التعليق على تفسير سورة الطور من تفسير الجلالين (02)
... ومراجعة كتب التفسير المختصرة لا سميا المتعلقة بغريب القرآن، ولا تكلف شيئاً حفظها سهل، ومن كتب الغريب ما طبع في حاشية المصحف، وهذا ييسر أكثر لكن قراءة جزء في كل يوم بالنسبة لطالب العلم كأنها قليلة بالنسبة لكتاب الله -جل وعلا-، لا يشق على طالب العلم أن يجلس بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس، وحينئذ يتيسر له أن يقرأ القرآن في سبع كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمرو لذلك حيث قال له: ((اقرأ القرآن لسبع ولا تزد))، ومع قراءته يدون الكلمات الغريبة ليراجع عليها بعد الفراغ من القراءة، يراجع عليها كتب التفسير، يراجع عليها كتب الغريب، فكتاب الله ينبغي أن يكون عناية طالب العلم به أكثر، نعم يعنى بالحفظ أولاً، ثم بعد ذلك بالمراجعة، ثم القراءة من أجل تحصيل أجر الحروف، التدبر والترتيل والعمل كل هذا مطلوب بالنسبة لطالب العلم، يعني بالنسبة للعامي الذي يعرف أن يقرأ القرآن هذا حصل أجر الحروف بالنسبة له يكفي، أما بالنسبة لطالب العلم لا بد أن يتفقه من كتاب الله، وأن يتعلم، وأن يتعلم كتاب الله، ويعلم كتاب الله بعد ذلك، أما إذا قرأ القرآن في شهر كل يوم جزء بإمكانه أن يقرأ معه تفسير مختصر، سهل أن يقرأ تفسيراً مختصراً في شهر إذا كان يقول: أنا لا أزيد على جزء من القرآن مع مراجعة التفسير هذا لا بأس، حينئذ يتعلم القرآن علماً وعملاً على طريقة الصحابة -رضوان الله عليهم-، لكن على الإنسان أن يستكثر من هذا الباب الذي فتح له مما يقربه إلى الله -جل وعلا-.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فيقول المفسر -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} [(21) سورة الطور]، يقول: "{وَالَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ"، والواو حينئذ تكون استئنافاً يعني -{الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ"، "{وَاتَّبَعَتْهُمْ} معطوف على آمنوا" فعل على الفعل، "{ذُرِّيَّتُهُم} الصغار والكبار، الصغار والكبار"، هذا الأصل في الذرية أنهم النسل صغاراً كانواً أو كباراً، "{بِإِيمَانٍ} من الكبار"، ومن الآباء في الصغار، الذين آمنوا معروف بتوابعه ولوازمه بأركانه الستة التي لا يصح إلا بها، بالعمل المشترط فيه آمنوا، "{اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} من الكبار والذرية" يشمل الصغار والكبار، فالكبار مطالبون بالإيمان، يقول: ومن الآباء يعني -الإيمان من الآباء بالنسبة للصغار-؛ لأنه قد يقول قائل: {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} كيف نعرف إيمان الصغير من أبوين مسلمين؟ محكوم بإسلامه فهو مسلم حكماً ما دام موجود بين أبوين مسلمين ولم يبلغ، هذا صغير لكنه محكوم بإسلامه {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} الصغار والكبار بإيمان من الكبار؛ لأن الكبار مطالبون بالإيمان فعليهم أن يتصفوا به، والصغار حكمهم حكم الأبوين، فمن ولد بين أبوين مسلمين فهو مسلم حكماً وأولادهم في الجنة معهم، كما جاءت في ذلك الأحاديث الصحيحة، الصغير الغير مكلف هذا معروف أنه لا يؤاخذ فيما يرتكبه من معاصي، أو يتركه من واجبات؛ لأنه لم يجب عليه في الشرع شيء، لكن لو أن صبياً في العاشرة من عمره بين أبوين مسلمين أعجب بالنصرانية؛ لأن الأمور الآن صارت تصل إلى كل شيء، الدعوة إلى الأديان، وإلى المذاهب، وإلى الفرق تصل إلى بيوت المسلمين في قعرها، ويطلع على هذه الأمور الكبار والصغار، الشيوخ والعجائز والأطفال، فأعجبته النصرانية وقال: هو نصراني، هو لم يكلف، هل نقول: إن هذا يتبع أبويه ويلحق بهم، باعتبار أن كلامه هذا لغو؛ لأنه غير مكلف، أو نقول: إنه مؤاخذ به ما دام ليس بمؤمن، وخلع ........... الإيمان والإسلام من عنقه فماذا عن مثل هذا؟ لأن القيد {واتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} ماذا يقال في مثل هذا؟ الأصل أن من لم يبلغ الحنث هذا غير مكلف، يعني لو نطق بكلمة كفر، لو نطلق بكلمة شرك هذا الأصل المؤصل عند أهل العلم؛ لأن القلم مرفوعاً عنه: ((رفع القلم عن ثلاثة))، وتصرفاته له وعمده في حكم الخطأ، ومنهم: ((الصبي حتى يبلغ)) ولو أن إنساناً في منامه تكلم بكلام فهم منه الردة -نسأل الله السلامة والعافية- ما يؤاخذ عليه حتى يستيقظ، وكذلك المجنون لا يؤاخذ ولو قال ما قال، فهؤلاء مرفوع عنهم القلم فلهم حكم آبائهم حتى يكلفوا.
ومن الآباء في الصغار، والخبر خبر المبتدأ "{الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ"، "خبره {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} المذكورين -من الكبار والصغار- في الجنة، فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم"، {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} سواء كانوا كباراً أدركوا وآمنوا وعملوا الأعمال الصالحة إلا أنهم لم يبلغوا منازل الوالدين، هؤلاء يلحقون بوالديهم تكرمة لهم، والشرط متحقق يعني -الشرط في دخول الأصل أصل دخول الجنة- متحقق، لكن هؤلاء في منزلة الدنيا وآبائهم في منزلة عليا يلحقون بهم، وهذا ما في إشكال فضل من الله -جل وعلا-.
يقول: "فيكونون في درجتهم وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء لاجتماع الأولاد إليهم"، الصغير إذا مات ولم يبلغ الحنث أيضاً ليس لديه من العمل ما يؤهله إلى منزلة أبيه فيلحق به، الزوجة مع زوجها كما هو معروف، فأمهات المؤمنين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في منزلة، وهذا ما دعا ابن حزم أن يقول: إن أمهات المؤمنين أفضل من أبي بكر وعمر، يعني عائشة أفضل من أبيها، وحفصة أفضل من أبيها، وسودة أفضل من أبي بكر وأفضل من عمر وهكذا، لماذا؟ لأنها في منزلة النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجنة هذا ما يقوله ابن حزم، لكن هذا القول ليس بصحيح.
ليست بأفضل من أبي بكر ولا عمر ولا من هو فوقهم من الصحابة، وكون الشيء يثبت تبعاً يعني هذا التكريم التبعي لا يعني ارتفاع المنزلة استقلالاً، يعني كون الإنسان من الطبقة العليا بالنسبة لأمور الدنيا -أمير وإلا وزير وإلا كبير وإلا ثري ويتنعم بملذوذات هذه الدنيا، يسكن المساكن الفاخرة، ويركب المراكب الفارهة، ويأكل المطاعم الناهية، وعنده خدم السائق مثلاً يأكل معه، ويسكن معه في بيته، هل نقول: إن هذا السائق أفضل من الطبقة التي تلي هذه من الأغنياء، ومن الأمراء، من نواب الوزراء مثلاً؟ لا.
كون الإنسان يكرم لغيره لا يعني أنه أفضل ممن دون ذلك الغير، تجد بعض الخدم والسائقين يسكنون في ملاحق عند من ينتسبون إلى خدمته ملاحق، وهذه الملاحق أفضل من بيوت كثير من أوساط الناس، ويأكلون من المطاعم أفضل مما يأكله كثير من الناس، لكن كون هذا يكرم من أجل غيره لا يعني أنه أكرم من غيره، لا، فأبو بكر وعمر أفضل من أمهات المؤمنين، والعشرة أفضل من أمهات المؤمنين، ومع ذلك دونهن في المنزلة؛ لأنهن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في منزلته، وهؤلاء الذرية من كبار وصغار ليسوا بأفضل ممن دون آبائهم وإن كانوا مع آبائهم في المنزلة، إلا إنهم لن يكونوا أفضل ممن دون آبائهم، يعني لو نظرت إلى أكبر عالم في البلد مثلاً عالم عامل، يعني أفضل من في البلد وعنده أولاد صغار وكبار، هل نقول: إن هؤلاء الأولاد أفضل من الشيخ الذي يليه في المرتبة لا؛ لأنهم أكرموا لا لذواتهم إنما أكرموا تبعاً لآبائهم، وكل هذا لأجل كلام ابن حزم في تفضيل أمهات المؤمنين على أبي بكر وعمر وغيرهما من الصحابة.
{اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} لكن إذا لم تتبعهم بالإيمان {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر] ما ينفع، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] خلاص، قد يكون الولد في عليين، والأب في أسفل سافلين، والعكس إذا كان من أهل النار لم يلحق بإيمان مثل هذا انتهى، جاء في الخبر أن خديجة سِألت النبي -صلى الله عليه وسلم- : عن ولدين لها توفي في الجاهلية؟ فقال -عليه الصلاة والسلام- ((هما في النار))، فكأنها وجدت في نفسها -تأثرت-، فقال لها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لو رأيتهما أو لو رايتيهما، -إيه عشان لو لكان كذا شرطية يعني لو رأيتهما -طيب- لأبغضتيهما)) مثلها كلها هذه مشكلة، يعني لو حصل منك الرويا لهما لحصل منك البغض لهما؛ لأن الله -جل وعلا- ينزع ما في قلوب أهل الجنة مما يؤثر عليها ومما يكدرها، ولذلك لما سُئل سأل شخص النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: أين أبي؟ فقال: ((أبوك في النار)) فتأثر، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن أبي وأباك في النار)) ماتوا في الجاهلية ماتوا على الكفر، فمثل هؤلاء لا يلحقون بذويهم فالشرط موجود {اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ}، هذا لا ما اتبعوا بإيمان فالشرط غير متحقق، "{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} المذكورين في الجنة، فيكونون في درجتهم، وإن لم يعملوا بعملهم تكرمة للآباء باجتماع الأولاد إليهم".
طيب هذا بالنسبة للأولاد فماذا عن الآباء؟ يعني الابن في مرتبة عالية جداً والأب عمله أقل، عرفنا أن الذرية تلحق بالأب لكن ماذا عن الأب؟ الذرية يشمل الأصول، ويشمل الفروع، ظاهر في الفروع ذرية، لكن في الأصول {حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [(41) سورة يــس] {ذُرِّيَّتَهُمْ} من بعده، وإلا الذي من قبلهم؟ الذين من قبلهم، يعني أصولهم -حملنا أصولهم- فهم داخلون في مسمى الذرية.
"{وَمَا أَلَتْنَاهُم} [(21) سورة الطور] بفتح اللام وكسرها"، و{أَلَتْنَاهُم} ألِتناهم من باب ضرب ألت يألت، وكسرها من باب علم علم يعلم، ألت يألت "نقصناهم {مِّنْ عَمَلِهِم مِّن} من زائدة"، ما نقصناهم من عملهم من شيء، يعني إذا كانت أمور الدنيا مبنية على الحسابات، نعم مبنية على الحسابات الزائد والناقص فإن أمور الآخرة ليست كذلك فضل الله واسع، يعني لو افترضنا أن الأب تقدم إلى بلد، وسكن في فندق، في جناح الفندق ثلاثة أجنحة -جناح ألف وباء وجيم- وسكن في جناح ألف، ثم جاء أولاده بعده فما وجدوا في ألف فما وجدوا إلا في جيم مثلاً، بحيث نفترض أن الأب مع أولاده مصروف لهم سكن من قبل الدولة، إذا افترضنا أن الجناح ألف -بألف وخمس مائة- الليلة، وباء -بألف-، وجيم -بخمس مائة- ما وجدوا في ألف، وجدوا في جيم وهو مصروف لهم، الأب له سكن خاص في ألف، والأولاد في جيم هكذا صرف لهم فقال الأب: أنا أريدهم معي في ألف قالوا: لا والله التوجيه يقتضي أنهم في جيم ما هم معك، كيف تحسب أمور الدنيا علشان يتعادلون، ويُلحق الأولاد بأبيهم؟ قال: ينزل إلى باء ويرتفعون هم إلى باء صح، وإلا علشان تكون بقدر المبلغ الذي خصص لهم من قبل الدولة، لكن هل هذا في الجنة ......... لا والله، أنت في منزلة عالية جداً تبى تنزل قليلاً ويرفعون لا، لا {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} ما نقصناهم شيء هم في منزلته.
{وَمَا أَلَتْنَاهُم} نقصانهم {مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} ومن هذه زائدة، ومر بنا مراراً أن زيادتها من حيث أنها لو حذفت استقام المعنى، لكن لا يعني أنها ليست لها فائدة، لها فائدة وهي تأكيد النفي، تزاد بعض الحروف دعامة للكلام من شيء يزاد في عمل، يزاد في عمل الأولاد، يعني إذا تقرر أنهم يرفعون إلى منازل آبائهم فمعناه أننا زدنا في عملهم، زدنا في علمهم مقتضى الزيادة في عمل الأولاد أن ينقص من عمل الآباء، لكن ما ألتناهم من عمله من شيء، هذا الشيء الذي زدناه في عمل الأولاد ليس معناه أننا نحسمه من عمل الآباء، يلحقون بهم يزاد من عمل الأولاد.
طيب قد يقول قائل: هذا فيه بيان مزية وفضل لمن له أولاد، فماذا عن من حرم الأولاد- شخص عقيم-؟ ما في شك لمن لهم أولاد بيرفعون عنده، لكن هذا محروم من الأولاد، ماذا له حرمانه من الأولاد مع صبره واحتسابه ورضاه بقدر الله، له من الأجر ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا ينظر إلى مثل هذه الأمور، بل يرضي بما قدر الرحمن.
وكن صابراً للفقر وادرع الرضى |
|
لما قدر الرحمن واشكره واحمدِ |
عليك أن ترضى بما كتب الله لك.
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [(21) سورة الطور] "{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ} من عمل خير أو شر {رَهِينٌ} -يعني مرتهن- مرهون يؤاخذ بالشر ويجازى بالخير" هذا هو الأصل، هذه القاعدة أن كل عامل بعمله إن خيراً فخير و إن شراً فشر، لكن فضل الله -جل وعلا- لا يحد، والنقص من عمله من أجل تسديد شيء أخر {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} يعني لو أن الأب نزل من منزلته لكان عقابه بغير عمله، والله -جل وعلا- يقول: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} من خير أو شر مرهون مرتهن بحيث يؤاخذ بالشر ويجازى على الخير، ويجازى بالخير {كُلُّ امْرِئٍ} من صيغ العموم، {كُلُّ} من صيغ العموم فيشمل المسلم والكافر، ومنهم من يقول: إن هذا خاص بالكافر {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر]، إلا أصحاب اليمين فإنها ليست مرتهنة فالمؤمن لا يدخل في هذه الآية؛ لأنه مستثنى في الآية الأخرى، الارتهان معروف أنه يتفاوت، {رَهِينٌ} يعني بمرتهن أو مرهون، منهم من يرتهن بالشيء اليسير، ومنهم من يرتهن بالشيء الكبير فالكافر مرتهن بكفره بحيث لا يفك أسره ولا رهنه، والمسلم يرتهن بعمله ((وكل مولود مرتهن بعقيقته)) يعني -محبوس بالشفاعة لأبويه حتى يعق عنه-، والدين أيضاً رهن مرهون بدينه ذمته معلقة بدينه مرتبطة به، فلا شك أن الرهن والإرتهان أمور نسبية، لكن الرهن والارتهان بالنسبة للكافر لا شك أنه لا فكاك منه؛ لأن الكافر مخلد في النار نسأل الله العافية.
وأما المسلم إذا عمل سيئة أو عمل شر هو مرتهن بهذا الشر، لكن مألوه إلى أن يفك عنه الرهن، فالاستثناء {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [(39) سورة المدثر] هؤلاء لا شك أنهم إن ارتهنوا فرهن مؤقت يفك، وهو أيضاً تحت المشيئة إن شاء عاقبه، وإن شاء عذبه بقدر ذنبه، وإن شاء عفا عنه، وأما الكافر فلا يرد فيه مثل هذا.
{وَأَمْدَدْنَاهُم} [(22) سورة الطور] "زدناهم في وقت بعد وقت"، {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} وإن لم يصرحوا بطلبه"، {أَمْدَدْنَاهُم} فعل أمد الرباعي والفعل الثلاثي أمد.
يقول أهل العلم: إن الفعل الرباعي لا يكون إلا في الخير، والثلاثي في الشر {أَمْدَدْنَاهُم}، وأما بالنسبة لثلاث {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [(79) سورة مريم] -نسأل الله العافية- فرق بين مدا وأمدا، وهنا الفعل الرباعي "أمددناهم، زدناهم في وقت بعد وقت" يعني متتابع في وقت بعد وقت، {بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} يعني وإن لم يصرحوا بطلبه"، ما يحتاج إلى أن يطلب مجرد ما يشتهون، يحصل لهم ما يشتهونه، يحصل لهم ما يشتهونه، وهذا نعيم الجنة الذي لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا- فيها ((ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) مجرد ما يشتهي يحصل له ما يشتهي.
جاء في بعض الأخبار مثل ما أشرنا قريباً أن صاحب الجنة، المؤمن إذا دخل الجنة يشتهي الطائر، فينزل على خوانه جاهز للأكل، هو طائر يطير ينزل جاهز للأكل، ثم بعد ذلك يأكل منه ما يريد، ثم بعد ذلك يطير؛ لأن نعم الآخرة لا تنتهي ولا تزول، نعيمهم دائماً يقول: "وإن لم يصرحوا بطلبه".
{يَتَنَازَعُونَ} [(23) سورة الطور] هذا ليس من النزاع والشقاق لا؛ لأنه لا يوجد في قلوبهم غل، ونزعنا ما في قلوبهم من غل، وكل شيء موجود ومتوفر بحسب الشهوة بدون طلب يحصل و"{يَتَنَازَعُونَ} يتعاطون بينهم" يتبادلون بينهم كل واحد يعطي الثاني بينهم، "{فِيهَا} أي: في الجنة"، {كَأْسًا} يعني "خمراً"، والكأس لا يقال له كأس حتى يكون مملوءاً يقال له كأس.
"{لَّا لَغْوٌ فِيهَا} أي بسبب شرب يقع بينهم"، {لَغْوٌ} كلام خصام نزاع، كلام باطل، كلام لا خير فيه لا ما يحصل هذا، {لَّا لَغْوٌ فِيهَا} "أي بسبب شربها يقع بينهم" كما في خمر الدنيا كما إذا شربها في الدنيا -نسأل الله السلامة والعافية- أصدر من الكلام ما يضحك الأطفال والمجانين، حمزة لما شربها مع من معها في أيام عرس علي بفاطمة، وعلى عمل واجتهد في الكسب حتى أشترى ناقة يستعين بها على زواجه مهرة ووليمته شرب الخمر مع مجموعة معه، فقال ما قال وأخذ وقيل له ألا يا حمز للشرف الواء فبقر بطنها، وقال: ما أنتم إلا عبيد لأبي هذه -خمر الدنيا تفعل بصاحبها هكذا-، وهي أم الخبائث فقد يقتل، قد يزني، قد يقع على محارمه، قد يكفر وهو لا يشعر، ينطق بكلام، والخلاف بين أهل العلم معروف في كون الآثار المترتبة على السكر يؤاخذ بها، أولا يؤاخذ، المسألة معروفة لكن الأكثر على أنه مؤاخذ؛ لأنه هو الذي اختار هذا الأمر بطوعه واختياره، ومنهم من يقول: حكمه حكم المجنون لا يؤاخذ، على كل حال خمر الدنيا معروف حكمها وتحريمها ومن لعن فيها -نسأل الله السلامة والعافية-، لعن فيه عشرة وهي أم الخبائث ((من شربها في الدنيا، لم يشربها في الآخرة)) وأيضاً لو أن الإنسان أعمل عقله لم يشربها، كيف بشخص أنعم الله بالعقل ثم يسعى، يعني -إذا رأى مجنوناً حمد الله وشكره- إن لم يكن مجنوناً، ثم بعد ذلك يسعى إلى زوال ذلك العقل! ألا يخشى أن يعاقب بعدم عودة عقله إليه -وهي أم الخبائث-، وقد لعن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها عشرة، وهي ((أم الخبائث من شربها في الدنيا لم يشربها في الآخرة، {لَّا لَغْوٌ فِيهَا} "أي بسبب شربها يقع بينهم {وَلَا تَأْثِيمٌ} به يلحقهم بخلاف خمر الدنيا" يعني لا يلحقهم بسبب شربها إثم، وجاء ما يدل على أن الخمرة يطلق عليها إثم، يطلق عليها الإثم، ولا يوجد ذلك في خمر الآخرة.
وخمر الآخرة تجري أنهار من تحتهم أنهار بغير أخدود -تجري هكذا-، ولا تفيض يميناً ولا شمالاً
أنهارها من غير أخدود جرت |
|
سبحان ممسكها عن الفيضان |
إضافة إلى الأنهار الأخرى من العسل ومن اللبن ومن الماء، ويطوف عليهم للخدمة، يطوف على أهل الجنة يخدمونهم غلمان أرقى لهم، يطوف عليهم للخدمة غلمان لهم، ما قال: غلمانهم يطوف عليهم غلمانهم، يقول: يطوف عليهم لخدمتهم غلمان لهم أرقى؛ لأنه لو قال غلمانهم لاستصحب الإنسان ما كان هل في الدنيا من كان يخدمه في الدنيا يخدمه في الآخرة، ومن لا يخدم في الدنيا لا يخدم في الآخرة، لكن {غِلْمَانٌ لَّهُمْ} [(24) سورة الطور] يعني للجميع ليست للمخدوم في الدنيا دون غيره، غلمان للخدمة، خدمة في طلب جميع ما يشتهون، في إحضار جميع ما يشتهون.
وجاء في بعض الآثار أنه إذا نادى قال له ألف غلام على بابه: لبيك، لبيك، نعيم دائم لا تبلغه الأفهام، ولا تدركه الأوهام، نعيم لا يخطر على قلب بشر، وهناك كتاب اسمه -نسيت أول اسمه-، لكن في الرد على الخواطر الشيطانية من بعض الكتاب المعاصرين، ممن استولى على أفكارهم الشياطين قال: إنهم يستخدمون هؤلاء الغلمان في الاستخدام القبيح في الدنيا -نسأل الله العافية-، ويقولون: إنهم يتمتعون بهم في الآخرة، وهذا كلام باطل وهو في الدنيا قبيح فكيف بالآخرة؟ على كل حال هذا الكلام إنما يقال؛ لئلا يغتر به، وله عليه رد طيب اسمه: في الرد على فلان في خواطر شيطانية، أو في بعيد العهد عني الكتاب، لكنه قول شنيع نسأل الله السلامة والعافية، ولا يظن بهذا القول إلا أنه نسأل الله السلامة والعافية أنه ممن فتن بهذا العمل.
"{وَيُطَوفُ عَلَيْهِم} [(15) سورة الإنسان] للخدمة {غِلْمَانٌ} أرقاء {لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} حسناً ولطافة" يعني -في حسنهم ولطافتهم- {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} هؤلاء الغلمان "{كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} مصون في الصدف؛ لأن اللؤلؤ المكنون في الصدف أحسن منه في غيره"، اللؤلؤ المكنون يعني لؤلؤ الدنيا المكنون في صدفه، أفضل من اللؤلؤ الذي أبرز من صدفه؛ لأنه يتعرض للمتغيرات كالهواء والمناخ، يتغير إذا أخرج من كنه، وما زال مكنون فهو أجمل وأحفظ، وهؤلاء الغلمان {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ}، وهذا معروف أنه مثال تقريبي لما في الجنة، وإذا كان هذا في الغلمان والخدم فكيف بمن يخدم؟! كيف بمن يخدم؟! إذا كان هذا هو الخادم كأنه لؤلؤ مكنون فكيف بمن يخدم؟!، يعني سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذا السؤال فقال: ((إن صاحب الجنة بالنسبة لخادمه كمثل القمر ليلة البدر)) على أقل كوكب الفرق بينهما هكذا، فإذا كان الخادم الغلام الذي يخدم المؤمن في الجنة هذا وصفه كأنه لؤلؤ مكنون فكيف بالمخدوم؟!.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } [(25) سورة الطور] "{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يعني يسأل بعضهم بعضاً عما كانوا عليه، وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة"، يتسألون فاكهين فرحين يسأل بعضهم بعضاً كنا نفعل كذا، كنا نفعل كذا في الدنيا، يتذكرون أفعالهم التي أوصلتهم إلى هذا المكان، يعني من الأمثلة أنه إذا ظهرت النتائج واجتمع المتميزون عن غيرهم، افترض مثلاً الخمسة الأوائل في الليلة التي أعلنت فيه النتائج، أخذوا يتناقشون والله كنا نفعل، كنا ندرس، كنا نذاكر، يستمتعون بهذا الكلام، لكن اذهب إلى القوم الآخرين الراسبين، ويش بيقول يمكن ما يجتمعون، وهنا "{أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يسأل بعضهم بعضاً عما كانوا عليه وما وصلوا إليه تلذذاً واعترافاً بالنعمة".
{قَالُوا} إيماء إلى علة الوصول" الذي أوصلهم إلى هذا النعيم "{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} يعني في الدنيا" "{مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله" وجلين خائفين، وجلين من عذاب الله، فالخوف من عذاب الله -جل وعلا- لا شك أنه من أثر التقوى، والخشية من الله -جل وعلا- من أثر العلم النافع {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] والخوف من الجليل من أثر التقوى، فكانوا خائفين من عذاب الله راجين لرحمته -جل وعلا-، فهذا يدل على الإنسان في هذه الدنيا ينبغي أن يكون خائفاً وجلاً من سوء العاقبة، ولا يعتمد على ما عنده أو علم أو عمل لا يغتر بهذا؛ لأنه ما يدري في أي لحظة يسلب هذا العلم، أو ذلك العمل، "{إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} يعني في الدنيا" "{مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله"، وجلين من عذاب الله، وهذه حال أهل الإيمان.
{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [(27) سورة الطور] بالمغفرة"، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} لدخولها في المسام"، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} عذاب السموم عذاب النار، والسموم هو الحر الشديد الذي يدخل في مسام الجلد، يعني هذه الفتحات الصغيرة التي لا يدخل فيها الهواء يدخل فيها هذا السموم، يدخل في مسام الجلد فقيل له: سموم يعني لو أنت لو نخفت يدك ما بان لهذا النفح أثر، لو هبت ريح شديدة ما دخل هواء لو غمستها فيها ماء ما دخلها ماء، لكن مع ذلك يدخلها السموم ينفذ في مسام الجلد -نسأل الله السلامة والعافية-، {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} وقالوا: إيماء أيضاً".
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} [(28) سورة الطور] أي في الدنيا" قبل {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا} في الدنيا، {مُشْفِقِينَ} خائفين من عذاب الله" ومشفقين راحمين لأهلينا في الدنيا، فصفة الرحمة والشفقة على النفس وعلى الغير لا شك أنها صفة المؤمنين: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد)) يشفقون على أنفسهم، يشفقون على أهليهم، يشفقون على ذويهم، يشفقون على غيرهم من المؤمنين، "وقالوا أيضا إيماء" {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} "أي في الدنيا" {نَدْعُوهُ} أي نعبده موحدين"، ندعوه دعاء العبادة، وأيضاً دعاء المسألة، يسألونه دعاء يا ربنا، يا ربنا يسألون الله الجنة، ويستعيذون به من النار، يسألونه ما يقربهم إليه، ويستعيذون به مما يبعدهم عنه {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} "أي في الدنيا" {نَدْعُوهُ} أي نعبده، أي دعا المسألة، ودعاء العبادة.
"{إِنَّهُ} بالكسر استئنافاً، وإن كان تعليلاً معنى -يعني الجملة تعليلية فبالكسر تعليل معنى-، وبالفتح تعليل لفظ"، {إِنَّهُ} كأن لام التعليل مقدرة؛ لأنه فإذا كسرت همزة إن صارت الجملة تعليلية من حيث المعنى، وإن كانت استئنافية من حيث اللفظ ومعناها التعليل، وإذا قلت أنه صار التعليل لفظي بتقدير اللام لأنه، "{هُوَ الْبَرُّ} المحسن الصادق في وعده"، المنجز لوعده {الْبَرُّ} الذي في جميع خصال {الْبَرُّ} -جل وعلا-، {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} المحسن الصادق، "{الرَّحِيمُ} العظيم الرحمة" بخلقه.
{فَذَكِّرْ} الرسول -عليه الصلاة والسلام- يذكر هذه وظيفته فيؤمر بالتذكير {فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [(29) سورة الطور] وفي أخر ق: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالتذكير التي هي الوعظ هي وظيفة الأنبياء، ووظيفة وراثهم وأتباعهم التذكير والوعظ، لا سيما بالقرآن من أعظم من يوعظ به ويذكر به القرآن، وللقراء ولأئمة المساجد لا سيما الذين يحرصون على تزيين وتحسين الصوت بالقرآن لهم نصيب من هذا إذا استحضروا هذا، وتجد بعضهم عندهم الصوت الجميل والقراءة الجيدة ثم بعد يبخل على الناس، يقرأ الآية والآيتين ثم يركع والناس بحاجة إلى التذكير بكلام رب العالمين.
{فَذَكِّرْ} هو يذكر هذه وظيفته، لكن يؤمر بذلك للدوام عليه، كما أن المؤمن يؤمر بالإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(136) سورة النساء] يعني دوموا على إيمانكم، فالمتلبس بالشيء المتصف به يأمر به من أجل الاستمرار عيله، "{فَذَكِّرْ} دم على تذكير المشركين ولا ترجع عنه لقولهم لك كاهن مجنون".
{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} يعني بفضل الله عليك، ما أنت بإنعامه عليك، ما أنت بكاهن، خبر ما بكاهن، واقترن خبر ما بالباء معاملة لها معاملة ليس وهي حينئذ على هذا القول حجازية، حجازية يعني تعمل عمل ليس، أما تميمية فلا تعمل فهي في هذه الآية حجازية؛ لأنه اقترنت الباء بخبرها مثل ليس "{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} بإنعامه عليك"، {بِكَاهِنٍ} يعني تدعي الغيب، وتتلقفه من مسترق السمع لست كذلك، و{لا مَجْنُونٍ} معطوف عليه يقال: كاهن، يقال: ساحر، يقال: مجنون، لكن الذب يصف بهذه الأوصاف المتناقضة المتباينة كاهن يختلف تصرف الكاهن عن تصرف المجنون، المجنون لا يعي ما يقول، والشاعر يضبط ما يقول، ويزن ما يقول أكثر مما يزنه الناثر، فكيف مرة يقولون: شاعر يعني -كلامه موزون منضبط، متسق، مقفى-، ثم يقولون: مجنون لا يعي ما يقول، لا شك أن هذا تخبط مما يدل على أن قولهم لا أصل له، ولا رصيد له من الواقع، بل هم في قرارة أنفسهم يشهدون له بضد ذلك، يشهدون له بخلاف ذلك، لكنهم من باب المعاندة، ومن باب التزهيد فيه وفيما جاء به يصفونه بهذه الأوصاف، "{وَلَا مَجْنُونٍ} معطوف عليه"، معطوف على المجرور مجرور، يقول هنا: {أَمْ} بمعنى "بل" تكون إضراب، والأصل أنه استفهام إنكاري، يعني كما قال الخليل: أم في سورة الطور كلها استفهام، وكررت خمس عشرة مرة في هذه السورة، {يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [(30) سورة الطور] حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء"، وهذا شاعر من الشعراء مثل ما مات الشعراء زهير وقبله امرأ القيس يهلك ونرتاح منه، "{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء.
"{قُلْ تَرَبَّصُوا} [(31) سورة الطور] هلاكي" انتظروا، نتربص يعني -ننتظر انتظروا هلاكي- {فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} [(31) سورة الطور] يعني أنا أيضاً انتظر هلاككم، "{فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} هلاككم فعذبوا بالسيف بوم بدرٍ، والتربص: الانتظار"، أنتظر النبي -عليه الصلاة والسلام- هلاكهم كما انتظروا هلاكه، فكان الذي حصل أن قتل رؤوسهم وصناديدهم في معركة بدر -قتل منهم سبعون، وأسر سبعون- وهذا هلاك، وأيضاً موت كل واحد منهم هلاك، إضافة إلى الهلاك الدائم في نار جنهم -نسأل الله السلامة والعافية-.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم} [(32) سورة الطور]؟ يعني عقولهم {بِهَذَا} [(32) سورة الطور] حلم العقل؛ لأن العاقل عقله يحميه عن الطيش الذي يناقض الحلم، "{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم} يعني عقولهم {بِهَذَا} أي قولهم له: ساحر، كاهن، شاعر، مجنون" يعني لو كانت موجودة، لو كان لهم أحلام لم تأمرهم بذلك؛ لأن هذه أقوال متناقضة ما يقولها عاقل، يعني إذا كانت عقولهم تأمرهم بهذا، إذا كانوا يصدرون عن عقولهم فليس لهم عقول {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [(32) سورة الطور] يعني بل هم قوم طاغون كما قال المفسر، يعني أحلامهم لا تأمرهم بهذا، هم يعرفون أنهم في قرارة أنفسهم أنه على خلاف وضد ما يقولون، لكنهم قوم طاغون معاندون تجاوزوا الحد في طغيانهم، يعني الإنسان إذا أراد أن يصف شيئاً بما ينفر به عنه يصفه بأمر يوجد أصله فيه، ولا يصفه بشيء يكذبه كل من سمعه به، يعني بعض الناس تجده يصف إنساناً أو يمدح إنساناً بما يشبه الذم، ما يذمه ذماً مباشراً مكشوفاً بشيء ليس فيه، إذا كان عاقلاً وأراد أن يذم خصمه ما يذمه بشيء يكذبه الناس كلهم من أجله، وإنما يذمه بوصف هو متلبس به إذا كان عاقلاً، لكنه يضخم هذا الوصف يكون فيه أصل يجعل الناس يصدقونه، ويضخم ويفخم هذا الوصف بحيث ينفر الناس عنه بهذه الطريقة، أما أن يصفه بوصف يجزم أنه على خلافه، وأن الناس يكذبونه فإنه لن يستفيد إلا المعاملة بنقيض القصد، ولذا قال: {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي تجاوزوا الحد في الإقذاع بالسب، وإن كان هذا السب لا قيمة له، يعني تأتي إلى شخص عنده معاصي وأنت تريد أن تذمه فتضخم هذه المعاصي وترتب عليها آثاراً، لكن تأتي إلى شخص صالح، شخص تقي، وتقول: فلان يشرب الخمر، أو يزني، أو يفعل، أو، كل الناس تقول كذبت، لكن تأتي بأعمال إذا قلت صالح يمكن أن تصفه بالغلو بالتطرف؛ لأن عنده أصل العبادة وأنت تزيد تذمه بمثل هذا تجد من يصدقك؛ لأن الرجل بأنه رجل عابد، وملازم للمسجد، ومنقطع عن الدنيا، ويمكن أن تستدل بنصوص جاءت في الغلو والتطرف ومجاوزة الحد في العبادة تجد من يصدقك، لكن أن تأتي بالنقيض لا تجد من يصدقك، وهكذا لو تصف شخصاً فاسقاً بأنه متطرف أو غال في عبادته ما صدقوك، لكن عنده معاصي -تضخم هذه المعاصي- تجد من يصدقك، وهؤلاء وصفوا النبي -عليه الصلاة والسلام- بنقيض ما يتصف به -عليه الصلاة والسلام-، ولذا جاء الأسلوب التهكمي {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم}؟ عقولهم" التي أوصلتهم إلى هذا الحد، يعني مثل ما نقول بالنسبة للكفار الذين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من أمور تتعلق بظاهر الحياة الدنيا، نقول: شوف العقول، العقول، الأحلام التي أوصلتهم إلى ما أوصلت من حضارة، لكنها لا توصلهم إلى الاستنجاء الذي هو أخص من أخص ما يتصفون بضده، الظاهر لا يستنجون -يقضي حاجته ويرفع سراويله-، هذا العقول التي صنعت وفعلت وأدركت من ظاهر الدنيا ما استطاعت أن تنظف ثيابها لذلك، تذم الإنسان بما فيه؛ لتصدق، أما تذمه بما ليس فيه هذا ما يصدقونك الناس.
{أَمْ يَقُولُونَ} [(33) سورة الطور] هؤلاء الكفار للنبي -عليه الصلاة والسلام- {تَقَوَّلَهُ} تقوله تفعل يعني تكلف في اختلاقه، وكذبه للقرآن، واختراعه من تلقاء نفسه، ومرة يلقى إليه، ومرة يتلقاه عن غيره، "اختلق القرآن والواقع أنه لم يختلقه" {بَل لَّا يُؤْمِنُونَ} استكباراً فإن قالوا: اختلقه" هو عربي من بيئتهم وعاش بينهم، وما انتقل إلى بلد أخر يتلقى عنه ما يتلقى، هو من بلدهم يعرفونه من ولادته إلى بعثته، يعني لو أن لك أخاً يسكن معك في البيت لمدة عشرين سنة، وتعرفه ما فارقك ولا فارق البيت وأنت معه سفر وحضر، ثم فجأة قال لك: إني أحسن اللغات، أجيد عشرة لغات من فين، متى، متى تعلمت؟ هم يعرفون حاله ما راح لا يميناً ولا يساراً، كيف يختلق مثل؟ هذا إن كان اختلقه وأنتم مثله، أنتم مثله في العربية، في الفصاحة، في البلاغة يعني -مستواكم ما يقل عنه-، إلا أنه -عليه الصلاة والسلام- أوتي جوامع الكلم، لكن مع ذلك من الذي آتاه جوامع الكلم هو الله -جل وعلا-، إن كنتم تصدقون بمثل هذا فأمنوا بمن آتاه جوامع الكلم، إن كنت تقولون أخترعه من تلقاء نفسه، فأنتم بمنزلته عرب تفهمون ما يقول، وتستطيعون أن تعبروا عما في أنفسكم بأعلى درجات الفصاحة والبلاغة فأتوا، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ} [(34) سورة الطور] ولو مختلق" من تلقاء أنفسهم، {مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } [(34) سورة الطور] في قولهم" إنه اختلقه، {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} تحداهم بجميع القرآن، ويا الله تعاونو كلكم يا معشر العرب، أو يا معاشر العرب تعاونوا وأتونا بمثله، واستعينوا بالجن، تحداهم أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بعشر سور فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بسورة واحدة فلم يستطيعوا، فإن قالوا: اختلقه {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ} مختلق {مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ } يعني في قولهم".
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [(35) سورة الطور] خلقوا من عدم، من غير شيء لا خالق لهم أم هم الخالقون لأنفسهم، هذه الآية وما بعدها هي التي أثرت في جبير بن مطعم وكاد قلبه يطير منها، {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} من غير خالق"، هل يتوقع أن شيئاً يتصرف بنفسه من غير أن يتصرف فيه غيره؟ لو افترضنا أن سفينة باخرة ليس لها قائد هي بنفسها تحمل البضائع، وتقود نفسها من قطر إلى قطر هل يتصور مثل هذا؟ العالم كله بمنزلة هذه السفينة، ما يمكن أن تقود نفسها بل لا بد لها من قائد يقودها ويسيرها.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أم هم الخالقون لأنفسهم؟"، يعني هل يتصور أن إنساناً كان معدوماً ثم أوجد نفسه، أو وجد من غير خالق؟ يعني ما أوجده أحد، وجد فجأة كذا،{أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} لأنفسهم"؟ لا هذا ولا هذا، "ولا يعقل مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق، لا مخلوق بغير خالق ولا معدوم يخلق"، لو أن إنساناً جالساً من هؤلاء فجاء أخر فضربه على ظهره -ولا في غيره ما في واحد ثالث- التفت فإذا به هذا، فقال: لماذا ضربتني؟ قال: ما ضربتك! يصدق وإلا ما يصدق، ضربة من غير ضارب يا أخي أنت تقول مخلوق من غير خالق هذه ضربة من غير ضارب، يصدق وإلا ما يصدق؟ ما يصدق يعني نظير قول الجبرية، حينما قالوا: إن الإنسان ما يتصرف ولا يؤاخذ على أفعاله؛ لأن مؤاخذته وهو مجبور ظلم، يعني لو ضربهم أحد وقال: أنا ما أتصرف ما ضربتك لا بالغ في مؤاخذته وأعده مجنون بهذا، إذا أنت كيف تفعل المعاصي، وتقول: أنا ما تصرفت، أنا مسير لست بمخير؟ لا مخير يا أخي، فأنت في تصرفاتك نظير تصرف هذا الذي ضربك، لك حرية واختيار ويؤاخذ على فعله، وأنت لك حرية واختيار ومؤاخذ على فعلك.
وهذا الذي قال: أنكر أن يكون له خالق يسأل خلقت من غير شيء، من غير خالق، وجدت كذا، أم أنت خلقت نفسك؟ يعني هل العدم شيء بحيث ينسب إليه فعل؟ ليس بشيء، "ولا يعقل مخلوق بغير بخالق ولا معدوم يخلق، فلا بد لهم من خالق وهو الله الواحد، فلم لا يوحدونه ويؤمنون برسوله وكتابه"؛ لأنه تفرد بالخلق والرزق والإحياء والإماتة والأمور كلها بيده -جل وعلا- إذا هو المستحق بالإفراد بالعبادة، وغيره لا يملك شيئاً إذا لا يستحق شيئاً.
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [(36) سورة الطور] من خلقهم؟ من خلق السموات والأرض؟ يعني لو أن الخلائق كلها اجتمعت لتخلق سماء مثل السماء الموجودة يستطيعون، هل تحدثهم أنفسهم أن يفعلوا مثل هذا الفعل؟ لا يمكن أن تحدثهم أنفسهم بمثل هذا الفعل، {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} ولا يقدر على خلقهما إلا الله الخالق فلم لا يعبدونه، {بَل لَّا يُوقِنُونَ} به"، وإلا لأمنوا بنبيه؟ يعني لو استعملوا عقولهم ونظروا في هذه الأمور الملزمة لأمنوا؛ لأن الإنسان حينما يقرر في أشياء لا جواب له عنها، وأشياء واقعة لا يستطيع إنكارها .......... مخلوق وإلا ماهو بمخلوق، يعني موجود وإلا معدوم؟ موجود، من أوجده؟ أوجد نفسه وإلا أوجد من غير موجد؟ كل هذا لا يكون، إذاً لا بد له من موجد، من الموجد فلان وإلا علان، أبوه وإلا عمه وإلا خاله؟ هو مثله، إذا الموجد هو الله -جل وعلا-.
{السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} هل هم خلقوها، هل هم أوجدوها، هل يمكن أن يدعي أن والده هو الذي خلق السماء، أو ملكه العظيم المعظم عنده؟ يعني هل قال أهل مصر: إن فرعون خلق السماء؟ ما قالوا، ولا يمكن أن يدعوا ذلك؛ لأنهم يعترفون بقدرته وأنها محدودة، مع إيمانهم بإلهيته وربوبيته التي أجبرهم عليها "{بَل لَّا يُوقِنُونَ} [(36) سورة الطور] به وإلا لآمنوا بنبيه -عليه الصلاة والسلام-".
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} [(37) سورة الطور] من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا"، من أعظم الرزق أن يمنح المنحة الإلهية العظمى "النبوة"، لما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- اقترح أهل مكة أن يكون النبي على رجل من القريتين عظيم، إما أبو جهل من مكة، وإما عروة بن مسعود الثقفي من الطائف اقترحوا هذا، لكن {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [(124) سورة الأنعام]، هذا من الله -جل وعلا- لا يتصرف فيها أحد، فالمرسل هو الذي يختار الرسول.
الرزق عندهم خزائن الرزق يستطيعون أن ينزلوا المطر متى شاؤوا، لتنبت لهم الأرض ما يعيشون به ويتعيش به دوابهم، أصيبوا بالسنين، ماتوا من الجوع، ما استطاعوا أن يقدموا ولا يؤخروا، أعظم ما عندهم أبو جهل وأبو لهب ونظرائهم ما استطاعوا أن يوجدوا لقمة عيش يأكلونها، يرون الجو كله دخان رائح جاي من الجوع، والجوع بئس الضجيع يريك ما لا ترى، يري عيناك ما لا تراه، فهل استطاعوا أن ينزلوا المطر، هل استطاعوا أن يوجدوا شيئاً يأكلونه؟ ما استطاعوا.
"{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} من النبوة والرزق وغيرهما فيخصوا من شاؤوا بمن شاؤوا"؟، إذا كان عندهم الخزائن يخصوا، إذ معروف أن الذي عنده شيء من المال أو من الطعام يعطي هذا الجار، وقد لا يعطي هذا الجار وهذا مجرد قسمة، وإلا فالمعطي هو الله -جل وعلا- ((إنما أنا قاسم والله هو المعطي)) {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النــور]، يعني وإن كانت عنده خزينة وعنده مستودعات، لكن هي مال الله، ومع ذلك هو أؤتمن على هذا المال فلا يجوز له أن يصرفه إلا على مقتضى نظر الشرع، فيخصوا من شاؤوا بمن شاؤوا.
{أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} المتسلطون الجبارون، وفعله سيطر، ومثله بيطر وبيقر" مسيطر، مبيطر، مبيقر، مهيمن، مجيمر أو محيمر أو مخيمر هذا الكلمة ضبطت بالجيم والحاء والخاء، وقالوا: لا يوجد على صيغة مفعيل إلا هذه الكلمات الخمس.
{الْمُصَيْطِرُونَ} المتسلطون" وتقراء بالسين والصاد، "المتسلطون الجبارون وفعله سيطر مثل بيطر"، بيطر يعني عالج، والبيطار المعالج، والبيطري الذي يعالج الدواب، وبيقر أفسد خلاف ضد عالج، بيطر, افسد وأهلك.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} [(38) سورة الطور] مصعد مرقى يصعدون به، ويرتقون به إلى السماء، يستمعون فيه يعني عليه؛ لأن السلم يصعد عليه، لا يصعد فيه، اللهم إلا إذا قلنا: إن الصعود، يعني لا بد أن نضمن الحرف في بمعنى على {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يعني عليه، {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [(71) سورة طـه] يعني على جذوع النخل، فنضمن الحرف معنى حرف أخر، أو نضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدى بنفس الحرف {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} كأنه قال: لأدخلنكم في جذوع النخل، يعني كأنه من قوة الربط ينفتح الجذع فيدخلون فيه هذه مبالغة في الصلب، وهنا إذا أمكن تضمين الفعل أولى من تضمين الحرف كما قال شيخ الإسلام، وهنا ضمن الحرف معنى حرف آخر، كيف نقول يستمعون فيه كأنه مع صعودهم على هذا السلم يريدون الاستخفاء؟ لئلا يصيبهم الشهاب الذي يصيب الجني مسترق السمع فيستخفون في هذا السلم، يعني سلم مشتمل على شيء يخفيهم فكأنهم دخلوا فيه، هذا إذا أردنا أن نضمن الفعل، وهذا أولى من تضمين الحرف على رأي شيخ الإسلام.
"{يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يعني عليه كلام الملائكة حتى يمكنهم منازعة النبي بزعمهم إن ادعوا ذلك"، النبي -عليه الصلاة والسلام- يأتيه الوحي من السماء بواسطة جبريل، يقول: إن استطعتم أن تأتوا بوحي فأحضروا سلماً واصعدوا إلى السماء، واسمعوا كلام الملائكة، وانقلوه للناس فتكون أتيتم بمثل ما أتى به، {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم} أي مدعي الاستماع عليه {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بحجة بينة واضحة"، {بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} يأتي بحجة بينة واضحة" يأتي بكلام الملائكة هات ما عندك، يعني كون مسيلمة يدعي أنه ينزل عليه وحي، وذكر ما ينزل عليه على حد زعمه من الوحي الشيطاني فرمي بالجنون، يا وبر، يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وما أدري إيش، كلام لا معنى له، نعم إن كان عندكم شيء من السمع استمعتوه من الملائكة هاتوا {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بحجة بينة واضحة"، هذا تدل على أنه فعل ذلك وأصابه.
قال المفسر -رحمه الله-: ولشبه هذا الزعم، بزعمهم أن الملائكة بنات الله"، "ولشبههم هذا الزعم بزعمهم أن الملائكة بنات الله" قال تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} [(39) سورة الطور] أي بزعمكم"، {وَلَكُمُ الْبَنُونَ} تعالى الله عما زعموه"، {لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} ومعروف أن البنين أقوى من البنات فأنتم تستعينون عليه بالبنين على حد زعمكم، سوف يستعين عليكم بالبنات، ومقتضى ذلك أنكم تغلبونه ما دام ما عنده إلا بنات وأنتم عندكم بنين فأنتم تغلبونه، لكن هذا الزعم الباطل {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} أي بزعمكم"، {وَلَكُمُ الْبَنُونَ} تعالى الله عما زعموه"، يعني قالوا الملائكة: بنات الله، وعبدوهم من دون الله.
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} [(40) سورة الطور] على ما جئتهم به من الدين {تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} على ما جئتهم به من الدين" {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ} يعني من غرم ذلك {مُّثْقَلُونَ}" فلا يسألون.
يعني لو كان النبي لما أرسل -عليه الصلاة والسلام- فرض على من يدخل في هذا الدين مبلغاً، لقال كثير من الناس ما دام يأخذ علينا هذا المبلغ لا أدخل في الدين؛ لأنه يثقلنا هذ المبلغ "{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} على ما جئتهم به من الدين"، يعني لو فرض على كل واحد ألفاً لقال كثير منهم أنا والله ما عندي ألف {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}، من هذا الغرم الذي ألزمتهم به مثقلون، يعني لا يستطيعون أن ينووا به ويحملوه، يعني لو تصورنا المسألة في جامعة أهلية فرضت على كل طالب أربعين ألفاً، هل يتصور أن الناس بيدخلون في هذا الجامعة؟ نعم قد يدخلها بعض الناس؛ لأن عنده هذا المبلغ ويترقب الفائدة أعظم، يدخل لكن كثير من الناس يقول: والله يا أخي، ما نستطيع أن ندخل {مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} ما نقدر، ما نتحمل، فهل طلب النبي -عليه الصلاة والسلام- ممن يتبعه على دينه مبلغاً قليلاً أو كثيراً؟ أبداً.
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} يعني من مغرم، من الغرم الذي تطلبه منهم {مُّثْقَلُونَ} فلا يسلمون" ؛لأنه يثقلهم ولا يستطيعونه.
{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} [(41) سورة الطور] أي علمه"، أي علم الغيب "{فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك، يكتبون ذلك الغيب حتى يمكنهم منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في البعث، وأمور الآخرة بزعمهم".
الرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر عما سيكون في أخر الزمان، وأخبر عما يكون في البرزخ، وأخبر عما يكون بعد البعث، وكل هذا غيب لا يمكن أن يطلع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بنفسه، وإنما أطلعه الله عليه {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [(65) سورة النمل] هؤلاء إذا كان عندهم علم غيب يأتوا ماذا يكون غداً؟ والله ما يدورن، ما الذي يكون بعد سنة؟ والله ما يدرون، ما الذي يكون بعد مائة سنة؟ ما يدرون، ما الذي يكون بعد موت الإنسان؟ ما يدرون.
{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} [(41) سورة الطور] اكتبوا ذلك الغيب وهاتوه، نعرضه على ما قرره النبي -عليه الصلاة والسلام- من المغيبات، {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} أي علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- في البعث وأمور الآخرة بزعمهم"، لا شيء عندهم، اسألهم عما يكون بعد ساعة ما الذي يكون؟ اسأل أي مخلوق سواء كان مسلماً أو كافراً ما الذي يكون غداً -يعني من المغيبات الخمس التي لا يعملها إلا الله- -جل وعلا-؟ {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [(188) سورة الأعراف]؟ هذا كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا} [(34) سورة لقمان] يعني محل تجاري كبير دخله على حسب ما مضى عشرة ألف في الشهر، أو في اليوم هل يستطيع أن يقول أني أكسب غداً عشرة ألآلف، أو تسعة ألاف، أو عشرين ألف، أو ألف؟ لا يستطيع أن يحدد هذا كله بيد الله، قد يقول قائل: أنا أعرف ماذا أكسب؟ لأنني موظف وراتبي معروف، وفي نهاية الشهر يأتيني الراتب، قد يقول قائل مثل هذا الكلام، فأنا أعرف ما الذي سيكون في يوم خمسة وعشرين وإن كان غيباً اعرفه، نقول: والله ما تدري عن شيء، يمكن ما تداوم بكرة ثم ...... عليك، أو تحدث عملاً تفصل بسببه، أتدري ماذا تكسب غداً؟ والله ما تدري ماذا تكسب غداً، {أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ} أي علمه {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} ذلك حتى يمكنهم منازعة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالبعث وأمور الآخرة بزعمهم".
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} [(42) سورة الطور] بك ليهلكوك يقول: في دار الندوة"، أولاً أن السورة مكية، ودار الندوة إنما صارت متى؟ ليلة الهجرة، فالتقييد بدر الندوة لا داعي له.
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} هم يكيدون للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وحاولوا وخططوا لقتله، {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} بك ليهلكوك {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} المغلوبون المهلكون فحفظه الله منهم، ثم أهلكهم ببدر، أهلكهم ببدر" يعني أهلك رؤوسهم؛ لأن القوم إذا هلك رؤوسهم تحطموا، أهلك سبعين من رؤوسهم وصناديدهم، أهلك رؤوسهم وصناديدهم فقتل منهم سبعون، وأسر سبعون، وإذا هلك الرؤوس انهزم الباقي، ومع ذلك هم المكيدون المهلكون في العاجل أو الآجل -والله أعلم-.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا من باب التشريع للأمة، كما أنه طلب منا أن نسأل له الوسيلة بعد كل آذان نطلب للنبي -عليه الصلاة والسلام- الوسيلة كما هو معروف، والله المستعان.
ستأتي الإشارة إليه في أخر السورة، لكن مع ذلك أعله جمع من الحفاظ منهم أحمد، والبخاري، وجمع من الحفاظ أعلوه، لكنه أعلوه من طريق وله طرق أخرى يجعله في مرتبة الحسن -إن شاء الله تعالى-.
عليك أن تصبر حتى يتيسر لك هذا المال، فإذا أيست من ذلك ولم تحصل عليه وغلب على ظنك أنك لا تستطيع، لكن هو دين في ذمتك، على كل حال كدين الآدمي تنتظر حتى يجتمع لك هذا المبلغ، وإذا أيست وقنطت من ذلك كفر كفارة يمين.
نسيت فنمت هذا لا شيء عليك ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) فإن كنت تذكر ونمت ويغلب على ظنك أنك تفوت الصلاة عن وقتها، ووقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل، فعليك أن تصلي الصلاتين ثم تنام، ثم إذا نسيت من شدة التعب، نسيت أن وراءك صلاة المغرب والعشاء فنمت، ولم تتذكر إلا بعد ما صليت الفجر فلا شيء عليك.
كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر لا شك أن فيه ترهيب من هذه الكبائر، وفيه ما يستدل به المؤلف من الأخبار الصحيح والضعيف، فلو أن الإنسان راجعه واقتصر منه على الصحيح، وعلم عليه أو الحسن واختصر الكتاب؛ لأن الكتاب فيه أحاديث ضعيفة كثيرة، وعلى طريقة الجمهور يتسامحون في مثل هذه الأبواب؛ لأنها من باب الترغيب والترهيب يرون فيها الأحاديث الضعيفة، كتاب: "قصص لا تثبت" لمشهور سلمان على كل حال الرجل معروف بتحريه ودقته واطلاعه، وأما الكتاب فلم أقرؤه لا أستطيع الحكم عليه.
الجاهل معذور {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] وإذا بلغته الحجة وقامت عليه ارتفع عليه الجهل مجرد ما تبلغه الحجة؛ لبلوغ القول الصحيح بدليله من الكتاب أو السنة الصحيحة فهذا لا يعذر، فإن كان ممن يفهم الدليل هذا لا إشكال في كونه لا يعذر، ومن الناس قد يبلغه القول بدليله لكن لا يفهم، ومن العرب منهم في مستوى الأعاجم في عدم فهم النصوص، من العرب منهم في مستوى الأعاجم في فهم النصوص هذا موجود، هذا لا بد أن يوضح لهم تقام عليه الحجة، لكن إزالة المانع من قبول الحجة إذا بلغته الحجة وفهم الحجة فلا يلزم بعد ذلك إزالة المانع من قبول الحجة، ويوجد في كثير من أقطار المسلمين ما يمنع من قبول الحجة وهو اقتدائهم بشيوخهم، تجد المسلم وهو يقول: لا إله إلا الله ويصلي ومع ذلك يزاول منكرات بدع كالطواف بالقبور، والنذر، والذبح لغير الله، الحلف بغير الله، هؤلاء إذا أوردت عليهم الحجة وقيل لهم: هذا قول الله وقول رسوله، هذا قول مشائخ الإسلام، قالوا: لستم بأعلم من فلان وفلان من شيوخنا، فثقتهم بشيوخهم تمنعهم من قبول الحجة فهذا المانع ليس بلازم، لا يلزم زوال المانع؛ لأن الأصل الدليل أما زوال المانع من دليله فلا؛ لأن المشركين استدلوا بفعل أبائهم أنهم وجدوا آباءهم على هذا الضلال وتبعوهم.
يقول: ((ماء زمزم لما شرب له))، ولا تزول فضيلته وفائدته بنقله من مكة، فعن عائشة -رضي الله عنها- "أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يحمله"، قال المباركفوري: فيه استحباب حمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة، وبعث إليه سهيل بن عمرو وهو بمكة بمزادتين -يعني بقربتين- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من حمل شيئاً من ماء زمزم جاز فقد كان السلف يحملونه.
في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- لما انصرف من عرفة إلى مزدلفة، ونزل وقضى حاجته توضأ وضوءاً خفيفاً جاء في بعض الروايات أنه من ماء زمزم، وعلى هذا يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- نقل له ماء زمزم من مكة إلى عرفة وهي خارج الحرم، وبهذا يستدل على أنه يجوز النقل، وأن فائدة الماء لا تزول بذلك إضافة إلى ما ذكر.
العمل إذا كان مأمور به ثم دخل عليه شيء منهي عنه فلا يخلوا: إما أن يكون هذا الداخل في أصل، في ذات العمل، أو في جزئه -يعني في ركنه-، أو في شرطه، إن كان هذا المحرم دخل عليه في ذاته، أو في جزئه -ركنه-، أو في شرطه فإنه يبطله؛ لأن القاعدة عند أهل العلم أن النهي إذا عاد إلى ذات المنهي عنه، أو إلى شرطه فإنه يبطل يعني مع التحريم، وإذا عاد إلى أمر خارج عن ذلك فإن العمل يكون صحيحاً، وعليه إثم هذه المعصية.
على كل حال هذا القول مخالف لما جاء في كتاب الله -جل وعلا- {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى] يعني ما ينزل مصيبة إلا بسبب ذنب، فإن لم يكن فلرفع درجات, وهذه الكوارث التي تحصل لاشك أنها بسبب الذنوب، قد يقول قائل: إن هناك من البلدان ومن المجتمعات ما هو شر من هذه البلدان التي أصيبت، الله -جل وعلا- لا يسأل عما يفعل وله الحكمة البالغة، وله المشيئة النافذة قد يعاقب أهل جهة ويترك من هو شر منهم؛ لما يدخره لهم من عذاب أشد.
والمؤمن هو الذي يصاب كخامة الزرع تثنيه الرياح وتعطفه من جهة إلى جهة، وأما الكافر فهو كالأرز ثابتة حتى إذا جاء يومها قصمت قصماً، فالنصوص كثيرة أن الابتلاء للمؤمنين، ولا يلزم أن يكون هم شر الناس يعني من ابتلي هم شر الناس، لا، ((أشد الناس بلاء الأنبياء)) إذا علم هذا فإنما هذه المصائب إنما هي لتكفير الذنوب أو لرفع الدرجات؛ لأنها تصيب هذا العاصي وتصيب غيره، فهذا العاصي تكفر ذنوبه، غيره ترفع درجاته، والعقوبات والمثلات إذا نزلت عمت -تعم الصالح والطالح-، ثم بعد ذلك يبعثون على نياتهم، وقد يوجد على وجه الأرض من هو شر منهم ولا تعجل لهم العقوبة؛ ليدخر لهم ما هو أعظم منها -نسأل الله السلامة والعافية-.
ومع ذلك يعني في وقت الكارثة وجمع المساعدات لا مانع من أن يذكر أهل البلدان بما حصل لأولئك؛ ليرتدعوا ويرعوا عن معاصيهم وغيهم وضلالهم ويعتبروا بغيرهم، لكن مع ذلك مع التأكيد على الحث على الإنفاق في هذا الباب، لا يفهم من كون هذه الكوارث وهذه المصائب بسبب الذنوب أنهم لا يستحقون الإعانة لا، يستحقون الإعانة؛ لأنهم مسلمون، فالمسلمون مستحقون للإعانة على أي حال ما دام في دائرة الإسلام، تصرف له حتى الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، وعلى كل حال لا يصحب هذا؛ لأن بعض الناس وهو يقول، إذ يقرر مثل هذا، أن هذا بسبب المعاصي كأنه مع يفهم من كلامه أن ما جاءهم بسببهم فلا يستحقون شيئا يتحملون مسؤوليتهم، هذا الكلام ليس بصحيح هم أصيبوا، وهو أخوانك بأمس الحاجة إلى مساعدتك، وعليك أن تدكر وتتعظ بما حصل له.
ثبت في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال:((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فلا يصنع كما يصنع الإمام، إن أدركته ساجد تسجد، وإن رفع من سجوده تجلس معه)).
أولاً: إذا سالت من يغلب على ظنك ولو بالاستفاضة بين الناس أن هذا الشيخ تبرأ الذمة بتقليده، وأنت لست من أهل النظر يكفي فلا تسأل غيره، وإذا كان ليس من أهل الفتوى ممن تبرى بذمته فلا يجوز أن تسأله وهو أصلاً ،وعلى كل حال إن كنت من أهل النظر فإنما يلزمك العمل بما أداك إليه اجتهادك من غير نظر في أقوال أخرى، وإذا كان الشيخ الذي سألته تبرأ الذمة بتقليده كفاء ولا تسأل غيره، ومن أهل العلم من يقول بهذا: إن الثلاث بلفظ واحد، أو بألفاظ متعددة لم تتخللها رجعة أنها طلقة واحدة، وعلى كل حال إن كنت أنت أردت التأكيد أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، يعني أن الأولى هي التي أوقعتها، والثانية مؤكدة فهذا لا إشكال فيه، ويبقى النظر فيمن استفتيته لأول مرة.
أنظر في كسبهم فإن كان حلالاً مباحاً فهو بالنسبة لك طيب، ما في إشكال إذا كان نطيب نفس منهم، وإذا كان دخلهم أو مصادر رزقهم فيها أمور محرمة، أو فيها شبهات فالورع عن مثلها هو الأصل.
إنما يستحق من الأجر بقدره، ويبنى له بقدره نسبياً، وإلا ما يقال: إنه يبنى له قصر في الجنة كمفحص قطاة أبداً، يعني الجزاء ليس مطابق للعمل من كل وجه، فالجزاء أعظم عند الله -جل وعلا-.
المرجح في مثل هذه المسالة أن يتم يأتي برابعة، يأتي على الثلاثة ويأتي برابعة؛ لأن الصلاة صلاة إقامة، المغرب لا تتغير لا في سفر ولا إقامة فكأنها صلاة مقيم.
لا أعرف حديث يخصها إلا ما جاء من حديث: جبير بن مطعم وأنها مؤثرة.
الإعجاز العلمي لا شك أن القرآن معجز، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مخبر عن ربه بما كان وما سيكون وهذا في حد ذاته إعجاز، لكن يبقى أننا لا نسترسل فننزل النصوص في غير منازلها، أو ننزلها على نظريات قابلة للتغيير والتبديل.
يقرأها المغرب، النبي قرأها في المغرب.
إذا كانت مصورات على الطبعة السابقة فهذه حكمها حكم الطبعات السابقة، نحن نعرف أن عمدة القارئ مصورة على منير، وإرشاد الساري مصور على بولاق، وإن كان صف جديد فيحتاج إلى النظر فيه -في صحة هذه الطبعات-.
هذا فيها من .............. {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [(3) سورة التكوير] {تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} يعني قبل أن تكون كالعهن المنفوش، فليس مستمسك لأهل الهيئة في دوران الأرض على ما زعموا.
ذكرنا في مناسبات كثيرة أن طالب العلم أول ما يبدأ يبدأ في كتب الغريب -غريب القرآن-، ومختصرة يعني المختصرة مثل: غريب القرآن، مثل: ابن عزيز السجستاني يسمى مختصر ومتين وجيد وجامع، وفيه أيضاً العمدة في قرير القرآن للموفق، وفي أيضاً "بلغة الأريب" لأبي حيان الأندلس صاحب البحر المحيط، في كل كتب كثيرة في الغريب يعتنى بها، وفيه أيضاً بل من أجمعها كتاب: "المفردات في غريب القرآن" للراغب، هذا كتاب نافع ينبغي أن يصحبه طالب العلم سفراً وحضراً، يستفيد منه فائدة كبير إذا أ شكل عليه شيء يراجعه مراتب على الحروف، كتاب جامع يعني -يذكر الآيات كلها التي مرت- وهو أجمع من غيره يستفاد منه، ثم بعد ذلك يقرأ في المختصرات من التفاسير، وذكر أن تفسير الشيخ ابن سعدي مناسب لطالب العلم المتوسط، وتفسير الشيخ فيصل بن مبارك كذلك، وتفسير الجلالين إذا أمن مسألة المخالفات العقدية، انتفع به طالب العلم.
إذا كان الباعث له على الصلاة والناهز له إلى هذه الصلاة الرياء في باطلة حابطة -نسأل الله السلامة والعافية-، وإن طرأ عليه الرياء في أثناء الصلاة وجاهد نفسه وطرده بسرعة فهذا لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-، وإن استرسل معه فهذا محل خلاف بين أهل العلم، هل يحبط ويبطل هذه الصلاة أو لا، أو أن الحكم للغالب؟ على كل حال الرياء خطر عظيم فإن كان كثيراً في صلاته فعليه أن يعيد.
تحكم إذا بلغت السلطان أو نائب السلطان ونائبه هو القاضي، لكن الشفاعة في الحدود ينبغي أن يقدر بقدرها، وينظر في ظروفها في ظروف الفاعل لهذا الحد، وفي ظروف المجتمع ككل، وفي المجتمع الذي تقل فيها هذه المخالفات، فمثل هذه الشفاعات ومثل الستر على المرتكب متجه ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) وينظر إلى الفاعل بمفرده، هل هو من أهل الجرائم والسوابق فمثل هذا لا يشفع فيه لا بد أن يقام عليه الحد؛ ليرتدع بنفسه، ويرتدع به غيره، وإلا أدى ذلك إلى تعطيل الحدود، الحكمة من مشروعية الحدود هي: تطهير النفوس، وتطهير المجتمعات فلا يجوز الشفاعة لمثل هذا، لا يجوز الستر عليه، لكن إن حصلت من مسلم هفوة أو زلة وتاب منها وأناب، مثل هذا يستر عليه ويشفع فيه قبل أن تصل إلى السلطان.
لا ليس فيها نار ولا يحتاج الطعام إلى طبخ، إذا اشتهي ما يشتهي يحضر بين يديه، فإذا اشتهي طائراً صار على قنوانه نضيجاً جاهزاً للأكل كما جاء في بعض الأحاديث، ثم بعد ذلك إذا انتهى وفرغ منه طار هذا الطائر؛ لأن أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا، أمور الآخرة خير محض لا يخالطه أدنى تعب، ولا عناء، ولا مشقة.
البدعة لا تخلوا إما أن تكون مغلظة، أو مكفرة، فهؤلاء حكمهم حكم الكفار لا يزارون إلا بنية الدعوة والتأليف، وتقريبهم إلى الإسلام، وتحبيب المسلمين إليهم، وأما إذا كانت بدعتهم غير مغلظة فينظر أيضاً في المصلحة والمفسدة، إذا كانت الزيارة تجدي ونفعها أعظم فيزارون ويوصلون، وهذا هو الغالب أن الصلة أنفع بالنسبة لهذا النوع، وإن كانوا بحيث إذا زارهم الإنسان يظنون أنهم موافق لهم فمثل هذا الهجر هو المناسب، لا سيما إذا كان الهجر يتضايقون منه، ويحاولون أن يصححوا ما عندهم من بدع، وعلى كل حال كما قال أهل العلم: الهجر والصلة علاج فينظر في الأنفع.