كتاب الجامع من المحرر في الحديث - 24
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعم.
بسم الله، والحمد لله وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا اللهم بما علمتنا، وزدنا علمًا، اللهم لغفر لشيخنا وجازه عنا خير الجزاء.
قال ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر في كتاب الجامع: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده».
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته ذات يوم: «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي».
وعن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نَحَلْتُه عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم»".
وحرَّمت وحرَّمت. حرَّمت وحرَّمت
"«وحرَّمت ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزله به سلطانًا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا أهل الكتاب».
وقال: «إني بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء تقرؤه قائمًا ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرِّق قريشًا فقلت: ربي إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال: استخرجهم كما أخرجوك»".
استخرجهم.
أحسن الله إليك، "«استخرجهم كما أخرجوك واغزهم نغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مائة»".
خمسة.
أحسن الله إليك، "«وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك» قال: «وأهل الجنة ثلاث: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال».
قال: «وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبعًا لا يتبغون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجلٌ لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك»، وذكر البخل والكذب والشِّنظِير الفحاش".
أو الكذب، البخل أو الكذب.
"أو الفاحش".
أو الكذب، وذكر البخل أو الكذب.
أحسن الله إليك.
"وذكر البخل أو الكذب والشِّنظِير: الفاحش وفي لفظ: «إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخرُ أحد لا أحد، ولا يبغي أحد على أحد».
وعن همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا تكتبوا عني، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج».
قال همام: أحسبه قال: «ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار».
وعن تميم الداري -رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «الدين النصيحة» ثلاثًا، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء».
وعنه -رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما».
وعنه -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-".
الآخِر الآخِر. يعني الأخير، الآخر منهما.
أحسن الله إليك، «فاقتلوا الآخِر منهما».
حسبك حسبك يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:«إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها»، «إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها».
من آداب الأكل مما تقدم وفيما سيأتي أن يبدأ ببسم الله، أن يبدأ ببسم الله، وأن يكون الأكل باليمين، «سم الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك»، وهذا تقدَّم، ويختَم الأكل بالحمد لله؛ لأنه نعمة من نعم الله -جل وعلا- يستحق الشكر والحمد والثناء عليها، {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، فالحمد يزيد في النعم، ويكون سببًا في ثبوتها واستقرارها، وسببًا في نفعها إذا أُكلَت، الذي لا يسمي في بداية الأكل يأكل معه الشيطان كما تقدَّم، نسأل الله العافية، يأكل معه الشيطان، وإذا لم يحمد الله عليها لم ينتفع بها، فعلى الإنسان أن يهتم لهذه الأمور، وكثيرٌ من الناس عهدنا الناس في زمان مضى حتى الأطفال الذين لا يميزون يبدؤون ببسم الله ويأكلون بأيمانهم، ويحمدون الله -جل وعلا-.
الآن الكبار صاروا يغفلون عن هذه الأمور؛ لأنهم انشغلوا بأمور تافهة شغلتهم عن الأمور المهمة، يبقى أن هناك أنواعًا من الأكل والشرب، جُلّ الناس أو غالبهم يغفل عنها، وبعضهم يرى أنها لا تدخل أصلاً، فمن يأكل الحب مثلاً يقول: بسم الله، ويحمد الله؟
فيه أحد يستحضر مثل هذا؟
الذي يشرب الشاي يبدأ ببسم الله ويقول: الحمد لله؟ أو المشروبات أو غيرها؟ الناس في غفلة، لا يضعون بالهم من هذه الأمور التي رُتِّب عليها أمور كبيرة ليست سهلة، ليس من السهل أن يأكل معك الشيطان، أن يشاركك الشيطان في منزلك إذا دخلت، يشاركك في أكلك إذا أكلت، فلا تنتفع، يشاركك في أهلك إذا جامعت، تعوذ بالله من الشيطان، وسم الله، وادع بالأذكار الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعيذك من الشيطان، ويطرح البركة فيما تأتي وفيما تذر، فعلينا أن ننتبه من هذه الآداب الشرعية.
«إن الله ليرضى عن العبد» من الذي لا يبحث عن رضا الله -جل وعلا-؟ من المسلمين، ما فيه أحد يقول: ما يهمني أن يرضى ولا يرضى، فعلينا أن نبذل الأسباب التي ترضيه، ومنها أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها، وهل المراد بالأكلة والشربة المرة الواحدة؟ أو مجموع الأكل يسمى أكلة؟ يعني تأتي بطعام في صحن في طبق هل هذه أكلة أو كل لقمة منها أكلة؟
طالب: ...
نعم؟
طالب:...
كيف؟
الأكلة يعني الكاملة هذا قول معروف عندنا.
ومنهم من يرى أن كل لقمة أكلة؛ لأنها فعلة تعني مرة، تعني مرة، وهذا لا شك أنه أكمل إذا أكل الإنسان اللقمة الواحدة، وقال: الحمد لله، لا شك أن هذا أكمل وأحوط، ولكن إذا ختم الأكل كله بالحمد لله دخل في عموم الحديث إن شاء الله تعالى، ويشرب الشربة فيحمده عليها، يعني الأصل أن يشرب الشراب على دفعات، لا يكون بنفَس واحد وهذا تقدَّم، فإذا شُرِب منه بالنفَس الأول هذه شربة، فيحمده عليها، وبالنفَس الثاني شربة فيحمده عليها، ويتكرر ذلك بعدد هذه الأنفاس والشرب المواكب لها.
على كل حال مثل هذه الأمور واضحة، وكانت عند المسلمين صغارهم وكبارهم، ما كنا نتصور أن مسلمًا يأكل بشماله، والله ما كنا نتصور حتى رأيناه في بيوتنا، وهذا من الغفلة، وكان الناس كبارهم وصغارهم يأكلون على مائدة واحدة، كبيرهم يعلم صغيرهم متعلمهم يعلم جاهلهم، ويذكرهم، فلا تجد مثل هذه الغفلة التي طغت، أما الآن الصغار والكبار كل يأخذ في إناء، ويتجه إلى زاوية ويأكل بمفرده، إن غلط ما وجد من يعلمه، وإن نسي ما وجد من يذكره فضلاً عن كون كثير من بيوت المسلمين إذا قُدِّم الطعام في البيت تجد كل واحد مع باب له طريق، هذا ذاهب إلى وجبات، وهذا ينتظر طلبًا، وهذا ينتظر، ما فيه أكل مثل ما كان الأولون يجتمعون على الطعام فتكون فيه البركة، الاجتماع على الطعام فيه بركة، وفيه ما ذكرنا من تعليم الجاهل وتذكير الناسي، وفيه من توفير النعم، تجد كل واحد يأخذ طبقًا، ويمكن ما يأكل ولا نصفه ولا ربعه؛ لأنه قبل قليل طلب شيئًا خفيفًا، وطلب ما أدري ماذا يقول، بأسمائها، ولا نسميها هنا ، نعم.
المقصود أن أحوال المسلمين تغيرت، ونظرهم إلى أحوال أعدائهم قرب وسهل، وصاروا يقلدونهم، ولذلك غزتنا هذه المحلات، الوجبات التي لا يدرى الكميات التي يصنعها الناس في بيوتهم قبل بقدر حاجتهم، الآن لا، يصنعون في بيوتهم، ويطلبون الأولاد يطلبون، والنساء تطلب وهكذا، وواحد يطلع من يمين وواحد يطلع من يسار، كل هذا لا شك أنه على خلاف الهدي الأول.
طالب:...
شخص رأى رجلاً يشرب بشماله فقال له: اشرب بيمينك، فقال: لا، ولست بنبيٍ تدعو عليّ فأُشَلّ. على بصيرة، يعني يعرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: «لا استطعت» فما رفعها، يقول: ما أنت بنبي تدعو علي يقبل دعاؤك، والله المستعان. فيه انصراف وانحراف عن الدين والتواضع الذي نراه قبل في عموم الناس إذا سمعوا كلمة من طالب علم قدروها وعملوا بها، الآن يسمعون المتناقضات، وهذا الذي أثَّر في حياتهم، من خلال القنوات ووسائل الاتصال، ويفتي كل من هب ودب، وفُتِح المجال لكل من يفتي بالقول ونقيضه، ثم سمعنا مثل هذه الأمور إلى أن وصل الحد إلى أن يقول: لست بنبي تدعو علي فأُشَلّ!
قد يقول الإنسان: أنا ما لي طاقة بعموم الناس أربيهم، وأعلمهم، وأصحح أفعالهم، عليك أن تربي نفسك أولاً وتكون قدوة، ثم من تحت يدك، هذا المهم في حياتك، ثم بعد ذلك ينتشر خيرك إلى جيرانك وأقاربك ومعارفك وجماعة مسجدك، ثم بعد ذلك شيئًا فشيئًا زيد عمل هذا، وعمرو عمل مثل هذا، وفلان في الحي الفلاني صنع مثل هذا ينتشر الخير، ينتشر الخير والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، ولا يأس، لكن على كل إنسان أن يبذل ما يستطيع، والله المستعان.
"وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول في خطبته ذات يوم".
الأحاديث كلها في صحيح مسلم ما يحتاج إلى أن نتحدث عنها، «إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي»، التقوى لباس، ذلك خير، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ} [البقرة: 197] التقوى تكون بفعل المأمورات وترك المحظورات، والتقوى هي غاية بل غاية الغاية، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذرايات: 56]، وقال في آية البقرة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، الغاية من خلق الجن والإنس لعبادة الله -جل وعلا- خلافًا لما يزعمه بعضهم أن الغاية عمارة الأرض واستعمركم فيها، عمارة الأرض من أجل تحقيق الغاية الحقيقية التي هي التقوى المؤدية إلى: لعلكم تتقون، الغاية من خلق الجن والإنس العبادة، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذرايات: 56] والعبادة من أجل إيش؟ التقوى، الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [القصص: 45] هذا من التقوى، {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، الغاية من العبادات كلها تحقيق هذه التقوى، التي هي خير زاد يتوصل به إلى مرضات الله وجناته، «إن الله يحب العبد التقي الغني».
الغني، الغنى يطلق ويراد به غنى النفس، وهو الغنى الحقيقي، وهو الغنى الحقيقي، وجاء في ذلك الحديث، هو الغنى الحقيقي، الغنى المادي بالأموال والعروض يدخل متى؟ إذا أعان على تقوى الله -جل وعلا-، وتوصل به إلى مرضات الله، وأما الغنى، المال الله يعطيه، الله -جل وعلا- يعطيه من يحب ومن لا يحب، والدين والعبادة والتقوى لا تعطى إلا من يحبه الله -جل وعلا-، فكون الإنسان غنيًا بمعنى أن عنده الأموال والعروض ومتع الدنيا، هذا إن استعان به على ما يرضي الله -جل وعلا- دخل، وإن استعان به على ما يبعده عن الله -جل وعلا- صار ضد ما جاء في الحديث، يحب، صار مما يبغضه الله -جل وعلا-، يبغضه الله -جل وعلا-، فالمعوَّل على ما يرضي الله، على ما يرضي الله -جل وعلا-.
«إن الله يحب»، وفي هذا إثبات صفة المحبة لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، العبد التقي الغني الخفي، يعني المستخفي بأعماله الصالحة، يخفيها، يخفي أعماله الصالحة؛ لأنه أقرب إلى الإخلاص، {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة:271] بلا شك، كل الأعمال الصالحة إخفاؤها أقرب إلى الإخلاص، وإظهارها للناس قد يعرضها للخلل في النية والقصد، وقد يكون إظهار الأعمال لبعض الأشخاص وفي بعض الأحوال أفضل من إخفائها إذا كان ممن يقتدى به، إذا كان ممن يقتدى به، كما جاء في الحديث في الصدقة الذي جاء بصدقته فتصدق بها، فأقبل الناس على الصدقة، وجاء في نفس الحديث من عمل «من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها» أجرها وأجر من عمل بها ممن يقتدي به، فإظهار الأعمال بهذه النية بعد معالجة القلب بحيث لا يتأثر بمثل هذه الأمور، ولا يتأثر بنظر الناس إليه، ولا يتأثر بكلام الناس فيه إذا استوى عنده ذلك واقتدى به الناس فهذا المطلوب، وإلا فالأصل الخفاء؛ لأن كثيرًا من الناس لا يستطيع أن يوفِّق بين إظهار العمل وتمام الإخلاص، فالأصل الخفاء، كما جاء الغني الخفي.
جاء في بعض الروايات: «الحفي» بالمهملة، وهذا الحفي الذي يحتفي بمن يراه من إخوانه المسلمين، ويلين لهم، ويظهر البشر في وجوههم، ولا سيما الأقربين، هذا حفي، هذا الحديث مما استدل به على فضل العزلة، على فضل العزلة؛ لأنها هي التي تعين على الخفاء والإخفاء، وجاء في ذلك أحاديث: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن»، في وقت الفتن لا شك أن العزلة أفضل لا سيما إذا كان الشخص ممن يتأثر، ولا يستطيع أن يؤثر في غيره، فمثل هذا تتعين في حقه العزلة، وإذا كان ممن يستطيع أن يؤثر في الناس، ويصحح ما عندهم من أخطاء، ويقيهم من شرور الفتن المحدقة بهم فهذا لا شك أن الخلطة في حقه أفضل، وكثير من الناس بل عامة الناس سجال تأثيره وتأثره على حد سواء فالعزلة حينئذٍ أفضل؛ لأن أهم ما على الإنسان نجاة نفسه، فينجو بنفسه قبل أن يسعى في نجاة غيره، بعض الناس يعرض نفسه لأمور وفتن بحجة أنه يخالط الناس، وينصحهم، ويدعوهم، نية خير إن شاء الله، لكن يدرس الموضوع لا سيما في أوقات الفتن، التي تخفى فيها الأمور على عموم الناس، العالم الذي يستطيع أن يوجه الناس، ويقيهم شر هذه الفتن يتعين عليه، بخلاف غيره ممن يخشى عليه من التأثر.
"وعن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته، قال ذات يوم في خطبته".
يعني مما قال، وإلا فالأصل أنه يبدأ الخطبة بالحمد، ثم يقول: أما بعد، فإن كذا وكذا، لكن قال في أثناء الخطبة: «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم، ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم»، هذه وظيفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومن قبله من الرسل، تعليم الناس، وتوجيه الناس، وتبليغ الدين للناس، وبيان ما ينفعهم، وحثهم عليه، وبيان ما يضرهم، وتحذيرهم منه، فلا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه -عليه الصلاة والسلام-.
«ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا»، يومي هذا أمرني أن أعلمكم مما علمني، وعلى من علم شيئًا أن يعلمه للناس، من علم شيئًا عليه أن يعلمه الناس، وعليه أن يبين للناس، ولا يكتم، إذا كان لديه علم، أما من لا علم له فلا يجوز له أن يتصدى للتعليم وهو جاهل.
«كل مال نَحَلْتُه عبدًا حلال» له، هذا من كلام من؟
كل مالٍ نحلته عبدًا يعني حلال له يعني أعطيته، وكذلك السلطان إذا أعطى أحدًا من المسلمين من غير استشراف ولا طلب جاءه من السلطان من بيت المال من غير طلب ولا استشراف فهو حلال له يأخذه، وجاء الأمر بأخذه، وكان عمر -رضي الله عنه- يضرب من لا يأخذ، وجاء في ثنايا الأحاديث في صحيح مسلم: «إلا أن يكون ثمنًا لدينك فلا»، إذا كان هذا المال تساوم به على مسائل دينية وأعمال دينية أو أشياء دينية تتنازل عليها فلا، أما ما عدا ذلك فلا شيء، وتورّع بعض السلف عن ذلك، وأخذ كثيرٌ منهم من الصحابة ومن غيرهم، يأخذه، والأحاديث صحيحة صريحة في هذا، ما فيها إشكال، كل عبد، كل مال نحلته عبدًا حلال هذه الجملة من كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو من كلام الله -جل وعلا-؟
لأن الجملة التي تليها من كلام الله، «ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتهم مما علمني يومي هذا» هذا من كلام من؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
«كل مال نحلته عبدًا حلال» لو أن أحدًا جاء يشك أن المال الذي يأتيه من الله -جل وعلا- يشك فيه؟
لا، لكن الذي يأتي من ولي الأمر وفي مقدمتهم ورأسهم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إذا أعطاك شيئًا خذ، وخلفاؤه من بعده كذلك، كل مال نحلته عبدًا حلال، فالمتجه أنها من كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والسياق يدل على ذلك، «وإني خلقت عبادي حنفاء» هذه من كلام الله -جل وعلا-، فالخالق هو الله -جل وعلا-.
«وإني خلقت عبادي حنفاء» على ملة إبراهيم على التوحيد، على الجادة، مائلين عن الشرك إلى التوحيد، «كلهم وإنهم أتتهم الشياطين»، «إني خلقت عبادي حنفاء» يعني على الفطرة، مسلمين على الفطرة، في الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، «وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم» يعني حرفتهم وصرفتهم، «عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم»، حرمت عليهم ما أحللت لهم، من المأكول وغيره، واليهود ومن بعدهم مشركو العرب حرموا أشياء مما يؤكل، وهذا مما يدخل دخولاً أوليًّا في هذا الحديث: «وحرمت عليهم ما أحللت لهم»، ورؤوس بعض الطوائف المبتدعة ممن قُلِّدوا بغير علم مع الغلو عندهم تجد أتباعهم يثقون بهم في كل شيء، حرموا عليهم الحلال فحرموه، وأحلوا لهم الحلال، وحلوا لهم الحرام، حلوا لهم فأحلوه، وهذه هي العبادة، {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]، قال عدي بن حاتم: ما عبدناهم، قال: «ألم يحرموا ما أحل الله فتحرمونه، ويحلوا ما حرم الله فتحلونه؟» تحلونه؟ قال: بلى، قال: «فتلك إذًا عبادتهم» تلك عبادتهم، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، هذه عبادة هي العبادة الحقيقية، موافقتهم على تحريم الحلال وتحليل الحرام هذه هي العبادة كما في حديث عدي، «وحرَّمت ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي وأمرتهم أن يشركوا بي» هؤلاء الشياطين سواء كانوا من شياطين الإنس أو من شياطين الجن أمروا الناس بالشرك فأشركوا، وهذا معروف على مر التاريخ من زمن قوم نوح حين بدأ الشرك إلى قيام الساعة، «أن يشركوا بي ما لم أنزله به سلطانًا» يعني فأشركوا.
«وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم»، «نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب»، يعني قبل بعثته -عليه الصلاة والسلام- ما فيه على التوحيد إلا ندع، مقتهم يعني اشتد غضبه عليهم؛ لأن المقت أشد البغض والغضب، وفيه إثبات صفة المقت لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب الذين لم يدخلوا في تحريف الكتب، وثبتوا على اتباع ما من أُرسِل إليهم موسى وعيسى وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل، ولزموا الكتب المنزلة عليهم كما أُنزلت من غير تحريف إلا بقايا من أهل الكتاب يعني لم يحرفوا.
قال: «إني بعثتك» يعني يا محمد بعثتك؛ «لأبتليك» بهؤلاء القوم، هل تصبر عليهم وتحرص على تبليغهم ما أنزلت إليك؟ «وأبتلي بك» يبتلي هؤلاء القوم الذين بُعِث فيهم يبتليه بهم -عليه الصلاة والسلام-، وكان منه الصبر والاحتساب وبذل الوسع في نصحهم وتوجيههم، وأسلم منهم من أسلم في أول الأمر، ثم تتابع الناس في الدخول في الدين، وحصل بينهم وبينه ما حصل من من الغزو والجهاد، حتى دخل الناس في دين الله أفواجًا، «لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء» لا يغسله الماء، الكتب السابقة يغسلها الماء، لماذا؟
لأنها لا تحفَظ، وكتابنا يحفَظ في الصدور فلا يصل إليه الماء، ليس معناه لو أن إنسانًا جاء بمصحف وكتبه بالمداد المعروف وعرضه على الماء ما يغسل، الكتاب محفوظ إلى أن يرفَع في آخر الزمان، لا يغسله الماء موجود، لكن الكتب السابقة لا تحفَظ، بل لم يتكفل الله -جل وعلا- بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، وأولئك استحفظوا على كتبهم فلم يحفظوها، بل حرفوها، وبدلوها، وغيروها.
والقصة التي تذكَر عن يحيى بن أكثم أنه جاءه يهودي فدعاه القاضي يحيى إلى الإسلام فلم يستجب، ثم ذهب وبعد سنة جاء فأسلم، وسأله عن السبب قال: السبب أنني نسخت نسخًا من التوراة فقدمت فيها وأخرت وزدت ونقصت فعرضته على سوق اليهود فتخطفوها من يدي وأخذوا يقرؤونها ويعملون بها، ثم أخذت أو نسخت نسخًا من الإنجيل كذلك، قدمت وأخرت وزدت ونقصت فأخذها النصارى وعملوا بها، فنسخت القرآن وزدت حرف حرفًا أو حرفين وتصرفت تصرف يسير لا يدركه إلا الحاذق من الحفاظ، فعرضتها في سوق المسلمين فأول شخص نظر فيه رماه في وجهي، فأسلمت، يقول يحيى بن أكثم: فحججت فالتقيت سفيان بن عيينة وذكرت له القصة فقال: هذا في القرآن هذا، ما يحتاج إلى تدليل ولا تعليل، قرآننا محفوظ تكفل الله بحفظه، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وأما كتب من قبلنا فوُكلوا فوُكل حفظها إليهم، استحفظوا فلم يحفظوها ما تكفل الله بحفظها، «وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء» لأن الماء لا يصل إلى ما في الصدور، وجاء في وصف هذه الأمة أناجيلها في صدورها، أناجيلها يعني كتبها القرآن في صدورهم، «تقرؤه قائمًا ويقظان» يعني تقرؤه على كل حال، قائم قاعد، وعلى جمبك، وعلى جميع الأحوال إلا في حال الجنابة فهو ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] بينما الأمم السابقة لا يستطيعون أن يقرؤوا إلا من خلال الكتب التي عندهم، بعضهم يقول: مثل الحافظ مثل من زاده التمر التمر يحتاج إلى إعداد؟ مد إيدك وخذ تمرة وكلها، وغير الحافظ مثله مثل من زاده الطعام، البرّ وغيره، يحتاج إلى طبخ ويحتاج إلى غسل ويحتاج إلى إعداد يحتاج إلى مراحل، فأنت تحتاج إلى ما حفظت تحتاج أن تتوضأ وتحتاج إلى نور كهرباء أو نور النهار، وتحتاج إلى أمور تحتاج إلى وقت وتعب أحيانًا، وأنت حافظ في فراشك في ظلام في قيام في قعود في كذا تقرأ، «وإن الله أمرني» «تقرؤه قائمًا ويقظان» القائم ضده قيامًا وقعودًا يعني وقاعدًا، ويقظان ضده النائم؟ النائم ما يقرأ القرآن، أحيانًا تأتي بعض الألفاظ ولا يراد بها ما يرادفها، مثل: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» قالوا: إن الشمس تنكسف لموت فلان، فجاء النفي لكن ما قالوا إن الشمس تنكسف لحياة فلان، ما في أحد يقول هذا، ولا قاله أحد لكن من تمام المقابلة اللفظية، «وإن الله أمرني، وإن الله أمرني أن أحرِّق قريشًا»؛ لأنهم بالغوا في العناد والعنت، والأذى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله عالم بما يؤول إليه الحال، لكن لإظهار شرفه -عليه الصلاة والسلام-، ومنزلته، لو أن واحدًا عاديًّا حرّق ما دام آذوه، «وإن الله أمرني أن أحرّق قريشًا، فقلت: ربي إذًا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة»، خاف على نفسه منهم، وإن كان في دعائه في يوم بدر: «إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض»، همه أن يعبَد الله -جل وعلا-، إذًا يثلغوا رأسي يشدخوه، ويهشموه ويكسروه، فيدعوه خبزة، قال: «استخرجهم كما أخرجوك»، يعني أخرجهم من مكة كما أخرجوك منها.
«واغزهم نغزك» يعني ننصرك عليهم، إذا غزوتهم نصرناك عليهم، «وأنفق فسننفق عليك» وأنفق فسننفق عليك، المنفق موعود بالخلف، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثلك مثله يعني الله -جل وعلا- يمده بالملائكة، كما جاء في كلامه -جل وعلا-، «وقاتل بمن أطاعك من عصاك».
كم بقي على الوقت؟ كم بقي؟
طالب:...
ما معي أحد؟
كم بقي يا إخوان؟
وقاتل بمن أطاعك من عصاك، الجيش المكوَّن بالمسلمين المطيعين هم الذين يغزو بهم، وضدهم وخلافهم بمن عصاك المعصية التامة بالشرك ونحوه، أو بما يقرب من الشرك من المعاصي الكبار والفواحش والبدع العظيمة، هؤلاء في الغالب أن من يصحبهم لا ينصَر إلا بما أطاع، والاستعانة بالطاعة والعبادة على غزو الكفار، ولذا جاء في وصايا الخلفاء: لا تكن عونًا لأعدائك عليك، يعني بأي شيء؟
بالمعصية، لا تكن عونًا لأعدائك عليك، يعني عليكم بطاعة الله -جل وعلا-، وخلاف المعصية التي تعين العدو على المسلمين، والله المستعان.
قال: «وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان».