شرح العقيدة الواسطية (33)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (فصل، ومن الإيمان بالله وكتبه: الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود) وهذا تقدم الكلام فيه بإثبات الصفات، الكلام لله -جلَّ وعلا- من الكتاب والسنة؛ من الكتاب في أدلة القرآن، ثم الفصل الذي يليه من أدلة السنة، وأن مذهب أهل السنة وسلف الأمة إثبات صفة الكلام لله -جلَّ وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأنه قديم النوع، وأنه -جلَّ وعلا- لم يزل متكلمًا، وإن كان حادث الآحاد، متجددًا تبعًا لمشيئته -جلَّ وعلا- (منه بدأ) بدأَ البدء معروف الذي يقابله النهاية وبالتخفيف منه بدا، يعني: ظهر، ويجوز هذا وهذا، (وإليه يعود) يعني في آخر الزمان إذا رُفع، وأن الله -جلَّ وعلا- تكلم به حقيقة، يعني لا مجازًا كما يقول المبتدعة، وإنما هو حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزله الله على محمد -صلى الله عليه وسلم- هو كلام الله حقيقة لا كلام غيره، لا كلام جبريل، ولا كلام محمد، ولا كلام الشجرة بالنسبة لتكليمه -جلَّ وعلا- لموسى، ولا كلام خلقه في غيره، فتكلم به لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بإنه حكاية، وهذا تقدم الكلام فيه والقول بأنه حكاية هو قول الكُلاَّبِيَّة، وذكرنا في درس مضى أن العلماء يقولون: يقول الله -جلَّ وعلا- حكاية عن فلان عن فرعون مثلاً أنه قال: {أنا ربكم الأعلى} هذا فيه مخالفة أو ليس فيه مخالفة؟ فيه مشابهة في اللفظ، فيه مشابهة لفظية، وإذا دققنا وجدنا أن هذا الكلام لا إشكال فيه.
طالب: ............
لكننا لم نسمع فرعون يقول، إنما سمعنا قول الله -جلَّ وعلا-.
طالب: ............
معروف أن تسمعوا إلى قول العبد الصالح.
طالب: ............
لكن هل فرعون قال هذا بلفظه؟ قال أنا ربكم الأعلى باللفظ عربي هو؟ الله -جلَّ وعلا- ينقل لنا كلام فرعون ولم نطلع عليه ولم نسمعه إلا بواسطة كلام الله -جلَّ وعلا-، فالله -جلَّ وعلا- هو المتكلم بهذا الكلام حقيقة عن فلان، فهو حكاية عن كلام فلان لا إشكال، إلا أن في هذه اللفظة مشابهة لقول الكُلاَّبِيَّة، إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة كما هو قول الأشعرية يقولون عبارة، والقرآن حكاية عند الكلابية وعبارة عند الأشعرية، لماذا؟ لأنهم لا يقرون بأن الكلام الإلهي حرف وصوت يسمع، وإنما هو الكلام النفسي عندهم، وأما هذا فهو حكاية عن كلام الله أو عبارة، حتى قالوا: إنه لا يختلف تكلم في الأزل بكلام نفسي ولا يتجدد، فكلامه قديم ويقتصرون على قدم النوع، وأنه لا يتكلم متى شاء إذا شاء، تكلم دفعة واحدة، هي التي أنزلت في الكتب؛ فإن عُبِّر عنها بالعِبْرانيِّة صار توراة، وإن عُبِّر عنها بالسِّرْيانية صار إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعربية صار قرآنًا، وعرفنا أن هذا الكلام ليس بصحيح، بل الواقع يرده مقتضاه أن الله -جلَّ وعلا- أنزل على موسى وعلى عيسى نظير القرآن من الفاتحة إلى الناس، إلا أنه بلغاتهم، فعندهم سورة الإخلاص وعندهم آية الكرسي وعندهم أواخر سورة البقرة، إلا أنها بلغاتهم، وهل هذا الكلام صحيح، يعني: لو جئنا بشخص يتقن الترجمة إلى السريانية أو العبرانية فترجم مصحفين واحد إلى العبرانية وواحد إلى السريانية، وطبقناه إلى التوراة والإنجيل يحصل أو ما يحصل؟ ما يمكن أبدًا، وهذا القول يرده الواقع، وقصة بدء الوحي ترده أيضًا، لما أنزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل جبريل بسورة إقرأ من عند الله -جلَّ وعلا- وذهب بها محمد -عليه الصلاة والسلام- يرجف بها فؤاده، وفي رواية: بوادره، فعرضها على خديجة في القصة المعروفة في أول الصحيح، ثم إن خديجة كلمت ورقة بن نوفل يقرأ الكتب السابقة ويترجمها، يقرأ التوراة والإنجيل ويترجم إلى اللغة العربية، يترجمها، فلما سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- قالت: اسمع من ابن أخيك، لما سمع سورة اقرأ، هل قال: هذا الكلام هذا موجود عندي الآن في التوراة والإنجيل لما نترجمهما إلى العربية؟ هذه السورة موجودة عندي؟، قال: هذا الناموس -يعني جبريل عليه السلام-، هذا الناموس الذي نزل على موسى، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك أن يكون كلام الله حقيقة، يعني تقرأ في المصحف كلام الله وتقرأ عن ظهر قلب حفظًا فهو كلام الله المسموع، كلام الله، المقروء كلام الله، المكتوب كلام الله، المقصود أن هذه كلها كلام الله -جلَّ وعلا- ولا يتغير، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا، يعني لما تسمع حديث وتحفظه وتلقيه على الناس، هل أنت الذي قلت هذا الحديث؟ أو آية مثلاً أو بيت شعر، يعني لما تقرأ كلام شعر ابن هانئ مثلاً، وفيه من الكفر ما فيه، حينما يخاطب الخليفة، ويقول -تعالى الله عما يقول علوًا كبيرًا-:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار |
|
فاحكم فأنت الواحد القهار |
فكأنما أنت النبي محمد |
|
وكأنما أنصارك الأنصار . |
يعني هل هذا ينسب إليك أو ينسب إلى من قاله؟ ينسب إلى من قاله بلا شك، وإلا كل من قاله كفر؛ لأن هذا الكلام كفر فهذا الكلام إنما ينسب إلى من قاله، والآثر والحاكي ليس هو المتكلم، فلما تقول مثلاً في قصة ماعز تروي وقال ماعز: إني زنيت، جاء ماعز إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: إني زنيت، وتحكي هذه القصة، هل أنت زنيت؟ لا، لكن من باب الأدب في هذه المواطن التي نسبتها إلى النفس، فيها ما فيها، الأدب أن لا تُحكى بلفظها، بل مقرونة بمن قالها مع صرف الضمير من المتكلم إلى الغائب، مثلما قالوا في قصة أبي طالب لما عرض النبي -عليه الصلاة والسلام- الشهادة عند الموت، آخر ما قال: هو على ملة عبدالمطلب، لكن لو أن الراوي قال أبو طالب: أنا على ملة عبدالمطلب، يكفر؟ ما يكفر؛ لأنه يحكي كلام غيره، والكلام إنما يضاف إلى من قاله مبتدئًا لا إلى من قاله مبلغًا مؤديًا.
وهو كلام الله؛ حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني كما تقول المعتزلة، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف كما تقول الأشعرية، فتحرر لنا من هذا خمسة مذاهب أو ستة؛ أهل السنة كلام الله منزّل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلم به حقيقة يسمع بصوت وحرف، قديم النوع حادث الآحاد، يتكلم متى شاء إذا شاء. كلام الكُلاَّبيَّة قالوا: هذا الكلام الموجود عندنا حكاية عن كلام الله، وليس هو كلام الله. والأشعرية يقولون: عبارة. المعتزلة يقولون: الكلام الحروف دون المعاني. والأشاعرة أيضًا من قولهم أنه المعاني دون الحروف، وتقدم لنا ذكر المذاهب والأقوال في صفة الكلام، ولا مانع من إعادتها نقلاً عن شرح الطحاوية؛ يقول شارح الطحاوية: افترق الناس في مسألة الكلام على تسعة أقوال: أحدها: أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني إما من العقل الفعال عند بعضهم أو من غيره، وهذا قول الصابئة والمتفلسفة.
وثانيها: أنه مخلوق خلقه الله منفصلاً عنه، وهذا قول المعتزلة.
وثالثها: أنه معنًى واحد قائم بذات الله، هو الأمر والنهي والخبر والاستخبار، إن عُبِّر عنه بالعربية كان قرآنا، وإن عُبِّر عنه بالعبرانية كان توراة، وهذا قول ابن كُلاَّب ومن وافقه كالأشعري وغيره، ويقولون: القرآن عبارة عن المعنى إلى آخر كلامهم الذي سبق ذكره.
ورابعها: أنه حروف وأصوات أزلية مجتمعة في الأزل، وهذا قول طائفة من أهل الكلام.
وخامسها: أنه حروف وأصوات لكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن متكلمًا وهو قول الكَرَّامِيَّة وغيرهم.
وسادسها: أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائمة بذاته يقول وهذا يقوله صاحب المعتبر هِبَة الله بن مَلْكَا الطبيب الفيلسوف وإليه يميل الرازي في المطالب العالية أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته.
وسابعها: أن كلامه يتضمن معنىً قائم بذاته هو ما خلقه في غيره وهذا قول أبي منصور الماتريدي.
وثامنها: أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات، مشترك بين المعنى القديم بالذات القائم بالذات وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات وهذا قول أبي المعالي ومن تبعه.
وتاسعها: أنه –تعالى- لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، ويتكلم به بصوت يُسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديمًا، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة، يقول ابن القيم في النونية:
والله ربي لم يزل متكلمًا . |
|
وكلامه المسموع بالآذان |
صدًقا وعدلاً أحكمت كلماته |
|
طلبًا وإخبارًا بلا نقصان |
ورسوله قد عاذ بالكلمات من |
|
لدغ ومن عين ومن شيطان |
أيعاذ بالمخلوق حاشاه من الـ . |
|
إشراك وهو معلِّم الإيمان . |
الاستعاذة بغير الله شرك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- استعاذ بكلمات الله التامة، ولو كانت كلماته التامة مخلوقة لكان النبي -عليه الصلاة والسلام- قد استعاذ بمخلوق فأشرك وحاشاه:
أيعاذ بالمخلوق حاشاه من الـ |
|
إشراك وهو معلم الإيمان |
بل عاذ بالكلمات وهي صفاته . |
|
سبحانه ليست من الأكوان . |
وكذلك القرآن عين كلامه الـ . |
|
مسموع منه حقيقة ببيان . |
هو قول ربي كله لا بعضه . |
|
لفظًا ومعنًا ما هما خلقان . |
وابن القيم -رحمه الله- نقل عن القحطاني صاحب النونية نقل عنه بيتين ولم يشر إليهما أي شارح من الشراح، بل شرحهما على أنهما من النونية، مع أن ابن القيم عزاهما عزوًا واضحًا:
ولقد أتى في نظمه من قال قو . |
|
ل الحق غير جبان . |
هو قول ربي كله لا بعضه . |
|
ومدادنا والرَّق مخلوقان . |
لأنه وُجد مِن بعض الغالية في الإثبات قالوا: إن الورق قديم، هذا الورق الذي يُكتب به المصحف قديم، الجلد الذي يجلد به المصحف قديم، هذا لا شك أنه غلو، فنفرق بين الورق والجلد والحبر هذه كلها أمور محدثة على مر الزمان، وهي أيضًا مخلوقة؛ لأنها مما يصنعه الإنسان {والله خلقكم وما تعملون} على كل حال مثل هذه الأمور لا بد من التفريق بينها، فلا نغلو في إثبات ما لم يثبت عن الله وعن رسوله، ولا ننفي ما أثبته الله ورسوله، ذكرنا قول ابن حزم فيما سبق، وأنه القرآن عندنا أربعة أشياء، أربعة قرآنات ليس بواحد ولا اثنين ولا ثلاثة، عند ابن حزم أن أربعة أشياء، كلها تسمى قرآنًا هذا الذي يُتلى، الثاني المكتوب في المصاحف قرآن غير المتلو المحفوظ في الصدور غير المتلو وغير المكتوب، الرابع المعنى القديم، وفي هذا يقول ابن القيم -رحمه الله-:
وأتى ابن حزم بعد ذاك فقال ما |
|
للناس قرآن ولا اثنان . |
بل أربع كل يسمى بالقرآ |
|
ن وذاك قول بيّن البطلان . |
هذا الذي يُتلى وآخر ثابت |
|
في الرسم يدعى المصحف العثماني . |
والثالث المحفوظ بين صدورنا |
|
هذي الثلاث خليقة الرحمن . |
والرابع المعنى القديم كعلمه |
|
كلٌّ يُعبَّر عنه بالقرآن . |
يقول ابن القيم:
وأظنه قد رام شيئًا لم يجد . |
|
عنه عبارة ناطق ببيان |
إن المعين ذو مراتب أربع |
|
عقلت فلا تخفى على إنسان |
يعني الأمور المعينة الموجودة لها مراتب أربع: وجود في الأذهان، وجود في الأعيان، الوجود في الأذهان هو المحفوظ، والموجود في الأعيان يتنوع، إن وُجد في الأعيان صوت صار شيئًا، إن وُجد في الأعيان مكتوب، صار شيئًا كأنه رام هذا ولم يستطع التعبير عنه، لكن الموجود في الأذهان هو غير الموجود في الأعيان، يعني المحفوظ في الذهن في القلب هو غير المسموع في الآذان إذا تُلي هو غير المقروء، إذا كُتب هو نفسه، فأهل العمل حينما يقولون مثل هذا الكتاب مثلاً يعني شرحنا هذا في أول درس أما بعد فهذا..، الإشارة في الأصل أن تكون إلى موجود في الأعيان محسوس، يعني يشار إليه، لكن العلماء حينما يكتبون المقدمة بعد الفراغ من الكتاب يشيرون إلى موجود في الأعيان، لكن بعضهم يكتب المقدمة قبل الكتاب، ويقول: أما هذا فهو يشير إلى ما في الأذهان، وهل الذي في الذهن غير موجود في الأعيان، يعني: هل يختلف ما في الذهن عما وُجد في الأعيان، قد يقول قائل: وقد يختلف؛ لأنه يغير في ذهنه شيء وغيَّر، لكن إن أشار إليه بالتفصيل، إن أشار إليه إجمالاً فهذا لا إشكال فيه، لكن أشار إليه بالتفصيل، فهذا كتاب، ثم غير فيه لا بد أن يغير في الإشارة وإلا اختلف عن الواقع، لو قال: أما بعد، فهذا كتاب في تفسير كلام الله -جلَّ وعلا- ثم شرح البخاري، هل نقول: هذا اختلف ما في الذهن عما في الأعيان؟ هذا اخلتف في وقته لما قال: هذا كتاب في تفسير كلام الله -جلَّ وعلا-، إما أن يكون كاذبًا أو يكون صادقًا؛ فإن كان كاذبًا فلا عبرة بكلامه، وإن كان صادقًا فلا بد أن يغير هذا الكلام ليطابق الواقع، وعلى كل حال مع مخالفة الواقع لا يمكن أن يوصف بالصدق؛ لأنه كان صادقًا بالحقيقة وغيَّر فلا بد أن يغير المقدمة، فالموجود في الأعيان صورة عما في الأذهان، وعلى كل حال سواء قلنا الآن لما نقرأ كلام ابن القيم:
وأتى ابن حزم بعد ذاك فقال ما |
|
للناس قرآن ولا اثنان . |
بل أربع كل يسمى بالقرآ |
|
ن وذاك قول بيّن البطلان |
هل نقول: هذا غير ما نطق به ابن القيم في نونيته وأملاه على الناس أو كتبه هو بيده، هو هو، وغير ما يحفظه أهل العلم في حوافظهم من هذه النونية هذا غيره يعني لما تقول أنت:
وأتى ابن حزم بعد ذاك فقال ما |
|
للناس قرآن ولا اثنان . |
تقول: أنا قلت هذا؟ ابن القيم الذي قال أو تقول: إن ابن القيم خلقه فيّ؟ ما يمكن أن يقال هذا، ما يمشي هذا الكلام ولا على المجانين، لكنهم قعّدوا قاعدة بنوها على المبالغة في التنزيه فقالوا: تُنْفَ عنه الصفات؛ لأنه إذا أثبتنا له الصفات أشبه المحدثات هم مشوا على هذه القاعدة فخالفوا المعقول والمنقول بسببها، ووقعوا في حيرةٍ لا نهاية لها، وكثير منهم رجع عند وفاته وبعضهم صرّح بأنهم على غير هدى، كيف يقول ابن حزم: عندنا أربعة قرآنات؟ هل يمكن أن يمشي هذا على أغبى العوام، فضلاً عن أذكاهم، فضلاً عن طلاب العلم أو العلماء؟ يعني يا إخوان ترى ابن حزم غاية في الذكاء، يعني عنده ذكاء خارق، لكن هذه العقول وإن بلغت ما بلغت من الذكاء ولكنه تخلف الذكاء لا تستفيد فقد يكون الذكاء وبالاً على صاحبه؛ لأنه يسرح به كل مسرح منكبًا عن نصوص الوحيين، ثم يضيع ويتيه، يعني لو كان الإنسان يعتمد على كونه خِرِّيْت في الطرق، ثم بعد ذلك يترك الجواد ويضرب يمينًا وشمالاً من غير طرق الناس، وهذا في المحسوسات لا شك أنه يضيع، وشخص من أعرف الناس بالطرق، ثم بعد ذلك مشى من الرياض إلى بلد ما، وفي قضية في المحكمة يوم الأربعاء، قال: ندرك الدوام، فلما رأى أنه إذا سلك الطريق المعبَّد الذي يسلكه الناس يطول عليه الوقت، فأراد الاختصار تاه وضل الطريق، ما وصل إلى المحكمة إلا يوم السبت، ومع ذلك لو انتظر ومشى مع الناس وزاد في الطريق لمدة ساعة أو نصف ساعة عما توقعه وصل في الوقت، فهذه العادة فيمن يترك الوحيين ويعتمد على عقله وذكائه، ويعتمد على كلام من يتهمهم بالذكاء والعبقرية، لا طريق غير طريق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، غير الصراط المستقيم لا تدوِّر، لا بد أن تضيع، وهؤلاء عباقرة كيف ضاعوا كيف ضلوا؟ وأتوا بكلام يضحك الصبيان، لماذا؟ لأنهم تركوا الصراط المستقيم وعدلوا إلى غيره فضلوا وأضلوا.
طالب: .................
ابن حزم لو تقرأ بعض كلامه تقول: سبحان من ألهمه حينما يرد على بعض العلماء في مسائل الفروع، تعجب كيف خلص من هذه المسألة؟ ثم يأتي يقول: عندنا أربعة قرآنات في قول لم يسبق إليه ولا عقل ولا نقل يسنده.
يقول الشارح بعد أن ترجم لابن حزم يقول: هو الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي الظاهري المشهور عالم الأندلس إلى آخره، وأطال في ترجمته، ثم ذكر قوله، يقول: حيث ذكره الناظم فلا بد من بيان معناه، فقوله: بل أربع كل يسمى بالقرآن؛ هذا الذي يتلى، والثاني المكتوب في المصاحف، والثالث المحفوظ في الصدور، والمراد بالرسم الخط، وقوله: هذه الثلاث خليقة الرحمن وهذا القول من أبطل الأقوال التي قيلت في القرآن، يقول الشارح: وقوله في القرآن: مهجور، لا نعلم قائلاً به، وهو من جملة مجازفته وتهوره -رحمه الله-، ولكن الناظم لما ذكر جميع ما قاله الناس في القرآن العظيم ذكر هذا القول؛ لأنه من جملة الأقوال التي قيلت، وإلا فشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- قد ذكر في المسألة المصرية أقوال الناس في القرآن فبلغت سبعة أقوال أو ثمانية، ولم يذكر قول ابن حزم هذا، وحيث ذكره الناظم فلا بد من بيان معناه، فقوله: بل أربع، كلٌّ يسمى بالقرآن، هذا الذي يتلى، والثاني المكتوب في المصاحف، والثالث المحفوظ في الصدور، والمراد بالرسم الخط، وقوله: هذي الثلاث خليقة الرحمن، وهذا القول من أبطل الأقوال التي قيلت في القرآن؛ ولذلك قال الناظم: وذاك قول بيِّن البطلان، قوله: والرابع المعنى القديم كأنه -والله أعلم- وافق الأشاعرة والكُلاَّبِيَّة في إثبات المعنى النفسي، وقد تقدم القول في المعنى النفسي بما أغنى عن الإعادة.
وقول الناظم: وأظنه قد رام شيئًا لم يجد إلى قوله أن المعين ذو مراتب أربع، أي أن المعين كزيد مثلاً له أربع وجودات: وجود خارجي ووجود ذهني ووجود لفظي، أي في اللفظ إذا تلفظت بلفظ زيد، ووجود الرسمي أي الخطي، فهذه الوجودات الأربعة، وهي التي ذكرها الله –تعالى- في قوله: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم} فذكر المراتب الأربعة وهي الوجود العيني الخارجي الذي هو خلقه، وذكر الوجود الرسمي المطابق للفظ الدال على العلمي، فمذهب ابن حزم أن القرآن في المراتب الثلاثة مخلوق، وهو وجوده العيني واللفظي والرسمي، ولكن الأولى بالتسمية بالقرآن وهو وجوده العيني، بقي عنده المعنى القديم فهو غير مخلوق كالعلم.
وقول الناظم بخلاف قول ابن الخطيب فإنه قد قال: إن الوضع للأذهان، فالشيء شيء واحد لا أربع، يعني عَكْس، عَكَس تمامًا، ابن الخطيب وهو الرازي محمد بن عمر المفسر المعروف صاحب التفسير، وصاحب المطالب وغيرها من الكتب، والمحصول، فالشيء شيء واحد لا أربع فدهى ابن حزم قِلَّتُ العِرفان، وقول الناظم بخلاف قول ابن الخطيب، أي أن قول ابن الخطيب أي الفخر الرازي قال: إن الكلام موضوع لما في الذهن، وهو المعنى النفسي على ما هو معروف من مذهب الأشاعرة، وإنه معنى واحد، والله أعلم.
ثم قال الناظم -رحمه الله تعالى-:
والله أخبر أنه سبحانه. |
|
متكلم بالوحي والفرقان |
وكذاك أخبرنا بأن كلامه. |
|
بصدور أهل العلم والإيمان . |
{بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم}.
وكذاك أخبر أنه المكتوب في |
|
صحف مطهرة من الرحمن |
وكذاك أخبر أنه المتلو والـ. |
|
مقروء عند تلاوة الإنسان . |
والكل شيء واحد لا أنه |
|
هو أربع وثلاثة واثنان |
وتلاوة القرآن أفعال لنا |
|
وكذا الكتابة فهي خط بنان |
لكنما المتلو والمكتوب وال . |
|
محفوظ قول الواحد المنان |
والعبد يقرؤه بصوت طيب |
|
وبضده فهما له صوتان . |
فهما له: يعني للعبد صوتان: صوت طيب وصوت غير طيب.
وكذاك يكتبه بخط جيد |
|
وبضده فهما له خطان . |
يعني للعبد.
أصواتنا ومدادنا وأداتنا |
|
والرق ثم كتابة القرآن . |
ولقد أتى في نظمه من قال قو |
|
ل الحق فيه وهو غير جبان . |
يعني القحطاني في نونيته.
إن الذي هو في المصاحف مثبت . |
|
بأنامل الأشياخ والشُّبَّان |
هو قول ربي آيُه وحروفه |
|
ومدادنا والرَّق مخلوقان |
بخلاف من غلا في الإثبات وقال كل ما يتصف بالقرآن قرآن، معه قديم منذ وُجد، يعني لو تذهب بنسختك ومصحفك وتجلده اليوم عند المُجَلِّد ويخرج غدًا أو بعد غد من المجلِّد، الجلد هذا موجود مع وجود الكلام، هذا يمشي على أحد؟ أقول: هل مثل هذا يمشي على أحد؟ يعني الحديد الذي وُضع على المقام -مقام إبراهيم يعني- غُيِّر مرارًا، الجديد هذا يأتي من يتمسح به نقول: هذا حديد خرج من المصنع قريبًا لا ينفع ولا يضر، لا قيمة له، هذا جِيء به من مصنع، لكن المبتدع الذي أُشرب قلبه حب البدعة ماذا يقول؟ وقد سمعته بأُذني وأنا قلت له الكلام، قال: هذا عندكم ما ينفع، لكن عندنا ينفع -نسأل الله السلامة والعافية- فاعتقد النفع والضر من غير الله -جلَّ وعلا- -نسأل الله السلامة والعافية-، فالعقول إذا أخذها باريها قال عمر -رضي الله عنه - لما قال: أين عقولنا لما كنا نعبد التمر فإذا جِعْنا أكلناه، قال: أخذها باريها، يعني العقل لا يستقل لا يمكن أن يستقل بإدراك الحق، لا بد له من قائد يقوده وهو الشرع، وإلا ما كان هناك فائدة من إرسال الرسل وإنزال الكتب، فمثل هذا -نسأل الله السلامة والعافية- إذا غُطِّيَت العقول بغشاوة البدعة يندر أن تصل إلى الحق إلا بتوبة نصوح يقول:
فشفى وفرَّق بين متلوٍّ ومصـ |
|
ـنوع وذاك حقيقة العِرفان |
الكل مخلوق وليس كلامه . |
|
المتلو مخلوقا هما شيئًان |
بقي مسألة اللفظ بالقرآن، المسألة العظمى التي تكلم بها السلف، رموا من قال: إن لفظي بالقرآن مخلوق بالبدعة أن من قال: القرآن مخلوق كافر، ومن قال: لفظي بالقرآن مخلوق لا شك أنه مبتدع عندهم؛ لأن هذا كلام لم يقله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا قاله سلف الأمة، وهو في الحقيقة يحتاج إلى تفصيل، يقول:
الكل مخلوق وليس كلامه |
|
المتلو مخلوقًا هما شيئان. |
فعليك بالتفصيل والتمييز فالإ |
|
طلاق والإجمال دون بيان |
قد أفسدا هذا الوجود وخبَّط الـ |
|
أذهان والآراء كل زمان |
وتلاوة القرآن في تعريفها |
|
باللام قد يُعنى بها شيئان . |
التلاوة التلاوة يعنى بها شيئان يُعنى بها المتلو المقروء فهو كلامه، هذا كلام الله -جلَّ وعلا- إذا قلنا التلاوة المراد بها المتلو.
يُعنى بها المتلو فهو كلامه |
|
هو غير مخلوق كذي الأكوان |
ويراد أفعال العباد كصوتهم . |
|
وأدائهم وكلاهما خلقان |
هذا الذي نصت عليه أئمة الـ |
|
إسلام أهل العلم والعِرفان . |
وهو الذي قصد البخاري الرضى |
|
لكن تقاصر قاصر الأذهان |
عن فهمه كتقاصر الأفهام عن . |
|
قول الإمام الأعظم الشيباني . |
في اللفظ لمّا أن نفى الضدين |
|
عنه واهتدى للنفي ذو عرفان . |
الإمام أحمد -رحمه الله- يقول: ما نقول لفظي بالقرآن مخلوق ولا غير مخلوق، ما نقول هذا، هل معنى هذا أنه توقف في أفعال العباد أنها مخلوقة لله -جلَّ وعلا-؟ لا إنما هو حسم للمادة وسد للباب واحتياط للاعتقاد الصحيح؛ لأنك إذا قلت: لفظي بالقرآن مخلوق واللفظ محتمِل، قد يسمعها شخص فيلقيها على إطلاقها، لكن البخاري صرح بأن لفظي بالقرآن مخلوق باعتبار أنه كلامي والإمام أحمد سد الباب -رحمه الله- باعتبار أنه يحتمل أنه اللفظ الذي هو صوت القاري، ويحتمل أنه الملفوظ المقروء المتلو، وهو كلام الله -جلَّ وعلا- ومادام الاحتمال قائمًا يُسد الباب كغيرها من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى بيان، التلفظ ما يحتمل الملفوظ.
فاللفظ يصلح مصدرًا هو فعلنا. |
|
كتلفظ بتلاوة القرآن. |
وكذاك يصلح نفس ملفوظ به |
|
وهو القرآن فذاك محتملان . |
فلذاك أنكر أحمد الإطلاق في |
|
نفي وإثبات بلا فرقان |
مسألة اللفظ التي امتحن من أجلها الإمام البخاري لما دخل نيسابور واستقبله أهلها بقضهم وقضيضهم، وغار منه بعض أهل الحديث الذين كانت لهم حظوة عند قومهم، لا شك أن مثل هذا يثير الغيرة في نفوس بعض الناس وهو في نفوس الأتباع أشد، يعني قد تجد الإمام الكبير يأتي عالمًا ويجتمع الناس حوله، ويترك هذا العالم برهة حتى ينصرف هذا الطارئ ولا يؤثر في نفسه بقدر ما يؤثر في نفوس الأتباع، وجُلُّ هذه الأمور والتحرشات والمشاكل التي حصلت إنما هي من الأتباع، يعني في قصة الإفك -على سبيل المثال- زينب بنت جحش هل دخلت في الإفك؟ وهي التي تسامي عائشة ما دخلت، وإنما دخلت أختها حمنة؛ انتصارًا لها، فالإشكال أكثر ما يأتي من الأتباع وتجد الخلاف في القديم والحديث، الرؤوس الكبار هؤلاء ما بينهم إشكال لا سيما في المسائل التي لا يضلل القائل بها ما بينهم مشكلة، لكن هؤلاء الأتباع يغارون على شيخهم ويرون أنه غُمِر ويخشى أن يسحب البساط من تحته كما يقولون، ثم يغارون عليه ويأخذون في الكلام الذي يثير ما في كوامن النفوس؛ فلذلك الذُّهْلِي -وهو إمام أهل نَيْسَابُور إمام عالم جليل من كبار المحدثين، إمام من أئمة المسلمين- لما البخاري قال: لفظي بالقرآن مخلوق، والإمام الذهلي -رحمه الله- يحتاط لهذه المسألة مثلما يحتاط الإمام أحمد، فصار بينهما من العداوة ما صار، والأتباع أيضًا استغلوا مثل هذا الخلاف وهذا الظرف الذي سحب الأنظار عن شيخهم، فحصل ما حصل، وامتُحِن البخاري وطُرد من نيسابور.
على كل حال مثل هذه الأمور تحصل قديمًا وحديثًا، لكن الراسخ يرجع إلى ما في الكتاب والسنة ويجعل قائده وسائقه النص ولا ينظر إلى الأتباع؛ لأن الأتباع يأتون وما زالوا يأتون إلى الشيوخ قال فلان وفعل فلان وترك فلان، ويُغْرُوْنهم ويؤثرون عليهم، ويبقى الكبار كالجبال الرواسي وإن حصل ما حصل من الأتباع.
فلذاك أنكر أحمد الإطلاق في . |
|
نفي وإثبات بلا فرقان . |
على كل حال الكلام في هذه المسألة طويل جدًا ولعلنا أتينا على أطرافه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
على كل حال إذا كان التقاعد لا يكفيهم، لا يكفي هذه البيوت، وأخذ مال الضمان الاجتماعي بشروطه التي وضعوها واطلعوا على حقيقة الحال وصرفوا، جاز ذلك، فإنه يجوز ذلك، إذا كان التقاعد لا يكفي هذه الأسر، وشُرح الوضع كاملاً للمسؤولين على الضمان، ثم بعد ذلك أُكملت الإجراءات النظامية بحيث لا يكون فيها تدليس ولا إخفاء ولا تزوير ولا كذب، فإنه حينئذٍ لا بأس.
على كل حال من وجد في مكان لا يملكه أحد شيئًا، وكان مما تلتفت إليه همّة أوساط الناس، يعرفوه سنة، فإن جاء أحد يطلبه يؤديه إليه فحكمه حكم اللقطة.
وهل يجوز التنقيب والبحث عن هذه الآثار في المناطق التي لا يمتلكها أحد، علمًا بأن هذا المال يمكن أن أستفيد به في نصرة الدين؛ حيث إنني سوف أتلقى تعليمًا أحسن وأريد أن أجاهد ولا ينقصني إلا المال، ما الحكم الشرعي في البحث عن الآثار في المناطق التي لا يمتلكها شخص بعينه؛ حيث إنني أبيعه وأستفيد من ثمنها، وما حكم بيعها خارج البلاد؟ أرجو الرد بأقصى سرعة حتى أستفيد ولا أقع في الحرام والشبهات.
طرق الكسب -ولله الحمد- متاحة للمسلمين، الكسب المشروع، ومتنوعة، ولا يعرف من سلف هذه الأمة من امتهن مثل هذه المهنة وهذا الكسب، فالاشتغال بمثل هذه الأمور التي قد يجد وقد لا يجد، وقد يضيع وينفق أموالاً طائلة، وقد ينفق وقته ويتعب بسبب ذلك ولا يُحَصِّل شيئًا.
طالب: ....................
علمًا بأن هذه الآثار إذا كانت ليست بمال، فلا يجوز الاشتغال لا بيعًا ولا شراءً ولا تنقيبًا ولا غيره، هذه ليست بمال يعني مما ينتفع به، وإن كان المراد بها -يعني هذه الآثار- تماثيل وأصنام قديمة وما أشبه ذلك، فالأمر أشد وأعظم -نسأل الله العافية- فعلى الإنسان أن ينصرف عن هذه المهنة التي لم يُسبق إليها ممن يُعتدُّ به، وإلى ما أباحه الله له من طرق الكسب.
يعني الآن التقارب في العمران بين مكة وجُدة، كانت جدة مسافة قصر، وقد نُص عليها في البخاري بين مكة وجدة، ومكة والطائف، ومكة وعسفان، هذه مسافة قصر، لكن باعتبار التقارب العمراني الذي حصل بينهما قصرت المسافة عن مسافة القصر، وعلى كل حال المرأة الأَوْلى أن تحتاط لنفسها، تحتاط لنفسها، وهذا الباب في غاية الأهمية في الدين، يعني لا تسافر بغير محرم ولو كانت المسافة قصيرة، ومع ذلك إذا كانت في رفقة مأمونة من نساء ومع أمن الفتنة والمسافة ليست مسافة قصر لا يقال بالمنع والتحريم، لكن مع ذلك على المرأة أن تحتاط لنفسها.
المعية الخاصة معية النصر والحفظ والتأييد، والمعية العامة معية العلم والإحاطة وما أشبه ذلك.
أهل العلم يطلقون الصفة توحيد الأسماء والصفات ولم يقولوا النعوت؛ للفرق بين الصفة والنعت، وعلى كل حال الفرق دقيق قد لا يؤثر في مثل هذا، فالله -جلَّ وعلا- يوصف بما ثبت عنه وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- كما أنه يصح أن يقال: إنه ينعت بهذه الصفات.
نعم عاصية لزوجها، مادام الرجل منعها غيرة عليها من أن تحدث وتخاطب الرجال، له منعها.
جاء أيضًا النهي عن ثمن السِّنَّوْر جاء النهي عنه، وليس بمال حقيقة، فبيعه لا يجوز، بل هو سَبُع كما جاء وصفه.
الفرق بينهما يدرك بما ذكر في الدرس الماضي والذي قبله، وعلى كل حال من أهل العلم من يرى أن المعية والقرب قريبتان من الترادف، ولكن الفرق ظاهر، حتى إن شيخ الإسلام يرى أن المعية تنقسم إلى القسمين المعروفين: العامة والخاصة، بخلاف القرب فإنه خاص وليس بعام، وشرحنا هذا فيما مضى.
الأصل أن لكل زوجة بيت، هذا الأصل، لما عرف بين الضرات من الغيرة، فدفعًا لهذا الضرر يجعل لكل امرأة بيت، والمراد بالبيت ليس المراد المسكن الخاص المستقل اللي يبعد عن ضرتها، لا، إنما المقصود به يمكن إغلاقه، بحيث لا يطلع عليه بمنافعه.
وما حكم الشرع في رفض المرأة أن تسكن مع الزوجة الثانية لزوجها في بيت واحد؟
الأمر إليها إذا أرادت أن تستقل ببيت يخصها هذا الأمر لها الأمر لا يعدوها، وإن تنازلت عن ذلك وتنازلت الأخرى، ورأوا أن قرب بعضهن من بعض أنسب وآنس لهن، فالأمر لا يعدوهن، وإلا فالأصل أن كل امرأة في بيت مستقل.
إن كان المقصود بالعموم ما يشمل الرجال والنساء فلا يجوز، وإن كان المراد بالعموم عموم النساء وأنه يشترك فيه النساء فالأمر أسهل، لكن على المرأة أن تحفظ عورتها من المرأة، ولا تبدي لها إلا ما تبديها لمحارمها فلا تتكشف عند المرأة أكثر مما تظهره لأبيها وأخيها وعمها وخالها؛ لأن النساء نُسِقن على المحارم، عُطِفن على المحارم، والمعروف من الحمامات العامة أنه يتجوز فيها ويُتسامح فيها بين الناس، والناس يتساهلون فيها، حتى أن مثل هذا يوجد في المواقيت، حمامات المواقيت الخاصة بالنساء، يذكر بعض النساء أن بعض النساء يتخفف من كثير مما يجب ستره، وهذا لا يجوز بحال.
التبرك خاص بمن جعل الله فيه البركة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكانوا يتبركون بآثاره، وما ثبت أنه منه كالشعر ونحوه وما يُدَّعى الآن من وجود بُرْدَة النبي -عليه الصلاة والسلام- أو شعر النبي -عليه الصلاة والسلام- أو نعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يُتبرك به هذا لا بد من إثباته، لا أن يثبت بطريق معتبر، ودُوْن إثباته خَرْطُ القَتَاد، وإلا يوجد في تركيا وفي مصر وفي الشام أشياء يزعمون أنها من آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، على كل حال لو ثبتت جاز التبرك بها، لكن من يثبت؟ حتى نسبوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مصحف ومكحلة وما أشبه ذلك، وكل هذا لا يثبت، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمي لا يقرأ، فإثبات مثل هذه الأمور التي نفيها قطعي في الشرع يدل على نفي غيرها مما يدعى أنه للنبي -عليه الصلاة والسلام-، والصحابة -رضوان الله عليهم- لما مات النبي -عليه الصلاة والسلام- أن واحدًا تبرك بأبي بكر أو عمر الذين هم خيار الأمة، ولا جاء واحد منهم بولده إلى أبي بكر وعمر ليحنكه، ما عرف هذا، فهذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: ..................
لو فُرض أنها موجودة وثبوتها قطعي للنبي -عليه الصلاة والسلام- لا مانع من التبرك بها، فقد أعطى الحلاق رأسه ليحلقه فوزع الشعر وحفظه الصحابة وتبركوا به، لكن من يثبت أن هذا شعر النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يستطيع أحد يثبت، لا يمكن إثباته، وإذا شُك في ذلك، فالأصل في المسألة المنع.
الذكر الجماعي الذي يُرفع بصوت واحد يشترك فيه المجموع بدعة، أفتى أهل العلم بأنه بدعة، ويستدل من يستدل بجواز الذكر الجماعي بأن عمر -رضي الله تعالى- عنه كان يكبر من خيمته وسُرادقه، فيكبر أهل مِنى، فترتج منًى بالتكبير، أقول: لا يلزم من هذا أن يكون جماعيًّا، عمر -رضي الله عنه - يُذكر الناس بهذا، فإذا ذكر الناس، كلٌّ كبر على حدة، وارتجت منًى بأصوات المكبرين الذين لا يتفقون في التكبير بعضهم مع بعض، بدليل أنك تدخل المسجد يوم الجمعة والناس كل واحد يقرأ في سورة أو في صفحة غير التي يقرأ بها جاره، ومع ذلك تسمع لأصواتهم ارتفاع، فالصوت مع الصوت، مع عدم الاتفاق فيما يقرأ، يحصل منه ارتجاج في المسجد أو في منى أو في غيرهما.
الفاتحة ما ثبتت قراءتها، وأما آية الكرسي فثبتت بعد كل فريضة.