شرح كتاب الأربعين النووية (05) - حديث: ((إبطال المنكرات والبدع))
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأربعون النووية (5)
حديث: (( إبطال المنكرات والبدع))
الشيخ / عبد الكريم الخضير
بسم الله الرحمن الرحيم
حديث: (( إبطال المنكرات والبدع))
قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى-: وعن أم المؤمنين، أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الخامس: "عن أم المؤمنين"، هذا لقب، أو كنية لأمهات المؤمنين زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- اللواتي دخل بهنّ، لا من عقد عليها ولم يدخل بها، ولا من خطبها ولم يعقد عليها، إنما أزواجه اللواتي دخل بهن هن أمهات المؤمنين. وهل هن أمهات للمؤمنات؟ فيه خلاف، وقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "إنا أمهات للمؤمنين، ولسنا بأمهات للمؤمنات" لكنه ضعيف. والصواب أنهن أمهات للمؤمنين والمؤمناتُ تبع, يعني النساء يدخلن في خطاب الرجل، ومريم كانت من القانتين، فهن داخلات في المؤمنين. وهل يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام- أبو المؤمنين؟ أيضاً خلاف. قال الله -تعالى-: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [(40) سورة الأحزاب]، ولكن المقصود بذلك أبوة التبني بعد إلغائه، وأما في الاحترام والتعظيم والتقدير فهذا ثابت له، كما جاء في بعض الأحاديث: ((وأنا كالوالد لكم)).
"أم عبد الله عائشة -رضي الله عنها-", عائشة -رضي الله عنها- لم يولد لها، وإن قال بعضهم: "إنها أسقطت"، لكن لم يثبت ذلك وليس لها ولد. وأولاده -عليه الصلاة والسلام- كلهم من خديجة، وإبراهيم من مارية القبطية، وكنية أم المؤمنين بأم عبد الله بولد أختها عبد الله بن الزبير, كناها به النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))"، ((من أحدث)) يعني ابتدع، اخترع شيئاً لم تسبق له شرعية، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة فهذا محدِث هذا مبتدِع. فالإحداث والابتداع في الدين، هو ابتداع واختراع ما لم تسبق له شرعية من كتاب ولا سنة.
((في أمرنا هذا)) يعني في الدين لا في أمور الدنيا، فأمور الدنيا لا يدخلها الابتداع، إنما الابتداع خاص بأمور الدين التي يتعبد بها. ((ما ليس منه))، يعني ما ليس من ديننا الذي دل عليه الدليل من الكتاب، أو السنة، أو شملته القواعد العامة التي أخذت واستنبطت من النصوص، ((فهو رد)) رد مصدر يعني مردود. المصدر يأتي ويراد به اسم المفعول كالحمل يراد به المحمول، فكل من عمل شيئاً مما يتعبد به، ويتقرب به إلى الله -جل وعلا- فهو مردود عليه وهو آثم به.
الرواية الأولى خاصة بمن يبتدئ العمل، والراوية الثانية -رواية مسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))- يشمل العمل ولو سبق إليه. فالرواية الأولى في رؤوس البدع الذين يخترعونها، والرواية الثانية شاملة لهم ولأتباعهم. فالذي يعمل البدعة المتوارثة من قرون ويقول: "ما أحدثت"، عند شيوخنا، أو في كتبهم يعملون به من غير نكير، فيقول: "أنا ما أحدثت فلا أدخل في الحديث". نقول: تدخل في الرواية الأخرى: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، ومقتضى الحديث ذم البدع كبيرها وصغيرها، والبدع أنواع:
منها: البدع المغلظة.
منها: البدع المكفرة المخرجة عن الملة.
ومنها: البدع الغليظة الكبرى وإن كانت لا تخرج عن الملة.
ومنها: البدع الصغرى.
وقد بينها الحافظ الذهبي في أوائل كتاب: "الميزان في ترجمة أبان بن تغلب" ذكر البدع الكبرى والبدع الصغرى.
فهذا الذي أحدث في الدين ما ليس منه فهو مبتدع، والبدع شر من الذنوب والمعاصي التي يعترف مرتكبها بالمخالفة؛ لأن هذا المبتدع يتدين بهذا، ويظن أنه يحسن صنعاً ومع ذلك هو خاسر عامل ناصب، عامل في الدنيا وخاسر في الآخرة -نسأل الله العافية-.
فعلى المسلم لا سيما طالب العلم الذي يعرف من النصوص ما يغنيه مما صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يبتعد عن هذه البدع والمبتدعات، وألا يتعبد الله إلا بما شرع. هذا مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله: طاعته بما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ويوصي سلف هذه الأمة العمل بالأثر، والاقتصار على الخبر, كما ورد عن بعض السلف: "من استطاع منكم أن لا يحك رأسه إلا بأثر فليفعل"، و "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع"، والدين -ولله الحمد- أُكْمِل في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس بحاجة إلى مزيد, قال الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة]، فالذي يبتدع في دين الله ما ليس منه لازمُ بدعتِهِ أنه يرى أن الدين ناقص، وهو يكمله بهذه البدعة.
ولا شك أن الابتداع كما هو نقص في الدين نقص في العقل، إذ كيف يشعر المرء نفسه بما لا يعود عليه نفعه في دنياه ولا في آخرته؟ ولا شك أن الاشتغال بالبدع على حساب السنن، فما أحيت بدعة إلا على حساب سنة. ولو جرب ذلك بنفسك فإذا اشتغلت بذكر لا أصل له، أو دليله ضعيف لا يثبت به، أُشْغِلتَ عن الذكر الصحيح, وإذا أردت أن تحفظ ذكراً صحيحاً سوف يصعب عليك جداً أن تحفظ من الأذكار الصحيحة وأنت مشتغل بالأذكار التي لا أصل لها, وحاول أن تعمل عملاً ثبت بالدليل الصحيح وأنت منشغل بعمل بما لا يثبت دليله. ولا شك أن هذا على حساب هذا، وكل ما بعد الإنسان على العمل الصحيح الثابت في الكتاب والسنة لا شك أنه يشغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه في الدنيا ولا في الآخرة، وكما يقال: النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، ولا شك أن بعض الناس عندهم ميول إلى التعبد، فمثل هؤلاء عليهم أن ينشغلوا بما ثبت على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
تجدون في أقطار الأرض من يتعبد بأمور يعرف الصبيان والجهال أنها باطلة، فكيف خفيت عليهم؟ لأنهم عملوا بأمور أخف منها لكنها لا أصل لها، ثم عوقبوا بما هو أشد منها، ثم عوقبوا بما هو أشد منها إلى أن وقعوا في المضحكات. يذكر في طبقات الشعراني وغيره، وكرامات الأولياء المزعومة التي ألفها النبهاني والنابلسي وغيرهما يذكرون أشياء لا يفعلها ولا المجانين ممن تعتقد فيه الولاية، وأما بالنسبة لما تفوهوا به من أقوال فشيء لا يخطر على البال، فيذكر عن بشر المريسي أنه يقول في سجوده: "سبحان ربي الأسفل" -نسأل الله العافية-. هذه البدع يجر بعضها إلى بعض، يعني مجرد ما تفارق الأدلة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شيئا يسيرا، لا شك أنك تستدرج إلى ما هو أعظم من ذلك.
ابن عربي يقول: "ألا بذكر الله تزداد الذنوب، وتنطمس البصائر والقلوب"، الله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد]، وهذا يقول: "ألا بذكر الله تزداد الذنوب...". هذا كله سببه التساهل في أول الأمر. فليكن الإنسان حازماً في أمره، مقتدياً بنبيه -عليه الصلاة والسلام-، لا يفعل أي عمل يتدين به إلا بنص، ثم يبحث عن هذا النص هل يثبت أو لا يثبت؛ لأن المبتدعة عندهم نصوص لكنها ضعيفة أو باطلة، فتجدهم ينشغلون بها، ويحرمون بركة العلم النافع والعمل الصالح فتجدهم من أجهل الناس بالعلم، ومن أضلهم في العمل. والمؤلفات في طبقاتهم، وطبقات من يدعى لهم الولاية كثيرة، وتجدون أشياء يعني في بعض كتب الطبقات, وقفت على كلام لأحدهم، يقول: "وكان -رضي الله عنه- مرتكباً لجميع المحرمات، لم يصم لله يوماً قط، ولم يسجد لله سجدة"، هل هذا الكلام يقوله عاقل؟ حتى صاحب النسخة الأول -جزاه الله خيراً- قال: "إذا كان هذا (رضي الله عنه) فلعنة الله على من؟".
هذا ضلال، وشيء ما يخطر على البال، وربما الإخوان الذين وفدوا، الذين جاؤوا من الآفاق يمكن اطلعوا على أكثر مما نقول، وأكثر مما نعرف من واقعهم العملي، يعني ديدنهم الرقص والغناء، بعضهم عراة -نسأل الله العافية- كل هذا سببه شؤم المخالفة. وقد تبدأ هذه المخالفة بشيء يسير ثم يعاقب بما هو أعظم من ذلك، إلى أن يصل إلى ما وصل إليه من يقول: "سبحان ربي الأسفل، سبحان ربي الأسفل" -نسأل الله العافية-.
ابن عربي عندما يقول من الشعر الذي لا يقبله ولا المجانين -والله المستعان-، ومع ذلكم لا يستطيع بعض الناس في بعض الأقطار أن يتكلم فيهم بكلمة؛ لأنهم مقدسون، ويصرف لهم من العبادات ما لا يجوز صرفه إلا لله -جل وعلا-. من نظر في كتب الرحلات مثلاً رحلة ابن بطوطة التي هي أشهر الرحلات على الإطلاق، يجد الأمثلة لما ينقض توحيد العبادة بجميع أبوابه التي ألف عليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- "كتاب التوحيد"، يقرأ في رحلة ابن بطوطة، فما يرد على بلد إلا ويذهب على قبر ويطلب المدد، وإذا وصل إلى جبل صعده إلى أن يصل إلى مكان مسه قدم فلان أو علان، فالإنسان عليه أن يحمد الله -جل وعلا- على نعمة التوحيد التي ربط بها الأمن التام في الدنيا والآخرة, فقال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام]، وقال -تعالى-: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور]. يعني من يطلب الأمن ويخل بالتوحيد، أو يتساهل بأمور الشرك هذا
متطلب في الماء جذوة نار
|
|
............................
|
هذا غلط، هذا مناقض للسنة الإلهية، مخالف للنصوص الشرعية، فعلى المسلم أن يحقق التوحيد، وأن يخلصه من جميع شوائب الشرك صغيره, وكبيره، والبدع كبيرها, وصغيرها.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) العمل بما يخالف النص، قد يوجد من بعض الأئمة من يقول بقولٍ والنصُّ الصحيحُ بخلافه، وهذا كما قال شيخ الإسلام في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام": "احتمال أن النص لم يبلغه، أو فهم من النص ما لم يفهمه غيره...". الفهوم متباينة ومختلفة، أو يكون عند الإمام ما يعارض هذا النص مما هو أقوى منه عنده، ولكن طالب العلم عليه أن يعمل بالراجح إذا تأهل لذلك، أو يسعى في بحث المسائل مع من تأهل لذلك، على كل حال يوجد الراجح والمرجوح وإن كان في اصطلاح بعض أهل العلم أن أي حكم، أو أي مسألة فيها مخالفة لدليل من أي وجه من الوجوه فهو بدعة، ولو عمل إنسان عملاً مكروهاً في صلاة، أو في صيام، أو في حج، أو ما أشبه ذلك يقول: "ابتدع". فهذا توسع في مفهوم البدعة، يعني لو ارتكب مكروهاً من مكروهات الصلاة، قالوا: "هذا ابتدع"، صحيح أنه عمل عملاً ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن الأعمال الأصل أن يعمل بمثل ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-, لقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلى))، لكن أجزاء الصلاة هل هي على درجة واحدة؟ هل يمكن أن يقول: الصلاة كلها أركان من التكبير إلى التسليم، وأي عمل لم نعمله فالصلاة باطلة؟ لأن مقتضى "فهو رد" أننا نبطل صلاته، ومن هنا قول من يقول: "إن من عمل مكروهاً، أو محرماً في الصلاة أن صلاته باطلة مردودة"، وهذا جارٍ على قواعد أهل الظاهر الذين يرون أن كل نهي يقتضي الفساد. وجمهور أهل العلم يفرقون بين النواهي، فالنهي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها اقتضى الفساد، لكن إذا عاد إلى أمر خارج فهل يقتضي الفساد أو لا يقتضي؟ يعني لو صلى وعلى رأسه عمامة حرير, فعلى مذهب الظاهرية صلاته باطلة، وهو مبتدع في هذا؛ لأنه عمل عملاً ليس عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-. لكن هل هذا الكلام يجري على قواعد أهل العلم؟ لا, هذا الجهة منفكة، له أجر صلاته، وعليه إثم لبس الحرير, بخلاف لو عاد النهي إلى ذات المنهي عنه, كمن صلى صلاة منهياً عنها أصلاً، صلى في وقت نهي مغلظ مثلاً بدون سبب، أو صلت حائض، أو صلى جنب وهو يعرف ذلك، فهذا صلاته مردودة, أو كمن صام يوم العيد, هذا كله مردود؛ لأن النهي عاد إلى ذات المنهي عنه. وكذلك إذا عاد إلى الشرط الذي لا تصح إلا به، فهنا تبطل الصلاة، تبطل العبادة، ويبطل العقد كذلك، لكن إذا عاد إلى أمر خارج فالجهة منفكة له أجر صلاته، وصلاته صحيحة، ولا ترد حينئذ, ووزر عمله عليه، فإذا عاد النهي إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه فإن العمل يكون باطلاً، وما عدا ذلك إذا عاد إلى أمر خارج, كمن صلى وبيده خاتم ذهب، فصلاته صحيحة؛ لأنه لا يتقرب إلى الله بنفس العمل الذي نهي عنه، لكن إذ اتحدت الجهة، اتجه الأمر والنهي إلى شيء واحد نقول: باطل؛ لأن الله لا يتقرب إليه بما حرم، لكن إذا تقرب إليه بعمل صحيح، وشاب هذا العمل من جهة أخرى شيء محرم نقول: العمل صحيح والمحرم عليه إثمه.
((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد))، ((في أمرنا)) هو الدين. قد يقول: "((في أمرنا هذا)) الدين يعني العبادات"، نقول: لا, هذا شامل للعبادات والمعاملات, قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط))، إلا أن الأصل في العبادات الضيق، الأصل فيها الحظر، والأصل في المعاملات السعة، الأصل فيها الإباحة.
والأطعمة يختلفون فيها، منهم من يرى أن الأصل الإباحة، ومنهم من يرى أن الأصل الحظر، فمن العلماء من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله. عرفنا أن الأصل في العبادات الحظر -المنع- ألا يعبد الله -جل وعلا- ولا يتقرب إليه بشيء من العبادات إلا بما شرعه، المعاملات وأمور الدنيا الأصل فيها الإباحة، ويبقى أن هناك ممنوعات بالشرع من هذه المعاملات.
الأطعمة محل خلاف بين أهل العلم؛ منهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، ومنهم من يقول: الحلال ما أحله الله، وقد يقول قائل: هل هناك فرق بين الجملتين. هل هناك أحد يقول: الحلال ما حرمه الله، والحرام ما أحله؟ لا، إذاً ما معنى الحلال ما أحله الله على قول، والحرام ما حرمه الله على قول؟ الذي يقول: الحلال ما أحله الله، يرى أن الأصل الحظر والمنع, فلا تأكل إلا بنص، ومن يقول الحرام ما حرمه الله الأصل عنده الإباحة فكلْ ما لم تجد نصا يمنعه. مثلا أنت في رحلة تتنزه فيها مع أهلك، ومع أصحابك، وجدت نباتًا أعجبك لونه، رائحته، فقلت: "أجرب فآكل منه". هل نقول: تحتاج إلى دليل يبيح لك أكل هذا النبات؟ كلٌّ على أصله، كلٌّ على أصله، فالذي يقول: الحلال ما أحله الله يقول: لا تأكل إلا بدليل يبيح، والذي يقول: الحرام ما حرم الله يقول: كُلْ. ومثل هذا في الحيوانات والطيور واللحوم وغيرها.
أحد يقول: "الحرام ما حرم الله، كل حتى يرد الدليل الذي يحرمه"، والثاني يقول: "لا، لا تأكل حتى تجد دليل يبيحه لك"، ويختلف أهل العلم في كثير من الأطعمة، وكل على مذهبه في هذه.
يبقى أن ما حُرِّم بالنص أو أبيح بالنص هذا لا إشكال فيه وهذا أمر متفق عليه، لكن ما لم يدل دليل على إباحته، ولا على حرمته، كل يستصحب أصله في ذلك. فمثال ضربناه مراراً: يباع عند العطارين شيء يسمونه السقنقور، يقولون: إن فيه علاجا، ويدعى فيه ما يدعى من أجل أن يسوق، على كل حال هل يجوز أكله أو لا يجوز؟ هو ليس فيه نص، هو معروف السقنقور دويبة تشبه الوزق تعيش في الصحاري. وهو صغير في حجمه بقدر الوزقة، وهو أملس، وأكثر ما يكون في الرمال يندس في الرمل ويخرج من جهة ثانية, كثير من الناس يأكله. السقنقور الذي ذكره في "حياة الحيوان"، قال فيه: "إنه يوجد في دمياط، وفي الهند، وطولوه مدري", قال: "ثلاثة أشبار، أو أربعة أشبار" -قريب من المتر-، لا ليس هذا هو المعني. على كل حال السقنقور الذي يباع الآن في الأسواق، ويذكر على أساس أنه علاج هو مشبه للوزق من جهة، وأيضاً عيشته تشبه الضب من جهة، فهل يستعمل فيه قياس الشبه فيلحق بأقربهما، أو نقول كل على أصله.
الذي يقول: الأصل الحل يأكل حتى يمنع بدليل، والذي يقول: الأصل الحظر لا يأكل إلا بدليل، وأيهما أقرب إلى الورع؟ لأن هذا يكون دخوله في الحديث الثاني من المشبهات، أو المشتبهات، تأتي الإشارة إلى شيء من هذا، على كل حال الورع ألا يأكل الإنسان إلا بدليل، إلا عاد إذا أشرف على هلاك في حال تباح له الميتة فمثل هذا أولى وأسهل.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) يعني مردود عليه، ((في أمرنا هذا)) يدل على أن أمور الدنيا والتوسع فيها ليس من هذا الباب، وإن كان دخول التوسع فيها على ما سيأتي في الحديث الذي يليه من باب الورع، وأن التوسع يجره إلى ما وراءه، التوسع في المباحات يجر إلى ارتكاب المكروهات، والمشتبهات، ثم الجرأة على المحرمات.
بعضهم يتورع عن ركوب السيارة باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يركب هذه المراكب، فضلاً عن الوسائل الأخرى، وبعضهم يتورع عن الكهرباء، والتكييف، ومكبرات الصوت وغيرها، يوجد من يتورع عن هذه الأمور، وعلى كل حال هذا لا يدخل في الحديث, يقول -سبحانه-: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [(32) سورة الأعراف]، لكن أيضاً التوسع غير مرضي فهو مدخل في السرف، والذي يجعلك تطلب هذه الأمور، على كل حال من أي وجه ولو لحقتك الديون؛ لأن التوسع بعضه يجر إلى بعض.
بعضهم يتورع، وهناك شيء من التداخل بين الحديثين: في المشتبهات يتورع عن أمور، ويكلف نفسه، ويكلف من تحت يده أمراً قد لا يطيقه، أو يشق عليه مشقة بالغة. إذا تأملنا في الصيام في السفر وجدنا أن الشرع لا يقر مثل هذا التشديد على النفس، وعلى من تحت اليد، الصيام في السفر الأصل فيه أنه جائز وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- في السفر، وسافر معه الصحابة منهم المفطر، ومنهم الصائم، والمفطر لا يعيب على الصائم، والصائم لا يعيب على المفطر، لكن إذا وجدت المشقة المحتملة ذهب المفطرون بالأجر, فإذا زادت المشقة فـ((ليس من البر الصيام في السفر))، وإذا زادت المشقة فـ((أولئك العصاة)).
فالمشقة منتفية في شريعتنا، -ولله الحمد- إن الدين يسر، فلا يسوغ للإنسان أن يرتكب -على حد زعمه- عزيمة تشق عليه، وتعوقه عن تحصيل ما ينفعه من أمور الدين والدينا. وكذلك إذا ألزم غيره بذلك فهو الأمر أشد؛ لأن الإنسان قد يتحمل، لكن كيف يُحَمِّل نساء وذراري فلا يتحملن ذلك؟ ونقول هذا الكلام وقد لا يوجد من يفعل هذا إلا نادراً، وإن كنا بحاجة إلى الإفاضة في الضد في المقابل؛ لأن التوسع هو سمة العصر لانفتاح الدنيا على الناس.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) قد يقول قائل: "إن عثمان -رضي الله عنه- أحدث الأذان الأول يوم الجمعة، فهل هذا يدخل في الحديث، أو لا؟
لا يدخل: لأنه خليفة راشد، وقد أمرنا بالاقتداء به, قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضو عليها بالنواجذ)). كذلك عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح, كان الناس في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعهد أبي بكر -رضي الله عنه-، وصدر من خلافة عمر يصلون أفراداً، ثم جمعهم عمر -رضي الله عنه- على إمام، فخرج ذات يوم فإذا هم يصلون فقال: "نعمت البدعة", وهذا في الصحيح، فهل نقول: إن هذه بدعة يعاتب عليها ويلام عليها؟
عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على صلاة التراويح، وخرج ذات يوم وقال: "نعمت البدعة" لما رآهم يصلون أعجبه المنظر، فخشي أن يقال: "ابتدعت يا عمر"، فقال: "نعمت البدعة". هذه البدعة التي قالها عمر يقرر شيخ الإسلام -رحمه الله- أنها بدعة لغوية، وتبعه على ذلك كثير من الشيوخ من أهل العلم، ومنهم من قال مجاز مثل الشاطبي، وإذا نظرنا في حد البدعة اللغوية وهو: ما عمل على غير مثال سابق، ما عمل على غير مثال سابق فنجد هذا التعريف لا ينطبق على صلاة، على جمع عمر الناس على صلاة التراويح، فالبدعة اللغوية لا تتجه، البدعة الشرعية أبعد؛ لأن هذا العمل سبق له شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام- فقد صلى جماعة بأصحابه ليلتين، أو ثلاث ثم ترك خشية أن تفرض عليه، فليست ببدعة لا شرعية ولا لغوية. إذا كيف يقول عمر: ابتدعت؟
عمر خشي أن يقال: "ابتدعت يا عمر"، فقال: "نعمت البدعة"، ومثل هذا يسمى في عمل البديع: "المشاكلة"، و"المجانسة".
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه |
|
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
|
هذه المشاكلة.
قال الله -تعالى-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى], فالأولى سيئة وجزائها ليست بسيئة, فمعاقبة الجاني ليست بسيئة، لكن من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير. وصلاة التراويح سبق لها شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام-، ومع ذلك فهو خليفة راشد أمرنا بالإقتداء به، والإتساء به، وهو أيضاً له موافقات جاء منها في الصحيح عدد. على كل حال يخطئ من يقول -وقد قيل-: "البدعة بدعة ولو كانت من عمر"، ولا إخال لمن كتب هذه الورقة سينكر على هذا الذي ينكر على من ينتقد المخالفين للنصوص، لن ينتقد من يوافق النصوص, أنا أجزم جزماً بهذا وقد صدرت من مثله هذه الكلمة: "البدعة بدعة ولو كانت من عمر"، وعنده من البدع ما الله به عليم. المقصود أن مثل هذا الدرس لا يحتمل مثل هذه الأمور، وإلا تفنيدها سهل، وكتب كلها منشورة، وموجودة بأيدي الخاصة، والعامة، ولسنا أول من تكلم فيهم.
يقول: "((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)). رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))"، يعني ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة))؟ في ظاهر الخبر ما يتعارض معه، لكن المراد بالسنة الحسنة ما كان أصله في الشرع، يعني أصل المسألة موجودة في الشرع، والحديث على سبب، النبي -عليه الصلاة والسلام- طلب الصدقة فجاء رجل بصدقة وافية وهو الأول، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-:((من سن في الإسلام سنة فله أجرها وأجر من عمل بها)) يعني من اقتدى بها؛ ولذا الأصل في الأعمال الصالحة الإخفاء؛ لأنه الأقرب إلى الإخلاص، لكن إذا ترتب على إعلانها الاقتداء فهذا له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. فهذه السنة ليست محدثة وإنما هي ثابتة بشرع، لكن تركت هذه السنة، ثم أحياها من أحياها؛ لأنه قد يقول قائل: "إن جمهور الأمة عاشوا قروناً على شيء من البدع، ثم بعد ذلك ظهر شيخ الإسلام وجدد ما اندرس من معالم السنة، هل يقال ابتدع شيخ الإسلام؟" هل جاء بشيء من عنده، سواء كان شيخ الإسلام ابن تيمية، أو الإمام المجدد, شيخ الإسلام, الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ لا, لا يقال: "أحدث في الدين"، إنما يقال: "أحيا هذه السنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
نزع بعضهم من قول عمر: "نعمت البدعة"، ومن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سن سنة حسنة)) إلى أن من البدع ما يستحسن. النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة، كل بدعة ضلالة)) وتقول: "هناك بدعة حسنة، هناك بدعة واجبة، هناك بدعة مستحبة" ومنهم من قسم البدعة إلى بدع مستحسنة، وبدع مذمومة، ومنهم من قسمها إلى الأحكام الخمسة قال: بدع واجبة، بدع مستحبة، بدع مباحة، بدع مكروهة، بدع محرمة. وقالوا: "مثال البدع الواجبة الرد على المخالفين، الردود على من حاد عن الطريق المستقيم". نقول: القرآن مملوء بالردود على المخالفين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في المناسبات التي وجد فيها مخالفة يخطب خطبة يرد عليهم، فهل يقال مثل هذه بدعة؟ قالوا: "بدع مستحبة كالمدارس" -بناء المدارس والأربطة-، نقول هذه ثبتت بأصول شرعية؛ لأنها مما لا يتم الواجب، أو المستحب إلا به فهو كذلك، وهذا مقرر عند أهل العلم. كالصلاة أمرت بالصلاة، وأمرت بالسعي إليها، وأنت مأمور بكل ما تطلبه هذه الصلاة؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ندبت إلى قيام الليل وأنت مندوب إلى كل ما يحقق هذا القيام، ندبت إلى طلب العلم أنت مأمور بجميع ما يحقق هذا العلم فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب.
قالوا: "بدع مباحة في أمور الدنيا", هل من البدع التوسع في المآكل والمشارب والملابس؟ هل هي مما يدخل في الدين في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أحدث في أمرنا))، أو في: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا))؟ لا تدخل؛ لأن المرادَ الابتداعُ في الدين مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- هذا هو الممنوع. والشاطبي في الاعتصام رد هذا التقسيم، وقوض دعائمه، ونقضه نقضاً مبرماً ولو لم يكن فيه إلا أن التقسيم قول مخترع، فهو بدعة، ومع ذلكم العموم في قوله -عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) عموم محفوظ.
قول من يقول: "إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ركب هذه الوسائل الحديثة فهي مبتدعة"، هو يذكرنا بقول من يقول: "إن الوضوء من الأنهار مبتدع، ومشاريع المياه وغيرها كلها مبتدعة"، النبي -عليه الصلاة والسلام- يؤخذ له الماء بالإداوة والتَوْر وما أشبه ذلك، هذا مذكور في كتب شروح الحديث. لكن هل البدعة تدخل في مثل هذا؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس عنده أنهار يتوضأ منها، والعبرة بالماء من حيث الطهارة والنجاسة، ومن حيث الحل والحرمة، فإذا ثبت أن الماء طاهر مطهر حلال مباح ليس بمغصوب فهذا تصح الطهارة به على أي وجه كان. والله أعلم.
وصلى الله، وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
طالب ..............
إيه على كل حال هذا من العبث إذا كان ما فيها جُعل ورهان وقمار، حكمها مثل حكم الورقة التي يلعبون بها الآن، ويعبثون بها يعني -للصبيان من باب إشغالهم وإلهائهم بعض الوقت وتسليتهم-، لا المكلفين الذين طولبوا بفعل أوامر ونهوا عن نواهي، على كل حال الترك هو الأصل، لكن إذا لم تشغل عن ذكر الله، ولا يترتب عليها جعل وجعلت للصغار يلتهون بها، وليس فيها محذورات من صور وما أشبه ذلك فالأمر -إن شاء الله- يكون بالنسبة للصغار خفيف، أما بالنسبة للكبار فشأنهم أعظم، والأصل في المسلم أنه جاد ساعي فيما ينفعه، مخلوق لتحقيق العبودية، مأمور بتحقيق هذا الهدف.
أما من تسعفه الحافظة حافظته قوية، هذا يحفظ، يحفظ من المتون ما يعينه على فهم الفنون، واستمرار ضبطها، وألفية العراقي من خير ما يحفظ إذا اتجهت همة طالب العلم إلى الحفظ، وأما ألفية ابن مالك فهي أيضاً في غاية الأهمية لطالب العلم، في غاية الأهمية لطالب العلم، وكلاهما سواء، هذا يقرر علوم الحديث ومصطلح الحديث، وهذا يقرر قواعد العربية كلها يعني -ما فيه تنافر ولا تناقض-، لكن إذا كانت الحافظة لا تسعف فليعتنِ بما هو أصغر من هذين الكتابين.
أولا: عليه أن يقتني الكتب سواء كانت من المتون أو من الشروح، فيحفظ المتن، ويقرأ الشرح، ويتابع الدروس من خلال الأشرطة، ومن خلال الآلات الحديثة التي تبث فيها هذه الدروس، وعنده الهاتف إذا أشكل عليه شيء يسأل عنه، فالأمور متيسرة ولله الحمد، مع أنه لا يكفي من المثول بين يدي الشروح، والجثي بين أيديهم كما هو معلوم عند القدرة على ذلك.
هذا لا يجوز لها الخروج إلا بإذنه، لا يجوز لها الخروج إلا بإذنه.
إذا كان هناك نظام يتيح مثل هذه الزيادة فهذا لا إشكال فيه، هذا لا إشكال، وإن لم يكن هناك نظام فلا تجوز الزيادة لأحد دون أحد، والخمس في تقديري كثيرة -يعني ثلاث ممكنة-، أما خمس فهي كثيرة، وجرت العادة عندنا في جامعة الإمام أنه إذا كان الطالب يتضرر ضرراً بالغاً بالرسوب من أجل ثلاث درجات يزاد، لكن خمس ما أعرف أنه يزاد خمس، وأنا عندي أيضاً أنه لا يزاد طالب دون آخر ولو كان محتاجاً، فإذا زدنا طالب في مقرر من المقررات ثلاث درجات، علينا أن نزيد الجميع لماذا؟ لأن هذا الطالب الذي زيد ثلاث درجات، والطالب الذي ما زيد ثلاث درجات، وقد يكون أكثر منه بدرجتين يكون هذا الذي -الطالب الذي- زيد ثلاث درجات يكون أكثر منه، وهذا له أثر في التقدير، وقد يكون يحتاج إلى شيء يسير ليرتقي عن تقديره إلى الذي فوقه، فالعدل مطلوب فإذا زيد طالب زاد جميع الطلاب.
ويشه المردقوش، مردقوش فإنه جيد، أما بالنسبة للأطعمة وضع فيها أحاديث كثيرة وأكثرها من الباعة، باعة هذه الأطعمة، عليكم بالعدس فإنه قدِّس على لسان سبعين نبياً، كلها موضوعات هذه.
عملك جيد، وأنت الآن على الجادة، ابدأ بالمشي إلى الصلاة، ثم منهج السالكين، ثم عمدة الفقه كلها على الجادة.
ذكرنا مراراً أن الطالب إذا كانت حفظته قوية لا يكلفه الحفظ، يعني الحفظ لا يكلفه -بمعنى أنه يستطيع أن يحفظ الكتاب في مدة وجيزة- فلا علم إلا بحفظ، وإذا كان الحفظ يشق عليه بحيث يعوقه حفظ الزاد عن حفظ أكبر قدر من الأحاديث التي عليها المعول في التفقه، فهذا يقدم حفظ الأحاديث، ويعنى بدراسة كتاب الزاد على طريقة شرحناها مراراً في كيفية التفقه.
النية هي القصد لهذا العمل الصالح، مخلصاً فيه لله -جل وعلا- من غير إشراك أحد به.
أولاً: أنت +( كأن هنا سقط في أصل المادة الصوتية 01:05) سأشتري سيارة من صديق لي، أنت تشتري السيارة من صديقك، والبنك يسلم المبلغ لصديقك فهو نائب عنك في تسليم المبلغ، فالبنك أعطاك دراهم ما أعطاك سيارة، لو أن البنك هو الذي اشترى السيارة من هذا الصديق، وملكها البنك ملكاً تاماً مستقراً ثم باعها عليك بقيمة أكثر نظير الآجل، هذه يسمى عند أهل العلم مسألة التورق فإن رجعت إلى صاحبها الأول -الطرف الأول- صارت مسألة العينة.
يعني يحتمل أن يكون صعوده قبل الهجرة، ولا تنافي بين ما قرره شيخ الإسلام وما جاء عند الترمذي.
العكس، المأثور أن العمل من أجل الناس رياء، وتركه من أجل الناس شرك، على كل حال سواء كان هذا أو ذاك عندنا من النصوص ما يكفي، عندنا من النصوص ما يكفي، والرياء شرك أصغر.
((فمن عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو مردود عليه)) ولا يكفي في مثل هذا، وإنما يأثم بفعله شرع لم يشرع الله ولا رسوله.
يقول: وكيف نجمع بين هذا الأثر وبين فعل الأئمة من ترك العمل خشية الوقوع في الرياء، كقول ابن القيم إذا أعجبك كلامك فاصمت، وإذا أعجبك صمتك فتكلم وغير ذلك من فعل الأئمة؟
أقول: الترك ليس بحل، الترك ليس بالحل، إنما الحل المجاهدة بالإخلاص، المجاهدة بالإخلاص.
لا لا يلحق به الولد للفراش، وللعاهر الحجر، لا يلحق به.
على كل حال الشعر جنس جميع ما في البدن من شعر، قول بعض الشراح جاء جبريل معلماً، هل يستقيم مع قوله: يا محمد، وجاء معلماً ((هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم)) هو معلم بالنص، وأما كونه يقول: يا محمد، فهذا من باب المبالغة في تعمية أمره؟
لا شك أن الفهم والحفظ من مواهب الله -جل وعلا- لعباده، وليست نعمة مطلقاً كسائر النعم الظاهرة كالبصر والسمع وغيرها، فليست نعم مطلقاً إنما إذا استعملت فيما يرضي الله -جل وعلا- صارت نعمة وإلا فقد تكون نقمة، قد يحفظ ما يضره، قد يعاني فهم ما يضره أيضاً، لكن إذا استعمل هذه الحافظة، وهذا الحفظ، وهذا الفهم فيما يعينه، ويوصله إلى مرضات الله -جل وعلا-، ويحقق به الخيرية التي أشير إلى الحديث، وموهبة من الله -جل وعلا-، لكن الذي لا يوجد لديه الفهم، أو الحفظ المطلوب لنيل العلم بسرعة ويسر وسهولة، إذا كان يشق عليه الفهم، ويشق عليه الحفظ هذا من الله -جل وعلا-، لكن عليه أن يجاهد نفسه، ويتابع، ولا ييأس، ولا يقنط فجاء في ((الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق هذا له أجران، والماهر به مع السفرة الكفرة البررة))، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
فالذي فهمه فيه عسر عليه أن يحاول، ويكرر، يراجع الشروح والحواشي، ويسأل عما يشكل عليه الشيوخ، ويلازم الدروس ويدرك -إن شاء الله تعالى-، أما كونه لم يرد به الله خيراً ما دام بذل السبب هذا أراد الله به خيراً، ما دام بذل السبب وليس على الإنسان إلا بذل السبب، وأما النتائج فبيد -الله تعالى-، بإذن الله -جل وعلا- ليس بيده أن يكون عالماً، ليس بيده أن يكون فقيهاً، ليس بيده أن يكون إماماً، لا هذا ليس بيده، لكن إذا بذل ما يستطيع من سبب لا يلام، وحديث: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) هل مفهومه أن الذي لا يتفقه في الدين أراد الله به شرًّا؟ لا، لم يرد الله به خيراً، لأن الخير والشر ليسا بنقيضين، وإنما هما ضدان، نعم لا يجتمعان، لكن قد يرتفعان، فهذا شخص عنده الأموال، وعنده نصيب من التعبد والإنفاق في سبيل الله، لكنه عامي لا يقرأ، ولا يكتب، نقول: هذا أراد الله به شرًّا لا، هذا أريد به خيراً من جهة، ولم يرد به خيراً من جهة.
يكتب أجر النية إذا كان هذا في قرارة نفسك أنك لا ترد سائلاً مستحقاً، ثم وقف بين يديك سائل فأدخلت يدك في جيبك فلم تجد شيئاً يكتب لك أجر النية، لكن إذا أعطيته بالفعل يكتب لك النية والعمل.
لا شك أن العلم هو ما نفع، والعلم الذي لا ينفع صاحبه لا يستحق أن يسمى علماً -وهو في الحقيقة جهل-، فالعالم العامل هو الذي يستمسك بِغَرْزه ويقتدي به، وإن كان أقل علماً من غيره، هذا بالنسبة إذا كان المراد بقلة الصلاح هنا يعني -ضعف الاستقامة بارتكاب بعض المحرمات، وترك بعض الواجبات-، هذا لا يطلب عنده العلم؛ لأنه ليس بكفء أن يسمى عالماً فغيره أولى منه وإن كان أقل منه علماً، وأما إذا كان المراد بقلة الصلاح يعني -قلة العمل في النوافل، والآخر أكثر منه عملاً بالنوافل-، فلا شك أن العلم هو الذي يدل على العمل، ومع ذلك إذا كان الخلل في النوافل فهذا لا يضر -إن شاء الله تعالى-.
يعني {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88-89) سورة الشعراء] يعني قلب سليم، خالص من الغل، والحقد، والحسد، وشوائب البدع، والشهوات، والشبهات، فضلاً عن الشرك بأقسامه.
والله أعلم.
دليل من أجاز ذلك وإن كان المعروف عند الحنابلة لا يجوز، لكن اختيار شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أنه يجوز، وقصة معاذ دليل على ذلك.
وعند أبي العباس ذلك جائز ---- صلى بهم نفل وهم ذو فريضة
لفعل معاذ مع صحابة أحمد ---- وكان قد صلى الفرض خلف محمد
تنتهي بعد مضي أربعة أشهر وعشرا، أربعة أشهر في اثنين وعشرين من ربيع، لا جماد من شهر خمسة.
الطالب: .................
ها من جماد الأولى، فتكون في الثاني بغروب شمس اليوم الثاني من جماد الثانية.
الآن مستواه العلمي الثالث الثانوي يريد التقدم إلى وظيفة مؤذن، مع العلم أنهم يشترطون مستوى المتوسط، السؤال يريد أن يقدم لهم شهادته المتوسطة فقط، فهل هذا جائز مع أنهم لو علموا أنه في مستواه الثانوي يرفضون؟
إحنا الذي نعرف أنه أقل ما يطلب لهذا المستوى المتوسط، وأما الأعلى فلا حد له، وهناك عدد من الخريجين من الجامعات، من الكليات الشرعية يؤذنون بوظائف رسمية من قبل المسئولين ما في إشكال، لكن إن كان فهم أن اشتراطهم للكفاءة المتوسطة ينفي ما عدا هذا ليس بصحيح فيما نعلم، إن كان هناك أنظمة جديدة، الله أعلم.
نعم هذه ليست موجودة على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بالنسبة للمآذن مطلوب من المؤذن أن يرفع الصوت، مطلوب من المؤذن أن يرفع الصوت بحيث يسمع الناس من جميع الجهات للحضور إلى الصلاة، ولا شك أن هذا مما يحقق هذا الهدف الشرعي، ولذا لما أحدثت أو استحدثت هذه المخترعات التي تعين على رفع الصوت من المكبرات بادر الناس إليها ولم ينكروها، أنكرها بعض أهل العلم بلا شك، مكبر الصوت مات بعض أهل العلم وهو منكر لها؛ لأنها تستعمل في عبادة محضة فلا يراها، لكنها تحقق هدفًا شرعيًّا، لماذا يؤذن للصلاة من أجل أن يحضر الناس إليها، والمؤذن مطلوب من الأوجه المرجحة عند المشاحة في كثرة المؤذنين رفع الصوت فما يحقق هذا الهدف الشرعي يكون مطلوباً.
طالب:..........
ما في شك أن هذا يحقق الهدف الشرعي، المحاريب، المحاريب المذكورة في النصوص سواء كانت في قصة مريم أو في {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ} [(13) سورة سبأ] نعم قصة سليمان، ليست هي المحاريب التي يصلي فيها الإمام هي غيرها، فلا يستدل بها على شرعيتها، لكن المحاريب مصلحتها ظاهرة باعتبار أنها توفر المكان، توفر المكان، كيف توفر المكان؟ الإمام واحد فلا يأخذ صفاً كاملاً، ولا يتعبد بمثل هذا المحراب لا يجعل على أنه سنة، لكنه من باب المصلحة أن يكون الإمام في مكان مناسب؛ لأن الأصل في أن يتقدم على المأمومين لو لم يوضع هذا المحراب احتاج الإمام إلى صف كامل، وقد يكون الناس بحاجة إلى هذا الصف، فمثل هذا لا يدخل في مثل هذه البدعة؛ لأنه مما لا يتعبد به، نعم.
طالب:.............
نعم، أيضاً من الأهداف من هذه المحاريب، ما ينص عليه أهل العلم في مسألة القبلة كل الفقهاء يقولون: إذا وجد المحاريب إسلامية عمل بها؛ لأنها إلى جهة القبلة، والهدف الأصلي من وجود المحراب هو أن يقف فيه الإمام فلا يأخذ صفاً كاملاً من المسجد.
إذا أظهر للناس أنه هاجر لله ورسوله دخل في الذم، وإلا فلا.
نعم، يقول: قال شيخي فيما سمعه منه.
جاء النهي عنه ((غيروا هذا الشيب، وجنبوه السواد)) فأهل العلم الآن المفتى به على أنه حرام.
أنا ما أطلعت عليه فلا أستطيع الحكم عليه.
لا شك أن الكلام فيه ظاهر لأهل العلم، لكن أقلُّ أحواله الحسن وإلا فهو مضعف من قبل جمع من أهل العلم.
طالب مبتدئ ولم تقرأ من المتون ما قرر للطلاب المبتدئين، المتون الصغيرة وتقرأ عليها الشروح المبسطة الميسرة، وتسمع عليها التسجيل للشروح المختصرة، ثم بعد ذلك تنتقل إلى ما بعدها، وما يشكل عليك تسأل عنه، وتحضر الدروس في هذه المتون إلى أن تنهي كتب المرحلة الأولى التي هي طبقة المبتدئين، إلى المرحلة التي تليها المتوسطين فتتوسع قليلاً، وأما كوننا نقتصر على شرح واحد أو أكثر من شرح فهذا الذي يحدده الحاجة، قد يكون هذا المتن له شرح وافي لا نحتاج معه إلى غيره، وقد يكون هذا المتن له شروح يكمل بعضها بعضاً، فلا يقول قائل: إن شرح النووي على مسلم مثل فتح الباري مثلاً، يعني طالب العلم إذا اكتفي بالنسبة للبخاري بفتح الباري نقول فيه غنية، وإن كانت الشروح الأخرى فيها فوائد، لكن كيف يكتفي طالب العلم بشرح النووي على مسلم، وفيه إعواز كبير؟ ولذلك ألفت السلسلة المكملة بعضها لبعض بالنسبة للمسلم، فهناك المعلم، وهناك إكمال المعلم، وإكمال الإكمال، ومكمل إكمال الإكمال، مع النووي، مع القرطبي إذا اجتمعت هذه الكتب كلها ما تعادل فتح الباري، فنحن بالنسبة إلى صحيح مسلم بحاجة إلى أن نراجع هذه الشروح كلها، وبالنسبة للبخاري إذا اقتصرنا على فتح الباري فيه كفاية؛ لأنه فيه مادة كبيرة، وإن أضفنا إليه عمدة القاري، وإرشاد الساري، فضلا عن شرح الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-.
يقول:أخت فرنسية اعتنقت الإسلام تزوجت رجل من فرنسا، وبعد الزواج اكتشفت أنه يخالط نساء ويكلمهن عبر النت، وأنه لا يلبي طلبات زوجته، وكذلك الشيء المؤسف أنه يرقي الناس ويستعين بالجن في رقيته، عندما سألته الأخت وقال: إن الجن يساعدونه في شفاء مريض، ونصحته ولكن قال لها: أنت فرنسية معتنقة الإسلام لا تعرفين شيئاً من أمر المسلمين، وأنه يشتمها ويقول لها: انزعي غطاء الوجه لكي تشتغلي معي في المحل، ويقول: لا بد أن ترجعي وتسوقي السيارة، وهي الآن هل تطلب الطلاق؟
على كل حال لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإذا أصر عليها علها أن تطلب الطلاق.
سنة الفجر سنة مؤكدة لا تترك سفراً ولا حضراً كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يداوم عليها، وإذا فاتت، فإذا فات فعلها قبل الصلاة تصلى بعد الصلاة، تصلى بعد الصلاة، ورأى النبي من يصلي بعد الصبح قال: ((آلصبح أربعٌ؟)) قال: لا إنه لم يصلّ الركعتين، فأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو أخرها إلى أن يرتفع وقت النهي وترتفع الشمس لا بأس -إن شاء الله-.
أولا: ألف الأربعين اقتداء بمن سبقه من أهل العلم، واختار وانتقى هذه الأحاديث؛ لأنها من جوامع الكلم وقد سبقه إلى كثير منها ابن الصلاح.
إذا كان لحنه مما يحيل المعنى فتعاد الصلاة.
حكمها سنة مطلقا؛ لأنه ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله، ففي بعض طرق حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت في بعض الطرق: "وعلمها النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء لصلاته فهي سنة مطلقاً، وأما من يقول: إنها عند الحاجة، فأقول الحاجة داعية إلى تركها لا إلى فعلها؛ لأنها زيادة عبء، المحتاج المريض الثقيل كبير السن الذي يوصى بتركها عند من يقول بأنها، الذي يقال له: أفعل هذه الحاجة دائماً، يقول: لا الحاجة تدعو إلى تركها، ولذا مريض الرمتيز، والثقيل، وكبير السن، ترونهم يفضلون القيام من السجود إلى القيام مباشرة؛ لأن ثني الركبة صعب عليهم، فالترك أدعى مع الحاجة إلى الفعل، وما دام ثبتت من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام- فلا كلام لأحد.
يقول: وما الجواب عن اعتراض أن الصحابة لم يكونوا يرفعون من السجود حتى يسمعون تكبير النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجلسة الاستراحة تكون قبل التكبير؟
نعم إذا سمعوا التكبير قاموا، وثنوا الرجل، وجلسوا جلسة خفيفة، وتبعوه، وهذا لا يؤثر في الاقتداء.
بعضهم يقول: إذا كان الإمام لا يرى جلسة الاستراحة أليس هذا من المخالفة؟
أولاً: أنت لا تدري في، هل الإمام جلس وإلا ما جلس؟ فقد تتركها والإمام يراها، وقد تفعلها والإمام لا يراها، والمعول في ذلك على النص، يفترض أن الإمام لا يرفع يديه عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، ما ترفع يديك تقول: مخالفة للإمام، لا، العبرة بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
لا شك أن المتن الأصح هو: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم)).