شرح كتاب التوحيد - 08
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-:
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} [(57) سورة الإسراء] وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [(26 - 27) سورة الزخرف]، وقوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [(31) سورة التوبة]، وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} [(165) سورة البقرة].
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله))...
طالب:.......
والتي بعدها.
طالب: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ}.
طيب.
وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله -عز وجل-)).
وشرح هذا الترجمة: ما بعدها من الأبواب.
فيه مسائل:
فيه أكبر المسائل وأهمها: وهي تفسير التوحيد، وتفسير الشهادة، وبينها بأمور واضحة.
منها: آية الإسراء، بيَّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر.
ومنها: آية براءة، بيَّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلهاً واحداً، مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه: طاعة العلماء والعباد في غير المعصية، لا دعاؤهم إياهم.
ومنها قول الخليل -عليه السلام- للكفار: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [(26 - 27) سورة الزخرف]، فاستثنى من المعبودين ربه، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة: هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله. فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [(28) سورة الزخرف].
ومنها: آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [(167) سورة البقرة]، ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ولم يدخلهم في الإسلام، فكيف بمن أحب الند أكثر من حب الله؟! وكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحبَّ الله؟!.
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله)) وهذا من أعظم ما يبيِّن معنى (لا إله إلا الله)؛ فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه، فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها، وياله من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فيقول المؤلف الإمام المجدد -رحمه الله تعالى-:
"باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله": التفسير من الفسر وهو الكشف والبيان، ومن ذلك كتب التفسير لكلام الله تعالى، مع أن العرف خص ذلك بالقرآن وما عداه الشرح، ما يقال: تفسير البخاري، ولا شرح القرآن، هذا اصطلاح عند أهل العلم درجوا عليه، وإن كان المعنى متقاربا.
هل رأيتم شرحاً لكتاب الله؟ شرح كتاب الله لفلان؟ أو تفسير البخاري لفلان؟
لا، المعنى متقارب، لكن العرف والاصطلاح عند أهل العلم خص التفسير بما يتعلق بكتاب الله -جل وعلا- والشرح بكلام غيره، ولعلهم رأوا أن يفرد القرآن وما يتعلق به بهذا اللفظ دون غيره.
هنا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب تفسير التوحيد": يعني بيان كلمة التوحيد والمراد به، ولا شك أن كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، هي من كلام الله في كتابه، فمن هذه الحيثية يقال: تفسير لا إله إلا الله، وإذا أريد الكلام عنها على أنها جملة مستقلة هي عنوان للدخول في الإسلام يقال: بيان معنى هذه الكلمة وشرح هذه الكلمة، وهنا يقول المؤلف -رحمه الله-: تفسير التوحيد؛ بناءً على المعنى الأصلي لمعنى كلمة تفسير، وهي الشرح والبيان والتوضيح.
"تفسير التوحيد وشهادة": الواو هذه العاطفة تعطف شهادة أن لا إله إلا الله على التوحيد، والتوحيد إنما يكون بلا إله إلا الله، فالعطف هنا للمغايرة أولا؟ من عطف الشيء على نفسه، أو مغايرة؟
شهادة أن لا إله إلا الله هي التوحيد، ويعطف الألفاظ المترادفة على بعض، فألفى قولها كذباً ومينا، المين هو الكذب.
فقدمت الأديم لراهشيه |
| فألفى قولها كذباً ومينا |
هو من عطف الشيء على نفسه، نعم؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
ما هو؟
طالب:.......
لا ما يلزم، هذا فهم ، لكن التفسير والشرح كلمتان متقاربتان، المراد منهما توضيح الكلام وبيانه من حيث الإفراد ومن حيث الجمل، هذا التفسير.
طالب:.......
لا، الشرح في الغالب إنما يطلق على التفصيل، على شيء من التفصيل، والتفسير كذلك، قد تفسر كلمة، وقد تفسر جملة، نفس الشيء.
عطف المترادفات، أولاً: الترادف في اللغة أثبته كثير من أهل العلم، وألفوا فيه، أثبته كثير من علماء اللغة وألفوا فيه، ونفاه بعضهم؛ لأنه لا يوجد كلمتان أو كلمات في لغة العرب بمعنىً واحد من كل وجه، إنما لا بد أن يوجد بعض الفروق، وهناك كتاب في الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، لا يستغني عنه طالب علم، يعني تقرأ اللفظين على أنهما لا فرق بينهما، ثم بعد ذلك تجد أن هناك فرقاً بين اللفظين، فمثلاً الجلوس والقعود يقال: مترادفان، يعني فلا يجلس فلا يقعد، ومنهم من يقول: بينهما فرق، بأن الجلوس لا بد أن يكون من قيام، والقعود ولو من اضطجاع.
المقصود أن الترادف في اللغة من أثبته كأنه لم ينظر إلى هذه الملاحظ الدقيقة بين الألفاظ، ومن نفاه لحظ هذه الملاحظ ونفى أن يكون هناك ترادف من كل وجه؛ لأنه حينئذ يكون في لغة العرب فضول، يمكن أن يستغنى ببعضها عن بعض.
ولو رجعت مثلاً إلى كتاب الفروق لأبي هلال العسكري في القسم والنوع والصنف والضرب، وجدت بينها فروقا، وإن كانت يستعمل بعضها في مكان بعض.
هذه الكلمة لفظ التوحيد، وشهادة أن لا إله إلا الله، قد يقول قائل: إن التوحيد لفظ يشمل الأنواع الثلاثة، توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، وشهادة أن لا إله إلا الله، فيها توحيد الألوهية وإن تضمن والتزم الأنواع الأخرى، لكن هي في الأصل: لا إله لا معبود بحق إلا الله، وهو في توحيد الألوهية، فيكون من عطف الخاص على العام، وشهادة أن لا إله إلا الله، معطوفة على التوحيد التي هي مجرورة بالإضافة، باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله.
وكلمة الإخلاص التي هي الغاية للكف عن قتال المخالفين، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) ومعناها لا معبود بحق إلا الله، وبعض المتكلمين يقدر: لا إله موجود إلا الله، لكن الواقع يرد هذا التقدير، وإله: فِعَال تأتي بمعنى فاعل، وتأتي بمعنى مفعول.
بعض المتكلمين يقول: إنها بمعنى اسم الفاعل لا إله، ويجعلون ذلك في إثبات توحيد الربوبية، لا إله بمعنى اسم الفاعل ويفسرونها بالخالق والرازق والصانع إلا الله، كما أنها تأتي هذه الصيغة ويراد بها اسم المعبود، المألوه، اسم المفعول، لا إله، يعني لا معبود، ولا مألوه، بحق إلا الله -سبحانه وتعالى-، فنفت جميع ما يعبد من ودون الله، نفت وجوده أو استحقاقه للعبودية والألوهية؟
نفت الاستحقاق، لا الوجود، وإلا فالأرباب التي تعبد من دون الله موجودة، {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ} [(39) سورة يوسف]، {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} [(26) سورة الزخرف].
فالمعبودات موجودة، ومازالت موجودة إلى قيام الساعة، ومع ذلك النفي بـ(لا إله) مسلط على المعبود بحق، وهذا لا يوجد، والمثبت بإلا هو الله -سبحانه وتعالى- المتفرد باستحقاق هذه العبودية.
"وشهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله تعالى": شهادة: الشهادة معطوفة على ماذا؟ على التوحيد، وقول الله: معطوف على؟ شهادة معطوف على التوحيد، وقول الله، معطوف على ماذا؟
يعني "باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وباب قول الله تعالى: {أُولَئِكَ}؟"، أو معطوفة على التوحيد، باب تفسير التوحيد، وتفسير قول الله تعالى؟ نعم؟
طالب:.......
لا، هو فسر التوحيد، فسر شهادة أن لا إله إلا الله بالآية.
في البخاري كثيراً ما يقول: باب كذا، وقول الله تعالى، وقوله -عليه الصلاة والسلام-، وقال فلان، فهو يعطف الترجمة ولذلك يجوزون الرفع في مثل هذه الصور، على أن الواو استئنافية فيقطع عما قبله، فهل نقول: باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وقول الله تعالى؛ بناءً على أنها معطوفة على تفسير، والعطف على نية تكرار العامل، فكأننا قلنا: باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وتفسير قول الله تعالى؟ هاه؟
طالب:.......
يعني هل هي جمل متعاطفة باب تفسير هذه الكلمات: التوحيد، وكلمة التوحيد، وتفسير قول الله تعالى؟ أو أنه باب لتفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وباب لقول الله تعالى؟
طالب:.......
لا، هو فسر التوحيد بالآية.
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
نعم، لا، هو ساق الآية تفسيراً للترجمة، تفسيراً للتوحيد، وكلمة التوحيد.
طالب:.......
الآية وما يليها تفسير للتوحيد، فهي معطوفة على تفسير.
"وقول الله تعالى: {أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [(57) سورة الإسراء]": المشركون تنوعت معبوداتهم فمنهم من يعبد الأشجار، ومنهم من يعبد الأحجار، ومنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد بعض الرسل، ومنهم من يعبد بعض الأولياء، ومنهم من يعبد الجن، المقصود أن المعبودات متنوعة، فإذا عبدوا ملكاً أو رسولاً كالمسيح، هذا المعبود هل يملك لنفسه شيئاً؟ هو معبد مذلل لله تعالى، {أولئك الَّذِينَ يَدْعُونَ} يعني المدعوين {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يعني يتقربون إلى الله -جل وعلا- بأنواع العبادة، يتقربون إليه بما يرضيه، فإذا كان هؤلاء المعبودين يعبدون الله ويتقربون إليه، يبتغون إليه الوسيلة، يبتغون إليه القرب بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، فكيف يُعبدون من دون الله؟
فهم يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، ومادام هذا وضعهم، يعني فإنهم لا يعبدون إلا الله، فلماذا تشركون؟
فأثبت العبادة للمدعوين ونفى عنهم الشرك، وأنهم يتقربون إلى الله بما يحب، ومن أعظم ذلك توحيده وإفراده بالألوهية، فكيف يُعبدون من دون الله؟.
يقول الشارح -رحمه الله تعالى- الشيخ عبد الرحمن بن حسن في قرة عيون الموحدين: "أي أولئك الذين يدعوهم أهل الشرك ممن لا يملك كشف الضر ولا تحويله من الملائكة والأنبياء والصالحين كالمسيح، وأمه، والعُزير، فهؤلاء دينهم التوحيد، وهو بخلاف من دعاهم من دون الله، ووصفهم بقوله: {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} فيطلبون القرب من الله بالإخلاص له، وطاعته فيما أمر، وترك ما نهاهم عنه، وأعظم القُرَب التوحيد، الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، وأوجب عليهم العمل به والدعوة إليه، وهذا الذي يقربهم إلى الله، أي إلى عفوه ورضاه، ووصف ذلك بقوله: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [(57) سورة الإسراء]".
يعني إذا كان هذا واقع هؤلاء المعبودين فكيف يُعبدون من دون الله؟ الذي لا يملك لنفسه الضر ولا النفع كيف يطلب لكشف الضر وجلب النفع؟ إذا كان يَتقرَّب إلى الله بتوحيده وإخلاص العبادة له، فكيف يُتقرب إليه دون الله -عز وجل-؟
"{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}": قدم المعمول؛ لأنه يفيد الحصر، يعني لا يعبدون غيره، كما في قوله -جل وعلا- في سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة]، تقديم المعمول لإرادة الحصر.
وجه الشاهد من الآية أو المطابقة بالنسبة للآية مع الترجمة أن صنيع هؤلاء المدعوين هو التوحيد، لماذا؟
لأنهم يدعون الله، يدعون الله يعني يعبدونه.
"{يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}": يبتغون إلى ربهم بما يتوسلون به مما يقربهم إليه، ويتنافسون في ذلك، أيهم أقرب إلى الله -جل وعلا-.
"{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}": فإذا كانوا يعبدونه ويتنافسون في عبادته، وأعظم ما يتعبد به الرب -جل وعلا- التوحيد، المترجم عنه بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، فالمطابقة والمناسبة من هذه الحيثية وإن استشكل بعضهم إيراد الآية تحت هذه الترجمة.
قد يقول قائل: هناك نصوص أوضح من هذه الآية، وبعضهم قال: إن المناسبة استخراج المناسبة والمطابقة بين الآية والترجمة فيه تكلف، لكن إذا عرفنا حال المعبودين من صالحي الخلق من الملائكة والأنبياء والأولياء، هؤلاء يتقربون إلى الله، يدعونه، {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} أي: يرجون أيهم أقرب، يتنافسون في ذلك، ويتوسلون بما يقربهم إلى الله -جل وعلا- ومن أعظم ما يقربهم إلى الله -جل وعلا- التوحيد.
وقوله: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} [(26 - 27)].
إبراهيم الخليل أفضل الخلق بعد محمد -عليهم الصلاة والسلام- يقول لأبيه وقومه، يصارحهم، ولا يجاملهم، {إِنَّنِي بَرَاء}: يتبرأ منهم ومن معبوداتهم.
"{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ}": اسمه: آزر، كما هو منصوص عليه في القرآن، وإن كان جمهور المؤرخين يقولون: إبراهيم بن تارح، أو تارخ، يعني عجب من المؤرخين، المسألة منصوصة في القرآن، ويختلفون فيها، يعني في كتب التاريخ يوسف يعني هل يشك أحد أنه ابن يعقوب؟ نعم؟ لا أحد يشك، وفي التواريخ تجد يوسف بن راحيل، هاه؟
طالب:.......
على كل حال الشيء المنصوص في القرآن لا ينبغي أن يختلف فيه، لا ولو عبر عنه بلغة أخرى، وهذه التواريخ بلغة العرب، صنفها العرب بلغتهم، ومع ذلك يقولون في نسب إبراهيم: إنه ابن تارخ، أو تارح، ويوسف بن راحيل!!
إن هذه الأسماء منصوصة يعني ليست باستنباط أو اجتهاد، منصوصة في كتاب الله -جل وعلا-، نعم؟
طالب:.......
لكن {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} [(74) سورة الأنعام]، ماذا وراء هذا البيان؟
طالب:.......
المسيح معروف أن اسمه الأصلي عيسى -عليه السلام-، والمسيح لقب أو وصف، أو علم، اسم؟ هاه؟
طالب:.......
هو منصوص عليه اسمه المسيح عيسى بن مريم، ومع ذلك يقولون: اسمه عيسى ولقبه المسيح، وسمي بذلك؛ لأنه يمسح الأرض، أو لأنه لا أخمص له، ممسوح القدمين، مع أنها لا تحتمل تأويلاً، يعني كون الاصطلاح الشرعي في هذه الألفاظ يخالف الاصطلاح المعمول به عند أهل فن من الفنون، هل نطبق الاصطلاح أو نطبق اللفظ الشرعي؟ من حيث العرف اللغوي قد يقال: إنه وصف، لكن من الأوصاف ما يمكن أن يسمى به ويكون علماً، نعم؟
طالب:.......
نعم، يكون له أكثر من اسم، النبي -عليه الصلاة والسلام- له أسماء، نعم؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
اسمه نكتل لا، لا {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} [(74) سورة الأنعام].
طالب:.......
ماذا؟، لا، فرق، يوجد شخص سمى ولده نكتل.
طالب:.......
لا، لا.
طالب:.......
الكلام ليس بصحيح.
نكتل هذا جواب الطلب، أو جواب شرط مقدر، إن ترسله معنا نكتل.
طالب:.......
نعم من الكيل إيه.
"{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ}": وبدون أدنى مجاملة؛ لأن هذا باب لا يحتمل المجاملة، الباب باب إسلام وشرك، توحيد وشرك، إسلام وكفر، ما يحتمل، ولا بد من البراءة وإعلان البراءة من الشرك و أهله.
"{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ}": لا بد من البراءة من الشرك وأهله، والولاء والبراء باب معروف في الدين وشأنه عظيم، ولا يتم الإيمان إلا به.
لا بد أن يتولى من تولاه الله -جل وعلا-، ويتبرأ مما تبرأ الله منه.
"{إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}": في قوله: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ} تفسير لـ(لا إله)، فكل المعبودات منفية، ومتبرأ منها إلا ما استثني، وهو الله -جل وعلا-، {إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي}: خلقني وابتدأني، {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}.
فنفى العبادة وتبرأ من جميع المعبودات، ثم أثبتها للذي فطره وهو الله -جل وعلا-، فإنه سيهديه، ولا يملك الهداية أحد إلا الله -جل وعلا-، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص]، فالهداية بيده -سبحانه وتعالى-.
يقول الحافظ ابن كثير في قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [(28) سورة الزخرف]، كلمة، {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} جعلها كلمة
................................. |
| وكلمة بها كلام قد يؤم |
يعني الكلمة تطلق ويراد بها الكلام، كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وأصدق كلمة قالها الشاعر لبيد:
كل شيء ما خلا الله باطل |
| ............................... |
يقول ابن كثير في قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [(28) سورة الزخرف]: "أي: هذه الكلمة، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما سواه من الأوثان، وهي "لا إله إلا الله" جعلها دائمة في ذريته يقتدي به فيها من هداه الله من ذرية إبراهيم، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يعني إليها.
ولا يزال في ذريته من يقول: لا إله إلا الله، إلى قيام الساعة، لكن منهم من اجتالته الشياطين، وعبد مع الله غيره.
"{إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ}": وهذه فيها تفسير مطابق لكلمة التوحيد، لشهادة أن لا إله إلا الله.
"وقوله: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [(31) سورة التوبة]": {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}: لما أسلم عدي بن حاتم، قال لما سمع هذه الآية: إننا لا نعبدهم، نحن لا نعبد الأحبار والرهبان، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أليسوا يحرمون الحلال فتطيعونهم؟ أليسوا يحلون الحرام فتطيعونهم؟)) قال: بلى، قال: ((فتلك عبادتهم)) تلك عبادتهم.
"{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}": جعلوهم شركاء لله في الحكم والتشريع، في الحكم والتشريع، وهل هذا من باب الألوهية أو الربوبية؟ نعم؛ لأنه قال: أرباباً، ما قال آلهةً، ما قال اتخذوهم آلهة، إنما قال -جل وعلا-: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}، فهل في هذا تفسير لـ(لا إله إلا الله) أو أنه مناقضة لتوحيد الربوبية، نعم؟
طالب:.......
((فتلك عبادتهم)) يعني من حيث اللفظ في الآية، والتفسير تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذه الآية، يعني اتخاذهم أرباباً من دون الله، لا شك أن الشتريك في الحكم والتشريع، تشريك في الربوبية، لكن إن هم اعتقدوهم أرباباً من دون الله، فعبدوهم من دونه، يعني كأنه قال: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} عبدوهم من دون الله، فيجتمع في هذا الشرك في الربوبية والألوهية؛ ولذا بعضهم يستدرك على الشيخ إيراد هذه الآية في تفسير لا إله إلا الله، التي مفادها توحيد الألوهية، والآية إنما تدل على أنهم شرَّكوهم في التشريع.
لكن إذا قلنا التقدير: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} عبدوهم من دون الله، ويؤيد ذلك قوله: ((فتلك عبادتهم))، وهو يقول: ما عبدناهم، أو نقول: إن هذا من جهله بمعنى العبودية؛ لأنه حديث عهد بالإسلام، وإذا قلنا بهذا التقدير، قلنا: إن الآية مطابقة للترجمة، ولو قلنا: إن الآية تنفي التشريك في الربوبية وتوحيد الربوبية متضمن لتوحيد الألوهية، فمن أشرك في الربوبية أشرك في الألوهية؛ لأنه لا يمكن أن يشرك في الربوبية ويعترف بتوحيد الألوهية، لكن العكس موجود، قد يشرك في توحيد الألوهية ويعتقد توحيد الربوبية كما كان عليه مشركو قريش.
"{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ مِنْ دُنِ الله أَرْبَابًا وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ}": يعني واتخذوا المسيح ابن مريم رباً يعبدونه من دون الله، وحال النصارى لا تحتاج إلى كشف، وليس من باب ما يستتر به أو يتقى به عندهم لا، مكشوف، الرب عندهم يسوع، والإشكال في استخدامهم هذه الكلمة (الرب)، وبعض المسلمين يتلقفها ويرددها ولا يدري أن وراءها ما وراءها؛ لأنهم لا يقولون: الإله يسوع، إنما يقولون: الرب، وفي كتاب من كتبهم مطبوع منذ أربعمائة سنة، في أوروبا قالوا في خاتمته: طبع سنة ألف وستمائة وكسر، لكن بدلاً من أن يقول ميلادية، يقول: من وقت التجسد الإلهي، نسأل الله العافية، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
فالنصارى اتخذوا المسيح إلهاً من دون الله، وجاء {إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [(17) سورة المائدة]، منصوص عليه في كتابنا، {إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [(73) سورة المائدة].
فالمقصود أن شرك النصارى في الربوبية وفي الألوهية تظافرت على نقلها النصوص، ولذا هم كفار، وكذلك اليهود، كلهم كفار، ومن شك في كفرهم كفر، بل بعضهم ينقل الإجماع على ذلك، والخلاف الذي تقدم ذكره هل يطلق على أهل الكتاب أنهم مشركون، أو لا يطلق عليهم؟ لا شك أن هذا شرك، حينما يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، لا شك أنه شرك، يعني من أعظم أنواع الشرك، لكن هل يقال: هم مشركون، أو كفار بالإجماع لكن فيهم شرك، هذه المسألة ذكرناها سابقاً، وذكرنا أن الحافظ ابن رجب قرر أنه لا يقال: إنهم مشركون، وإنما يقال فيهم شرك، يعني وليس هذا من باب التقليل من شأن كفرهم، ومخالفتهم لأنواع التوحيد، لكن الكلام فيما يترتب عليه من أحكام عملية.
طالب:.......
ابن رجب، نعم؟
طالب:.......
هم كفار بالإجماع، حتى قال جمع من أهل العلم: إن من شك في كفرهم كفر إجماعاً، هذا ليس فيه إشكال، {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [(1) سورة البينة]، فقالوا: إن العطف عطف مغايرة، ومنهم من يقول: لا، إنه من عطف العام على الخاص للاهتمام بشأن الخاص، فأهل الكتاب مشركون، والشرك ظاهر عندهم، الشرك ما فيه خفاء، لكن هل هو شرك بمعناه الأعم في جميع عباداتهم وطقوسهم، أو أنهم عندهم شرك وإن لم يكونوا مشركين؟ الأثر العملي ما فيه إلا مسألة النكاح مثلاً، نكاح نسائهم، وتحريم المشركات وأنهم لا يحتاجون إلى مخصص؛ لأنهم ليسوا بمشركين، وإن كانوا كفاراً، ومن قال: إنهم مشركون، قال: الأصل تحريم نكاح نسائهم، ووجد المخصص، {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} [(5) سورة المائدة].
هذه الآية: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}: كما يقرر أئمة الدعوة أنه وقع فيها كثير من متأخري هذه الأمة، تجد من يحرم الحلال، ويتبعه فئام من الناس، وتجد من يحل الحرام ويتبعه فئام من الناس، نعم طاعة ولاة الأمر أمر مقرر في الشرع، وجاءت بها النصوص التي لا يمكن تأويلها ولا ردها، نصوص قطعية في الكتاب والسنة، ومع ذلك الطاعة بالمعروف، لا يجوز أن يطاعوا فيما يحرمه الله مما يحلونه أو العكس.
ومن أطاعهم في هذا كان له نصيب من هذه الآية، وسواءً كان من ولاة الأمور الذين هم الحكام أو من العلماء.
النفوس لا شك أنها ولا سيما العوام عندهم شيء من الإذعان لأهل العلم، ثقة بهم، وعندهم إذعان للرهبان الذين هم العباد، يحسنون بهم الظن كثيراً، فإذا قالوا شيئاً قالوا: هم أعرف منا، لا شك أن فرض العامي التقليد، الذي لا يعرف الحكم فرضه سؤال أهل العلم، لكن إذا عرفوا أن هذا العالم إنما يتبع هواه، ويتبع مصالحه، ويحرم ما أحل الله، ويحل ما حرم الله، ثم عرف هذا المتبع أن متبوعه كذلك وأطاعه بعد ذلك لا شك أنه داخل في الآية، أما إذا كان عن جهل، وهذا من أهل العلم وهو مأمور بسؤال أهل العلم، ولا يظهر له غير ذلك، فوزره وإثمه على من أفتاه، وأضله، لكن الإشكال فيمن يعلم أن هذا لا يلتزم بأحكام الله وشرع الله، ثم يقلده لا سيما إذا كان ذلك نابعاً عن هوى، فبعض العامة يتتبعون مثل هذه الفتاوى؛ لأنها توافق ما في أنفسهم، فتجده مرة يتبع العالم الفلاني، ومرة يتبع العالم الفلاني، فإذا قيل له: عليك دم، راح يسأل غيره، عله أن يجد من يقول له: لا شيء عليك.
وإذا قيل له: أن هذه الشركة مختلطة تتعامل بمحرمات لا يجوز المساهمة فيها ذهب إلى من لعله يرخص له في شيء من ذلك، لا شك أن مثل هذا تلاعب بالدين، ودخول في هذه الآية، إذا تبعه بتحليل الحرام أو تحريم الحلال.
طالب:.......
هو إذا لم يفرط، إذا لم يستطع، وتبع العالم ثقة به على أنه عالم، وما حصل عنده أدنى تردد في صحة هذه الفتوى من هذا العالم هذا ما عليه شيء؛ لأن فرضه سؤال أهل العلم، فالإثم كله على من أضله، عليه وزر فتواه ووزر من عمل بها، أما إذا عرف أن هذا العالم خالف أهل العلم الذين هم أعلم منه، ولم يصر في نفسه شيء من التوقف والتثبت، وتبع قوله؛ لأنه يوافق ما في نفسه، هنا نقول: إنه تبعه.
طالب:.......
حط بينك وبين النار مطوع، هاه؟
طالب:.......
نعم على كل حال العامي فرضه التقليد، وليس بإمكانه إلا سؤال أهل العلم وقد أمر بذلك، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل]، هذا فرضه، لا يستطيع أكثر من ذلك، لكنه يستطيع أن يميز بين أهل العلم، ولو بطريق الاستفاضة، إذا استفاض بين الناس أن هذا العالم متبع للهوى، أو متساهل بفتواه، لا يجوز للعامي أن يقلده.
وليس في فتواه مفت متبع |
| ما لم يضف للعلم والدين الورع |
لا بد، أما أن يتبع هواه، أفتي بأن عليه دم ثم ذهب يبحث عن من يعفيه عن ذلك، هذا متبع لهواه ما اتبع أهل العلم، وأيضاً عامة الناس يثقون لا سيما من فيهم الصلاح مع الجهل، يثقون بمن اتصف بشيء من العبادة، فالعالم ولو كان دون غيره في باب العلم إلا أنه له نصيب من التعبد، لا شك أن هذا محل ثقة من العامة، ولذا في صحيح مسلم لما جاء السائل إلى المدينة، جاء حاجاً فسأل عن ابن عمر، فدُل عليه فأراد أن يسأله قال: عندي سؤال، قال: اذهب إلى ابن عباس، قال: لا، ذاك رجل مالت به الدنيا، ومال بها، معروف أن ابن عمر في باب العبادة وفي باب العمل لا شك أن أمره ظاهر في هذا، وعامة الناس يثقون بهذا النوع، بخلاف من قصر في هذا الباب، ولا يظن بابن عباس أنه قصر، لكن في نظر العامي أن هذا أكثر عبادة، وإن كان مزاولة العلم التي لا يقدرها العامي قدرها، أفضل من العبادة الخاصة، فهم رأوا ابن عمر عابدا، ابن عباس عالم، كلاهما عنده من العلم ما عنده، وعنده ما من العمل ما عنده، لكن هذا تميز بهذا الجانب، وذاك تميز بهذا الجانب، فلما قال له ابن عمر: اذهب إلى ابن عباس، قال: ذاك رجل مالت به الدنيا، ومال بها، يعني توسع في شيء من المباحات بخلاف ابن عمر، وعامة الناس يثقون بمثل هذا، ولو كان أقل في باب العلم؛ لأنهم يرون أن هذا وإن لم يخرج عن دائرة المباح إلا أنه ما دام توسع في أمور الدنيا فعنده شيء من التساهل، وذاك الذي لم يتوسع هذا عنده شيء من التحري والتثبت فهو أولى أن يُحتاط باتباعه، فهم يتبعون هؤلاء العلماء، ويتبعون أولئك العباد الذين عبر عنهم أو ذكرهم الله -جل وعلا- في كتابه باسم الرهبان، نعم؟
طالب:.......
تأويل من أجل ماذا؟
طالب:.......
تأويل سائغ؟ هاه؟
طالب:.......
يعني اجتهد وأخطأ، لا، هذا له أجر، إذا كان من أهل الاجتهاد، إذا كان من أهل الاجتهاد فهذا مأجور على كل حال، أما إذا أول تبعاً لهواه فهذا هو المنصوص عليه، وهذا الذي يضل بسببه كثير من الناس، ((اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)).
"{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} [(165) سورة البقرة]": (من) هذه تبعيضية، يعني ليس جميع الناس يتخذون من دون الله أنداداً، إنما بعض الناس يتخذون من دون الله أنداداً، والأنداد، الأمثال والنظراء.
"{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ}": من صرف شيئاً من العبادة لغير الله، فقد اتخذ هذا نداً لله، ولذا لما قال الصحابي: ما شاء الله وشئت، قال: ((أجعلتني لله نداً؟)).
"{يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ}": المحبة المقرونة بالتعظيم والذل والخضوع هي العبادة، وتصرفات المخلوقات كلها تابعة للمحبة، لماذا تأكل؟ لأنك تحب الطعام، قد يقدم لك طعام لا تحبه فتأكله، فتنتقل المحبة إلى ما وراءه؛ لأنك تحب البقاء، شربت لئلا تموت من العطش، أنت تحب الماء ولو لم تكن عطشاناً، إنما شربت لأنك تحب الماء، وإذا كنت لا تحبه فأنت شربته لتبقى، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء].
المقصود أن هذه العبادة هي التي تحرك القلوب للعمل، وهناك محبة شرعية مقرونة بالتعظيم والذل والخضوع هذه لا تجوز إلا الله -جل وعلا-، ولا يجوز صرف شيء منها لغيره.
إذا خلت عن ذلك بأن كانت محبة؛ لأنها محبوبة للمحبوب صارت شرعية، أنت تحب زيداً من الناس وتبغض عمراً، لماذا؟ لأن زيداً ممن يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فأنت أحببته في الله، وعمرو لأنه ممن يعمل ما يغضب الله -جل وعلا- فأنت تبغضه في الله، ومن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فهذه المحبة شرعية، لكنها غير مقرونة بتعظيم وذل وخضوع الذي لا ينبغي إلا لله -جل وعلا-.
هناك محبة جبلية، محبة جبلية، الوالد يحب الولد، والولد يحب الوالد، يحب الزوجة، ويحب كذا، ويحب أنواعاً من المال، {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [(14) سورة آل عمران]، هذه محبة جبلية وهي في الأصل مباحة، إلا إذا ترتب عليها التفريط بما يحبه الله ورسوله، فإذا فرط بسببها بما يحبه الله ورسوله فهو من هذه الحيثية إذا تعارضت الجبلية مع الشرعية لا تبين المحبة الشرعية إلا إذا قُدمت على ما يحبه الإنسان محبة جبلية.
فالإنسان زين له حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، لكن إذا قدم هذه الأشياء على ما أمره الله به قلنا: إن محبته الشرعية عورضت بالمحبة الجبلية، فلا يجوز له ذلك.
طالب:.......
أين؟
طالب:.......
كل أمر بقدره، كل أمر بقدره، كل حال الأصل في الأمر الذي يأتم به، إذا قدم هذا، وإذا قدم على الأمر المستحب أتى بما يقابله وهو أنه تكون مثل هذه المحبة مكروهة، نعم، فإذا كان الإنسان محباً لنوع من المال، محبا للخيل، أو للإبل، فصارت محبته زائدة عن حدها، وترك بسببها بعض الواجبات، ترك الوالدين الذين هم بأمس الحاجة إليه، وصار يذهب إليها في نهاية كل أسبوع ويترك صلاة الجمعة، نقول: إنه قدم هذه المحبة الجبلية على الشرعية ودخل في المحرم، وإلا فالأصل أن الله -جل وعلا- جبل الإنسان على حب بعض الأشياء.
لو قال قائل: إن حب الولد قد يجعل الإنسان يفرط في بعض الواجبات، هذا الولد أصيب فحملته الشفقة إلى أن ذهب به إلى المستشفى فترتب على ذلك فوات الصلاة، إما فواتها مع الجماعة، أو فوات الوقت، هنا نقول: قدَّم المحبة الجبلية على المحبة الشرعية.
قد يكون هناك ما يُدَّعى أنه يُحبُّ شرعاً، مثل طالب علم يحب الكتب، وذهب ليشتري كتباً أو يبحث عن كتب يريدها فترتب على ذلك إما سفر إلى بلاد لا يجوز السفر إليها، أو إلى بلد أو في بلده وضاع بسببه صلاة جماعة أو ترتب على ذلك محظور، أو سكت عن منكر رآه عند هذا البائع؛ لأن هذا يحصل كثيرا؛ لأن الإنسان الذي يرغب في شيء عند آخر..، فمثلاً معروض سيارة وأنت تريد هذه السيارة مثلاً، أنت تريد هذا النوع من السيارات وأعجبتك، وقلت: بكم، ذكر لك قيمة تنزل عن الواقع بعشرة آلاف مثلاً، يعني اجتمعت وتظافرت فيها أسباب المحبة من كل وجه، ثم الجوال موسيقى، تريد أن تنكر عليه أو ما تنكر؟ ابتلاء، بعض الناس يقول: لو أنكر عليه يمكن انصرف وترك ولا باعها علي، وهذا في جميع السلع حتى في الكتب التي هي في الأصل مما يستعان بها على تحصيل العلم، إما أن يكون البائع يدخن، أو يكون نغمته موسيقى، أو مسبل، أو حليق، أو غير ذلك من المحرمات، تجد الإنسان ما ينكر عليه كله خشية أن تفوت هذه الفرصة، ولا شك أن هذا قدح في المحبة الشرعية.
أحياناً على أوقات الاصطفاف عند الخبازين تجده يبيع وقت الأذان، وأنت طالب علم تريد أن تنكر عليه، لكن يمكن لا تنكر عليه إلا بعد أن تأخذ نصيبك من الخبز ؛ لأنك لو تنكر عليه قفل وتركك، أقول: هذه الأمور لا بد من اعتبارها، أمور حساسة وتزاول يومياً عند الناس، وفيها إيثار للمحبة الجبلية على الشرعية، وبقدر هذه المخالفة يكون الخدش في المحبة الشرعية، نعم؟
طالب:.......
يعني لأنك وضعت الكتاب بالبيت، قبل ما يتراجع، في السيارة يمكن يتراجع، لو مسكت يمكن يتراجع، بينكم مجلس الخيار، يقول: تراجعت.
هذه أمور فيها صراع نفسي، وكثير من الناس يتساهل في هذه الأمور، يتركها رجاء أن يحصل على ما أراد من أمور الدنيا، وهذا لا شك أن هذا خلل، ((من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه))، وعلى الإنسان أن تكون مثل هذه الأمور على باله، يقدم ما يحبه الله، على ما يحبه ما تحبه نفسه، وهواه.
"{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} [(165) سورة البقرة]": يعني أن هؤلاء الذين أشركوا واتخذوا الأنداد يحبون الله -جل وعلا-، لكنهم يحبون أندادهم مثل ما يحبون الله -جل وعلا- {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ}، فدل على أن هؤلاء يحبون الله، لكنهم أشركوا في هذه المحبة، فكيف بمن يحب معبوده أكثر من حبه لله؟ فكيف بمن يحب محبوبه وحده دون الله؟ بمعنى أنه لا يحب الله، وهذه مراتب، وما جاء في الآية ضرب من الشرك {يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} لا يعني أنهم يعبدونهم أو يسجدون لهم، لا، لكنهم جعلوهم في مصف الله، إذا أمروا مع أمر الله -جل وعلا-، نظر يرجح هذا أو هذا؟ فمرة يرجح هذا ومرة يرجح هذا؛ لأنه لا يوجد مرجح بين هذه الأنداد وبين الله -جل وعلا-.
هؤلاء هم الذين فيهم الآية، لكن إذا كان يرجح ما يؤمر به من غير الله -جل وعلا- على ما يأمره الله به فقد اتخذ الند أحب من الله -جل وعلا-.
"{وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}": يعني يحبون بعض الأشياء، لكن إذا جاءت المحبة التي هي رضا الله -جل وعلا-، يعني محبة العبد لله -جل وعلا- مع محبة غيره، قدمها على ما يحبه غيره من غير تردد، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ} فإذا كان الإنسان تصل به محبة الله -جل وعلا- إلى أن يكره أن يعود إلى الشرك، كما يكره أن يلقى في النار، يعني محبة عظيمة، فكيف بمن يرضى بالإلقاء في النار دون أن تخدش المحبة الإلهية في قلبه؟ لا شك أن هذا غاية في التوحيد والإخلاص لله تعالى، أما من صرف شيئاً من هذه المحبة الشرعية المقتضية لتقديم الأوامر على الأوامر فهذا لا شك أنه خدش وبقدر هذا الميل وهذا الترجيح يكون القرب والبعد من الله.
من محبة الله محبة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) لما قال عمر -رضي الله عنه-: "لأنت أحب الناس إليَّ إلا من نفسي، قال: بل ومن نفسك، قال: ومن نفسي، نعم، قال: ((الآن يا عمر))، يعني لا بد أن يحب المسلم النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما يحب نفسه، فضلاً عن ولده ووالده وغيره، لا بد أن يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكثر من ذلك، لكن ما معنى المحبة، وما آثار هذه المحبة؟ يعني لو تصور الإنسان أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- حي لوجب عليه أن يفديه بنفسه؛ لأنه يجب عليه أن يحبه أكثر من هذا، ويجب عليه أن يدافع عن سنته بقدر استطاعته، وإذا أمره الرسول -عليه الصلاة والسلام- وحصل هناك ما يعارض الأمر النبوي، قدم مراد النبي -عليه الصلاة والسلام- على مراده، وليس معنى هذا أن يكون حب الرسول -عليه الصلاة والسلام- مقرون مع التعظيم والذل والخضوع الذي لا يجوز إلا لله -جل وعلا-، لا يُشرَك الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالمحبة المختصة بالله -جل وعلا-؛ لأن الرسول إنما يحب؛ لأنه يدل على الله -جل وعلا-، الأصل أن الحب لله، وما يحبه الله والرسول -عليه الصلاة والسلام- يحبه الله، إذن نحبه؛ لأنه سبب النجاة، سبب في نجاتنا من النار.
قد يقول قائل: أنا أحب الرسول بهذا المعنى، وأحبه أكثر من نفسي، لكن ما معنى أنني أحبه أكثر من نفسي، وأنا من أجل نفسي أحببته؛ لأني بسببه أُنقذت من النار؟ فيعود الأمر إلى أنه أحبه لنفسه، يعني ما أحب الرسول لذاته، إنما أحبه لنفسه، هاه؟
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
طيب.
طالب:.......
يعني هل الإنسان يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- دينا أو جبلة؟ هاه؟
طالب:.......
لا، الجبلة قد تحب شيء تميل إليه بنفسك، وهو كونك تحبه أو لا تحبه لا يؤثر في شيء.
طالب:.......
أما محبته جبلةً وميلاً نفسياً فهذا لا يكون إلا بعد معرفته، يعني شخص لا يعرف عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلا الاسم، هل يمكن أن يحبه محبة..؟ هاه؟
طالب:.......
لذاته، اترك مسألة النفع هذا دين.
طالب:.......
إذن صار حبك لنفسك، نعم؟
طالب:.......
طيب صار المحبوب الرسول أو النفس؟
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
يعني كونه أحب إلى الإنسان من نفسه محبة شرعية، التي تتجلى عند التعارض، إذا كان محبوبه الجبلي يعارض محبوب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو يعارض الأمر النبوي فيقدم الأمر النبوي ولا يلتفت لغيره، هنا تكون أحببت الرسول أكثر من نفسك، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي} هذا المحك، {يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} [(31) سورة آل عمران]، ليست دعاوى، يعني أقرأ قصيدة فيها مديح، وفيها غلو، وأقول: إني أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، لا أنت بهذا تكره الرسول؛ لأن علامة الحب الاتباع، وعلامة الكره المخالفة، وأي مخالفة أعظم من الشرك؟ يعني الذي يقول:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به |
| سواك عند حلول الحادث العمم |
هذا يحب الرسول؟! والله -جل وعلا- يقول عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} إن المحب لمن يحب مطيع، وأنت عصيته، وهو يقول: ((لا تطروني))، إياكم والغلو)) وأنت تغلو، هل أنت تحبه وأنت مخالف لأمره؟ هذا ليس حبا، هذه دعوى، إنما الحب بالاتباع.
"وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-": في الصحيح إما أن يقال: في الحديث الصحيح، أو الكتاب المخصص للصحيح، إذا قلنا: في الحديث الصحيح فالأمر واسع، يعني في أي كتاب، لكن الحديث صحيح، وإذا قلنا: في الصحيح في الكتاب الصحيح فهو متردد بين الصحيحين، وليس هناك اصطلاح واضح من صنيع المؤلف، فقد يقول: في الصحيح، ومراده بذلك في الحديث الصحيح، وقد يقول في الصحيح ومراده بذلك صحيح البخاري، وقد يقول: وفي الصحيح ومراده بذلك صحيح مسلم كما هنا، هنا الصحيح صحيح مسلم.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله))": ((وكفر بما يعبد من دون الله)): يعني لا يكفي أن يكون عابداً بنفسه لله -جل وعلا- غير مشرك به، حتى يتبرأ من الكفر، ويكفر بجميع ما يعبد من دون الله، ويعتقد بطلان العبادة لغير الله -جل وعلا-.
"((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه))": فعصمة المال والدم إنما تكون بالأمرين، قول: لا إله إلا الله عن علم ويقين وإخلاص، والكفر بما يعبد من دون الله كما في حديث الباب، وكفر بما يعبد من دون الله أياً كان.
"((حرم ماله ودمه))": حرم ماله ودمه يعني عصم من أخذ المال، وعصم من سفك الدم.
"((وحسابه على الله -عز وجل-))": يعني إذا أظهر لنا هذا ونطق بلسانه بكلمة التوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله حينئذ يحرم ماله؛ لأنه معصوم الدم والمال، وحسابه على الله -عز وجل-؛ لأنه قد يكون صادقاً في دعواه، وقد يكون كاذبا، وهذه أمور خفية لا سبيل إلى الاطلاع عليها، فمردها إلى الله -جل وعلا-، ولذلك قال: ((وحسابه على الله -عز وجل-))؛ لأن المنافقين يقولون: لا إله إلا الله، ويتبرؤون من الكفار فعصمت أموالهم ودماؤهم، لكنهم قد يتكلمون في بعض الأوقات بما يخل بهذا القول، وقد يتولون الكفار، ولا يتبرؤون منهم، ولا يكفرون بما عبد من دون الله، ويقولون: لا إله إلا الله، وقد يأتون بما يناقضها، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما كف عنهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، وإلا قد تبدوا على فلتات ألسنتهم، وبعض تصرفاتهم ما ينم على سوء طويتهم، ومع ذلك ليس لنا إلا الظاهر، ونكل الباطن إلى الله -جل وعلا-، ولذا قال: ((وحسابهم على الله -عز وجل-)).
وفي الحديث: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))، فإذا أتى بما يوجب القتل كالزنا بعد الإحصان، أو قتل النفس المعصومة عمداً، فإنه هذا من حقه، فإنه لا يعصم دمه ولا ماله.
طالب:.......
هاه؟
طالب:.......
إيه لا بد من النظر إلى النصوص مجتمعة، هذا قيد، وأيضاً هناك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، لم تذكر هنا، فلا بد منها، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [(5) سورة التوبة]، هاه؟
طالب:.......
يعني من مقتضى الشهادة الكفر بما يعبد من دون الله، نعم مقتضاها، لكن الكفر بما يعبد من دون الله التنصيص عليه لأهميته، وقد ينسى هذا القيد وإن كانت الشهادة تتضمنه إلا أنه قد ينسى، فلذا نص عليه، مثل ما قلنا سابقاً في شروط القبول للعمل، وأنهما شرطان: الإخلاص والمتابعة، ولا تكون المتابعة إلا بالإخلاص فيكتفى بالمتابعة، لكن الإخلاص لأهميته، ويمكن أن يُغفل عنه، أفرد من بين ما تقتضيه المتابعة، وهنا نُصَّ على هذا، ((وكفر بما يعبد من دون الله)) لأنه قد يقول: لا إله إلا الله، ومع ذلك يزاول عبادة غير الله، فضلاً عن كونه يكفر بما يعبد من دون الله، قد يزاول، قد يطوف، قد يسجد لقبر، وهو يقول: لا إله إلا الله، وحال بعض المسلمين في بعض بلاد المسلمين شاهد على ذلك.
طالب:.......
هذا بالنسبة لمن يفهم معناها، لا يمكن أن يقولها حتى تتحقق عنده أركانها؛ لأنه يفهم معناها، أبو جهل وأضرابه وأمثاله من المشركين رفضوا، {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [(5) سورة ص]؟ لكن هنا ما في ما يمنع من أن يطوف بقبر وهو يكرر لا إله إلا الله، يسجد لولي وهو يقول: لا إله إلا الله، يطوف بالكعبة ويقول: لا إله إلا الله، ويدعو مع الله غيره، يا أبا عبد الله، يا أبا فلان، يا كذا، يا كذا، ويُسمع مع الأسف أنه يا أبا عبد الله أتيناك، أتينا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، وهو يطوف بالكعبة، فضلاً عن من يطوف بقبر، يعني حدث ولا حرج مما يقولونه من الألفاظ الشركية، ويأتون إلى هذه المشاهد العظيمة من المقدسات والمشاعر يأتون إلى بيت الله الحرام، ويقفون بعرفة، والمواقف كلها، ومع ذلك يسمع الشرك بالمكبرات، والله المستعان، مع أنهم يأتون لأداء هذه الشعائر، وإلى هذه الأماكن من باب تتميم الدعوى أنهم مسلمون، وإلا بعضهم يصرح أن حجه إلى مشاهدهم أفضل من الحج إلى البيت الحرام مراراً، أو لسبعين مرة، أو بمائة مرة، أو شيء من هذا، فالشرك في هذه الأمة واقع وكثير، لا سيما في هذه الأزمان، وفي زمن الشيخ -رحمه الله- طبق الشرك، واشتدت غربة الإسلام وجهل الناس معنى لا إله إلا الله، حتى عند من يدعي أنه من أهل العلم.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وشرح هذا الترجمة وما بعدها من الأبواب فيه أكبر المسائل وأهمها".
هاه؟
طالب:.......
أوين؟
طالب:.......
يعني الترجمة هذه تشرح فيما بعدها، أو أنها شرحت هذه الترجمة، وفيها أكبر المسائل وكذلك ما بعدها من الأبواب؟ الآن الترجمة شرحت أو ما شرحت؟
طالب:.......
لا إشكال، نعم، لكن ما حصل في هذا الباب يوجد شرح للترجمة أو لا يوجد؟ يعني كأنه قال: وشرح هذه الترجمة بما ذكرنا في هذا الباب، وما بعدها من الأبواب، فيه أكبر المسائل.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
على كل حال وجود الواو له وجه، وحذفها له وجه، إما أن يكون شرح هذه الترجمة بما بعدها من الأبواب اللاحقة، وكلها فروع لتفسير شهادة أن لا إله إلا الله، وأيضاً حصل شرحها بما ذكره؛ لأنه لو قلنا: شرْح هذه الترجمة، أو شرَح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب أغفلنا ما في هذا الباب.
ومن أراد أن يطلع على ما ينقض هذه الأبواب اللاحقة فليقرأ في كتب الرحلات، وما يكتبه الرحالون حول المشاهد والقبور، منهم من يذكرها ولا يتعقبها، ومنهم من يذكرها ويشارك فيها، يعني ابن بطوطة في رحلته شارك في كثير من مظاهر الشرك والغلو والتبرك والاعتقاد بالأولياء، وما أشبه ذلك.
مع الأسف الشديد هذه الرحلات فيها كثير من هذه الأنواع.. هاه؟
طالب:.......
من هو؟
طالب:.......
مادام ذكر عن شيخ الإسلام أنه كان يخطب على منبر الجامع الأموي، يقول: رأيت شخصاً كثير العلم قليل العقل، على منبر دمشق وهو يقول: ينزل ربنا في آخر الليل كل ليلة كنزولي هذا، ونزل من المنبر، والشيخ في اللحظة الذي دخل فيها إلى أن خرج وهو في السجن، هذه فرية.
"فيه أكبر المسائل وأهمها، وهي تفسير التوحيد وتفسير الشهادة وبينها بأمور واضحة، منها آية الإسراء": أي الآيات؟ أولئك الآية الأولى، آية الإسراء.
"بيَّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين": يعني يرد على هؤلاء المشركين الذين يدعون الصالحين بأنه مادام هؤلاء الصالحون عابدين لله مخلصين له متقربين إليه بتوحيده، نافين ما عداه مما يعبد من دون الله، فكيف تعبدونهم؟
"بيَّن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر": "يدعون": يعبدون، والدعاء لا يجوز صرفه إلا لله -جل وعلا-، لا سيما الدعاء وطلب الشيء من أحد لا يقدر عليه مما لا يقدر عليه إلا الله، هذا شرك، إذا قلت: يا فلان، اشف مريضي، لا يقدر على ذلك، وإذا قلت للميت: افعل كذا، ولو كان أدنى الأشياء التي يستطيعها الأطفال لا يستطيعها الميت، شرك.
فالإشراك في الدعاء سواءً كان دعاء العبادة، أو دعاء المسالة، كله من الشرك الأكبر.
"ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر، ومنها: آية براءة": التي هي: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ} [(31) سورة التوبة].
"ومنها آية براءة بيَّن فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله": أرباب، وهل هذا شرك في الربوبية أو في الألوهية؟ نعم؟ كلاهما، شركوهم في الحكم، {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [(40) سورة يوسف]، وهم جعلوا لهم نصيبا من الأحكام، واتبعوهم وأطاعوهم على ذلك، وهذا شرك في الربوبية، وتبعاً لذلك عبدوهم من دون الله؛ لقوله: ((فتلك عبادتهم)).
"وبين أنهم لم يؤمروا إلا بأن يعبدوا إلهاً واحداً، مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد:
"مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه": تفسير الآية "طاعة العلماء والعباد": ماذا عندكم في الكتاب؟
طالب:.......
في المعصية، هذا الصحيح؛ لأن الذي عندي في غير المعصية، هذا ليس بصحيح؛ لأنهم يطيعونهم في المعصية لكن لو أطاعوهم في الطاعة لكانوا مطيعين لله -جل وعلا- لا لعُبَّادهم، وعلمائهم، لا دعاؤهم إياهم.
""طاعة العلماء والعُبَّاد في المعصية، لا دعاؤهم إياهم؛ لأن الطاعة في المعصية، بارتكاب المعصية، بتحليل المعصية، بتحريم الطاعة عبادة، ولو لم يترتب على ذلك سجود ولا دعاء، هي عبادة لهم.
"لا دعاؤهم إياهم": ولذلك نفى أن يكونوا يعبدونهم، قال: لسنا نعبدهم، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرر أن هذا النوع من الطاعة شرك، ((فتلك عبادتهم)) يعني وإن لم تسجدوا لهم، وإن لم تطلبوا منهم المدد، وإن لم تطلبوا منهم شيئاً مما لا يقدرون عليه، كل هذا لأنهم أطاعوهم في المعصية، حرموا عليهم المباحات وأباحوا لهم المحرمات، ((فتلك عبادتهم)).
"ومنها قول الخليل -عليه السلام-": نعم؟
طالب:.......
إذا أطاعوهم في ارتكاب المعصية، لا في حكمها، أما بالنسبة لتحليل المحرم وتحريم الحلال هذا لا إشكال في كونه تشريكا شرك الطاعة، لكن إن أطاعوهم بارتكاب المعصية مع اعتقادهم أنها معصية، أو ترك الواجب مع اعتقاد أنه واجب، يعني الأمر أخف، هاه؟
طالب:.......
لا، ليس بشرك لكنه طاعة للمخلوق في معصية الخالق وهذا لا يجوز، يعني فرق بين أن يطأ الرجل زوجة أبيه، وبين أن يعقد عليها، إيش الفرق بينهما؟
العقد كفر استحلال، ولذلك بلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- أن رجل تزوج امرأة أبيه، فأرسل إليه من يقتله ويخمس ماله؛ لأنها ردة، استحلال، بينما لو وقع عليها، أمر عظيم، ومع ذلك لا يصل إلى حد الكفر.
"ومنها قول الخليل -عليه السلام- للكفار: {إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي} [(26 - 27) سورة الزخرف]، فاستثنى من المعبودين ربه، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة: هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله، فقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً}": يعني كلمة التوحيد التي معناها في البراءة مما يعبد إلا الله -جل وعلا-، {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [(28) سورة الزخرف]، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يعني إليها.
"ومنها: آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [(167) سورة البقرة]": آية البقرة.. أيُّة؟
طالب:.......
{أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ} [(165) سورة البقرة].
"ومنها آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}، ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ولم يدخلهم في الإسلام": {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ}، وهم يحبون آلهتهم وأندادهم حباً عظيماً إذن: يحبون الله حباً عظيماً، لكن هذا لا ينفعهم، فكيف بمن يحب الآلهة أكثر مما يحب الله، وكيف بمن يحب الآلهة دون الله فلا يحب الله -جل وعلا-؟
"فكيف بمن أحب الند أكثر من حب الله؟! وكيف بمن لم يحب إلا الند وحده": الثاني أشد، والثالث: أعظم وأشد.
"ولم يحب الله؟!".
"ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه، وحسابه على الله)) وهذا من أعظم ما يبيِّن معنى (لا إله إلا الله)".
يقول -رحمه الله-: "فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك": القيد المذكور، وهو "الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه": يعني إذا رأى أن هناك معبوداً من دون الله، وتوقف في تكفير من يعبده من دون الله نعم، لم يحرم ماله ولا دمه، هذا إذا شك أو توقف، فهؤلاء الذين يعبدون المسيح والذين يعبدون العزير، من شك في كفرهم أو توقف فيهم لم يحرم ماله، ولا دمه.
ونحن نرى ونسمع بعض الكتبة وبعض من يحدث في الوسائل يُهوِّن من هذا الأمر، من أجل التعايش السلمي، إيثاراً للدنيا على الآخرة -نسأل الله السلامة والعافية- فالمسألة من العظائم، ليست من المسائل السهلة.
يقول الشيخ: "فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها": وأكثر الناس عنها غافلين، يعني كثر الكلام، وطرق الموضوع والتعايش، والحوار، وما أدري إيش، حتى صار الناس تبلدوا، أول ما بدؤوا بالقضاء، أو بإضعاف الولاء والبراء، ثم بعد ذلك أخذوا مدة يطرقون التعايش مع الآخر ومع الأطياف ومع الأديان، وهذا لا يجدي من الله شيئاً، بل هذا ضرر محض، لكن لا يعني أننا نجر على أنفسنا كوارث بسبب بعض التصرفات، فإذا كنا في حال ضعف لا يمنع أن نتقي بعض الشر، لا بقول الباطل، قول الباطل لا يجوز بحال، لكن بإرجاء بعض البيان إلى وقته؛ {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام]، لا يعني هذا الكلام أننا نشهر السيوف في وجوه المخالفين وننابذهم العداء علناً ونثور في وجوههم لنجر على أنفسنا وعلى مجتمعاتنا مثل ما حصل في ما يسمونه "سبتمبر" وما أشبه ذلك، لا شك أن الآثار كبيرة وعظيمة، لكن لا يعني أننا نتنازل عن شيء من ديننا، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [(9) سورة القلم]، هذا لا يمكن أن يحصل ولا يمكن أن يتم مثل هذا بقول الباطل، أو إلغاء الحق، لكن يمكن أن يؤخر بعض الحق إلى وقته، ومن ذلك سب الآلهة، الآلهة معبودات من دون الله، طواغيت، ومع ذلك: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام].
"فيالها من مسألة ما أعظمها وأجلها، وياله من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للنزاع": فالشيخ -رحمة الله عليه- بين ووضح مسائل أكثر الناس في غفلة عنها، حتى بعض من ينتسب إلى العلم تجد عنده من الخلل الكبير ما عنده، فقيض الله -جل وعلا- لهذه الأمة في أواخر الأزمان هذا الإمام المصلح المجدد الذي انبرى لبيان أعظم الواجبات وأعظم المحرمات، بين التوحيد ووضح الشرك، وبين صوره، وما يخدش في التوحيد، وما يوقع في الشرك، فرحمه الله رحمة واسعة.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.
نعم؟
طالب:.......
المقصود المحبة بما يليق به -عليه الصلاة والسلام- باعتباره بشر من جهة، وباعتباره مرسل من قبل الله -جل وعلا- قوي أمين على ما أرسل به، بلغ البلاغ المبين، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، كل هذا يجعلنا نحبه محبة تليق به، لا ما يليق بالله -جل وعلا-، فهو مقدم على كل أحد في هذا الباب من المخلوقين.
طالب:.......
لا، ما عليك إلا ما تعقل، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة].
طالب:.......
"الفرائض نصف العلم، وهو علم يفقد، لذلك الذي لا يراجعه ينساه؛ لأنه مبني على أرقام، كل باب فيه أكثر من تقسيم، ولا يليق بطالب العلم أن يكون جاهلاً بهذا العلم، لا سيما وأن إدراكه سهل ممكن، العلم محصور، لو تفرغ له أسبوعا ضبطه، ومع ذلك لا ارتباط له بالعلوم الأخرى، هو باب من أبواب الفقه لكن لا يتوقف على معرفته معرفة العبادات أو المعاملات، أو الجنايات أو غيرها، يعني علم منفك، يمكن التخصص به فقط، ويمكن أن يُتخصص بغيره ولا يُلتفت إليه، لكن يقبح بطالب العلم أن لا يعرف هذا العلم، رغم أنه من الأمور المهمة التي يحتاج إليها، لكن مع ذلك لا يتوقف معرفة العبادات ولا المعاملات ولا الجنايات ولا الأنكحة والأحوال الشخصية لا تتوقف عليه، مع أنه يمكن أن يستقل به استقلالاً تاماً، يعرف فلان بأنه عالم في هذا الباب في الفرائض، ومع ذلك قد يخفى عليه كثير من مسائل العبادات والمعاملات.
هل يحسن بطالب العلم.؟
لا يحسن، ويقبح به جهل هذا الباب من أبواب الدين.
لو أضاف إليها يا عالم ما في الصدور، يا عالم الخفيات يا كذا، مما يتميز به -جل وعلا- عن غيره؛ لأنه إذا قال: يا عالم قد يقول من يسمعه: إنه يدعو غير الله، يدعو عالما من علماء البشر، لكن إذا أضافه إلى ما يميزه انتفى المحظور، ويا مبصر كأنه يدعو مخلوقاً له عينان يبصر بهما، لكن لو قال: يا مبصر ما في العروق مثلاً، أو يا مبصر كذا، المقصود أنه يضيفه إلى ما يميزه.
يقول: وهل يصح اشتقاق صيغ متنوعة من أسماء الله للدعاء بها؟
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف]، يدعى بالأسماء.
أنا لا أعرف هذا الحديث، وإذا كان الشيخ صححه فالشيخ معتبر.
صيغة الاستغفار إذا كانت في أدبار الصلوات فقد بينها الراوي، قال: يقول: ((أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله))، ((فإني لأستغفر الله وأتوب إليه في كل يوم مائة مرة)) وحينئذ يقول: أستغفر الله وأتوب إليه، إذا أراد هذه المائة التي يقولها النبي -عليه الصلاة والسلام- أستغفر الله وأتوب إليه، مائة مرة، وأما ما في أدبار الصلوات فصيغتها كما قال الراوي: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، وسيد الاستغفار معروف، وهكذا لكل مناسبة ما يناسبها من الصيغ.
وماذا يقال في الركوع والسجود من التحميد في الدعاء؟
((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فإنه قمن أن يستجاب لكم))، الركوع للتعظيم، وأما السجود فيكثر فيه من الدعاء.
وهل يتقدم هذا الدعاء بما يتقدم به خارج الصلاة من التحميد والتمجيد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يدعو؟
الظاهر لا، إنما يدعو مباشرة، يسبح سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر، ثم يدعو بما شاء، هاه؟
طالب:.......
كالمقدر التسبيح تنزيه لله -جل وعلا-.
وهل يجوز عموم المدح والثناء بألفاظ إنشائية؟
يعني لا خبرية؟! كيف ينشئ، كيف تكون الألفاظ إنشائية في المدح والثناء؟ هاه؟
طالب:.......
عموم المدح والثناء ليس الدعاء، الدعاء بصيغة الأمر اغفر لي، هذا ينشئ، حتى ولو جاء بصيغة الخبر فإن المقصود به الإنشاء الدعاء، لكن المدح والثناء المقدم بين يدي الدعاء لا يمكن إلا أن يكون خبراً.
وهل يغفر للتائب توبته حتى لو عاد للذنب ثم مات عليه؟
إذا تاب توبة نصوحاً بشروطها المقررة عند أهل العلم تاب الله عليه، ثم إذا استأنف ذنباً جديداً يؤاخذ به إن لم يغفر الله له، إن مات عليه.
يعني مما يستدل به على أن الخبر ليس بصحيح، بل بعضهم يحكم بوضعه إذا كان العمل يسيراً والأجر عظيماً، ومعلوم أن هذه القاعدة إنما تقال فيما لم يثبت سنداً، أو لا إسناد له، يحكم عليه بمجرد ذلك، أما ما كان له إسناد يصح به، ولو كان الأجر عظيماً، والعمل يسيرا، إذا كان سنده صحيحاً، وفي كتاب معتبر من كتب دواوين السنة المعروفة، وكذلك العكس لو كان الإثم عظيماً والعمل يسيرا، يعني فيما يراه الرائي، وإلا فمعلوم أن حقيقة الأمر لا تختلف بين الثواب والعمل، في حقيقة الأمر لكن فيما يبدو للناظر، ((سبحان الله وبحمده، مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))، يعني في دقيقة أو دقيقة ونصف تحط عنه خطاياه، ((ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل)) يعني أحاديث صحيحة، ما لأحد كلام، ما يقول أربعة من ولد إسماعيل ما يتهيؤون ولا بمائتي ألف، ونقولها بدقيقة ونصف حصل على هذا الأجر؟ لا، ما عند الله أكثر، وأوسع، ورحمته أشمل.
الحديث ضعفه بعضهم لكثرة الأجر وقلة العمل؟
هذا لا شك أنه إنما تطرد هذه القاعدة فيما لا إسناد له، أو إسناده ضعيف، وإن حسنه بعضهم كما هنا، يعني قد يقال: إن التحسين مخالف لهذه القاعدة، لكن إذا كان حسناً بالفعل على اصطلاح أهل العلم إما لذاته أو لغيره، فهو في قسم المقبول لا سيما وأنه في الفضائل التي يتسامح فيها الجمهور.
أولاً: استعمال هذه الأصباغ يعني إذا سلمت من التشبه وكان التزين لمن يباح له التزين، أهل العلم يفتون بجوازه، وإذا كان الحكم هو الجواز فبيعه تبع له، لكن يبقى ما في السؤال وأنه يباع للمتحجبات وغير المتحجبات، المتحجبات لا إشكال في بيعه عليهن، هذا لا إشكال فيه؛ لأنهن لا يبدين زينتهن لغير من يجوز لها إبدائها.
وأما غير المتحجبات اللواتي يبدين الزينة لغير المحارم هذا حرام عليهن، والبيع عليهن تعاون معهن على هذا الحرام، يعني إبداء للزينة لغير المحارم، هذا تعاون معهم، فالذي يتجه المنع.
يعني ما يستطيعون أن يسمعوا الحكم في هذه الأمور؟ يعني هل حصل تفصيل؟ ما فصلنا في هذه الأمور، ما أذكر أننا فصلنا.
ما من ترك لمأمور إلا ويقارنه فعل المحظور، والعكس؛ لأن المأمور بفعله منهي عن تركه، والمأمور بتركه مأمور بفعل ضده؛ لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده والعكس، لا سيما إذا لم يكن له إلا ضد واحد ، واحد.
تقول: زوجة عمي أرضعت أختي الكبرى، وأمي أرضعت ابن عمي الأكبر، وابن عمي هذا الذي رضع له أخ أصغر منه فهل هذا الأخ الأصغر يعتبر أخاً لنا، أو لا؟
أخوكم الذي رضع من أمكم فقط، وأما من عداه فليس بأخ لكم.
معروف أن الألفية حظيت من بين الألفيات في هذا الباب –الشروح- لم يُحظَ بها غيرها، فهناك الشروح المختصرة والشروح المتوسطة والشروح المطولة والشروح السهلة والشروح المعقدة، فمن الشروح المتوسطة لا طويلة ولا قصيرة، وأيضاً من حيث السهولة متوسط (شرح ابن عقيل) شرح متوسط، ليس بمختصر مخل كشرح السيوطي، ولا مطول كبعض الشروح التي أطنب فيها أصحابها، وعبارته سهلة، ليست معقدة مثل أوضح المسالك لابن هشام، وهو مناسب وإذا قرئ مع حاشيته أو مع حواشيه استفاد طالب العلم فائدة كبيرة.
من أراد التوسع أكثر مما في شرح ابن عقيل وحواشيه فعليه بشرح الأشموني، ويراجع عليه أيضاً حاشية الصبَّان، حاشية فيها نفائس الفوائد، أما بالنسبة للطبعات فطبعت هذه الكتب مراراً؛ لأنها مقررات تدرس، فطبعت، شرح ابن عقيل طبع أكثر من خمسين طبعة، فالطبعات التي عليها تعليقات الشيخ محي الدين عبد الحميد طبعات طيبة، والتي عليها النجار، التوضيح والتكميل لشرح ابن عقيل، هذه لخص في تعليقاته حاشية الخضري، لخصها في التوضيح والتكميل، فمحيي الدين عبد الحميد يُعنى بالشواهد شرحها شرحاً وافياً، والنجار كمل من حاشية الخضري فإذا قرئا معاً استفاد طالب العلم.
طالب:.......
شرح الشاطبي الذي طبع قريباً مطول، هاه؟
طالب:.......
نعم، جيد لكنه مطول، يعني نريد شرحاً متوسطاً، أما الشروح المطولة موجودة، من أراد التوسع في هذا الباب عليه بشرح المفصل لابن يعيش هذا من أوسع كتب النحو.
الرحبية أسهل ما نظم في هذا الفن، وهناك منظومات أخرى لكن الرحبية أسهل وأيسرها للحفظ والفهم، وعليها شروح كثيرة، ما من عالم له عناية بالفرائض إلا وشرح الرحبية، منها ما هو بقدر الرحبية، يعني لا يزيد الشرح عن خمس ورقات، السبيكة الذهبية على منظومة الرحبية للشيخ فيصل بن مبارك، على طريقته -رحمه الله- في الإيجاز الشديد، ومؤلفات هذا الشيخ تقرأ ويستفاد منها، لا سيما مع ضيق الوقت، وإلا هي مختصرة جداً، يعني يحتاج معها طالب العلم إلى أن يقرأ في الشروح الأخرى.
وهناك شروح متوسطة أوسع من هذا الشرح للمارديني وعليه حاشية للبقري، وشرح المارديني أيضاً مختصر لكنه أوسع من شرح الشيخ فيصل -رحمه الله- وهناك أيضاً الباجوري على الشنشوري، الفوائد الشنشورية في شرح المنظومة الرحبية هذا شرح مبسوط، وفيه فوائد والحواشي عليه أيضاً نافعة.
والفوائد الجلية للشيخ عبد العزيز- رحمة الله عليه- ابن باز يكاد أن يكون شرحاً للرحبية؛ لأنه على ترتيبها، وماشي على أبوابها، وهو شرح متوسط ونافع جداً لطالب العلم.