شرح الموطأ - كتاب العقول (6)
نعم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: ليس على العاقلة عقل في قتل العمد، إنما عليهم عقل قتل الخطأ.
وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العبد إلا أن يشاءوا ذلك.
وحدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك.
قال مالك: إن ابن شهاب قال: مضت السنة في قتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن الدية تكون على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها.
قال مالك: والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعداً، فما بلغ الثلث فهو على العاقلة، وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة.
قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد أو في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا، وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة، إن وجد له مال، فإن لم يوجد له مال كان ديناً عليه، وليس على العاقلة منه شيئاً إلا أن يشاءوا.
قال مالك: ولا تعقل العاقلة أحداً أصاب نفسه عمداً أو خطأ بشيء، وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا، ولم أسمع أن أحداً ضمن العاقلة من دية العمد شيئاً، ومما يعرف به ذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [(178) سورة البقرة] وتفسير ذلك فيما نرى -والله أعلم- أنه من أعطي من أخيه شيء من العقل فليتبعه بالمعروف، وليؤد إليه بإحسان.
قال مالك في الصبي الذي لا مال له، والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث: إنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة، إن كان لهما مال أخذ منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه ليس على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي، وليس ذلك عليه.
قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كانت فيه القيمة يوم يقتل، ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئاً قل أو كثر، وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغاً ما بلغ، وإن كانت قيمة العبد الدية، أو أكثر فذلك عليه في ماله، وذلك لأن العبد سلعة من السلع.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. تقدم الكلام عن العقل وهو الدية، وأنه في قتل الخطأ إنما هو على العاقلة؛ لأن المخطئ مرفوع عنه الإثم، وقد ابتلي بهذه المصيبة من غير قصد منه، فإعانته حق، وجاء بها الشرع، لكن المتعمد لسفك الدم فإنه لا يعان، وتحميل غيره الدية في هذه الحالة لا شك أنه إعانة له على أن يستمر في جناياته، وأنه كلما قتل عمداً دُفعت التبعات من غيره، فمثل هذا الدية عليه، بالغة ما بلغت.
يقول:
باب: ما يوجب العقل على الرجل في خاصة ماله
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: ليس على العاقلة عقل في قتل العمد، إنما عليهم عقل قتل الخطأ" ومثل ما ذكرنا أن المخطئ ما قصد هذه الجناية، وإنما ابتلي بها ابتلاء، فزهقت بسببها نفس غير مقصودة، فيعان على هذا.
"وحدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب أنه قال: مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد إلا أن يشاءوا ذلك" يعني إذا تبرعوا له بشيء بطيب نفسه منه، فإن الأمر إليهم، لا يمنعون من هذا، لكنهم لا يلزمون.
"حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد مثل ذلك.
قال مالك أن ابن شهاب قال: مضت السنة بقتل العمد حين يعفو أولياء المقتول أن تكون الدية على القاتل في ماله خاصة إلا أن تعينه العاقلة عن طيب نفس منها" وهذا أيضاً واضح.
"قال مالك: والأمر عندنا أن الدية لا تجب على العاقلة حتى تبلغ الثلث فصاعداً" يعني ولو كانت خطأ، لا تكون على العاقلة فيما دون الثلث؛ لأن هذا لا يجحف بماله، مثل ما تجحف الدية الكاملة، أو نصفها، أو ثلثها، فما بلغ الثلث فهو على العاقلة "وما كان دون الثلث فهو في مال الجارح خاصة".
"قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا فيمن قبلت منه الدية في قتل العمد في شيء من الجراح التي فيها القصاص أن عقل ذلك لا يكون على العاقلة إلا أن يشاءوا" هذا كله تأييد لما تقدم، وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة، إن وجد له مال، يعني إذا عدلوا أولياء المجني عليه بقتل العمد، إن عدلوا إلى الدية، هل مع الدية كفارة أو ليس فيها كفارة؟ نعم؟ منهم من يقول: فيه كفارة من باب أولى، ومنهم من يقول: هو أعظم من أن يكفر كاليمين الغموس، هو أعظم من أن يكفر ولم يذكر فيه كفارة بالنص، وإنما الكفارة في قتل الخطأ، ومن يقول بوجوب الكفارة عليه يقول: هو من باب قياس الأولى، إذا وجبت الكفارة على القاتل خطأ فلئن تجب على القاتل عمداً من باب أولى.
"وإنما عقل ذلك في مال القاتل أو الجارح خاصة إن وجد له مال، فإن لم يوجد مال كان ديناً عليه، وليس على العاقلة منه شيئاً إلا أن يشاءوا" على ما تقدم.
"قال مالك: ولا تعقل العاقلة أحداً أصاب نفسه عمداً أو خطأ بشيء" لأنه هو الجاني على نفسه، وليس فيه دية، لم يجب عليه دية حتى يعان بها، هذا في حال الخطأ، أما في حال العمد فهو أبعد إذا جنى على نفسه، وعلى ذلك رأي أهل الفقه عندنا، ولم أسمع أن أحداً ضمن العاقلة من دية العمد شيئاً، ومما يعرف به ذلك أن الله -تبارك وتعالى- قال في كتابه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [(178) سورة البقرة] يعني عفي له من القصاص شيء، وعدل عن القصاص إلى الدية، فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، يعني عليه أن يتبع بالمعروف، وأن يؤدي بإحسان.
"فتفسير ذلك فيما نرى -والله أعلم- أنه من أعطي من أخيه من العقل فليتعبه بالمعروف، وليؤد إليه بإحسان.
"قال مالك في الصبي الذي لا مال، والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث" أما الصبي فعمده خطأ، وأما المرأة فهي مكلفة عمدها عمد، وخطأها خطأ "في الصبي الذي لا مال، والمرأة التي لا مال لها إذا جنى أحدهما جناية دون الثلث أنه ضامن على الصبي والمرأة في مالهما خاصة" يعني إنما يؤخذ من أموالهم، يعني إن كانت لهم أموال "إن كان لهما مال أخذ منه، وإلا فجناية كل واحد منهما دين عليه" حتى يجد ما يدفع "ليس على العاقلة منه شيء، ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي، وليس ذلك عليه" إنما يؤخذ من ماله إذا كان وليه في المال فإنه يدفع العقل من ماله فقط، ولا يكلف الأب أن يدفع جناية ابنه، قد يقول قائل: إن الأب قد يفرط في حفظ ابنه، وفي تربية ابنه، فعليه كفل من جريمته، على كل حال الولد غير مكلف، فإن كان له أخذ منه، وإن لم يكن له مال انتظر به حتى يجتمع المال، نعم؟
طالب:.......
إيه، من ماله، من مال الابن.
"ولا يؤخذ أبو الصبي بعقل جناية الصبي وليس ذلك عليه" منهم من يقول: ما دام ما حفظه، ولا رباه التربية التي يتقي بها أموال الناس يتحمل، نعم مثل ما قيل في المحرم وسفره بموليته إذا زنت وهي بكر، كيف يكلف أن يسافر معها؟ يكلف لأنه فرط في حفظها، فعليه كفل من ذلك.
"قال مالك: الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أن العبد إذا قتل كان فيه القيمة يوم قتل" ما يقول: والله أنا شاريه بمائة ألف، نقول له: كم يسوى يوم قتل؟ إن كان يستحق خمسين تأخذ خمسين أو العكس "إذا قتل كانت فيه القيمة يوم قتل، ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئاً قل أو كثر" لأنها ليست بدية، والدية على العاقلة، وهذه قيمة وليست بدية، كسائر المتلفات.
"ولا تحمل عاقلة قاتله من قيمة العبد شيئاً قل أو كثر، وإنما ذلك على الذي أصابه في ماله خاصة بالغاً ما بلغ، وإن كانت قيمة العبد الدية أو أكثر فذلك عليه في ماله، وذلك أن العبد سلعة من السلع" يعني كما لو اعتدى على أي سلعة، وفيها القيمة وليس فيها الدية، ومعلوم أن الذي تحمله العاقلة هو الدية لا القيمة، والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:.......
القتل العمد أعظم من أن يكفر كاليمين الغموس...