلا-، قدر المقادير قبل خلق السماوات والأرض فهذه المقادير تقديرها في علم الله -جل وعلا- وكتابته هذا أمر سابق، لكن إظهار هذه المقادير إلى عالم الشهود هو الشأن الذي أشير إليه في الآية، {هُوَ فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن] "أمر يظهره على وفق ما قدره في الأزل، من إحياء وإماتة وإعزاز وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داعٍ، وإعطاء سائل، وغير ذلك" يقول: "من إحياء وإماتة" هذا شأن {يُحْيِي وَيُمِيتُ} [(258) سورة البقرة] "وإعزاز وإذلال" يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، يعز من يشاء، ويذل من يشاء "وإغناء وإعدام" تجد الإنسان فقير يغنيه الله في لحظة، أو غني يفتقر في لحظة، "وإغناء وإعدام، وإجابة داعٍ" إلى ما سال، أو إلى غيره مما هو أعظم منه، أو لا يجاب، بل يدخر له، تدخر له دعوته في الآخرة، أو يدفع عنه من الشر ما هو أعظم مما طلب، "وإعطاء سائل" الله -جل وعلا- يعطي من سأله {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] ((هل من سائل فأعطيه؟)) في حديث النزول، وفي حديث -الحديث الإلهي-: ((يا عبادي لو أن آخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألني كل واحد مسألته فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيء)) "وغير ذلك" من الشئون والتصاريف التي تختلف من شخص إلى آخر، فلا يشغله شخص عن غيره، ولا أمة عن غيرها، ولا جنس عن غيره، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(30) سورة الرحمن] ولا شك أن تغيير الأحوال إنما هي من الآلاء من النعم، فإذا تغيرت حال الإنسان من الفقر إلى الغنى هذه بالنسبة له نعمة، عليه أن يشكر هذه النعمة، إذا تغيرت حاله من غنى إلى فقر هي أيضاً نعمة، والخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-؛ لأنه احتمال أن يطغى بغناه فيهلك فيكون الفقر خيراً له، فهذه نعمة وهكذا.
"من إحياء وإماتة" قد تكون حياته خير له، قد تكون وفاته خيراً له؛ لئلا يفتتن، المقصود أن هذه كلها نعم إذا نظرنا إليها بعين البصيرة.
"من إعزاز وإذلال" الذل في أمور الدنيا يعني من فقر ونزع ملك أو فصل من وظيفة أو ما أشبه ذلك قد يكون خير لهذا الشخص، والخيرة فيما يختاره الله -جل وعلا-، لكن على الإنسان أن يفعل ما يناسب المقام إن كانت نعمة لا شك أنه عليه أن يشكر هذه النعمة، وإن كانت في الظاهر مصيبة فعليه أن يصبر على هذه المصيبة، ويجزم بأن الأجر المرتب عليها خيراً منها، فتنقلب حينئذٍ نعمة، وكثيراً ما تنقلب المحن منح.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [(31) سورة الرحمن] سنفرغ لكم: يعني "سنقصد لحسابكم"، سنقصد لحسابكم؛ لأن الفراغ الأصل فيه أن يكون عن شغل، والذي يفرغ من الشغل الذي ينشغل بالأشغال هو المخلوق، وأما الرب -جل وعلا- فلا يشغله شيء عن شيء بحيث يفرغ من الشغل الذي انشغل به، هذا لا يذكر في جانب الله -جل وعلا-، ولذا قال: "سنقصد لحسابكم" سنقصد لحسابكم، أولاً: في الآية الأولى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [(29) سورة الرحمن] رد على اليهود الذين يقولون: إن الله -جل وعلا- يوم السبت لا يصنع شيئاً، يرتاح فيه، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
{سَنَفْرُغُ لَكُمْ} [(31) سورة الرحمن] يقول المؤلف: "سنقصد لحسابكم"، سنقصد لحسابكم، وإلا فالله -جل وعلا- لا ينشغل بشيء؛ لأن مقتضى الفراغ أن يكون مشغولاً بما قبله، الفراغ للشيء مقتضاه أن يكون مشغولاً بما قبله، وهذا لائق بالمخلوق، لكنه لا يليق بالله -جل وعلا-، وإنما المراد به سنقصد لحسابكم؛ لأنه مع كونه -جل وعلا- كل يوم في شأن بالنسبة لآحاد الناس وأفرادهم، لآحاد الخلائق كلها، يصرف أمورها، لكنه لم ينشغل بذلك -جل وعلا-، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [(82) سورة يــس] فلا يقتضي ذلك شغلاً منه حتى يفرغ منه، لا، قال: سنقصد لحسابكم، وإنما جاء الخطاب على حسب ما يفهمون.
{أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [(31) سورة الرحمن] "الإنس والجن"، الثقلان: الجن والإنس، وفي حديث الميت إذا قبر وأتاه الملكان فالذي لا يجيب عن أسئلتهم يضرب بمرزبة من حديد، يسمعها الخلائق إلا الثقلين، والمقصود بذلك الجن والإنس، وهنا: {أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [(31) سورة الرحمن] "الإنس والجن" يقول المفسرون: قيل لهما ثقلان لثقلهما على الأرض، لثقلهما على الأرض، لكن الإنس والجن ليسو بأثقل من غيرهما، ومنهم من يقول: لثقل كواهلهم بالتكاليف؛ لأن الإنس والجن هم المكلفون من بين الخلائق، وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون، وما خلقت.. ها؟ أيهما المقدم؟ نعم؟
طالب:......
كيف؟
طالب:.......
لأن أحياناً يأتي تقديم الجن، وأحياناً يأتي تقديم الإنس كما سيأتي، ولكل موضع ما يناسبه من المعنى.
{أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} [(31) سورة الرحمن] الإنس والجن مثل ما قلنا: من أهل العلم من يقول: قيل لهما الثقلان لثقلهما على الأرض، لكن يوجد من المخلوقات ما هو أثقل منهما، وقيل: لثقل كاهلهما بالتكاليف إذ لم يكلف غير الإنس والجن.
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(32) سورة الرحمن] على ما تقدم الآلاء النعم، وكان الجن يقولون بعد قراءة كل آية يقولون: ولا بشيء من آلائك ونعمك ربنا نكذب فلك الحمد.
{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ} [(33) سورة الرحمن] يا معشر الجن والإنس هنا قدم الجن، وفي معارضة القرآن {لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ} [(88) سورة الإسراء] قدم إيش؟ الإنس، لماذا قدم الإنس هناك وقدم الجن هنا؟ هناك في المعارضة المسألة تحتاج إلى فصاحة وبيان والإنس بها أليق، فقدموا، وهنا: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] هنا فيه ما يحتاج إلى قدرة والجن في مثل هذا أقدر من الإنس، يعني النفوذ إلى جهة العلو قدرة الجن أعظم من قدرة الإنس عليها بدليل أنهم يسترقون السمع، يعني كانوا يسترقون السمع وما حصل هذا من الإنس، هل استطاع إنسي أن يصعد إلى السماء فيسترق السمع؟ ما استطاع، فقدم الجن هنا: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] تخرجوا {مِنْ أَقْطَارِ} [(33) سورة الرحمن] من "نواحي" السماوات والأرض {فَانفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] أمر تعجيز، { لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} يعني بقوة، ولا قوة لكم على ذلك {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(33) سورة الرحمن] والكفار لما صنعوا ما صنعوا من المراكب الفضائية، وزعموا وادعوا أنهم وصلوا إلى الكواكب، وصلوا إلى القمر، وصلوا إلى المريخ، وصلوا إلى كذا، وقال من يستدل لهم بأن هذا ممكن أن عندهم سلطان، عندهم سلطان العلم، ووصلوا بواسطته ونفذوا، وهذا على القول بأن القمر في السماء، كما هو مفاد قوله -جل وعلا-: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [(16) سورة نوح] يعني هو في السماء، يقولون: وصلوا إلى القمر وهو في السماء، وهل هو في السماء الدنيا أو في ما فوقها؟ كلام طويل لأهل التفسير، ومنهم من يرى أن القمر دون السماء وحينئذٍ لا إشكال، هم ما نفذوا، والذي يقر أن القمر في السماء يقول: إنهم نفذوا لكن بسلطان، ولا شك أن هذا جهل وضلال؛ لأن الأمر ليس أمر إمكان، إنما هو أمر تعجيز، {إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] تخرجوا {مِنْ أَقْطَارِ} [(33) سورة الرحمن] نواحي {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] {لَا} أمر تعجيز، يعني إذا كان بمقدوركم أن تهربوا من قدر الله -جل وعلا-، وتنفذون من ملكه الشامل للسماوات والأرض فتخرجون إلى غيرهما فانفذوا، وهل يستطيع شخص أن ينفذ؟ لا يستطيع، ولا يتمكن أي مخلوق أن يفر من قدرة الخالق، {فَانفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] "أمر تعجيز" {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [(33) سورة الرحمن] "بقوة، ولا قوة لكم على ذلك" هل يستطيع مخلوق أن يخرج من الأرض؟ لا يستطيع؛ لأن من خرج عن من الأرض إما أن ينزل تحت أو يرتفع فوق، والكل تحت القدرة الإلهية أمره هين يسير {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} [(33) سورة الرحمن] يعني إلا "بقوة، ولا قوة لكم على ذلك" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(34) سورة الرحمن] يعني قد يقول قائل: إن بعض هذه الأمور التي عقبت بهذه الآية الكريمة ليست من النعم، هذا التهديد وهذا التعجيز هل هو من الآلاء من النعم؟ نعم مآله إلى النعم، المآل إلى النعم، يعني لما هدد الإنسان بمثل هذا، وهدد الجان بمثل هذا الفائدة من هذا التهديد أن يرجع إلى ربه، الفائدة أن يذعن لربه، أن يخضع لربه، وكل هذه نعم، فمآل هذا التهديد نعمة، لمن كتب الله له السعادة.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} [(35) سورة الرحمن] {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] جمع وعندنا جن وإنس تثنية، النظر هنا إلى أفراد هذين الجنسين، فالجن جمع والإنس جمع فالنظر إلى مجموع الأفراد من الجنسين، ولذا قال: {تَنفُذُوا} [(33) سورة الرحمن] وقال: {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(34) سورة الرحمن] تثنية، فنظر إلى الجنسين {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [(9) سورة الحجرات] اقتتلوا جمع بالنظر إلى أفراد الطائفتين جمع، وبالنظر إلى الفريقين والطائفتين تثنية، وجاء هنا الجن والإنس تثنية، وأعيد الضمير عليهما أحياناً بالمثنى، وأحياناً بالجمع نظراً إلى هذا، فالتثنية نظر إلى الجنسين، والجمع نظر إلى أفراد الجنسين.
{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} [(35) سورة الرحمن] شواظ من النار يعني: "لهب النار الخالص من الدخان أو معه" يعني على الخلاف في الشواظ هل هو اللهب الخالص من الدخان أو مع الدخان؟ {وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] أي دخان لا لهب فيه {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] يعني هذا يكون بعد دخول النار، ومنهم من يقول: إن هذا الشواظ الذي يرسل على الإنس والجن من أجل الحشر، يكون وراءهم من أجل ألا تسول لأحد منهم أنه يستطيع أن يفر من هذا المحشر، فتحشرهم النار، وجاء في آخر الزمان أن النار تحشرهم إلى أرض المحشر، {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] هو "لهبها الخالص من الدخان أو معه" {وَنُحَاسٌ} [(35) سورة الرحمن] "أي دخان لا لهب فيه" وجاء النحاس بمعنى الدخان، والظاهر من النحاس أنه المادة التي هي الصفر المذاب النحاس معروف، النحاس معروف نوع من أنواع المواد الصلبة كالحديد والصفر والفضة والذهب وغيره، لكنه هو نحاس، وخص النحاس لأنه هو الذي يقبل الحرارة بسرعة، ولا يفقدها بسرعة، والأمر الثاني: أنه هو أشد المواد حرارةً إذا أحمي، فإذا أذيب وصب عليهم -نسأل الله السلامة والعافية- على أن المراد به النحاس المعدن المعروف، وأما على ما اختاره المفسر من أنه دخان لا لهب فيه فهذا من جنس الذي قبله.
{فَلَا تَنتَصِرَانِ} [(35) سورة الرحمن] والكلام موجه إلى الجن والإنس، {فَلَا تَنتَصِرَانِ} [(35) سورة الرحمن] يعني لا "تمتنعان من ذلك" لا تمتنعان من ذلك، من الذي يستطيع من الجن أو الإنس أن يمتنع من الشواظ والنحاس؟ لا يستطيع أحد ذلك "بل يسوقكم إلى المحشر" هذه النار تسوق الناس إلى المحشر، وهذا الذي جعل المفسر يختار أن النحاس هو الدخان، الشواظ اللهب الذي لا دخان معه، أو معه، والنحاس: الدخان الذي لا لهب فيه، يريد أن هذه نار تكون في آخر الزمان تحشر الناس إلى أرض المحشر، والذي يقول النحاس المراد به المعدن المعروف إذا أذيب يقول: هذا في النار {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [(19) سورة الحـج] وأيضاً مثل هذا النحاس يذاب ويصب عليهم، ومن استمع إلى الغناء جاء في الخبر: ((صب في أذنه الآنك يوم القيامة)) الرصاص المذاب -نسأل الله العافية-.
{فَلَا تَنتَصِرَانِ} [(35) سورة الرحمن] يعني: فلا "تمتنعان من ذلك بل يسوقكم إلى المحشر" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(36) سورة الرحمن] الآلاء النعم، وما ذكر تخويف، تهويل، تشديد، فأي نعمة في هذه النار؟ وأي نعمة في هذا الرصاص؟ وأي نعمة..؟ نعم الذي يعتبر ويتعظ ويرعوي ويخاف من سوء العاقبة تكون له نعمة، فالتخويف بمثل هذا نعمة، ولذا جاء: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] فهذه وإن كانت في ظاهرها نقم إلا أنها في باطنها نعم.
{فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} [(37) سورة الرحمن] "انفرجت أبواباً لنزول الملائكة" {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [(1-2) سورة الإنشقاق] يعني: استمعت، {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا} [(25) سورة الفرقان] يقول: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} [(37) سورة الرحمن] "انفرجت أبواباً لنزول الملائكة" السماء تتشقق، {فَكَانَتْ وَرْدَةً} [(37) سورة الرحمن] فكانت وردة يقول: "محمرة" {كَالدِّهَان} "كالأديم الأحمر على خلاف العهد بها، وجواب إذا: فما أعظم الهول" {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء} [(37) سورة الرحمن] "انفرجت أبواباً لنزول الملائكة" {فَكَانَتْ وَرْدَةً} [(37) سورة الرحمن] أي: مثلها مثل الوردة محمرة، الورد أحمر، فصارت مثل الوردة محمرة {كَالدِّهَان} "كالأديم الأحمر على خلاف العهد بها" يعني السماء العهد بها أنها لونها أزرق، وجاء أيضاً ما يدل على أنها خضراء ((ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء)) وهنا تكون وردة يعني كالوردة محمرة، {كَالدِّهَان} كالأديم الأحمر يقول: "على خلاف العهد بها" لأنها معهودة على غير هذا اللون، ولا شك أن السماء تتلون، أحياناً تكون السماء حمراء، ولعل هذا سببه ما يحول بيننا وبينها، ما يحول بيننا وبينها، وبعضهم يقول: إن لونها الحقيقي أحمر، وهذه الألوان التي نراها من زرقة أو خضرة أو قترة أحياناً إنما هي في الوسائط بيننا وبينها، ويمثلون ذلك بالعروق التي في بدن الإنسان، الإنسان يرى العروق خضراء، وهي محشوة بالدم، الأصل أن تكون حمراء، التمثيل ظاهر وإلا مو بظاهر؟ هذا كلام أهل التفسير، ومنهم من يقول: إنها تكون في ذلك اليوم حمراء بسبب تأثير حرارة النار فيها، تكون وردة كالدهان، يعني حمراء ومنهم من يقول: إن... من الأصل هي حمراء، لكن الذي نراه الآن هو ما يحول بيننا وبينها، وعلى كل حال هذا أمر يدل على عظمة الخالق -جل وعلا-، حيث لم يصل المخلوق إلى حقيقة الأمر، أحياناً يقول: خضراء، وأحياناً يقول: زرقاء، وأحياناً تكون حمراء، وأحياناً..، يعني الحقائق تتغير بالنسبة للرائي، وذلك لضعفه عن إدراك حقيقة الأمر.
قد يقول قائل: إن هذا اللون الذي نراه وهذا لا بد من الانتباه له، قد يكون هو الأحمر، وإن كان في عرفنا غير أحمر، هو في عرفنا لا نسميه أحمر، وفي عرف الشرع في النص في الحقيقة الشرعية أنها حمراء، ونحن نسميها زرقاء، وأحياناً تسمى خضراء، وهي حقيقة واحدة لا تتغير، ولا شك أن الألوان تتغير، تتغير يعني المسميات تتغير، يعني في قوله -جل وعلا-: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يعني لو قال شخص: أنا عمري كله هو صاحب إبل ويربي الإبل ويبيع ويشتري في الإبل منذ خمسين أو أكثر من خمسين سنة ويقول: ما مر علي ولا جمل أصفر، نعم، يقول: ما مر علي جمل أصفر، والقرآن يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] إيش معنى هذا؟ هل نقول: إن الألوان تتغير من جيل إلى جيل ومن بلد إلى بلد؟ يعني أدركنا ألوان كانت تسمى بها ثم بعد ذلك تغيرت، فيه لون اللي صار اسمه بنفسجي ثم صار الآن يسمونه إيش؟..... ما أدري إيش يسمونه؟ كان يسمى قبل ثلاثين أو أربعين.. -قرمزي- وهذه التسمية ليست من الألفاظ الدارجة، يعني مر علينا في تفسير القرطبي: "ولونها قرمزي" يعني ما هو بيقال: هذا اصطلاح بلد خاص أو شيء من هذا، نعم، فهذه الألوان لا شك أنها تتغير، وكان من الألوان ما يقال له يسمونه: حلبي، والآن يسمونه: زهري، المقصود أن الألوان قابلة للتحديث والتغيير فهل نقول: إن السماء من هذا النوع كان يسمى لونها أحمر؟ مع أن الأحمر الذي يغلب على الظن أنه هو الأحمر من خلق السماوات إلى يومنا هذا، يعني الأحمر يعني في عرف الناس ما يتغير لا من بلد ولا من جيل ولا غيره، الأحمر أحمر والأسود أسود والأبيض أبيض، لكن الألوان الأخرى هي اللي قابلة للتغير، وإذا قبل {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] أن تطلق على غير الأصفر يقبل أيضاً أن تكون السماء الحمراء وردة كالدهان، أو أن هذه..، أو أن هذا اللون يتغير في ذلك الوقت يتغير، ولذا قال: {فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاء فَكَانَتْ وَرْدَةً} [(37) سورة الرحمن] كانت هل معناها كانت في الماضي أو صارت؟ نعم، معناها صارت، صارت وردة كالدهان، قال: "كالأديم الأحمر على خلاف العهد بها، وجواب (إذا)" إذا الشرطية لها جواب، يقول: "جوابه فما أعظم الهول" أمر مهول، أمر عظيم {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(38) سورة الرحمن] وهذا كما تقدم من أن مآله إلى أن يكون نعمة، إذا استفيد منه واستغل في الرجعة الصادقة إلى الله -جل وعلا-.
{فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] لا يسألون، كون الإنسان عمله معروف فلا يحتاج إلى أن يسأل هل أنت محسن وإلا مسيء؟ {لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] ونفي السؤال هنا، وأثبت: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(92-93) سورة الحجر] قال: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] "عن ذنبه" أيضاً، لا يسأل الإنس عن ذنبه، ولا الجن عن ذنبه، "ويسألون في وقت آخر" لما طرح السؤال على ابن عباس، يعني جاء في النصوص أنهم لا يسألون، وجاء في بعضها أنهم يسألون {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(92-93) سورة الحجر] قال: هي مواقف، الآخرة ليست موقف واحد، وإنما هي مواقف، في بعضها يكون السؤال، وفي بعضها لا يكون سؤال.
يقول: "والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني، والإنس فيهما بمعنى الإنسي" الجان هم الجن، والإنس معروف واحد الجن جني، وواحد الإنس إنسي، وهذا مما يفرق بينه وبين واحده بالياء ياء النسب، يعني عرب عربي، زنج زنجي، يفرق بين الواحد وبين الجمع بالياء، ياء النسب، يقول: "والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني، والإنس فيهما بمعنى الإنسي" يقول: {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ} [(39) سورة الرحمن] يريد أن يقرر أن السؤال ليس للمجموع، سؤال واحد، ما ذنوبكم أيها الإنس، ما ذنوبكم أيها الجن، لا، يسأل كل واحد بعينه، ما ذنبك يا جني، ما ذنبك يا إنسي ما ذنبك يا.. إلى آخره، وهذا الذي دعا المفسر أن يقول: "والجان هنا وفيما سيأتي بمعنى الجني" لأن السؤال فردي ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان)) فالسؤال إفرادي، يخلو الرب -جل وعلا- بعبده ويقرره، ويسأله ويحاسبه، وجاء في الحديث الصحيح: ((من نوقش الحساب عذب)) ((من نوقش الحساب عذب)) قالت عائشة -رضي الله عنها-: "وماذا عن قوله -جل وعلا-: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [(8) سورة الإنشقاق]؟ قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلكِ العرض))، ((ذلكِ العرض)) يعني ما هو بحساب هو مجرد عرض على الله -جل وعلا- والله -جل وعلا- يعرض على العبد ويقرره ببعض ذنوبه ثم يسترها عليه ويغفرها له، "والإنس فيهما بمعنى الإنسي" {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(40) سورة الرحمن] قال: بعد ذلك: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [(41) سورة الرحمن] يعرف المجرمون بسيماهم: أشكالهم سود الوجوه، زرق العيون، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [(106) سورة آل عمران] والعيون زرق، وفي غاية البشاعة -نسأل الله السلامة العافية- كما أن غيرهم من المؤمنين المسلمين والمحسنين يعرفون بالغرة والتحجيل من آثار الوضوء، وهنا يقول: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [(41) سورة الرحمن] أي "سواد الوجوه وزرقة العيون" كما أنا المسلمين والمؤمنين يعرفون بسيماهم؛ لأنهم غر محجلون من آثار الوضوء.
{فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [(41) سورة الرحمن] الناصية: الجبهة، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [(41) سورة الرحمن] يعني يجمع بين ناصية الإنسان المجرم هذا وقدمه فيلوى ويعصر بعضه على بعض حتى ينكسر ظهره -نسأل الله السلامة والعافية- فيقلى في جنهم، على هذه الهيئة، {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَام * ِفَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(41-42) سورة الرحمن] يقول: أي: "تضم ناصية كل منهم إلى قدميه من خلف أو قدّام ويلقى في النار" يعني فإن كان من خلف يجمع بين ناصيته وقدميه هذا لا شك أنه سوف ينكسر ظهره، وتختلف أضلاعه، وكذلك إذا كان من قدام سوف يحصل له ما يحصل -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا فيه زيادة نكال، وتعذيب لهذا المجرم، يلقى في النار، يسحب في النار على وجهه، بعد ذلك بعد أن يجمع بين ناصيته وقدمه ويقذف في نار تتلهب، نار فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً مثلاً، يعني ناركم التي توقدون منها جزء من سبعين جزء، فهل يستطيع الإنسان أن يصمد لهذه النار أو يقترب منها؟ لا يتقحم النار بس مجرد أن يقترب منها هل يستطيع أن يثبت ويصبر عليها؟ لا يستطيع، فكيف يصبر على نار فضلت على ناركم بتسعة وستين جزءاً؟ "ويقال لهم: هذه جهنم" يعني لما كان الخبر ما نفع، ينفع العيان وليس الخبر كالعيان، بعضهم لا يصدق بالخبر، وبعضهم يصدق بلسانه وفعله فعل المكذب، وهذا حال كثير من المسلمين، تجده يقرأ مثل هذه الآيات ولا تؤثر فيه، ويفعل المخالفات مع وجود مثل هذه الأمور المخوفة، المهولة التي قصها الله -جل وعلا- في كتابه.
"يقال لهم: هذه جهنم" يعني تقدير القول في كثير من المواضع في النصوص يحذف القول كما هنا "يقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [(43) سورة الرحمن] هذه جهنم، {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم} [(106) سورة آل عمران] يعني فيقال لهم: أكفرتم، وهنا: "ويقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [(43) سورة الرحمن] كانوا يكذبون بها في الدنيا، لكن هل يستطيعون التكذيب إذا رأوها؟ هل يستطيعون التكذيب إذا رأوها؟ والخبر خبر الله -جل وعلا- كالمشاهد في القطعية، وجاءت الأخبار عن الأمم الماضية مما لم يرها النبي -عليه الصلاة والسلام- وقيل له: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] عبر عن هذه الأخبار القطعية بلفظ: الرؤية؛ لأنها مثلها في القطعية لا تردد فيها، لكن المجرم -نسأل الله السلامة والعافية- ومن كتب عليه الشقاوة لا يلتفت إلى مثل هذه الأخبار ولا يصدق بها، بل يكذب، "فيقال لهم: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ} [(43) سورة الرحمن] إذا كانوا لا يصدقون بالأخبار فهل لهم أن يكذبوا إذا عاينوا أو رأوا؟ وليس الخبر كالعيان.
{يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يعني: "يسعون" والسعي هو الطواف، والطواف هو السعي، {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] يعني: يسعى بينهما، {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يعني: "يسعون" {بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [(44) سورة الرحمن] جهنم وحميم، يعذب هنا ويعذب هناك، {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يسعون مرة في الجحيم، ومرة في الحميم، بينما في المقابل من خاف مقام ربه له جنتان على ما سيأتي، مرة في هذه الجنة ومرة في هذه الجنة، {يَطُوفُونَ} [(44) سورة الرحمن] يقول: "يسعون بينها وبين حميم آن" يعني: "ماء حار" ماء حار، يطلبون الماء ثم يؤتون بماء حار، تسقط معه فروة الرأس، وجلدة الوجه، وما أشبه ذلك.
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [(44) سورة الرحمن] "ماء حار... شديد الحرارة، يسقونه إذا استغاثوا من حر النار" لأنهم يعرفون في الدنيا أن النار تطفأ بالماء، فيطلبون ماءً من أجل أن يتبردوا به، سواءً كان في داخل أجسامهم فيشربونه، أو خارج الأجسام التي لفحتها جهنم وأحرقتها ليطفئوا هذه النار، وحرارة النار بالماء.
يقول: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [(44) سورة الرحمن] "شديد الحرارة، يسقونه إذا استغاثوا من حر النار" وآن، يقول: "منقوص كقاض" أصله آني كقاضي، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(45) سورة الرحمن] ثم بعد ذلك لما ذكر حال الأشقياء المجرمين ثنى بحال السعداء الأتقياء، {وَلِمَنْ خَافَ} [(46) سورة الرحمن] أي: "لكل منهم أو لمجموعهم"، {وَلِمَنْ خَافَ} [(46) سورة الرحمن] أي: "لكل منهم أو لمجموعهم"؛ لأن (من) تصدق على المفرد وتصدق على الجماعة، تقول: من قام.. أو من اجتهد نجح، ومن اجتهدوا نجحوا؛ لأنها تصدق على المفرد وتصدق على الجماعة، قال: {وَلِمَنْ خَافَ} [(46) سورة الرحمن] أي: "لكل منهم" كل فرد فرد له جنتان، يستقل بهما، "أو لمجموعهم" يجتمعون في جنة ثم ينتقلون إلى أخرى، جنتان للمجموع، ولذا يقول: "لكل منهم" باعتبار أن (من) للمفرد ويدل عليه الصلة (خاف) واحد، ما قال: لمن خافوا؛ ليكون للمجموع، ولمن خافوا مقام ربهم جنتان، هذا يرجح أن لكل واحد جنتان، {مَقَامَ رَبِّهِ} [(46) سورة الرحمن] يعني قيامه بين
يديه للحساب، لمن خاف مقام ربه أي: قيامه بين يديه للحساب، إذا خاف هذا المقام ثم ماذا بعد هذا الخوف؟ العمل بما أوجبه الله -جل وعلا-، والترك لما حرمه عليه، يعني المقصود بالخوف والرجاء الممدوحين في النصوص جاءت النصوص بمدحهما، الخوف والرجاء المقصود به الخوف الذي يحدو إلى العمل، والرجاء الذي يدعو إلى العمل، وإلا خوف بدون عمل ما يفيد، والرجاء بدون عمل اغترار، يقول: {مَقَامَ رَبِّهِ} [(46) سورة الرحمن] "قيامه بين يديه للحساب فترك معصيته" هذه الفائدة من الخوف، جنتان، لمن خاف مقام ربه جنتان، أهل العلم يتكلمون بكلام طويل في المراد بالجنتين في كلام لا دليل عليه، منهم من يقول: إن الجنة له خاصة به، وجنة لأزواجه وخدمه كما يفعله أهل الدنيا، ومنهم من يقول: هما جنتان يرتاح في إحداهما ثم ينقلب إلى الأخرى؛ لأن ملازمة المكان الواحد نعم ممل، وهذا في أمور الدنيا في أمر الدنيا ظاهر، تجد الإنسان في قصر فخم واسع جميل ثم بعد ذلك يضع له استراحة، إذا مل من هذا القصر ذهب إلى الاستراحة، وإذا مل من الاستراحة رجع إلى القصر، هذا في الدنيا واضح، لكن هل هناك ملل أو سأم في الآخرة في الجنة؟ لا، لكن التنويع في الجنة موجود، جنة فيها أنواع، وهي أيضاً نوع يختلف عن نوع الجنة الثانية، ولا شك أن هذا من زيادة الإكرام لمن خاف مقام ربه.
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(47) سورة الرحمن] ولا شك أن هذه من أعظم النعم، نعم الله -جل وعلا- وآلائه فلا يكذب بهما.
{ذَوَاتَا} [(48) سورة الرحمن] "تثنية ذوات"، {ذَوَاتَا}: "تثنية ذوات -على لفظها- على الأصل ولامها ياء" في الحاشية قال: تثنية ذوات على الأصل ولامها ياء، أي في تثنية ذات لغتان: الرد إلى الأصل فإن الأصل ذوية، فالعين واو واللام ياء؛ لأنها مؤنثة ذوى، والثانية التثنية على اللفظ فيقال ذاتان، الجمع ذوات، ذوات جمع ذات فإذا ثنينا الجمع قلنا: إيش؟ كما في الآية: {ذَوَاتَا} [(48) سورة الرحمن] ولا حاجة إلى ما قالوه، خلاص ثنيت على لفظها من غير رجوع إلى أصلها ومفردها، الذي يحتاج إلى الرد إلى الأصل والمفرد هو النسب، النسب هو الذي يحتاج إلى الرد إلى المفرد، وأما الجمع فلا يحتاج إلى رد إلى المفرد، قالوا: النسبة إلى الجمع شاذة، فيلزم على هذا رده إلى مفرده، فإذا أردت أن تنسب إلى الصحف تقول: صُحفي وإلا صَحفي؟ صُحفي شاذ لأنه نسبة إلى الجمع، ترده إلى مفردة فتقول: صحيفة، والأصل أن تقول: صحيفي، هنا لا نحتاج إلى رده إلى مفرده فنقول: {ذَوَاتَا} [(48) سورة الرحمن] كما قال الله -جل وعلا-، تثنية ذات على الأصل ولامها ياء.
{أَفْنَانٍ} [(48) سورة الرحمن] يقول: "أغصان، جمع فنن كطلل" جمعه أطلال، ومنهم من يقول: إنه جمع فن، الأفنان جمع فنن، وهي أغصان الشجر، فيها أشجار كثيرة لها أغصان جميلة، يسير في ظلها المدد المتطاولة أو يقال: إنه جمع فن، والفن يقصد به النوع، ذواتا أنواع كثيرة، لا تخطر على قلب بشر، ولا يحيط بها وصف {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(49) سورة الرحمن].
{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [(50) سورة الرحمن] في هاتين الجنتين عينان {تَجْرِيَانِ} [(50) سورة الرحمن] يقول بعضهم: عينان تجريان لمن جرت عيناه بالبكاء من خشية الله وخوفه في الدنيا، وجاء في الحديث حديث السبعة: ((من ذكر الله خالياً ففاضت عيناه)) و((عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)).
{فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ} [(50-52) سورة الرحمن] "في الدنيا أو كل ما يتفكه به" {زَوْجَانِ} "نوعان: رطب ويابس، والمر منهما في الدنيا كالحنظل حلو" {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ} [(52) سورة الرحمن] "في الدنيا -أي- كل ما يتفكه به" {زَوْجَانِ} يعني في فواكه الدنيا ما يوجد اسمه في الآخرة، وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء كما قال ابن عباس، وإلا فالحقائق مختلفة، وإلا فالحقائق مختلفة، {زَوْجَانِ} "نوعان: رطب ويابس" إن كان التنوع بالرطوبة واليبوسة ففيه من الرطب وفيه من اليابس؛ لأن الإنسان قد يشتهي أحياناً رطب، وأحياناً قد يشتهي اليابس حتى في الدنيا، يعني لو نظرنا على سبيل المثال مثلاً التمر، العنب، التين، من أمور الدنيا تجد بعض الناس أو الإنسان نفسه في وقت يفضل الرطب، ويتيسر له هذا الرطب، لا سيما بعد وجود هذه الوسائل التي تحفظ هذه الأشياء السنة والسنتين وأكثر، وأحياناً يفضل اليابس، وهذا كله موجود في الآخرة، أحياناً يكون التين رطب، وأحياناً يكون يابس أفضل عند بعض الناس، وقد يكون عند الإنسان نفسه أحياناً يفضل هذا الرطب، وأحياناً يفضل اليابس، التمر أحياناً يفضل رطب، وأحياناً يفضل يابس، العنب أحياناً يفضل رطب، وأحياناً يفضل زبيب مثلاً وهكذا، "نوعان: رطب ويابس، والمر منهما في الدنيا كالحنظل حلو" حلو، الحنظل على مرارته يكون حلواً في الآخرة {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ} [(53-54) سورة الرحمن] "حال عامله محذوف أي يتنعمون" متكئين: والاتكاء إما الاضطجاع أو قريب منه على أحد الشقين أو التربع، كما جاء تفسير قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا آكل متكئاً)) يعني في الدنيا، لا يحسن الأكل متكئاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا آكل متكئاً)) يعني لا متربعاً لأن هذا يقتضي المزيد من الأكل والشره فيه، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأكل مستوفزاً أو مقعياً أحياناً؛ لئلا يكثر من الأكل، بينما في الآخرة متكئين، يقول: {مُتَّكِئِينَ} [(54) سورة الرحمن] "حال عامله محذوف أي يتنعمون" أي: يتنعمون {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [(54) سورة الرحمن] {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [(54) سورة الرحمن] "ما غلظ من الديباج وخشن والظهائر من السندس" الظهائر من السندس، يعني إذا كان الناس في دنياهم يتخذون الفرش الناعمة وبقية حياتهم كما هو معلوم أرض تراب أو حصى أو ما أشبه ذلك، فكيف يكون الفراش في دار ترابها المسك؟ التراب مسك فيكف يتصور الفراش؟ يعني إذا كان الناس يتخذون الفرش الناعمة في دار ترابها إما التراب الملوث أو المكسو بالحجارة الضارة بالنسبة لمن وقع عليها، فيكف بدار ترابها المسك الأذفر؟! يعني كل هذا يهز القلوب، يجعل الإنسان يعمل لهذه الدار، أما نستمع الكلام ونتكلم بمثل هذا الكلام ونحن..، وهو مجرد أشبه ما يكون بالاستهلاك، يعني مجرد تمضية وقت، المتكلم لا يستفيد والسامع لا يستفيد، نحتاج في أنفسنا إلى إعادة نظر، كيف نتلقى هذه الأخبار من الله -جل وعلا-، وهذا الوعد منه، وهو لا يخلف الميعاد، ومع ذلك يبقى أمور وأمور لم تقص علينا، {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [(17) سورة السجدة] {عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [(54) سورة الرحمن] يقول: "ما غلظ من الديباج وخشن، والظهائر من السندس".
{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} [(54) سورة الرحمن] يعني ثمر الجنتين المعدتين لمن خاف مقام ربه، يعني مما يذكر أن شخصاً قال لامرأته هي طالق إن لم أكن من أهل الجنة، قال لزوجته: أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة، فسألوا فقال: لا تطلق زوجتك؛ لأنك ما جئت تسأل إلا لأنك خائف أن تقع على زوجتك وهي لا تحل لك، {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [(46) سورة الرحمن] أنت خائف مقام ربك، لو أنت ما أنت بخائف ما جيت تسأل واستدل بهذه الآية، لكن الخوف في هذه المسألة هل يقتضي الخوف الدائم؟ لأنه قد يسأل يخاف، نعم في هذه المسألة ومع ذلك مرتكب للجرائم، ولا يخاف من الله -جل وعلا- لا في نفسه ولا في غيره، اللهم إلا إذا كانت حاله تدل على أنه بالفعل من أهل الخوف من الله -جل وعلا- فهذا ممكن.
{وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ} [(54) سورة الرحمن] ثمرهما {دَانٍ} يعني "قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع" يعني: جنى جنان الدنيا وبساتين الدنيا بعيد، يعني إن كان قريب من شيء صار بعيد عن شيء آخر، وإذا قرب من شجرة بعدت عنه الأخرى، وإذا كان يناله وهو قائم لا يناله وهو جالس، وإذا كان يناله وهو جالس لا يناله وهو مضطجع، وهنا: جنى الجنتين "دان: قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع" فلا كلف ولا عناء ولا مشقة، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(55) سورة الرحمن] والآلاء والنعم بعد هذه الآيات ظاهرة.
{فِيهِنَّ} [(56) سورة الرحمن] يعني: "في الجنتين وما اشتملتا عليه من العلالي والقصور" مثل هذا يحتاج إليه لأنه قال: {فِيهِنَّ} ما قال: فيهما تثنية؛ لأن هاتين الجنتين وإن كانتا اثنتين إلا أن في كل واحدة منهما ما يستحق الجمع، فهي معادلة بل أعظم من جنان الدنيا كلها الواحدة منها، ولذلك قال: {فِيهِنَّ} في الجنتين، أما على قول من يقول: إن أقل الجمع الاثنين هذا ما عنده إشكال في مثل هذا، لكن الذي يقول: إن أقل الجمع ثلاثة يقول: كيف قال: {فِيهِنَّ} وهما جنتان؟ قال المفسر: {فِيهِنَّ} "في الجنتين وما اشتملتا عليه من العلالي والقصور".
{قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [(56) سورة الرحمن] "العين" {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} "العين على أزوجهن المتكئين من الإنس والجن" قاصرات الطرف، قصرت طرفها على زوجها، فهي لا ترى أن في الجنة من هو أحسن منه وأجمل وأكمل، قاصرات الطرف فيكون من باب إضافة..، من باب الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول؟ إلى الفاعل، وعلى القول بأن قاصرات الطرف أنهن يقصرن أطراف أزواجهن فلا يلتفتوا إلى غيرهن فيكون من باب الإضافة إلى المفعول {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [(56) سورة الرحمن] يعني: "العين على أزوجهن المتكئين من الإنس والجن" سيأتي الفرق بين قاصرات ومقصورات، من الإنس والجن.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} [(56) سورة الرحمن] يعني: لم "يفتضهن وهن من الحور أو من نساء الدنيا المنشئات" {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يعني: لم يفتضهن، أبكار، كلما جاء إليها وجدها بكراً، سواءً كانت من الحور أو زوجته أو أزواجه التي كن في الدنيا، ولو كن في الدنيا ثيبات يعدن أبكاراً، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} يعني: لم يفتضضهن سواءً كن من الحور أو من نساء الدنيا المنشئات التي أدخل عليهن من التغيير ما يجعلهن عرباً أتراباً.
{إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [(56) سورة الرحمن] يعني: ما جامعهن ولا افتضهن قبلهم لا إنس ولا جن، وهذا يستدل به من يرى أن الجن يجامعون كما يجامع الإنس، وقد يجامع الجني إنسية، وقد يجامع الإنسي جنية؛ لأن الامتنان هذا على الإنس وعلى الجن، فنساء الإنس من الحور أو نساءهم اللواتي كن لهم في الدنيا لم يطمثهن يعني لم يجامعهن قبلهم لا إنس ولا جان، وكذلك نساء الجان سواءً كن من الحور أو نساؤهم في الدنيا لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، وبعضهم يقول: إن هذا يستحيل لا يمكن أن يجامع الجني إنسية ولا العكس؛ لأن خواص الإنس تختلف عن خواص الجن، طبائع الإنس تختلف عن طبائع الجن، خلقة الإنس تختلف عن خلقة الجن، والآية فيها دليل على أن الإنسي قد يقع على الجنية والعكس، ويذكر بعض القصص أن فلان من الناس تزوج جنية، ويذكر أيضاً في الأسئلة الآن يكثر أن المرأة الممسوسة قد لا يمكنها الجني من الصلاة حتى يقع عليها، هذا موجود في الأسئلة يعني، سئل عنه مراراً، فهذا يدل على الإمكان، وقالوا في بلقيس قالوا: إن أحد أبويها جني، فعلى كل حال مثل هذه الأمور كثرت الوقائع فيها، والأسئلة عنها، وذكر أيضاً من القصص والحوادث ما يدل على وجود مثل ذلك، وإن كان جمع من أهل العلم، الماوردي ينفي هذا نفياً قاطعاً، وغيره من المفسرين، والقرطبي بحث هذه المسألة في مواضع من تفسيره فليرجع إليه.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ} [(56-58) سورة الرحمن] صفاءً {وَالْمَرْجَانُ} أي: "اللؤلؤ بياضاً" {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [(56-58) سورة الرحمن] صفاءً {وَالْمَرْجَانُ} أي: "اللؤلؤ بياضاً" {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} منهم من يقول: الياقوت لونه أحمر، والمرجان أبيض، ومنهم من يقول العكس، فقد يقول قائل: هل اللون أبيض مشرب بحمرة؟ كونه أبيض هذا ما فيه إشكال، جاءت به النصوص، لكن الأخذ من هذين الوصفين الياقوت والمرجان قال بعضهم: إنه يمكن أن يكون أبيض مشرب بحمرة، مع أن الأحاديث تدل على أنهن بيض اللون، وفي قوله -جل وعلا-: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} [(49) سورة الصافات] يقول المفسرون: هو بيض النعام، بياض مشرب بصفرة لا بحمرة، وسواءً كان هذا أو ذاك فهن في غاية من الجمال والكمال بحيث لا يستطيع الإنسان تصور هذا الأمر، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ* هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [(59-60) سورة الرحمن] يعني (هل) قالوا: تأتي بمعنى (ما) النافية، هل وجدتم؟ هذا استفهام، يعني تأتي للاستفهام، لطلب الخبر والاستخبار، وتأتي نافية كما هنا: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [(60) سورة الرحمن] وتأتي بمعنى (قد) {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] ولها معان تدرك من مغني اللبيب وغيره، (هل) هنا نافية بدليل الاستثناء {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ} [(60) سورة الرحمن] بالطاعة من قبل المكلف {إِلَّا الْإِحْسَانُ} من الله -جل وعلا- بالنعيم المقيم، {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [(61) سورة الرحمن].
ونقف على هذا، على قوله: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [(62) سورة الرحمن] والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"ذكرتها بالأمس، ويجمعها قول الشاعر:
ثمانية حكم البقاء يعمها
هي العرش والكرسي نار وجنة
من الخلق والباقون في حيز العدم
وعجب...........................
يعني: عجب الذنب الذي يبقى من بدن الإنسان.
...................................
وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم
منهم من يقول: إنه لو زاد على المائة عشر أو عشرين كل شيء بأجره، وبهذا يستدل من يقول: بأن الزيادة مقبولة في الأذكار، في الأذكار المحددة، وأن من هلل مائة وعشرين صدق عليه أنه هلل مائة والزيادة بأجرها، وهذا قول معتبر عند جمع من أهل العلم.
ومنهم من يقول: من زاد يعني جاء بمائة ثانية، بحيث لا يزيد على المائة، بحيث لا يزيد على المائة، كثير من الناس لا يستطيع ضبط هذه الأعداد، إما أن يزيد أو ينقص، فيقول: يزيد من باب الاحتياط، نقول: عليه أن يتحرى الدقة في العدد، وأما إذا شك هل بلغ العدد أو لم يبلغه؟ فيزيد حتى يجزم بأنه بلغ العدة.
ما أدري ويش المقصود بهذه البلية؟ يعني إن كان ابتلي بعرضه بأحد من أهل بلده من أهل بيته، فلا شك أن هذه كارثة، وإن كانت منه فهي أعظم -نسأل الله السلامة والعافية-، ومع ذلك باب التوبة مفتوح، التوبة تهدم ما كان قبلها، ولا يعني التساهل بمثل هذه الأمور؛ لأن هذه عظائم الأمور، هذه الفواحش -نسأل الله السلامة والعافية-، فإن كانت من غيره وقعت في عرضه من أهل بيته من غيره، فلا شك أن هذا له حكمه الشرعي، وإن كانت منه نفسه -نسأل الله السلامة والعافية- فالأمر أعظم، وعلى كل حال هذا ليس بمانع من أن يستفيد هو ويتوب إلى الله -جل وعلا-، وتحسن حاله إذا صدقت توبته بشروطها، وكذلك توبة من وقع منه هذا الأمر، ثم بعد ذلك يتبادلون النصح، وينسون ما حصل.
غير المسلمين معروف أن الزكاة لا تصرف لهم، لا تصرف إلا من باب التأليف، إن كانوا من المؤلفة قلوبهم فحينئذٍ هم من الأصناف الثمانية، وأما من عداهم فلا، لا يصرف لهم شيء من الزكاة، وأما الصدقة فبابها أوسع، فتصرف لغير المسلم لا سيما إذا غلب على الظن أنه تسهل دعوته إلى الإسلام، وأما تغيير الديانة ظاهراً من أجل العمل في هذه البلاد فإنه لا شك أن من اطلع عليه لا بد من أن يبلغ؛ لأن المسلم له معاملة تختلف عن ديانة غيره، وإذا أخفى ديانته وهو غير مسلم ثم ظهر للناس باسم الإسلام فإن هذا لا شك أنه يغرهم.
السلف في هذه المسألة أطلقوا الكفر على من قال: بأن كلام الله مخلوق، كفروه، لكنه تكفير جنس لا تكفير عين، فلا يقال مثلاً: الزمخشري كافر؛ لأنه معتزلي والمعتزلة يقولون بخلق القرآن، لا، لكن هذه المقالة -نسأل الله السلامة والعافية- كفر، فرق بين تكفير الأجناس التكفير بالوصف وتكفير الشخص؛ لأن تكفير الشخص يعتريه ما يعتريه من توافر الأسباب وانتفاء الموانع وعدمها.
السائل لا يخلو إما أن يكون من أهل النظر أو لا، فإن كان من أهل النظر، لديه أهلية النظر في الأقوال وأدلتها، ويستطيع بنفسه أن يصل إلى أرجح هذه الأقوال فهذا هو المتعين عليه أن يأخذ بالراجح، وإن كانت ليست لديه أهلية النظر ولا الاستدلال، بل هو عامي أو في حكم العامي من مبتدئي الطلاب، فإن هذا يقلد من هو أوثق عنده علماً وديناً وورعاً.
إذا كان صاحب العمل الذي بدأت عنده العمل مليء بحيث لو طلبته في وقته أعطاك إياه، فإنك تحتسب الزكاة من أول الاستحقاق، وإن كان مماطلاً بحيث لو طلبت المبلغ ما تيسر لك ولا أعطاكه فإنك تحتسب المدة تحسب الحول من الاستلام.
هما معاً، مطلوب الحفظ ومطلوب أيضاً أن يقرأ على الوجه المأمور به بالترتيل والتدبر.
على كل حال هو لا بد أن يتفنن طالب العلم، لا بد أن يأخذ من كل علم بطرف، يأخذ من علوم القرآن كتاباً مختصراً، من علوم الحديث كذلك، ومن أصول الفقه، ثم فروع العربية أيضاً كذلك، ثم يأخذها دفعة واحدة، ما يمنع أن يأخذها دفعة واحدة، ثم إذا انتهى منها انتقل إلى ما بعدها، ويكون بذلك أدرك من العلم ما يكتب له في المدة المناسبة.
هذا كتاب جيد، يعني تفسير إعراب مفصل للقرآن، مع أن كتاب محمود درويش أفضل عندي، وهما متقاربان في الحجم.
يقول: التحرير والتنوير لابن عاشور؟
هذا أيضاً كتاب متقن ومحرر ومضبوط فيه فوائد لا سيما ما يتعلق بالصناعة اللفظية من علوم البلاغة وغيرها.
تيسير العلي القدير لنسيب الرفاعي؟
هذا من مختصرات ابن كثير، وهو من أفضلها؛ لأن المؤلف عني بجانب العقيدة.
الأصل أن ما يفتي به هو ما يعمل به، وما يعتقده، وما يدين الله برجحانه، فإذا ترجح عنده بالدليل فيعمل به بنفسه ويفتي به غيره، لكن قد يعتري بعض المسائل ما يعتريها، من أنه يترجح للإنسان قول بدليله فيعمل به في نفسه لكنه يفتي الناس على ما شاع في بلدهم وعند علمائهم؛ لئلا يحصل هناك اضطراب، ويحصل هناك شيء من الضياع للفتوى، لا سيما إذا كانت الفتوى من جهة ملزمة، يعني لو أفتت اللجنة الدائمة مثلاً التي عينت من قبل ولي الأمر بقول وترجح له غيره مخالفة العلماء هؤلاء لا سيما مع اجتماعهم يجعل عند الإنسان تردد فيما اختاره لنفسه، يتهم نفسه، وقل مثل هذا في ما لو كان ترجيحه مخالف لمذاهب الأئمة الأربعة، لا شك أن الأصل أن العمل بالدليل من الكتاب والسنة، لكن التوقف حينما يكون الاختيار مخالفاً لمذاهب الأئمة الأربعة وأتباعهم إنما يكون سببه اتهام النفس بالقصور أو بالتقصير، ولا يعني هذا أنه يقدم قول الأئمة على الدليل، لا، كثير من أهل العلم يهابون مخالفة الأئمة، فإذا كان الباعث على ذلك هذا لا سيما إذا كان الدليل محتملاً، أحياناً يكون الدليل محتمل، قد يترجح عندك أحد الاحتمالين، ويترجح عند غيرك غير هذا الاحتمال الذي ترجح عندك.
سيأتي في قول الله -جل وعلا-: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [(56) سورة الرحمن] ما قاله أهل العلم في هذه المسألة، وأما الاستعانة بالجن فهي من خواص سليمان -عليه السلام-، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يوثق الجني فتذكر دعوة سليمان -عليه السلام- فترك، وهذا في البخاري؛ لأن هذا من خواصه -عليه السلام-، فلم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه مسألة، المسألة الثانية: أن الجن قد يدعون الإسلام، ويدعون الاستقامة والالتزام ثم بعد ذلك يتبين خلاف هذا، فإذا أوقعوا المستعين بهم في حبالهم وشركهم، وتخلوا عنه لا بد أن يحصل له شيء من التقرب إليهم، وسد الذرائع الموصلة للشرك أمر لا بد منه.
هذا مبناه على مسألة كبرى وهي أخذ الأجرة على التعليم، ومثله التأليف، وفي قوله -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: ((إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) ما يدل على جواز هذا كله، لكن بحيث لا يكون الهدف والقصد والباعث على التأليف هو كسب الدنيا.
تفسير الشعراوي كما هو معروف تفسير عقلي باستنباطه هو، ولا شك أن لديه شيء من المعرفة، وشيء من الذكاء، وشيء من الدقة، يغوص على بعض المعاني التي قد يكون في بعضها لم يسبق إليه، فيستفاد منه من هذه الحيثية، لكن يكون معول طالب العلم ومرده إلى تفاسير السلف.
أقول: كونها مستمرة في فلكها هذا هو الأصل، والحس والواقع يشهد بذلك، وأيضاً ما جاء به الدليل الشرعي من أنها تسجد كل ليلة تحت العرش وتستأذن هذا أمر لا جدال فيه؛ لأنه ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا تعارض هذا مع هذا لا بد أن يؤمن بالجميع على حقيقته، قد لا يدرك العقل مثل هذا، ويظن فيه شيء من التناقض، أقول: أقرب نظير له ما قرره شيخ الإسلام في شرح حديث النزول: إن الله ينزل في آخر كل ليلة، وأورد على هذا ما أورد على سجود الشمس من أنه..، من أن الثلث الأخير يختلف من بلد إلى بلد، لكن علينا أن نؤمن، علينا أن نستسلم ونسلم، حتى قال شيخ الإسلام: إنه مع ذلك ينزل آخر كل ليلة ولا يخلو منه العرش، فما فيه إلا تسليم، يعني ما فيه إلا استسلام، يعني كثير من القضايا التي جاء الشرع بمثلها، التي لا يدركها العقل؛ لأن الشرع قد يأتي بما تحتار منه العقول، ويكون هذا نسبياً أيضاً، قد يكون الحل عند بعض الناس موجود، عند بعض أهل العلم موجود، لكنه لم يظهر لغيرهم، وهكذا المتشابه من آي القرآن، قد يكون متشابه بالنسبة لبعض العلماء، ومحكم بالنسبة لبعضهم.
هذا بالتنصيص النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نزلت الآية قال: ((اكتبوها في السورة التي يذكر فيها كذا بعد كذا)) يعني ترتيب الآيات توقيفي، النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يشير إلى موضع الآية.
أما اتخاذ ذلك ديدن وشعار فلا، هذا لم يثبت، كلما مفرغ من القراءة قال: صدق الله العظيم، الجملة صحيحة {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [(122) سورة النساء] لكن مع ذلك لا تتخذ عادة.
إذا لم تأتِ بركعة كاملة فأنت ما زلت لم تصل؛ لأن الصلاة أقلها ركعة فتقطعها، وإن كنت أتممت صلاة بركعة كاملة فأنت تكمل هذه الصلاة بركعة ثانية خفيفة.
نعم هذا جاء الخبر مرفوعاً لكنه ضعيف، الحديث ضعيف.
يقول: يوجد كاتب في إحدى الصحف لا هم له إلا تنقص العلماء والمشايخ والدعاة ورموز الصحوة -على قوله- حتى وصل به الحال إلى أن نسب القول بالفسق والتكفير والضلالة على ألسنتهم، ويقول: هذا نتاج ما تعلموه في مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم الشرعية، وعمدتهم على رمزين: الأول: قبل سبعة قرون، وهو عالم موسوعي وتلميذه الثاني قبل ثلاثة قرون عالم مجدد، ويقصد بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، الثاني: شيخ الإسلام الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله-، يقول: فما رأيكم هل نتقدم للقضاء بمحاكمته؟ أم نرد عليه؟ أم ماذا نفعل؟
أولاً: مثل هذا في أول الأمر يناصح، تسدى له النصيحة سراً؛ لأنها أقرب وأدعى إلى القبول, وأقرب إلى الإخلاص للمتكلم، هذا في بادئ الأمر، ويجعل منه بعد رجعته من يرد على نفسه بنفسه، هذا إذا رجع يناصح من قبل مجموعة من أهل العلم، ويكرر عليه النصح إن أجدى به وإلا فيرد عليه رداً علنياً، وإن تطاول مع ذلك وتعدى ذلك إلى الشرع نفسه فيحاكم، هذا لا بد من محاكمته، ورفع أمره إلى ولاة الأمر.
الله -جل وعلا- خالق للعباد ولأفعالهم، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [(96) سورة الصافات] هذا معروف، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، فأثبتوا خالقاً مع الله -جل وعلا-.
هو تصوير، هو تصوير داخل في النصوص، داخل في النصوص، والتشديد في أمر التصوير معروف، بل جاء في المصورين أنهم أشد الناس عذاباً يوم القيامة -نسأل الله العافية-، وهذه البرامج وهذه الأنشطة كلها مما يبتغى به الأجر من الله -جل وعلا-، وما عند الله لا ينال بسخطه.
نعم هذا يمثل به، يمثل به أهل العلم للعام الذي أريد به الخصوص؛ لأنه لم يقصد به في أول الأمر العموم، ثم بعد ذلك جاء ما يخصصه.
أولاً: التصوير الفوتوغرافي والتصوير عموماً بأي آلة كانت سواءً كان بآلة أو باليد كله داخل في النصوص، وفيه المضاهاة لخلق الله، وفيه السبب الذي كان أول الأسباب للشرك بالله -جل وعلا-، هذا كله موجود، والعلل كلها متوافرة، فهو داخل في نصوص التحريم.
أولاً: الفريضة لا تصح على الراحلة كما هو معروف، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي النافلة على الراحلة، يبقى أن الفريضة لا بد أن تصلى على الأرض، وفي مثل هذه الظروف العمل بقول الجمهور، وأن وقت العشاء لا ينتهي إلا بطلوع الفجر متجه، لا سيما وأن له أدلته فينتظر فإذا خشي طلوع الصبح يصلي الإنسان على حسب حاله.
هذا معروف الذي قال لهم الناس هو نعيم بن مسعود كما هو معروف شخص واحد، {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] يعني أبا سفيان وقومه، {جَمَعُواْ لَكُمْ} [(173) سورة آل عمران] يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، على كل حال ليس المراد به العموم على أي قول، وأهل العلم يمثلون بالآية على العام الذي يراد به الخصوص.
لا أنت تزكي ما عندك، وقت الزكاة تزكي ما عندك، يعني أنت قدمت الزكاة شهر في يوم إخراجك للزكاة تحسب جميع ما عندك واخرج زكاته، ثم إذا حال الحول الثاني احسب جميع ما عندك، قد يكون هناك تحايل، قد يكون هناك تحايل بحيث يرجو حصول مبلغ كبير في شعبان، ويقول: اخرج الزكاة وهو من نماء المال السابق؛ لأن نماء التجارة له حكم أصله، ويقول: أنا أخرج الزكاة في رجب قبل حصول هذا النماء الكبير لهذه التجارة، والأمور بمقاصدها، فإن كان قصده ذلك لا بد أن يخرج هذا النماء في شعبان في وقته.
هذا إذا كانوا مسلمين فهم مثل غيرهم لهم من الحقوق ما لهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا غير مسلمين فلا شك أنهم أجانب، ويبقى أن لفظ الأجنبي يعني إطلاقاته واسعة ابن العم بالنسبة للمرأة أجنبي، الجار إذا لم يكن له قرابة صار أجنبي، وهكذا المقصود أن الإطلاق ليس..، يعني لا يدل على شيء من التنقص، وصف لغوي شرعي ما فيه أدنى إشكال، اللهم إلا إذا أريد به التفريق بين المسلمين.
على كل حال إذا كان يتضرر الذي تعب على الأصل وهو مسلم فلا يجوز الضرر، الضرر لا بد من إزالته، إذا كان يتضرر بذلك، كما لو تعب على كتاب وألفه وطبعه وباعه في الأسواق بقدر تكلفته، ثم جاء من ينسخه أو يطبعه طبعة ثانية بقيمة نازلة يتضرر بها، نقول: لا يجوز، الضرر لا بد من إزالته.