تعليق على تفسير سورة البقرة (86)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بعد انقطاعٍ دام خمسة أشهر كاملة من بداية الامتحانات إلى بداية الدراسة نستأنف الدروس اليومية على تغييرٍ طفيف على الجدول.
ولهذا يقول هذا: كنا ننتظر شرح نونية ابن القيم بفارغ الصبر، فهل ستقومون بشرحها مستقبلًا؟
أنا وعدت بهذا؛ ليكون بديلًا عن كتاب التوحيد الذي أُتمم شرحه -ولله الحمد والمنة-، لكن رأيت أن الكتاب صعب، ويحتاج إلى مزيد عناية، وكونه في درسٍ ثانٍ بعد صلاة العشاء ما يفيه حقه، الأربعاء مقررٌ حذفه، يوم الأربعاء؛ لأنه في الغالب أنا خارج الرياض، وبعضها فيه دورات، وكوني لا أصل من مكة أو المدينة إلا قرب الفجر فهذا يصعب، ولهذا فرَّغنا الأربعاء من الدروس، وسيكون في يوم الثلاثاء درسان: المغرب واحد، والعشاء واحد.
لكن هذا الفصل كأني أحس بشيءٍ من عدم تمام الصحة –ولله الحمد والمنة- أنا خير بكثير من أيامٍ مضت، لكني أحتاج إلى شيءٍ من الراحة، ووجود درسين في يومٍ واحد يشق، ومع ذلك النية قائمة لشرح نونية ابن القيم، مع أن شروحها كثرت –ولله الحمد-، فمن الشيوخ المتقدمين نسبيًّا: ابن عيسى، محمد خليل هراس، الشيخ ابن سعدي علق على أبواب مهمة منها، وشرحها الشيخ ابن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان، يعني شُرِحت من قِبل المشايخ، والنية موجودة إن شاء الله، بإذن الله.
ثانيًا: ما أفضل طبعة للمقنع ولنظمه عقد الفرائض؟
أولًا: المقنع طُبِع مرارًا، وسنتكلم عليه في وقته، وسوف نصور قسمًا من المقنع، وقسم من عقد الفرائض، سوف نُصوِّر مائة نُسخة وتوزَّع على الطلاب؛ لأن عقد الفرائض معدوم إلا بالتصوير، والمقنع له طبعات كثيرة، والذي يصبر على حمل الشروح، فالمقنع مع شروحه طبعة د عبد الله التركي، موجودة ثلاثين مجلد، وأيضًا شروحه الأخرى وسيأتي الكلام عنها موجودة ومتوافرة.
والنَّظم سوف يُصوَّر منه قسم يكفينا لسنين –إن شاء الله تعالى- نصوِّر منه مائة نسخة توزَّع على الطلاب بعد غدٍ إن شاء الله تعالى.
ما أفضل طبعة لصحيح ابن خزيمة؟
عندي جميع الطبعات، وأُحضِرت لي الطبعات الحديثة، ولكن طبعة المكتبة الإسلامية الأولى هي التي أعتمدها؛ لأنها أول ما وقع بيدي واشتغلنا عليه مع قلة المراجعة لصحيح ابن خزيمة، لكن مع ذلك الطبعة الأولى الطبعة التي حققها الأعظمي، محمد مصطفى الأعظمي في أربعة أجزاء، وهو يُمثل رُبع الكتاب، الكتاب ناقص من الأصل، حتى ابن حجر ما وقف عليه كاملًا.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك.
نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:233].
هَذَا إِرْشَادٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْوَالِدَاتِ: أَنْ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ كَمَالَ الرَّضَاعَةِ، وَهِيَ سَنَتَانِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالرَّضَاعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233]".
في قوله –جلَّ وعلا-: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة:233] هذا خبر، والمقصود به الأمر، المقصود مثل: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة:228] هذا لفظه الخبر، وهو أمرٌ للوالدات أن يرضعن أولادهن حولين كاملين على خلافٍ بين أهل العلم هل يجب عليهن -فيما سيأتي- الإرضاع، أو الواجب على الأب أن يُكلف من يُرضع ولده؟ سيأتي الكلام في ذلك، ولكن قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} [البقرة:228] وجوب، العدة على المطلقة واجبة، فالحكم يأتي الأمر به بصيغة الخبر، ويقول أهل العلم: إنه إذا جاء الأمر أو النهي بصيغة الخبر كان أقوى من الأمر الصريح أو النهي الصريح.
{لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] إتمام الرضاعة مدته حولان كاملان سنتان، وبعضهم يُضيف وما أدرى ما السبب، يُضيف شهرين أو ثلاثة أو ستة أشهر كما سيأتي في أقوال أهل العلم.
والتحديد بالحولين –على ما سيأتي- قول عامة أهل العلم، وأن ما بعد الحولين لا يُحرِّم.
وعائشة –رضي الله تعالى عنها- ترى أن رضاع الكبير يُحرِّم؛ استدلالًا بقصة سالم مولى أبي حذيفة، وهو أصل مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي يراه عند الحاجة، وعائشة تراه مطلقًا.
"وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ الْمَوْلُودُ وَعُمْرُهُ فَوْقَهُمَا لَمْ يَحْرُمْ".
لكن دون الحولين أو في الحولين؟ إذا كان دون الحولين فتمام الحولين يُحرِّم أم ما يُحرِّم مقتضى هذا الكلام؟
طالب: ..........
لو قال: في الحولين، إلا ما كان في الحولين.
طالب: ..........
ينتهي قبل الحولين؟
طالب: ..........
لكن "إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ".
طالب: ..........
ماذا؟
طالب: ..........
"لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ" طيب ما كان في الحولين، عند تمام الحولين يُحرِّم أم ما يُحرِّم؟
طالب: ..........
نعم.
"قَالَ التِّرْمِذِيُّ: بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا فِي الصِّغَرِ دُونَ الْحَوْلَيْنِ".
لعل المقصود ابتداء الرضاعة، هذا الذي تقصد؟
طالب: ..........
ابتداء الرضاعة، لا بُد أن يبدأ في الرضاعة خمس رضاعات قبل تمام الحولين، وأنه إذا تم الحولان لا ينفع، والخطب سهل، يعني الخلاف مدة يسيرة.
"حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرِّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ»، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَغَيْرِهِمْ: أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَهِيَ امْرَأَةُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ.
قُلْتُ: تَفَرَّدَ التِّرْمِذِيُّ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَرِجَالُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: «إِلَّا مَا كَانَ فِي الثَّدْيِ» أَيْ: فِي مَحَلِّ الرَّضَاعَةِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيع وَغُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ".
نعود إلى مسألة الحولين؛ لأنه قال: "إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا".
بقي شيءٌ واحد وهو: الحولان، ما قبلهما يُحرِّم، وما بعدهما لا يُحرِّم، ماذا عن تمام الحولين؟ وهذه مسألةٌ تَصوُّرها في غاية الدقة نظير الوقت المشترك بين صلاتي الظهر والعصر عند المالكية؛ لأنه في حديث جبريل عند تحديد الأوقات صلى به الظهر في اليوم الأول بعد زوال الشمس في اليوم الثاني عند مصير ظل كل شيءٍ مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول عند مصير ظل كل شيءٍ مثله إلى آخر الحديث، المهم أنه صلى الظهر في اليوم الثاني على مُفاد الحديث في نفس الوقت الذي صلى به العصر في اليوم الأول، صلى الظهر في اليوم الثاني عند مصير ظل كل شيءٍ مثله، وصلى العصر في اليوم الأول عند مصير ظل كل شيءٍ مثله، وهذا الذي دعا المالكية أن يقولوا: هناك وقت مشترك بين الظهر والعصر يصلح لأداء أربع ركعات، صالحة لأن تكون الظهر، وصالحة لأن تكون العصر.
الجمهور الذين لا يقولون بالاشتراك -نستحضر هذه المسألة؛ لأن فيها تقاربًا شديدًا- يقولون: فرغ من صلاة الظهر عند مصير ظل كل شيءٍ مثله، وشرع في صلاة العصر عند مصير ظل كل شيءٍ مثله، فلا اشتراك، يعني وقت الفراغ يليه وقت الشروع من الغد.
طالب: ..........
فلا اشتراك، يعني كأن فيه خطًّا رقيقًا بينهما.
وإذا قلنا بمثل هذا لا يحصل اللبس الذي أوردناه سابقًاـ
تَصوّرت؟ واضح؟
"عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: «إن ابني مات في الثدي، إن لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ»، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَإِنَّمَا قَالَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَهُ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَاتَ وَلَهُ سَنَةٌ وَعَشَرَةُ أَشْهُرٍ".
ما عندنا في الثدي، يقول: "لَمَّا مَاتَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: «إن لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ»" وبهذا السياق وهذا الاختصار ما يُطابق الكلام؛ لأنه ساقه لبيان (في الثدي) ففيه نقص.
نعم.
"فَقَالَ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا» يَعْنِي: تُكْمِلُ رِضَاعَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: «لا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ، وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ: «وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ» وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم-: «لا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، وَلَا يُتْم بَعْدَ احْتِلَامٍ» وَتَمَامُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لُقْمَانَ:14] وَقَالَ: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الْأَحْقَافِ:15]".
وبهذا استُدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، إذا كان الحمل والرضاع -الذي هو الفصال- ثلاثين شهرًا {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الْأَحْقَافِ:15] فإذا حذفنا الحولين من الثلاثين بقي ستة أشهر.
"وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تحرم بعد الحولين يُروى عن عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٍ، وَالْجُمْهُورِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ، وَعَنْهُ: أَنَّ مُدَّتَهُ سَنَتَانِ وَشَهْرَانِ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: سَنَتَانِ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: مَا دَامَ يُرْضِعُ فَإِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ فُطِمَ الصَّبِيُّ دُونَ الْحَوْلَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ بَعْدَ فِصَالِهِ لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا: لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْحَوْلَيْنِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، سَوَاءٌ فُطِمَ أَوْ لَمْ يُفْطَمْ، وَيُحْتَمَلْ أَنَّهُمَا أَرَادَا الْفِعْلَ، كَقَوْلِ مَالِكٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
طالب: ..........
ما في الكلام الذي عند الشيخ، ما فيه (في الثدي) عندك؟
طالب: ..........
هو ساق الخبر لهذه اللفظة.
طالب: ..........
لا، رواه أحمد.
طالب: ..........
لا، هو الإمام أحمد -رحمه الله-، عزا الحديث لأحمد، الذي رواه أحمد.
طالب: ..........
وفي صحيح البخاري، صحيحٌ وهو في المسند، وصحيح البخاري، لكن لفظ (في الثدي) أين توجد؟
طالب: ..........
انظرها.
"وَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِين عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى رضَاعَ الْكَبِيرِ يُؤَثِّرُ فِي التَّحْرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بِمَنْ تَخْتَارُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا مِنَ الرِّجَالِ لِبَعْضِ نِسَائِهَا فَتُرْضِعُهُ، وَتَحْتَجُّ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، حَيْثُ أَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنْ تُرْضِعَهُ، وَكَانَ كَبِيرًا، فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ، وَأَبَى ذَلِكَ سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَأَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ، وهم الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ".
منهم، وحجة الجمهور منهم الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة.
والأفضل الذي عندك معناه واضح صحيح.
طالب: وهم.
ما فيه شيء، تفسير الجمهور.
طالب: ..........
قينًا قينًا.
طالب: ..........
هذا رواية مَن؟
طالب: ..........
نعم، لكن في البخاري أم أحمد؟
طالب: أحمد.
رواية البراء الأولى التي ما فيها (في الثدي).
طالب: ..........
ما فيه إشكال، المؤلف –رحمه الله- المُفسِّر ساقه على لفظة (في الثدي) وكان في الثدي، ما معنى في الثدي؟
طالب: ..........
في وقت الرضاع وشُرب اللبن من الثدي هذا وقته.
" وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ وهم: الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَالْأَكَابِرُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَسَائِرُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِوَى عَائِشَةَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- قَالَ: «انظرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ»، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسَائِلِ الرَّضَاعِ، وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرَضَاعِ الْكَبِيرِ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النِّسَاءِ:23].
وَقَوْلُهُ: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] أَيْ: وَعَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ نَفَقَةُ الْوَالِدَاتِ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ".
في (الاختيارات الفقهية) لشيخ الإسلام قال: ويجوز رضاع الكبير عند الحاجة، وهو بعض مذهب عائشة –رضي الله عنها- كأنه يرى أن عائشة تراه يُحرِّم مطلقًا للحاجة ولغيرها، وهي إنما تأمر بإرضاع الكبير إذا احتاج الدخول عليها.
فيحتاج إلى تحرير هل عائشة تراه مطلقًا، أو أنه عند الحاجة كما جاء في الرواية التي معنا؟ مُحتمِل.
طالب: ..........
في كلام شيخ الإسلام؟
لا هو ضمن مذهب، هو بين المذهبين فيه منع، ومركَّب من المذهبين، فيه منع وفيه جواز.
طالب: ..........
لا.
"أَيْ: بِمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهِنَّ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ، بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ فِي يَسَارِهِ وَتَوَسُّطِهِ وَإِقْتَارِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطَّلَاقِ:7].
قَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا طلَّقَ زَوَّجْتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ".
طالب: ..........
نعم.
طالب: إذا طلق الرجل.
قد يُحذَف الفاعل للعلم به، مَن الذي يُطلِّق؟
طالب: الرجل.
{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص:32] فيه ذِكر للشمس؟
"قَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا طلَّقَ زَوَّجْتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَأَرْضَعَتْ لَهُ وَلَدَهُ، وَجَبَ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ.
وَقَوْلُهُ: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة:233] أَيْ: بأن تَدْفَعُهُ عَنْهَا؛ لِتَضُرَّ أَبَاهُ بِتَرْبِيَتِهِ، وَلَكِنْ لَيْسَ لَهَا دفعُه إِذَا وَلَدَتْهُ حَتَّى تَسْتقِيهُ اللِّبَنَ الَّذِي لَا يَعِيشُ بِدُونِ تَنَاوُلِهِ غَالِبًا، ثُمَّ بَعْدَ هَذَا لَهَا دَفْعُهُ عَنْهَا إِذَا شَاءَتْ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَتْ مُضَارَّةً لِأَبِيهِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ، كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهَا لِمُجَرَّدِ الضِّرَارِ بِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233] أَيْ: بِأَنْ يُرِيدَ أَنْ يَنْتَزِعَ الْوَلَدَ مِنْهَا إِضْرَارًا بِهَا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ زيد، وغيرهم".
{لَا تُضَارَّ} [البقرة:233] الحرف المضعَّف أصله حرفان، مُشدد مكون من حرفين:
أولهما: ساكن، والثاني: متحرك.
لكن عندنا {لَا تُضَارَّ} [البقرة:233]، إذا فككنا الإدغام صارت اللفظة لا تُضارر، يعني: الفعل مُسند إلى الفاعل أو إلى المفعول، فنقول: لا تُضارِر أو لا تُضارَر؟
طالب: ..........
تصير مُجملًا، يكون من المُجمل الذي يحتمل وجهين على حدٍّ سواء؟
أنتم معنا يا إخوان؟!
{لَا تُضَارَّ} [البقرة:233] أصلها لا تُضارِر أو لا تُضارَر والدةٌ بولدها؟
طالب: ..........
هنا {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} [البقرة:233] مشى على أنها لا تُضارِر {وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} لا تدفعه عنها؛ لتضر أباه بتربيته.
والجملة الثانية تُفسِّر المراد الثاني {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233] يعني: ولا يُضارِر مولودٌ له بولده، وإذا قلنا: لا تُضارَر، قلنا في الثاني: ولا يُضارَر مولودٌ له بولده.
"وَقَوْلُهُ تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] قِيلَ: فِي عَدَمِ الضِّرَارِ لِقَرِيبِهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ.
وَقِيلَ: عَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى وَالِدِ الطِّفْلِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَالِدَةِ الطِّفْلِ، وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَعَدَمِ الْإِضْرَارِ بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ".
النفقة، نفقة الأقارب معروفة عند أهل العلم على الورثة منهم، ما تلزم إلا الوارث؛ لأن الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233].
ترد استفتاءات حول الأم الموظفة، والولد يتيم، أمه موظفة مدرسة عندها راتب خمسة عشر ألفًا، هل يلزمها نفقة أم ما يلزمها؟
طالب: ...........
من راتب أمه أو بقدر إرثها منه تُنفق عليه؛ لأن الله –جلَّ وعلا يقول: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233]، وهي ترث منه؟
طالب: ..........
ماذا يقول الشيخ؟
طالب: ما له نفقة غيرها؟
أبوه ميت، وهو يتيم، ولا عنده شيء.
طالب: يلزمها بمقدار.
بقدر إرثها، بنسبة إرثها منه، يلزمها النفقة عليه؛ لأن الله –جلَّ وعلا- يقول: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233]، وهي وارثة.
طالب: ...........
إذا كان محتاجًا، وإلا فإذا لم يكن محتاجًا...
طالب: ...........
لكن هذه هل هي نفقة والد أم نفقة قريب؟ نفقة قريب.
"وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ إِلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَجُمْهُورِ السَّلَفِ، وَيُرَشَّحُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمرة مَرْفُوعًا: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عُتِق عَلَيْهِ».
وَقَدْ ذُكر أَنَّ الرَّضَاعَةَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ رُبَّمَا ضَرَّتِ الْوَلَدَ إِمَّا فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي عَقْلِهِ".
أولًا: رواية الحسن عن سمرة مختلفٌ في اتصالها وانقطاعها، هل سمع الحسن من سمرة؟
طالب: ...........
هذا ما هو بحديث العقيقة، هذا غيره، هذا داخل في الخلاف، منهم من يقول: لم يسمع مطلقًا، ومنهم من يقول: سمع مطلقًا، مادام ثبت سماعه لحديث العقيقة فما الذي يمنع من أن يسمع غيره؟
وهذا الحديث غير حديث العقيقة، هذا يدخل في مسموعات الحسن من سمرة أو لا يدخل؟
طالب: ...........
ماذا؟
طالب: ..........
هذا بعد، فالحسن تدليسه شديد جدًّا، ويصعب أن يُقال بإطلاق السماع.
طالب: ...........
هو لا يخلو من شواهد، لكن يبقى النظر في أصل الحديث الذي عندنا على قول الأكثر أنه منقطع، الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، وهو غير هذا، وحديث العقيقة في صحيح البخاري يقول حبيب بن الشهيد: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فقال: من سمرة، هذا نص في أنه سمعه من سمرة؛ ولذا المرجَّح أنه سمعه منه، وأما غيره فيحتاج إلى ما يشهد له ويؤيده أو يُصرِّح بسماع أو نحو ذلك.
"وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً".
"وَقَدْ ذُكر أَنَّ الرَّضَاعَةَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ" عندك؟
طالب: نعم قرأتها.
أنا انشغلت.
"وَقَدْ ذُكر أَنَّ الرَّضَاعَةَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ رُبَّمَا ضَرَّتِ الْوَلَدَ إِمَّا فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ" "ربما" تقليل، "ضَرَّتِ الْوَلَدَ إِمَّا فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ" هذا ليس من المرفوع، ولا بما فيه حجةٌ ملزمة، يبقى أنه إذا رضع بعد الحولين، الأولى ألا يرضع؛ لأن الحولين تمام الرضاعة، تمام الرضاعة في الحولين، وما بعد ذلك فقدرٌ زائد على الحاجة إلا إذا تضرر بترك الرضاعة، بأن يكون جسمه لا يقبل طعامًا أو لا يُوجد إلا هذا.
على كل حال الكلام في هل هذا الرضاع مُحرِّم أو غير مُحرِّم؟ وهي مسألةٌ مبحوثة عندنا، وأما كونه يضر أو لا يضر كما قيل في الغيلة.
قوله: "وَقَدْ ذُكر أَنَّ الرَّضَاعَةَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ رُبَّمَا ضَرَّتِ الْوَلَدَ إِمَّا فِي بَدَنِهِ أَوْ عَقْلِهِ" ذكرنا أن هذا لا مستند له، فإنه اجتهاد من قائله.
وقالوا في الغيلة، والغيلة هي: إرضاع الطفل من أمٍّ حامل أو من امرأةٍ حامل، قالوا: إن هذا يضر الطفل، والنبي –عليه الصلاة والسلام- قال: «أردت أن أنهى عن الغيلة، فإذا فارس والروم يُغيلون ولا يضرهم»، يعني الأم الحامل تُرضع ولدها ولا يضرهم.
والواقع في الجزيرة العربية أن إرضاع الحامل يضره، وليس كل الناس إنما يحصل منه شيءٌ من ذلك، وهذا شيء مُجرَّب ومُعتاد في بعض الأسر والعوائل؛ لأن المسألة مسألة تحمُّل، وهل الجسم يُقاوم مثل هذا الضرر أو لا يُقاومه؟
الدِّين للجميع ليس خاص بالجزيرة، فلا يُمنع شيء يضر بقومٍ ولا يضر بآخرين، من تضرر يمتنع ويُمنَع، لكن يبقى الذي لا يتضرر لا يمتنع، وليس فيه نهي للجميع، وإنما النهي لمن يتضرر، وفارس والروم لا يتضررون فلا يُمنَعون ولا يُنهَون، وفي حكمهم كل من هو على شاكلتهم ممن لا يتضرر، فارس والروم أكثر ممن في الجزيرة مئات الأضعاف، والحكم للغالب.
مَن يتضرر من شيء يُمنع منه، ويجب عليه أن يمتنع، كما لو تضرر من بعض المباحات، المريض الذي يضره التمر، يُترك له الأمور يأكل كما يشاء؟ مثل مسلم –رحمه الله- أكل من التمر إلى أن مات، وهو ما يدري أنه مريض- رحمه الله-.
طالب: ............
والله ما أدري، ما هو ببعيد.
المقصود أن مثل هذه الأمور التي الغالب عدم الضرر لا يرد الشرع بالنهي عنها إلا من يتضرر يمتنع؛ ولذا قال: «أردت أن أنهى عن الغيلة، فإذا فارس والروم يُغيلون فلا يضرهم».
طالب: ............
صحيح يُسمونه مهلًا، إذا رأوا ولدًا نضي الخِلقة قالوا: هذا راضع مهل، يعني: غيلة، وهذا مستفيض عندنا في نجد، ويُمكن في الحجاز، وهو سبب ورود الحديث، إرادة النهي وجوده، إرادة النهي سببها وجود الضرر، والعدول عن هذا النهي؛ لأن فارسًا والروم يُغيلون فلا يُضيرهم، وهم غالب سكان الأرض في ذلك الوقت.
قال بعض الكَتبة من المفتونين قال، استدل بهذا الحديث على أن من النصوص الشريعة من كلامه –عليه الصلاة والسلام- ما هو مستفادٌ من كلام الأمم الأخرى، ومن الأديان الأخرى، ومن الشعوب الأخرى. قاتلهم الله.
النظر في تشريعٍ عام ليس لأهل الجزيرة وحدهم، ولا لأهل الحجاز وحدهم، إذا كان غالب سكان الأرض لا يضرهم هذا الأمر، فالنهي لماذا؟ لا داعي للنهي.
يبقى أن كل من يتضرر يُنظَر إليه بمفرده.
"وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ: أَنَّهُ رَأَى امْرَأَةً تُرضع بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، فَقَالَ: لَا تُرْضِعِيهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة:233] أَيْ: فَإِنِ اتَّفَقَا وَالِدَا الطِّفْلِ عَلَى فِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَرَأَيَا فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لَهُ، وَتَشَاوَرَا فِي ذَلِكَ، وَأَجْمَعَا عَلَيْهِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فيؤْخَذُ مِنْهُ: أَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ لَا يَكْفِي، وَلَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْتَبِدَّ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُشَاوِرَةِ الْآخَرِ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ".
هذا من الأمور المشتركة بين الزوجين في مصلحة الولد بعد وجوده، وقبل وجوده، يعني الأب لا يُلزم الأم بما يمنع الحمل، وكذلك الأم لا تتناول ما يمنع الحمل إلا بإذن الزوج، الزوج لا يُلزِم إلا بإذنها، فهذا من الأمور المشتركة، ولا يجوز للزوج أن يُلزِم الأم بأن تستمر في إرضاعه مع أنها ترى أن المصلحة بعدم الاستمرار أو الأم تنقطع عن إرضاعه من غير سببٍ ولا مُبرر إلا بإذن الأب، إلا إذا وجدوا من يتولى رضاعه على نفقة الأب، فلها أن تتركه إذا لم يتضرر بذلك؛ لأن الرضاعة واجبة على الأب.
"وَهَذَا فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلطِّفْلِ، وَإِلْزَامٌ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ، حَيْثُ حَجَرَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي تَرْبِيَةِ طِفْلِهِمَا، وَأَرْشَدَهُمَا إِلَى مَا يُصْلِحُهُ وَيُصْلِحُهُمَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطَّلَاقِ:6]".
يعني إن طلبت الأم أكثر من الأجرة المعتادة يُنظَر إلى مرضعةٍ أخرى تقبله بالأجرة المعتادة، {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ} [الطَّلَاقِ:6] اختلفتم ولم تتفقوا على شيء، {فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطَّلَاقِ:6]، يُبحث عن غيرها.
"وَقَوْلُهُ تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:233] أَيْ: إِذَا اتَّفَقَتِ الْوَالِدَةُ وَالْوَالِدُ عَلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ مِنْهَا الْوَلَدَ إِمَّا لِعُذْرٍ مِنْهَا، أَوْ عُذْرٍ لَهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي بَذْلِهِ، وَلَا عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهَا إِذَا سَلَّمَهَا أُجْرَتَهَا الْمَاضِيَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَاسْتَرْضَعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا بِالْأُجْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ".
طالب: ...........
أجرة المثل المعتادة بين الناس.
طالب: ...........
يُدفَع لها؛ لأن الرضاعة من نفقته، ونفقته على أبيه.
طالب: ...........
عند المشاحة.
طالب: ...........
يُشكِل على كثيرٍ من الناس من النساء والرجال كون الأم لها ثلاثة حقوق، والأب له حقٌّ واحد، إذا كانت الأم في عصمته، وطاعتها من طاعته قد تأمر الابن وينهاه الأب، بل له أن يأمرها بأن تأمره، عند المشاحة تأتي المفاصل، نقول: طاعة الأم أوجب، لكن إذا كانت في ذمته، وعصمتها بيده، ونفقتها عليه، والأمور كلها متجهة إليه.
قال مالك أو سُئل مالك، سأله شخص قال: أمرني أبي، ونهتني أمي، يعني إذا كانت ما هي في عصمته فقدِّم أمك؛ لأن لها ثلاثة حقوق، فقال: أطِع أباك، ولا تعصِ أمك؛ لأن الأم أمرها بيد الزوج، فأطِع أباك هذا الأصل، ولا تعصِ أمك يعني بالأسلوب اللين وتأثير الأب من جهة وكذا تمشي الأمور؛ لأن هذه مضايق، هذه من المضايق.
أما إذا حصل الطلاق، وحصلت المشاقة والمشادة فهذا مفروغ ما يحصل مثل هذا التوفيق بقدر ما يحصل إذا كانت الأم بعصمة الأب، وليس معنى هذا أنها إذا كانت في عصمته أنه يقول لها مثل ما قال واحد، قالت امرأة: اكتب لي –تعني زوجها- البقرة، أعطني وثيقة أن البقرة لي، وهو في وقتٍ هو بحاجةٍ إليها، يا بنت الحلال تعوذي من الشيطان، قالت: لازم تكتب البقرة لي، جاؤوا بالمطوَّع الذي هو الإمام قال: اكتب لها البقرة، وهي والبقرة لي.
يعني إذا كانت في عصمته فأنت تروح، صحيح أن لكل واحدٍ منهما حقوقه في الشرع مُبينة وموضحة، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، لكن للرجال عليهن درجة، لا يعني هذا أن النساء يتمردن على الرجال، أو الرجال يظلمون النساء، لا بُد من العشرة بالمعروف، ويؤدي كل واحدٍ منهما ما أوجب الله عليه، والله المستعان.
طالب: ...........
اثنين في آنٍ واحد يُصلون ، اثنين.
طالب: ...........
إذا أطلعتهم.
طالب: ...........
إذا جرى العُرف بشيء -ومن ذلك الخدمة-، إذا جرى العُرف بشيء لزِم، كما كانت فاطمة بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تخدم عليًّا تطبخ له، تُجهز له كل ما يحتاج، وأثَّر ذلك في يديها، وجاءت تطلب خادمة من النبي –عليه الصلاة والسلام- ما قال: ما يلزمك طبخ.
طالب: ...........
لا، عند الحنابلة والشافعية لا، ما عليها شيء إلا الفراش، لكن من باب المقاصة أنها إذا مرضت لا يُعالجها، وإذا ماتت لا يُكفِّنها هذا ليس بكلام، في عُرف بني آدم عمومًا ما يمشي مثل هذا الكلام.
طالب: ...........
نعم.
طالب: ..........
قالوا: إذا ماتت ما يلزمه الكفن، وإذا مرضت ما يلزمه علاج، وبالمقابل لا يلزمها خدمة، هذا ما هو معروف عند الفقهاء، لكن الكلام بالمعروف.
سيدة نساء العالمين فاطمة بنت محمد –عليه الصلاة والسلام- جاءت تشكو المشقة في الخدمة، وتطلب خادمة، ما قال: ما عليكِ شيء، أرشدها إلى ما أرشدها إليه- عليه الصلاة والسلام-.
باقٍ شيء؟
طالب: سطران.
وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة:233] اقرأ، كمِّل.
"وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة:233] أَيْ: فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:233] أَيْ: فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ من أحوالكم وأقوالكم".
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ونبيك محمد.