كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 41
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة الخوف
عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن عبد الله بن عمر قال: "غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصلِ، فجاءوا فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم: قال نافع: قال ابن عمر: "فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إيماء".
وعن ابن عباس قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-...
فرض الله.
"فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" رواه مسلم، وتكلم فيه أبو عمر بن عبد البر.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فصففنا صفين: صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً، قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" رواه مسلم.
وعن ثعلبة بن زهدام قال...
زهدم، مثل جعفر، زهدم.
عفا الله عنك.
وعن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا" رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي وأبو حاتم وابن حبان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الخوف
الصلاة مضافة إلى سببها وهو الخوف، وهي أعني صلاة الخوف فرع من صلاة أهل الأعذار؛ لأنها عذر يتجاوز معه شيء من الخلل في الصلاة، بل قد يكون الخلل كبيراً من أجل العذر وهو الخوف إذا كان المريض يصلي جالساً لعدم قدرته على القيام فهو معذور، والخائف يصلي كيف ما اتفق له، لكن عليه أن يوفق بين أمرين: هيئة الصلاة، والمحافظة على ما يستطيعه من أركانها وواجباتها مع الاحتياط في الحراسة، فلا بد من التوفيق بين أمرين في صلاة الخوف، الاحتياط للصلاة، والاحتياط للحراسة، فيتجاوز عما لا يستطيعه من هيئة الصلاة على ما سيأتي في صورها الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخوف الذي هو سبب هذه الصلاة التي هي عذر يبيح الخلل في صورة الصلاة ضده الأمن الذي كثير من الناس لا يعرف قدره، بل لا يعرف قدره إلا من فقده {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(155) سورة البقرة] فجعل الخوف أهم وأشد من الجوع، والمفسرون ضربوا لذلك مثلاً محسوساً قالوا: لو أتيت بشاة وأحضرت لها العلف، أو جئت بشاتين إحداهما: مريضة، والأخرى رُبط أمامها ذئب تجد المريضة تأكل، الكسيرة تأكل، والتي أمامها ذئب لا تأكل، فالخوف مسبب للجوع، والجوع لا يسبب خوفاً، فالخوف أشد من الجوع، كثير من البلدان التي تعيش أمناً، بل قد يوجد في طبائع بعض الناس الذين جبلوا على كراهية الاستمرار على وضع واحد، وجبلوا على الملل تجده ينشد التغير مهما ترتب عليه، فهذا في الحقيقة ما رأى كيف يعيش الناس بسبب هذا التغيير الذي ينشده وإن كان على غير الجادة، المهم أنه يغير الوضع القائم الذي ألفه منذ ولد، ونحن في هذه البلاد منذ أكثر من سبعين عاماً -ولله الحمد- نعيش أمناً ما أتيح لكثير من المسلمين في كثير من البلاد، وفي كثير من الأزمان، سبعون سنة متوالية أمن، لكن الشأن في كيفية المحافظة على هذا الأمن، وإلا الأمن حصل -ولله الحمد- لكن كيف نحافظ على هذا الأمن؟ هذه مسئولية الجميع، مسئولية ولي الأمر، ومسئولية أعوانه، ومسئولية عامة الناس، وهي مسئولية العلماء أيضاً، يوجهون الناس لما يحفظ هذا الأمن، ومن أعظم الأسباب في تثبيت الأمن وحفظه تحقيق التوحيد، ونبذ الشرك، وتخليص التوحيد من شوائب البدع {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النــور].
أيضاً من وسائل تثبيت الأمن شكر النعم بأداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، وقدر النعم قدرها، وعدم كفرها، ونلاحظ في بعض البلدان التي عاشت مدة طويلة من الأمن والرخاء ما شكروا النعم، فانقلبت نقم، وبلدان مجاورة كانوا ينظفون الماسات بل الأخفاف والنعال برقائق الخبز، وعمر بن الخطاب مات ما ذاق الخبز الرقيق مع قدرته على ذلك.
والقرطبي في تفسيره -في تفسير سورة الأحقاف- ذكر شيئاً من هذا، فصّل في هذه المسألة عند قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [(20) سورة الأحقاف] فانظر شيئاً من سيرة عمر -رضي الله عنه- في هذا الصدد، مسحوا الماسات ونظفوها برقائق الخبز، وعمر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ما ذاق رقائق الخبز، وكان ينهى عن نخل القمح، يقول: هو منه، نخالته منه، كله طعام، بهذه الطريقة تشكر النعمة، وبهذا يثبت الأمن، والبلدان المجاورة عاشوا أمناً دهوراً، وعاشوا رخاء مدداً متطاولة، وكان أهل هذه البلاد يذهبون إليهم من أجل لقمة العيش، فلما كفروا النعم حصل لهم ما حصل، فصاروا يأتوننا، والأيام دول، والسنن الكونية لا تتغير {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد] إذا وجد الخوف فلا يخلو إما أن يكون المسلم طالباً أو مطلوباً، فإن كان طالباً فلا يجوز له أن يخل بصلاته، بل يجب عليه أن يأتي بالصلاة على وجهها، وإن كان مطلوباً فليصلِ الصلاة المناسبة من الصور التي ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الخوف مشروعة بالكتاب وبالسنة والإجماع، وهي باقية إلى قيام الساعة عند عامة أهل العلم.
ويرى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أنها بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا تفعل؛ لقوله -جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء]... إلى آخره، فإذا لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيهم فلا صلاة للخوف، ولا مزية لأحد على غيره من أجله يحصل الخلل في الصلاة هذه وجهة نظر من يقول: إن الصلاة صلاة الخوف مربوطة به -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يوجد إمام يقاربه، ولا إمام يدانيه، أما غيره فيوجد من الأئمة المتماثلين ما يصلي واحد منهم بجماعة وتصلي الأخرى مع غيره، ما هناك ميزة، وجمهور أهل العلم، عامة أهل العلم على أنها باقية، وصلاها جمع من الصحابة -رضوان الله عليهم- بعده -عليه الصلاة والسلام-، صلاها جمع من الصحابة مما يدل على بقاء حكمها، وإذا كان الخلل في الصلاة الناشئ عن هذا الخوف نقص في الصلاة إلا أن فيه مصالح عظيمة، فيه إرهاب للعدو، حينما يرى العدو المسلمين ملتفين حول إمام واحد يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، لا شك أن مثل هذا يوقع الهيبة والرهبة في قلب العدو، إضافة إلى أهمية صلاة الجماعة، ويستدل العلماء على وجوب صلاة الجماعة بمشروعية صلاة الخوف، ولو كانت الجماعة غير واجبة لما احتيج إلى مثل هذه الصلاة التي فيها شيء من الخلل.
يقول: باب صلاة الخوف
أقل ما يمكن أن تؤدى به صلاة الخوف ثلاثة، اثنان فما فوقهما جماعة، لكن صلاة الخوف أقلها ثلاثة، إمام ومأموم وحارس، والطائفة تطلق على الجماعة، وقد يقال على الواحد: طائفة "أن طائفة صفت معه" مجموعة والواحد يقال له: طائفة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"عن صالح بن خوات" صالح بن خوات بن جبير تابعي يروي عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، الذي صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مبهم، ولا يضر إبهامه؛ لأنه صحابي، وجاءت تسميته بسهل بن أبي حثمة في صحيح مسلم، وفي المعرفة لابن منده عن أبيه عن صالح بن خوات عن أبيه خوات بن جبير، وسواء عرفناه أو لم نعرفه، وسواء كان سهل بن أبي حثمة أو خوات والد صالح، أو عمن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- على الإبهام، فالأمر لا يتغير واحد؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر، والذي صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابي، وجهالته لا تضر.
"عن من صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع" يوم ذات الرقاع هذه غزوة سميت بذلك لأن أقدام الصحابة حفيت ونقبت بسبب عدم وجود الخفاف والنعال، والأرض يكون فيها الحصى، ويكون فيها الشوك فحفيت أقدامهم، فلفوا عليها الرقاع، أي: الخرق، ومنهم من يقول: إن سبب التسمية أن الأرض ذات ألوان كأنها رقاع، ومنهم من قال: إن الغزوة بجوار جبل فيه أكثر من لون كالرقاع، لكن الأكثر على أن الصحابة حفيت أقدامهم فلفوا عليها الرقاع، غزوة ذات الرقاع، قالوا: ذات الرقاع جمهور أهل السير والمغازي قالوا: إنها سنة أربع من الهجرة، قالوا: سنة أربع.
والنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق سنة خمس أخر الصلوات، فلم يصلِ العصر -وفي بعض الروايات: ولا الظهر- إلا بعد أن غربت الشمس، وهذا أيضاً صحيح، تأخير الصلوات في الخندق صحيح، وغزوة ذات الرقاع لو كانت صلاة الخوف مشروعة قبل الخندق لما أخر الصلوات حتى غربت الشمس، ما أخرها حتى خرج وقتها، فالعلماء تجاه هذا التعارض وهذا الاختلاف على مسلكين: المسلك الأول: قول من يقول: إن صلاة الخوف إنما تفعل في السفر لا في الحضر، ومعلوم أن ذات الرقاع سفر، والخندق حضر في المدينة، قالوا: لا تفعل في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلوات وصلاة الخوف مشروعة قبل غزوة الخندق، ومنهم من يقول: لا، صلاة الخوف مشروعة سفراً وحضراً، وغزوة ذات الرقاع بعد الخندق، وهذا ما حققه ابن القيم في زاد المعاد، وإليه يومئ صنيع البخاري في صحيحه أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق، ويقرر ابن القيم أن أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلوات الخوف من الأوجه الستة أو السبعة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام- بعسفان، وهي بعد الخندق، وحينئذٍ تكون ذات الرقاع بعد عسفان، والخندق قبلها فأخر الصلوات؛ لأن صلاة الخوف لم تكن شرعت بعد، والذي يقول -وهم جمهور أهل السير-: إن ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، يقول: إن صلاة الخوف إنما تشرع في السفر لا في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحضر أخر الصلوات الخندق بالمدينة، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه خمسة أو ستة أو سبعة، ومنهم من أوصلها إلى أكثر من ذلك، قالوا: إلى أربعة عشر وجهاً كالحافظ العراقي، ومنهم -كابن العربي- من قال: ستة عشر وجهاً، ومنهم من أوصلها إلى ستة وعشرين وجهاً، الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الصفات المتغايرة ست أو سبع، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-، ومن أوصلها إلى أكثر من ذلك جعل اختلاف الرواة في القصة الواحدة دليلاً على تعدد هذه الصلوات، وبعض العلماء ليس عنده من الجرأة ما يستطيعون أن يوفقوا به بين هذه الروايات، ويحكمون على رواية بعض الثقات أنها شاذة أو مرجوحة، فيجعل مجرد اختلاف الرواة في الشيء الواحد يجعله صور، وبعضهم يتسع خطوه في ذلك فجعل بعض الاختلاف غير المؤثر في الصورة يجعله صور، وهذا في هذا الباب وفي غيره من أهل العلم من يرى صيانة الرواة من أن يحكم على رواياتهم وهم ثقات بأنها مرجوحة، ومن ثم تكون وهماً أو شذوذاً، فيحمل ذلك على تعدد القصة، ومنهم من تكون لديه القوة والجرأة لا أقول: الجرأة من فراغ هذه كلٌ يملكها، جرأة من فراغ يوهم من دون مستند ولا دليل هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن الجرأة النابعة من إحاطة بالروايات ومرويات الرواة وقواعد الدين العامة يستطيع أن يحكم على الرواية بأنها وهم، ولو كان راويها من الحفاظ، وهذا منهج، يعني شيخ الإسلام لم تكلم عن صلاة الكسوف -على ما سيأتي- وقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى الكسوف إلا مرة واحدة، وأردف ذلك بقوله: وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا من مقطوع به، لكن الروايات الأخرى رواية الصحيحين في صلاة الكسوف: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف ركعتين كل ركعة بركوعين" وجاء في مسلم: ثلاث ركوعات، وجاء: أربع ركوعات، وجاء عند غيره خمس ركوعات، وكلٌ على طريقته ومنهجه، صاحب الشجاعة العلمية والجرأة مثل شيخ الإسلام يصحح رواية ويحكم على ما عداها بأنها شاذة، يعني ولو كانت في مسلم؟! لكن بعض الناس صيانة للرواة وصيانة للصحيحين وهذا أمر يتعين على طال العلم الاهتمام به؛ لأننا إذا تطاولنا على الصحيحين فماذا يبقى لنا؟! يقول: تعددت القصة، ما في ما يمنع من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف أكثر من مرة؛ لأنها في صحيح مسلم، ما في ما يمنع مع إجماع أهل السير على أن الكسوف لم يحصل إلا مرة واحدة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، الشراح قالوا: أن الكسوف حدث في اليوم العاشر من الشهر، وأهل الهيئة يتفقون على أن كسوف الشمس لا يحصل إلا آخر الشهر، والقمر في منتصفه في الإبدار، والشمس في الاستسرار، المقصود أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى حذر، وسعة في الإطلاع، يعني لا بد أن يسدد ويقارب أنت الآن أمام كتب أجمع الأئمة على تلقيها بالقبول، بل أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول، وعندك رواة اتفق الأئمة على حفظهم وضبطهم، ثم بعد ذلك تحتاج إلى أن تنظر بين نصين مختلفين هذا إذا أمكن الجمع، فهذا لا إشكال، لكن الإشكال فيما إذا لم يمكن الجمع، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه، وهي كما قلنا يلاحظ فيها الأحوط للصلاة، والأبلغ في الحراسة، والعدو لا يخلو إما أن يكون في جهة القبلة، أو يكون في غير جهة القبلة، فإن كان في جهة القبلة أمكنت الصلاة مع الحراسة في القيام والركوع، وأما بالنسبة للسجود فلا تمكن الحراسة، وتأتي هذه الصورة، وإذا كان العدو في غير جهة القبلة لا بد من قَسْم الجيش إلى قسمين: قسم يحرس وقسم يصلي، وحديث صالح بن خوات الذي هو حديث سهل بن أبي حثمة الذي اختاره الإمام أحمد قال: "أن طائفة صفت معه" طائفة قطعة من الجيش "صفت معه" يعني مع النبي -صلى الله عليه وسلم- "وطائفة وجاه العدو" يعني في جهة العدو، تلقاء العدو تحرس المصلين؛ لئلا ينقض عليهم العدو "وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة" هذه الطائفة الأولى الذين كبر بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تكبيرة الإحرام، وصلى بهم ركعة كاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها "ثم قام إلى الركعة الثانية فثبت قائماً" حتى أتموا لأنفسهم الركعة الثانية، ثم سلموا وانصرفوا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال قائماً "فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمة وأتموا لأنفسهم" يعني الركعة الثانية "ثم انصرفوا" سلموا وانصرفوا "وصفوا وجاه العدو" في مكان الطائفة التي كانت تحرس أثناء صلاتهم "ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى" التي كانت تحرس "فصلى بهم الركعة التي بقيت" لأنه "ثبت -عليه الصلاة والسلام- قائماً إلى جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم الركعة الثانية، فلما جلس للتشهد ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلم بهم" وهنا فيه عدل بين الطائفتين، الأولى صلت معه ركعة والثانية ركعة، الأولى كبر بهم تكبيرة الإحرام، والثانية سلم بهم، فهؤلاء أدركوا الركن الأول، وهؤلاء أدركوا الركن الأخير، وهذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-، هذه الصورة يرجحها الإمام أحمد، وإن كان فيها مما ليس على قاعدة الصلاة كون الطائفة الأولى سلمت قبل الإمام، لكن الحاجة -بل الضرورة- داعية إلى ذلك، قال: "متفق عليه، واللفظ لمسلم" وهذه الصورة فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.
قال -رحمه الله-: "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو" يعني قابلناه، حاذيناه "فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا" هذه رواية الصحيح، وليس فيه: "يصلي بنا" ما معنى يصلي لنا؟ يصلي إماماً لنا، فهي في معنى يصلي بنا..، ليس معناه أنه يصلي من أجلنا، إنما يصلي لله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لربه إماماً لهم "يصلي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو" هذه الصورة مثل الصورة الأولى في كون كل منهما العدو في غير جهة القبلة "فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو" يعني تحرس "وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا" بعد أن تمت صلاتهم وإلا قبل تمامها؟ قبل تمامها، يعني في الصورة الأولى في حديث صالح بن خوات سهل بن أبي حثمة، كما يعبرون عنه لم ينصرف طائفة من الطائفتين إلا بعد تمام صلاتها؛ لأنه ثبت قائماً حتى أتمت الطائفة الأولى، ثم ثبت جالساً حتى أتمت الطائفة الثانية، هنا: "ركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل" يعني قبل تمام صلاتهم.
"فجاءوا" يعني الطائفة الثانية التي كانت تحرس "فجاءوا، فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم ركعة، وسجد سجدتين ثم سلم" سلم قبلهم، ما انتظرهم كما في الصورة الأولى "ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" "فقام كل واحد منهم" يعني من الطائفتين "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" الركعة الأولى للطائفتين مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، والركعة الثانية لكلٍ من الطائفتين يصليها كل واحد لنفسه، وهل صلوها في آن واحد، في وقت واحد، وضيعوا الحراسة أم صلوها كالركعة الأولى على التعاقب؟ الحديث فيه شيء يدل على هذا أو ذاك؟ قال: "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة" "فقام كل وحد منهم" يعني الضمير هذا يعود إلى الطائفة الثانية باعتبارها الأقرب، وهم في مكانهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قضوا الركعة التي فاتتهم، ثم سلموا في مكانهم، كل واحد صلى لنفسه ركعة، أو أن الطائفتين الأولى والثانية كل واحد منهم ركع ركعة لنفسه منفرداً، ولكن يلزم على هذا أن يكونوا صلوها في آن واحد إلى جهة القبلة، والعدو إلى غير جهة القبلة، فيترتب على ذلك تضييع الحراسة، والذي يظهر أنهم أتموه على التعاقب، كل واحد ركع من الطائفة الثانية وهم في مكانهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قضوا الركعة الثانية التي فاتتهم، ثم جاء الطائفة الثانية، وصلى الطائفة الأولى التي أدركت الركعة الأولى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- صلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، والحديث يحتمل، لكن إذا رأينا ملاحظة ما شرعت صلاة الخوف من أجله قلنا: إنهم على التعاقب وإلا لزم عليه تضييع الحراسة.
"فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم قال نافع: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إيماء" إذا كان خوف أكثر من ذلك بحيث لا يتمكن أحد من أداء ولا ركعة، في هذه الحالة هل نقول: إن الصلاة عماد الدين، وملاك أمره، وأعظم أركانه أهم من الأنفس والأرواح تؤدى الصلاة على الكمال والتمام بغض النظر عن الآثار المترتبة على ذلك؟ أو نقول: هذه ضرورة وهذا الشرع؟ نقول: هذا الشرع الذي أمرك بإقامة الصلاة هو الذي خفف عنك في هذه الحالة، والذي فرض عليك أربع ركعات هو الذي خفف عنك في السفر نصف الصلاة، والذي فرض المواقيت وجعل الصلاة كتاباً موقوتاً مفروضاً في أوقات معينة هو الذي أباح لك الجمع في السفر، فلا يقول قائل: إذا كان خوف أكثر من ذلك، أو حتى صلاة الخوف نؤخر الصلاة، ونأتي بها على الكمال والتمام أسهل من أن نضيع أركان، ولا يعرفون الآثار المترتبة على شرعية صلاة الخوف من إيقاع الذعر في قلب العدو بحيث يقدم الأمر الشرعي على هوى النفس، ومع ذلك الذي ألزمهم بالصلوات في أوقاتها خفف عنهم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحـج].
"قال نافع: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إماءً" لأنك حينئذٍ لا تستطيع أن تسجد، وقد يشق عليك الركوع، فتومئ بالركوع والسجود، وتجعل إيمائك بالسجود أخفض من إمائك بالركوع كما تقدم في صلاة أهل الأعذار.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" رواه مسلم.
وتكلم فيه أبو عمر ابن عبد البر؛ لأنه تفرد به بكير بن الأخنس، قال: وليس بحجة فيما تفرد به، لكن يكفيه تخريج مسلم لحديثه، وإذا كان الحديث في صحيح مسلم فلا كلام لأحد "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" بعضه له ما يشهد له، حديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأتمت صلاة الحضر أربعاً، وأقرت صلاة السفر" هذا يشهد لهذا فكون الصلاة في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين هذا محل اتفاق، محل إجماع، وليس فيه ما ينكر، لكن "في الخوف ركعة" والحديث في صحيح مسلم، وليس لأحد كلام لا ابن عبد البر ولا غيره، وبُكير بن الأخنس ثقة، وثقه جمع من أهل العلم، بل لم يتكلم فيه أحد من أهل العلم إلا ما ذكر ابن عبد البر أنه لا يقبل تفرده، وعامة أهل العلم على خلاف ذلك، فالحديث صحيح في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، إذا كان السفر وهو مظنة للمشقة، وخففت الصلاة من أجل هذه المشقة المظنونة، فما نسبة مشقة السفر إلى نسبة الخوف؟ في الجهاد أو في صائل يصول على المسلم يريد الفتك به هذا خوف، هذا أشد من مشقة السفر، فالتخفيف في الخوف إلى ركعة ليس فيه ما يستنكر، مثل ما قلنا: إذا كان السفر وهو مظنة للمشقة يخفف عن المسلم نصف صلاته فلئن يخفف عنه في الخوف إلى هذا الحد يعني من باب أولى.
"فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" هل هذا مرفوع أو موقوف؟ يعني هل يمكن ابن عباس أن يقول من تلقاء نفسه؟ أو عائشة تقول من تلقاء نفسها؟ "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر" يعني ركعتين، هل يمكن أن تقول عائشة: "فرضت" استنباطاً منها؟ أو يقول ابن عباس: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم"؟ لا، بل الحديث له حكم الرفع.
قال: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف" في الصورة السابقة الطائفة الأولى صلت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ركعة، والطائفة الثانية ركعة، لكنهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- كل واحد منهم قام فركع لنفسه ركعة، يعني على مقتضى حديث ابن عباس أن كل واحد منهم يكفيه ما صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- "صلاة الخوف ركعة" يكفيه لكنها صورة من الصور؛ لأنها صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على صور مختلفة، فصورة يكتفى فيها بركعة، وصورة يُتم كل واحد لنفسه ركعة، وصورة يثبت الإمام قائماً، ثم يثبت جالساً حتى يتم الطائفة الأولى حال قيامه، والطائفة الثانية حال جلوسه.
قال -رحمه الله-:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" الجملة حالية، يعني والحال أن العدو بيننا وبين القبلة، في الصور السابقة العدو في غير جهة القبلة في حديث جابر العدو بينهم وبين القبلة في جهة القبلة، هل يُحتاج في مثل هذه الحالة إذا كان العدو في جهة القبلة أن يصف طائفة تجاه العدو كلهم وجاه العدو الآن؛ لأنهم في جهة القبلة، فكلهم وجاه العدو، فلا داعي أن يتأخر بعض المسلمين عن الصلاة مع الإمام، كلهم يدخلون مع الإمام؛ لأنه إذا كان العدو في جهة القبلة أمكن الحراسة أثناء الصلاة، قال: "فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والثاني؟ خلفه، يليه، صف ثاني، الآن لو كانوا ثلاثة والعدو في جهة القبلة يحتاج إلى أن يصفوا صفين كما هنا؟ نعم؟ صف واحد، يكونان خلف الإمام، ثم بعد ذلك واحد يتابع في حال السجود وواحد يحرس، لكن في حال المتابعة لأحدهما، والحراسة من الثاني هل نقول: إن الذي يتابع فذ أو لا؟ واحد يتابع والثاني واقف أثناء السجود هل نقول: إن الذي يتابع الإمام فذ فلا تصح صلاته خلف الإمام؟ هو ليس بفذ؛ لأن الثاني في صلاة، الثاني في الصلاة، وإن لم يسجد إلا أنه في صلاة فليس بفذ "فكبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً" يعني الإمام الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- والصف الأول والصف الثاني كبروا جميعاً "ثم ركع وركعنا جميعاً" يعني في حال القيام وفي حال الركوع الحراسة ممكنة؛ لأن العدو في جهة القبلة.
"ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" وإلى هذا الحد الحراسة ممكنة، مع متابعة الإمام في الصلاة "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه" الصف الأول سجدوا معه، الصف الثاني سجد وإلا ما سجد؟
الطالب: ما سجد.
لم يسجد، بقي قائماً في نحر العدو في وجهة العدو للحراسة، انحدر بالسجود والصف الذي يليه، الآن عطفنا الصف على ضمير الرفع المتصل الذي هو المستتر يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:.......
لماذا؟ يجوز أن تقول: قمت وزيد؟
طالب:.......
يجوز؟ نعم؟
طالب:.......
وش لون؟
طالب:.......
لا، معطوف على الضمير، ما هو على الفعل، على الضمير معطوف، نعم؟
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
قمتُ وزيدٌ، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
طالب:.......
يجوز؟
طالب:.......
لا، ما يجوز، لا بد أن تفصل بالضمير المنفصل، فتقول: قمتُ أنا وزيدٌ، لا يا أخي وزيدٌ، معطوف على الضمير ضمير الرفع المتصل، مرت بنا يمكن أكثر من عشرين مرة في هذا الكتاب.
وإن على ضمير رفع متصل |
| عطفتَ فافصل بالضمير المنفصل |
لا بد أن تفصل بالضمير المنفصل، لكن هنا يلزم ضمير منفصل؟ لا يلزم ضمير الرفع المنفصل هنا؛ لماذا؟ لوجود الفاصل الجار والمجرور.
................................... |
| ..........فافصل بالضمير المنفصل |
أي فاصل كان، وهنا موجود الفاصل بالسجود، الفاصل موجود، لو لم يوجد بالسجود لوجب أن يقول: فانحدر هو والصف الذي يليه "أو فاصل ما".
"والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو يحرس، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود" يعني سجد بالصف الذي يليه سجدتين، وهنا تمت لهم ركعة، قام الصف الذي يليه وقام الصف "فلما قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا" يعني قاموا إلى الركعة الثانية مع النبي -عليه الصلاة والسلام- والصف الذي يليه "ثم تقدم الصف المؤخر" صاروا صف أول "وتأخر الصف المقدم" فصاروا صفاً ثانياً، وهذا من تام العدل من أجل أن يسجد أصحاب الصف الثاني الذين صاروا في الصف الأول في الركعة الثانية مع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سجد الصف الأول معه -عليه الصلاة والسلام-، فبذلك يتم العدل، قال: "ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" مثل الركعة الأولى "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه" الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، يعني الذين كانوا في الصف الأول في الركعة الأولى قاموا في نحر العدو؛ لأنهم صاروا في الصف الثاني "وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود" الذين كانوا في الركعة الأولى هم في الصف الأول "فسجدوا ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" هذه الصورة ظاهرة وإلا ما هي بظاهرة؟
طالب:.......
يعني فيها تمام العدل، صف صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعة كاملة، والصف الثاني صلوا وبقي عليهم السجود، سجدوا بعد ما قام الصف الأول، ثم تقدموا مكان الصف الأول، وتأخر الصف الأول مكانهم ليسجد الصف الثاني الذي صار في الصف الأول مع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سجد معه في الركعة الأول من في الصف الأول، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً، يعني في حال الجلوس للتشهد الحراسة ممكنة كحال القيام "ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" قال جابر "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" يعني يحرسونهم، يقفون على رؤوسهم، والصف الثاني في حال السجود قيام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ساجد في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، والصف الثاني سواء كانوا في الصف الأول في الركعة الأولى صاروا في الثاني في الركعة الثانية، أو الصف الثاني في الركعة الأولى الذين صاروا في الصف الأول في الركعة الثانية، قيام.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جرح شقه الأيمن سقط من الدابة فجرح شقه الأيمن، فصلى جالساً، فصلوا وراءه من قيام، فأشار إليهم: أن اجلسوا، وقال: ((كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم)) وفي الحديث الصحيح: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) وقد تقدم، هنا يقفون والنبي -عليه الصلاة والسلام- ساجد في الركعة الأولى وفي الثانية، هل في هذا ما يعارض ذلك الحديث؟ والذي ينبه إلى هذه المعارضة قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" يقفون على رؤوسهم كما كانت تفعل فارس والروم، والحرس ما زالوا يصنعون هذا حتى في المساجد إذا وجد في المسجد من يخاف عليه من الأمراء وأصحاب الشأن فإنهم يقفون على رؤوسهم، وهذا موجود حتى في المسجد الحرام، وقبل وجود هذه الاضطرابات وهذه الفتن كان العساكر يصلون مع الناس، ولا يحتاج الناس إلى حراسة، لكن لما وجد بعض التصرفات التي من أجلها يخاف على بعض الناس وجد هؤلاء الحرس الذين يقفون على رؤوس الناس، على رؤوس من يخشى عليه، وإلا فكيف تسمح نفس المسلم أن الناس يصلون ويؤدون الصلاة في أطهر بقعة وهم قيام لا يصلون، لا يدخلون مع الإمام، فهل الأولى بالنسبة لهؤلاء الحرس أن يصلوا مع الإمام ويحرسون من أرادوا حراسته وإذا سجد الإمام يثبتون قياماً أو لا يدخلون مع الإمام من الأصل كما هو صنيعهم اليوم؟
طالب:.......
الآن عندنا يصلون مع الإمام في الحديث، ويحرسون في أثناء الصلاة، والحراسة في السجود فقط، لكن قد يقول قائل: إنه لم يتحدد المكان الذي يجيء منه من يخاف منه، يمكن يجي من الخلف، يمكن يجي من الأمام، يمكن يجي من اليمين، يمكن يجي من الشمال، فلا تتعين هذه الصورة، نعم؟
طالب: ألا يقال يا شيخ: الخوف متوهم يعني... مثل العدو يعني....
نعم، لكن هل هذا الخوف المتوهم يجعل مجموعة من الناس من المسلمين لا يصلون مع الإمام في داخل المسجد؟ يعني الخوف المتوهم هذا ما في شك أنه ولو كانت نسبته يسيرة إلا أن الأثر المترتب عليه عظيم، الأثر المترتب عليه لو قلت لشخص في المسجد ماذا يكون الأثر؟ لا سيما إذا كان ممن يختل الأمن بسببه، فوجد بعض التصرفات التي جعلت المسئولين يكلفون من يحرس، وحصل الحادثة العظيمة في الحرم قبل ثلاثين سنة، يعني كارثة هذه، فهذه التصرفات جعلت..، وإن كان يحز في النفس أن ترى مسلم يتدين بالأوامر والنواهي ومع ذلك ما يصلي مع الإمام، وهم في شدة الخوف يصلون معه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان العدو في جهة القبلة له وضع، أما إذا كان في غير جهة القبلة فله وضع آخر، وهؤلاء يدرون من أين يؤتون؟!
قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" طيب لماذا ما تركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلسون؟ وجعلهم يقفون كما يقف الحرس على أمرائهم؟ يثبتون قياماً أثناء السجود لأنهم إذا جلسوا لم يتمكنوا من الحراسة، قد يتمكنون أثناء سجود الصف الأول، لكن في الجلسة بين السجدتين ما يتمكنون من الحراسة، والحديث مخرج في صحيح مسلم.
قال: "وعن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا" يعني في حديث عبد الله بن عمر: "صلى بهؤلاء ركعة وهؤلاء بركعة ثم قام كل واحد فركع لنفسه، وسجد سجدتين" هنا حذيفة صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا، ولم يصلِ كل واحد منهم الركعة الثانية.
"رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وأبو حاتم وابن حبان" والحديث مصحح، الحديث يصل إلى درجة الصحيح، وهذه صورة من الصور تشهد لما قاله ابن عباس.
من الصور التي لم يذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا: صلى ركعة بطائفة، وصلى ركعة بطائفة، ولم يقضِ واحد منهم الركعة الثانية، من الصور التي لم يذكرها أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم بهم، ثم يصلي بالطائفة الثانية ركعتين ويسلم بهم، هذه صورة من الصور وهو في صلاته الأولى مع الطائفة الأولى مفترض وصلاته الثانية مع الطائفة الثانية نفل، والذي لا يرى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل لا يصحح مثل هذه الصورة، والذي يرى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل استدلالاً بمثل هذا، ومثل حديث معاذ حينما كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء، ثم يصلي بقومه هي له نافلة ولهم فريضة، يصحح مثل هذه الصورة.
صورة أيضاً مما لم يذكره المؤلف أن يصلي الإمام أربع ركعات فيصلي بطائفة ركعتين ثم إذا جلس للتشهد الأول يتشهدون معه، ثم يسلمون وينصرفون، وإذا قام إلى الثالثة جاءت الطائفة الثانية فصلى بها الركعتين الباقيتين من صلاته الرباعية، ثم يسلم بهم فتكون للإمام أربع ركعات، وللمأمومين ركعتين ركعتين، هذه ذكرها أهل العلم، وإذا كانت الصلاة ثلاثية مثلاً، إذا كانت ثنائية أو رباعية يمكن قسمتها على الطائفتين، لكن الإشكال إذا كانت ثلاثية كالمغرب كيف يصلون مع الإمام؟ وكيف يمكن قسم الصلاة بين الطائفتين بالعدل والسوية كما تقدم في الصور؟ يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن أن يصلي ركعة ونصف بطائفة، وركعة ونصف بطائفة ثانية؟ لا، لا يمكن، ما يمكن، فإذا جلس للتشهد الأول إما أن ينصرفوا أو يكملوا صلاتهم على حسب ما تقدم في الصور، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي معه الركعة الباقية، وتكمل ركعتين ويسلمون، وفي صلاة المغرب لا يمكن أن تقسم الصلاة بين الطائفتين بالسوية.
والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"