شرح الموطأ – كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (4)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل اللحم:
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "إياكم واللحم، فإن له ضراوة كضراوة الخمر".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أدرك جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- ومعه حمال لحم، فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف]؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما جاء في أكل اللحم:
اللحم، من مأكول اللحم مما أباحه الله -جلَّ وعلا-، في حيّز الطيبات التي أبيحت، مما أحله الله -جل وعلا- لعباده، ومن اللحم ما حرمه الله -جل وعلا- على عباده، فما أباحه الله عليهم من بهيمة الأنعام، والطيور غير ذات المخالب، والحيوانات غير ذات الأنياب، وغير الحمر الإنسية التي جاء النص على تحريمها، وغير ذلك مما دل الدليل على حرمته، لا إشكال في أكله كبهيمة الأنعام، والدجاج والحمام، وما أشبه ذلك، والأصل مختلف فيه بين أهل العلم هل الأصل الإباحة أو الأصل الحظر بمعنى أنك إذا وقع في يدك لحم لا تدري ما أصله، حيوان لا تدري أهو مما أحله الله، أو مما حرمه الله عليك، كل على أصله، فمن يرى أن الأصل الإباحة يقول: كل، حتى يأتي دليل المنع، ومن كان أصله المنع يقول: لا تأكل حتى تقف على دليل الإباحة، ولا شك أن الثاني أحوط، لكن كل على أصله من أهل العلم، فمنهم من يقول: الحلال ما أحله الله، ومنهم من يقول: الحرام ما حرمه الله، والسامع لمثل هذا الكلام يقول: ما بينهم خلاف، مع أن الخلاف كبير، حلال ما أحله الله، فلا تأكل حتى تجد دليل الحل، فيكون حينئذٍ الأصل المنع، والثاني يقول: الحرام ما حرمه الله، فمعنى هذا أن تأكل إذا جهلت حتى يأتي دليل المنع، وعلى هذا يكون الأصل الإباحة، ولا شك أن الإنسان مطالب بأن يطيب المطعم ليكون مستجاب الدعوة.
ومقتضى ذلك أن يتورع عما فيه شبهة، فالأحرى والأجدر أن يتوقف المسلم ولا يدخل جوفه إلا ما يعرف حله، هذا الأحوط، وكل على مذهبه من أهل العلم، إذا عرفنا حل هذا اللحم، لحم الإبل أو الغنم أو البقر أو غيرها مما أباحه الله -جل وعلا-، نقول: هو من الطيبات، {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] فأكله مباح، هذا هو الأصل، لكن قد يكون هذا المباح إذا اعتاده الإنسان وعود جسمه عليه فإنه حينئذٍ لا يستطيع مفارقته، ولذا يقول جمع من سلف هذه الأمة: تركنا تسعة أعشار الحلال خشية أن نقع في الحرام؛ لأن النفس إذا تعودت على الشيء وقرمت عليه، وصار فيها شيء من الإدمان على شيء من الأشياء فإنه يصعب فطامها عنه، وقد لا يتيسر في كل وقت، فقد يحتاج إليه الإنسان فيبحث عنه عن طريق الحلال فلا يجد، قد يجده في طريقٍ ملتوٍ فيه شيء من الشبهة فيقدم عليه؛ لأن نفسه تتوق إليه، وتنازعه فيه، وقد يزيد توقانه وقرمه إليه، فيسعى للحصول إليه، ولو بطريق محرم، فهم يتركون الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، والكلام في الشبهات معروف.
واللحم من الأشياء، مما أباحه الله -جل وعلا-، مما يكون له ضراوة، بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بدونه، والآن وقد وسع الله على المسلمين -ولله الحمد والمنة- تجد البيت إذا لم يكن فيه لحم ما طبخوا لا غداء ولا عشاء، ويش نطبخ على ماء؟ عندهم كل شيء إلا اللحم، ما يمكن أن يقدم الطعام بدون لحم، وإذا جاء صاحب البيت من عمله، من دوامه، من تعليمه، من تجارته إلى البيت، وقال: أين الغداء؟ قالوا: والله ما عندنا شيء اليوم، إيش ما عندكم؟ ما عندكم رز؟ ما عندكم خضار؟ قالوا: لا، ما عندنا لحم، قد يمكن أن يقدم غداء بدون لحم ما يمكن، هذا شيء اعتاده الناس، اللحم له ضراوة، وعلى المسلم أن يعود نفسه على التكيف على مثل هذه الظروف؛ لأنه لا يمكن أن تستقيم له الحياة على حال، لا تتغير ولا تتبدل، فإذا تغيرت عنده الحال شق عليه ذلك مشقة عظيمة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال: "إياكم واللحم" تحذير، يعني الإدمان عليه، وكثرة تناوله، نعم يؤكل، وهو حلال، وأكله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأباحه الله على لسان نبيه، وفي كتابه -جل وعلا-، ومع ذلك التعود عليه يولد عند الآكل شيء من الإدمان بحيث لا يستطيع تركه، يقول: "فإن له ضراوة كضراوة الخمر".
يعني مثل الإدمان، مثلما نظرنا وذكرنا أن الإنسان قد يحصل له النفي المطلق، ما عندنا شيء، وهم عندهم كل شيء إلا اللحم، ويش لون نوقد النار على ماء؟ ما كأن عندهم شيء يطبخ؛ لأن ما عندهم لحم، هذا تعوده، الناس مستحيل تجلس على مائدة بدون لحم في الظروف التي نعيشها، فعلى الإنسان أن يتكيف حسب الظروف، يستعد لظروف الشدة؛ لأن الدنيا لا تدوم على حال، نعم؟
طالب:......
إيه.
طالب:......
اللحم الممنوع فيه كثير، وإذا كان المذكى هو المباح مما أباحه الله -جل وعلا-، فغير المباح كثير، وغير المذكى كثير.
طالب:......
على كل حال.
طالب:......
ويش الفرق؟
طالب:......
ما عندك إلا سمك وإلا جراد.
طالب:......
ما عدا الذبائح السمك والجراد، والباقي كله لا بد.
طالب:......
إيه.
طالب:......
ويش أنا قلت؟ أنا قلت هذا كله.
طالب:......
لا، لا، منضبط، كلام أهل العلم منضبط يا أخي، منضبط ما فيه إشكال، كلامهم متسع.
على كل حال يقول: "فإن له ضراوة كضراوة الخمر" تجدون بعض الأطعمة وبعض المشروبات إذا اعتادها الإنسان لا يمكن أن ينفك عنها، تجد بعض الناس اعتاد شرب البيبسي مثلاً، أو غيره من المشروبات الغازية، لا يمكن أن يخلو منه سفراً ولا حضراً، الحوار تجد بعض الناس من يجعله في جيبه، لا يستطيع بدونه، المكسرات تجد بعض الناس ما يمكن لا سفر ولا حضر، ولا ليل ولا نهار يخلو جيبه من فصفص مثلاً، تعود على هذا، كل شيء له ضراوة، لكن اللحم فيه زيادة على ما ذكرنا.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حمال لحم" حمال لحم يعني ما يحمله الحامل، يحمل بيده شيء من اللحم، وكان الناس يخفون اللحم عند حمله من محل بيعه إلى البيت لقلته، فتجدهم يخفونه عن الناس، هذا جابر -رضي الله عنه- معه حمال لحم، يعني ما يحمل، "فقال: ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم" يعني اشتدت شهوتنا إليه، اشتدت شهوتنا إلى اللحم، "فاشتريت بدرهم لحماً" يعني ما كان عندهم ما يحفظ به اللحم، لو اشترى أكثر من ذلك يفسد، فاشتريت بدرهم لحماً، اللهم إلا أن يقدد ويجفف، يحفظ بهذه الطريقة "فاشتريت بدرهم لحماً، فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه عن جاره أو ابن عمه" نعم ليكون مثله في عدم شراء اللحم، كانت بطونهم خاوية لقلة ذات اليد في الصدر الأول، في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر، وأول خلافة عمر قبل أن تفتح الفتوح وتكثر، وتوسع الدنيا على الناس، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يربط الحجر على بطنه، بعض الناس لا يتصور معنى ربط الحجر على بطنه، يمشي الإنسان وببطنه حجر؟ ما يمكن، لا لا يمكن، يريدون بذلك أن يعتدل الظهر؛ لأن البطن إذا خلا انحنى الظهر، حتى قال القائل: كنا نظن أن الأرجل تحمل البطون، فوجدنا العكس، البطن هو الذي يحمل الأرجل؛ لأنه إذا فرغ البطن انحنى الظهر ثم برك خلاص؛ لأنه إذا انحنى الإنسان قرب من الأرض، كان سقوطه وجلوسه في الأرض أكثر، إذا انحنى الظهر، يعني نمثل بمثل هذا، ترون كثيراً من الأحوال لو مدينا شوي سقط على وجهه؟ نعم، لكن لو استقام يمكن يسقط؟ ما يمكن يسقط، يعني كلامهم كنا نظن أن الأرجل تحمل البطون، فإذا البطون تحمل الأرجل، ويش الكلام هذا؟ اللي يسمعه لأول مرة يقول: ويش هو؟ هذا الكلام ما هو بصحيح، ويش جاب البطون؟ يمشي على بطنه! لا، إذا وجد البطن استقام الظهر، وإذا استقام الظهر اعتدل المشي، وأمن السقوط، ولذا يربطون الحجارة على بطونهم، والحجارة ليست حجارة من النوع الثقيل، يوجد حجارة مثل اللوح يربطونها على البطن بحيث يستقيم.
"أو ابن عمه، أين تذهب عنكم هذه الآية {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف]" يعني التوسع في أمور الدنيا لا شك أن له ضريبة، يعني الإنسان في مقابل ما يعمله من الأعمال الصالحة يستحق الأجر العظيم عند الله -جل وعلا-، وبقدر ما يعطى من النعم، منها ما هو مكافئة لهذا العمل الصالح
{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا} [(20) سورة الأحقاف] ولذا جاء في الحديث الصحيح على ما تقدم: ((لتسألن عن هذا النعيم)) ويش هذا النعيم؟ أقراص شعير ولحم، وأخرجهم من بيوتهم الجوع، فكيف بمن يعيش هذه الحالة وهذه الحياة طيلة عمره، منذ ولد إلى أن مات؟! يعني جيلنا مثلاً لا أذكر أننا احتجنا شيئاً فلم نجده ولله الحمد، بينما الجيل الذي قبلنا يذكرون بعض الشيء، والله أعلم في المستقبل ماذا سيكون؟ لكن الإنسان عاش الآن خمسين ستين سبعين سنة ما احتاج، لا شك أن هذا النعيم له ضريبة، والشدة لها أيضاً ضريبة، تدخر الأعمال الصالحة كاملة، يعني ما يستعجل شيئاً من حياته، ولذا يقول الصحابي في مصعب بن عمير، ماذا يقول؟ هاه؟
طالب:......
إيه نبي من أول الحديث، من أول الحديث، معروف وإلا ما هو بمعروف؟
طالب:......
لا ما ينفع، اللي ما هو محفوظ ما هو معروف.
يقول الصحابي -رضي الله تعالى عنه-: "إننا عشنا في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودخلنا في الإسلام على شيء من الشدة، فأينعت هذه الدنيا لنا، فصرنا نهدبها، يعني نقطفها، فمنا من مات ولم يستوف من حقه شيئاً، مصعب بن عمير مات ولديه قطعة كُفن فيها إن غطي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غطيت رجلاه بدا رأسه، هؤلاء ما استوفوا من دنياهم شيء، وادخر ووفر لهم الأجر كامل يوم القيامة، لكن من اقتصر على المباحات الطيبات التي أحلها الله له -جل وعلا-، لا شك أن من صبر على الشدائد أفضل بخلاف من استوفى شيئاً من حقه بدنياه، لكن يبقى أن من لم يتعد الحلال ولم يتجاوزه هذا على خير -إن شاء الله تعالى-، لا سيما إذا شكر هذه النعم، والخلاف بين أهل العلم في الفقير الصابر والغني الشاكر معروف عند أهل العلم، منهم من يرجح الغني الشاكر لحديث: ((ذهب أهل الدثور بالأجور)) لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أرشدهم إلى الذكر، فسمع الأغنياء هذا التوجيه فصاروا يذكرون الله -جل وعلا-، إضافة إلى ما يتصدقون به من هذه الدثور، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) وفضل الشاكر على الصابر بهذا، ومنهم من يقول: الصابر أفضل، وقد جاء في مدح الفقر نصوص، منها أن الفقير يدخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، أو بمائة وعشرين عام، وفي رواية: بأربعين عاماً، وكلها مصححة عند أهل العلم، والجمع بينها أن الفقر والغنى أمور نسبية، فبين أفقر الناس وأغنى الناس كم؟ خمسمائة، فمن دون الأغنى ومن دون الأفقر بينهما مائة وعشرين وهكذا.
شيخ الإسلام يرى أن مثل هذه الأوصاف العارضة لا يفضل بها، وإنما التمايز والتفاضل إنما هو بالتقوى، إن كان الغني الشاكر أتقى لله -جل وعلا- من الفقير الصابر فهو أفضل، وإن كان الفقير الصابر أتقى لله -جل وعلا-، وأخشى له من الغني الشاكر كان أفضل، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في لبس الخاتم:
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس خاتماً من ذهب، ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنبذه، وقال: ((لا ألبسه أبداً)) قال: فنبذ الناس بخواتيمهم.
وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه، وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك.
يقول:
باب ما جاء في لبس الخاتم:
الخاتم فيه لغات كثيرة، يعني حدود عشر لغات ذكرها العلماء، واستوفاها الحافظ ابن حجر -رحمه الله-، وهو ما يوضع في الأصبع، أصبع اليد، وموضعه أصبع اليد اليمنى الخنصر أو البنصر، كما جاء في الأحاديث الصحيحة.
قال: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يلبس خاتماً من ذهب" كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في أول الأمر لا يلبس الخاتم، حتى قيل له: إن فارس لا يقرؤون الكتاب إلا مختوماً فاتخذ الخاتم، اتخذ خاتماً، كان يلبس خاتماً من ذهب "ثم قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنبذه" لأنه إنما يلبسه من لا خلاق له، حرام على ذكور هذه الأمة حل لإناثها، "فنبذه" يعني طرحه وألقاه "وقال: ((لا ألبسه أبداً)) قال: فنبذ الناس بخواتيمهم" ابتداءً به -عليه الصلاة والسلام-، فنبذوها ولم يأخذوها ولم يبيعوها، ولم يستفيدوا من قيمتها، لماذا؟ لأنها شيء تركوه لله -جل وعلا-، فلا يرجعون فيه، وإن كان الإنسان إذا كان عنده شيء من المحرمات مما يستفاد منه على غير هذا الوجه فبلغه الحكم له أن يبيعه، شخص كان يلبس الخاتم من ذهب ثم تاب، ماذا يقال له؟ لو باعه ما عليه شيء، لكن لو نبذه وألقاه وتركه لله -جل وعلا- وتصدق به كان أفضل وأكمل.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يلبس الخاتم إلا بعد أن قيل له: إن فارساً لا يقرؤون الكتاب إلا إذا كان مختوماً، أخذ منه بعض أهل العلم أن الخاتم لا يشرع مطلقاً إلا لمن احتاجه، الذي احتاجه لتوثيق عقوده لا بأس أو خطاباته ومراسلاته من أمير وقاضي وشخص من أهل التجارة له معاملات واسعة، يخشى أن يزور عليه هذا محتاج يلبس الخاتم، أما من عداه فلا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يتخذه إلا لهذا الغرض، ومنهم من يقول: إنه سنة مطلقاً كما سيأتي في كلام سعيد، وهو قول جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أنه شيء من العادات لا يلبس تعبداً، فإن كان جرى العرف في بلده، وأهل قريته أنهم يلبسون يلبس وإلا فلا؛ لئلا يكون شهرة بين الناس.
"فنبذ الناس خواتيمهم".
قال: "وحدثني عن مالك عن صدقة بن يسار أنه قال: سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه، وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك" يعني أحياناً يوجد في بعض الظروف، في بعض الأوقات، في بعض البلدان يكون هذا الأمر الذي هو في أصله له أصل شرعي يكون سمة وعلامة على فئة من الناس ليست هي خيار الناس، مثل تربية الشعر، تجد الشباب الذين يربون الشعر في الغالب أمورهم غير مستقيمة، وأحوالهم غير مستقيمة، وإذا سئل، قال: والله النبي -عليه الصلاة والسلام- يربي الشعر، لكن أنت تقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وثوبك مسبل، ولحيتك محلوقة، وتقول: أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، هذه القرائن تدل على كذبك، وأنك ما اقتديت بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وإنما اقتديت بفلان أو علان من المخالفين.
والخاتم من هذا النوع، قد تجد أحياناً الخاتم يلبسه من لا خلاق له، ويصير شعاراً عليهم، ويبقى أن الحكم الشرعي لا يتغير، لكن إذا كان علامة ودلالة على نوع من الجيل ليسوا هم خيار الناس، ولم يتخذوه اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عملاً بسنته تجده يلبس تقليداً لفلان أو علان ممن لا ترضى سيرته، فيحذر منه، فتجد التحذير منه أحياناً.
البياض أفضل من غيره من الألوان ((البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيها موتاكم)) الشيوخ عموماً يلبسون الأحمر مع أنه جاء النهي عن الأحمر الخالص، وهو ليس بأحمر خالص، جاء النهي عن الأحمر، ويلبسون الأحمر، والبياض أفضل، لماذا لا يلبسون الغتر البيضاء؟ يلبسون الغتر الحمراء، الشماغ، وقد سئل بعضهم، سأله بعض الشباب، وقال: أيهما أفضل الغترة أو الشماغ؟ قال له: الغترة أفضل، لكن لما لبسته أنت وأمثالك؛ لأن مظاهر الفسق عليه ظاهرة، قد يحتاج إلى مثل هذا الأسلوب قد يحتاج إليه، وإن كان الأصل أن يكون الرد أجمل ليكون أدعى إلى القبول، لكن قد يحتاج لمثل هذا الأسلوب لا سيما إذا كان الإنسان الخصم فيه شيء من الوقاحة، بعض الناس يسأل أسئلة ليس هذا محلها، أو يسأل أسئلة تعجيز فيحتاج لمثل هذا الرد.
على كل حال المداراة والحكمة لا سيما إذا اختلط الحابل بالنابل، وصار الناس كل رأيه في رأسه، ولا يرى أحد، وأعجب كل ذي رأي برأيه، كل هذا المداراة مطلوبة.
قال: "سألت سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فقال: البسه" لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لبسه، "وأخبر الناس أني أفتيتك بذلك" يعني كأن سعيداً جازم بأن هذه هي السنة، وهذا رأيه -رحمه الله-، نعم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق:
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري -رضي الله عنه- أخبره أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره قال: فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، قال عبد الله بن أبي بكر: حسبت أنه قال: وللناس في مقيلهم.
والناسُ.
والناس في مقيلهم، لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت.
قال يحيى سمعت مالكاً يقول: "أرى ذلك من العين".
يقول -رحمه الله-:
باب ما جاء في نزع المعاليق والجرس من العنق:
المعاليق التي تعلق على الدواب أو على الصبيان خشية العين هذه تنزع؛ لأن التعلق بغير الله -جل وعلا- شرك، فإن كانت هذه المعاليق ليست من الأسباب الشرعية ولا القدرية، يعني ما جرت العادة بأنها تنفع، وليست من الأسباب الشرعية، فهذا هو الشرك الأكبر نسأل الله العافية، من تعلق شيئاً وكل إليه، فهذا يجب قطعه ونزعه، ومع ذلك الأحرى والأحوط هو مذهب ابن مسعود -رضي الله عنه-، أن هذه المعاليق تنزع من أي شيء، ولو كانت من القرآن، على أي هيئة، وعلى أي صفة كانت، وينبغي أن يفرغ التعلق ويكون بالله -جل وعلا- لا بغيره، فتعليق شيء من القرآن لا شك أن القرآن لم يرد بهذا، لم يرد من أجل هذا أن يعلق، وإنما ورد لتعلمه والعمل به، فتنزع جميع المعاليق، والجرس من العنق، يعني من عنق الدواب، وجاء النهي عن صحبة من معه، أو من فيه جرس، والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس، وجرس الدواب معروف، يُعرفه أهل العلم بأنه سطل صغير منكوس من حديد أو نحاس، منكوس فيه قطعة من الحديد، إذا مشت الدابة صار له صوت وطنين، هذا الصوت وهذا الطنين والإطراب في هذا الصوت هو الذي من أجله لا تصحب الرفقة من معهم مثل هذا الجرس.
وأقول: إن مثل هذا الجرس وصوته معروف، يعني ما سمعتم صوت مثل هذا الجرس؟ يعني إطرابه ليس بقوي، فأقول: هو الحد الفاصل بين هذه النغمات التي يختلف فيها، فإن كانت مثل جرس الدواب أو أشد تمنع، وإن كانت أقل فالأمر في ذلك سهل.
الجرس ممنوع، والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس، وله جهتان: جهة طنين وصوت متدارك، وجهة إطراب، فمن جهة الإطراب يمنع، ومن جهة طنينه وصوته المتدارك شبه به الوحي، ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) ولقائل أن يقول: كيف يشبه الوحي وهو محمود بصوت الجرس وهو مذموم؟ نقول: الجرس له أو صوته له جهتان، جهة طنين، وتدارك في الصوت، من هذه الحيثية شبه به الوحي، وجهة إطراب من أجل هذه الجهة منع الجرس، فالتشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه كما هو معلوم.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عباد بن تميم أن أبا بشير الأنصاري أخبره أنه كان مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، قال: فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسولاً -قال عبد الله بن أبي بكر: حسبت أنه قال: والناس في مقيلهم-" والقيلولة تكون في وسط النهار قبل زوال الشمس "قائلاً: ((لا تبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة))" سواءً كانت هذه القلادة من وتر خاصة من هذا الوتر أو أي قلادة كانت ((إلا قطعت)) حماية لجنابة التوحيد، وسداً للذرائع الموصلة إلى الشرك.
"قال يحيى سمعت مالكاً يقول: "أرى ذلك من العين" فإذا اعتقد أن هذه تدفع العين لا شك أن مثل هذا محرم، التعلق بغير الله -جل وعلا-، القلب يجب أن يفرغ لله -جل وعلا-، الذي بيده النفع والضر دون ما سواه، نعم.
طالب:......
إذا عرف السبب، يعني تستعمل استعمال بسبب ظاهر، يعني بسبب عادي، هذا ما في إشكال.
طالب:......
ولو كان، يعني ينظر إلى صوت ليس فيه إطراب.
طالب:......
نعم؟
طالب:......
لإيش؟
طالب:......
يعني على الحيطان؟
طالب:......
آية الكرسي مثلاً، أو حديث كفارة المجلس في المجلس موضوعة من أجل أن يتذكر الإنسان إما أن يقرأ آية الكرسي، أو يحفظ آية الكرسي إذا كان لا يحفظها، أو غيرها من الآيات، أو يذكر بكفارة المجلس إذا أراد الانصراف، هذا مقصد حسن وطيب، لكن اللي أعرف أن المشايخ ما أجازوا ولا مثل هذه الصورة، وأن القرآن ما أنزل للتعليق، والاحتياط مطلوب.
سم.
نعم؟
طالب:......
يعني علامة يعرف بها هذه من هذه، يعرف بها غنمه من غنم غيره مثلاً المختلطة، أو يعرف بها ذات الأقيام المرتفعة، ما في إشكال، إذا عرف السبب صار سبب ظاهر ليس فيه أدنى تعلق ترتفع العلة، إذا ارتفعت العلة ارتفع الحكم.
طالب:......
هذه بعد للتعليم؟
طالب:......
ويش تصير؟
طالب:......
........
إذا أشبهه في الإطراب منع كمنعه، نعم؟
طالب:......
هذا يقول: النجر الذي يستعمل في طحن الأشياء الصلبة لا شك أن فيه صوت إطراب، وهو مثل الجرس، فإذا كان صوته يشبه صوته يمنع من هذه الحيثية.
طالب:......
الجوال..... النغمات؟
طالب:......
قلنا: إن الحد الفاصل الوارد في النص هو الجرس، فإذا كانت النغمة تطرب مثل إطراب الجرس منعت، وإن كانت أشد فمن باب أولى، وإن كانت دون فالأمر فيه سهولة، سهل -إن شاء الله-.
طالب: النجر يا شيخ يطير العنز....
ويش هو؟
طالب: أقول يا شيخ النجر يطير العنز......
والله ما أدري ويش؟ أحياناً مع بعض المهرة الذي يصدر صوتاً مطرب، نعم.