كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 10
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
قال ابن عبد الهادي -يرحمه الله- في محرره: وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله، متفق عليه."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: كان النبي- عليه الصلاة والسلام- يعجبه" يعني يحب ويميل إلى هذه الجهة جهة اليمين، "التيمن" يعني استعمال اليمين والبداءة بها "في تنعله" يعني في لبس نعله في لُبْس النَّعْل، وفي حكمه الخُف والجَوْرَب، وكل ما يغطي الرجل يبدأ لُبْسًا باليمين، ويبدأ خلعًا بالشمال إكرامًا لليمين إكرامًا لليمين، وقل مثل هذا في الثوب يبدأ بإدخال اليد اليمنى قبل اليسرى، ستر الجانب الأيمن قبل الأيسر.
"وترجله وطهوره وفي شأنه كله" فالتيمن تقديم اليمنى على اليسرى، والتنعل لبس النعل وفي حكمه قلنا: الخف والجورب.
وترجله والترجل تصفيف الشعر وتمشيطه وتنظيفه يبدأ بجهة اليمين، وفي حكمه حلقه يُبدَأ بجهة اليمين وطهوره وطهوره، فيشمل الطهارة الكبرى والصغرى فيما تتعدد أجزاؤه فيما تتعدد أجزاؤه، الوجه جزء واحد، الرأس واحد، فيُغسَل في آن واحد جهة اليمنى واليسرى في آن واحد، ويُمسَح الرأس مسحة واحدة باليدين لا يبدأ باليمين قبل الشمال إنما بالجميع في الطهارة الكبرى يفيض على رأسه الماء، ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر، وفي تغسيل الميت يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما سيأتي في حديث أم عطية: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، والعطف على نية تكرار العامل، فكأنه قال: ابدأن بميامنها، وابدأن بمواضع الوضوء منها يمكن تطبيق هذا الكلام أم ما يمكن؟
يعني في الوضوء تغسل اليد اليمنى قبل اليد اليسرى والرجل اليمنى، قبل الرجل اليسرى يعجبه التيمن، وهذا عند أهل العلم على سبيل الاستحباب؛ لأنه يعجب، وأوجبه بعضهم؛ لأن جميع من وَصَف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: غَسَل يده اليمنى ثم اليسرى، غسل رجله اليمنى ثم اليسرى، ولم يُذْكَر عنه في خبر واحد أنه قدَّم اليسرى على اليمنى، لكن الأكثر على أن غسل اليمين قبل الشمال على سبيل الاستحباب، وأوجبه بعضهم، وله وجه نأتي إلى تغسيل الميِّت «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» هل يمكن أن يطبق هذا الكلام أم ما يمكن؟ هل بين الجملتين تنافر أم ليس بينهما تنافر؟ يعني على حسب الظاهر، أما الباطن فهذا كلام من لا ينطق عن الهوى «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها».
طالب: .........
نعم، العطف بالواو، كأنه قال: ابدأن بميامنها وابدأن بمواضع الوضوء منها.
طالب: .........
كيف؟
أنا أريد أن أقرر وجه التعارض بين الجملتين، وجه التعارض بين الجملتين من أجل أن يفهمه الإخوان، وكيف نجيب عنه.
«ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»، الجملة الأولى «ابدأن بميامنها» تقتضي أن تغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى صح أم لا؟ «ابدأن بميامنها»، يعني ابدأن بشقها الأيمن، فتغسل الرجل اليمنى قبل اليد اليسرى، والجملة الثانية «مواضع الوضوء منها» كأنه قال: وابدأن بمواضع الوضوء منها، اغسلن يدها اليسرى قبل رجلها اليمنى؛ لأنه هكذا في الوضوء، إذا بدأن بمواضع الوضوء ما بدأن بالميامن، وإذا بدأن بالميامن، ما بدأن بمواضع الوضوء.
طالب: .........
تغسل كم مرة؟ «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا» هل في كل غسلة من الغسلات وضوء؟ أو تُوَضّأ مرة واحدة، ثم بعد ذلك تغسل السبع الغسلات، فالوضوء على طريقته، على على صفته الشرعية، يعني يبدأ بالميامن في الغسلات التي لا وضوء فيها، ويبدأ بمواضع الوضوء في الغسلة التي فيها الوضوء.
التيمن يكون للأمور التي فيها شيء من التقدير والتكريم، تكون له اليد اليمنى، وما عداه يكون بالشمال، فالأخذ والإعطاء باليمين، الشرب باليمين، لكن اليد اليسرى لغير ذلك؛ للاستنجاء، للاستجمار، للأمور التي ليست من مواضع التكريم.
عندنا لطيفة، الإنسان يحمل في جيبه المناديل لاستعمالها، لاستعمالها، وبعض الناس لا يكترث هل يضعها في اليمين أو في الشمال، هل يضعها قبل الاستعمال في جهة، وبعد الاستعمال في جهة، لكن إذا أردنا أن نطبق مثل هذا الكلام ومثل هذه القواعد الشرعية فماذا نصنع؟
هل نقول: النظيفة باليمين والمستعملة بالشمال؟ ويؤيد ذلك أنه إذا أراد أن يبصق، يبصق عن إيش؟
طالب:.........
عن شماله، فكيف يستعملها ثم يضع المنديل المستعمل في اليمين، ظاهر أم ليس بظاهر؟ المناديل النظيفة تُجعل في اليمين؛ لأنها الجهة المكرَّمة، المستعملة تُجعل في الشمال؛ لأنها الجهة التي تكون للأمور الأخرى التي هب بضد ما حقه التكريم، المأخذ ظاهر أم ليس بظاهر؟
"كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره" وفي بعض الروايات: وسواكه، وعرفنا أنه بالنسبة للسواك التيمن بالبداءة بالشق الأيمن من الفم، وليس المراد منه التسوك باليمين، إنما البداءة بالشق الأيمن من الفم، ثم الأيسر.
وفي شأنه كله يعني هذا تعميم بعد تخصيص، من باب عطف العام على الخاص، من باب عطف العام على الخاص، لو قال: كان يعجبه التيمن في شأنه كله ما يكفي؟ يدخل فيه التنعل والترجل والطهور وغيرها الأكل، الشرب، الأخذ، الإعطاء، دخول المسجد، الخروج من، دخول الحمام، والخروج منه، هذه كلها منصوص عليها عند أهل العلم، وكلها تندرج في هذا الحديث في عموم هذا الحديث، كلها تندرج في عموم هذا الحديث، إذًا لماذا نص على بعضها وترك البعض، يعطف العام على الخاص والعكس، لماذا؟ للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، للاهتمام بشأن الخاص والعناية به.
"قال -رحمه الله-: وعن ابن المغيرة بن شعبة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين، رواه مسلم."
"عن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين".
النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ يعني وضوءًا كاملاً، وضوءًا كاملًا، توضأ وضوءًا كاملاً، بعد ذلك مسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين، أو غسل وجهه وذراعيه، ثم لما جاء الرأس وفرضه تعميمه بالمسح وكانت عليه العمامة مسح ما ظهر من شعره الناصية التي في مقدمة الرأس، وأكمل على العمامة، وكان عليه الخفان، فأهوى المغيرة لينزعهما فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين»، على ما سيأتي، فمسح على الخفين، المسح على الخفين له باب مستقل، سيأتي إن شاء الله تعالى.
توضأ يعني شرع في الوضوء، شرع في الوضوء، فغسل وجهه وذراعيه، لما جاء الفرض الثالث مسح على الناصية مقدَّم الشعر الذي يخرج مع العمامة، وأكمل المسح على العمامة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه كان يمسح على الرأس، وهذا هو الأصل، وهو المنصوص عليه في آية المائدة، هذا هو الأصل، لكن إذا كان عليه عمامة مستوعبة للمحل المفروض مسح عليها، وإن كان عليه عمامة لا تستوعب، بل يخرج مقدمة الرأس يمسح على الناصية ويكمِّل على العمامة، وهذا كله ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكان يمسح رأسه كما هو الأصل، وتارة يمسح على العمامة إذا كانت وافية مغطية للمحل المفروض، وتارة يمسح على الناصية ويُكمِل على العمامة.
طالب:.........
نعم، إذا كانتا بارزتين تمسحان، إذا كانتا بارزتين تمسحان، وإلا فتكفي العمامة، هنا أمور يستعملها المسلمون على الرأس، يعني مكان العمامة مثل: الطاقية والشماغ والغترة وجميع ما يلبس على الرأس والقلنسوة والبرنس وغيرها مما يلبس على الرأس يُمسَح عليها أم ما يمسح؟
طالب: ..........
لا يمسح عليها؛ لعدم المشقة، لسهولة نزعها، لسهولة نزعها لا يمسح عليها، والأصل مسح الرأس، هذا هو الأصل، فيرجع إلى الأصل، ويقتصر على ما جاء من النصوص مما هو على خلاف الأصل، يعني يقتصر على مورد النص، على العمامة فقط.
يكثر سؤال النساء في أغطية الرأس عندهن المحكمة، الخُمُر التي تشبه العمامة في إحكامها، وبعضهم يسأل عن تلبيد الرأس بالحناء، هل يمسح عليها أو لا يمسح؟ على كل حال يقتصر على مورد النص، ولا يزاد عليه، ولا يزاد عليه، خمر النساء بعض أهل العلم يلحقها بالعمامة، بعضهم يلحقها بالعمامة لاسيما إذا شق نزعها، إذا شق نزعها.
"قال- يرحمه الله-: وعن عبد الله بن زيد، أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ، فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذه، خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، رواه البيهقي من رواية الهيثم بن خارجة عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن حَبان بن واسع الأنصاري عن أبيه عن عبد الله بن زيد وقال: هذا إسناد صحيح.
ورواه مسلم عن غير واحد عن ابن وهب ولفظه: أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ فذكر وضوءه قال: ومسح برأسه بماء غير فضل يده، ولم يذكر الأذنين قال البيهقي: هذا أصح من الذي قبله."
يقول -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن زيد بن عاصم أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ" وسبق من روايته أجزاء من صفة وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- التي يرويها عبد الله بن زيد، "رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه" يعني أخذ ماءً جديدًا لمسح أذنيه هذه الرواية خرجها البيهقي، وصحح إسنادها، صحح إسنادها، وتقدم أن الأذنين من الرأس، ومقتضى ذلك أنهما يمسحان بالماء الذي يمسح به الرأس، نعم يؤخذ للرأس ماء جديد غير ما يفضل من غسل اليدين؛ لأنه عضو مستقل، أما الأذنان فهما تابعتان للرأس، فيُمسحان بما يمسح به الرأس.
أما هذه الرواية التي خرَّجها البيهقي وصحح إسنادها، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن، قد يكون الإسناد صحيحًا في الظاهر، لكن المتن معارَض بما هو أقوى منه، ولذا اشترطوا لصحة الخبر انتفاء الشذوذ، والشذوذ مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، فالخبر إذا نُظِر إليه من ناحية الإسناد فالإسناد صحيح، لكن يبقى النظر في متنه، ولذا يقولون في تعريف الصحيح بعد أن يشترطوا اتصال السند: وثقة الرواة، أن يسلم من الشذوذ والعلة القادحة، ولذا أردفه المؤلف هذه عند البيهقي أردفها المؤلف برواية مسلم، "ورواه مسلم عن غير واحد عن ابن وهب، عن ابن وهب" غير واحد في مقابلة الهيثم بن خارجة، هذه رواية فرد أنه أخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه، هذه رواية الهيثم، ورواية غير واحد يعني رواية الأكثر وهي المخرجة في الصحيح "عن ابن وهب ولفظه: أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ فذكر وضوءه فقال: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه" مسح برأسه، ورواية الهيثم "فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الذي أخذ لرأسه" ورواية الأكثر "عن ابن وهب توضأ ومسح برأسه بماء غير فضل يديه"، وهي الرواية الموافِقة لما تقدم، وهي الموافِقة لما تقدم، ولم يذكر الأذنين.
"قال البيهقي: وهذا أصح من الذي قبله" ذاك إسناده صحيح، وهذا أصح، فمعناه أنهما اشتركا في الصحة، والمراد صحة الإسناد لا صحة الخبر؛ لأنه لا يمكن أن يثبت حديثان صحيحان متضادّان، صحة الإسناد، كلاهما صحيح الإسناد، لكن هذا متنه أصح من الذي قبله، هل في رواية الأكثر ما يضادّ رواية الهيثم؟
ألا يمكن أن يقال: إنه مسح رأسه بماء غير فضل يديه، ومسح أذنيه بماء غير فضل رأسه؟ يمكن أن يقال؟ يعني فيه تعارض بين الروايتين؟ فإذا قلنا: الأذنان من الرأس يعني أخذ ماء جديد للأذنين يقتضي أنهما عضوان مستقلان عن الرأس، وإذا قلنا: إنهما من الرأس كجزء من أجزائه، وسبق الكلام في حديث «الأذنان من الرأس» فإذا قلنا: إنهما من الرأس فهما جزء من أجزائه، لا يحتاجان إلى أخذ ماء جديد، فالمعارضة من هنا.
وأمر آخر، وهو أنه قد تضعّف الرواية مع صحة إسنادها، ولو لم تتضمن معارَضة، ولو لم تتضمن معارَضة، على ما سيأتي في الحديث الذي فيه: إن الله يحب التوابين، بعد الوضوء، «اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين»، سيأتي هذا في زيادة الترمذي أقول: قد تضعّف الرواية ولو لم تتضمن معارَضة، إذا تفرد بروايتها من لا يحتمل تفرده، أو دلت القرائن على أنها غير محفوظة، ولو رواها حافظ، ومثل هذا التعليل لا يقوم به، لا يقوم به أفراد الطلاب؛ لأن الطالب ما عنده إلا أن يحكم من خلال إسناد عنده، ومراجعة كتب رجال ومراجعة كذا، ما يمكن أن يحكم إلا من خلال هذا، رواية غير معارِضة ثابتة بإسناد صحيح متى يعرف الحكم على مثل هذه الرواية بالقرائن؟
نعم، إذا وجد معارَضة فسهل، يحكم طالب العلم عليها، يعني هل أرجح أو مرجوح؟ هل المعارِض أكثر أو أقل؟ هذه مسألة سهلة، يعني كالنظر في الإسناد، لكن إذا كان هناك علة خفية دلت القرائن على أن هذه اللفظة ليست محفوظة، وهذه لا ينوء بها إلا الأئمة الحفاظ، الأئمة الحفاظ الذين يعرفون ما يثبت في الباب وما لا يثبت؛ لسعة حفظهم واطلاعهم.
يعني مثلاً في إجابة المؤذن «إنك لا تخلف الميعاد» هل يوجد في النصوص ما يعارِض هذه الجملة؟
ما يوجد، بل يوجد ما يؤيد من القرآن، ما يؤيدها، إذًا ليس فيها معارَضة، وإسنادها يثبت بمثله، مثل هذه الجملة، وبعض الحفاظ يقول: غير محفوظة، كيف غير محفوظة، غير معارِضة، وسندها لا معارضة فيها، بل فيها ما يشهد لها وما يؤيدها، ومعناها صحيح، وسندها أيضًا مقبول، فهذه لا يمكن أن يحكم عليها أفراد الناس، ولذا يثبتها بعض الكبار تبعًا لهذا، يثبتها بعض الكبار، أما بعضهم فيقول: ليست محفوظة، كيف ليست محفوظة في القرآن وإسناده مقبول؟ قال: نعم، ليست محفوظة، ما معنى ليست محفوظة؟
يعني ما تقال في هذا الموضع على سبيل التعبد، وإلا فمعناها صحيح، فمن هذه الحيثية يمكن أن يحكم عليها، فننتبه لمثل هذا الأمر، ويشكل كثيرًا.
يعني أمور ما تنحل عند كثير من الطلاب، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، هذا لا إشكال فيه، له ما يشهد له من النصوص الكثير، وسندها مقبول، ومثلها: إنك لا تخلف الميعاد، لا معارِض لها إلا أنها لم تذكر عند أكثر من روى الخبر، فهذا دليل على أنها لم تُحفَظ.
على كل حال مثل هذه الأمور للكبار، هذه مرحلة تالية لمرحلة التمرين، إذا تمرَّن الطالب وتأهل لذلك، وأخذ يجمع طرق حديث الباب كله، وعرف ما يثبت منه، وما لم يثبت فله أن يرجِّح من أقوال أهل العلم ما يميل إليه.
وعلى كل حال المسألة قابلة للإثبات والنفي، وهي عند الكبار كذلك، منهم من أثبتها، ومنهم من نفاها.
هنا عندنا الذي يغلب على الظن أن هذه اللفظة ليست محفوظة، وإن صح إسنادها؛ لأن سياقها أخذ ماءً جديدًا لأذنيه، يوحي بأن الراوي وهم، أراد أن يقول: أخذ ماءً جديدًا لرأسه فقال: لأذنيه، ولا يبعد أن يهم، كما قالوا في حديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع مع كل خفض ورفع، يعني يرفع يديه، والمحفوظ أنه يكبِّر مع كل خفض ورفع، قد يقول قائل: لماذا لا يثبت هذا وهذا؟
نقول: كان يرفع مع كل خفض معارَض بقوله في حديث أبي حميد وغيره: وكان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، يعني إذا وُجدت معارَضة فالأمر يخف، لكن إذا لم يوجد معارضة فكيف نستروح ونميل إلى أن هذا الراوي وهم ولم يحفظ، هذه مرحلة يصل إليها الطالب بعد المران الطويل وإدامة النظر في أقوال الأئمة الكبار، والنظر في تصرفاتهم، في مثل هذه الأحوال تتكون أهلية، وتتكون ملكة، متى؟ بعد المران الطويل، إن شاء الله تعالى.
ولذا "قال البيهقي: وهذا أصح من الذي قبله، وهذا أصح من الذي قبله" ولذا هذا مروي عند مسلم، وذاك مروي عند البيهقي، لا شك أن الكتاب المخرج فيه الحديث يرجح به.
طالب: ..........
ماذا فيه؟
طالب: ..........
أيهم؟
طالب: ..........
مسح رأس؛ لأن في صفة الوضوء، في صفة الوضوء يعجبه التيمن، في تنعله، وطهوره، يعني غسل اليد اليمنى قبل اليسرى، المسح مسح الرأس الأصل أن يمسح الشعر، لكن د إذا كان الشعر مغطى يمسح عليه، ثم بعد ذلك جاء إلى الأذنين على الترتيب.
"قال -يرحمه الله-:
وعن عمرو بن عبْسة قال.."
عَبَسة، عَبَسة.
وعن عمرو بن عبْسة..
عَبَسة.
"وعن عمرو بن عبَسة قال: قلت: يا نبي الله، حدثني عن الوضوء، قال: «ما منكم رجل يقرِّب وُضوءه فيمضمض.."
وَضوءه، يقرب وَضوءه، يعني الماء الذي يريد أن يتوضأ به.
"قال: «ما منكم رجل يقرب وَضوءه فيمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل، وفرَّغ قلبه لله -عز وجل- إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه»، رواه مسلم هكذا.
ورواه الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وفيه: «كما أمره الله تعالى بعد غسل الرجلين»."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى: "وعن عمرو بن عبَسة قال: قلت: يا رسول الله، حدثني عن الوضوء"، يعني عن كيفيته، عن فضله، "قال -عليه الصلاة والسلام- «ما منكم رجل يقرب وَضوءه» يُقَرِّب: يُدْنِي، الوَضوء: الماء الذي يريد أن يتوضأ منه؛ تقرُّبًا إلى الله-جل وعلا-، فيبدأ بالمضمضة والاستنشاق، يبدأ قبل ذلك كما جاءت به الأدلة الأخرى بغسل الكفين ثلاثًا.
«يُقَرِّب وَضوءه فيمضمض» يدخل الماء في فمه ويديره ثم يمجّه، «ويستنشق فينتثر» يجذب الماء إلى داخل الأنف بالنَّفَس ثم يخرجه من الأنف به أيضًا «إلا خَرَّت» نزلت وتناثرت «خطايا وجهه وفيه وخياشيمه» كل عضو من الإنس يُتَصوَّر منه المخالفة، كما جاء في حديث: العينان تزنيان، السمع يزني، اللسان يزني، كل عضو من الأعضاء له نصيبه من المخالفة، ولذلك إذا جاء يوم القيامة فيريد من يشهد عليه ثم يقول: لا أريد إلا شاهدًا من نفسي، فيُختَم على فيه، فتنطق جوارحه، هذه تقول: فعلت كذا، والرجل تقول: فعلت كذا، واللسان يقول: قلت كذا، والإذن تقول: سمعت كذا، والعين تقول: رأيت كذا، نعم كل عضو من أعضائه تتصور منه المخالفة بالوضوء تتناثر هذه الخطايا، والمراد بذلك الصغائر، الصغائر.
«إلا خرت خطايا وجهه وفيه» بما في ذلك ما يؤكل وما يُشرَب والكلام والغمز واللمز ونحوه، وهذا في الصغائر، أما الكبائر فلا بد لها من توبة عند الجمهور.
«إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه» خياشيمه يُتَصَوَّر أن يزاول معصية بأنفه؟ يُتَصَوَّر؟
طالب:.........
مثل إيش؟
طالب:.........
يشم إيش؟
طالب:.........
نعم، إما يقرب من امرأة ليشم رائحتها، أو يسرق بخورًا يتطيب به فيستنشقه، المقصود أنها أمور متصورة، يعني غير مستحيلة.
«وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله» على الوجه المأمور به، وهذه هي الأعمال المكفِّرة التي تؤدى على الوجه المأمور به، الأعمال المكفرة الأعمال الصالحة التي تكفر الخطايا هي التي تؤدَّى على الوجه المأمور به، ولذا قال: «ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء»، وفي رواية: مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، مع الماء قد يقول قائل: إن خرور الخطايا مع الماء يقتضي أن يُترك هذا الماء لكي يتقاطر، لكن لو لم يُترك مجال للتقاطر مسح بالمنديل مثلاً «إلا خرت خطاياه مع الماء»، وفي الرواية الأخرى: «أو مع آخر قطر الماء»، لا شك أنه إذا لم يكن هناك حاجة لتمسيح الأعضاء وتنشيفها أن بقاء الماء أو وتركه يتقاطر أفضل، لكن إذا وُجد حاجة لاستعمال المنديل والتنشيف؛ لبرودة شديدة ونحوها فلا بأس حينئذ.
«إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين، ثم يغسل يديه إلى المرفقين» يعني كما أمره الله؛ لأن الله أمر بغسل اليدين إلى المرفقين، «إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء» تخرج الخطايا مع الماء، «ثم يمسح رأسه إلا خرت خطاياه من أطراف شعره مع الماء» هكذا كذلك، «ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء».
بعض هذه الأعضاء تزاوَل بها الكبائر كاليد مثلاً، اليد تسرق، والعين تُكَرِّر النظر، وتُصِرّ عليه، وهو وإن كان في الأصل عند أهل العلم صغيرة إلا أنه مع الإصرار ومع الترداد وما يترتب عليه من آثار وما يُخشى منه مما يتبعه لا شك أن مثل هذا ينتقل من كونه صغيرة إلى ما هو أعظم، مثل هذا يحتاج إلى توبة، وبعض الشباب يتساهل بالنظر يقول: لأنه صغيرة، يقرر أهل العلم أنه صغيرة، ويتساهل فيه، ثم يترتب عليه آثار تجره إلى أمور لو لم تكن في باب ما يتعلق بالنساء أحيانًا يدخل موضع العبادة ويكرر النظر فيخرج منه شيء يكون سببًا لإبطال وضوئه، وإبطال صلاته.
هذه أمور كبيرة، فقد يكون الأمر في مبادئه ووسائله ليس بالكبير، لكن بعد ذلك الآثار المترتبة عليه كبيرة، فإذا حسم الباب، وسد الذريعة، وسد الطريق الموصل إلى هذه الأمور ارتاح ولو لم يكن في ذلك إلا راحة القلب، من الأمور التي يقرِّرها بعض الأشعرية يقولون: إنه يجب غض البصر من قِبَل الزاني عن المزني بها، يجب عليه ِأن يغض بصره، يقولون: هو مأمور بغض البصر، ومأمور بعدم الزنا، ومأمور، كيف يُتَصَوَّر مثل هذا؟!
إنما أُمِرَ بغض البصر من أجل ألا يزني، لأجل ألا يزني، فإذا حصلت الغاية فحصول الوسيلة تبعًا.
على كل حال البصر هو مبدأ الشر كله، النظر لا شك أنه مبدأ الشر، فعلى المسلم أن يغض بصره، وكم من إنسان عُوْقِب بسبب نظرة، قد يشعر بهذا العقاب أو لا يشعر هذا أمر آخر، كم من شخص عُسِّر عليه بعض الأمور بسببه، وقل مثل هذا في سائر المعاصي، يعني بسبب نظرة قد ينسى حفظ القرآن، وهذا ذكره بعضهم أنه نسي حفظ القرآن بسبب نظرة، لكن مثل هذا الذي يُدْرِك مثل هذه الأمور أدركها لأي شيء؟ لقلة المعاصي عنده، لكن المعاصي التي يتقلب فيها ليل نهار، وفي كل لحظة، ما يدرك مثل هذه الأمور، وقد لا يعاقَب في الدنيا بنسيان ولا غيره، قد تُدَّخَر له العقوبة في الآخرة، وهي أشد، فلينتبه الإنسان لمثل هذا.
«ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام يصلي فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل».
يعني ذكر هذه الأمور عمومًا، يعني في أجزاء الصلاة أو في الفاتحة؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث القدسي يقول: «قَسَمْتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [سورة الفاتحة:1] قال: أثنى عليَّ عبدي، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [سورة الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي»، «فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده» إما بقراءة الفاتحة أو أيضًا بالأذكار المشروعة في الصلاة، «ومَجَّده بالذي هو له أهل»، أو ذكر الله -جل وعلا- وأكثر من ذكره قبل دخوله في الصلاة، وهذا كله مطلوب.
«وفَرَّغ قلبه»، يعني لا يُحَدِّث نفسه في هذه الصلاة، وسبق في أول باب الوضوء.
طالب:.........
ماذا فيه؟
طالب:.........
في حديث عثمان «ثم قام فرَكَع ركعتين لا يُحَدَّث فيهما نفسه إلا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، إلا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وهنا «فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجَّده بالذي هو له أهل، وفَرَّغ قلبه لله، إلا انصرف من خطيئته كيوم أو كهيئته، يوم ولدته أمه» يعني بدون ذنوب، بدون ذنوب، بدون ذنوب.
«ومن حَجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه» ويوجَد من يُنَكِّت في مثل هذه المواضع، يوجَد، يتداول الشباب نُكَتًا تتعلق بهذه المواضع يقولون مثلاً: فلان حج فاشترى يعني ما يلزم الطفل الرضيع، لماذا؟ لأنه رجع كيومَ ولدته أمه، بزرًا طفلًا رضيعًا، هذا تنكيت مرضي أم غير مرضي؟
هذا غير مرضي بحال، هذا قد يصل إلى حد السخرية، فإضحاك الناس بمثل هذه الأمور خطير جدًّا، هذه يتداولها بعض الشباب في أيام الحج، وما يسمعون الحديث «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» يعني رجع كأنه مولود حاليًا، يعني طفلًا؟ ما هو بصحيح، إنما وجه الشبه الطفل لا ذنب له، وهذا أيضًا حُطت عنه خطاياه وذنوبه، وهنا يقول: «إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه».
"رواه مسلم هكذا، ورواه الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وفيه: كما أمره الله بعد غسل الرجلين" وهي هذه الجملة، مطلوبة في جميع الأعضاء، في جميع الأعضاء أن يتوضأ وضوءًا على مراد الله -جل وعلا-، كما أمره الله يأتي بالفعل على الوجه المأمور به؛ لتترتب عليه آثاره، لتترتب عليه آثاره.
طالب: ...........
والله الأصل أنه عام الأصل أنه عام، لكن جاء التقييد في كثير من النصوص «ما لم تُغشَ كبيرة»، «ما اجتُنبِت الكبائر»، بما فيها الصلوات الخمس، وفيها الحج، وفيها العمرة إلى العمرة، وفيها رمضان، وفيها هذا القيد، فأهل العلم يقيدون بهذا، وأن التوبة لا بد لها، أن الكبائر لا بد لها من توبة عند الجمهور.
"قال: وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر -رضي الله عنه- فذكر الحديث في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه: فلما دنا من الصفا قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} [سورة البقرة:158]، «ابدؤوا بما بدأ الله به»، هكذا رواه النسائي بإسناد صحيح بصيغة الأمر، ورواه مسلم والنسائي أيضًا من غير وجه عن جعفر بصيغة الخبر: نبدأ، وأبدأ، وهو الصحيح."
يقول: "وعن جعفر بن محمد" بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق، "عن أبيه" محمد بن علي المعروف بالباقر، "عن جابر" بن عبد الله راوي حديث حجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي رواها بالتفصيل، وخرجها مسلم في صحيحه كاملة.
"فذكر الحديث" يعني بطوله، فذكر الحديث بطوله، "في حجة النبي -عليه الصلاة والسلام- فلما دنا من الصفا" يعني بعد أن طاف واستلم وصلى الركعتين، وقرأ ما قرأ خلف المقام، توجَّه إلى الصفا، "فلما دنا من الصفا قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ} [سورة البقرة:158]، «ابدؤوا بما بدأ الله به، ابدؤوا بما بدأ الله به»، هكذا رواه النسائي بإسناد صحيح بصيغة الأمر، ورواه مسلم والنسائي أيضًا من غير وجه عن جعفر بصيغة الخبر: نبدأ، وأبدأ، وهو الصحيح".
لو لم يكن في ذلك إلا أنه مُخَرَّج عند مسلم، وذاك عند النسائي، الأمر عند النسائي، والخبر عند مسلم قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة قال كذا، ومرة قال كذا، لكنها قصة واحدة في حجة واحدة، ما حج إلا مرة -عليه الصلاة والسلام- بعد فرض الحج، وجابر، هذا حديث جابر في الحج، هل يُتَوقَّع أن جابرًا يقصد عمرة من عمره -عليه الصلاة والسلام-؟! هو في صفة حجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو موضِع واحد، ولا يمكن أن نقول بالتعدد؛ لأنه شيء واحد، فلا بد من الترجيح، فلا بد من الترجيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- كم حج من مرة؟ واحدة؟
يعني بعد فرض الحج مرة واحدة، لكن قبل ذلك حج أم ما حج، قبل الهجرة أو بعد الهجرة؟ يعني ما حج بعد النبوة؟ قبل أن يفرض الحج نعم حج، حديث جبير بن مطعم لما أضل ناقته فوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفًا بعرفة مع الناس، وتعجب قال: إن هذا من الحمس، تعجب من كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يقف مع الناس وهو من الحُمْس من قريش، الأصل أن الحمس ما يقفون بعرفة، يقفون بالمزدلفة، ما يخرجون عن الحرم؛ لأنهم أهلهن فوقف النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الناس بعرفة، وجبير بن مطعم أضل بعيره، فمَرَّ بعرفة غير حاجّ، هل يقال: إن جبير بن مطعم يقول مثل هذا الكلام، وهو يبحث عن بعير، ولا يحج في تلك السنة، وهو مسلم؟ هذا قبل إسلام جبير، إسلام جبير جاء في فداء أسرى بدر، وسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في سورة الطور، وأسلم بعد ذلك، لكن هو في هذه الحجة لم يسلم، والحجة صحيحة ثابتة، القصة صحيحة، فحج النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يفرض عليه الحج، وهل يريد جابر هذه الحجة؟
قطعًا لا، إنما يريد الحجة التي وقعت منه -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، التي سميت حجة الوداع، فهي قصة واحدة، لا بد من الترجيح، ولذا قال: "ورواه مسلم والنسائي أيضًا من غير وجه عن جعفر بصيغة الخبر: نبدأ، وأبدأ، وهو الصحيح" أولاً لماذا ساق المؤلف هذا الخبر هنا؟ وما الفرق بين الصيغتين؟ من أجل الترتيب، من أجل الترتيب، في الحج أو في السعي نبدأ بالصفا قبل المروة؛ لأن الله -جل وعلا- بدأ بها ذِكْرًا، فنبدأ بها فِعْلا، وفي الوضوء الترتيب {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [سورة المائدة:6] نبدأ بالوجه؛ لأن الله -جل وعلا- بدأ به، فدل هذا على الترتيب، هذا من أدلة الترتيب، نعم هو صريح في الترتيب،= في رواية الأمر المرجوحة: «ابدؤوا بما بدأ الله به، ابدؤوا بما بدأ الله به» بصيغة الأمر عند النسائي واضح وجوب الترتيب، لكن على صيغة الخبر: نبدأ، أو أبدأ لا يدل على الوجوب.
طالب: ...........
كيف؟
طالب: ...........
اغسلوا؟ لا، اغسل لكن هل معنى هذا أنك تغسل قبل اليدين أم بعد؟ الواو لمطلق العطف، لكن مما يُستَدَل به على وجوب الترتيب، وهو قول لجمع من أهل العلم أنه هكذا أمر الله -جل وعلا- أن تؤدَّى هذه العبادة، وبيَّنَها النبي -عليه الصلاة والسلام- بفعله، وحُفِظ وضوؤه -عليه الصلاة والسلام- من وجوه، ومن طرق، وعن جمع من الصحابة، ولم يُذكَر ولا في طريق واحد أنه قدَّم أو أخَّر، وأيضًا في الآية ما يدل على ذلك، في الآية ما يدل على ذلك، هم يقولون: إن إدخال الممسوح بين مغسولين، إدخال الرأس بين اليدين والرجلين، إدخال الممسوح بين مغسولين، وقطع النظير عن نظيره لا بد له من فائدة، العرب لا تفعل هذا إلا لفائدة، وإلا تنسق المتشابهات ثم تعطف عليها غيرها، ولا فائدة لهذا إلا الترتيب، منهم من يقول: إذا غسلنا الأعضاء المطلوب غسلها لاسيما وقد جاءت الواو التي لا تقتضي الترتيب يكفي، فلم يشترطوا لصحة الوضوء الترتيب، لكن جمع من أهل العلم، وهو المرجَّح أن الترتيب واجب؛ لأن كل مَن وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفه على ما جاء في الآية، على ما جاء في الآية، فالترتيب واجب.
"وقال: عن بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعيد الوضوء والصلاة، رواه أحمد وأبو داود، وليس عند أحمد ذكر الصلاة، قال الأثرم: قلت: لأحمد: هذا إسناد جيِّد؟ قال نعم."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن بَقِيَّة قال: حدثنا بَحِير بن سعد، وفي بعض النسخ عن، عندك عن أم ؟
طالب: ...........
عن، حتى في التخريج؟
طالب: ...........
يقول في الأصل: وعن، والتصويب من (م خ) نسخة، وهو كذلك في مسند أحمد، نعم التصويب قال: حدثنا بَحِيْر بن سعد فيه فرق بين عن وحدثنا، بقية مدلِّس لا بد من تصريحه بالتحديث، وقد صرَّح، هو في المسند مصرِّح بالتحديث، فأمنَّا هذه الآفة.
"وعن بَقِيَّة قال: حدثنا بَحِيْر بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن بعض أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام"- مجاهيل، لكن جهالة الصحابي لا تضر.
"عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلا يصلِّي وفي ظهر قدمه لُمْعَة قدْر الدرهم، وفي ظهر قدمه لُمْعَة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الوضوء والصلاة، رواه أحمد وأبو داود وليس عند أحمد ذكر الصلاة، فأمره أن يعيد الوضوء، قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جيِّد؟ قال نعم".
حكم على الذي عندك؟ ما حكم عليه؟ التخريج عندك ماذا يقول؟
طالب: ...........
البيهقي مرسل؛ لأنه عن بعض أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، سهل هذه غير مؤثرة، البيهقي يرى أن مثل هذا مرسل عن رجل صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أصحاب النبي هذا مرسل عنده، لكن هذا لا يؤثر، يقول: ضعَّفه ابن حزم في المحلى، وقال النووي: ضعيف الإسناد، وقال ابن عبد الهادي: تكلم فيه البيهقي وابن حزم وغيرهم بغير مستند قوي، وصححه ابن كثير فقال: هذا إسناد جيد قوي صحيح. في صحيح مسلم عن جابر قال: أخبرني عمر بن الخطاب أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه، فأبصره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ارجع فأحسِن وضوءك» فرجع فصلى، هذا شاهد قوي، نعم هذا شاهد قوي، ولذا يقول الإمام أحمد فيما رواه عنه الأثرم: هذا إسناد جيد؟ قال: نعم. يعني أقل أحواله أن يكون حسنًا.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لُمْعَة قدر الدرهم"، يعني هذا يحصل كثيرًا أو لا يحصل؟ يحصل على التعيين، ويحصل على الشك، يعني أحيانًا يسجد شخص تجده ساجدًا وفي رجله لصق، يعني تسعيرة بضاعة مثلاً بلاستيك، مثل التي توضع على الكتب، شالها من الكتب ورماها فلصقت برجله، وهذه تحول دون الماء، والرجل تحول أم ما تحول؟
لكن احتمال أنها لصقت به قبل الوضوء، واحتمال لصقت به بعد الوضوء، لكن على كل حال على الإنسان أثناء الوضوء أن يتأكد، على الإنسان أن يتأكد، وهذا يكثر كثيرًا ما نجد الرجل ساجدًا وتحت قدمه لصق، فما تدري هل كان قبل الوضوء أو بعده، فعلى الإنسان أن يتأكد من هذا أثناء الوضوء.
"النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعة" يعني لم يصبها الماء "قدر الدرهم، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الوضوء والصلاة"؛ لأن الفرض تعميم القدم بالغسل، ولذا قال: «ويل للأعقاب من النار»، مما يُؤكِّد التعميم، فلو تُرِك شيء ولو كان يسيرًا من المحل المفروض دون غسل لم يصح الوضوء، لم يصح الوضوء.
"فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الوضوء والصلاة" يعيد الوضوء، طيب لماذا لا يغسل هذه البقعة؟ وهذا هو الشاهد من إدخال الحديث في هذا الموضع عند المؤلف، من أجل إيش؟ الموالاة، من أجل الموالاة، فالمؤلف أورد هذا الحديث؛ ليستدل به على وجوب الموالاة، والموالاة بحيث لا يترك عضوًا حتى ينشف الذي قبله في الزمن المعتدل هذه هي الموالاة عند أهل العلم، فلما رآه النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي وقد نشفت أعضاؤه قد يقول قائل: مادام نشفت الأعضاء ما الذي يدرينا أن هذه البقعة ما غسلت؟
طالب: ...........
كيف؟
طالب: ...........
يظهر المغسول أم ما يظهر؟ يعني لو ترى شخصًا بعد الوضوء والتنشيف وكذا تجزم بأنه ما غسل هذه الرجل، أو قصَّر في تغسيلها، يعني واضح الذي غسل من الذي ما غُسِل، حديث العهد بالماء، واضح من قديم العهد به، على كل حال هذا حصل، أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعيد الوضوء؛ لاختلال شرط الموالاة؛ لأن الأعضاء نشفت، فلا بد من إعادتها، لكن لو كان في مكانه، في محله فعليه أن يكمل ويحسن وضوءه بغسل ما ترك، بغسل ما ترك، لكن لو كانت اللمعة في اليد، وهو في مكانه توضأ وبقي من يده لمعة، ثم مسح رأسه وغسل رجليه نقول: يكفيه أن يغسل هذه اللمعة؟
يخل بالترتيب، لا بد أن يغسل اليد ثم يمسح الرأس ويغسل الرجلين.
"أمره أن يعيد الوضوء والصلاة" لماذا أمره أن يعيده الصلاة؟ لأن الشرط لم يتحقق، الشرط لم يتحقق؛ لأنه توضأ وضوءًا غير صحيح، وضوءًا غير صحيح، وإذا لم يتحقق الشرط، إذا لم يؤت بالشرط على الوجه المطلوب المجزئ فوجوده مثل عدمه، فلا بد من الإتيان به على وجهه، والأثر في الوضوء المُبْطِل للوضوء مُبْطِل للصلاة، المبطل للشرط مبطل للمشروط؛ لأنه وجد المشروط بدون شرطه، ولو وجدت صورة الشرط.
"وليس عند أحمد ذكر الصلاة، وليس عند أحمد ذكر الصلاة" إنما يُكتفى بوجودها عند أبي داود، والقواعد العامة تقتضي أن تعاد الصلاة؛ لأن النهي عاد إلى الشرط، ومادام بطل الشرط يبطل المشروط.
"قال الأثرم: قلت لأحمد: هذا إسناد جَيِّد؟ قال: نعم،" والجَيِّد عندهم بمنزلة بينهما، منهم من يقول: بمنزلة الصحيح؛ لأن الترمذي قال عن حديث في كتاب الطب من جامعه: هذا حديث حسن جَيِّد، الجادَّة أن يقول: حسن صحيح، هذه المرة قال: حسن جيد، يعني أنه بجيد معناه صحيح، ومنهم من يقول: إن الجِهْبِذ لا ينزل أو لا يغير الصيغة، ولا يعدل عن كلمة صحيح إلى جيد إلا لنكتة بمعنى أنه لم يبلغ عنده درجة الصحة، وإن ارتقى عن درجة الحسن، فهي عند كثير من المتأخرين مرتبة بين الحسن والصحيح.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"