كتاب النكاح من المحرر في الحديث - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،
ففي آخر حديث في الدرس الماضي حديث "أنس -رضي الله عنه- قال كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا ويقول: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم، إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة»" الحديث، انتهينا من شرحه، وبقي تخريجه، يقول: "رواه الإمام أحمد وسمويه وابن حبان" الإمام أحمد الإمام العلم المشهور إمام أهل السنة، ومسنده أشهر من أن يعرَّف به، وسمويه له فوائد، له فوائد معروفة ومشهورة بين أهل العلم ويخرج منها، واعتمد عليها كثير من أهل العلم، وخرجوا أحاديث بواسطتها، ممن خرج الحديث المذكور بواسطة سمويه الضياء المقدسي في المختارة التي أثنى عليها شيخ الإسلام ابن تيمية المختارة للضياء المقدسي، فيها أحاديث زوائد صحيحة، ومنزلتها مثل منزلة صحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم وغيره؛ لأنها أحاديث مختارة ومنتقاة، وقد يقول قائل: إنك أشرت بالأمس أن بعض الناس يحب الإغراب، وتجده يتتبع الأحاديث من الفوائد والأجزاء، ويترك الأصول، والمؤلف هو إمام من أئمة الحديث، إمام كبير ابن عبد الهادي في هذا الشأن ليس بالإنسان العادي أو السهل يخرج من سمويه، كلامنا ينصب فيمن يتتبع الأجزاء والفوائد، ويترك الأصول.
تجد بعضهم يعنى بجزء بيبي أو جزء ألف دينار أو جزء كذا أو كذا، ولو سألته عن شيء في الصحيحين ما عرفه، هذا الذي يلام، أما من خرَّج حديثًا فلم يجده في الأصول، ووجده في بعض الفوائد والأجزاء هذه مصادر تروي الأحاديث بالأسانيد إغفالها ليس بوارد، لكن العناية بها أكثر من العناية بالصحيحين أو السنن هذا الذي يلام صاحبه، ولذلكم ابن عبد الهادي خرَّج الأحاديث من مسند الإمام أو من الأصول المشهورة المعتبرة، وخرَّجه أيضًا من سمويه؛ لتقدمه على ابن حبان، سمويه متوفًّى سنة سبع وستين ومئتين، ابن حبان بعد الثلاثمائة، فهو مقدم عليه، وإن كان صحيح ابن حبان أشهر، والعناية به أكثر من أهل العلم، لكن الحديث إذا وجد في الأصول لم نتتبع الفروع، حتى إن بعضهم يكتفي بالصحيحين ولو وجد في السنن الأربعة ومسند أحمد وغيره لا يلتفت إليها، يكفي الصحيحان ويقول: حديث متفق عليه، وهو عند الأئمة.
الآن مر بنا عشرات الأحاديث متفق عليها وموجودة في السنن هل هذا إغفال للسنن؟
لا، من باب الاكتفاء، ولو ذهب الإنسان يتتبع التخريج في كل مصادر التخريج لضاقت البيوت بالكتب، الآن نجد تخريج بعض المحققين يخرِّج الحديث الواحد في خمس صفحات، ست صفحات وهو يحقق كتابًا، وليس المقصود بذلك الرسائل العلمية التي بمثابة ورقة اختبار، لا، الطالب لا بد أن يأتي بكل ما يستطيع في الرسائل العلمية، لكن يحقق كتابًا، ويخرج مثل هذا الكتاب إذا وجد الكتاب في الصحيحين اكتفي بهما، إذا لم يوجد في الصحيحين فالمسند مع السنن الأربعة بركة، إلا إذا كان يحتاج إلى ترقية، ويوجد ترقية في غيرها من الكتب فإنا نحتاج إلى ذكر هذه الطرق، يعني بقدر الحاجة، كما أن الإعلال عند أهل العلم لا يكون بتتبع جميع العلل، إنما بذكر أقوى هذه العلل، لو تتبعوا جميع العلل لضاقت البيوت بالكتب، كما أشرنا الحديث يكون فيه عشرة علل، وفيه علة واحدة قاضية تنهيه، تكفي؛ لأن القصد إما الإثبات أو النفي، التصحيح أو التضعيف، هذا المقصود، فإذا لم نستطع الترقية لهذا الحديث إلا بتتبع جميع طرقه وأسانيده فلنفعل؛ لأن هذا يجب علينا، هذا واجب؛ لئلا نضيع شيئًا من سنة نبينا -عليه الصلاة والسلام-.
ولا يجوز للأمة مجتمعة أن تفرط في شيء من دينها، وإذا ثبت الخبر يكتفى بالقدر المجزي الكافي، والعبرة في ذلك والحجة له أن حديث «إنما الأعمال بالنيات» خطب به النبي -عليه الصلاة والسلام- على المنبر بحضرة الصحابة فمن نقله منهم؟
عمر فقط، عمر بن الخطاب، فإذا ثبت الخبر بطريق ملزِم تثبت به الحجة فلا نحتاج إلى أن نورد جميع الطرق والأسانيد.
"رواه الإمام أحمد وسَمَوَيْه وابن حبان" قرأها القارئ أمس سمُّوْيَه هو مما ختم بوَيْه كسيبوَيْه ونفطوَيْه وراهوَيْه وسموَيْه كثير مما ختم بوَيْه، وهذه هي الجادة عند أهل اللغة، وهم أهل الشأن، وإمام النحاة سيبوَيْه بهذا اللفظ، لكن بعض المحدثين يقول: لا تقل وَيْه راهوْيَه سيبُوْيَه سمُّوْيَه لماذا؟
قالوا: إن وَيْه من أسماء الشيطان، هذا الكلام ليس بصحيح، وليس المرد في ضبط هذا اللفظ إلى أهل الحديث، وإنما إلى أهل هذا الشأن من أهل الضبط اللغوي.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" «تنكح المرأة لأربع»" تنكح المرأة، الذي يدعو الرجال إلى النكاح لمرأة بعينها لإحدى خصال أربع، تنكح لمالها، وهذا مطلب عند كثير من الناس يتزوج المرأة؛ لأن لها مالًا، وتنكح أيضًا لحسبها، الحسب: الشرف والذكر للأسرة أو للأب أو ما أشبه ذلك، بعض الناس يتتبع هذا النوع ليقال: هذا صهر آل فلان، لكن هل من مروءة الرجل أن يبحث عن امرأة تنفع شأنه امرأة من أهل الفن والخنا أجري معها مقابلة وقيل لها: ما شرطك في الزوج؟ قالت: أن يقال: زوجة فلان، ولا يقال: زوج فلانة، هذا الذي يبحث عن الشرف، ولذا جاء التوجيه «فاظفر بذات الدين» الذي هو آخر المطالب في مقاييس الناس الدنيوية.
وتنكح المرأة لمالها، وبعض الناس يتتبع هذا النوع من النساء، ويبحث عن زوجات الأثرياء إذا توفوا ولو كن كبيرات؛ ليستغل إرثها ومالها، وبعض الناس يتتبع الحسب والشرف، وجاء تفسير الحسب في حديث بأنه المال، وهو إن صح تفسيره بالمال في الجملة، لكنه لا يصح تفسيره هنا بالمال، لماذا؟
لذكر المال في الحديث، فدل على أنه غيره: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، أظن هذا يتفق عليه أكثر الناس، الجمال مطلب، الجمال مطلب، ومطلب مؤثِّر، ولا يلام أن يبحث عنه، لكنه لا يقدَّم على الدين، «ولجمالها، ولدينها»، وهذا هو الأهم، وإن كان آخر ما ينظر إليه في مقاييس الناس.
«ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، عليك الاهتمام بهذه الخصلة، فينبغي أن ينصب الاهتمام بالدرجة الأولى على الدين، وإن جاء معها غيرها فبها ونعمة، الإنسان قد يتزوج امرأة دميمة لا يحصل بها إعفافه ولا غض بصره، وقد يظلمها، وقد يكون هو بحاجة إلى شيء من المال، فيبحث عن امرأة تساعده على أمور الدنيا، لاسيما إذا كان فقيرًا مثل هذا لا يُلام، والحسب معروف شأنه عند الناس، لكن يبقى أن الوصف المؤثر في الرد هو الدين، الوصف المؤثر في القبول والرد بالدرجة الأولى هو الدين ؛ «فاظفر بذات الدين، تربت يداك».
ذات الدين تحفظك في نفسها، تحفظك في عرضك، تحفظك في مالك، تحفظك في ولدك، تنشئ ولدك على التنشئة الصالحة بحيث تستفيد منه في حياتك أو بعد مماتك، هذه لا يقوم بها إلا ذوات الدين، «فاظفر بذات الدين، تربت يداك»، يعني لصقت يداك في التراب من الفقر، وهذه الكلمة اعتادها العرب أن يقولوا، وإن لم يقصدوا معناها، يعني لا يدعون، لا يدعو الرسول -عليه الصلاة والسلام- عليك بالفقر، لكن هي كلمة تجري على اللسان من غير قصد لمعناها، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حق صفية لما حاضت: «عقرى حلقى، أحابستنا هي؟!» يعني في الحج، وهذا دعاء عليها بأن تعقر، وأن تصاب في حلقها، لكن قالوا: إن هذا مما يجري على اللسان دون قصد ذات الدعاء.
إذا حصل هذا الإغراء بالمرأة الدينة الصينة العفيفة بالنسبة للرجال، وبالمقابل على المرأة أن تبحث عن صاحب الدين، وعلى وليها أن يحتاط لها في هذا الباب؛ لأن صاحب الدين إن أحب أكرم، وإن قلا لم يظلم، كثير من المشاكل التي تحصل في بيوت المسلمين، وما أكثرها في هذه الأيام، ونسب الطلاق التي تعدت في بعض البلدان جاوزت النصف من أعداد المتزوجين سببها عدم التحري والتثبت، أو النظرات والعمل بمقاييس غير شرعية، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويحتاط لولده، ويحتاط لبنته، وهذا هو المقياس الشرعي «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، مع أن الشرع لا يمنع من ملاحظة الأمور التي يطمح إليها الرجال مما ذُكر في الحديث، لكن ينبغي أن ينصب الاهتمام على الدين.
وقال -رحمه الله-: "وعنه -رضي الله عنه-" الحديث السابق "متفق عليه" عند البخاري ومسلم، "وعنه" يعني عن راوي الحديث السابق، وهو أبو هريرة- رضي الله عنه- "أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفأ إنسانًا قد تزوج قال: «بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير»".
رفَّأ يعني دعا له، وكانوا يقولون في الجاهلية للمتزوج: بالرفاه والبنين، والآن يعني يقرب من هذا قول الناس: منك المال، ومنها الولد، وعبارات تشبه هذه العبارات، وهي قريبة مما يقوله أهل الجاهلية، «بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير»، هذا الدعاء النبوي لمن تزوج.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والنسائي في اليوم والليلة، والترمذي وصححه، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، والترمذي وصححه" هذا ما يقال للمتزوج، وأما بالنسبة له فإذا بنى بزوجته ودخل بها يمسك بناصيتها ويقول: اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلت عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه.
ثم قال -رحمه الله-: "وعن أبي الأحوص عن عبد الله" هو ابن مسعود، قال أبو الأحوص اسمه عوف ابن إيش؟
طالب: مالك.
نعم، عوف بن مالك، قُتِل أيام الحجاج، عن أبي الأحوص عن عبد الله هو ابن مسعود "قال: علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة" علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التشهد في الصلاة، وتقدم ذكره، والتشهد في الحاجة، وهو عام في كل حاجة، ومنها النكاح فيه ذكر يقال له خطبة الحاجة قال: إن التشهد في الحاجة يسمى تشهدًا؛ لاشتماله على الحاجة، يسمى تشهدًا؛ لاشتماله على الشهادة، كما أن التحيات لله إلى آخره يقال له: تشهد؛ لاشتماله على الشهادة، "قال: إن التشهد في الحاجة «إن الحمد لله»" بعد ذلك ماذا قال؟
طالب: ..........
ما فيه نحمده؟ النسخ الثانية..
طالب: ...........
يعني ما عندكم نحمده؟
طالب: ..........
الحافظ ابن حجر في البلوغ خرَّج الحديث من نفس المصادر الموجودة هنا، وفيه: «إن الحمد لله نحمده»، وهذا هو المحفوظ «نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له»، «إن الحمد نستعينه ونستغفره» كما أثبت المصنف، لكن في المصادر المذكورة: نحمده، ومنها خرَّج الحافظ ابن حجر الحديث في البلوغ، وقد لا يكون اللفظ موجودًا في بعض المصادر، قد لا تتفق هذه المصادر عليه، لكنه موجود في بعضها.
وهنا مسألة اصطلاحية: إذا وجد لفظ في بعض المصادر دون بعض، وأردنا أن نخرِّج الحديث أو خرَّجناه من جميع هذه المصادر فهل نلفِّق بين الألفاظ، نجمعها مكتملة مجتمعة من المصادر كلها بمجموعها، ثم نعزو الحديث إلى هذه المصادر، أو نذكر القدر المتفق عليه من الألفاظ في هذه المصادر، ونخرِّج منها ونقول: زاد فلان، وزاد فلان، وزاد فلان؟ ولا شك أن هذا أدق.
«إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره»، وفي بعض الألفاظ: «ونستهديه»، لكنها ضعيفة، وفي بعضها: «ونتوب إليه»، «ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»، ويقرأ ثلاث آيات كلها فيها الأمر بالتقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}[سورة النساء:1]، وهذه مناسبة للحال، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102]، والثالثة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [سورة الأحزاب:70]، وفي بعض الروايات زيادات إلى خمس آيات، لكن عندنا في الحديث ويقرأ ثلاث آيات أولها مطلع سورة النساء {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} [سورة النساء:1]، وهي مناسبة للحال، والثانية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران:102]، والثالثة في آخر سورة الأحزاب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [سورة الأحزاب:70].
والتذكير بالتقوى في الآيات الثلاث في هذا المقام موعظة لجميع الأطراف، موعظة للزوج أن يتقي الله في هذه المرأة، وموعظة لولي المرأة ألا يعضل المرأة ويضيق عليها، أو يكلف الزوج شططًا بحيث لا يؤدم بينهما؛ بسبب هذا الشطط، أو يفسدها على زوجها، وموعظة للشهود، وموعظة لجميع الحضور.
"رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وهذا لفظه" هذا لفظ النسائي، "وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن" يعني لو قال: رواه أحمد والأربعة كما هو معروف في اصطلاح أهل العلم، رواه أحمد والأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه هم الأربعة، ولو اختصر أكثر من ذلك وقال: رواه الخمسة لكان جاريًا على الاصطلاح، وأخصر في الكلام، والمراد بالخمسة الإمام أحمد والأئمة الأربعة أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
هذه الخطبة التي تسمى خطبة الحاجة التي قال التشهد في الحاجة هي عامة في كل حاجة، ومن هذه الحوائج النكاح، وجاء التنصيص على النكاح يقال: في النكاح وغيره، فدخوله دخول أولي، وخطبة الحاجة سنة عند عامة أهل العلم، وأوجبها الظاهرية وأبو عَوَانة، وأوجبها الظاهرية وأبو عوانة، أبو عوانة في صحيحه المستخرج على صحيح مسلم يترجِم بأحكام شرعية: باب وجوب خطبة الحاجة، باب وجوب صلاة الكسوف، ويوافق الظاهرية في بعض هذه الأحكام، ولذا النووي ينقل الإجماع مع خلاف الظاهرية وخلاف أبي عوانة أيضًا، نقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، وأوجبها الظاهرية وأبو عوانة، باب وجوب صلاة الكسوف، للأمر بها، «فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا» هذا الأمر الأصل فيه الوجوب، لكن عامة أهل العلم على أنها سنة مؤكدة.
يستشكل بعض طلاب العلم، وهذا بالمناسبة إذا وقعت صلاة الكسوف في وقت الدوام، وأهل العلم يقررون أن صلاة الكسوف سنة، والدوام سنة، أم واجب؟
واجب، فهل يخرج الناس لصلاة الكسوف، أو يقدمون الواجب عليها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ضحى لما كسفت في عهده، فهل نقتدي به -عليه الصلاة والسلام- في أداء هذه الصلاة في وقتها؛ لأنه إذا انجلى الكسوف خلاص انتهى وقتها، ما فيه صلاة، ما تقبل التأجيل، أو نقول: الواجب مقدَّم، وهذا الكلام يشمل علماء عندهم دوام، علماء مفتون وقضاة ودعاة في واجباتهم الوظيفية؟ وسأل عنها كثير منهم في وقتها نترك الدوام، وعندنا مراجعون في المحاكم، ونصلي صلاة الكسوف صلاة طويلة أم نشتغل بالواجب، وعند التعارض معروف أنه يقدم الواجب؟ لكن مثل هذه الأمور الطارئة التي يترتب على تركها تضييع لسنة ظاهرة وشعيرة، وإذا تركها الأخيار والقدوات، فمن باب أولى أن يتركها سائر الناس ولو لم يكن عندهم عذر ولا شأن، لو كان لها شأن لصلاها العلماء، فأفتوا بأن يصلوها في وقت الدوام، ويقدموها على الدوام، وإن كان واجبًا؛ لأن هذه أمور طارئة آنية وقتية تفوت فتُقَدَّم على ما لا يفوت، وهذا من باب الاستطراد وذكر الشيء بالشيء، وهو لا يخلو من فائدة، إن شاء الله تعالى.
والترمذي وقال: حديث حسن يعني إذا اقتصر الترمذي على الحكم بالحسن على الحديث فقد استروح بعض الباحثين من المعاصرين أن كل ما يقول فيه الترمذي: حسن فقط أنه ضعيف، وأقول: ليس هذا بمطرد، وبعضهم يقول: إذا أضاف إلى حسن غريب، إذا أضاف: غريب.
يقول زيادة ونحمده في خطبة الحاجة عند ابن ماجه والدارمي فقط.
على كل حال الحافظ ابن حجر في البلوغ أضافها وعزا الحديث إلى أحمد والأربعة إلى أحمد والأربعة مثل ما عزاه المؤلف عندنا وقلنا: إن هذا من باب التلفيق بين الروايات، ولو اقتصر على ما يتفق عليه الخمسة وقال: زاد فلان، وزاد فلان، لكان أولى.
طالب: .........
ذكر الحاكم مع الترمذي، لكن لا داعي له مادام حسنه الترمذي أقوى من الحاكم.
ثم بعد ذلك قال: "وعن جابر -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا خطب أحدكم المرأة، إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل، إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها»" مقتضى قوله: إذا خطب أنه تقدم بالفعل إلى وليها، وطلب نكاحها، فيرتب النظر بينهما كما هو حاصل الآن وبعضهم يقول: لا، النظر يكون قبل الخطبة؛ لأنه إذا رآها وردها بالتواطؤ وبعد الخطبة فإن هذا يحصل لها شيء من الانكسار، وإذا كان ذلك قبل أن يتقدم إليها، فإذا انصرف ما يحصل شيء من الغضاضة عليها.
وعلى كل حال الفعل إذا خطب الماضي يحتمل أن يراد الفراغ من الفعل إذا خطب وانتهى وتقدم بالفعل وحصل هذا الفعل، أو إذا أراد أو إذا أراد الفعل، وجاءت النصوص بهذا وهذا؛ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [سورة النحل:98] يعني إذا أردت، «إذا دخل أحدكم الخلاء» إذا أراد، والأصل في الماضي أنه الانقضاء من الفعل، والفراغ منه.
وعلى كل حال المسألة مادامت محتملة فلا مانع أن يكون اللقاء مرتبًا بحضور ولي الأمر، وأن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، وأن يكون أمينًا على ما يسمع ويرى، هو مؤتمن؛ لأن بعض الناس لو قيل له: ما نمكنك من رؤية البنت يقول: الشرع «فليفعل»، والله أنت ما أنت مأمون، بعض الناس ما هو مأمون إذا خرج صار يتحدث في المجالس: بنت فلان، وبنت فلان، هذا غير مأمون، هذه أمانة، «فإن استطاع» دليل على أن النظر لازم أو غير لازم؟
طالب: .........
غير لازم؛ لأنه يقول: إن استطاع؛ لأن بعض الآباء يستنكف ويأنف أن يعرف بنته كما يقول ويدعي أنها مثل السلع ينظرها الراغب إن أعجبته وإلا فلا، وهذا إلى وقت قريب في بلادنا من المستحيلات، من المستحيلات، وهو لا شك أن النفوس الأبية يشق عليها مثل هذا، لكن الشرع مقدَّم على كل شيء، الشرع مقدَّم، بعض الآباء لا يحتمل أن يوجد وقت النظرة يترك الأمر إلى بعض الإخوان، إخوان البنت، وكذا يصعب عليه.
المقصود أن الشرع فوق الجميع، هذا أمر مقرر في الشرع، وأدلته صحيحة، ولا إشكال فيها، وجاء الأمر به، وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: «انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»، كم من شخص تزوج في السابق من غير رؤية، ثم ندم ندامة الكُسَعِي، وصار المصير الطلاق، لكن في وقتهم يعني بالمقابل الأمور المتوازنة ما فيه رؤية، ويظهر له شيء ما حسب له حسابًا، لكن ما هناك انفتاح مثل ما هو اليوم، يصبر عليها إلى أن تنتهي الأعمار، وينجبون ذراري، ولو كانت من أقبح النساء؛ لأنه ليس أمامه شيء، ما فيه بديل، ولا ينظر ويظنها من أجمل النساء، أما الآن: انظر فلو كانت من أجمل النساء، وهو صاحب نظر يمينًا ويسارًا، وقنوات، وإرسال للنظر للنساء وكذا، ما يعجبه شيء، لكن مع ذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لجابر: «انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا»، «فإذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل»، ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها، ينظر إلى الوجه الذي هو موضع الجمال قالوا، وينظر إلى اليدين؛ لأنها دليل على امتلاء البدن وعدمه، أنموذج للبدن، اليد أنموذج تدل على ما وراءها، وما عدا ذلك فلا، ومنهم من يقول- وهو قول لا شك أنه مرجوح-: ينظر إلى كل شيء ما عدا السوأة، وبالغ الظاهرية فقالوا: ينظر إليها كما ولدت، هذا القول باطل، لا شك في بطلانه، لا شك في بطلانه، فالحديث يقول: «إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل»، والذي يدعو إلى النكاح الوجه هو محل الجمال، واليدين، توسَّع الناس فيما يدعو إلى النكاح مع زوجاتهم أكثر من السابق، وتفننوا في ذلك، واستوردوا أحوالًا وعادات من غير المسلمين، فلا يدخل في مثل هذا أبدًا الذي ليس من عادات المسلمين لا يدخل، «فإن استطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل».
"قال جابر: فخطبت جارية من بني" من؟
طالب: .........
بالفتح؟
طالب: .........
هو من بني سَلِمة، هو من بني سَلِمة سَلَمِي، والجارية من أين؟ من جماعته أم..؟
طالب: .........
هو سَلَمِي من بني سَلِمة بكسر اللام، وعندكم ضبطه المحقق: سَلَمة.
طالب: .........
فيه شيء، يعني غير المذكور عندنا أنا والله ما راجعت الضبط، ما راجعت.
طالب: .........
ما النسخة التي معك؟
طالب: .........
أين؟
طالب: .........
دار ابن حزم؟
طالب: .........
على كل حال هذا الأمر لا يؤثر سواء كانت من بني سلَمة أو من بني سلِمة، المقصود أنه خطب هذه الجارية يقول: "فكنت أتخبَّأ لها تحت" ماذا؟
طالب: .........
مضبوطة عندك؟
طالب: .........
مضبوطة بإيش؟
طالب: .........
كُرَب؟! لا، عندنا أشد عندنا الكَرْب.
طالب: .........
ماذا عندكم؟
طالب:.........
لا، هين، الباء ما لها علاقة.. كسر الباء؛ لأنها مضاف إليه.
طالب: .........
والله نحن نقول لها: الكَرَب، وهي جمع كَرَبة، وهي أصول.
طالب: .........
نعم، أصول جريد النخل كَرَب، "وكنت أتخبأ لها تحت الكَرَب" يعني بين النخل، بين النخيل يتخبأ لها، وبيَّن لو قدر له أنه في مسجد أو في بيت أو في شيء وراء عمود قريب من هذا. "حتى رأيت منها بعض ما دعاني إلى نكاحها فتزوجتها. رواه الإمام أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود من رواية ابن إسحاق، وهو صدوق، وأبو داود من رواية ابن إسحاق، وهو صدوق". وهو أيضًا مدلس، لكنه صرح بالتحديث في رواية الإمام أحمد، فانتفت تهمة تدليسه، فعلى هذا فالحديث حسن عنده. "داود بن الحصين، وهو من رجال الصحيحين" فالحديث حسن.
هذا أمر للخاطب، هذا أمر للخاطب، وجابر بن عبد الله الذي تزوج هذه الجارية من بني سلمة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال له: «تزوجت بكرًا أم ثيبًا؟» فأجابه بأنه تزوج ثيبًا؛ لأن عنده ثماني أخوات، لا يريد أن يضيف لهن جارية حديثة السن، وهذا من بره بأخواته وحرصه عليهن، وهنا يقول: جارية من بني سلمة، فيه اختلاف الجارية معروفة الصغيرة في الصحيح «هل تزوجت بكرًا أم ثيبًا؟»، وأخبر بأنه تزوج ثيبًا، والسبب بأن عنده ثماني أخوات، ما الجواب؟ فيه جواب؟
طالب: .........
غيرها؟ والله ما أدري..! فيه جواب؟ يعني ثانية تصير؟
طالب: .........
امرأة ثانية، والله تحتاج المسألة إلى نقل.
طالب: .........
لا لا لا.
طالب: .........
والله تحتاج إلى مزيد عناية وبحث.
الحديث الذي يليه: وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى..
طالب: .........
نعم، موجود، وهو من رجال الصحيحين.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بيع بعض".
تقدم مرارًا أن قول الصحابي: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرفوع بالاتفاق، ويبقى أنه هل هو بمنزلة «لا يبع بعضكم على بعض»؟ هذا هو المقرر عند جمع من أهل العلم، وإن قال بعضهم: لا يدل على النهي إلا إذا نقل اللفظ النبوي، واللفظ النبوي منقول في الصحيحين وغيرهما بالنهي الصحيح «لا يبع بعضكم على بيع بعض»، هذا يوجِد البغضاء والشحناء بين المسلمين، لا يبع، "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بعض".
يعني المخالِف في هذه المسألة قالوا: داود الظاهري وبعض المتكلمين أنه لا يدل على النهي، كما أن قوله: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الأمر حتى ينقل اللفظ النبوي، وهذا قول معروف فساده وبطلانه؛ لأن الصحابة حينما يقولون: نهى، ما يتوقع أنهم يسمعون لفظًا لا يدل على النهي ويقولون: نهى؛ لأنهم أعرف الناس بمدلولات الألفاظ الشرعية.
"نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه".
والعلة كذلك توجد بغضاء وشحناء إذا كان النهي عن بيع سلعة طلبها أخوك أو شراء سلعة بيعت عليه، ثم تقدمت عليه يوجد من البغضاء والشحناء، فكيف إذا تقدمت إلى خطبة امرأة وقع نظره عليها، ووقر حبها في قلبه؟ هذا أشد بلا شك.
"ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب" يعدل، يترك الخاطب، يخطب امرأة أخرى، وإذا تركها فإن لغيره أن يخطبها، "حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب"، إما أن يترك، أو يُرَدّ من قِبَل المرأة أو وليها إذا ردّوه أحيانًا يُرَدّ الإنسان، وتبقى هناك محاولات لإقناعهم، فمثل هذا ينتظر حتى تنتهي هذه المحاولات، ولا يتقدم الناس ويحاولون، هذا إذا علم بالخطبة، أما إذا ما علم فهو معذور، إذا لم يعلم فهو معذور؛ لأن التأثيم منوط بالعلم، "حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" يقول: خلاص، إن كنت تريد هذه المرأة فأنا أتنازل؛ لأن ما في النفس يزول بهذه الطريقة، ما يبقى في النفس شيء.
وقال: "متفق عليه، واللفظ للبخاري"، والذي يخطب على خطبة أخيه، ويبيع على بيع أخيه آثم؛ لأنه خالف هذا النهي، لكن هل يصح العقد في البيع أو في النكاح أو لا يصح؟ محل خلاف بين أهل العلم، من صحح العقد وهم الأكثر قالوا: النهي عائد إلى أمر خارج عن الذات والشرط، ومن قال: إن العقد باطل قال: إن هذا خالف النهي الصريح، وكل مخالفة، وكل عقد يشتمل على مخالفة فإنه يكون باطلاً، وهذه قاعدة الظاهرية، والجمهور على أن العقد صحيح مع الإثم، مع الإثم.
كم بقي؟
طالب: .........
لأن حديث سهل طويل.. عندك سؤال؟ معك سؤال من أمس؟