عمدة الأحكام - كتاب الجهاد (2)
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الإمام عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- وغفر له ولشيخنا وللحاضرين:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((انتدب الله)) ولمسلم: ((تضمن الله)) لـمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)).
ولمسلم: ((مثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث:
"عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((انتدب الله)) ولمسلم: ((تضمن الله))" وسيأتي قوله: ((توكل الله)) وفي رواية: ((تكفل الله)) بمعنى التزم، وهذا إلزام وتضمين وكفالة من الله -جل وعلا- على نفسه بمعنى أنه ألزم نفسه بذلك، وتكفل به، وتضمن به من غير أن يلزمه أحد، ولا ملزم لله -جل وعلا-، وإنما من كرمه وجوده التزم بذلك، كما أنه من عدله وفضله حرّم الظلم على نفسه، ولا ملزم لله -جل وعلا-، ولا يجب على الله شيء، فالله -جل وعلا- انتدب، أي: سارع بالثواب، وحسن الجزاء، والتزمه وتضمنه، وتكفله لمن؟ لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، والجهاد إذا أطلق إنما يراد به قتال الأعداء كما هنا.
((تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي)) ما قال: في سبيله، هذا التفات من الغيبة إلى التكلم، ((لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي)) يقول أهل العلم: فيه التفات، أهل العلم يقولون: هذا فيه التفات، نعم الضمير تغير من ضمير الغائب إلى ضمير المتكلم.
((إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان بي، وتصديق برسلي)) يعني لا يخرجه لذلك إلا إعلاء كلمة الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لربه، مبتغياً بذلك رضاه، لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي، وإيمان به، لا يبعثه ولا ينهزه إلى الجهاد إلا الإيمان بالله -جل وعلا- والإخلاص له، وحديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار منهم الذي يخرج للجهاد، ويقدم مهجته، ونحره للعدو فيقتل في ساحات الجهاد، فيؤتى به يوم القيامة فيقال له: ماذا فعلت؟ قال: قاتلت وجاهدت في سبيلك حتى قتلت، فيقال له: كذبت، إنما قاتلت ليقال: شجاع، وقد قيل، فيؤمر به إلى النار نسأل الله العافية، فأول من تسعر بهم الثلاثة منهم هذا، نسأل الله العافية.
((وإيمان بي، وتصديق برسلي فهو علي ضامن)) ضامن أو مضمون؟ مضمون أو ضامن؟ ((فهو علي ضامن)) منهم من يقول: ضامن اسم فاعل بمعنى اسم المفعول يعني مضمون، {فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [(7) سورة القارعة] يعني مرضية {مِن مَّاء دَافِقٍ} [(6) سورة الطارق] يعني مدفوق، يأتي اسم الفاعل ويراد به اسم المفعول وهذا منه، ومنهم من يقول: فهو علي ضامن كلابن وتامر، يعني ذو لبن، صاحب لبن، وصاحب تمر، وهذا صاحب ضمان، وهو يعود في حقيقته إلى الأول.
((فهو علي ضامن أن أدخله الجنة)) يعني الله -جل وعلا- تكفل له وضمن له الجنة ((أو أرجعه)) أدخله الجنة إن قتل في سبيل الله شهيداً يدخل الجنة ((أو أرجعه إلى مسكنه)) وإلى أهله وذويه ((الذي خرج منه نائلاً ما نال)) حاصلاً على ما حصل عليه ((من أجر أو غنيمة)) هذا إن قتل دخل الجنة، إن لم يقتل رجع نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، (أو) هذه للتقسيم أو للتخيير؟
خير أبح قسم بـ(أو) وأبهمِ
|
| ................................... |
إن قلنا: للتخيير يختار، يبي أجر وإلا غنيمة؟ إذا تنازل عن نصيبه من الغنيمة له الأجر، إن أخذ نصيبه من الغنيمة فلا أجر له، هذا مقتضى التخيير، طيب ((من أجر أو غنيمة)) إذا قلنا: إنها للتقسيم غزاة يرجعون بالأجر لأنه ما حصل لهم غنيمة، وآخرون يرجعون بالغنيمة لكن لا أجر لهم؛ لأنهم حصل لهم غنيمة هذا مقتضى إيش؟ التقسيم، لكن إذا غنم الغازي، غزا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، ثم غنم لا أجر له وإلا له أجر؟ طيب أهل بدر غنموا، ما لهم أجر؟ كيف نقول: أجل للتقسيم؟ كيف؟
طالب:.........
ما تجي كذا، هذا أو هذا.
خير أبح قسم بـ(أو) وأبهمِ
|
| ................................... |
تجي للإبهام؟ ويش معنى الإبهام هنا؟ قد يحصل له أجر فقط أو يحصل له غنيمة فقط؟ والمسألة مفترضة فيمن لا يخرجه إلا الجهاد في سبيل الله، يغني مخلص في ذلك، يعني قد نقول مثلاً: لولا هذا، لولا اشتراط الإخلاص في هذا النص، قلنا: إن بعضهم يرجع بأجر وبعضهم يرجع بغنيمة؛ لأنه لم يخلص في عمله، لكن كلهم مخلصون، الغنيمة مباحة، ((أحلت لي الغنائم)) هذا من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-.
(أو) بمعنى الواو، وربما عاقبت الواو شريطة أن يؤمن اللبس، نعم، وهنا يقول: ((نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)) يعني من أجر وغنيمة، وقد يقول قائل: إنها للتقسيم فيكون نائلاً ما نال من أجر كامل أو غنيمة مع أجر ناقص، نائلاً ما نال من أجر يعني أجر كامل، أو غنيمة مع أجر ناقص بدليل الحديث الصحيح ((إن من غزا فلم يغنم كان أجره موفوراً، ومن غنم فقد تعجل ثلثي الأجر)) وعلى هذا من غنم له أجر وغنيمة، لكن في مقابل من له الأجر الموفور يتسنى التقسيم هنا، وبعضهم يرجح أن (أو) بمعنى الواو، وتأتي بمعنى الواو.
((من أجر أو غنيمة)) الذي لم يغنم شيئاً لا شك أن أجره كامل موفور، خرج للجهاد في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله، ثم رجع كما خرج، دون أن يغنم شيئاً، وهو مخلص لله -جل وعلا- مثل هذا أجره كامل، لكن افترض المسألة في شخص يعني في اثنين زيد وعمرو خرجا للجهاد بنية خالصة لله -جل وعلا-، وكل منهما صار له أثر في الجهاد، وأبلى في الجهاد بلاءً حسناً ثم رجعا، هذا قتل شخص ليس معه سلب، وآخر قتل شخصاً معه سلب، هذا الذي قتل شخص لا سلب له رجع بدون غنيمة، وذاك رجع بشيء من المال هل يكون الأجر واحد؟ نعم، لا شك أن الدنيا ضرة، ضرة بالنسبة للآخرة، من تعجل شيئاً كوفئ به في الدنيا لا شك أنه ينقص أجره، ولا شك أن الذين ماتوا قبل أن تفتح وتبسط الدنيا على الصحابة هؤلاء موفور أجرهم، ومنهم كما في الحديث الصحيح مصعب بن عمير كفن في..، في إيش؟ نعم، كفن في برد له قصير إن غطي رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، هؤلاء ما استوفوا شيئاً من أمور الدنيا، بينما الذين تخلفوا بعدهم بسطت الدنيا وتوسعوا فيها، لا شك أن ما تعطاه من خير مكافئة على عملك، وما ينالك من شر ومصائب في الدنيا أيضاً تكفير لذنوبك، فالدنيا سجال، وهي ابتلاء {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [(35) سورة الأنبياء] يبتلى الإنسان بالخير كما يبتلى بالشر، فلما أكل النبي -عليه الصلاة والسلام- من اللحم بعد أن كان جائعاً هو وأصحابه أكل وشبع، ماذا قال؟ ((والله لتسألن يومئذ عن النعيم)) لتسألن عن هذا النعيم، فالنعيم يسأل عنه الإنسان، وعلى هذا له أثر على ما يكسبه من حسنات؛ لأنها مكافئة له على صنيعة، فكون الإنسان لا يكافئ بشيء من هذه الدنيا يوفر له أجره، ومن يكافئ بشيء من هذه الدنيا ينقص أجره، وافترض المسألة في شخص يعلم الناس، يقضي بين الناس، يؤم الناس، يشغل منصب ديني مجاناً، يأمر وينهى مجاناً، وآخر بأجرة، الثواب واحد؟ لا، هذا له أجره، وذاك له أجره على قدر نيته وله أجرته، فلا شك أن الرجوع بشيء من المغنم ينقص من الأجر الموفور بالنسبة لمن لم يحصل على شيء من المغانم.
((ومثل المجاهد في سبيل الله)) بعضهم يقول في الحديث: ((نائلاً من نال من أجر أو غنيمة)) نائلاً من نال من خير عظيم سواء حصل على الأجر أو الغنيمة، والغنيمة إذا استعملت فيما يرضي الله -جل وعلا- صارت أجر، لكن هذا أجر مباشر، وهذاك أجر بواسطة؛ لما في الغنيمة من إعزاز الدين، وذل للكفار، ولذا شرعت لهذه الأمة، على كل حال أقوال الشراح في هذه الجملة كثيرة جداً.
((ومثل المجاهد في سبيل الله -والله أعلم بمن يجاهد في سبيله-)) نعم الله أعلم، النيات لا يطلع عليها إلا الله -جل وعلا-، هذه غيب، ويعامل الناس على حسب الظاهر، ولذا يقسم الشهيد إلى أقسام، منهم من هو شهيد في الدنيا فقط، لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، وهو في الآخرة ليس له أجر الشهداء، ومنهم من شهيد آخرة فقط، وهو من مات ممن ثبتت له الشهادة بالنصوص الصحيحة في غير الجهاد، ومنهم شهيد الدنيا والآخرة وهذا معروف، اللي هي موضوعنا الآن.
((والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم)) بعض الناس يقول: الجهاد يعوقنا عن الصيام، صيام النوافل، الجهاد يعوقنا عن قيام الليل، الجهاد يعوقنا عن قراءة القرآن، الجهاد يعوقنا عن تعليم العلم، الجهاد يعوقنا عن أعمال الخير، لا شك أنه يعوق، نعم يحول دون الإنسان ودون صيامه، وأحياناً يحول دونه ودون قيامه، وما كان يزاوله في حال الاستقرار، لكن هل هذا مبرر لترك الجهاد؟ هذا ليس مبرر، ومن الناس من يعتذر عن الجهاد خشية أن يفتتن، وقد يقال لزيد من الناس: لماذا لا تحج؟ قال: أنا والله لا أستطيع أن أحج خشية أن أفتتن، الحج فيه نساء وفيه تبرج وفيه..، وقل مثل هذا في أمور العبادات يتعذر بهذا، يقال له: لا يا أخي، {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [(49) سورة التوبة] عذر وإلا ما عذر؟ ما عذر، عليك أن تجاهد وعليك أن لا تعرض نفسك للفتن.
((والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم)) يكتب له صيامه وقيامه ((وتوكل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة)) لأنه شهيد ((أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة)) يرجعه إلى أهله وذويه سالماً إما مع أجر محض أو مع غنيمة مقرونة بالأجر، نعم.
وعنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكلمه يدمي: اللون لون الدم، والريح ريح المسك)).
طالب:.......
عن إيش؟ عن من؟
طالب:.......
يعني أبي هريرة نعم؛ لأنه صرح عندنا.
يقول: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-" والأصل أن يقول: "وعنه" على عادة أصحاب المختصرات إذا رووا أكثر من حديث عن صحابي واحد صرحوا به ثم كنوا عنه بالضمير.
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما من مكلوم))" المكلوم: المجروح ((يكلم)) يجرح ((في سبيل الله)) يعني في الجهاد في سبيل الله ((إلا جاء يوم القيامة)) جاء يوم القيامة بعد المبعث ((وكلمه)) جرحه ((يدمى)) يصب دماً، يسيل دمه من جرحه ((اللون لون الدم)) أحمر، ((والريح ريح المسك)) فيأتي بما يشهد له أنه قتل في سبيل الله، والدم معروف أنه مستقذر، مستقذر لما فيه من نجاسة، وفيه أيضاً من تلويث، وفيه من رائحة إلى غير ذلك، لكنه على خلاف الأصل، على خلاف ما كان عليه في الدنيا، لونه لون الدم، والريح ريح المسك، ووجد من بعض الشهداء في حال البرزخ من هذه حاله، لما نبشت بعض القبور بعد سنين طويلة في آخر عهد الصحابة نبشوا بعض القبور فوجدوا بعض المدفونين دمه يسيل، لما حرك جرحه سال، وشعره متوافر ولونه كهيئته وقت الحياة، وهناك قصص كثيرة ذكرها شيخ الإسلام وغيره تدل على هذا، قصص واقعية، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وفي هذا بيان فضل الشهداء، ومنزلتهم عند الله -جل وعلا-، وأن الشيء المستقذر المستقبح المنفور منه ينقلب بفضل الله -جل وعلا- إذا كان بسبب طاعة من طاعاته، أو عبادة من عباداته إلى محبوب كما أن خلوف فم الصائم مكروه عند الناس، الفم تنبعث منه رائحة كريهة، تنبعث منه روائح كريهة بسبب خلو المعدة، وتصاعد الأبخرة، تخلو المعدة فتنبعث الروائح المستقذرة المستكرهة عند الناس ((ولخلوف فم الصائم عند الله أطيب عند الله من ريح المسك)) نعم.
وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس وغربت)) أخرجه مسلم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)) أخرجه البخاري.
نعم هذا حديث أبي أيوب الأنصاري، ومثله حديث أنس، وكلاهما في بيان فضل الغدو والرواح في الجهاد والسير في أول النهار وفي آخره إلى الجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، وقد تقدم في الحديث الثاني نضيره، وكل هذا يدلنا على حقارة الدنيا بالنسبة إلى من تعلق بأمور الآخرة، وذكرنا أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها، وتكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، والدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، فليحرص الإنسان على ما ينفعه، نعم.
وعن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين وذكر قصة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قالها ثلاثاً.
نعم هذا حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاء إلى حنين، يعني عام حنين سنة كم؟ سنة كم؟
طالب:......
ثمان، ثمان، بعد إيش؟ بعد الفتح، سنة ثمان.
خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى حنين، وذكر قصة مفادها: أنه رأى رجلاً من المشركين علا رجلاً من المسلمين، علاه، فرق بين علاه وعليه، نعم، علاه وكاد أن يقتله فجاءه أبو قتادة من ورائه فضربه بالسيف على عاتقه، فأرسل الصحابي فاتجه إلى أبي قتادة، فضمه ضمة شم منها رائحة الموت، ثم أدركه الموت فأرسله فمات، فأبو قتادة هو الذي قتل هذا المشرك "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) قالها ثلاثاً" أبو قتادة قتل هذا المشرك، فقال: من يشهد لي أني قتلت فلاناً؟ من يشهد لي؟ قالها ثلاثاً، فجاء رجل فقال: صدق يا رسول الله، هو قتل الرجل وسلبه عندي، أخذته أنا، فقال: "لا لاها الله لا تعمدوا إلى أسد من أسود الله".. إلى آخر الحديث، المقصود أنه لما شهد له أخذه منه -عليه الصلاة والسلام- وأعطاه إلى أبي قتادة، ففي هذا إغراء بقتل الأعداء ((من قتل قتيلاً)) لكن الدعاوى المجردة لا تقبل، لا بد أن يكون له عليه بينة، لا بد أن يأتي بمن يشهد له أنه هو الذي قتل فلان، قتل هذا المشرك.
((من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه)) وسلبه كل ما معه من عدة حرب وآلة وملبوس وفرس أو جمل أو أي مركوب، كل ما بيده له "((فله سلبه)) قاله ثلاثاً" وفي هذا إغراء من النبي -عليه الصلاة والسلام- بقتال الأعداء، وأيضاً تشجيع للمقاتلين من المسلمين، لكن هل هذا حكم شرعي ثابت إلى آخر الزمان؟ يعني هذا حكم مقرر شرعاً بقوله: ((من قتل قتيلاً له سلبه)) قتيل أي قتيل في المعارك بين المسلمين والمشركين من يومه، من يوم أن نطق بهذا الحديث إلى آخر الزمان، أو أنه في هذه الغزوة؟ ويش يترتب؟ ما الذي يترتب على هذا؟ يترتب على هذا أنه لا يحتاج أن تقال هذه مرة ثانية، في كل غزة يعمد المسلم إلى الكافر فيقتله فيأخذ سلبه، ما يحتاج إلى أن يقال له مرة ثانية، لكن إذا قلنا: إن هذا مجرد إغراء في هذه الغزوة، وأن للإمام أن يقول مثل هذا الكلام، وله أن يقول: له ضعف سلبه، وله أن يقول: نصف سلبه، لكن إذا قلنا: له سلبه لا يزيد ولا ينقص خلاص الحكم شرعي، وإذا قلنا: إنه حكم طارئ مربوط بهذه الغزوة وللإمام أن يفعل مثلما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يرى أن المصلحة تنفيل السلب، فيقول: "من قتل قتيلاً فله"، "من قتل قتيلاً فله مبلغ كذا" مثلاً، "من قتل قتيلاً له أرض مساحتها كذا" من قتل.. إلى آخره، للإمام أن يقول ذلك، لكن إذا قلنا: إنه حكم شرعي ثابت نقول: يتقيد بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون من قتل قتيل فله سلبه، ولا يحتاج أن يقول الإمام هذا الكلام، مجرد ما يقيم البينة يمشي، يأخذ السلب ويمشي، والمسألة خلافية بين أهل العلم.
وعلى كل حال عند الجمهور يستحق السلب ولو لم يقله الإمام، استناداً إلى ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة، فكل يعمد إلى مشرك يقتله فيأخذ السلب، ومنهم من يقول -كالمالكية مثلاً-: إنه لا يستحقه إلا إذا قاله الإمام، نعم.
وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- عين من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه يتحدث، ثم انفتل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اطلبوه واقتلوه)) فقتلته فنفلني سلبه.
وفي رواية: فقال: ((من قتل الرجل؟)) فقالوا: ابن الأكوع، فقال: ((له سلبه أجمع)).
نعم هذا حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله تعالى عنه- "قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- عين من المشركين" جاسوس، الجاسوس هو الذي ينقل الأخبار يسمونه جاسوس، ويسمونه عين "من المشركين" لينقل أخبار المسلمين إلى المشركين، وسمي عيناً؛ لأن جل عمله بعينه، الآن يمكن أن يكون الجاسوس أعمى؟ ممكن؟ معه مسجل صغير بجيبه وخلاص وما عليه وبعد يكون أعمى آمن له شوية، أقول: سمي لأنه يتطلب البصر في..، يعني في الأوقات الماضية يتطلب البصر؛ لأن البصر يعينه على كيفية إلقاء الأخبار، ويعينه على أمور لا تدرك في السمع، نعم أحياناً بعض التصرفات والذهاب والمجيء وكذا التي لا يدركه الأعمى يحتاجها الجاسوس، وهذا ينقل أخبار المسلمين إلى المشركين.
"فأتى النبي -عليه الصلاة والسلام- عين من المشركين، وهو في سفر" وجاء في صحيح مسلم أن ذلك في غزوة هوازن "فجلس عند أصحابه" جلس مع الصحابة هذا المشرك يتحدث "ثم انفتل" انصرف، سمع ما يكفي من الأخبار ثم انصرف، ليبلغ قومه أخبار المسلمين "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اطلبوه واقتلوه))" هذا حكم الجاسوس يطلب ويقتل.
يقول سلمة بن الأكوع: "فقتلته فنفلني سلبه" قتلته؛ لأن سلمة بن الأكوع مشهور بإيش؟ بالسرعة، سرعة الجري، إذا كان موجود لا يحاول أحد، نعم معروف بسرعة الجري.
"فقتلته فنفلني سلبه" وفي رواية: قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من قتل الرجل؟)) فقالوا: ابن الأكوع، فقال: ((له سلبه أجمع))" يعني جميع ما تركه هذا المقتول له ((له سلبه أجمع)) لو قتله قتل قتيل واستحق السلب، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((له سلبه أجمع)) وأنا أريد جثته، لماذا تريد الجثة؟ قال: أبيعها على كليات الطب وإلا التشريح وإلا غير ذلك، نعم؟ هل تدخل الجثة في السلب؟ لا تدخل الجثة في السلب.
قوله: ((له سلبه أجمع)) السلب ما يسلب، والجثة مسلوب منه وليست مسلوبة، مسلوب منها السلب وليست بمسلوبة.
يقول النووي: فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق، الجاسوس الحربي يقتل باتفاق، وأما المعاهد فقال مالك والأوزاعي: ينتقض عهده بذلك، وعند الشافعية خلاف.
على كل حال الجاسوس الذي ينقل أخبار المسلمين، وما يضرهم نقله، هذا حكمه في الشرع، لكن لا بد من أن يأمر بقتله الإمام، وليس للأفراد أن يتصرفوا من تلقاء أنفسهم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام-..، ما قتلوه مباشرة، ما قتله الصحابة، جلس معهم، وتغدى، وجعل ينظر يمين وشمال، ويأخذ أخبارهم كما في صحيح مسلم، نعم، ما قتلوه، إنما قتل لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اطلبوه واقتلوه))، فالإمام هو الذي يأمر بهذا، وهذه من صلاحيات الإمام، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية إلى نجد، فخرجت فيها، فأصبنا إبـلاً وغنماً، فبلغت سهماننا اثـني عشر بعيراً، ونفلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعيراً بعيراً.
يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية" وهي قطعة من الجيش لا يصحبها النبي -عليه الصلاة والسلام- بخلاف الغزوة، الغزوة يكون معها النبي -عليه الصلاة والسلام-، "سرية إلى نجد" كان معهم ابن عمر "فخرجت فيها" يعني في هذه السرية "فأصبنا إبـلاً وغنماً" يعني غنائم، مما غنموه الإبل والغنم "فبلغت سهماننا" يعني نصيب كل واحد، سهم كل واحد "اثـني عشر بعيراً" يعني من هذه الغنيمة "ونفلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعيراً بعيراً" يعني الغنيمة لما قسمت عليهم بعد أخذ الخمس أصاب كل واحد منهم اثنا عشر بعير، لما قدموا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وسلموه الخمس نفلهم، زادهم الرسول -عليه الصلاة والسلام- كل واحد بعير، يعني تنفيلهم كل واحد بعير يأتي على الخمس كامل وإلا بعض الخمس؟ نعم؟ أو يزيد على الخمس؟ نعم؟
طالب:.......
بعض الخمس، يعني لو افترضنا أن هذه السرية مائة شخص، نعم، الغنيمة أربعة الأخماس ألف ومائتين، والخمس كم؟ صارت الأربعة الأخماس ألف ومائتين، والخمس ثلاثمائة، وأعطاهم نفلهم بعيراً بعيراً، يعني مائة بعير بقيت من الخمس مائتا بعير، نعم.
فللإمام أن يزيد الغانمين تشجيعاً لهم، تشجيعاً لهم يزيدهم على ما يستحقونه من الغنيمة، نعم.
وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين يرفع لكل غادر لواء فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)).
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا جمع الله الأولين والآخرين))" متى؟
طالب:.......
نعم يوم القيامة ((يرفع لكل غادر لواء)) والغدر من صفات إيش؟ المنافقين ((وإذا عاهد غدر)) الغدر شنيع، فإذا ائتمنك خنته أو غدرت به، إذا أمنك تأتيه على غرة وتغدر به، أو تستدرجه فتغدر به، هذا من عمل المنافقين، ومن شأن المسلم أن يكون صادقاً واضحاً لا يخون ولا يغدر، يؤدي الأمانة إلى من ائتمنه، ولا يخن من خانه.
قد يقول قائل: إن الغدر حتى في الجهاد محرم، ولذا أدخل المؤلف هذا الحديث في كتاب الجهاد، فماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحرب خَدعة))؟ الخاء كيف تضبط؟ خِِدعة وإلا خُدعة؟
طالب:.......
هي مثلثة، والفتح لغة النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في سنن أبي داود.
إيش الفرق بين الغدر هذا والخداع والخدعة ((الحرب خَدعَة))؟ طيب التورية، إذا أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- غزو قوم ورّى بغيرها، إذا أراد أن يروح للشمال يروح للجنوب، لكن ما يكذب -عليه الصلاة والسلام-، ولا يخون ولا يغدر، الغدر هذا بعد أن تؤمن الشخص تغدر به، هذا لا شك في تحريمه، أما قبل أن تؤمنه وتأخذه على غرة لا بأس، أغار النبي -عليه الصلاة والسلام- على بني المصطلق وهم غارون، يعني على غرة، أصابهم على غرة، فالغدر غير أخذ الشيء على غرة والخدعة.
((يرفع لكل غادر لواء)) راية، وكان من طريقة العرب ومن شأنهم وديدنهم في الجاهلية أنهم يرفعون الألوية، لواء الوفاء أبيض، ولواء الغدر والخيانة أسود، فهذا يرفع لواؤه لتتجه الأنظار إليه فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان، والناس في القيامة إنما يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم، في قوله -جل وعلا-: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ} بإيش؟ {بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] يعني مقدمهم ومن يتبعونه، إن كان إمام هدى فهم على خير، وإن كان إمام ضلالة فهم على خلافه، وإمام هذه الأمة محمد -عليه الصلاة والسلام- ويدعى تحت لواؤه من اقتدى به، واهتدى بهديه، واستن بسنته.
{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [(71) سورة الإسراء] منهم من يقول: إن الإمام هنا جمع أم فيدعى الناس بأمهاتهم ((هذه غدرة فلان بن فلان)) ما قال ابن فلانة، نعم، ابن فلانة، قال: ابن فلان، ومنهم من يقول: الناس يدعون يوم القيامة بإمامهم يعني أمهاتهم، فلان ابن فلانة، هل عرف أن الأم تجمع على إمام؟ لم يعرف، إنما تجمع على أمات وأمهات، طيب، ما الذي دعا من يقول: بأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم إلى أن يقولوا هذا الكلام؟ يقولون: تشريفاً لعيسى بن مريم؛ لأنه يدعى بأمه، يقال: عيسى بن مريم، وأيضاً تشريفاً للحسن والحسين، حينما يقال: الحسن بن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو الحسين بن فاطمة، عندهم أنه أقوى من أن يقال: الحسن بن علي؛ لشرف الانتساب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جاء في الحديث الصحيح: خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حامل أمامة بنت زينب، وهي بنت أبي العاص بن الربيع، فشرف الانتساب إليه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مقدم.
وقالوا: من العلل والحكم الستر على أولاد الزنا، فإذا قيل: فلان بن فلان، فلان بن فلان، فلان بن فلان، ثم قيل: فلان بن فلانة؛ لأن ولد الزنا ينسب لأمه، افتضح، فمن باب الستر على ولد الزنا، ومن باب تشريف من ذكر من عيسى والحسن والحسين، نعم يدعون بإمامهم، لكن هذا القول ضعيف، ضعيف جداً، فما في أحد يبي يتشرف بالانتساب إلى أمه مهما كانت أمه، إذا قيل: فلان ولد فلانة خلاص معناه عيب له، وشين له، وتنقص له بين الناس، فيدعى بأحب الأسماء إليه، لكن إذا تعذر لم يكن له أب حقيقة أو حكماً، حقيقة كعيسى، أو حكماً كأولاد الزنا، يدعى بما يعرف به.
فعلى كل حال ليس في هذا مستمسك لمن يقول: الناس يدعون بأمهاتهم، نعم.
وعنه أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي -صلى الله عليه وسلم- مقتولة، فأنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل النساء والصبيان.
"وعنه" يعني عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي -صلى الله عليه وسلم- مقتولة، فأنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل النساء والصبيان" وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما كانت هذه لتقاتل)) ونهى عن قتل النساء والذرية، ونهي عن قتل الشيخ الفاني، والكبار الذين لا مشاركة لهم في القتال، فالنهي عن قتل النساء والذرية ثابت، لا يجوز بحال قتل النساء نساء الكفار ولا ذراريهم إلا إذا تترس بهم الكفار، إذا تترسوا بهم فإن هذا مما لا يتم الواجب إلا به، لكن إذا انحاز الكفار الرجال المقاتلون على جهة وغيرهم على جهة لا يجوز قتلهم، والدين دين عدل وإنصاف، فالذي لا يقاتِل لا يقاتَل، فعندنا النهي عن قتل النساء، وهنا أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل النساء والصبيان، وعندنا حديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فماذا عن المرأة إذا ارتدت تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل؟ النبي نهى عن قتلها؟ أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل النساء؟ نعم؟ إذا ارتدت تقتل وإلا ما تقتل؟ يكون حديث: ((من بدل دينه)) خاص وهذا عام أو العكس؟ عموم وخصوص وجهي، النهي عن قتل النساء هذا عام في المرتدات والأصليات، لكنه خاص بالنساء، النهي عن القتل خاص بالنساء، لكنه عام في المرتدات والأصليات، و((من بدل دينه فاقتلوه)) عام في الرجال والنساء، لكنه خاص بالمرتدين، هناك عموم وخصوص وجهي، يعني إذا قلت: نقتل المرتدة قال لك الحنفي: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن قتل النساء، وإذا قلت: لا نقتل المرتدة، قال لك غيره: ((من بدل دينه فاقتلوه)) كلهم كلامهم صحيح، هذا عموم وخصوص وجهي، وعرفنا وجه العموم والخصوص فكيف العمل؟ يعني نحتاج إلى مرجح خارجي.
((من بدل دينه فاقتلوه)) هل يمكن أن يوجد مخصص لهذا العموم؟ يعني مرتد ما يقتل؟ وجد وإلا ما وجد؟ نعم؟
طالب:......
كيف؟
طالب:......
نعم ما وجد إلا محل النزاع اللي هو إيش؟ قتل المرأة، محل النزاع ما يدخل في التخصيص وإلا يلزم عليه الدور، ما يدخل في التخصيص محل النزاع، فعموم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، فهو فيه قوة بينما عموم النهي عن قتل النساء مخصوص بمخصصات كثيرة، يعني مقتضى النهي عن قتل النساء إذا قلنا بعمومه قلنا: إن المرأة إذا قتلت ما تقتل، وإذا زنت وهي محصنة ما ترجم، لكن إذا قتلت المرأة تقتل وإلا ما تقتل؟ تقتل، وإذا زنت وهي محصنة ترجم، إذاً عموم النهي عن قتل النساء مخصوص، والعموم إذا دخله الخصوص ضعف، فيبقى عموم النهي عن قتل النساء ضعيف بالنسبة لعموم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فيقدم عليه، فتقتل المرأة إذا ارتدت، وتقتل إذا زنت وهي محصنة بالرجم، وتقتل إذا قتلت قتل عمد، فيرجح قول الجمهور في هذا.
الرواية التي تقول: ((ما كانت هذه لتقاتل)) يعني لو قاتلت المرأة؟ امرأة كافرة قاتلت مع الكفار؟ مفهوم هذه الرواية أنها تقتل، النهي عن قتل الشيوخ والكبار لما كان دريد بن الصمة له دور ورأي في القتال قتل، نعم، فمن كان يشارك في القتال يعامل معاملة المقاتلين فيقتل، نعم.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة لهما، فرخص لهما في قميص الحرير، ورأيته عليهما.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام شكيا القمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة لهما، فرخص لهما في قميص الحرير، فرأيته عليهما" القمل، في بعض الروايات شكيا الحكة، والحكة ناشئة عن وجود القمل، فأحياناً يضاف السبب أو الحكم إلى سببه، وأحياناً إلى سبب سببه، السبب الحكة، وسبب السبب وجود القمل، فلا تنافر ولا تناقض، فإذا وجدت الحاجة التي لا ترتفع إلا بلبس الحرير أو استعمال المحرم، إذا وجدت الحاجة التي لا تترفع إلا باستعماله فالحاجة تقدر بقدرها، وتباح مثلها.
النهي عن لبس الحرير ثابت بالنص، فهل يستباح ما ثبت تحريمه بالنص؟ تبيحه الحاجة أو الضرورة؟ نعم؟ دعونا من المنصوص عليه، المنصوص عليه أباحه النص، لكن لو شخص احتاج لبس حرير، احتاج إلى لبس الحرير، نعم، تحريمه من باب الوسائل فيباح للحاجة، فتبيحه الحاجة، لكن القاعدة أن ما حرم بالنص لا يبيحه إلا الضرورة، ما حرم بالإلحاق بالعمومات، بالقواعد، هذا تبيحه الحاجات، ومثل هذا الذي أباحه النص، النبي -عليه الصلاة والسلام- أباح..، أحياناً يبيح النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حرم، ما جاء النهي الصريح عنه لما هو أقل من حاجة، نعم، فإباحته تدل على صرف التحريم إلى الكراهة، نعم قد يحتاج الإنسان إلى ما حرم الله عليه، فيحتاج إلى الذهب أحياناً، يحتاج إلى الذهب، يصير في يده كسر، في رجله، في فخذه، في ظهره، فيحتاج إلى أشرطة من ذهب؛ لأن غير الذهب يصدأ، نعم؛ لتربط به هذه الكسور فيباح حينئذٍ؛ لأن هذه ضرورة، وعرفجة لما قطع أنفه وركب له أنف من فضة، وأنتن، ركب له أنف من ذهب، وهذه حاجة ملحة، بل ضرورة، نعم.
عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وكانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالصاً، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعزل نفقة أهله سنة، ثم يجعل ما بقـي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله -عز وجل-.
يقول المؤلف -رحمة الله عليه-:
"عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "كانت أموال بني النضير" بنو النضير من اليهود، هذه الأموال فيء، مما أفاء الله على رسوله، والفيء ما يحصل عليه المسلمون من أموال الكفار بغير قتال "مما أفاء الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب" يعني حصل عليه من غير قتال، أموالهم ونخيلهم ومنازلهم، وكانوا بناحية المدينة، كانوا عاهدوا النبي -عليه الصلاة والسلام- نقضوا العهد، فحاصرهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فنزلوا على الجلاء، وأن لهم ما حملت الظهور، حملت الإبل إلا السلاح، فخرجوا إلى الشام، ونزلت فيهم سورة الحشر.
هذا المال الذي جلوا وتركوه من بيوت، منازل، وأموال، ونخيل، هذه فيء، لا يستحق منها الغزاة شيء؛ لأنهم ما غزو، ما حصل قتال، فجميعها فيء، وكانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خالصاً، لا يشركه فيها أحد، "فكان النبي الله -صلى الله عليه وسلم- يعزل نفقة أهله سنة" يدخل لهم قوت سنة من هذه النخيل ومن هذه الزروع يدخر سنة، ما يكفيهم سنة، "ثم يجعل ما بقـي" من قيمة التمر والحبوب وأجور المنازل وغيرها يجعلها "في الكراع والسلاح" يعني يستعين بها على قتال الأعداء، يشتري بها الخيل والإبل، ويشتري بها سلاح "عدة في سبيل الله -عز وجل-" امتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] لا بد من الاستعداد للعدو، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ما يدخر لأهله نفقة سنة من أموال بني النضير يتخذ الباقي في الكراع والسلاح، يستعد به في سبيل الله -عز وجل- لقتال أعدائه، فالله -جل وعلا- يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] وجاء تفسير الآية بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) هو يستعد بكراع وسلاح، ويفسر القوة بالرمي، فهل معنى هذا أنه لا يوجد استعداد إلا بالرمي؟
طالب:......
نعم تفسير العام بفرد من أفراده لا يقتضي التخصيص، تفسير العام بفرد من أفراده لا يقتضي التخصيص، وذكر هذا الخاص أو هذا النوع أو هذا الفرد من أفراد العام إنما هو للعناية به، والاهتمام بشأنه، وإلا القوة تشمل كل ما يستعان به على قتال الأعداء.
في الحديث جواز الادخار، وأنه لا ينافي التوكل، بعض الناس يقول: عندك رزق طعام يومك وغداً يأتي به الله، النبي -عليه الصلاة والسلام- أتقى الناس وأخشاهم وأوثقهم بربه يدخر قوت سنة، نفقة أهله سنة، وهو إمام المتوكلين، هذا سبب، بذل سبب من الأسباب، ومزاولة الأسباب لا تنافي التوكل، نعم.
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ضمر من الخيل، من الحفياء إلى ثنية الوداع، وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى.
قال سفيان: من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة، ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل.
يقول أيضاً المؤلف -رحمة الله عليه-:
"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: أجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- ما ضمر من الخيل" أجرى، أجراها بنفسه أو أمر بإجرائها؟ أمر، فينسب الفعل لمن أمر به، كما تقول: الأمير ضرب زيد، ضربه بيده! أمر بضربه مثلاً، الأمير حفر بئر، حفر بنفسه؟ لا، أمر بحفرها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بإجرائها، بإجراء ما ضمر من الخيل "من الحفياء إلى ثنية الوداع" ما ضمر، يعني تعلف الخيل علف وفير كافٍ حتى تقوى وتشتد وتسمن، ثم بعد ذلك تضمر، يقطع عنها هذا، وتجلل وتدخل في مكان دافئ بحيث تعرق، ويقلل عليها الطعام، فتكون مضمرة، وهو أسرع وأقوى وأشد لعدوها "من الحفياء إلى ثنية الوداع" وهذا خمسة أميال أو ستة، يعني ما يقرب من عشرة كيلو، وهي تحتمل ذلك، ولا يشق عليها "وأجرى ما لم يضمر" الخيل التي امتلأت وبطونها مليئة بالأكل والشرب وما أدري إيش؟ التي تتعب من أدنى شيء، هذا مشاهد، يعني الناس يشاهدونه بأنفسهم، الخفيف ما يضره لا مشي ولا جري ولا شيء، والبدين يتعب، نعم وهذا موجود في المخلوقات كلها.
"وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق" وهذا ميل واحد، يعني أقل من كيلوين، كيلوين إلا ربع "وأجرى ما لم يضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق" وفي هذا جواز إضافة المساجد إلى بعض الناس، المساجد لله، المساجد بيوت الله، لكن يجوز أن تقول: مسجد الشيخ فلان، مثل هنا الشيخ ابن باز، أو مثلاً مسجد آل فلان، نعم، أو مسجد بني فلان، بني زريق، يجوز، والإضافة لأدنى مناسبة، لأدنى مناسبة إما لأنه إمام المسجد يضاف إليه، مؤذن قديم في المسجد يقال: مسجد فلان، نعم، أو عالم يدرس في مسجد يقال: في مسجد فلان؛ لأنه اشتهر بهذا العالم، أو لأنه بناه رجل من المحسنين فينسب إليه إلى غير ذلك، فالإضافة لأدنى مناسبة، وإلا فالأصل أن المساجد بيوت الله.
"قال ابن عمر: وكنت فيمن أجرى" ابن عمر حاضر في كل مناسبة فيها خير، ابن عمر عرض نفسه قبل الاحتلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليجاهد، فرده النبي -عليه الصلاة والسلام- استصغاراً له، ثم قبله بعد ذلك لما أكمل كما سيأتي، يُبادر، عرض نفسه قبل التكليف، فلما كُلف بادر، في كل غزوة، وفي كل مناسبة، وفي..، هو موجود حاضر -رضي الله عنه وأرضاه-.
"وكنت فيمن أجرى، قال سفيان: من الـحفياء إلى ثـنية الوداع: خمسة أميال أو ستة، ومن ثـنـيـة الوداع إلى مسجد بني زريق: ميل" وجاء السَبَق، السبق يعني إيش؟ ويش هو السبق؟ الجعل الذي يجعل في المسابقة، في السباق، الأجرة، ما هي بأجرة، يعني لمن سبق، ((لا سبق إلا في خف أو نصل)) أو إيش؟ ((أو حافر)) يعني إلا فيما يستعان به على الجهاد، لا يجوز أخذ السبق إلا في هذه الأمور، ومنهم من يلحق العلم باعتباره باب من أبواب الجهاد، فيجعل فيه السبق، وما عدا ذلك يبقى على الأصل على المنع، وابن القيم -رحمه الله تعالى- أطال بحث هذه المسألة في كتابه الفروسية، وهل يلزم من إيجاد محلل طرف ثالث، أو يكون من الطرفين، أو يكون من ولي الأمر، أو ما أشبه ذلك؟ على كل حال يرجع إليه في مكانه، والحاجة داعية إلى مراجعة هذه المسألة؛ لأن المسابقات كثيرة، في أمور الدين، في أمور العلم، في أمور الجهاد، في غيرها، في أمور الدنيا، والجوائز الذي تجعل على بعض الأمور كثير منها لا يدخل في مباح، لكن لا بد من مراجعتها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"