كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 10
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن أبي مسلمة سعيد بن زيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم متفق عليه.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] فمر رجل من بني سلمة...
سلِمة، سلِمة.
من بني سلِمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. رواه مسلم.
وعن عثمان الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتكلم فيه أحمد، وقواه البخاري.
وعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة".
وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إنا كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة].
حافظوا، حافظوا؟
{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة)) قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالاً من أهل العلم يسبحون ويشيرون. متفق عليه.
ولم يقل البخاري: ((في الصلاة)) ولا ذكر قول ابن شهاب.
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل، وابن حبان والنسائي وعنده: وقال يعني: يبكي، وقد وهم في هذا الحديث من قال: أخرجه مسلم. والله أعلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" متفق عليه" النعال هي المعروفة مما يقي القدم من الحفاء بمباشرة الأرض والحصى، وهي ما دون الكعبين، كل ما دون الكعبين يقال له: نعل، وما غطى الكعبين يقال له: خف، وحكم الخفين في هذا حكم النعلين، يصلى فيهما، بل جاء الأمر بذلك بمخالفة اليهود، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في نعلين، ثم جاءه جبريل يأمره بخلعهما لما فيهما من الأذى، فثبت الأمر فثبتت المشروعية من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم والمسلم عموماً أن يقتدي به في ذلك، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ديدنه الصلاة في النعلين.
يثبت الاقتداء بفعل ذلك أحياناً، لا سيما وأن أماكن الصلوات المعدة لها من المساجد قد تتأثر بالنعلين وما يلصق بالنعلين، وهذه لا شك أنها أموال، وتعريضها للأذى في النعلين إتلاف لها، لكن إذا لم يكن المكان مفروشاً فالصلاة في النعلين أقل أحوالها الاستحباب، أما إذا عارض ذلك ما هو موجود الآن من المساجد النظيفة، وما في أسواق المسلمين وشوارعهم من القذى والأذى، فيُفعل ذلك أحياناً ليتم الاقتداء.
قد يقول قائل: لماذا لا يصلى بالنعلين دائماً ولو كانت مفروشة، والإنسان يفعل ما أمر به من تنظيف النعال بالدلك ((إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب))؟ فيدلكهما عند باب المسجد ويدخل فيهما ويصلي، لكن الدلك لا يزيل كل ما في النعل، وما في الخف من الأذى مما يباشر به نعله بالأرض، فيعلق بها شيء من الأذى، وقد يعلق بها شيء من النجاسات، والفرش وضعه يختلف بلا شك عن التراب؛ لأن التراب إذا أصابته نجاسة يكفي أن يراق عليه ماء، لكن تطهير الفرش كتطهير غيره مما يصاب بالنجاسة غير التراب، يعني تطهير التراب يكفي فيه أن يرش، أن ينضح عليه الماء، يرش عليه الماء، يهراق عليه الماء، والأمر الثاني أن التراب يشرب الماء، ولا يمكث فيه طويلاً، فيعود المكان يابساً بخلاف الفرش، لو أريق عليه الماء وغسل غسلاً تاماً فلا شك أنه يمكث فيه، تمكث فيه رائحته، مما يؤثر على المصلين.
بالنسبة للحرمين مثلاً في الأماكن غير المفروشة، قد يقول قائل: لماذا لا يكون حكمها حكم المساجد يدخل فيها بالنعال ويصلى بالنعال؟ لأنها غير مفروشة ولا تتأثر، لا سيما الأماكن غير المفروشة، أما المفروش لا شك أنه يتأثر، وحينئذٍ يجتنب مثل هذا اتقاءً لإتلاف المال، يلزم عليه لو أن الناس دخلوا المساجد في نعالهم لزم من ذلك أن تغير الفرشاة باستمرار، بينما لو حفظت من هذا واكتفي بالقدم المجردة مكث الفرش سنين، أما الأماكن غير المفروشة فلا شك أن السنة أن يصلى فيها بالنعال، ولكن لو وجد تشويش مثل ما هو الآن، لو أحد دخل بنعليه في المسجد الحرام أنكر الناس عليه قاطبة، وقد يستدلون لهذا الإنكار بقول الله -جل وعلا-: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طـه] وهذا أقدس منه، فإذا أمر بخلع النعلين بالوادي المقدس فخلع النعلين في المسجد الحرام يعني من باب أولى لأنه أقدس؛ لأن العلة التقديس، وهذا أقدس هذا المكان، إذاً يكون من باب هاه؟ القياس الجلي، مفهوم الموافقة، نعم؟ والقياس هنا يتأتى أو لا يتأتى؟ يعني الوادي نُص عليه، والحرم مسجد كغيره من المساجد، فهل يلحق..؟ لا شك أنه مكان مقدس، لكن هل يلحق بالمساجد باعتباره مسجد؟ وسماه الله -جل وعلا- مسجداً {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(1) سورة الإسراء] فهو مسجد، فهل يلحق بالمساجد من هذه الحيثية، أو يلحق بالوادي المقدس لأنه حرام ومقدس؟ والتحريم تقديس، كونه حراماً تقديس، فماذا نستعمل من أنواع الأقيسة هنا؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
صوتك ما هو بواضح ترى.
طالب:.......
مفهوم الموافقة؟ لا نحن نتردد بين أمرين، هل نلحقه بالمساجد باعتباره مسجد كما في نص القرآن؟ والمساجد يدخل فيها بالنعال ويصلى فيها بالنعال، وعرفنا أن الكلام في المكان غير المفروش، أما ما يترتب عليه تلف لمال كالفرشاة، أو مما يلصق به هذا الأذى والقذر، ونرى النظافة تعمل باستمرار في المسجد الحرام، فإذا وقع شيء في غير المفروش أمره سهل، وغسله وتنظيفه سهل، فهل نلحقه بالمساجد باعتباره مسجداً، أو نلحقه بالواد المقدس الذي أمر بخلع النعلين باعتباره حرام والتحريم يعني التقديس؟ نستعمل في هذا من أنواع الأقيسة قياس الشبه، إيش معنى قياس الشبه؟ يعني تردد فرع بين أصلين فيلحق بأقواهما شبهاً، كثير من الناس يمنع من الدخول، ويستنكر بشدة أن يدخل الإنسان بنعاله في المسجد الحرام، ويستدل بالآية: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [(12) سورة طـه] فهل لاستدلاله وجه؟ ونقول: إنه به أشبه؟ أو نقول: إنه مسجد من المساجد يدخل فيه بالنعال كغيره من المساجد؟ ويصلى فيه بالنعال هذا إذا استثنينا القسم المفروش؛ لأن الفرش يتلفه النعال والخفاف، وإتلاف المال جاءت النصوص بمنعه، وذكرنا أيضاً وجوه منها: أن الأذى والقذر يثبت في الفرش أكثر مما يثبت على الأرض، أو على البلاط، وما أشبه ذلك، وأيضاً تبقى الرائحة ولو غسل، والناس يسجدون عليها، ويتأذون بالروائح الكريهة، حتى أنه وجد من الناس من يترك المساجد للرائحة التي تعلق بالفرشاة، بالفرش هذه، لكن هؤلاء ليسوا بعبرة، والطعن في حجاج بن أرطأة لما تخلف عن الصلاة في بعض الأوقات لما لاعتبار أنه يصلي بجنبه من فيه رائحة، أو لا يتنظف، أو ما أشبه ذلك، ورمي ما رمي به من الكبر بسبب ذلك، هذا ليس بمبرر، لكن أيضاً من قبلنا ومن قبل الطرف الثاني عليه أن يرعى حرمة حقوق المساجد، وأمر الناس ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف، لا بد من هذا؛ لأنها أقدس البقاع، فهل شبه المسجد الحرام بالمساجد أقوى أو بالوادي أقوى؟ نعم؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
لا شك أن وجوه الشبه بالمساجد أقوى من وجه شبهٍ واحد بالوادي، شبهه بالوادي التقديس وهو التطهير، ووجوه الشبه مع المساجد أكثر من وجه، فهو في حكم المساجد، فعلى هذا لو كان المسجد الحرام، أو المسجد النبوي ما في فرشاة فيه تراب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في النعلين في المسجد النبوي، فعلى هذا حكمه حكم المساجد، والاستدلال بالوادي فيه ضعف.
"أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" وجاء الأمر بالصلاة في النعال مخالفة لليهود، فعلى هذا أقل الأحوال الاستحباب، فليحرص طالب العلم على أن يصلي في نعليه حيث لا إشكال ولا إثارة، يعني إذا صلى في بيته مثلاً نافلة، أو صلى مع مجموعة في سفر أو نزهة، أو ما أشبه ذلك يصلي في نعليه تطبيقاً للسنة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالنعلين، فأخبره جبريل بأن فيهما أذى، فخلعهما، وبنى على ما مضى من صلاته، فعلى هذا لو تذكر الإنسان أن في شيء مما يلبسه نجاسة، أثناء صلاته يكتفي بخلعه، ويبني على ما مضى، لكن إذا لم يتمكن من خلعه إلا بانكشاف العورة يقطع صلاته؛ لأن انكشاف العورة مبطل للصلاة على ما تقدم.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة]" كان يصلي نحو بيت المقدس، لما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، ثم تشوف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل من جهة بيت المقدس إلى المسجد الحرام، فأمر بذلك، فنسخت القبلة الأولى.
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [(144) سورة البقرة] يعني قبل الهجرة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، الصلاة فرضت قبل الهجرة، فكان يصلي في المسجد الحرام، ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فيتجه إلى بيت المقدس، ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، لما هاجر لا يتمكن من ذلك، لا يستطيع أن يجعل الكعبة مستحيل جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فصار يصلي إلى بيت المقدس هذه المدة، ثم بعد ذلك نسخ التوجه إلى بيت المقدس، وجاء الأمر: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة].
التشوف منه -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل نزل الأمر تحقيقاً لهذه الرغبة، فكان يتشوف إلى أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام بعد أن أيس من إسلام أهل الكتاب، وإلا كان في أول الأمر يرغب في مشابهتهم تأليفاً لهم، ثم لما أيس منهم منع من المشابهة، كما في فرق الشعر، بل حرم مشابهتهم، وهذا كان من باب التأليف إلى أن ييأس، إلى أن يأس -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا يقال مثلاً للدعاة أن يؤلفوا الناس في دعوتهم حتى يحصل اليأس، وهذا يقال أيضاً بالنسبة لأصحاب المعاصي والجرائم والمنكرات، الأصل الهجر، يعني يهجروا، لكن إذا كان التأليف وعدم الهجر أجدى، فالمسألة مسألة علاج، فإذا لم يُجد التأليف رجع إلى الأصل.
فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] اللام في {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} تأكيد، والنون أيضاً نون التأكيد، فاجتمع في ذلك أكثر من تأكيد {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} والفعل نوع إيش؟ الفعل؟ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
مضارع مبني، والمضارع قد يكون في الحال، وقد يكون في الاستقبال، فعطف عليه الأمر بالفاء مع أنه كان الأمر {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} يعني في المستقبل قد تكون المدة قريبة أو بعيدة، لكن فولي دل على أن الأمر جاء مباشرة بعد هذا الوعد {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] يعني جهة المسجد الحرام، الشطر: الجهة، وبهذا يستدل الجمهور في مسألة الاستقبال أن الجهة كافية، ويؤيده ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) والشافعية يقولون: المتعين إصابة عين الكعبة، الجمهور يقولون: يكفي الشطر يعني الجهة، وعند الشافعية يتعين التوجه إلى عين الكعبة، وهل هذا بالإمكان لمن بعد عنها؟ ليس بالإمكان، بل هذا مما يستحيل، يستحيل أن تجزم بأن هذا الاتجاه متجه إلى عين الكعبة، بخلاف محرابه -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما عداه من الأماكن يستحيل، وهذه مشقة عظيمة، فكيف يتنصل الشافعية من هذه المشقة؟ كيف يتنصلون من هذه المشقة؟ يعني لو أريد حقيقة الكلام لا شك أن هذا عنت، ولا يمكن أن يتحقق، ولا يمكن أيضاً لو كان متحققاً لا على سبيل القطع واليقين، يعني لو أن إنساناً اجتهد ووافق عين الكعبة، ما الذي يدله على أنه أصاب عينها؟ ما في ما يدل؛ لأنه ليس مؤيد بوحي، ما في ما يدله، إذاً هذا القول فيه عنت ومشقة، يتنصلون من هذا بأن يكتفوا في ذلك بغلبة الظن أنه أصاب عين الكعبة، وحينئذٍ يكون الخلاف لفظياً.
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] شطر يستدل بهذا من يقول: إن المصلي ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده، والأخذ للقول الأول من الآية ظاهر أنه ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أنه ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع له، وأحفظ لنفسه من التشتيت حتى قال بعضهم: إنه يسن له إذا خشي التشتيت أن يغمض عينيه؛ لئلا يتشتت ذهنه فيجتمع، ولا شك أن النظر إلى موضع السجود يجمع القلب، وأما إغماض العينين فقد ذكر أنه فعل اليهود.
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] هنا آية قطعية نسخت التوجه إلى بيت المقدس، والتوجه إلى بيت المقدس ثبت بالسنة، لكنها سنة مقطوع بها، فقطعي ينسخ قطعي، سنة مقطوع بها، فالقطعي هنا نسخ القطعي.
"فمر رجل من بني سلِمة" وسلمة بكسر اللام النسبة إليها سلَمي بفتح اللام، وهكذا في كل ما كسر ثانيه كالنمر يقال بالنسبة إليه: النمَري، جابر بن عبد الله السلَمي، ابن عبد البر النمَري، إذا كان الثاني مكسور يفتح؛ لئلا تتوالى الكسرات، وبعضهم يصر ويؤكد أن يقول: الملِكي، نسبة إلى الملك، ولا يقول: الملَكي وهذا خطأ، بل الصواب ملَكي، يقول: صاحب السمو الملَكي مثلاً، أو هذا شماغ ملكي، أو أي شيء ينسب إلى الملك يقال له: ملَكي كسلَمي ونمري.
"فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر" وقد صلوا ركعة، وبقيت عليهم الأخرى "فنادى" وهم في الصلاة "ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة" هذا خبر واحد، وهو مخرج في الصحيح، مالوا كما هم، وتحولوا عن القبلة المقطوع بها إلى قبلة أخرى بخبر واحد، فعلى كلام الأصوليين الظني لا ينسخ القطعي، وكلام الجمهور السنة لا تنسخ القرآن، لكن هنا سنة نسخت سنة، يعني هذا ينقل "ألا أن القبلة قد حولت" خبر واحد نسخت به السنة القطعية، وعند الأكثر أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والظن لا ينسخ القطعي، وهنا استداروا كما هم، مالوا كما هم نحو القبلة، هذا الخبر احتفت به القرينة، فأفاد القطع، والقرينة ما يعرفه الصحابة كلهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- متشوف إلى تحويل القبلة، وأن الله -جل وعلا- يجيب ما يطلبه نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فهذه قرينة كما قال أهل العلم تجعل الخبر الواحد يرتقي إلى إفادة القطعية، فالأصل في خبر الواحد عندهم أنه لا يفيد إلا الظن، يعني الاحتمال الراجح؛ لأن هذا الواحد أو المجموعة الذين لم يصلوا إلى حد التواتر هؤلاء وإن كانوا ثقات حفاظ إلا أن احتمال الخطأ وارد، وما دام احتمال النقيض وارداً فإن الخبر لا يرقى إلى إفادة القطعية.
المقصود أن الخبر الواحد إذا احتفت به قرينة يفيد القطع على القول المحرر في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب وابن حجر وجمع غفير من أهل العلم، أنه إذا احتفت به القرينة أفاد القطع، وهذا منه، وابن رجب قرر هذه المسألة بأوضح بيان في شرح البخاري.
"فنادى ألا إن القبلة" ألا تنبيه، (إن) هذه حرف التوكيد مع النصب "القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة" الذي يدل على معرفتهم بتشوف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل إلى جهة القبلة، إلى جهة الكعبة هنا مثل هذا الحديث "ألا إن القبلة قد حولت" إلى أين؟ يعني ما استداروا إلى جهة الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال أو إلى أي جهة، أو استفهموا، هم يعرفون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد ويحب ويتشوف إلى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فلما قيل لهم بعض الخبر فهموا الباقي، فهذا يؤيد ما عندهم من قرينة.
"ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم" وجاء في بعض الروايات والقصة حصلت أكثر من مرة، فمسجد قباء في صلاة العصر، وبني سلمة في صلاة الفجر، استداروا كما هم، وقبلوا هذا الخبر لما احتف به من قرينة "فمالوا كما هم" يعني مثل وضعهم، كما كانوا عليه، الإمام يتقدمهم، والصف يلوونه "نحو القبلة" يعني جهة الكعبة. "رواه مسلم".
"وعن عثمان الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتكلم فيه أحمد، وقواه البخاري" وعلى كل حال المرجح تصحيحه.
((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) هذا من فضل الله -جل وعلا- على هذه الأمة، ومن يسر هذه الشريعة وسهولتها وسماحتها؛ لأن هذا الأمر في غاية الحرج والضيق لو لم يرد مثل هذا النص، لكن جاء الأمر بهذه السعة ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) وهذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمتها ممن تكون القبلة بالنسبة له ما بين المشرق والمغرب، كمن كان على أو في جهة الشمال كالمدينة بالنسبة لمكة، أو جهة الجنوب، يعني المدينة والشام بين المشرق والمغرب، واليمن وما والاها من جهة الجنوب أيضاً قبلتهم بين المشرق والمغرب، لكن أهل المشرق؟ أهل المشرق قبلتهم على هذا الحديث تكون بين الشمال والجنوب، ومثلهم من كان في جهة المغرب بالنسبة لمكة، فإن قبلته ما بين الشمال والجنوب.
يذكرون عن ابن المبارك: "أن ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق" كيف يكون بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق؟ الكلام صحيح وإلا غير صحيح؟ يمكن توجيهه وإلا ما يمكن؟ هم وجهوه أهل العلم وجهوه، يعني يقصد بالمشرق جهة العراق وما والاها، ولا يقصد بذلك المشرق الواقع بالنسبة لمكة نصاً كنجد والبحرين، وما أشبهها نص، هذا لا يمكن أن يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة بالنسبة لهم، ولا المغرب نصاً، لكن من كان في هذه الجهة يقال له: مشرق، وقبلته بين المشرق والمغرب، فلا يريد بذلك المشرق الذي هو مسامت إلى جهة الشرق بالنسبة لمكة، وإنما يريد من كان واقعاً في المشرق إلا أنه في جهة ليست مسامتة لمكة، وعلى هذا يترجح قول الجمهور بأن المراد في الاستقبال الجهة.
والقبلة لها علامات يستدل بها المسافر، وإذا كان الانحراف يسيراً فالأمر فيه سعة، ولذا حينما نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن استقبال القبلة ببول أو غائط، لا يكفي في ذلك الانحراف اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة، بل لا بد من انحراف كثير مؤثر في الصلاة لا يصح معه الاستقبال.
إذا صلى إلى غير القبلة، اجتهد وصلى إلى غير القبلة، بذل وسعه وهو من أهل النظر والاجتهاد في هذا أو أخبره ثقة إن كان ليس من أهل النظر بأنها هذه هي القبلة، ثم صلى، ثم تبين له أنه ليس على القبلة صلاته ليست على القبلة، أهل العلم يفرقون بين الصحاري والقفار والبلدان، يقولون: البلدان ليست محل اجتهاد؛ لأنه بإمكانه أن يذهب إلى مسجد وينظر المحراب، أو يستقصي الخبر من أهل البلد، أهل المعرفة والخبرة به، فيصل إلى اليقين، وأما من كان في البراري والقفار والصحاري وفي الأسفار فهذا يكفيه اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد، أو خبر الثقة إن كان ليس من أهل الاجتهاد، ممن يعرف العلامات، وبعضهم يكلف المصلي ويلزمه بغير لازم، فيأمره إذا اشتبه عليه الأمر أن يصلي إلى جهات أربع، إلى الأربع الجهات، فيكون بذلك قد أصاب القبلة، نظير ما يقولون فيما إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة فإنه حينئذٍ يصلي بعدد النجسة ويزيد صلاة لتكون صلاته بثوب طاهر يقيناً، وهذا يصلي صلوات حتى يجزم بأنه أصاب القبلة، لكن لو قلنا بهذا هل نكتفي بأربع صلوات؟ نعم؟ ما نكتفي، إنما نقول له: صل في هذا المكان الذي يسعك مقدار ذراع، ثم انتقل إلى ذراع ثانٍ بجواره إلى أن تصلي على دائرة، وما قال بهذا أحد من أهل العلم، لكنه لا يحصل اليقين إلا بهذا، أما أن يصلي إلى أربع الجهات، نعم على هذه السعة في هذا الحديث قد يصيب.
يقول: عندي لبس في حديث: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا)) هل هذا لأهل المدينة؟ فكيف يكون هذا الحديث؟ هل نبول إلى جهة القبلة.... أم يحصل خلط عند بعض الناس في المراد بالقبلة؟
القبلة هي جهة الاستقبال في الصلاة، تجدون في نجد مثلاً يقولون: مكانه في القبلة، ويريدون بذلك الجهة الغربية، الجهة الغربية هي القبلة عندهم؛ لأنها قريبة منها، قريبة من هذا، فيحصل لبس، فإذا قيل: في جهة الغرب ولو كان في جدة، وقلنا: القبلة وطردنا ما كان عند أهل نجد مثلاً وقلنا: في جهة القبلة ونريد بذلك الغرب، اضطرب عندنا الأمر، فالقبلة بالنسبة لأهل جدة غير القبلة بالنسبة لأهل نجد.
وهنا يقول: حديث: ((ولكن شرقوا أو غربوا)) هذا خطاب أيضاً لأهل المدينة؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا القبلة في جهة الجنوب بالنسبة لهم، وهو مثل هذا الحديث؛ لأن بعض النصوص تخرج خاصة يقصد بها البلد وفي معناه غيرهم، فينظر إلى الجهات الأخرى، فيكون ما بين الشمال والجنوب قبلة لأناس آخرين.
واستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، لا تصح إلا به، ولذا أردف الحديث بقوله:
"وعن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في المكتوبة".
إذا تقرر أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة فهل يحرم من لا يتمكن من الاستقبال؟ إذا لم يستطع الاستقبال فلا شك أنه معذور كمريض مثلاً على سرير لا يستطيع أن يتحرك إلى جهة القبلة، والسرير أيضاً مربوط بكهرباء، وما أشبه ذلك لا يستطيع أن يحركه ولا يُحرك، مثل هذا يصلي على حسب حاله.
في مثل هذه الصورة التي ذكرها المؤلف في حديث عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" هذا كما شرحته الرواية الأخرى في النافلة، يصلي حيث توجهت به راحلته، وعلى هذا تكون قبلته الجهة التي يتوجه إليها "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" يعني المسافر من مكة إلى الرياض تكون قبلته إلى جهة الشرق، ومكة في ظهره، وكل مسافر منتقل من مكة تكون القبلة في ظهره، إما إلى جهة الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال، وما أشبه ذلك.
"في رواية البخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" هنا: "حيث توجهت به" وهنا "قبل أي وجه توجه" ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة، يعني المسافر لا يحرم من التنفل، وهذا من التيسير، من تيسير الله على عبادة، وفتح المجالات لهم أن يتطوعوا وهم في أسفارهم؛ لأنه قد لا يتيسر لهم مزاولة ما كانوا يزاولونه في حال الاستقرار ففتح لهم هذا الباب من أبواب التطوع، فيتنفلون على الراحلة، وهذا معلوم أنه في السفر، فهل الحضر حكمه..؟ أحياناً يكون الإنسان في السيارة، وفي مشوار طويل، لكنه داخل البلد، وبإمكانه أن يصلي، ويومئ برأسه ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، عمله -عليه الصلاة والسلام- إنما هو في السفر، فهل يقاس عليه الحضر؟ لا سيما وأن الناس في هذه الأزمان يمضون أوقات طويلة، وقد يكون وقت الراتبة يفوت، فهل يتنفل في سيارته وفي مشواره إلى جهته التي يريد؟ يعني التوسيع في النفل قد يعطي شيء من السعة في هذا، وأن له أن يصلي، أو مثلاً جاء من سفر، ودخل البلد وضاق الوقت على الوتر، ويريد أن يصلي بجماعته في المسجد مثلاً، وإذا نزل ما تمكن من الوصول إلى المسجد قبل الإقامة، ودخل البلد ويحتاج إلى نصف ساعة مثلاً إلى أن يصل الحي الذي يريد، فهل يوتر وهو في السيارة أو لا؟ مثل ما قلنا: إذا خشي أن يفوت الوتر لا يوجد -إن شاء الله- ما يمنع من أن يوتر، وهو في السيارة حيث توجهت به استناداً إلى مثل هذا الخبر، والوتر يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- على الراحلة، وهو من أقوى الأدلة بالنسبة لمن يقول بأن الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه يفعله على الراحلة، ولم يكن يصلي المكتوبة على الراحلة.
جهته وقبلته حيث توجهت به راحلته، فمادام على الجهة والخط والسمت الذي تسير به الراحلة إلى مقصده فصلاته صحيحة، لكن لو طرأ إليه أمر من الأمور فانحرف يميناً وشمالاً عن جهته التي يريد، هو ماشي في الطريق وإلى جهة اليمين أو الشمال محطة بنزين واحتاج إلى بنزين، أو احتاج إلى أن يشتري شيء، أو يشترى له شيء من محل الأغذية البقالة، وما أشبه ذلك، فانحرف يميناً أو شمالاً، هل نقول: إن جهته حيث توجهت به يعني إلى جهة قصده، ويكون بذلك قد انتقل من جهته إلى غيرها لأمر طارئ؟ هو ماشي على الخط، الخط واضح مستقيم إلى جهته، وهو يصلي فجأة نظر إلى الإنبير إنبير البنزين وجده نازل وهذه محطة عن جهة اليمين، وافترض أنها بعيدة كيلو مثلاً، وتغيرت جهته، هل نقول: إنها تغيرت قبلته أو لا؟ حيث توجهت به، وهنا قبل أي وجه توجه، هل نقول: إن المراد بالجهة هذه حيث توجهت به إلى مراده الأصلي، أو يدخل فيه ما يطرأ عليه؟ نعم؟
طالب:.......
يعني لو أن إنساناً يصلي إلى جهة القبلة ثم طرأ له ما طرأ فغير اتجاهه، صلاته تبطل وإلا ما تبطل؟ تبطل، هذا دل الحديث على أن قبلته حيث توجهت به، فإذا انحرف يميناً أو شمالاً عن وجهته كما لو كان إلى جهة القبلة فانحرف عنها يميناً أو شمالاً، أو نقول: ما دامت القبلة الأصلية متعذرة فجميع الجهات بالنسبة إليه سواء، فلا يضر؟ نعم؟
طالب:.......
تعذرت، متعذرة، فهل نقول: إن الجهات بالنسبة إليه سواء، فسواء اتجه يميناً أو شمالاً أو على الجهة التي توجه إليها؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
الأصل أن قبلته الجهة التي توجه إليها، هو متجه من مكة إلى الرياض هذه قبلته، جهة الشرق، ثم طرأ له وهو يصلي أن يزور صديقاً له في بلد في جهة اليمين أو الشمال فانحرف، نقول: تغيرت القبلة بالنسبة له أو نقول: إن الجهات بالنسبة له سواء؟ نعم؟
طالب:.......
ما يتطلبه الطريق أصالة هذا ما فيه إشكال، يعني الخط متعرج يروح يمين شمال هذه قبلته، هذه جهته، لكن غير هذه القبلة، غير هذه الوجهة حيث توجهت به غيّرها، نعم؟
طالب:.......
الآن عندنا القبلة الأصلية إلى جهة الكعبة وهذه بدل، فهل نقول: ما دام الجهة الأصلية ما تيسرت فالكل بالنسبة له سواء؟ أو نقول: ليس له إلا البدل الشرعي؟ يعني نظير ذلك عندنا الوضوء بالماء بدله التراب، التيمم بالتراب، لو قال: أنا ما عندي ماء، والتراب يلوث، وأنا عندي شيء أفضل من التراب لكن ليس بماء، ينظف، هل نقول: ما دام تعذر عنه الماء الأصلي، الطهارة الأصلية فالبقية بالنسبة له سواء، أو عنده البديل الشرعي؟
طالب:.......
التيمم بديل شرعي، والوجهة التي في ذهنه لما شرع في الصلاة هي البديل الشرعي بالنسبة للكعبة، وما يطرأ عليها بعد ذلك كما يطرأ على القبلة الأصلية، وقيل بهذا أنه لا يجوز له أن ينحرف يمين ولا شمال، قبلته حيثما توجهت به راحلته.
والقول الآخر: أنه ما دام تعذرت القبلة الأصلية فجميع الجهات بالنسبة إليه سواء، وعلى القول الأول أنه يلزم البدل حيث توجهت به راحلته يعني وجهته الأصلية التي يريدها أنه لا بد أن ينهي الصلاة، أو يترك الانحراف يميناً أو شمالاً.
"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" ويكون إيماؤه بالسجود أخفض من إيمائه بالركوع، وإذا كان على سيارة مثلاً، راكب سيارة ومتجه والطريق فيه سيارات أخرى، وفيه أخطار، وقد ينوبه أو ينتابه شيء يعرضه للخطر، ففي حال الركوع بالإمكان أن ينظر إلى جهته التي توجه إليها، وينظر ويتقي بذلك الخطر، وأما بالنسبة للسجود الذي هو أخفض من الركوع يعني هل يلزم في السجود أن يسجد على طبلون السيارة والركوع يكون أرفع فيعرض نفسه للخطر؟ أو نقول: يومئ بركوع يشعر بأنه خالف جهة الاعتدال، والسجود أخفض منه وإن لم يمنعه من النظر؟ المقصود أن يكون أخفض من الركوع، والركوع يكون مخالف لهيئة الاعتدال، ولذا بعضهم يرى أن الصلاة على السيارة خطر، وأنها ليست مثل الدابة، وليست مثل الراحلة، وإذا قلنا بأنه يكتفى بإيماء يختلف فيه كل حال عن غيرها فلا خطر في ذلك -إن شاء الله تعالى-، هذا بالنسبة لقائد السيارة، أما بالنسبة للراكب هذا ما عنده مشكلة، وكلما قربت الصلاة من الحقيقة من الأصل هذا هو المطلوب، يعني الراكع بإمكانه أن يسجد سجود قريب من الحقيقي، يعني قريب من الأصلي، فعلى هذا لا يجوز له أن يخل بهذا وهو يستطيعه.
بالنسبة للاستقبال حال الاستفتاح، يعني جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استقبل القبلة يفتتح الصلاة، ثم بعد ذلك حيثما توجهت به، لكن هذا الحديث أقوى منه، ولم يذكر فيه الاستقبال، فهل نقول: إن هذا الحديث مقيد بالحديث الذي يدل على الاستقبال حال الاستفتاح، أو نقول: تلك صورة وهذه صورة وهذا أصح وأقرب إلى التيسير؟ لأنه قد يشق الاستقبال، والمسألة إنما حصل فيها هذا التخفيف من أجل التيسير على المكلفين، وتكليفهم بالاستقبال حال الاستفتاح فيه عسر ومشقة، لا سيما في بعض الأوقات في وقت زحام، يعني أنت في خط سريع وفي سيارات عن يمينك وشمالك كيف تستقبل؟ فالتكليف بالاستقبال على كل حال منافٍ لما شرع له هذا الحكم، وهو التطوع على الراحلة حيثما توجهت به.
"ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة" دل على أن الفرائض يحتاط لها أكثر مما يحتاط للنوافل، فالنوافل مبناها على التخفيف، ويحتاط الإنسان للمكتوبة بحيث يخرج من عهدتها بيقين، ويتساهل على ضوء ما جاء عن الشرع عن المبلغ عن الله -جل وعلا- ولا يزيد على ذلك؛ لئلا يدخل في حيز الابتداع، فالمكتوبة لا تصح من القادر إلا حال قيامه لا بد أن يصلي قائماً، ولذا جاء في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) فعلقه بالاستطاعة، وجاء في الحديث الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وهذا محمول على النافلة فتصح النافلة من قعود بخلاف الفريضة، هذا بالنسبة للمستطيع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يختم صلاته أحياناً بالليل بركعتين وهو جالس، مع أنه يستطيع القيام، فدل على أن النافلة أخف من الفريضة في مثل هذا، والحمل على النافلة دل عليه سبب الورود، سبب ورود الحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فسببه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة، يعني فيها حمى، فوجدهم يصلون من قعود، فقال: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنهم يستطيعون وهي نافلة؛ لأنه وجدهم يصلون، ولا يصلون الفريضة حتى يحضر -عليه الصلاة والسلام-، فالنافلة لا شك أنها في بعض الأحكام تختلف عن الفريضة، ويبقى ما عدا ذلك ما عدا الوارد على الأصل، يعني ما يتسامح الإنسان فيصلي النافلة على وجه غير مجزئ ويقول: هذه نافلة، أو يثبت نافلة بخبر لا يثبت ويقول: نتساهل في قبول الخبر لأنه في نافلة، في فضيلة من الفضائل، ولو كان في الفرائض شددنا، ففرق بين الكيفية وبين الثبوت، الثبوت يتعلق به السنة والابتداع، فإن كان الخبر ثابتاً صار العمل سنة، وإن كان غير ثابت فالعمل بدعة، وأما بالنسبة لما ثبت، ثبت أصل العبادة ثم تساهلنا في أداء هذه العبادة تبعاً لنص ورد كصلاة على الراحلة، أو الصلاة من قعود وما أشبه ذلك، فإننا حينئذٍ نكون متبعين لا مبتدعين، ففرق بين أن نثبت النافلة بخبر لا يثبت ونقول: نتساهل لأن النوافل يتساهل بها؛ لأننا ندخل في هذا في حيز البدعة، نعمل بعمل شرعي نتدين به ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة هذه بدعة، ولا نقول: إن هذه نافلة نتساهل فيها، نعم تتساهل في كيفية أدائها إذا ثبتت بما ثبت، فالتساهل لا بد أن يكون له أصل.
بعض الناس إذا صف للفريضة احتاط لها ولم يتحرك، وإذا صلى النافلة أداها على أي وجه وتساهل تساهل شديد، بحيث تكون صلاته كالعابث، هل هذا يسوغ أو لا يسوغ؟ هل نقول: إننا نتساهل في النافلة لأنها نافلة؟ وعلى كل حال هي ربح ورأس المال الفريضة، نحرص عليه ونفرط في النافلة؟ لا أبداً، لا بد أن تؤدى العبادة سواءً كانت نافلة أو فريضة على وجه شرعي، وإلا نكون بذلك قد ابتدعنا.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام".
"إن كنا" (إن) هذه مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن كما يقول أهل العلم، و"كنا لنتكلم" اللام للتأكيد، "لنتكلم في الصلاة" جنس الصلاة ويشمل الفريضة والنافلة، كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام جائز في أول الأمر، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، الحاجة في تقسيم أهل العلم قسيم للضرورة، كما أنها قسيم للتحسين والكمال، فهل المراد بالحاجة في الحديث ما اصطلح عليه أهل العلم من التقسيم الثلاثي؟ كانوا يتكلمون بحاجة، يعني لا يتكلمون بأشياء تكميلي، تحسيني، وإذا تكلموا بالحاجة فالضرورة من باب أولى، وإذا نسخ الكلام من أجل الحاجة فينسخ الكلام من أجل التحسين من باب أولى، لكن لا يلزم منه نسخ الكلام في حال الضرورة، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟
لأن عندنا الحاجة "يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قسيم للضرورة والتحسين والكمال، فالنسخ يتناول المنصوص عليه، ويتناول الأدنى من باب أولى، لكنه لا يتناول الأعلى، أو نقول: إن الحاجة أعم وأشمل من أن تكون ضرورة أو حاجة أو تكميل فينسخ الجميع؟ واضح يا الإخوان وإلا ما هو بواضح؟
"إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قلنا: العلماء ذكروا أن الحاجة قسيم للضرورة والتحسين، الكمال، فالضرورة ما لا تثبت بدونه الحياة، والحاجة تثبت بدونها الحياة، لكن مع المشقة، والتحسين لا أثر له في ذلك، لا مشقة في تركه، فهل المراد بالحاجة الحاجة الاصطلاحية أو أنها أعم من أن تكون الحاجة الاصطلاحية فتشمل الجميع؟ وعلى هذا النسخ هنا النسخ {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يتناول الضرورة وإلا ما يتناولها؟ تكلم إنسان لإنقاذ غريق يتناول وإلا ما يتناول؟ إن قلنا: إن الحاجة أعم من أن تكون ضرورة قلنا: يتناول، فلا كلام، والمراد بالكلام المنسوخ كلام الناس.
((إن في الصلاة لشغلاً)) ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس)) وكانوا يتكلمون، يكلم أحدنا صاحبه، وهل يتناول الكلام بالذكر غير المقصود؟ وإنما الصلاة شرعت لذكر الله، فإذا كان غير مقصود الذكر هل يكون من كلام الله أو من كلام الناس؟ نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
أيوه؟
طالب:.......
يعني لمصلحة الصلاة، لكن لو جاء شخص وهو يريده في هذا الوقت دخل عليه، فقال: {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [(40) سورة طـه] تكلم بالقرآن، لكن هل هو يقصد قرآن؟ هل هو يقصد الذكر؟ وهل مثل هذا الكلام من مصلحة الصلاة؟ فهل تبطل الصلاة به أو لا تبطل؟ نعم؟
طالب:.......
"يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" لو كبر للصلاة ونسي أن يقول لأهله: جهزوا الغداء، ثم قال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] صلاة صحيحة وإلا غير صحيحة؟ لا يصلح فيها كلام الناس وهذا كلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، لكن هل هو مقصود به كلام الله أو مقصود به مخاطبة الناس بما يتداولونه من كلام؟ ودخل الولد ويريد أن..، أو الأخ وما أشبه ذلك وهو يريد..، {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [(40) سورة طـه] وليس هذا لمصلحة الصلاة قطعاً، لكن لو كان لمصلحة الصلاة فتح على الإمام سبحان الله، سجد، سبحان الله قام، سبحان الله ركع، ما يدري ويش يسوي؟ يقال له: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحـج] مثلاً، فهل يلحق القرآن غير المقصود بكلام الناس؟ لأن هذا هو مراد المتكلم، أو نقول: إن عدوله من قوله: أحضروا الغداء أو جهزوا الغداء إلى لفظ قرآني عدوله من هذا إلى هذا يدل على أنه وإن كان القصد الأصلي غير القرآن لكنه أراد القرآن معه؛ لئلا تبطل صلاته؟ ترى مسائل كثيرة، وتحصل باستمرار فنحتاج إليها.
"يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" نسخ الكلام بالحاجة أي حاجة كانت، وتبقى الضرورة إنقاذ غريق، أو ما أشبه ذلك، كما سيأتي في باب الخشوع و"اقتلوا الأسودين" وما أشبه ذلك، يأتي مزيد تفصيل لهذا، لكن يبقى أن الضرورات تقدر بقدرها، فقد لا تدخل الضرورة إلا إذا طالت، فتقطع الصلاة ويستأنف، وأما ما كان من حاجة أو تحسين أو كمال فهو داخل في النسخ بلا شك، والكلام في الحاجة بالقرآن، بحاجته هو بالقرآن، بحيث لا يقصد بذلك التلاوة، هل نقول: إنه لم يقصد التلاوة؟ فحكمها حكم كلام الناس، أو نقول: إنه ما عدل عن كلامه العادي إلى اللفظ القرآني إلا لأنه يقصد أن يتكلم بالقرآن؟ ومسألة الكلام بالقرآن في غير الصلاة مثلاً يعني وجد في كتب الأدب كثير، وأن الأصمعي لقي امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، كلما سألها أجابت بآية، ولا شك أن مثل هذا امتهان للقرآن، والقرآن لم ينزل لأجل هذا، فهذا لا يجوز.
الظاهر أن الإخوان ما هم مشاركين.
إذا كبر لراتبة الظهر مثلاً، وقال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] يخاطب ولده، بدل من أن يقول: أحضر الغداء، قال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف]، ويقول: أنا والله ما تكلمت بكلام الناس هذا كلام الله، يفرق بين ما كان لمصلحة الصلاة فلا أثر له على الصلاة، وما كان لا لمصلحة الصلاة فالمتجه أنه مثل كلام الناس؛ لأنه لا يريد بذلك كلام الله -جل وعلا-.
"حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ}" جميعها، الصلوات الخمس "{والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة]" على وجه الخصوص، وهذا من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، والصلاة الوسطى تقدم أن المرجح هي صلاة العصر.
{وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] (قوموا) الصلاة يقام لها، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة].
{وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] والقنوت له معان عديدة منها: السكوت، ومنها: الدعاء، ومنها: طول القيام، والسياق يدل على أن المراد بالقنوت السكوت؛ لأنه قال: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" لما نزلت هذه الآية نزل تحريم الكلام في الصلاة، فمما يبطل الصلاة الكلام، الضحك، والأكل والشرب، كل هذه مبطلات.
الإشارة المفهمة هل تلحق بالكلام أو لا تلحق به؟ نعم؟
طالب:.......
نعم، يعني في صلاة الكسوف أشارت إلى السماء فقالت: آية، فأشارت برأسها: أن نعم، فهذه إشارات مفهمة لا تبطل بها الصلاة، لكن لو كثرت صار شخص يصلي وأمامه جمع من الصم ويشرح لهم درس كامل، وهو يصلي، نقول: إشارة مبطلة وإلا غير مبطلة؟ أما قلنا: إن الإشارة لا تبطل الصلاة هذه إشارات.
طالب:.......
ولذا لا نطلق أن نقول: الإشارة لا تبطل الصلاة، لكن الإشارة المحتاج إليها إذا قلت فيكون حكمها حكم الحركة، أما إذا كثرت قال: والله أنا أستغل الوقت أنا بصلي وأشير إلى ها الصم وأعلمهم مجموعة يكون في آخر المسجد وهم قدامه، ويشير لفلان وعلان ويشرح لهم درس كامل ويقول: ما يؤثر، هل يمكن جمع بين هذه الإشارات المفهمة بالنسبة لهم وبين إطالة القراءة؟ يقول: أنا أتهجد طويلاً طويلاً، أنا أقرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران بركعة وأدرس هؤلاء المساكين اللي جالسين بالإشارة، يتسنى له أن يقرأ ما يريد مع كثرة هذه الإشارات؟ حافظ ضابط متقن، لكن بعض الإشارات تتعلق بالفم واللسان، فهذه تقطع القراءة، ومع ذلك إذا كثرت هذه الإشارات أبطلت الصلاة، ولو كانت في الأصل معفو عنها، لكن الإشارة مرة مفهمة مثل إشارة عائشة للكسوف كسوف الشمس لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-.
"أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" مسألة الأمر بالسكوت هل هو نهي عن الكلام من باب قول العلماء: الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ "أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" ولذا ليس في البخاري: "نهينا عن الكلام" لأنه من لازم الأمر بالسكوت النهي عن الكلام، فالجمع بينهما إنما هو من باب التوكيد، وإلا أمر بالسكوت من لازمه النهي عن الكلام، والأمر بالشيء نهي عن ضده، يعني إذا لم يكن له إلا ضد واحد، أما إذا كان له أضداد يتناول جميع الأضداد أو ضد واحد ويبقى الباقي؟ تراجع هذه المسألة يا إخوان.
ثم قال بعد ذلك:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة))" ((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) يعني يقول: سبحان الله، والرجال يسبحون ينزهون الله -جل وعلا-، فإذا أخطأ الإمام يسبح الرجال، ويصفق النساء، والتصفيق يكون بضرب إحدى اليدين بالأخرى، سواءً كان ببطونها أو بظهورها، المقصود أنه الصوت الذي يحدث من ضرب إحدى اليدين بالأخرى.
التسبيح تنزيه للرجال وصوتهم لا مانع ولا أثر له في الصلاة في مثل هذه الحالة، بينما النساء..، وهذا من شدة الاحتياط للنساء الوارد في النصوص وإلا فالأصل أن المرأة كيف تعدل عن التسبيح وهو ذكر إلى التصفيق وهو في الأصل عبث؟ إلا لأن صوتها مؤثر في الرجال، وعلى هذا لو كانت المرأة بين نساء يصلين في مسجد، والمرأة الإمامة أخطأت، فهل نقول: إن العلة ارتفعت فترجع إلى الأصل وهو الذكر أو نقول: إن اللفظ يشمل جميع الحالات؟ نعم يشمل جميع الحالات.
عرفنا أن الرجل الذي لا إشكال فيه يسبح، ويدخل فيه الصبيان؛ لأنهم في حكم الرجال في هذا يسبحون، ويفتحون على الإمام بالصوت، والمرأة وفي حكمها الصغيرة وإن كان الرجل في الغالب يطلق على المكلف الكبير، والمرأة إنما تكون لمن بلغت تسع فأكثر، لكن المقصود به الجنس، تصفق.
الخنثى ماذا يصنع؟ والمقصود به المشكل، الخنثى المشكل يسبح وإلا يصفق؟ أو يجمع بينهما؟ أو لا يفعل شيئاً لأنه ليس برجل ولا أنثى؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
نعم؟
طالب:.......
أنت افترض أنه في مجموعة من الخناثى لا كثرهم الله في زاوية المسجد قيل لهم: أنتم لا تصلون مع الرجال ولا مع النساء صلوا في زاوية، فاخطأ الإمام، ويش يسوون؟ يصفق؟ أو نقول: يدخل في عموم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح))؟ يدخل في ((من نابه)) ولم يخرج من ذلك إلا النساء وهذا ما يخرج، يدخل في عموم ((من نابه)) ماذا نقول؟
طالب:.......
يصفق تغليباً لجانب أو احتياطاً لجانب الحظر؟ يعني المرأة ممنوعة من التسبيح، وهل الرجل ممنوع من التصفيق؟ وهذا يجرنا إلى مسألة أخرى وهي حكم التصفيق خارج الصلاة، دعونا من الصلاة، في الصلاة يصبح الرجل، وتصفق المرأة، ولذا نص على ذلك: ((في الصلاة)) وماذا عن خارج الصلاة؟ نعم؟
طالب:.......
{عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] فالمكاء الصفير، والتصدية التصفيق، بعض أهل العلم يقول: إن من أعجبه شيء يصفق، وكون الكفار صلاتهم عند البيت التصدية التصفيق هذا نقول: إنه فعله على جهة الإعجاب لا على جهة التعبد، قاله بعض من يعتد بقوله من أهل العلم، لكن هل لمثل هذا الكلام وجه؟ وأحاديث التشبه كثيرة، والتشبه في الظاهر يؤدي إلى التشبه في الباطن.
أعياد المشركين هل يجوز مشابهتهم بها؟ قالوا: إذا صفق للإعجاب..، هناك ما يفعلونه على جهة التعبد، وهذا يفعله على جهة الإعجاب، الذي يصنع أعياد الكفار إنما يفعلها على جهة الإعجاب، وهذا من أعظم أبواب التشبه، نعم قد يكون المصفق معجب بأمر آخر غير عبادة الكفار، والذي يفعل هذه الأعياد إنما إعجابه بعبادتهم.
أنت افترض أن شخص فعل عيد من أعياد اليهود والنصارى مكره، أو جامل، أو لمصلحة دنيوية، معهم في تجارة، وقالوا لهم: سووا عيد، وسوى معهم، وهو في قلبه يبغضهم ويبغض أعيادهم، يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز بحال، فالمشابهة ممنوعة على أي وجه كانت.
((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء)) يعني منع النساء من التسبيح، وهذا يستدل به من يرى أن صوت المرأة عورة، وهذا قول معتبر عند جمع من أهل العلم، ولذا تمنع من الأذان، وتمنع من التلبية برفع الصوت، وتمنع من أمور كثيرة؛ لأن صوتها عورة، وآخرون يرون أن صوت المرأة ليس بعورة، وإنما نهي عن الخضوع فيه، فلا تخضعن بالقول، الخضوع فيه هو الممنوع، المثير، وبعض النساء صوتها خضوع شاءت أم أبت، لا تستطيع أن تتنصل عنه، فمثل هذا تمنع من مخاطبة الرجال لما يترتب على ذلك من الفتنة.
"قال ابن شهاب: "وقد رأيت رجالاً من أهل العلم يسبحون ويشيرون" يسبحون إذا نابهم شيء، ويشيرون عند الحاجة إشارة مفهمة لا تكثر.
"متفق عليه، ولم يقل البخاري: ((في الصلاة)) ولا ذكر قول ابن شهاب" وهذا من دقة المؤلف -رحمه الله تعالى- حيث يبين هذه الفروق.
ثم قال:
"وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" البكاء من خشية الله لا شك أنه دليل على خشوع وخضوع، والخشوع لب الصلاة، ودليل على استحضار لهذا العمل العظيم، وما يذكر فيه من أذكار وتلاوة، وما أشبه ذلك، فلا شك أنه كمال.
"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز" الأزيز: ما يسمع من الصوت المتدارك كأصوات غليان القدر وما أشبهه.
"كأزيز المرجل" المراد به القدر الذي أرجل على النار، يعني نصب عليها، فإذا كان فيه شيء يطبخ لا شك أنه يتحرك.
"كأزيز المرجل من البكاء" النبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأتقاهم وأعلمهم بالله، فيحصل له مثل هذا، وكثير من الناس مع الأسف الشديد أنه يدخل الصلاة ويخرج منها وكأن شيئاً لم يكن، وحينئذٍ لا يخرج منها إلا بشيء يسير من أجرها، وقد يخرج منها ولا أجر له، ويخرج الإنسان من صلاته بربعها، بنصفها، بعشرها، كل هذا حسب ما يستحضره من صلاته، وليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، كثير من الناس بل من طلبة العلم لا يعقل من صلاته إلا الشيء اليسير، والله المستعان.
فهذه صفته -عليه الصلاة والسلام-، وصفة من يقتدي به ويتبعه بأن يكون لصدره أزيز فيه اضطراب، وفيه حركة كأزيز المرجل من البكاء لما يستحضر من عظمة من وقف بين يديه.
وبعض الناس تجده لا يبكي إلا إذا سمع صوت القارئ، فلا يبكي في السجود ولا في غيره من حالات الصلاة، وهذا له وجه، لا شك أن القرآن مؤثر، لكن بعض الناس يبكي إذا كان الصوت صوت القارئ جميل ومؤثر، ولا يبكي إذا كان صوت القارئ خلاف ذلك، فهل بكاؤه من أجل القرآن أو من أجل الصوت؟ يعني تقرأ سورة الواقعة يقرأها شخص فيبكي، يقرأها آخر كأنها ليس بقرآن لا يتأثر به، فهل نقول: إن هذا الذي تأثر تأثر بالصوت المجرد أو تأثر بالقرآن أو تأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ لأنه لما قرأها الآخر ما كأنها قرآن عنده، ما تأثر بذلك إطلاقاً، وقرأها فلان من الناس فبكى وتأثر، مثل هذا البكاء نافع وإلا غير نافع؟ ينفع وإلا ما ينفع؟
فتح المصحف وقرأ الواقعة وكأنه يقرأ جريدة، وسمع قراءة فلان من الناس فبكى، وسمع قراءة فلان من الناس ما كأنه يقرأ، هل التأثر بالصوت أو بالقرآن المجرد، أو بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ يعني ينفع وإلا ما ينفع؟ ينفع، ولذا أمرنا بتحسين الصوت، وبتزيين القرآن بأصواتنا، أمرنا بذلك ولولا أن له أثر وتأثير في السامع لما أمرنا بتزيينه، المسألة واحد ما يختلف، لكن يبقى أن القرآن مؤثر بذاته، وما يحصل من التأثر بالنسبة للصوت فهذا قدر زائد، ولهذا يلام من يسمع القرآن بصوت شخص متوسط الصوت ولا يتأثر يلام، لكن من تأثر أكثر مع تحسين الصوت لا شك أنه متأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؛ لأن بعض الناس يفرق يقول: الذي يتأثر بصوت فلان ولا يتأثر بصوت فلان والمقروء واحد هذا لم يتأثر بالقرآن، إنما تأثر بالصوت المجرد، نقول: لا يا أخي هذا الصوت لو قرئ به غير القرآن ما تأثر ولا أثر، فدل على أنه تأثر بالقرآن.
بعض الناس يخرج من صلاته كما دخل، ولا أثر لها في حياته، ولا تنهاه عن فحشاء ولا منكر، ولو أديت على الوجه المشروع لنهته، ولترتبت عليها آثارها، ومع ذلك يزعم أن هذه الصلاة تكفر ذنوبه.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: إن هذا الذي يخرج من صلاته بعشرها، أو ما يقرب من ذلك هذه الصلاة إن كفرت نفسها فيكفي، فعلى الإنسان أن يحرص أن تكفر ذنوبه أن يأتي بالعبادات المكفرات على الوجه المأمور به، وعلى الوجه المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" بعض الناس نسمعه سواءً كان إمام أو مأموم يتأثر ويبكي ويرفع صوته بالبكاء، هذا إذا كان مغلوب يعني لا يستطيع أن يتحكم بنفسه هذا لا يلام، وبعض الناس يتأثر تأثر آني، بمعنى أنه يقرأ القرآن، إمام يقرأ القرآن فيقرأ آية وعيد فيبكي، ومجرد ما يتجاوز هذه الآية يعود كما كان قبل قراءتها ما نوع هذا البكاء؟
البكاء المؤثر في القلب وفي النفس يستمر، ما ينتهي بسرعة، وعمر -رضي الله تعالى عنه- أحياناً يزار إذا قرأ في ورده، أو في حزبه من الليل شيء مؤثر وردد وبكى، وغيره كثير من السلف إذا تأثر وبكى في القرآن يزار من الغد، مريض، وبعضهم يقطع الصلاة، لا يستطيع إكمال الصلاة، ويستمر في بكائه، ونشاهد الآن ممن يسمع القرآن أو يقرأ القرآن يقرأ أول الآية فيبكي لأنه مؤثر، آخر الآية الصوت غير صافي، ثم الآية التي تليها كأن شيئاً لم يكن، فمثل هذا لا شك أن الذي يغلب على الظن أن تأثره بالقرآن ضعيف، وأثره ضعيف، وإلا لو كان تأثره حقيقي ما صار هذا وضعه، وفي صلاة التهجد في رمضان الماضي في المسجد الحرام صلى أمامي شخص فبكى بكاءً أزعج كل من حوله، بكاء شديد جداً جداً، يعني ما رأيت له نظيراً أزعج كل من حوله، فلما سلم الإمام من الصلاة قال لجاره: ما هذه؟ قال: هذه ثلاجة، يعني اللي يوضع فيها الشاي هذه، قال: لا يا أخي قل: ترمس، قال: لا، ثلاجة، ورفعت أصواتهم وكادوا أن يتضاربوا بالأيدي، أين التأثر بالقرآن؟ يعني هذه التصرفات تدل على أن القلوب مسلوبة يعني، يبكي بكاء شديد أزعج الناس بالبكاء في الصلاة، ومجرد ما سلم السلام عليكم ورحمة الله إيش هذه يا أخي؟ قال: ثلاجة، قال: ثلاجة وهي تحفظ الحار؟ قل: ترمس، قال: لا ثلاجة، قال: ترمس، قال: زمزمية واحد قدامهم، قال: لا يا أخي ما يوضع فيها زمزم ولا شيء، المهم وحصلت هوشة بينهم، فلا شك أن القلوب مسلوبة، يعني واللي خلفهم الآن اللي ما فعل شيء لا هذا ولا هذا ليس بأمثل منهم، والله المستعان، لكن يدل على أن القلوب مدخولة يعني، فيها شيء، أثرت عليها المكاسب، أثرت عليها المطاعم، رانت عليها الذنوب، فعلى الإنسان أن يسعى لإصلاح قلبه، والله المستعان.
"رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل" الشمائل النبوية كتاب معروف، وهذا من شمائله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتأثر "وابن حبان والنسائي، وعنده: وقال: يعني يبكي، وقد وهم في هذا الحديث من قال: أخرجه مسلم. والله أعلم" هذه المسألة حقيقة تحتاج إلى وقفة طويلة وهي التأثر والبكاء، التأثر بالقرآن والبكاء في تلاوته لا شك أن هذا شأن الصالحين، وشأن من يستحضر، وبعضهم يزيده التأثر بالقرآن إلى حد يفقد فيه وعيه، إلى حد يصل إلى أن يموت، فهل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- يبكي، ولم يحصل له غشي، وما فقد وعيه، ولا مات أحد من الصحابة، فهل نقول: بأن هذا تصنع، ولم يمكن أن يحصل مثل هذا؛ لأنه لم يحصل لأكمل الخلق وأشرف الخلق، أو نقول: إنه يحصل وقد حصل لجمع من التابعين ومن بعدهم؟ يحصل وإلا ما يحصل؟
ابن سيرين كأنه ينكر هذا، ولذا ذكره عنه الذهبي في السير أنه يقول: إن من يحصل له مثل هذا التصرف يغمى عليه، يصيبه الغشي، وقد يصرح فيموت هذا ضعه على جدار، واقرأ القرآن إن سقط فهو صادق، يقول: يختبر، والذي يغلب على الظن أن ابن سيرين ما يصدق مثل هذه التصرفات، لكن ما المانع من تصديقها؟
إن كان المانع منها أنه لم يحصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق فهذا موجه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق، وأحضرهم تعظيماً لهذا القرآن، فهو يستحضر ذلك دائماً يستشعر عظمة هذا القرآن، ولا شك أن القرآن قوي وثقيل {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] لا شك أنه ثقيل، لكن هذا الثقيل نزل على قلب قوي يحتمل هذا الثقيل، فهو يستشعر هذه العظمة وهذا الثقل؛ لكن القلب قوي يتحمل، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم- فهم يستشعرون ثقل هذا القرآن وعظمة هذا القرآن بقلوب تحتمل، انتهى الجيل الأول عصر الصحابة، ثم جاء الجيل الثاني عصر التابعين، وما زال استحضار واستشعار عظمة القرآن موجودة، التابعون يستشعرن هذه العظمة وهذه القوة، لكن قلوبهم أضعف من قلوب الصحابة، من قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته، فيحصل لهم ما يحصل ما في توازن، فحصل لهم ما حصل من هذا النوع، وقد وجد من هو أضعف من ذلك فمات مثلاً.
قالوا: زرارة بن أوفى سمع القارئ في صلاة الصبح يقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] فمات، في رواية: هو القارئ، والرواية الأخرى سمع الإمام، المقصود أنه سمع هذه الآية فمات.
خلف بعد أولئك خلوف، القرآن في قوته والقلوب في ضعفها، لكن استشعار هذه العظمة، واستشعار هذه القوة انتهى، يعني كما هو حالنا الآن، سمعتم أحداً سمع القرآن ومات وإلا أغمي عليه؟ ما نسمع أبداً.
الآن قوله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] هل هذه الآية تحرك شعرة عند طلاب العلم فضلاً عن العامة الذين لا يعرفون معناها؟ تحرك شعرة، والله أننا نمر بها ما كأنها قرآن، فالقرآن بقوته والقلوب على ضعفها، ومع ذلك استشعار هذه العظمة انتهى إلا ما شاء الله، التيئيس ما هو بوارد، لكن إلا ما شاء الله؛ لأننا نعايش هذه الأمور بأنفسنا ومن حولنا وما سمعنا أحداً حصل له شيء من هذا، أو مرض بسبب تلاوة آية، بل كثير من المصلين لا يشعر أنه يصلي حتى يبكي الإمام ينتبه أنه في الصلاة، أو يحصل خطأ وينبه الإمام عليه، وإلا الأمور ماشية بانسياب هو في أعماله وأشغاله وتدبيره لأموره، ومع ذلك الإمام ماشي والصلاة تنتهي والآمال كبيرة، والله -جل وعلا- فضله لا يحد، لكن مع سوء العمل ينبغي أن نخاف، لا نوسع الآمال، بل لا بد من تحسين العمل.
قد يبكي الإنسان في الصلاة الإمام يبكي ومن معه يبكون من أجل القراءة وهو يبكي لأمر آخر، يتذكر مصيبة مثلاً هذا إن غلب على أمره وبكى من غير قصد هذا معذور، وقد يبكي لأمر شرعي، لكنه غير ما أبكى الإمام ومن مع الإمام، يعني نفترض أنه يصلي في المسجد الحرام في الدور الثاني، والناس يطوفون في ليالي العشر يطوف بعضهم في بعض فيستشعر الموقف العظيم فيبكي، والإمام يصلي يقرأ بالقرآن ويبكي، هذا يبكي على شيء وذاك يبكي على شيء، هذا تشريك، لكن هل هو تشريك محمود وإلا مذموم؟ نعم محمود بلا شك؛ لأن استشعار هذا الموقف والبكاء من أجله لا شك أنه شرعي، مؤثر في القلب، ويدل على قلب حي، لكن يبقى أن الإقبال على ما هو بصدده من الصلاة أولى.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"