شرح الموطأ - كتاب حسن الخلق (1)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا والسامعين والحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب حسن الخلق: باب ما جاء في حسن الخلق:
وحدثني عن مالك أن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: ((أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-ما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت عائشة: وأنا معه في البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس ابن العشيرة)) ثم أذن له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت عائشة: فلم أنشب أن سمعت ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه، فلما خرج الرجل قلت: يا رسول الله قلت فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره)).
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال: "إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل، الظامي بالهواجر".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، وإياكم والبغضة فإنها هي الحالقة".
وحدثني عن مالك أنه قد بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بعثت لأتمم حسن الأخلاق)).
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب حسن الخلق:
كتاب حسن الخلق:
الكتاب مضى الكلام فيه مراراً، فهذا هو الكتاب السابع والأربعون من كتب الموطأ، فلا داعي للكلام في هذه الكلمة، والحسن ضد السوء، الحسن ضد السوء، وهو ما تستخفه النفس، وتميل إليه، وتحبه، والخلق هو الدين والطبع والسجية، ويأتي بمعنى الأدب الشرعي كما جاء في الخبر: ((أدبني ربي فأحسن تأديبي)) وجاء أيضاً قول عائشة: "كان خلقه القرآن" يعني خلق النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد بعض ليتمم مكارم الأخلاق، فهو أكمل الناس في الخلق -عليه الصلاة والسلام-، خلقه القرآن، فحياته وعيشته، وسيرته، وشمائله، ترجمة، ترجمة عملية للقرآن، ترجمة عملية للقرآن، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) سورة القلم هذا بالنسبة لحسن الخلق.
وإذا قلنا أن حسن الخلق المراد به الأدب الشرعي، فعلى طالب العلم أن يعنى بهذا الجانب، وينظر ما جاء في هذا الباب من نصوص الكتاب والسنة ليتأدب بها، ليتأدب بها، ليكون مع علمه عاملاً بعلمه، قدوة لغيره، والكتاب العزيز والسنة المطهرة فيها الشيء الكثير مما يحتاجه المسلم لا سيما طالب العلم في تعامله مع الناس، والخلق كما يكون في التعامل مع الله -جل وعلا- يكون في التعامل مع النفس، ومع الأقربين من الوالدين والأخوة والأخوات، والعمات، والأعمام، والأخوال، والخالات، وسائر الأقارب ويكون أيضاً مع المسلمين، ومع غيرهم ممن له عهد أو ميثاق، لا بد أن يتعامل مع كل إنسان بما يليق به، ولذا يترجمون باب البر والصلة والآداب، باب البر والصلة والآداب، فالبر يكون لأقرب الناس للوالدين، والصلة للأقارب، والآداب مع سائر الناس.
باب ما جاء في حسن الخلق، يعني من النصوص، وما جاء في هذا الباب لا يكاد يحصر، لا يكاد يحصر، ونصوص الكتاب والسنة في هذا متضافرة، وكثيرة جداً، وهي من خير ما يعنى به طال بالعلم لكي يعيش عيشة قويمة بأدب الله وأدب رسوله -عليه الصلاة والسلام- وما نشاهده ونسمعه من سوء التعامل بين المسلمين وقد يوجد مع الأسف بين طلاب العلم، كل هذا إنما هو بالغفلة عن هذا الباب العظيم، تجد الجفاء بين الأشقاء، تجد الجفاء بين الوالد وولده، والأم مع ابنها وبنتها، بين الزوج وزوجته، مع الجار كل هذا أمرنا بالإحسان إليهم، والتعامل معهم على أكمل وجه، غفل الناس عن تحصيل هذا الباب العظيم من أبواب الدين، ولا يتم الفقه في الدين إلا به، ثم ماذا إذا حمل طالب العلم من الأحكام ما حمل بأدلتها ومعرفة الراجح منها، وهو لا يستطيع أن يتعامل مع والده، لا يستطيع أن يتعامل مع زوجته، مع إخوانه، مع أولاده، ماذا يستفيد من هذا العلم إلا النفرة والبغضاء وكثير من الأمور التي لا تحمد عقباها إنما أوتي الإنسان من قبل هذا الباب بسببها.
كتب الأدب كثيرة جداً التي تدعوا إلى حسن الخلق، ومع الأسف أن الذي استأثر بالاسم هو ما يدعو إلى سوء الخلق، وسفاسف الأمور، فتجد كتب الأدب المصطلح عليه أدب الدرس عند الناس، الفن المعروف، كثير منه يدعو إلى سوء الأدب مع الأسف، لما اشتملت عليه هذه الكتب المصنفة في هذا الباب من قصص مسفة فاحشة بذيئة، وأخبار كاذبة تحمل في طياتها البغضاء والشحناء؛ لأن مؤلفيها ليسوا على درجة من التدين والاستقامة مع أن بعض من ينتسب إلى العلم قد يفصل بين العلم والأدب، يفصل بين العلم والأدب، من أهل العلم من تولى القضاء والإفتاء، وألف في علوم الشريعة، مشهور ومع ذلك يؤلف في الجواري والغلمان، كتاب من أسوأ الكتب، ويذكر في مقدمته أنه قد يستغرب من إمام وعالم ومؤلف وفقيه قاضي أن يطرق مثل هذه الموضوعات، لكنه أجاب بما يفاد منه أنه لا علاقة للدين بالأدب، وأن هذا فن، وذاك فن، مع الأسف أن هذا عالم من علماء المسلمين وله أيضاً قصائد في الأدب الشرعي يعني بالمقابل، وهي مشهورة ومحفوظة عند طلاب العلم من القدم.
هذا إذا كان بهذه المثابة من العلم والدين، والمناصب العلية في الدولة الإسلامية مشكلة، هذا هو الإشكال، أما أن يدعو إلى الأدب الفاحش والبذيء من هو، ممن لا يعرف بعلم ولا دين، يعني من عرف بالفسق والشرب والمجون، وغير ذلك هذا أمره سهل، يعني سهل أن يطرق مثل هذا الموضوع شخص من أهل الشرب، شرب الخمر مثلاً؛ لأنه ليس بقدوة، لا يغتر الناس به، لكن الإشكال حينما يطرق هذا الباب شخص محسوب على أهل العلم، فمثل زكي مبارك من المتأخرين، ومعروف وضعه، والله المستعان، حينما عتب على صاحب زهر الآداب إغفاله للمجون، وقال: إنه أغفل جانباً مهماً من جوانب الأدب، والحياة يقول كما يقول هو، وأظنه ليس بكامل عقله لما يكتب هذا الكلام: تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالص، يقول: أذهب إلى أبعد من ذلك فأزعم أن بعض الغي رشد.
هذا ما عليه شره، هذا ليس ممن يقتدى به، أو يؤخذ بكلامه، نظائره كثير يعني في الأدباء، لكن الإشكال حينما يصدر هذا من عالم، ويرى أن العلم الشرعي فن، والأدب فن آخر، الدين واحد، يعني نظير ما يذكره بعض المؤرخين ممن عرف بسلامة المعتقد في الجملة، ثم يأتي يترجم لعالم ثم يمدح قبره وأن ضريحه شفاء، ترياق مجرب، هذا فصل بين التوحيد والتاريخ، فالدين وحدة متكاملة يكمل بعضه بعضاً، وأبوابه يرتبط بعضها ببعض، ولا يتم الفقه فيه إلا إذا تفقنها على مراد الله، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فالنصوص نصوص الكتاب والسنة، وأقاويل سلف هذه الأمة تدعو إلى حسن الخلق، وفي كتب الأدب ما يدعو إلى الفحش، وبذاءة اللسان، وإيراث، أو ما يورث الشحناء والبغضاء، كل هذا ينبغي أن يكون طالب العلم على حذر منه.
وفي كتب الأدب التي هذه صفتها مما يعنى به أهل العلم وإن كان فيها ما فيها لكن يكون الإنسان على حذر منها، ويستصحب النصوص ويجعلها هي الحادي والسائق والقائد، ثم بعد ذلك يستفيد من هذه الكتب كما يقول أهل العلم من باب استجمام النفس، وترويح النفس، ويمر فيها في أثناءها بعض الفوائد التي يحتاجها طالب العلم، وكتب التواريخ إذا سلمت من الكذب وعرف ثقة مؤلفيها أنفع من كتب الأدب في هذا الباب، وأكثر فائدة؛ لأن فيها العبرة، فيها العبرة يعتبر طالب العلم بما مضى بسنن الله -جل وعلا- الكونية في السابقين واللاحقين التي لا تتغير ولا تتبدل، هذه محل عبرة لكن بعض المؤرخين لا يتورع عن الكذب أو نقل الكذب، وهنا تكمن المشكلة، وعلى كل حال المقصود بالأدب عندنا الأدب الشرعي، واستمداده من نصوص الكتاب والسنة، نعني حسن الخلق من نصوص الكتاب والسنة وأقاويل سلف هذه الأمة، والكلام في هذا الباب كثير عند أهل العلم منظوم ومنثور، فلو رجعنا إلى الآداب الشرعية لابن مفلح، أو غذاء الألباب شرح منظومة الآداب، الشرح للسفاريني والنظم لابن عبد القوي، ومنظومة الشيخ حافظ الحكمي الميمية في الوصايا والآداب العليمة اشتملت على كثير من مسائل هذا الباب.
يقول: باب ما جاء في حسن الخلق:
وحدثني عن مالك أن معاذ بن جبل قال: "آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وضعت رجلي في الغرز أن قال: ((حسن خلقك للناس يا معاذ)) ((يا معاذُ بنَ بن جبل)).
الأحاديث التي جاءت مرسلة سواءً كانت مما حذف من آخرها أو صارت بلاغات من مالك أو غير ذلك كلها وصلها ابن عبد البر في التمهيد، كلها وصلها، سوى أربعة أحاديث، سوى أربعة أحاديث هذا آخرها، التي لم يستطع ابن عبد البر أن يصلها وأن يجدها موصولة في كتاب من الكتب المعتبرة، على أن ابن الصلاح -رحمه الله- تعالى وصل هذه الأحاديث الأربعة، فصارت الأحاديث كلها موصولة، لكن لا يعني أنها صحيحة إذا تم وصلها فقد توصل بأسانيد صحيحة وقد توصل بأسانيد حسنة، وقد توصل بأسانيد ضعيفة.
على كل حال هذا الخبر معناه صحيح، معناه صحيح، قال، إن معاذ بن جبل قال: "آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما بعثه إلى اليمن، وقصته معروفة حينما أرسله النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن وقال له ما قال، ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب...)) إلى آخر الحديث، وفيه زوائد في على الروايات المعروفة المشهورة، ومنها هذا، "كان آخر ما أوصاني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين وضعت رجلي في الغرز، الغرز الذي يركب فيه على الرحل، أن قال: ((أحسن خلقك للناس يا معاذ بن جبل)).
((أحسن خلقك)) يعني تواضع للناس، وتعامل مع الناس بما يليق بكل إنسان من التعامل وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، كما في حديث عائشة في مقدمة مسلم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فيتعامل مع الكبير بالاحترام والتقدير والإجلال، والتعظيم، بما يليق به، من غير غلو، ويتعامل مع النظير بأيضاً بمثل هذا من المودة والاحترام والتقدير ويتعامل مع الصغير بالرحمة والرأفة والشفقة، فيعامل كل إنسان بما يليق به.
((أحسن خلقك للناس)) جاء في حديثه الآخر: ((وخالق الناس بخلق حسن)) ((وخالق الناس بخلق حسن)) فحسن الخلق مطلوب، وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، ((إن أقربكم)) ((إن أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)) كل هذه تدل على أن هذا له شأن في الشرع، ولا يمكن أن تسود المودة والمحبة والاحترام بين الناس إلا بمثل هذا.
((يا معاذ بن جبل)) يا معاذ منادى مبني على الضم في محل نصب؛ لأنه مفرد، وابن: نعت، أو بدل، أو بيان من معاذ، منصوب؛ لأن محل معاذ النصب، وابن: مضاف، وجبل: مضاف إليه.
قال -رحمه الله-: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما".
ما خير بين أمرين، أو في أمرين، بعض الروايات بين أمرين، وفي بعضها في أمرين، -عليه الصلاة والسلام- إلا أخذ أيسرهما، والتخيير هذا إما من الله -جل وعلا-، أو ممن بينه عهد أو عقد أو يريد معاملة مع شخص ويخيره الطرف الثاني، فيختار الأيسر -عليه الصلاة والسلام-، لكن اختيار الأيسر بالنسبة لما بينه وبين ربه من التكاليف لا شك أن الدافع إليه الشفقة على أمته، -عليه الصلاة والسلام-، كما فعل في ليلة الإسراء وفي غيرها.
إلا أخذ أيسرهما، الأسهل، ونسمع كثير ممن يتصدر للإفتاء يستدل بهذا الحديث على اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل باطل؛ لأن اختيار الأيسر من أقوال أهل العلم هو ما يعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص، لما كان هناك اختيار نعم، الرسول يختار الأيسر، لكن الآن هل في اختيار، الآن هل في مندوحة أن تأخذ بالواجب أو لا تأخذ؟ يعني إذا قال مالك، أو الجمهور قالوا: طواف الوداع واجب، وقال مالك: سنة، هل لنا خيار في أن ننظر في رأي مالك، نختار الأيسر منهما، هل هذا محل الحديث وإلا لا؟ محل الحديث لما كان هناك مجال للاختيار، الآن انتهى، كملت الشريعة، كمل الدين، فلا في مجال للاختيار، في مجال راجح ومرجوح، فنأخذ بالراجح، ونترك المرجوح، ما في مندوحة ولا في خيار، وإلا لجعلنا مالكاً ومن يضاهيهم من أهل العلم هم أهل التخيير للناس، وهذا ليس بصحيح الذي يخير من بيده الخيار، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (36) سورة الأحزاب، ما فيه، ما في خيار، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أمر بطواف الوداع، وخفف عن الحائض والنفساء، هل هذا واجب وإلا مستحب؟ لو كان مستحب ما فيه مجال للتخيير، ما فيه مجال للتخفيف، أصل المستحب خفيف، أقوى الناس، وأنشط الناس له أن يتركه مادام مستحب، لكن التخفيف عن النساء النفساء والحيض دليل على أنه واجب، وليس هذا مجال للتخيير، التخيير فيما جاء فيه التخيير، كفارة اليمين، {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} (89) سورة المائدة، اختير الأيسر أنت من الثلاثة، تقول: والله رقبة بمائة ألف، والكسوة بألف مثلاً للعشرة، وخمسة عشر كيلو رز بثلاثين ريال أو بخمسين ريال مثلاً، اختر الأيسر؛ لأنه في مجال للتخيير من قبل من يملك التخيير، أما سائر الناس ما لهم خيرة، في دليل راجح ومرجوح، وإذا ترجح عند الإنسان حكم لا يجوز له أن يتنازل عنه بحال من الأحوال، ليس له أن يتنازل، بل يجب عليه أن يعمل وأن يفتي بما يدين الله به، أما أن يترجح عنده الوجوب، ويقول للناس: هذا مستحب، هذا تشهي، هذا تنازل عن شيء لا يملك التنازل عنه، هذا دين، ولذلك تضيع أمور المسلمين بهذه الطريقة، وعلى إثرها تضيع عبادات الناس على ضياع، بسبب ضياع الفتوى تضيع أديان الناس، إذا كان الإنسان إذا فعل محرماً وجد من يقول له: ما عليك شيء، انتهى، ويترك فلان، ويذهب إلى فلان، وفلان عرف بالتساهل، وفلان عرف بالتشديد، والآن يلوك الناس بألسنتهم بعض أهل التحري من أهل العلم، ويقولون: فلان لا تستفتونه، كل شيء حرام، يعني هذا موجود، وهذا واقع، والله المستعان.
"ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما" نعم.
طالب: أحسن الله إليك، المشقة تجلب التيسير.
هناك قواعد وعمومات شرعية، يعني المشقة تجلب التيسير، تجلب التيسير في أصل التشريع، يعني المشقة في السفر تجلب رخص السفر، لكن مشقة الصيام في الصيف في الحضر تجلب التيسير تفطر؟ ما تفطر يا أخي، لكن في السفر المشقة تجلب التيسير؛ لأن الأصل في السفر المشقة، ولهذا قرنت به الرخص، فالسفر وصف مؤثر، وسببه في الأصل المشقة، وإذا وجد مشقة لا يحتملها الإنسان، ولا يطيقها أشرف على الهلاك يفطر، فالمشقة تجلب التيسير، مشقة في مستحب، مشقة في ارتكاب مكروه، يعني لا يأثم الإنسان بفعله، أو لا يأثم بتركه، تجلب التيسير؛ لأن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- المخالف لأمره في حال الاستحباب لبيان الجواز، وفعله المخالف لنهيه الصارف للنهي من التحريم إلى الكراهة إنما هو لبيان الجواز، ويبقى أن الأفضل أن تفعل في المستحب، والأفضل أن تترك في المكروه، هذه الأمور التي فيها خيار، أما الواجبات الصريحة ما فيها خيار، نعم إذا وجد مشقة لا يحتملها الإنسان بحيث تخرج عن طوقه وعادته في تحملها ترخص.
طالب: المسائل التي يكون فيها الخلاف ويصعب فيها الترجيح هل في مثل هذا اختيار الأسهل من أقوال أهل العلم؟
أهل العلم يختلفون في مثل هذا إذا عدم المرجح، منهم من يقول: نختار الأيسر، نختار الأيسر؛ لأن اليسر سيمة هذه الشريعة، ومنهم من يقول: لا، الدين دين تكاليف، ولا تبرأ الذمة إلا بالخروج من العهدة بيقين، فعلى هذا تأخذ بالأشد، وهما قولان لأهل العلم، لكن إذا توقف الإنسان في مسألة ما لم يستطع فيها الترجيح، بأن صارت من عضل المسائل، يعني الكفتان متساويتان، الواجب في مثل هذه الصورة على المجتهد أن يتوقف حتى يترجح لديه أحد القولين، إن ضاق عليه الوقت ولم يستطع الترجيح له أن يقلد، له أن يقلد، نعم.
طالب:.....
هو الأصل أن الدين يسر، إن الدين يسر، لكن يسر نسبي، لكنه يسر نسبي، يعني هل في ديننا إذا أصابتك نجاسة تقرضها بالمقراض؟ نعم هل في ديننا من التوبة أن تقتل نفسك؟ لا، الأصرار والأغلال التي كانت علينا كلها انتهت، التي كانت على من قبلنا، فديننا يسر بالنسبة للشرائع السابقة، وإلا من قال {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} (7) سورة النحل، يعني ما، هذا نص شرعي، ماذا نعمل بهذا النص؟ كيف نعمل بمثل هذا النص؟ ولا ينكر أحد أن صيام الهواجر شاقة على النفس، هل نقول من يسر الدين أن نترك الصيام في الصيف؟ لا.
طالب: الاجتماع على الرأي المرجوح أولى من الاتفاق على؟؟؟؟؟؟
أهل العلم في بعض القضايا في بعض القضايا وبالنظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة على بعض الأقوال، يرون أن الإمام له أن يرجح قولاً مرجوحاًَ لمصلحة راجحة، فالمرجوح ليس بملغى، يعني له دليل، أقول: له دليل وله ما يرجحه في بعض الأحوال، وهذا معروف عند أهل العلم.
إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، ما لم يكن إثماً، كيف يكون إثم؟ يعني مفضياً إلى الإثم، بمعنى أن، لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اختاره، وعمل به، وشق على من بعده.
طالب:......
ماذا يرى؟ يفضي إلى الإثم ما لم يكن إثماًَ، يعني يفضي إلى الإثم، فيختاره النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمل به، وعمل به الصدر الأول، ثم بعد ذلك شق على بعض الناس مما جعلهم يتركونه لشدته عليهم، يفضي في مثل هذه الحالة إلى الحرج، كما أسف وندم على دخوله البيت -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه في هذا شق على أمته، يعني لو تظافر المدح، مدح دخول البيت، وفعل دخول البيت، لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث عليه، مع كونه دخله، ألا يقتتل الناس على دخوله؟ يعني لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رمضان مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) في رواية: ((حجة معي)) يعني لو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رمضان تقاتل الناس عليه، لكن لما ما اعتمر، وحث عليه، ولم يعتمر، كثير من الناس يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- أفضل الخلق، وأكمل الخلق ما اعتمر، فيصير في شيء من التخفيف على الأمة، لكن لو تظافر القول والفعل لاقتتل الناس عليه، ولذلك ندم -عليه الصلاة والسلام- على دخول البيت.
فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه معصوم من ارتكاب الإثم، ومع ذلك يكره ما يكرهه الله -جل وعلا-، فهو أشد الناس كراهية لما يكرهه الله -جل وعلا- لمنزلته عند ربه، والموافقة في المحاب والمكاره لا شك أن هذا دليل المحبة.
وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه، نعم أساء بعض الناس الأدب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مما سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بلغه ومع ذلك ما انتقم.
ما انتقم لنفسه، إلا أن تنتهك حرمة الله، قد يقول قائل: لماذا حد الذين خاضوا في الإفك، أليس هذا انتقام للنفس؟ نقول: لا، هذا انتهاك حرمة؛ لأن القذف كبيرة من كبائر الذنوب، وفيها الحد، فهذا ليس انتصاراً لنفسه، وإنما هو لأنها انتهكت حرمة الله -جل وعلا-، فينتقم لله بها، وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، وكان يهجو النبي -عليه الصلاة والسلام- ويسب الدين، ولسبه للدين ولكونه ارتد عن الإسلام استحق القتل، لا لأنه سب النبي -عليه الصلاة والسلام- فيكون منتصراً لنفسه.
قال: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
علي بن الحسين تابعي، فالخبر مرسل، لكنه مسند في الترمذي وابن ماجه من حديث الزهري، مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فالحديث أقل أحواله أنه حسن.
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))؛ لأن فيما يعنيه ما يشغله عما لا يعنيه؛ لأن فيما يعنيه، الوقت لا يستوعب ما يعنيه، فكيف إذا اشتغل بما لا يعنيه، لا شك أنه يترتب على ذلك التفريط بما يعنيه من أمور دينه ودنياه، فلو أن كل إنسان اشتغل بخويصة نفسه وما يعنيه، لانتهى كثير من المشاكل، لكن الفضول والتدخل في أمور الناس هذا الذي يورث المشاكل بين الناس، ولا يعني هذا أن فلاناً من الناس ارتكب معصية، لا ينصح ولا يؤمر، ولا ينهى؛ لأن الأمر لا يعنيك، إلا الأمر يعنيك، مما يعنيك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يعنيك النصيحة لأخيك المسلم، نعم، يعنيك تغيير المنكر، فإذا وجد مثل هذا فإن هذا مما يعنيك؛ لأنه قد يستدل بهذا الحديث من يرى ترك النصيحة للناس، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دع الناس وشأنهم، هذا لا يعنيك، عليك بخويصة نفسك، ولذا المغرضون أعداء الدين، وأعداء الملة، يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخل في شئون الناس، إذا كان تدخل في شئون الآخرين، معناه أنه ليس مما يعنيك، ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نقول: لا، هذا الكلام ليس بصحيح، أنت مسئول عن هذا المنكر، وعن تغيير هذا المنكر ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا الأصل، ((فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) فلا بد من التغيير، لا بد من بذل النصيحة، ((الدين النصيحة)) أسلوب حصري، الدين النصيحة ثلاثاً، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم)) فالدين هو النصيحة، ومن الدين الذي هو النصيحة أن تنصح لأخيك لكونه دخل في شيء يضره، دخل في شيء يضره، ما يقال والله هذا تدخل في شئون الناس.
أنت عندك خبرة في التجارة، في الزراعة، في الصناعة، رأيت أخاك تورط في مشروع يضره في مجال من هذه المجالات تسدي له النصيحة، ما يقال والله أنت ملقوف تدخلت في أمر لا يعنك، لا، هذا الأمر يعنيك؛ لأنك مكلف به شرعاً، ((الدين النصيحة)) كالأمر والنهي.
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) لكن رأيت عمارة شاهقة تمت بناءها وتم استثمارها فتأتي وتنظر فيها ولا تسدي نصيحة إلى صاحبها، يعني لو عدلت كذا، أو فعلت كذا في أثناء العمل، لا بأس هذه نصيحة، لكن تنظر إليها بعد تمامها وبعد استثمارها وتتحدث بينك وبين نفسك وبين أناس آخرين لا يعنيهم الأمر، شوف هذا المفترض أنه حطها عشرين دور بدل خمسة عشر، المفروض، هذا لا يعنيك، هذا ضياع وقت بالنسبة لك، إن كان عندك نصيحة اذهب وأسدها إلى صاحبها، نعم، أو تتحدث في المجالس أن فلاناً بنا عمارة، وأسكنها من يستعملها فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، اذهب يا أخي وانصحه، هذا المفروض، لا تتحدث به في المجالس؛ لأن حديثك في المجالس الذي لا يترتب عليه مصلحة هذا هو الذي لا يعنيك، بخلاف بذل النصيحة لأخيك.
قال: وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني جاء تعيينه أنه عيينة بن حصن، أو الأقرع بن حابس، من الجفاة، ممن أسلم ولما يقر الإيمان في قلبه، أسلموا ودخلوا في الإسلام، ثم بعد ذلك، قالت عائشة، "استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قالت عائشة: وأنا معه في البيت، وأنا معه في البيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بئس ابن العشيرة)) يقوله لعائشة، ((بئس بن العشيرة)) ((بئس بن العشيرة)) يعني ذكر الإنسان بما فيه لا سيما مثل هذا الذي جاهر وأعلن بخلقه البذيء السيئ الذي يجاهر بما حرم الله -جل وعلا-، سواءً كان في الأخلاق أو في العبادات، أو المعاملات هذا معروف أنه هو الذي فضح نفسه، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أذن له قالت عائشة -رضي الله عنه-ا: لم أنشب، يعني لم ألبث، أن سمعت ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معه، يعني المفترض يعني في اتحاد المواقف أنه مادام بئس أخو العشيرة على حد فهم عائشة -رضي الله عنه-ا وهذا الذي يتبادر إلى أذهان عموم الناس، ما دام بئس أخو العشيرة ليش تضحك معه، وتنبسط معه، الرسول -عليه الصلاة والسلام- انبسط معه، وضحك معه، فاستغربت عائشة -رضي الله عنه-ا، فلما خرج الرجل قلت: يا رسول الله قلت فيه ما قلت ثم لم تنشب أن ضحكت معه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من شر الناس من اتقاه الناس لشره)).
يعني مثل هذا يلاطف في القول، ويدارى في الكلام اتقاء شره، وأهل العلم يقررون أن المداراة مطلوبة، المدارة مطلوبة، يعني في التعامل، بخلاف المداهنة، المداهنة التي يترتب عليها تنازل عن واجب، أو تجاوز محظور، أو ارتكاب محظور، هذا لا يجوز بحال، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (9) سورة القلم.
أما المداراة والتعامل مع الناس بما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه أدنى مفسدة، فإن هذا أمر شرعي، ولذا ترجم عليه الإمام البخاري باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب، وفي مسلم في كتاب الأدب: باب مداراة من يتقى فحشه، ومعروف ترجمة الإمام البخاري من الإمام البخاري، وأما ترجمة مسلم فهي من الشراح، وهنا من النووي.
قال: وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار، نعم.
طالب:......
ما ترتكب محظور ولا تترك مأمور، إن ارتكبت محظور أو تركت مأمور هذه مداهنة.
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن كعب الأحبار أنه قال: "إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه انظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء".
هذا موقوف على كعب، ومعناه صحيح.
في المرفوع عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه مر بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال: ((وجبت وجبت، وجبت)) ثم مر بجنازة أخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: ((وجبت وجبت، وجبت)) فقالوا للرسول -عليه الصلاة والسلام-، حصل هذا وحصل هذا وقلت وجبت في الأول، وقلت وجبت في الثاني، قال: ((نعم، أثنيتم على هذا خيراً فوجبت له الجنة، وأثنيتم على هذا شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في أرضه)) فيقول هنا: "إذا أحببتم أن تعلموا ما للعبد عند ربه فانظروا ماذا يتبعه من حسن الثناء".
ثم قال: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: "بلغني أن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل، الظامي بالهواجر".
لا شك أن حسن الخلق كما جاء في الحديث أثقل ما يوضع في الميزان، أو من أثقل ما يوضع في الميزان حسن الخلق، فإذا وجد حسن الخلق ووجد سيء الخلق، وقائم صائم، لا شك أن هذا يبلغ درجته، وقد يفوقه على حسب ما عند الثاني من حسن في خلقه، أو عدمه.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: "ألا أخبركم بخير من كثير من الصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين".
لأن الصلاة نفعها قاصر، والمقصود من الصلاة النافلة، وإلا الفريضة لا يعدلها شيء من الأركان، فضلاً عن الواجبات، الفريضة لا يعدلها شيء، وإن كان نفعها قاصراً إلا أنها الركن الثاني بعد الشهادتين والصدقة نفعها لا شك أنه متعد لكنه آني، تتصدق على إنسان بدرهم أو دينار، يأكله فينتهي منه، نعم، ونفع متعد، ولا شك أن ثوابه عظيم، لكن إصلاح ذات البين، رجل مع زوجته تدابرا وتقاطعا وقرب أمرهما من الفراق تصلح بينهما، هذا من أعظم الأمور، والإصلاح بين الناس صدقة، أو أخوان تقاطعا من ذو سنين بسبب إرث، أو وقف أو ما أشبه ذلك، أو ابن مع ابنه، أو أب مع أبيه، ابن مع أبيه، وهكذا.
قال: إصلاح ذات البين؛ لأنه نفع متعد ودائم، وأما الصلاة فنفعها قاصر، والصدقة نفعها متعد، لكنه منقطع.
"وإياكم والبغضة".
البغضة شدة البغض والحقد على الناس، تحمل بغضاً للناس، وحقداً عليهم، وتتربص بهم، وتفرح إذا أصيبوا، وقد يظهر من ملامح وجهك شيء من ذلك، فلا شك أن هذا من الأمور المحذر منها، المكروهة لدى الشرع.
"إياكم والبغضة فإنها هي الحالقة".
الحالقة التي تحلق الدين، وتستأصله كما يحلق الموسى الشعر، ولذا جاء في الحديث المرفوع: ((لا أقول تحلق الشعر، وإنما تحلق الدين)).
قال: وحدثني عن مالك أنه قد بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
أنه قد بلغه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
هذا الحديث موصول من وجوه عن أبي هريرة، بعثت، النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما بعث هادياً للناس كافة، بشيراً لمن أطاعه نذيراً لمن خالف أمره.
في بعض الروايات الحصر ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)).
وعلى كل حال هذا الأسلوب سواءً كان حصرياً أو غير حصري فإنه من باب العناية والاهتمام بشأن حسن الخلق، وكان الناس على خلق قبل بعثته -عليه الصلاة والسلام- كانوا على خلق موروث عن أبيهم إبراهيم -عليه السلام-، لكنهم فرطوا في كثير منه، وجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- بما فرطوا به وزيادة عليه مما لم يأتهم من قبل عن طريق الأنبياء والرسل، فتمم -عليه الصلاة والسلام- حسن الأخلاق ومكارم الأخلاق كما في الروايات الأخرى -عليه الصلاة والسلام-.
تفضل.
طالب:......
يقول البخاري -رحمه الله-: باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب.
يعني لو أن شخصاً عرف واشتهر بين الناس بأمر مما ينكر عليه في الشرع نصح فلم ينتصح، كما يوجد في الذين يكتبون في الصحف، ويتكلمون في القنوات وفي المجالس، في المجالس الرسمية وغيرها، هل يقال إن مثل هذا بيان شره، وبيان منزلته في الشرع، هل يقال مثلاً إن هذا غيبة نعم؟ ليس بغيبة، هذا الرجل عرف بسوء الخلق، نعم، ومن النصيحة للناس أيضاً أن يعرف، من لم يعرف يعرفه، يعني هذا من باب النصيحة للناس أن يقال فيه مثل هذا الكلام، وإذا اقتضت النصيحة الكلام في الإنسان فيما يكره، الذي جاء عموم النهي عنه، وتسميته غيبة، إذا كانت المصلحة راجحة فلا شك أن مثل هذا يجوز، بل قد يجب أحياناً، يعني الكلام في الرواة غيبة في الأصل، لن صيانة للسنة لا بد من الكلام فيه.
مثل ما كتب هنا يقول في الحديث: ((بئس أخو العشيرة)) كيف يتم فهمه مع الوعيد الذي جاء في الغيبة؟
عرفنا هذا أنه لأنه تظاهر بفحشه، وصار الناس يتقونه من أجل شره، فإذا كان بهذه المثابة لا مانع من الكلام فيه، وأنه ليس على منهج؛ لأنه قد يظن بعض السذج أن مثل هذا الصنيع من هذا الرجل أنه هو الحزم؛ لأن بعض الناس لا يربيهم إلا الشدة والقوة والقسوة، قد يقال إن هذا حزم، نقول: هذا ليس بصحيح، هذا شر، فعلى الناس أن يتقوه ليكون من شر الناس هو، مادام الناس يتقونه من أجل شره فإنه يكون حينئذ من شر الناس.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الحياء:
وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((دعه فإن الحياء من الإيمان)).
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب ما جاء في الحياء:
الحياء خلق حميد شرعي، يورث في صاحبه ومن تحلى به الانقباض عما لا يحمد شرعاً أو عرفاً، عما لا يحمد شرعاً أو عرفاً، فهذا الخلق الشرعي الذي لا يأتي إلا بخير، الذي لا يأتي إلا بخير، وهو من الإيمان، كما جاء في حديث الشعب، وكما سيأتي في الحديث حديث الباب الثاني.
قد يلتبس على بعض الناس الحياء العرفي بالحياء الشرعي، الحياء الشرعي يورث الانكفاف عما لا يحمد، عما لا يحمد، الانكفاف عما يحمد ليس بحياء شرعي، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصح الناس وبذلهم وتوجيههم وتعليمهم، بعض الناس قد يخجل منه، لا يستطيع أن يقارفه حياءً وخجلاً، هذا حياء عرفي، لكنه يوجب الانكفاف عما يحمد شرعاً، فليس من الحياء الشرعي في شيء.
هذا الخجيل يورث الانكفاف عما يحمد شرعاً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محمود وإلا مذموم شرعاً؟ محمود، النصيحة للناس، توجيه الناس، عظة الناس، هذا كله محمود، فإذا كان الحياء يكف عن أمر محمود شرعاً، يكف هذا الحياء العرفي عن أمر محمود قلنا: هذا ليس بشرعي، وخجل مذموم، بينما إذا كان هذا الخلق الحميد يكف الإنسان عما يذم شرعاً، فإنه حينئذ يكون محموداً، وهو الحياء الذي لا يأتي إلا بخير، يقول، نعم.
طالب:......
هذا كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:......
هو موجود من القدم، يعني التقسيم هذا موجود من القدم بجامع أن كلاً منهما يدعو إلى الانكفاف، يعني عموم مواجهة الناس حياء، أو عدم مواجهة الناس حياء، فإن كان عدم مواجهتهم فيما يذم، بعض الناس تجده يواجه الناس فيما يذم به شرعاً، هذا لا عنده لا حياء شرعي ولا عرفي هذا، وهذا قد يكون هو القسم الأخير إذا قسمناه تدريجياً قلنا: إن هناك حياء يكف عما يذم به شرعاً ولا يكف عما يحمد به شرعاً هذا إيش؟ المحمود، المحمود من كل وجه.
وهناك حياء يكف مطلقاً عما يحمد وعما يذم هذا الخجل، هذا أيضاً محمود من وجه، مذموم من وجه، بعض الناس، القسمة رباعية، بعض الناس لا يوجد عنده لا هذا ولا هذا، لا يستحيي من أحد، وجاء في الحديث: ((إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) هذا مذموم، مذموم من كل وجه؟ لا، قد يمدح من وجه، هذا لا يستحيي مطلقاً، تجده يقدم على ما يذم به، ولا يستحيي أن ينكر على من يأتي مذموماً، هذا من وجه دون وجه.
القسم الأخر الأرذل المذموم من كل وجه الذي لا يستحيي عما يذم به، ويستحيي عما يمدح به، أيضاً القسمة الرباعية ظاهرة، نعم، في من لا يستحيي مطلقاً يقدم على كل شيء محمود ومذموم هذا موجود في الناس، يعني عادي أن يواجه إنسان على لا شيء لأتفه الأسباب بما يسوءه، وعادي أن ينكر منكر سيان عنده؛ لأنه ما في شيء اسمه شيء يردعه عن مواجهة الناس، سواءً كانت بحق أو بباطل، ويقابله الذي يستحيي من إنكار المحمود والمذموم، وبين المرتبتين نعم من يستحيي من إنكار المحمود بل لا يقدم عليه، ولا يستحيي من إنكار المذموم والعكس، ولكل واحدة منزلتها.
الحياء العرفي الذي يكف عما يحمد به شرعاً، الحياء المذموم هذا، الخجل موجود بين الناس، تقول له: اتكلم يقول: ما أقدر، بعض الناس تقول له: صل بالناس، يقول: ما أستطيع، ولو كان من الحفاظ، يعني ما في مبرر لهذا الخجل، يعني ما في شيء محسوس أو شيء يمنعه، يعني يوجد مثل هذا مع الأسف مع طلاب العلم في مناسبات كثيرة، يصلي الناس ظهر وعشرين ثلاثين من الجماعة من خريجي الكليات الشرعية، ما يستطيع أن يواجه الناس هذا محمود وإلا مذموم؟ مذموم بلا شك، وحصل وقائع من هذا النوع، يصلون ظهر فيهم من هو كفؤ، لكنه ما تعود، وقد يقوم بهذه المهمة مع وجود أخيار وطلاب علم، يقوم بها شخص فاسق؛ لأنه تعود هذا الأمر، وليكن مذيع مثلاً، مذيع بقناة مثلاً، تعود هذا الأمر ولا يصعب عليه أن يصعد المنبر ويخطب بالناس، لكن هل هذا بالنسبة لطلاب العلم محمود وإلا مذموم؟ مذموم يا أخي بلا شك، مذموم، وعلى طالب العلم أن يهيئ نفسه لكل ما يمدح به شرعاً، وكم حصل من قضية صارت مفتاح خير لبعض العلماء، يعني تجد مثلاً من يشار إليهم بالبنان بالخطابة الآن، سبب ذلك أنه أحرج في موقف، قيل له: اخطب، قال: والله ما تهيأت، ولا تعود، ثم خطب على ضعف، يعني أول خطبة تعرفون ويش وضعها، قال: ما دخلت مسجد لصلاة الجمعة إلا وفي جيبي خطبة، ومع الوقت ترك الخطب المكتوبة، وصار معروف من مشاهير الخطباء.
المقصود أن مثل هذه الأمور لا بد أن يتعود عليها، بعض الناس تقول والله الآن احنا جالسين مرتاحين ومبسوطين، وفي ناس عندهم أغاني بجواركم، بنزهة، برحلة، تقول: قم يا أخي انصحهم وإلا ذكرهم، يقول: والله ما تعودت، أنكر عليهم، والله ما تعودت، ويش معنى ما تعودت؟ هذا حال كثير من طلاب العلم، فهذا الحياء ممدوح وإلا مذموم؟ مذموم.
المقصود أن مثل هذه الأمور لا شك أنها الحياء الذي لا يأتي إلا بخير هو الحياء الشرعي، هو الحياء الشرعي، يذكر، يذكر بعض الناس عن أنفسهم خلاف ما يتوقعه الإنسان إطلاقاً من خلال ما كتبوا، يعني في الحياء في واحد كتب عن حياته مجلد، مجلد ويقول عن نفسه في هذا الكتاب، وهو مدرس في مدرسة القضاء الشرعي، وله زميل في نفس المدرسة، واحتاجوا إلى تعلم اللغة الإنجليزية، يقول: لنرى العالم بالعينين بدل عين واحدة، فقلت لصاحبي: ابحث عن مدرس، وأنا أبحث، كل واحد بطريقته ثم نتعلم عليه، يقول: بحثت فوجدت شخص إنجليزي شاب وزوجته، في شهر الزواج توا متزوجين، فقلت لصاحبي: وجدت البغية، أنت لك الزوج، وأنا لي الزوجة، هذه تعلمنا، وهذا تعلمك، هل هذا مما يستحى منه شرعاً وإلا لا؟ نعم، هذا كتبه في مذكرته في حياته، نعم، ومع ذلك يقول: إنها تقول: أن العين العربة صعبة، يعني قصده حرف عين، يعني صعب عليها تنطقها، وقلت لها: أن العين الإنجليزية أصعب، هو يقصد عينها، نسأل الله العافية، هل مثل هذا الكلام مما يستحيا منه شرعاً وإلا لا؟ بلى، بالمقابل نفس الكتاب بنفس الكتاب يقول: أجلس في المجلس ساعتين ثلاث ساعات، وأنا أحتاج الدورة استحيي أن أستأذن، نفس الشخص، ولذلك يحصل وجود ما يذم، وانتفاء ما يمدح، يوجد تناقضات في مثل هذا.
تجد إنسان عنده جرأة ينكر، ينكر الحق، ويستحيي عن إنكار الباطل، يعني الناس فيهم من هذه النوعيات، نسأل الله العافية.
طالب: لكن يا شيخ أحسن الله إليك هل يسمى حياءً؟
هو خجل، هو خجل لكن الحياء العرفي يشمله هذا، الكلام على الحياء العرفي، حتى من القدم، حتى الشراح يعظ أخاه في الحياء، ها شوف يعظ أخاه في الحياء.
طالب:......
لا، لا لا، الشراح بينوا هذا.
طالب:......
إيه الحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير، والحياء بمفهومه العام نعم فيه وفيه، لكن الحياء الشرعي لا يأتي إلا بخير.
يقول: وحدثني عن مالك عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن زيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو مرسل، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لكل دين خلق)).
((لكل دين خلق)) يعني الأديان السماوية جاءت للأمم بالخير، جاءت بالخير، واتقاء الشر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، -عليه الصلاة والسلام-.
قال: ((لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء)).
خلق الإسلام الحياء، ولذلك تجد المسلم يستحيي من ذكر أشياء لا يخجل عن ذكرها غير المسلم مما يستحيا منه شرعاً أو عرفاً، فخلق هذا الدين الحياء، وجاء في الحديث الصحيح: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) فدل على أن الحياء متوارث في سائر الأديان، الحياء متوارث في سائر الأديان، لكنه في هذه الديانة في الإسلام برزت مظاهره ومعالمه أكثر، وصار شأنه في هذا الدين أعظم.
في الحديث الصحيح: "إن الله لا يستحيي من الحق" وفي الآية {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً} (26) سورة البقرة، "إن الله لا يستحيي من الحق" إيش معنى "لا يستحيي من الحق" يعني شيع على ألسنة الناس: لا حياء في الدين، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟
طالب: ليس بصحيح.
يعني إن كان القصد منه في مسائل الدين كما قالت أم سلمة: "إن الله لا يستحيي من الحق" يعني في مسائل الدين يعني لو أردت أن تسأل عن مسألة لا حياء فيها، على هذا الوجه يمكن حمله، صحيح، لكن إذا كان نفي للحياء بالكلية عن الدين أبداً هذا العكس، الحياء كله خير، وخلق الإسلام الحياء.
{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً} (26) سورة البقرة، إيش معنى لا يستحيي؟ يعني لا يترك؛ لأن مآل الحياء الترك، فالحياء الذي يؤدي إلى ترك الحق منفي عن الله -جل وعلا-.
قال: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، يعني يقول له: لا تستحي أنت، هذا موجود في معاملات الناس وأعراضهم، تجد واحد عاشر الناس، عاملهم، وصار مثلما يقولون: خراج ولاج، نعم، وله أخ ما تعود ولا تمرن على هذا، ويقول له: خذ هذه البضاعة بعها، أو حرج عليها بالمزاد، هل كل إنسان من الناس يستطيع أن يقول: من يزيد؟ يرفع صوته بهذا؟ نعم؟ كثير من طلاب العلم لا يستطيع أن يبلغ خلف الإمام، إذا قال: الله أكبر، رفع صوته بالله أكبر، صح وإلا لا؟ فضلاً عن كونه يحرج بين الناس، كم نقول، كم نقول، نقول يا أخي: يعظ أخاه، لا تستحي، اشتغل، ترزق، نعم يعظ أخاه في الحياء، ولعله يقصد به الحياء مطلقاً، يعني لا تستحي مطلقاً، لا عما يحمد، ولا عما يذم، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعه)) يعني اتركه، ((دعه فإن الحياء من الإيمان)) وفي رواية: ((لا يأت إلا بخير)) نعم الحياء من الإيمان، الحياء شعبة من شعب الإيمان، الإيمان بضع وستون شعبة في مسلم بضع وسبعون شعبة، في بعضها ستون أو سبعون، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان.
سم.
أحسن الله إليك.
باب ما جاء في الغضب
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلاً أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تغضب)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)).
يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى: باب ما جاء في الغضب
الغضب معروف لا يحتاج إلى بيان، وبيانه كبيان الماء، الغضب خروج النفس عن حد الاعتدال بسبب المثير.
والغضب غريزة موجودة عند الناس، لكنهم يتفاوتون فيها، لكنهم يتفاوتون فيها، فمن الناس من يثور لأدنى سبب، ومن الناس من يثور لغير سبب، ومنهم من لا يثور، ومنهم من يغلي قلبه بالغضب لأتفه الأسباب، ومنهم الحليم الذي اتصف بالحلم والأناة، كالأحنف، وممن وصف بذلك معن بن زائدة المشهور، حصل رهان بين اثنين إن أغضبه فله كذا وكذا من الإبل، فجاء إليه وسبه بأبشع أنواع الهجاء والذم بالشعر المحفوظ إلى اليوم، ومع ذلك يعرض عنه إلى أن أيس من إغضابه، وهذه منة ونعمة، لكن هناك مواقف لا بد فيها من الغضب لا سيما إذا انتهكت محارم الله -جل وعلا-،
ولا خير في حلم إذا لم تكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
لا سيما بعض الناس إذا ما تعومل معه معاملة تردعه عن بعض تصرفاته يسترسل، فمثل هذا لا بد أن يكف، ولا شك أن الغضب غريزة، ويزيد مع عدم الكف، وعدم خزم النفس والحلم بالتحلم، يعني مع الوقت تجده يتصف بهذا الخلق وإن لم يكن متصفاً به قبل ذلك كما أن العلم بالتعلم كذلك الحلم بالتحلم، والفقه بالتفقه.
أن رجلاً أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن، كلمات، ولا تكثر علي فأنسى، مثل الذي قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأرشدني، هنا: علمني كلمات أعيش بهن، ولا تكثر علي فأنسى، يعني لو علمه حديثاًَ طويلاً يشتمل على جمل كثيرة يمكن ينسى بعضه لا سيما وقد عرف من نفسه ضعف الحافظة.
ولا تكثر علي فأنسى، وأعيش بهن، يعني أنتفع بهن في معيشتي في ديني وفي دنياي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تغضب)).
((لا تغضب)) وأي نصيحة أبلغ من هذه النصيحة، وكم للغضب من آثار على الشخص نفسه، وعلى غيره، والغضب مؤثر تأثيراً بالغاً في صحة الإنسان، وله أيضاً آثار متعدية تصل إلى حد القتل، تصل إلى حد القذف، تصل إلى حد أن يقول كلمة لا يلقي لها بالاً أثناء غضبه يهوي بها في النار سبعين خريفاً -نسأل الله السلامة والعافية- وكمن إنسان شتم الدين بسبب الغضب، وكمن إنسان وقع في عظائم الأمور بسبب الغضب، ولذا الغضب من الشيطان فإذا وجده الإنسان فليغير وضعه، إن كان واقفاً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع أو ليقف، المقصود أنه يغير وضعه، وإن توضأ؛ لأن الشيطان إنما، حرارة الشيطان إنما تطفأ بالماء.
قال: وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليس الشديد)) ليس الشديد القوي ((بالصرعة)) يعني الذي يصرع الناس ليس هذا هو الشديد، ليس هذا هو القوي، ليس هذا الذي يمدح بقوته، جاء في الحديث الصحيح: ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)) وما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- الرجل القوي، قال: المؤمن، يعني القوي في إيمانه، القوي في إيمانه، ((خير من المؤمن الضعيف)) في إيمانه، ويتبع ذلك ما يتطلبه الإيمان من قوة في البدن، وإعداد للعدو، وما أشبه ذلك، هنا يقول: ليس الشديد بالصرعة الذي يصرع الناس، وهذا البناء صرعة لاسم الفاعل صرعة، يعني ضحكة، همزة، لمزة، الذي يصرع الناس، لمزة الذي يلمز الناس، همزة الذي يهمز الناس.
بعض التراجم، تراجم الأئمة يقولون: الإمام العالم، المتفنن، الرحلة، رحلة، هذا اسم المفعول يعني يرحل إليه، يرحل إليه، ورحلة يعني يرحل اسم الفاعل.
((إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)).
((الذي يملك نفسه عند الغضب)) يستعيذ بالله من الشيطان، ويتوضأ ويترك هذه الآثار المترتبة على الغضب، ولا يرتب عليه ما يتطلبه الغضب عند دخول الشيطان من قتل، من سفك دم، من كلام بذيء، كثيرا ًما يحصل الطلاق بسبب الغضب، ثم بعد ذلك الندم، وكلام أهل العلم في طلاق الغضبان معروف.
المقصود أنه مسبباته كلها أو جلها سيئة، يندم عنها بسرعة، أو يندم صاحبها بسرعة، فعلى الإنسان أن يملك نفسه عند الغضب، وقد يقول الإنسان: هذا شيء لا أستطيع أن أملك نفسي، أنا جبلت على الغضب، لكن الحلم بالتحلم، ومع ذلك أثر عن بعض الصحابة أنه كان شديد الغضب لكنه وجه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى كثرة الاستغفار، وعليه أن يتحلم، وينظر في عواقب الأمور قبل أن تصدر عنه، وإذا حصل منه أو بدر منه شيء مما لا تحمد عقباه لا بد أن يتحمل المسئولية، فإذا غضب وتكلم في حق فلان أو علان لا بد أن يذهب إليه، ويستسمحه، ويستبيحه ويستحله مما حصل منه، والله المستعان.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"