شرح كتاب الأربعين النووية (11) - من حديث رقم 13 إلى حديث رقم 16
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الأربعين النووية (11)
شرح حديث رقم: (13- 14- 15- 16)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
الحديث الثالث عشر: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))
الحمد لله، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، أما بعد:
عن أبي حمزة أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري ومسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث عشر:
"عن أبي حمزة" هذه كنية أنس بن مالك، خادم النبي -عليه الصلاة والسلام-. قدم النبي -عليه الصلاة والسلام- المدينة، وكان عمر أنس في ذلك الوقت عشر سنين، جاءت به أمه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالت: "إن ابني هذا يريد أن يخدمك". فخدم النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- عشر سنين إلى وفاته -عليه الصلاة والسلام-، وكان سِنُّه عند وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- عشرين سنة، يعني عشر وعشر، استفاد من قربه من النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يستفده غيره، وإن لم يحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- مثل ما حفظ عن أبي هريرة.
على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم والله المعطي، ومع ذلك دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرة المال والولد والبركة، فبورك له في ذلك كله، فطال عمره إلى سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، ومات عن مائة وثلاث سنين، مناقبه وفضائله لا تكاد تحصى. على كل حال هو خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- له هذه المزية، وهذه المنقبة يشاركه بعض الصحابة في شيء من الخدمة، لكنه متفرغ لخدمة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) رواه البخاري ومسلم" .
((لا يؤمن)) الأصل في النفي نفيُ حقيقة الشيء، لكن النفي هنا لا ينفي حقيقة الإيمان، ولا أصل الإيمان، إنما ينفي كمال الإيمان الواجب، -كما يقول أهل العلم-، بدليل أن من لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه أنه لا يخرج بذلك عن دائرة الإيمان بل هو مؤمن، ولا يخرج بذلك عن دائرة الإسلام بل هو مسلم، لكنه ارتكب هذا الإثم، وهذا الذنب ونقص من إيمانه بقدر ذلك، فالمنفي هو كمال الإيمان.
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب)) لا يَكمُل الإيمان حتى يصل إلى هذه الغاية مع غايات أخرى جاء فيها نفي كمال الإيمان، حتى يصل إليها، مثل ما جاء في الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه)), والحديث: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)). فالأحاديث في هذا كثيرة وهذا دليل على أن هذه الأمور من فروع الإيمان، ومن شعب الإيمان، لا تؤثر في أصل الإيمان وارتفاع أصل الإيمان، وإنما تؤثر في كماله وتخدش في تمامه.
((حتى يحب لأخيه)) لأخيه المسلم, قال الله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات]. ومن أهل العلم من يرى أن هذا اللفظ يتناول جميع الناس، المسلم وغير المسلم؛ لأنه مفرد مضاف فيعم. نعم هو يعم جميع الإخوة، لكن من أهل العلم من يرى أنه يعم جميع الجنس، فيحب للكافر أن يسلم. ولا شك أن هذا مطلوب، هذه وظيفة الرسل، ووظيفة أتباعهم، الدعوة إلى الإسلام لإنقاذ البشرية من الضلال إلى الهدى، من النار إلى الجنة هذا مطلوب. لكن هل يدخل في هذا الحديث أو يدل عليه نصوص أخرى أو كونه مطلوبا كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من)) ؟
فمطلوب أن تسعى لإنقاذ غير المسلمين من الكفر؛ لتكسب الأجور العظيمة، وهم أيضاً تكون رحمة لهم، كما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- رحمة للعالمين، فهذا مطلوب. ومطلوب أيضاً إنقاذ المسلم من المخالفات التي تعرضه للعقوبة في الدنيا والآخرة، تحب لأخيك المسلم، تحب لأخيك في النسب، تحب لأخيك فيما هو أعم من ذلك، وإن كان الحصر في قوله -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات] يدل على أن غير المسلم ليس بأخ لك ولو كان ابناً لأمك وأبيك.
((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) يحب لأخيه ما يحب لنفسه من أمور الدين والدنيا. ألا يقتضي طلب المنافسة والمسابقة والمسارعة أن تحب لنفسك أكثر مما تحب لأخيك؟ لأنك إذا أحببت لأخيك نظير ما تحبه لنفسك أين المنافسة؟ أين المسابقة؟ مسابقة مفاعلة من طرفين، كل واحد يحرص على أن يسبق الآخر، ومقتضى ذلك أن تحرص على أن تسبق أخاك, كما قال -تعالى-: {وَسَارِعُواْ} [(133) سورة آل عمران], وقال -تعالى-: {سَابِقُوا} [(21) سورة الحديد]. فأنت من خلال هذه الأوامر بالمسارعة والمسابقة مطلوب منك أن تسبق أخاك، وأن تسرع إلى الخير قبل أخيك، هذا مقتضى المسارعة والمسابقة. ومن لازم ذلك أن تحرص على أن تسبقه وأن تصل إلى الخير قبله، هل فيه ما يضاد هذا الحديث أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه؟ يعني مقتضى المسابقة ومقتضى المسارعة أن تسبقه بالخير، وتحرص على سبقه، ومِن لازمِ ذلك أن يكون دونك في هذه المسابقة، ومقتضى المسارعة أن تصل إلى الخير قبله، ومن لازم ذلك أن يتأخر عنك، فأنت مأمور بتحقيق هذه الأوامر، ومن لازمها أن تتقدم عليه، وأن يتأخر عنك، فهل في هذا ما يعارض ما يدل عليه الحديث؟
لا، نافس أبا بكر نعم، نافس أبا بكر فجاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصف ماله، هذه منافسة ومسابقة ومسارعة في الخير. وما يلزم منها المشاحنة، ولا حسد، ولا شيء، هي مسألة حث على المبادرة إلى الخيرات، والمسارعة والمنافسة والمسابقة تكون بين طرفين فأكثر، ووجد شيء من هذا في الواقع العملي لبعض السلف، يتنافسون في صيام الهواجر، في قيام الليل، في التلاوة، وفي غيرها من أجل أن تشحذ الهمم؛ لئلا يسبق إلى الخيرات.
على كل حال الحديث محكم، وإن كان أيضاً ثقيل على كثير من النفوس، يعني كثير من النفوس مثل هذا الأمر في غاية الصعوبة الحقيقة، تحب لأخيك ما تحب لنفسك، هذا ثقيل على كثير من النفوس لا سيما التي فيها شيء من الدخل والتخليط، أما النفوس والقلوب السليمة فإن هذا أمر يسير عليها، يعني لا يضيرك، بل تفرح بما يحصل لأخيك المسلم مما تفرح به لنفسك. وبعض القلوب التي فيها دخل، وفيها دخن، وفيها دغل هذه يسوءها ما يسر غيره من الناس، ولا شك أن هذا ضرب من الحسد المذموم الذي جاءت النصوص بذمه.
((حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) طالب العلم يعني في الدراسات المعروفة التي فيها الترتيب على حسب المكتسب من العلم، الذي ترتيبه الأول هل يتمنى لجميع زملائه ويحب لجميع زملائه أن يكون كل واحد منهم الأول؟
نعم إذا كان طلبه للعلم لله، ولا يرجو من وراء ذلك أمرا دنيويا، قد يتمنى هذا، إذا كان قلبه سليماً، وطلبه للعلم خالصا لله فيتمنى ذلك؛ لأن هذا مما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وهذا مقصد عنده. لكن إذا كانت المنافسة من أجل الدنيا، تمنى أن يكون الأول على دفعته من أجل أن يحقق من أغراض الدنيا قبل الثاني وقبل الثالث، إذا كانت المسألة دنيوية فيتصور مثل هذا. وقد يغفل الإنسان، وقد لا يكون له هدف لا دنيا ولا آخرة، ويحب أن يكون الأول ويتقدم على غيره بناءً على ما جبل عليه الإنسان من حب للشرف، لكن على المسلم لا سيما طالب العلم ألا يغفل عن هذه الحديث؛ لأنه لو غفل عنه وقع في المخالفة شعر أو لم يشعر.
ولا شك أن هذه منزلة عالية، كون الإنسان يصل على هذا الحد، وأن الخير يصل إليه، أو يصل إلى غيره من المسلمين على حد سواء، هذه مرتبة عليا، صعبة على كثير من الناس، ولا تتحملها كثير من النفوس، لكن مع ذلك إذا ربى الإنسان قلبه على التوجيهات الإلهية والتربية النبوية لا شك أنه لا يهتم بمثل هذا، بل يفرح بما يحصل لأخيه من الخير كما يفرح به لنفسه، ويسوؤه ما يحصل لأخيه من السوء ما يسوؤه إذا حصل له بنفسه.
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (ما) من صيغ العموم، كل ما يحبه لنفسه يحبه لأخيه.
الأصل في المسلم المؤمن الذي يفهم من قوله: ((لا يؤمن)) أنه لا يحب إلا الخير، ويكره الشر. لكن قد يوجد عند بعض المسلمين من المخالفات التي وصل به الأمر إلى أن يحبها، يحب بعض المحرمات، فهل مثل هذا يدخل في الحديث ((ما يحب لنفسه)) يحب هذا المحرم؟ يحب شرب الخمر مثلاً فهل نقول: إنه لا يؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من هذا المحرم؟ لا؛ لأن الأصل في المسلم والمؤمن الذي يفهم من ((لا يؤمن)) أنه لا يحب إلا ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وعليه أن يبغض ما يبعده من الله -جل وعلا-. فهو وإن أحب بعض المحرمات وبعض المنكرات، وبعض المظاهر المخالفة للشرع، فإن هذه المحبة ليست شرعية، فلا تدخل في الحديث، هناك بعض الأمور المباحة، يحبها بعض الناس، ويغرم بها، كمحبة بعض متع الدنيا، هذا مفتون بالإبل، وهذا مفتون بالغنم، وهذا مفتون بالبقر، وهذا بالسيارات، وهذا بكذا، هل مما يدخل في هذا الحديث أنك إذا كنت تحب السيارات الفاخرة أن تحب لجميع المسلمين أن يركبوها، أو يلبسوا أفخر الثياب، أو يأكلوا أطيب المطاعم؟ أو أنت تحب الإبل تتمنى لجميع المسلمين مثل ما تحبه لنفسك من أن يكون عندهم إبل؟ المقصود أن تحب له ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، وتكره له كل ما يسوؤه، كل ما يسوؤه تكرهه له.
الحديث الرابع عشر: "حرمة دم المسلم وأسباب إهداره".
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري ومسلم.
نعم هذا الحديث يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) ويقول في الحديث الآخر: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم)). المسلم معصوم الدم، إذا دخل في الإسلام بالنطق بالشهادتين صار معصوم الدم والمال، لا يجوز أن يُعتدى عليه لا على دمه ولا على ماله ولا على عِرضه، فهو معصوم الدم والمال والعرض إلا بحقها, ومن حقها ما ذكر في هذا الحديث. ((لا يحل)) لا يباح دم المسلم. ((دم امرئ)) ومثله المرأة؛ لأنها تدخل في خطاب الرجال، قد يقول قائل: لا يحل دم امرئ ذكر، لكن ماذا عن المرأة؟ ما قال: لا يحل دم امرأة، المرأة تدخل في خطاب الرجال، فهي مثله لا يحل دمها إلا بإحدى هذه الثلاث، يعني خصال.
أولاها: الثيب الزاني، الثيب الزاني حكمه الرجم، والمراد بالثيب من وطئ في نكاح صحيح، ولو لم يطأ إلا مرة واحدة، بخلاف من وطئ بنكاح باطل، فإن هذا بكر ولو تكرر منه ذلك، لا بد من الوطء، وأن يكون في نكاح صحيح؛ ليكون ثيباً رجلاً كان أو امرأة. قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((الثيب بالثيب جلد مائة والرجم)), وقال: ((والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة)) أنها الآية المنسوخة في القرآن، وحديث عبادة في الصحيح: ((خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)). فالرجم ثابت في الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فإذا زنا الثيب الذي وطئ في نكاح صحيح سواءً كان امرأة أو رجلاً، فإن حده الرجم، يرجم بالحجارة المتوسطة حتى يموت، ولا يقتل بغير الرجم، لا بسيف ولا بمسدس ولا بغيره، ولا بخنق ولا غرق، ولا بإحراق، إنما يرجم بالحجارة متوسطة الحجم التي ليست كبيرة تقتله لأول مرة حتى يذوق العذاب، وليست صغيرة تزيد في عذابه مدة طويلة إلى أن يموت، هي متوسطة.
((الثيب بالثيب)) الثيب الزاني، هذه الخصلة الأولى، الزنا -نسأل الله السلامة والعافية- ومن عظائم الأمور، ومن الفواحش, قال الله -تعالى-: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [(32) سورة الإسراء] فشأنه عظيم. وقد قرن بالقتل والشرك في قول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [(68) سورة الفرقان] فالزنا شأنه عظيم وعقوبته وخيمة في الدنيا والآخرة. فإذا زنى الثيب فإنه يرجم ويباح دمه، لكن ليس لكل أحد أن يتولى دمه ويباح له دمه، وإنما يقيمه من له إقامة الحدود وهو السلطان، أما آحاد الناس فليس لهم ذلك، نعم لهم أن يطالبوا السلطان في إقامة الحد عليه، أما أن يتولوه فلا، الحدود كلها إلى السلطان، ولو تركت لآحاد الناس واجتهادات الناس لصارت المسألة فوضى.
((الثيب الزاني)) وهل يكون في حكمه اللوطي؟ مسألة خلافية بين أهل العلم، فعند الحنابلة حد اللوطي كالزاني، يفرق بين البكر والثيب، ومن أهل العلم وهو قول جمع من الصحابة أنه يقتل مطلقاً، سواءً كان ثيباً أو زانياً، وينقل بعض أهل العلم اتفاق الصحابة على ذلك أنه يقتل حتماً، وإن اختلفوا في كيفية قتله هل يحرق بالنار أو يقتل بالسيف، أو يرجم كالثيب والزاني، أو يلقى من شاهق. المقصود أنهم اختلفت أساليبهم في القتل مع اتفاقهم على أنه يقتل, قال -عليه الصلاة والسلام-: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) ومنهم من يقول: يعزر كأبي حنيفة.
على كل حال الخلاف فيه معروف والمعروف في مذهب الحنابلة أنه حكمه حكم الزاني.
((والنفس بالنفس)) يعني النفس تقتل بقتل النفس، فمن قتل مسلماً متعمداً بما يقتل غالباً فإنه يقاد به. المسلم يقتل بالمسلم، ولا يقتل مسلم بكافر، كما جاء في الحديث الصحيح، والحر لا يقتل بالرقيق كما هو قول جماهير أهل العلم، فالمكافئة هنا مطلوبة. الكافر ليس مكافئاً للمسلم، والعبد ليس مكافئاً للحر، وما عدا ذلك يقتل به. وهل يقتل بقتل أصله أو فرعه؟ يعني إذا قتل ولده يقتل أو لا يقتل؟ جمهور أهل العلم على أنه لا يقتل به؛ لأنه سبب في وجوده فلا يكون الولد سبباً في عدمه. ومن أهل العلم من يرى أنه يدخل في عموم النفس بالنفس، وكون الولد صار سبباً في قتل والده وعدمه ليس هو السبب في الحقيقة إنما السبب الأب الذي ابتدأ بالقتل.
ولا شك أن القصاص هو الذي يضمن الحياة المستقرة والأمن بين الناس، فإذا قتل القاتل انحسمت المادة، وانتهى أثرها، لكن لو ترك القاتل كما هو في القوانين الوضعية، أولياء المقتول لا بد أن يقتلوا القاتل، ثم يعتدي أولياء المقتول الثاني على من قتل قتيلهم، وهكذا, قال الله -تعالى-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] وذلك أن قتل واحد يضمن حياة جماعة من الناس، بينما تركه لا, ولو قيل: "إنهم يحكمون عليهم بالسجن المؤبد" فهذا لا يكفي، بل هو موجود، يأكل ويشرب وإن حبس، وقد تأتي المناسبة تشمله بالعفو فيخرج ليقتله أولياء المقتول، ثم يستشري الشر والقتل. وفي حكمة العرب: "القتل أنفى للقتل"، وأبلغ من ذلك قول الله -جل وعلا-: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [(179) سورة البقرة] هذا أمر يدركه كل عاقل. قد يقول قائل: إن الشخص إذا قتل أخاه مثلاً شقيقه فالقاتل لا شك أنه بالنسبة للأسرة نقص فيها، وبدلاً من أن تكون المصيبة واحدة تكون أكثر من مصيبة، نقول: إن هذا لا يكون إلا بطلبهم، وإذا عفوا عنه فالعفو بابه مفتوح؛ لأنه حينئذٍ لا تترتب عليه المفسدة، إذا حصل العفو، كما يعفى عن الأجنبي، قال الله -تعالى-: {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة]. لأن الإنسان قد يتصور المسألة مجردة فيقول: قد تكون الأسرة مصابة بقتيل واحد، ثم إذا قتل القاتل صارت المصيبة أكثر. نقول: الأمر إليهم، إن طالبوا بدمه قتل، وإن لم يطالبوا وعفوا عنه، ورأووا ترجيح مصلحة بقائه فالأمر إليهم، والشارع الحكيم ما حتم القتل, بل جعل للعفو مجالاً، وجعل البديل وهو الدية.
((والتارك لدينه المفارق للجماعة)) التارك لدينه المرتد، وجاء في الحديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) و(من) عامة تشمل الذكر والأنثى، وتشمل أيضاً عند بعض العلماء غير المسلمين، ممن له دين، فإذا تنصر اليهودي أو تهود النصراني فإنه يقتل؛ لأنه بدل دينه، لا يقبل منه إلا الإسلام أو يقتل، وهذا على القول بأن الكفر ملل. ومن يقول إن الكفر ملة واحدة فإنه لا يدخل في هذا، على أن الحديث في بعض رواياته: ((لا يحل دم امرئ مسلم)) فهو خاص بالمسلمين. فإذا ارتد المسلم عن الإسلام فإنه يقتل، ويحل دمه بهذا النص، وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)). و(من) هذه من صيغ العموم تشمل الذكر والأنثى، عند جمهور أهل العلم، والحنفية لا يرون قتل المرأة إذا ارتدت؛ لعموم آخر وهو النهي عن قتل النساء، والذرية، فعندنا عموم في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من بدل دينه فاقتلوه)) يشمل النساء والرجال على حد سواء، والنهي عن قتل النساء والذرية خاص بالنساء، أما الذرية الذين لم يبلغوا الحلم فإنهم لا يقتلون، حتى لو قَتَلَ لا يُقتل؛ لأن عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ. يبقى المكلف من الرجال والنساء إذا ارتد، الرجل لا خلاف فيه أنه يقتل، والمرأة جمهور أهل العلم على أنها تقتل لعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) والحنفية قالوا: إن هذا العموم مخصوص بالنهي عن قتل النساء، والخاص مقدم على العام عند أهل العلم. لكن ليس هذا من باب العموم والخصوص المطلق، وإنما هو من باب العموم والخصوص الوجهي، فإذا قال الحنفية: النهي عن قتل النساء خاص، وحديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) عام قال غيرهم: العكس، النهي عن قتل النساء في كل مجال، وفي كل مناسبة، و((من بدل دينه)) خاص بالمرتدين، ويشمل المرتدات، فالمرتدة مستثناة من عموم النهي عن قتل النساء.
فعندنا عموم وخصوص وجهي، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ، ما خصص، بينما النهي عن قتل النساء مخصص. إذا قتلت المرأة تقتل أو لا تقتل؟ تقتل، إذا زنت وهي ثيب تقتل أو لا تقتل؟ تقتل. إذاً عموم النهي عن قتل النساء مخصوص بأكثر من مخصص، وعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) محفوظ. ولا شك أن النص العام يضعف بقدر ما يدخله من المخصصات. فعموم ((من بدل دينه فاقتلوه)) أقوى من عموم النهي عن قتل النساء. فالمرجح في مثل هذا مذهب الجمهور على أن النص في النهي عن قتل النساء وارد في القتال في الجهاد، لا تقتل المرأة، ولا يقتل الشيخ الكبير، لو ارتد الشيخ الكبير يقتل أو لا يقتل؟ يقتل، -نسأل الله السلامة والعافية-. وهذا في الجهاد نعم لا تقتل المرأة إلا إذا كان لها أثر في الجهاد، في القتال، والغالب أن النساء لا أثر لهن، فجاء النهي عن قتلهن؛ لأنهن لا يقاتلن، كما أن الشيخ الكبير الفاني لا يقتل، إلا إذا كان له أثر في القتال، فقد قتل دريد بن الصمة وهو شيخ كبير؛ لأن له أثرا في الحرب، فمن كان له أثر في القتال يقتل.
على كل حال المرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وأن المرأة إذا ارتدت فهي كالرجل إذا ارتد: تقتل.
((التارك لدينه، المفارق للجماعة)) المفارق للجماعة، الجماعة في شريعة الإسلام لها أهمية كبرى، فالإسلام دين الاجتماع، ينهى عن الفرقة، وشرع الاجتماع، اجتماع الكلمة تحت لواء واحد، وسلطان واحد، وإمام واحد، شرعت الجُمع والجماعات من أجل الاجتماع. ومنع من إقامة جماعتين في آن واحد؛ لئلا تتفرق الكلمة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام-: ((من جاءكم وأمركم جميعًا، أراد أن يفرق كلمتكم فاقتلوه)) مثل هذا الذي يريد تفريق الكلمة يقتل.
((التارك لدينه، المفارق للجماعة)) فالذي يخرج على الإمام يقاتل، والذي يخلع البيعة من عنقه هذا يقاتل، بعد أن يدعى ويناصح عله وينظر ما لديه من شبهة لتكشف فإن أبى فيقاتل.
الحديث الخامس عشر: "آداب إسلامية"
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) رواه البخاري ومسلم.
الحديث الخامس عشر من هذه الأحاديث الجوامع التي ضمها هذا الكتاب الصغير الحجم، الجليل القدر، العظيم الفائدة يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر))" هذا أسلوب يثير هذه الصفة العظيمة في قلب الإنسان لتتجه نحو ما أمرت به, يعني في هذا الأسلوب استثارة للنفس، واستشعار لهذه الصفة العظيمة وهي الإيمان بالله واليوم الآخر، فالإيمان بالله هو الأصل؛ لأن من لا يؤمن بالله لا يتورع عن شيء؛ لأنه ما بعد الكفر ذنب. والذي يؤمن باليوم الآخر عليه أن يستشعر هذا الإيمان باليوم الآخر، وعليه أن يستعد لهذا اليوم الآخر، الذي فيه النعيم المقيم، أو العذاب السرمدي الأبدي الذي لا ينقطع، وهذا هو السبب في تخصيص الإيمان باليوم الآخر بالذكر دون سائر أركان الإيمان.
((فليقل)) اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب ((خيراً أو ليصمت)) (من) شرطية، كان يؤمن بالله فعل الشرط، وجواب الشرط ما دخلت عليه الفاء.
مفهوم الشرط أن الذي لا يقول خيراً ولا يصمت أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، مع أن مفهوم الشرط فيه ضعف عند أهل العلم, وهذا المفهوم ليس بمرادا، لكنه من تمام الإيمان بالله واليوم الآخر قول الخير أو السكوت. يقابل قول الخير ما لا خير فيه سواءً كان فيه شر أو لا شر فيه، فعندنا الكلام ينقسم إلى ما فيه خير، وما فيه شر، وما لا خير فيه ولا شر فيه، قول الخير لا تتردد فيه؛ لأنه جاء الأمر به ((فليقل خيراً)) البديل إذا لم يقل خيراً يقابله إما أن يكون فيه شر أو لا خير فيه ولا شر وحينئذٍ يلزم السكوت. ولا شك أن ما لا خير فيه ولا شر من النوع المباح يختلف حكمه عما فيه شر، فما فيه خير مطلوب قوله، وما فيه شر مطلوب تركه، وما لا خير فيه ولا شر هذا مباح مستوي الطرفين، لكن الأولى تركه.
فعلى الإنسان إذا أراد أن يتكلم أن يزن هذا الكلام بميزان الشرع، فإن كان خيراً يقربه إلى الله -جل وعلا-، ويكتب في كفة حسناته فليقدم عليه، ولا يتأخر عنه. وإذا كان شراً من أنواع الكلام المحرم غيبة ونميمة وغير ذلك من النطق بالكلام المحرم كتقرير البدع وغيرها مثل هذا أو أمر الإنسان بأن يكف عن الخير، أو أمره أن يفعل شراً كل هذا الكلام شر، لا يجوز له أن ينطق به؛ لأنه يكتب في ديوان سيئاته. إذا كان كلام لغوًا، مما إذا تأمله الإنسان ما وجده يقربه إلى الله -جل وعلا-، وليس فيه شيء يقتضي أن يأثم بسببه من الكلام المباح، فإن هذا أيضاً عليه أن يصمت، وإن كان أمره بالصمت يختلف عن الكلام الذي يأثم بسببه. فقوله -عليه الصلاة والسلام: ((فليقل خيراً)) هذا أمر، مع أن هذا يختلف من حيث الوجوب والاستحباب. إذا كان الكلام هذا واجبا، فاللام لام الأمر وتقتضي الوجوب، وإذا كان الكلام في أمر مستحب فإنه يستحب ولا يجب عليه أن ينطق به، لكنه داخل في لام الأمر، وكذلك ما يقابله من الأمر بالصمت اللام لام الأمر فهل هي للوجوب أو للاستحباب؟ إن كان الكلام محرماً يجب عليه أن يصمت، وإن كان مكروهاً أو مباحاً يستحب له أن يصمت. وحينئذٍ نكون قد استعملنا اللفظ الواحد في أكثر من معنى. اللام لام الأمر، والأمر يحتمل الوجوب والاستحباب، واستعملناه في الأمرين، وأيضاً "ليصمت" يحتمل الوجوب وجوب الصمت، أو استحباب الصمت، واستعملناه في الأمرين على حسب ما يترتب على هذا الكلام أو على هذا الصمت.
استعمال اللفظ في معنييه جائز أو غير جائز؟ استعمال اللفظ في أكثر من معنى، يعني في حقيقته ومجازه على ما يقولون في آن واحد يجوز أو لا يجوز؟
الأكثر على منع استعمال اللفظ في معنييه في حقيقته ومجازه. لكن هو يستعمل في معنىً واحد، ويخرج من الصور بأدلة أخرى، فإما أن نستعمل ((فليقل)) للوجوب، ويخرج من ذلك الكلام المستحب بنصوص أخرى، ونقول: ((أو ليصمت)) الأمر للوجوب، ويخرج بعض الصور بنصوص أخرى على مقتضى كلام الأكثر. أما من يقول: إن اللفظ الواحد يستعمل في أكثر من معنى -كالشافعية- فما عندهم مشكلة في مثل هذا.
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) وهذا فيه كما في سابقه من استثارة حمية الإيمان بالله وباليوم الآخر لتنهض الهمة لامتثال هذا الأمر، وهو ((فليكرم جاره)).
الجار له حق عظيم، وجاء في الحديث الصحيح: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) كالأقارب. والجار يختلف أهل العلم في تحديده، وجاء في بعض الآثار ما يدل على أنه يشمل أربعين داراً، ولا شك أن الدور في وقته -عليه الصلاة والسلام- تختلف عن الدور في وقتنا، غالب الدور من غرفة في وقته، وفي صدر هذه الأمة الدور صغيرة، وإلى وقت قريب إلى أن فتحت الدنيا على الناس والبيوت القصور منها مائة متر، وقد تصل إلى خمسين ستين متر، وأدركنا هذه، وما زالت موجودة. فكانت الدور صغيرة، لكن فتحت الدنيا على الناس، فصار الأربعون داراً تعادل قرية فيما سبق؛ لأنها صارت بألوف الأمتار، وبمئات الأمتار، فكلما زادت المشقة سهل الأمر.
وقل مثل هذا في صلة الأرحام، صلة الأرحام واجبة، والقطيعة محرمة، وتحريمها شديد، لكن هل يستوي من له عم واحد وخال واحد، مثل من له عشرة أعمام وكل واحد من هؤلاء الأعمام له جمع من الأولاد، وسبعة أو ثمانية أخوال وخالات وعمات؟ هل يلزم بالصلة مثل ما يلزم به صاحب العم الواحد الذي ليس لديه إلا عم واحد أو خال واحد؟ لا، كلما زاد الأمر، وزادت المشقة على المكلف سهل الأمر، يعني بدل من أن تصل هذا العم الواحد في كل أسبوع تصل العم من عشرة أعمام كل شهر، والواحد من عشرات أبناء الأعمام مرة في السنة، لكن لو لم يكن إلا عم واحد وابن عم واحد، هذا تزيد التبعة، وقل مثل هذا فيما إذا كانت الجيران مجتمعين متقاربين غير متفرقين يشق عليك إكرامهم جميعاً.
((فليكرم جاره)) الجار قد يكون قريباً في النسب، فيجتمع له من الحقوق أكثر من الجار البعيد في النسب، وقد يكون الجار مسلماً فيكون له من الحقوق أكثر من الجار غير المسلم، فالجار القريب المسلم له ثلاثة حقوق، له بكل وصف حق، والجار البعيد في النسب المسلم له حقان: حق الإسلام وحق الجوار، والجار غير المسلم له حق واحد، وهو حق الجوار.
((فليكرم جاره)) وجاء من النصوص في هذا الباب الشيء الكثير، منها: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)). ومن أعظم صور الزنا: الزنا بحليلة الجار، أعظم من المرأة البعيدة، وإن كان الزنا كله عظيم وفاحشة وموبقة من الموبقات لكن يتفاوت، فالزنا بالمحارم شأنه عظيم، وحده تحتم القتل وإن لم يكن ثيباً، والزنا بحليلة الجار أيضاً أمره وشأنه عظيم، والزنا كله أمره عظيم، وجرمه كبير -نسأل الله العافية-.
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) يكرم جاره لا يؤذيه بأي نوع من الأذى. يصل إليه خيره، ويكف عنه شره، لا بد من هذا. ومن أنواع الإكرام للجار الكلمة الطيبة، الوجه الطلق، تسلم عليه، ترد عليه السلام، تسأل عن حاله وعن حال ولده، تدعو له، تدعوه، تزوره في بيته، هذه كلها من إكرام الجار.
مع الأسف أن يطرق الباب ليسأل عن بيت أو عن فلان وين بيت فلان؟ يقال له: "والله ما ندري". وقد حصل، وليس بينهما إلا جدار. هذا بُعد عن تعاليم الشرع، ما تعرف اسمه، ولا تدري أن هذا فلان بن فلان كيف؟! هذه مرحلة أخيرة من القطيعة، والله المستعان.
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) ومثلما تقدم يقال هنا، التنصيص على الإيمان بالله واليوم الآخر استثارة للحمية الإيمانية بالله واليوم الآخر. ((فليكرم ضيفه)) اللام لام الأمر والأمر للوجوب، يقدم الضيف فيجب إكرامه لا سيما في اليوم الأول كما جاء بذلك النص، وما عدا ذلك فهو إحسان. وأهل العلم يفرقون بين الضيف النازل في قرية والنازل في مدينة، والنازل على شخص في باديته إذا كان يجد من يقوم بحاجته كالمطاعم والفنادق فهذا يختلف عن القرية التي ليس فيها مطاعم ولا فنادق، وعن بيوت البادية التي لا يوجد حولها من يحل الإشكال. فلا شك أنه إذا وجد من يقوم بإطعامه وإيوائه فإن الأمر يكون أخف، ولا يجب حينئذٍ أن يضيف وأن يطعم وخاصة إن كان في جيبه الأموال، وبإمكانه أن يسكن، وبإمكانه أن يأكل؛ لأن الحاجة ارتفعت. أما إذا كان في قرية أو في هجرة بادية أو بيوت متفرقة من بيوت البادية التي لا يوجد حولها خدمات، فإنه حينئذٍ الأمر على أصله يجب.
يذكر بعض أهل العلم أنه إذا طرق عليه الضيف مثلاً وقال له -وهذا موجود في بيوت المسلمين إكرامه بإطعامه وإيوائه- قال: البيت والله ما في مكان لإيوائك، البيت صغير والأسرة كبيرة، هل يلزمه أن يدفع له قيمة ما يسكنه، أو يبحث عن غيره ممن في بيته سعة فيؤيه؟ على كل حال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لو افترضنا أن هذا ليس عنده ما يطعم ولده، هل نقول: يجب عليه أن يكرم ضيفه؟ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، هذا لا يستطيع، هذا الضيف الذي ليس له مأوى في البلد، وأما الذي له مأوى في البلد ويطرق عليك فأنت مخير بين أن تكرمه وتدخله المنزل، وبين أن تعتذر منه وينصرف.
((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) الآن الحمد لله توسعت الأمور ووجدت الفنادق، ووجدت المطاعم، حتى أن بعض الناس وهو في بلده وهذا موجود كان في البلدان المجاورة، لكن الآن موجود عندنا، يدعو الأضياف في مطعم، ويؤيهم ويطعمهم وبيته آهل بالسكان وآهل بأنواع المطاعم والمشارب، لكن الناس زاد عليهم الترف حتى صاروا يجتمعون في أماكن بعضها لا تليق ببعضهم؛ لأنه وجد من طلاب العلم من تكون مناسباتهم في المطاعم وفي الأماكن التي بعضها لا يليق بهم. فالتوسع في مثل هذا غير مرضي؛ لأنه ما دام عندك مسكن يشمل ويسع هؤلاء الضيوف لا داعي لأن تتكلف وتكلف غيرك، وتنزل نفسك بهذه المنزلة. في بعض البلدان انتشر فيهم هذا الأمر وأكلهم في هذه الأماكن لا يعد خرماً للمروءة، فالأمر فيها سعة -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه وجد من أهل العلم الكبار في البلدان الأخرى في مصر والشام وغيرها من تكون اجتماعاتهم ومناسباتهم في هذه الأماكن.
الحديث السادس عشر: ((لا تغضب))
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني، قال: ((لا تغضب)) فردد مراراً قال: ((لا تغضب)) رواه البخاري.
في الحديث السادس عشر يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رجلاً قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصني
الرجل هذا المبهم لا يعرف اسمه، وهناك كتب صنفت في المبهمات في الأسانيد والمتون. وحرص أهل العلم على تتبع الطرق لكشف المبهمات، لكن الرواة من الصدر الأول إذا كان هذا المبهم لا يحسن إظهار اسمه لأنه يسوؤه ما حصل، وقد يتعرض له بالسب والنيل منه فإنهم لا يكشفون عن اسمه فيستمر مبهمًا.
وهذا الذي قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) لم يعرف ستراً عليه؛ لأن قوله -عليه الصلاة والسلام- في وصيته له وتكرار قوله: ((لا تغضب)) يدل على أن الرجل عرف بذلك، فكل إنسان يجاب بما يناسبه. وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- في مناسبات كثيرة عن أفضل الأعمال فيجيب كل سائل بما يليق به وما يناسبه؛ ولذا جاءت الأجوبة النبوية تختلف تبعاً لاختلاف أحوال الناس. وهذا لما قال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أوصني"، قال له: ((لا تغضب))، وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين التقوى، يعني لو جاء طالب علم يقول لشيخ: "أوصني"، ثم أوصاه بأمر غير التقوى، هل تكون هناك مخالفة؟ إذا عرف منه أنه طالب علم ومؤهل يعرف عنه الفهم، أو يعرف عنه الحفظ، فيوصيه بما يعرف عنه، فيقال له: "عليك بكثرة القراءة" إذا كان يفهم، أو "عليك بكثرة المحفوظ" إذا كان يحفظ، أو "عليك بكذا وكذا"، "عليك بالعناية بكتاب الله"، عليك بالعناية بسنة رسوله"... إلى آخره، وكل له ما يناسبه.
هذا الشخص يقول الشراح: "كأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف عنه كثرة الغضب، فقال له: ((لا تغضب))" هذه وصية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذا الرجل ولغيره. قد يقول الإنسان: "أنا -والله- جبلة أثور لأدنى سبب"، يعني كما جبل الأحنف بن قيس على الحلم والأناة يقول: "جبلت على سرعة الغضب، وأثور لأدنى سبب، وقد أغضب لغير سبب، قد يخيل لي أن هذا أخطأ علي، أو قال كذا، ثم أغضب عليه". الحلم بالتحلم، كما أن العلم بالتعلم، عوِّد نفسك الحلم، ثم تكون حليماً، ولو أقل الأحوال أن يقف عندك هذا الغضب، ثم إذا حصل عندك هذا الغضب أكظم هذا الغيظ، ولا ترتب الآثار على هذا الغضب لئلا تندم؛ لأن بعض الناس يغضب، لكنه يكظم الغيظ، وجاء مدح الكاظمين الغيظ، وبعضهم يغضب فينفذ ثم لا يلبث أن يندم.
كثيراً ما يقع الخلاف والنزاع والشقاق بين الزوجين بسبب في أصله ليس بشيء، يقول لزوجته -وهذا يكثر السؤال عنه-: "أحضري شايًا"، ثم تحضر شايًا أخضر، وهو يريد أحمر وما قال لها: "اللون أحمر أو أخضر" فتأتي بأخضر، ثم يبني على ما اعتاده أنه في هذا الوقت مثلاً ما يشرب إلا هذا اللون بناءً على عادته، ثم تحصل الكارثة من "لا شيء"، ويحضر الشيطان، فيقول لزوجته: "أنت طالق، طالق، طالق، ثلاثاً بائناً، أنت علي كظهر أمي" من أجل لون الشاي هل هو أخضر وإلا أحمر ثم يأتي بعد ذلك يستفتي ويقول: "أنا -والله- غضبان". تقول كل هذه الكلمات وغضبان وعلى أي أساس؟! لأن العلماء يفرقون بين الأسباب الباعثة للغضب، يعني فرق أن يكون السبب مثل هذا، يطلب شايًا فتأتي بلون لا يريده وهو ما حدد اللون، ثم يغضب ويحصل منه ما يحصل هذا ليس بسبب حقيقي للغضب، وبين من يقول: لعنتني ولعنت أمي وأبي، وقذفتنا بالعظائم، نعم هذا سبب للغضب، فيختلف هذا عن هذا. ثم بعد ذلك الغضب درجات منه ما يرفع عنه التكاليف، ومنه ما يبقى معه التكليف، وتحديد هذه الدرجات في غاية الغموض، فالأمر يتطلب دراسة المسألة من جذورها، فلا يقول: "والله أنا طلقت وأنا غضبان"، ثم يقول له من يفتيه: "ما عليك شيء ما دام غضبان". ما الباعث على هذا الغضب؟ ثم ماذا حصل بينك وبينها؟ ثم بعد ذلك ما وصل بك الغضب؟ هل أنت تعي وتعقل؟ فهذه مسائل يعتنى بها، والسبب الباعث عليها هو هذه الخصلة الذميمة.
فمن جبل على الغضب عليه أن يكثر من الاستغفار، وعليه أن يتصبر ويتحلم، ويتأنى في أموره لا يستعجل كي لا يندم. فالوصية النبوية على كل مسلم أن يعض عليها بالنواجذ، إن تيسر ألا يغضب فهذا هو الأصل، لكن إن غلبه الطبع وغضب لا يرتب آثار على هذا الغضب، ويسعى في إزالة هذا الغضب بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وفي تغيير وضعه: إن كان قائماً فليجلس، إن كان جالساً فليضطجع، إن كان في مكان يخرج إلى غيره، إن كان خارج يدخل وهكذا، المقصود أنه إذا تغير الوضع عنده فإنه يخف عنده الغضب، وقد يزول بالكلية.
فردد مراراً قال: ((لا تغضب)) كل هذا من أجل أن هذه الخصلة الذميمة يترتب عليها آثار سيئة. قد يصل الأمر ببعض الناس إلى أن يفقد عقله، وإلا هل يحصل من عاقل أن يقتل أخاه المسلم بسبب علبة بببسي، لولا هذه الخصلة الذميمة، وحضور الشيطان... فالغضب من الشيطان، ويزيله الاستعاذة بالله من الشيطان، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)), ثم بعد ذلك هذه الحرارة الغضبية التي تحمل على الانتقام تبرد بالماء يتوضأ، ويذهب عنه ما يجد، ويغير وضعه إن كان قائماً فليجلس، وإن كان جالساً فليضطجع، وإن كان في مكان ينتقل إلى غيره الذي حضر فيه الشيطان، كما انتقل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الوادي الذي نام فيه عن صلاة الفجر؛ لأنه واد حضر فيه الشيطان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الغيبة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، وابن دقيق العيد يقول: أعراض المسلمين حفرة من حفر النار وقف على شفيرها العلماء والحكام.
على كل حال الغيبة محرمة، وأكل لحوم الناس أمره خطير، ومن الديوان الذي لا يغفر؛ لأنه حقوق العباد، وتجوز في ستة مواطن بينها أهل العلم إذا ترتب عليها مصلحة راجحة لا سيما في مسائل الجرح والتعديل للرواة الذي بسببه يعرف الصحيح والضعيف، ومثله في مجال الاستشارة، ومجال الاستفتاء، والزوج على زوجته هذه مسائل الكذب.
تبقى المسألة يعني الأصل فيها المنع والتحريم، وفيما يتعلق بالرواة في جرح الرواة هذا مستثنى، وكذلك في الاستشارة حينما يستشار شخص بالنسبة لشخص يبين ما فيه من عيب بقدر الحاجة.
ذكرنا أن هذا قول لبعض أهل العلم، وأن من أهل العلم من ذكره في الأسماء الحسنى، ومنهم من يقول: إن هذا جاء على سبيل الإخبار، ولا تثبت التسمية بخبر ما لم ينص على أنه اسم؛ لأن دائرة الأخبار أوسع، والأمر في هذا فيه سعة -إن شاء الله-.
الإمام أحمد إمام بقدر البخاري ومسلم إن لم يكن أعلى، فما خالفهما فيه مما نُقل عنهما في غير الصحيحين فهو ند ينظر في الترجيح، أما إذا خرجا الحديث في صحيحيهما وخالفهما الإمام أحمد، فما في الصحيحين أو في أحدهما فهو مقدم على ما خرجه الإمام أحمد.
يقول: توجد خاصية في أجهزة الحاسب الآلي توفر لك البحث عن شبكات الاتصال في الإنترنت، وبعض الناس إذا بحث عن الشبكات ربما يحصل عليها من جيرانه، أو ممن يستخدمون الإنترنت ممن هم قريبون منه، يقول: هل يجوز أن أستخدم هذه الشبكة وأتصل منها بالإنترنت بدون علم صاحبها الأساسي، وبعضهم يقول: إن صاحبها لم يضع الرقم السري للشبكة مما يعني أنه موافق لمن يبحث عن الشبكات أن يستفيد منها، ولكن هو لا يعلم هل أحد استفاد من شبكته؟ هل هذا الفعل يعتبر من التعدي على مال المسلم؟
على كل حال إذا كان المشترِك الذي دفع المال للاشتراك يستخدمها في الخير، ويتضرر من استخدامك لاشتراكه فهذا لا يجوز، أما إذا كان يستخدم هذا الاشتراك في غير الخير فلا مانع من مزاحمته حينئذٍ، وتقليل الشر بالنسبة له، ولو تضرر بذلك، هذا إن كان يستعملها في غير الخير، وإذا كان لا يتضرر بذلك فالأمر فيه سعة -إن شاء الله-.
لا شك أن الإيمان ينقص بنقص العمل، ويزيد بزيادة العمل الصالح، فإذا نقص عملها ومكثت مدة أسبوع أو أقل أو أكثر لا تصلي ولا تصوم، لا شك أن هذا يكون سبباً في نقص دينها، والعلماء يختلفون في الحائض والنفساء هل يكتب لهما ما كانا يعملانه في حال الطهر كما يكتب للمسافر والمريض؟ الحديث يدل على أنه لا يكتب؛ لأنه لو كان يكتب ما سميت ناقصة، وجمع من أهل العلم يرون أنها منعها الشرع، والنية موجودة أن لو كانت طاهرة فإنها تصوم وتصلي، لكن ما دام منعها الشرع والعذر ليس بيدها فإنه يكتب لها، وعلى كل حال المرأة إذا امتثلت بالفعل والترك فهي مأجورة على الاحتمالين.
هل وردت في المصابيح قال: بتشديد الذال المعجمة، أو ضبطت بالشكل وعليها شدة؟ الشراح قاطبة يقولونه: بالتخفيف.
أولاً: هي لا ترثه، فلا تستحقه إرثاً، لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، هو ليس لها، فعليها أن تتخلص منه.
الإجازة كما هو معلوم نوع من الفراغ بالنسبة للارتباط الرسمي، والفراغ من نعم الله -جل وعلا- للإنسان، وكثير من الناس مغبون في هذه النعمة، بحيث تضيع أوقاته سدى ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) هذا الفراغ من الارتباط الرسمي الذي يوفر لك الوقت؛ لتتقرب إلى الله -جل وعلا- بما ينفعك في دينك ودنياك، فالعاقل الذي عرف حقيقة هذه الدنيا، وعرف حقيقة عمر الإنسان، وأنه دقائق وثوان تتصرم شيئاً فشيئاً إلى أن يقال: فلان مات، فماذا قدم في هذه الدقائق وهذه الثواني؟ غراس الجنة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، لا يكلفه شيئاً، كل جملة سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر شجرة في الجنة، هذا بدلاً من أن تمكث السنين في انتظار هذه الشجرة لتثمر من شجر الدنيا التي قد تثمر وقد لا تثمر، سبحان الله شجرة، مضمونة، ((الجنة قيعان، وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل)) هذا لا يكلف شيئًا، فكثير من الناس مغبون تضيع هذه الأوقات دون أن يستغلها فيما يرضي الله ويقربه إليه، طالب العلم عليه أن يرتب هذا الوقت من صلاة الفجر إلى قدوم النوم في المساء، يقسم هذا الوقت على حسب الفنون والعلوم، ويحفظ ما يستطيع حفظه ويقرأ من الكتب ما يستطيع، ويحضر من الدروس ما يقدر عليه، ويضيف إلى ذلك الأعمال الأخرى من نوافل الصيام والصلاة والصدقة والبر والصلة وعيادة المرضى، وتشييع الجنائز وغير ذلك، قد يقول قائل: الوقت لا يستوعب، نقول: الوقت يستوعب، والموفق من وفقه الله -جل وعلا- لاستغلال وقته، والله المستعان.
نعم هذا القرب الذي يؤمن معه حصول مثل هذه الفاحشة لا شك أنه خيانة إضافة إلى كونها فاحشة، أنت اؤتمنت عليها، فخنت هذه الأمانة، فأمرها عظيم -نسأل الله السلامة والعافية-، مع أن حصول مثل هذا الأمر سببه المخالفة الشرعية، وهي الخلوة بالمرأة الأجنبية؛ لأنه لا يمكن أن يحصل هذا بحضور أحد.
يعني التنصيص على الكلام لا ينفي ما عداه؛ لأنه فرد من أفراد (ما) التي هي للعموم، ما لا يعنيه من أي شيء، ينصرف عنه، ويهتم بما ينفعه، التنصيص على الكلام لأهميته، التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص.
لا شك أنه لا يجوز تركهم يعيثون في الأرض فساداً، بل الواجب كفهم، وأطرهم على الحق، ومنعهم من مزاولة هذا الباطل، لكن كل بحسبه، الذي يستطيع ذلك باليد يجب عليه ذلك؛ لأن هذا منكر عظيم، يجب عليه أن يكفه، والذي يستطيع باللسان يجب أن يقارعهم بلسانه، والذي لا يستطيع هذا ولا هذا عليه أن يتصل بمن يستطيع، ويبلغ الأمر إلى من يستطيع، وتركهم لا شك أن له أثر عظيم في الدين والدنيا.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم المضاعفة إلى العشر لكل مسلم، ويبقى أن المضاعفات الكثيرة على حسب قوة الإيمان، وصدق اليقين وصحة العمل وحسن الإسلام، إلى سبعمائة ضعف، وجاء في خبر مخرج في المسند وغيره، وهو مضعف عند أهل العلم، لكن أهل العلم يتداولونه في مثل هذا الباب يقولون: "إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة" مليوني حسنة، فضل الله لا يحد، والحديث ضعيف.
أولاً: تربية القطط معروف أن لها وعليها، تنجس الأماكن وهي من الطوافين يحسن إليها بلا شك، وتأكل الحشرات المؤذية فلها وعليها، يبقى أن الأصل في مثل هذا الجواز، لكنها لا تباع ولا تشترى، لا يدفع فيها الأموال، وقد نهى عن ثمن السنور، وأما إطعامها للميتة فلا مانع منه؛ لأنها تأكل ما لا يجوز أكله من غير نكير، تأكل الفئران، وهو في حكم الميتة.
هذا تقدم الجواب عليه.
يقول هذا: أعتقد كما يعتقد السلف الصالح أن الساعة أمرها إلى الله لا يجليها لوقتها إلا هو، ولا تأتينا إلا بغتة، وأود أن أخبركم بأنني رأيت اليوم فيما يرى النائم أني كنت مع والدتي فأخبرتني بأن الساعة قريبة، ثم رأيتها بعد لحظة يسيرة هي وأختي فأخبرتني الوالدة مرة أخرى وكررت ثلاثاً -ثلاث مرات- بأن الساعة قريبة.
نعم الساعة قريبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) فالساعة قريبة، فهذا فيه حث لك على الاستعداد، وليس فيه تحديد لوقتها؛ لأنه لا يجليها لوقتها إلا هو، لا يعلمها أحد، لا جبريل ولا محمد -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن في مثل هذه الرؤيا مسألة حث على الاستعداد.
لا، هو في مثل هذه الصورة يلزمه الإتمام، فيأتي معه بالركعة الثالثة ثم يزيد رابعة.