كتاب الطهارة من المحرر في الحديث - 20
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في محرره:
وعن عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن ثمامة بن أُثَال أسلم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل»، رواه أحمد، وعبد الله بن عمر العُمَري تُكُلِّم فيه من قِبل حفظه، وقد رواه البيهقي من رواية عبد الرزاق عن عبيد الله وعبد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وفيه: وأمره أن يغتسل فاغتسل، وقال الطبراني: هذا الحديث عند سفيان عن عبد الله وعبيد الله، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وفي الصحيحين أنه اغتسل، وليس فيه أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- له بذلك.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «غُسْل يوم الجمعة واجب على كل محتلم»، متفق عليه.
وعن الحسن عن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه بعضهم عن قتادة عن.."
عندك صحيح؟
لا، يا شيخ.
نعم حديث حسن نعم.
"والترمذي وقال: حديث حسن، ورواه بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث مرسلاً.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من أربع؛ من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت، رواه أبو داود، وهذا لفظه، والدارقطني وابن خزيمة والحاكم، وإسناده على شرط مسلم، ورواه الإمام أحمد ولفظه: يغتسل من أربع، وقال البيهقي: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، وتركه مسلم فلم يخرجه، ولا أراه تركه إلا لطعن بعض الحفاظ فيه، وقال الإمام أحمد في رواية مصعب بن شيبة: روى أحاديث مناكير."
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعن عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي عن أبي هريرة -رضي الله عنه-" جرت عادة المؤلف وغيره ممن يؤلف المختصرات، المتون التي أُلِّفت لتحفظ، الاقتصار على الصحاب، ولذا قال في الحديث الذي قبله: وعن أبي هريرة، والذي قبله: وعن أنس، فلماذا ذكر التابعي وتابع التابعي؟
طالب: .............
كيف؟
طالب: .............
نعم؛ لأنه يحتاج إلى أن يتكلم في الراوي، وإذا أراد أن يتكلم فيه فذكره أولى؛ لأنه لو قال: عن أبي سعيد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: وعبد الله بن عمر العُمَرِي تُكُلِّم فيه، يقول قائل: ما علاقة عبد الله بن عمر العمري في هذا الحديث؟ لكن لما ذكره عرفنا أنه هو المقصود.
يقول: وعن عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، أبو سعيد اسمه كيسان المقبري، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- "أن ثمامة بن أثال الحنفي أسلم " جاء به الصحابة، أسروه وهو ذاهب أو قادم من نجد إلى مكة، فاعترضه الصحابة فأسروه وربطوه في المسجد، ربطوه في المسجد، وهذا من فعل الصحابة، وأقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، وعلى هذا يجوز مكث الكافر في المسجد؛ للحاجة، والحاجة هنا؛ لكي يرى وضع المسلمين، وتعامل المسلمين مع بعضهم، ويرى من الدين ما يحببه في الدخول إليه، فالصحابة -رضوان الله عليهم- كلهم دعاة بأفعالهم قبل أقوالهم، وإمامهم ومقدَّمهم الأسوة والقدوة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فكانوا كلهم دعاة، رأى من حالهم ما رأى، ودعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول والثاني، ثم أسلم في اليوم الثالث بعد أن أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بإطلاقه لما عَرَض عليه، ثم أطلقه وعفا عنه، أسلم، ملكه النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا التصرف.
ولا شك أن المعاملة وحسنها لها شأن في الدين، وصارت سببًا لدخول كثير من الناس، كثير من الشعوب دخلت في الدين؛ بسبب المعاملة، فلما منَّ عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأطلقه قبل أن يسلم أسلم؛ لأن بعض النفوس يكون عندها شيء من الإباء والعزة، وحينئذ تأخذه العزة بالإثم؛ لأن العزة مَلَكة من الملَكات، وغريزة من الغرائز في النفوس التي هي باقية على فطرتها، دعونا من النفوس التي استُذِلَّت وحُطِّمَت معنوياتها، هذه قد تكون العزة مفقودة، لكن النفوس الباقية على فطرها فيها عزة، وهذه العزة لها حد شرعي كغيرها من الغرائز، إذا تعدت هذا الحد، إذا تعدت هذا الحد صارت مذمومة، صارت مذمومة، وإذا نقصت أيضًا مذمومة، بعض الناس يستخفي بدينه، يخجل أن يقول: هو مسلم، والله -جل علا- يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت:33]، يعتز بدينه.
المقصود أن العزة أمر مطلوب في الشرع، والعزة للمؤمن، لله ورسوله وللمؤمنين، لكن العزة كغيرها من الغرائز إذا زادت عن حدها، وأخذت الإنسان العزة بالإثم صارت مذمومة، وإن نقصت عن حدها المطلوب صارت مذمومة، فعلى الإنسان أن يكون عزيزا قويًّا بربه، وبدينه بعد ذلك. لما رأى الحرية ومنَّ عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ورأى التعامل بين المسلمين توادّ وتراحم، وأيضًا هذه الشعيرة العظيمة الصلاة، يعني كثير من المسلمين لا يدرك وقع هذه العبادة في النفوس، لكن يدركها المحروم منها، كافر أسلم فقيل له: ما الذي دعاك إلى الإسلام؟ قال: الصلاة، كيف الصلاة؟ أنت صليت؟ قال: ما صليت، لكن هذه الصلاة فيها سر عظيم، ما معنى أن الناس إذا سمعوا الأذان أغلقوا المحلات وهم يكسبون الأموال، وتركوا أعمالهم، وهجروا راحتهم، وذهبوا إلى الصلاة، إلا أن فيها سرًّا عظيمًا.
فرأى ثمامة مثل هذا فأسلم واغتسل وأعلن الشهادتين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اغتسل، لكن هل كان هذا الاغتسال مبادرة منه، أو بأمره -عليه الصلاة والسلام-؟ في هذا الحديث ثمامة بن أثال أسلم، في اليوم الثالث أسلم، "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اذهبوا به إلى حائط بني فلان، فمروه أن يغتسل، فمروه أن يغتسل»"، هذا أمر بالأمر بالشيء، النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر الصحابة أن يأمروه فيغتسل، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع»، هذا أمر بالأمر بالصلاة، فهل الأمر بالأمر بالشيء أمر به أو لا؟
خلاف، وتحرير الخلاف في هذه المسألة هل معنى هذا أن المأمور بالأمر المأمور الأول، عندنا مأمور أول، ومأمور ثانٍ، فالولي مأمور أول، والصبي مأمور ثانٍ، يعني الآمر هو النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر الأولياء، والأولياء آمرون لصبيانهم، فالصبيان مأمورون من قِبَل الأولياء، والأولياء مأمورون من قِبَل النبي -عليه الصلاة والسلام- الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر به أو لا؟
فهل الخِلاف في اتجاه الأمر الأول، أو اتجاه الأمر الثاني؟ نأتي بمثال يوضِّح، لو قيل: يا محمد، أب يقول لولده الكبير: يا محمد، قل، قل هذا أمر، قل لزيد يشتري الخبز، يعني هل محمد مأمور بشراء الخبز أو المأمور زيد الثاني؟ لكن لو قال: يا محمد قل لزيد يصلي مثلاً، الأمر يتجه لزيد أم لمحمد أو كلاهما؟ يعني الأمر في الأمور المشتركة يتجه إلى الطرفين، والأمر الذي يستقل به المأمور الثاني يختص به لو افترضنا أن محمدًا الكبير تخرج ودرس، تخرج في الجامعة وانتهى، وزيدًا الثاني مازال طالبًا فقال الأب: يا محمد قل لزيد يدرس أو يذاكر، هل يتجه إلى الأول أم ما يتجه؟ لا يتجه، لماذا؟ لأنهما لا يشتركان في المأمور، فعلى هذا الخلاف في المسألة كونه أمر، أو ليس بأمر هو الأمر المتجه للأول أو المتجه للثاني؟
طالب: .............
هو مأمور بالتبليغ، والثاني مأمور بالتنفيذ، الآن المسألة التي يختلف فيها أهل العلم ويذكرونها في كتب الأصول هي الأمر بالنسبة للأول أو للثاني؟ «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، مروا أولادكم بالصلاة لسبع»، الأمر للأولياء هل يمكن أن يكون فيه خلاف؟ لا يمكن أن يكون فيه خلاف، لكن الأمر للثاني هو محل الخلاف، يعني هل يكون أمرًا إليه مباشِرًا أو بواسطة؟ يعني هل مجرد قوله -عليه الصلاة والسلام-: «مروا أولادكم» أنه اتجه الأمر إلى الأولاد مباشرة، أو بواسطة أولياء؟
وعلى كل حال هو أمر، هو أمر، وإن كان في الحديث الأمر هذا ليس للوجوب، وإنما هو للتمرين.
طالب: .............
معروف؛ لأنه غير مكلَّف.
طالب: .............
نعم، «مُرْهُ فليراجعْها» مره، يقول لعمر -رضي الله تعالى عنه- يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «مُرْهُ» يعني عبد الله ابنه، «فليراجعها»، هل هذا أمر لعمر؟ كونه بالأمر لا إشكال فيه وكونه أمر بالمراجعة يتجه أم ما يتجه؟ لا يتجه، يعني عمر يراجع؟! هو أمر بالأمر، كونه أمر بأن يأمر ابنه هذا ما فيه إشكال، لكن هل المراجعة في حق عمر متجهة أم لا؟
غير متجهة، هل يلزم ابن عمر المراجعة «مُرْهُ فليراجعُها» من خلال الأمر الذي هو بواسطة؟ وهل الأمر لعبد الله بن عمر من أبيه أو الأمر من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ عمر مأمور أن يأمر، مأمور أن يأمر، فعلى هذا لو قلنا: إن الأب قال لولده الكبير: قل لزيد يشتري الخبز، فزيد إذا لم يشترِ الخبز يكون عاصيًا لأخيه الذي أمره أو لأبيه؟ الآمر لزيد من هو؟
الأخ، وطاعة الأخ ليست مثل طاعة الأب، وهذا محل الخلاف، هذا محل الخلاف أن الآمر للثاني هو المأمور الأول، والمأمور الأول لا تجب طاعته على الثاني إلا باعتباره مبلِّغًا عن الأول، إلا باعتباره مبلِّغًا عن الأول، فمن هذه الحيثية يجب عليه التزام الأمر باعتباره مبلِّغًا، لكن يلزم على هذا ثقته بأخيه؛ لأن بعض الإخوة قد يصدر منه بعض التصرفات التي قد يُشَكّ في صدقه، يكون الأخ الكبير مشغولًا ويذهب إلى أخيه الصغير ويقول: الوالد يقول: لا بد أن يشتري خبز، وهو ما قال شيئًا، يجرب عليه مرة، ومرتين، وثلاثًا، وخلاص يعصي الابن الصغير، فالإثم على من؟
الآن الابن الصغير عصى الأب، أو عصى أخاه الكبير؟ هذه مسألة دقيقة ومذكورة في كتب الأصول، وتبحث بقوة، لعلكم تراجعونها، تُراجَع.
«اذهبوا به» أمر للصحابة، «إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل» يعني هل له أن يقول: لن أغتسل؛ لأن أمركم عَلَي غير نافذ؟ «فمروه» لا، باعتبارهم مبلغين عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر صادر منه -عليه الصلاة والسلام- ليس له ذلك، والمسألة لو راجعتم كتب الأصول فيها تبينت لكم، إن شاء الله تعالى.
فمروه أن يغتسل.
يقول: "رواه أحمد"، وعبد الله بن عمر، رواه أحمد، الحديث رواه أحمد يعني في المسند وغيره رواه ابن خزيمة وعبد الرزاق وهو موجود في دواوين الإسلام بالأمر، والواو استئنافية.
"وعبد الله بن عمر العمري تكلم فيه من قِبَل حفظه" هما أخوان، عبد الله وعبيد الله المُكَبَّر، عبد الله تُكُلم فيه، والمُصَغَّر عُبيد الله ثقة، فهذه الطريق التي فيه عبد الله بن عمر العُمَري تكون ضعيفة، آفتها من سوء حفظ عبد الله بن عمر العمري هذا؛ لأنه تُكُلِّم فيه.
"وقد رواه البيهقي من رواية عبد الرزاق عن عبيد الله وعبد الله" عنهما" معًا "ابني عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، وفيه: وأمره أن يغتسل فاغتسل، وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يغتسل" يعني أمرًا مباشرًا فاغتسل، وعلى هذا يكون الحديث صحيحًا من حيث الإسناد، عبد الله بن عمر العمري هذا مضعف، لكن أخوه ثقة، وقد اشتركا في روايته، فهل تُعَلّ رواية الثقة برواية الضعيف؟
لا، لا تعل بها وكثيرًا ما يروي الإمام البخاري الحديث عن اثنين، ويحذف أحدهما، يروي عن مالك وابن لهيعة، يحذف ابن لهيعة، ويقتصر على مالك؛ لأنه تقوم به الحجة، وعلى هذا لو كان الحديث عن عبيد الله بن عمر فقط صُحِّح، فكيف إذا انضم إليه أخوه؟
"وأمره أن يغتسل فاغتسل، وقال الطبراني: هذا الحديث عن سفيان عن عبد الله وعبيد الله، ورواه ابن خزيمة في صحيحه" إعلال الحديث هل يأتي من جهة الراوي الذي توبع عليه من قِبَل الحافظ، أو يأتي من إضراب صاحبي الصحيح عن ذكر الأمر؟
يقول: "وفي الصحيحين أنه اغتسل، وليس فيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- له بذلك"، يعني لو كان الأمر محفوظًا لذكر في الصحيحين، لا، العلة الأولى ارتفعت، العلة الأولى ارتفعت، فالإسناد صحيح، لكن هل نعلّ الأمر، أمر ثمامة بالاغتسال بتخريج الصحيحين للحديث بدون أمر؟
طالب: .............
كيف؟
طالب: .............
لا، هو ما لم يخرج الحديث خرجه البخاري ومسلم بدون هذه الزيادة.
طالب: .............
لا، ما نهدم، هذه أمور فيها دقة عند المتقدمين، ولذلك أحيانًا يعلّون أحيانًا يعلّون بمثل هذا، وتجدهم أحيانًا يعلّون زيادة في صحيح مسلم؛ لأن البخاري تركها عمدًا، ومسلمًا أشار إلى بعض الأحرف وقال: عمدًا تركته، ويعلّون بمثل هذا، لكن الحديث الذي معنا الرجل اغتسل، لا شك أنه اغتسل، لكن هل اغتساله من تلقاء نفسه، أو من أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
هذا محل التفاوت في الروايات، وعلى كل حال الرواية بالأمر بالاغتسال صحيحة ثابتة، وكون الأمر لم يُذكَر في الصحيحين، كونه لم يُذكر لا يعني أنه لم يُوجَد، فعدم الذكر ليس بذكر للعدم، فعدم الذكر ليس بذكر للعدم، وكثير من الأمور تطوى؛ للعلم بها، كثير من الأمور يطويها الرواة؛ للعلم بها، وضربنا أمثلة فيما تقدم في رد السلام مثلاً يسلِّم ثم لا يُنقَل رد السلام، أو يرد بغير لفظه، فاطمة -رضي الله تعالى عنها- سلَّمت على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: «مرحبًا بابنتي»، وأم هانئ سلمت على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: «مرحبًا بأم هانئ»، هل يعني هذا أنه ما رد السلام؟
{وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [سورة النساء:86]، يعني في أقل الأحوال أن ترد، وما نُقِل الرد، هل نقول: إنه لم يحصل؛ لأنه لم يُنقَل، أو نقول: وُجِد، لكنه لم ينقل اكتفاءً بالأدلة الأخرى، فعدم الذكر ليس ذكرًا للعدم، وعلى هذا يثبت الأمر بالاغتسال، فكل من أسلم يؤمر بالاغتسال، وأن يُلقِيَ عنه شعر الكفر، وأن يختتن ويدخل في الإسلام نظيفًا ظاهرًا وباطنًا، فعلى من دخل في الإسلام أن يغتسل، منهم من يقول: لا يغتسل، هو طاهر، وليس عليه ما يقتضي الغسل، وعلى الخلاف بينهم في جسد الكافر هل هو طاهر أو نجس {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [سورة التوبة:28]؟ فهل هذه النجاسة حسية أو معنوية؟ ربط ثمامة بالمسجد، ثمامة ربط في المسجد، ولو كان نجس العين ما ربط فيه، فدل على أنه طاهر، والنجاسة نجاسة الشرك معنوية وليست حسية، وإذا كان طاهرًا، فهل هناك ما يقتضي أن يغتسل؟
ليس فيه ما يقتضي، لاسيما وأن الأمر لم يحفظ في الصحيحين، هذا قول من يقول: لا يجب الغسل، والذي يقول: يجب الغسل بالنسبة لمن دخل في الإسلام لمن أسلم دليله حديث الباب، منهم من يفصل، منهم من يفصل قال: إن تلبس بما يوجِب الغسل قبل إسلامه فعليه أن يغتسل، وإن لم يتلبس به كان أجنب في حال كفره، فإن عليه أن يغتسل، وإن لم يكن فلا، وهل يختلف الحكم فيما إذا أجنب حال كفره واغتسل أو لم يغتسل؟ يختلف أم ما يختلف؟ يعني هل نقول: إن غسله حال كفره يرفع حدثه؟
إذًا لا يختلف، إذًا لا يختلف، لا فرق بين كونه اغتسل أو لم يغتسل نقول: ما عليه من الشرك والكفر والنجاسة المعنوية أعظم من هذا الحدث على القول بالتفصيل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يسأل أحدًا ممن دخل في الإسلام هل أجنبت أو لم تجنب؟ ما حفظ عنه شيء من هذا، والتوبة التي تجب وتهدم الشرك تهدم ما كان معه من الأمور كالجنابة ونحوها، وعلى كل حال الأمر متجه، فعلى كل من أسلم أن يغتسل.
"وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم»، متفق عليه، " «غسل» يعني الاغتسال «في يوم الجمعة واجب على كل محتلم» ظاهر الحديث أن الغسل لليوم أو للصلاة؟ لليوم، ظاهر الحديث أن الغسل لليوم؛ لأنه يقول: «غسل يوم الجمعة»، واليوم ظرف من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا اغتسل قبل صلاة الفجر صح أنه اغتسل في يوم الجمعة، وإذا اغتسل قبيل غروب الشمس صح أنه اغتسل يوم الجمعة، وامتثل الأمر، هذا ظاهر اللفظ، لكن هل لليوم وصف زائد على بقية الأيام باعتبار يوم، إذا لم نعتبر الصلاة صلاة الجمعة يعني له وصف زائد قدر زائد على غيره من الأيام؟ له أم لا؟ إذا لم نعتبر الصلاة.
طالب: .............
يعني الغسل للساعة، ولذا المرجح عند أهل العلم أن الغسل للصلاة للصلاة، فإذا قلنا: إن الغسل للصلاة فهل يصح الغسل في آخر النهار؟ لا، هل يصح قبل صلاة الفجر؟ لا، طيب شخص صلى الفجر، وجاء بعد الصلاة قال: أتجهز، وهذا يصلح في الشتاء، أتجهز وأغتسل وأتنظف وأنام، فإذا قربت الصلاة خرجت، هل نقول: إن هذا اغتسل للجمعة؟ لا، لا بد أن يكون غسله للجمعة يعني هذا الغسل تؤدى به صلاة الجمعة، لكن يرد عليه ماذا يرد عليه؟ ماذا يرد على هذا الفهم؟
يرد عليه أنه لو اغتسل وخرج إلى الجمعة ثم أحدث هل يغتسل ثانية أم يكتفي بالوضوء؟ كيف يكتفي بالوضوء؟ لأن حدثه هذا مثل ما لو نام قبل الصلاة، ما الفرق؟ واضح أم ليس بواضح؟ أولاً غسل الجمعة لا عن حدث، ليس عن حدث، وإنما هو لأمر محسوس وهو التنظف والتجمل لهذا اليوم ولهذا الاجتماع العظيم، فهل يؤثر فيه الحدث؟ وإذا لم يؤثر فيه الحدث نعس مثلاً وخرج منه شيء، هل يؤثر فيه النوم فيما لو نام قبل الحضور إلى الصلاة؟ نقول: إنه اغتسل وتنظف وتطيب وتجهز للصلاة ثم نام، ما يؤثر إلا إذا طرأ عليه ما يقتضي التنظيف، لو افترضنا أنه في الصيف مثلاً، اغتسل وتجهز ونام في مكان حار، استغرق في نومه ساعات، واحتاج إلى الغسل نقول: الغسل الأول ما ينفع صح أم لا؟
لأن هذه أمور محسوسة معقولة المعاني، حتى علّق بعض أهل العلم الغسل بوجود ما يقتضيه من انبعاث روائح أو شخص صاحب عمل فيه يزاول فيه الروائح الكريهة، أو هو بطبعه تنبعث منه روائح، المقصود أن من أهل العلم من علق الغسل بمثل هذا، فالعلة معقولة وليست تعبدية، « غسل يوم الجمعة واجب».
وهنا إشكال، عامة أهل العلم على أن غسل الجمعة إيش؟ مستحب، وليس بواجب، غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، يعني هذا الحديث خفي عليهم؟ خفي على الأئمة الذين قالوا: إن غسل الجمعة مستحب، ولم يقولوا بوجوبه؟ ما خفي عليهم، لم يخفَ عليهم هذا الحديث، لكن الوجوب عند أهل العلم له حقيقة، وهو ما أُمر به على سبيل اللزوم ويأثم تاركه ويثاب فاعله امتثالاً، هذه حقيقته العرفية الاصطلاحية عند أهل العلم، فماذا عن حقيقة الوجوب الاصطلاحية؟ لأن عندنا حقائق لغوية الواجب في اللغة الساقط {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [سورة الحـج:36] يعني سقطت، وجبت الشمس يعني سقط قرصها، سمعنا وجبة يعني سقطة، هذه هي الحقيقة اللغوية، والحقيقة العرفية الاصطلاحية عند أهل العلم ما أمر به على سبيل اللزوم وأثيب فاعله امتثالاً، وعوقب تاركه، هذه حقيقة، فماذا عن حقيقته الشرعية؟ وهل يصلح أن نقول تعريف الواجب لغة الساقط، وشرعًا ما أثيب فاعله وعوقب تاركه؟ لأنهم أحيانًا يقولون: لغة وشرعًا، وأحيانًا يقولون: لغة واصطلاحًا، ما يقولون هذا؟
هذا فيما تتفق فيه الحقيقة العرفية والشرعية يجوز أن تقول هذا وهذا، لكن إذا اختلفت تكون الحقائق ثلاثًا، طيب المكروه في النصوص «إن الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال»، وأيضًا {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} [سورة الإسراء:38] وهذه فيها محرمات عظائم كبائر، فهل الكراهة الاصطلاحية هي الكراهة الشرعية؟ لا، وقل مثل هذا في الوجوب الاصطلاحي مع الوجوب الشرعي، يعني إذا اختلفت الحقائق هل يلام من قال: إن غسل الجمعة ليس بواجب مع اختلاف الحقائق، يعني لو أن شخصًا قال: أنا عمري كله ما رأيت جملًا أصفر والله منذ ولدت ما رأيت جملًا أصفر والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [سورة المرسلات:33] نقول: هذا مكذب لله صح أم لا؟ هذا يقصد أي حقيقة هو؟
إذا كان يقصد الحقيقة العرفية ما فيه جمل أصفر الأصفر الذي لونه مثل إيش؟ فيه كارت هنا أصفر؟ لا، هذا برتقالي هذا الكيس هذا أصفر، فيه جمل بهذا اللون؟ هل نقول: إن الشخص الذي قال: ما رأيت منذ ولدت شخصًا عمره مائة سنة، وصاحب إبل ويقول: أنا منذ ولدت ما رأيت جملًا أصفر ويريد الأصفر الذي مثل هذا، نقول: أنت مكذب لله؟ لا، ليس بمكذب لله، وهنا إذا قال أهل العلم: إن غسل الجمعة ليس بواجب هل نقول: إنهم محادون لرسول الله؟ لا، فالحقيقة الشرعية تختلف هنا عن الحقيقة العرفية الاصطلاحية، ويراد حينئذ بالواجب في النص المتأكد المتأكد، يعني كما تقول لصاحبك: إن حقك واجب علي، وإكرامك فرض، يعني متأكد أم لا يأثم بتركه؟
«غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» يعني حديث فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان فرض، الحنفية يقولون زكاة الفطر ليست بفرض، والصحابي يقول: فرض، هي معاندة أم ليست معاندة؟
الجمهور في حديث أول ما فرضت الصلاة ركعتين يقولون: القصر ليس بواجب، فإذا اختلفت الحقائق فلا لوم، على أنه كلما قربت الاصطلاحات من الألفاظ الشرعية كان أولى، كلما قربت الاصطلاحات والحقائق العرفية من الاصطلاحات الشرعية كان أولى، ولذا يقول بعضهم: أهل الحديث يسمون رواية الاثنين عزيزًا، رواية الاثنين عزيز، بعضهم يقول: رواية الثلاثة هي العزيز؛ لقوله- جل وعلا-: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [سورة يــس:14] ينبغي أن تكون رواية الاثنين تسمى ينبغي أن تسمى بالمؤزر {وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي} [سورة طـه:29] يعني اضممه إليَّ هذا الكلام صحيح أم ليس بصحيح؟ لتقرب من النصوص، لكن ما معنى التعزيز؟ التعزيز التقوية {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [سورة يــس:14] يعني قوينا بثالث وأيضًاا إذا كانوا ثلاثة يحتاجون أن يقووا، يعززون برابع، يعززون بعاشر، فالمراد بالتعزيز التقوية، والتقوية تحصل بثانٍ، فالاصطلاح صحيح، ما فيه إشكال، وليس بوارد، أو الآية واردة على هذا الاصطلاح.
المقصود أن هذه أمور نحتاج إليها كثيرًا؛ لأن من المتعلمين، بل من المعلمين من يقع في أهل العلم؛ بسبب هذه المخالفات، واجب على كل محتلم، واجب على كل محتلم، يعني بالغ، وتخصيص البلوغ بالاحتلام لماذا؟ لأنه غالبا ما يكون به، غالبًا ما يكون به بالنسبة للذكر، وبالنسبة للمرأة بالحيض، ولذا جاء في الحديث «لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار»، والرجل كل محتلم، ولا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، فالرجل غالبًا ما يكون البلوغ عنده بالاحتلام، والمرأة بالحيض والمراد على كل حال المكلف،فإذا كلف الرجل يتأكد في حقه غسل الجمعة، وإذا كلفت المرأة لا تقبل صلاتها بغير خمار.
الخلاصة أن عامة أهل العلم على أن غسل الجمعة مندوب، سنة مؤكدة، ومنهم من قال بوجوبه وتأثيم تاركه، ومنهم من فصَّل فقال: يتأكد عند الحاجة، وإلا فلا، بل يجب عند الحاجة، ولا يجب بغيرها.
إذا اجتمع الغسل الواجب، أولاً معنى الوجوب عند من يقول به، عند من يقول به أنه يأثم بتركه، لكن الصلاة تصح أم ما تصح؟ نعم، الوجوب غير الاشتراط، «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ» هذا اشتراط، وهنا الوجوب عند من يقول به أنه يأثم وصلاته صحيحة، ونظير ذلك في شروط الصلاة ستر العورة شرط لصحة الصلاة، لكن ستر المنكب واجب «لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء»، واجب، فلو صلى وقد حسر عن عاتقه صلاته صحيحة، لكن يأثم، ولو صلى الجمعة من غير اغتسال فصلاته صحيحة، لكن يأثم عند من يقول بوجوبه، إذا اجتمع غسل جنابة مثلاً مع غسل الجمعة إن نواهما معًا ارتفع الحدث، وأصاب السنة، إن نوى الجنابة فقط ارتفع الحدث ودخلت الصغرى بالكبرى؛ لأن هذه وإن كانت طهارة، لكنها صغرى بالنسبة لغسل الجنابة، يدخل الأدنى في الأعلى إذا اجتمع عبادتان من جنس ليست إحداهما مقضية، والأخرى مؤداة، دخلت الصغرى في الكبرى، إذا نوى غسل الجمعة ولم ينوِ رفع الحدث يرتفع أم ما يرتفع؟
لا يرتفع؛ لأن الأعمال بالنيات، وهو لم ينوِ رفع الحدث، فلا يرتفع حدثه، على أن بعض أهل العلم أن من نوى غسلاً مسنونًا أجزأ عن واجب؛ لأن الصورة وجدت، لكن يرد عليه حديث عمر الحديث متفق عليه.
والحديث الذي يليه "عن الحسن عن سمرة، وعن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل»، رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن، وروى بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث مرسلًا" يعني دون ذكر لسمرة، أولاً الحسن -رحمه الله تعالى- معروف بالتدليس الشديد، وقد عنعن عن الحسن عن سمرة، ومثل تدليس الحسن لا يُقبَل إلا بالتصريح بالتحديث، مع أنه صرح بالتحديث، وتوقف بعض العلماء في حمله على السماع، صرح بالتحديث وتوقف بعضهم قال الحسن: حدثنا أبو هريرة، ومع ذلك لم يثبتوا سماعه من أبي هريرة؛ لأنه حدث أهل المدينة وهو فيها.
وعلى كل حال إذا عنعن فإنه لا يقبل، وسماعه من سمرة مختلف فيه، فمن أهل العلم من ينفيه مطلقًا، ومنهم من يثبته، ومنهم من يثبت سماع الحسن من سمرة لحديث العقيقة، لحديث العقيقة، ففي صحيح البخاري عن حبيب بن الشهيد قال: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن ممن سمع حديث العقيقة، فقال: من سمرة، هذا في البخاري، فأثبت أهل العلم سماعه لحديث العقيقة، ومنهم من يقول: مادام ثبت السماع فهو الأصل فهو الأصل، والسماع يثبت للراوي بواحد، والأصل أن الراوي ثقة، فإذا ثبت سماعه لحديث واحد طرد ذلك، يعني الذين يشترطون ثبوت السماع، الذين يشترطون ثبوت السماع هل يشترطون ثبوته في كل حديث؟ أو يكفيه أنه ثبت بحديث واحد؟ ولو بحديث واحد، فثبت أن الحسن سمع حديث العقيقة من سمرة، فبعضهم طرد فقال: سمع الحسن من سمرة، ومنهم من يقول: لم يسمع، وهو معروف بالتدليس الشديد، ولا يمنع أن يقصد معنى غير ظاهر من قوله: من سمرة، كما قال: حدثنا أبو هريرة، والجمهور على أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، فأثبتوا حديث العقيقة بما في صحيح البخاري، ومع عدا ذلك يبقى على عدم السماع، ولاسيما إذا دلس، إذا عنعن، وهو قد عنعن، فالحديث على هذا يحكم عليه بالاتصال أو بالانقطاع؟
منقطع، منقطع، لكن له شواهد كثيرة، الحديث له شواهد كثيرة، وكلها لا تسلم من مقال، وأقواها ما أخرجه البيهقي من طريق أسباط بن نصر عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس، فحديث ابن عباس شاهد لحديث سمرة، وإسناد حديث البيهقي لا بأس به، وعلى هذا يكون الحديث أو يكون الحديثان أو يكون حديث سمرة مع ما يشهد له من حديث ابن عباس وغيره يكون حسنًا، يعني يحتج به.
قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل» عثمان -رضي الله عنه- وهو الخليفة الراشد دخل وعمر يخطب على المنبر، فكأن عمر -رضي الله تعالى عنه- عتب على عثمان لتأخره إلى أن دخل الإمام، فاعتذر عثمان بأنه ما إن توضأ وحضر، يعني لم يفعل غير الوضوء، لم يفعل غير الوضوء ثم حضر ثم قال عمر- رضي الله تعالى عنه-: والوضوء أيضًا؟! يعني ما اغتسلت؟! فهل في هذا دليل على الوجوب أو على عدم الوجوب؟! لأنه حصل من عثمان، وهو خليفة راشد أمرنا بالاقتداء به بحضرة عمر -رضي الله تعالى عنه- وبحضرة جميع الصحابة، أو جمع غفير من الصحابة، الذين يقولون بالوجوب يستدلون بهذا، والذين يقولون بعدم الوجوب يستدلون بهذا، وجه الدلالة على الوجوب إنكار عمر، إنكار عمر بمحضر من الصحابة، ومثل هذا فيه شيء من التوبيخ والتعزير، والتعزير لا يكون إلا على ترك واجب، ومنهم من يقول: يدل على عدم الوجوب؛ لأنه لم يقل له: ارجع فاغتسل، ولو كان واجبًا يأثم بتركه لأمره بذلك.
وعلى كل حال كونه توبيخًا وتعزيرًا في حق مثل عثمان -رضي الله تعالى عنه- مع جلالته وقدره لا يعني أن كل من دخل، يعني يمكن دخل بعد عثمان أناس، فهل قال لهم عمر مثل ما قال لعثمان؟ لا، اللوم على عثمان أكثر من غيره من باب ما يقوله أهل العلم: حسنات الأبرار سيئات المقربين، فلا يدل هذا على الوجوب، فهذا لا يدل على الوجوب، يقول: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت» يعني بالسنة أخذ، ونعمت السنة، فبها يعني بالسنة أخذ من توضأ، ونعمت السنة، «ومن اغتسل فالغسل أفضل، فالغسل أفضل» وهذا يدل على عدم وجوب الغسل يوم الجمعة؛ لأن كونه أفضل لا يعني أنه واجب، لا يعني أنه واجب.
"رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن، وروى بعضهم" الآن الترمذي يشترط في الحسن عدم الانقطاع؟ يشترط عدم الانقطاع في الحسن.
وقال الترمذي ما سلم |
| من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم |
بكذب ولم يكن فردًا ورد |
| قلت وقد حسن بعض ما انفرد |
لا يشترط في الحسن الاتصال، لا يشترط الاتصال في الحسن وإلا فالحديث حتى عند الترمذي منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من سمرة إلا أن يقال: إنه حسنه بشواهده، ولذا الترمذي كثيرًا ما يصحح ما ظاهره الضعف، ويحسن كثيرًا ما ظاهره الضعف، لكنه ينظر إلى الشواهد ويوردها في آخر كل باب يقول: وفي الباب عن فلان وفلان وفلان، فهو يصحح بالمجموع، كما أنه يحسن بالمجموع.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من أربع، كان يغتسل من أربع" يعني من أربع خصال "من الجنابة، ويوم الجمعة، ومن الحجامة، ومن غسل الميت، رواه أبو داود وهذا لفظه، والدارقطني وابن خزيمة والحاكم وإسناده على شرط مسلم، وإسناده على شرط مسلم، ورواه الإمام أحمد ولفظه قال: يغتسل من أربع، وقال البيهقي: رواة هذا الحديث كلهم ثقات، وتركه مسلم فلم يخرجه، ولا أراه تركه إلا لطعن الحفاظ فيه، وقال الإمام أحمد في رواية مصعب بن شيبة" راوي الحديث مصعب بن شيبة "روى أحاديث مناكير" ومصعب هذا من رواة مسلم، مصعب هذا من رواة مسلم، لكنه مع ذلك ترك هذا الحديث مسلم؛ لطعن بعض الحفاظ فيه، حتى أنه حُكم عليه بأنه منكر، بل قال أبو زرعة: لا يصح، رواه مصعب وشيبة وليس بقوي، يعني كون الإمام مسلم يخرج لمصعب هل يعني هذا أن جميع أحاديثه محفوظة، أو أن مسلمًا ينتقي من أحاديث الراوي المتكلَّم فيه ينتقي، ولذا تخريج الصحيحين لبعض الرواة المتكلم فيهم لا يعني اطراد التوثيق؛ لأنه ينتقي من أحاديث الراوي مما ضبطه وأتقنه ووفق عليه، ولذا لم يخرج مسلم هذا الحديث مع أن مصعب من رواته، ولذا اغتر الحاكم وقال: إسناده على شرط مسلم بمعنى أن الرواة الذين خرج هذا الحديث من طريقهم احتج بهم الإمام مسلم يغتسل من أربع..
طالب: .............
كيف؟ أين؟
طالب: .............
لا ما تجيء، ما تجيء؛ لأنه ماذا تفعل البخاري يقول وتركه مسلم..
طالب: .............
طيب وبعده يعني من تمام كلام البيهقي كله.
طالب: .............
لا، خطأ ما يمكن؛ لأنه هذا تبع تركه مسلم هذا من كلام البيهقي، على كل حال الحديث ضعيف، ونأتي إلى جمله ومنها ما له شاهد، ومنها ما لا شاهد له، أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يغتسل من أربع، يعني من أربع خصال أو من أربعة أمور، من أربع: من الجنابة كان يغتسل من الجنابة، وهذا استفاضت به الأحاديث، وهو محل إجماع بين أهل العلم، ويوم الجمعة أيضًا، كان يغتسل من يوم الجمعة، وحث على الغسل يوم الجمعة، وفيه من الأقوال لأهل العلم والنصوص ما تقدم، ومن الحجامة، ومن الحجامة يغتسل من الحجامة هذا لم يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يغتسل من الحجامة، ولا من غسل الميت، ولا من غسل الميت.
المقصود أن الجملة الأولى متفق عليها، والثانية لا إشكال في كونه يغتسل وحث على ذلك؛ لكنه لا على سبيل الوجوب، ومن الحجامة، الحجامة لم يقل أحد من أهل العلم بوجوب الاغتسال منها، ولا من غسل الميت، الصيغة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل كذا، هذا يدل على الاستمرار، كان يفعل هذا الأصل فيها، تدل على الاستمرار، لكن ليس بمطرد ليس بمطرد، فقد جاءت هذه الصيغة فيما لم يفعل إلا مرة واحدة مثلاً، أو فيما ينقل، وينقل غيره كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في سورة الجمعة في صلاة الجمعة بسبح والغاشية، وكان -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالجمعة والمنافقون، فهذا لا شك أنه يدل على أنه كان يفعل ذلك أحيانًا، وأحيانًا يفعل هذا، فهذه الصيغة لا تدل على الاستمرار المطلق، وإن كانت ظاهرة فيه، هنا يقول ابن عبد البر في الاستذكار: وأما حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن عبد الله بن الزبير عن عائشة وذكره فمما لا يحتج به، فمما لا يحتج به، ثم ذكر حديث عائشة- رضي الله عنها- أنها سئلت: أيغتسل من غسل الميت؟ أيُغتسل من غسل الميت؟ قالت: لا، قال ابن عبد البر: فدل يعني هذا الأثر حديث عائشة على بطلان حديث مصعب بن شيبة؛ لأنه لو صح عنها ما خالفته، لو صح عنها ما خالفته، ومن جهة النظر والاعتبار لا تجب طهارة على من لم يوجبها الله عليه في كتابه، ولا أوجبها رسوله -صلى الله عليه وسلم- من وجه يشهد به عليه ولا اتفق العلماء على إيجابها.
وعلى كل حال فالحديث ضعيف، يستدل بمثل هذا على تضعيف بعض الأحاديث مثلاً ما ذكر عن عائشة أنها كانت تقصر الصلاة وتتم، أو كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقصر وتتم، الحديث روي على أوجه، روي على أوجه؛ منها أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر ويتم، مع أن الإتمام لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- في السفر وقالوا: المرجح أنه كان يقصر وتتم يعني عائشة، ثم استدرك مثل هذا أنه لا يليق بعائشة وهي معه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقصر وتتم وهي معه في الوقت نفسه إلا أنها أتمت فيما بعد، ثبت عنها أنها أتمت، وأنها تأولت كما تأول عثمان، فبمثل هذه الأمور يعني يربأ بعائشة وهي الصحابية الحافظة الفقيهة الجليلة أنها تتم معه -عليه الصلاة والسلام- وهو يقصر، ويبعد كل البعد أن تروي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يغتسل من تغسيل الميت وتسأل عن ذلك فتقول: لا، لا يجب الغسل، يبعد هذا، فبمثل هذا يضعف مثل هذا الخبر.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"