كتاب البيوع من المحرر في الحديث - 07
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يحتكر إلا خاطئ، لا يحتكر إلا خاطئ»، رواه مسلم". الاحتكار حبس الطعام حتى يقل في الأسواق فترتفع قيمته، حبس الطعام أو حسب السلع، على خلاف بين أهل العلم فيما لا يجوز حبسه، ولا يجوز احتكاره، وما يجوز؛ لأن من أهل العلم من يرى أنه لا يجوز احتكار جميع السلع التي يحتاجها الناس حتى يضيق عليهم، فإذا قلت في الأسواق رفع أقيامها، هذا احتكار، ومنهم من يقول: إن هذا خاص بالطعام، بل خاص بالقوتين بالقوتين قوت الإنسان وقوت الحيوان.
«لا يحتكر» لا يصنع مثل هذا العمل بأن يحبس الطعام أو يحبس السلع التي يحتاجها الناس حتى تقل في الأسواق، فيرفع عليهم الأسعار.
«إلا خاطئ» إلا خاطئ، يعني آثم، خاطئ، هناك خاطئ، وهناك مخطئ، خاطئ يعني آثم، ومخطئ من أخطأ الرباعي، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة:286] الخطأ مرفوع عن هذه الأمة هذا بالنسبة للمخطئ، وأما بالنسبة للخاطئ فهو آثم؛ لأنه قاصد للخطأ قاصد للإثم، نسأل الله العافية، وأما المخطئ من أخطأ الرباعي فإنه معفو عنه لم يقصد الخطأ وإنما وقع منه من غير قصد ومنهم من يقول معناهما واحد لكن منه ما هو مقصود، ومنه ما هو غير مقصود فيؤاخذ القاصد دون غيره، لكن كثيرًا من أهل العلم يفرقون بين الفعل خطئ وبين أخطأ، خطئ فهو خاطئ، وأخطأ فهو مخطئ، مثل قسط وأقسط، قسط وأقسط، فالقاسط العادل عن طريق الحق، والمقسط العادل على مراد الحق، والقاسطون غير المقسطون {الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} [سورة الجن:15]، «والمقسطون على منابر من نور يوم القيامة الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا». فرق بين قاسط ومقسط كما أن هناك فرقًا بين خاطئ ومخطئ.
أشرنا أثناء شرح كلمة لا يحتكر إلى أن العلماء يختلفون فيما لا يجوز احتكاره وحبسه، ما يجوز وما لا يجوز؛ فمنهم من يعمم، منهم من يعمم في جميع ما يحتاجه المسلمون، المسلمون يحتاجون حديدًا لبناء بيوتهم، يحتاجون إسمنتًا، فيقول: هذا الإسمنت مبذول الآن أتركه في المستودع حتى يقل وأرفع قيمته، أو مثله الحديد أو غير ذلك مما يحتاجه الناس، هذا على القول بأن الاحتكار يدخل في كل شيء، آثم.
وعلى القول الثاني أنه لا يكون الاحتكار إلا في الطعام، كما هو في سبب ورود الخبر، الخبر سيق في احتكار الطعام، وأيضًا أُثِر عن سعيد بن المسيب وعن معمر؛ سعيد كان يحتكر الزيت، نعم الزيت يُحتاج إليه في القوت، لكنه ليس من أصل القوت مثل التمر والعيش والحب، القمح وغير ذلك.
على كل حال الخلاف بين أهل العلم معروف، وسبب الحديث في الطعام، فهل يُقصَر الحديث على سببه، أو يقال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيشمل جميع السلع؟ البيت حاجة أصلية، يحتاجها المسلم، ويأخذ من أجلها الزكاة، إذا استدان أو احتاج إلى أجار وما أشبه ذلك يأخذ الزكاة؛ لأنها حاجة أصلية، فكونه يضيق عليهم في مواد البناء لا شك أنه متسبب لأذاهم والتضييق عليهم، فهذا على القول بالتعميم، وهو مقتضى عموم اللفظ، وأهل العلم قاطبة إلا من قل يرون أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وكونه ورد على سبب لا يقصر على سببه إلا إذا عورض العموم بما هو أخص منه، نعم جاء النهي عن احتكار الطعام، وجاء التعميم، وإذا جاء الخاص بحكم موافق لحكم العام فإنه حينئذ لا يقتضي التخصيص إذا كان حكم الخاص موافقًا لحكم العام، وإنما يذكر الخاص؛ للاهتمام به والعناية بشأنه.
على كل حال التضييق على المسلمين والتطلب والبحث عما يضيق عليهم، وإن كان فيه مصلحة خاصة، فإنه لا شك أنه مذموم شرعًا، وهو خاطئ وآثم في جميع ما يحتاجون إليه.
أما في مسائل الكماليات التي لا يحتاج إليها الناس من التحسينات وغيرها فإن هذا أمره أسهل، يبدأ الأمر الشديد باحتكار القوت الذي تتوقف عليه حياة الناس والبهائم، ولذا يرى بعضهم أن الاحتكار خاص بالقوتين، والمراد بالقوتين قوت الإنسان وقوت الحيوان، ومنهم من يرى ما هو أعم من ذلك، وكلما دعت الحاجة إلى الشيء كان دخوله في الحديث أشد، إذا اضطر الناس إليه هذا لا إشكال في تحريمه، وأما إذا احتاجوا إليه حاجة شديدة فكذلك، لكن إذا كان من الكماليات دون الضروريات والحاجيات فالأمر فيه أسهل وأخف.
مع أنه إذا قصد التيسير على الناس، التيسير على الناس هذا ييسر أمره في الدنيا والآخرة، كما ذُكِرَ أن تاجرًا يداين الناس، فكان يقول لغلامه: لا تُضَيِّق على الناس، يسامح الناس، فسومح، سامحه الله -جل وعلا- عن بعض زلاته أو زلاته وهفواته، والله -جل وعلا- أحق بالعفو لمثل هذا، فالإنسان يحرص على أن يعامل الناس بما يحب أن يعامَل به، والجزاء من جنس العمل، يشدد على الناس يشدد عليه، اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشدَّد عليهم فشدِّد عليه، وإذا سهل عليهم فاللهم سهِّل عليه، وهكذا، والحديث بالمعنى، المقصود أن على الإنسان أن يراعي مثل هذه الأمور، والله المستعان.
حديث المصرَّاة قُرِئ؟
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا تصَرُّوا»".
لا تصروا على زنة لا تزكُّوا من التصرية، وضبطه بعضهم لا تَصُرُّوا من الصَّرّ، والصر هو الربط، والتصرية من صريت الماء إذا حسبته، صريت الماء إذا حسبته، فالمراد بالتصرية حبس اللبن في ضرع البهيمة من بهيمة الأنعام من الإبل والغنم، وبهذا جاء النص، وأما بالنسبة للبقر فبالقياس لا تُصَرُّوا على زنة لا تزكُّوا، وهذا هو المرجح عند أهل العلم من التصرية، وهو حبس اللبن في ضرع الناقة أو الشاة أو ربطه من الصر، ربط أخلافها يعني أشطار ثديها حتى يحتسب اللبن لأكثر من يوم، فإذا رآه المشتري قال: هذه لبنها كثير.
«لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعدُ» ابتاعها يعني اشتراها، «بعدُ» مبني على الضم؛ لقطعه عن الإضافة مع نية المضاف إليه، حذف المضاف إليه مع نيته بعد ذلك، «بعدُ» {لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [سورة الروم:4] فهو مبني على الضم.
«فمن ابتاعها بعد» أي اشتراها، «فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها» يعني إذا حلبها حلب الناقة أو الشاة أو العنز حلبها في أول يوم فاللبن كثير؛ لأنه لبن يومين أو ثلاثة، فإذا حلبها في اليوم ثم رآها في اليوم الثاني حلبها في اليوم الثاني إلى نصف أو ربع المقدار، وكذلك في اليوم الثالث إذا احتلبها واستقر الأمر على أن لبنها أقل بكثير مما رآه وقت البيع فلا شك أن له الخيار.
فإنه بخير النظرين، إن شاء أمضى البيع وأمسك، وإن شاء ردها؛ لأن هذا فيه غش وتدليس، غش وتدليس، إن شاء أمسك؛ لأن الأمر لا يعدوه؛ لأنه قد يرى فيها محاسن أخرى، وقد يرى أن قيمتها أقل مما من قيمتها العادية بحيث يحتمل مثل هذا الغش، فالأمر لا يعدوه، إن شاء أمسكها ويبقى أن البائع بهذه الطريقة المصرِّ هذا آثم سواء أمسكها المشتري أو ردها؛ لأنه غاش، ومن غش فليس منا.
«فهو بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك» أمسكها على عيبها كثير من الناس يشتري السلعة، وإذا وصل إلى البيت وجد فيها عيبًا، فيقول: إن هذا العيب مغتفر سهل، بعض الناس فيه كرم نفس ما يدقق في كل شيء، تجده يشتري الكتاب، ثم إذا وصل البيت تصفحه ووجد فيه صفحات بيضاء أخطأها الطباعة والتصوير يقول: ثمان صفحات ما هي مشكلة، نشتري نسخة ثانية، بعضهم من هذا الباب، وبعضهم ينظر إلى التكاليف يقول: لو أذهب بهذه العنز التي قيمتها بالغش خمسمائة، وبدون غش مائة، أنا أحتاج إلى مائتين حتى أصل إلى السوق، فيمسكها؛ لأنه متضرر.
على كل حال إن شاء أمسك والأمر لا يعدوه.
«وإن شاء ردها وصاعًا من تمر، ردها وصاعًا من تمر» رُدَّ هذا إلى مشيئته، والعادة أن الأمر إذا رُدَّ إلى المشيئة فإنه والإرادة والرؤية أنه يتوخَّى فيه المصلحة.
«اغسلوها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر إن رأيتن»، يعني إن رأيتن المصلحة تقتضي أن يزاد على ذلك إلى السبع.
لكن هنا لا شك أن الإنسان يراعي مصلحته، فهل رد الأمر إلى مشيئته ملاحَظ فيه المصلحة بحيث لو تكلَّف في رد الناقة أو الشاة وخسر فيها أكثر مما لو أمسكها؛ لأن الرد له تكاليف تحتاج اليوم إلى وسيلة نقل، قد يكون في قرية مائة كيلو أو أكثر، يحتاج نقله إلى مصاريف، هل نقول: إن الإمساك أفضل، أو أن ردها على صاحبها؛ ردعًا له، ولئلا يكرر مثل هذا الغش فهو مصلحة للعموم ولو تضرر يسيرًا؟ لأن بعض الأمور يمشيها بعضهم، لكن يترتب عليها آثار، يترتب عليها آثار سلبية، فمثل هذا إذا غش البائع، ومشى المشتري، أمسك المشتري جرؤ على أن يغش غيره، طيب هذا المشتري متضرر بردها، يحتاج إلى سيارة بمائة ريال أو ثلاثمائة ريال تنقل هذه الناقة، أو مائة ريال تنقل هذه الشاة، والمسألة مسألة اللبن أقل أو ما أشبه ذلك يقول: من مصلحتي أن أمسك، لكن إذا كانت المصلحة العامة تقتضي الرد بحيث لا يجرؤ على غش غيره فهو مأجور على هذا الرد.
طيب ماذا عن الحليب الذي هو في أول حلبة يمكن ثلاثة لترات أو خمسة لترات، قد يكون بعد التصرية، لكنه في اليوم الثاني والثالث لتر أو أكثر أو أقل، ماذا عن هذا اللبن الذي استفاد منه وتصرَّف فيه مع نيته عدم الإمساك، هذا يقول: إن شاء ردها وصاعًا من تمر، يعني ردها ورد معها صاعًا من تمر، ردها ورد معها صاعًا من تمر، هذا النص، وهو قاضٍ على كل اجتهاد وقياس، ولا قياس مع النص، والقياس مع النص فاسد الاعتبار، ورده بعض العلماء بأقيسة قالوا: إنه مخالف للقياس، كيف مخالف للقياس؟
يقولون: الشرع جاء في ضمان المتلفات المثلي بمثله، والقيمي بقيمته، هذا يمكن أن يحضر لبنًا بمقدار هذا اللبن الذي حلبه من هذه الشاة أو من هذه الناقة، هذا مثلي، وإذا لم يجد يقوَّم، خمس لتر بكم؟ بكم؟ يدفع قيمته، يقول: هذا مخالف للقياس، لكن هل بمثل هذا القياس يرد مثل هذا الخبر الصحيح؟ هذا الخبر المتفق عليه يرد بمثل هذا القياس؟!
إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، ما لأحد كلام، قالوا: مخالف للقياس، وعرفنا كيف خالف القياس، لكن هذا الحديث أصل برأسه، أصل يمكن أن يقاس عليه.
ردها وصاعًا من تمر، طيب التمر مطلق بدون وصف، بإمكانه أن يرد صاعًا من تمر قيمته خمسة ريالات، اللفظ محتمِل، هو صاع من تمر، وبإمكانه أن يدفع صاعًا من تمر قيمته ثلاثمائة ريال؛ لأن يوجد بعض التمر بمائة، وعشرين كيلو الكيلو الواحد وبعضه بريال، طيب ماذا يرد؟
العادة أنه إذا جاء مثل هذا الإطلاق في النصوص أنه ينظر إلى المتوسط، ينظر إلى المتوسط. إن شاء ردها وصاعًا من تمر يعني ورد معها صاعًا من تمر في مقابل اللبن الذي تصرف فيه، والخراج بالضمان.
"رواه البخاري هكذا. ولمسلم: «من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام»" ثلاثة أيام قد يقول قائل: إنه في اليوم الثاني يعرف أنه مغشوش، فلماذا يكون له الخيار ثلاثة أيام؟ لأنه قد يكون النقص في اليوم الثاني بسبب تغير المكان، وبسب تغير الطعام، قد يحصل النقص بحيث لا تدر الناقة أو الشاة إذا تغير مكانها، وتغيرت نوعية الطعام، فأيضًا يضاف له يوم ثانٍ وثالث، ثلاثة أيام، «فهو بالخيار ثلاثة أيام فإن ردها رد معها صاعًا من طعام لا سمراء، صاعًا من طعام لا سمراء» يعني لا حنطة، "قال البخاري: والتمر أكثر، والتمر أكثر" يعني وروده في النص وطرق الأخبار الواردة في هذا الباب أكثر، فهو أقوى من الإطلاق الذي هو صاعًا من طعام، التعميم، صاعًا من طعام لا سمراء، ما الفائدة من نفي الحنطة؟
طالب: .........
هي من الطعام، السمراء الحنطة سمراء الشام من الطعام، لماذا استثنيت من الطعام؟
طالب: .........
نعم.
طالب: .................
يعني لأن سعرها مرتفع، ولذلك لما جاءت في عهد معاوية عدلوا الصاع من البر الحجازي بنصف صاع من السمراء سمراء الشام، ولكن هذا اجتهاد من بعض الصحابة، ولو ارتفع ثمنها فالمقصود في الفطرة صدقة الفطر الصاع كاملًا سواء كان من السمراء أو غيره، وهنا ينظر الرفق بجميع الأطراف، والشرع يلاحظ مصلحة البائع، ويلاحظ مصلحة المشتري، وهذا من العدل في الشريعة، من العدل في الشريعة.
قد يقول قائل: هذا الغاش ألا يستحق عقوبة ،فيفوَّت عليه هذا الأمر ولا يُرَدّ معها شيء؟ لأنه قد يدعي أنه غير غاش، وقد يكون بالفعل غير غاش، جمع اللبن في ضرعها يومين وثلاثة؛ ليستفيد منه هو، أو يبيعه دفعة واحدة من غير قصد للبيع، ثم يبدو له أن يبيع فيكون غير غاش، لكن من كان على هذه الصفة فإنه يلزمه البيان، نعم يبين أن يقول: هذا لبن يومين أو ثلاثة وهكذا.
المقصود أنه بهذا ورد النص فلا كلام لأحد؛ لأنه قد يقول القائل: لماذا لا يعاقب وترد من دون شيء؟
الآن الذي يشتري سلعة، يشتري سيارة، ويستعملها أسبوعًا مثلاً، ثم يتبين فيها خلل، يرد معها شيئًا أم لا؟ هو استعملها لمدة أسبوع، يرد معها شيئًا أم ما يرد؟
ما يرد، لماذا؟
لأنه لم يستفد منها، لم يستفد منها نماءً منفصلاً، ما استفاد منها نماءً منفصلًا، لكن لو احتاج الاستبن في هذه السيارة التي فيها عيب، وركبها في سيارة أخرى يرد أم ما يرد؟ يرد بلا شك، فيفرقون بين النماء المتصل والنماء المنفصل.
"قال البخاري: والتمر أكثر.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: من اشترى شاة محفَّلة" التحفيل هو التصرية، "فليرد معها صاعًا، فليرد معها صاعًا" وهذا تقدم في الحديث الذي سبقه، "ورواه البرقاني وزاد: من تمر، وزاد من تمر" رواية من تمر منسوبة للبرقاني، وهي قبل ذلك في الصحيحين، في البخاري ومسلم، الحديث متفق عليه حديث أبي هريرة، لكن الإشارة لرواية البرقاني؛ لأنها زيادة في حديث ابن مسعود، زيادة في حديث ابن مسعود، وليست زيادة في حديث أبي هريرة؛ لأنها ليست زيادة بالنسبة لحديث أبي هريرة، فحديث ابن مسعود حديث آخر غير حديث أبي هريرة، فالتنصيص على هذه الزيادة لا شك أنه في محله، ولو اقتصر المؤلِّف على حديث أبي هريرة، وترك حديث ابن مسعود بزيادته لاسيما وأن الكتاب مختصر، ومؤلف للحفظ، لما احتاج إلى حديث ابن مسعود، إلا أن هناك فرقًا في اللفظ بين التصرية والتحفيل، قال هناك: مصراة، وقال هنا: محفَّلة. قال -رحمه الله-.
هذا قرئ ذا يا شيخ صالح؟
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على صبرة طعام".
الصبرة الطعام المجتمع الكثير وقد يقال له: كُومة يعني كثير، وناقة كَوْماء يعني كبيرة الجسم، فالصبرة هي الطعام المجتمع الكثير.
"على صُبْرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً" أدخل يده فيها يعني في داخلها كأنه وُجِدَت القرائن على وجود مثل هذا الغش، أو أنه أوحي إليه بذلك، الناس لا يعرفون مثل هذا إلا إذا أرادوا نقله من مكانه أو أرادوا كيله فإنه يظهر مثل هذا الخلل، فأدخل يده فيها في الصبرة -عليه الصلاة والسلام- فنالت أصابعه بللاً، فيه رطوبة من الداخل، ولا شك أن الطعام يتأثر من الرطوبة، الطعام مثل التمر يفسد إذا وجدت الرطوبة الزائدة على قدر الحاجة وإلا قد يُمَرّ على الماء بخفة من أجل أن يلين للكنز إذا أرادوا أن يكنزوه مروا عليه بالماء القليل؛ ليلين، أما بالنسبة للبلل ثم يُكنَز أو يخزَّن من غير تنشيف لهذا البلل فلا شك أنه يفتته، وإذا وجد البلل في الحب، في العيش، في القمح، في الشعير، أتلفه؛ لأنه ينبت ثم يتلف العيش.
"فنالت أصابعه بللاً فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟!»" ما هذا؟! ونحن نرى الغش في أسواق المسلمين وبكثرة مع الأسف، تجده يجعل الرديء تحت، والجيد فوق، لكن بمجرد ما ترفع الطبقة الأولى يبين لك الخلل، هذا لا يجوز كما سيأتي.
"قال: أصابته السماء" يعني المطر.
إذا نزل السماء بأرض قوم
|
|
.......................
|
إذا نزل السماء يعني المطر.
إذا نزل السماء بأرض قوم
|
|
رأيناها وإن كانوا غرابا
|
"أصابته السماء يا رسول الله"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أصبح صلى الصبح ذات يوم على إثر سماء كانت من الليل، يعني على إثر مطر، "قال: أصابته السماء يا رسول الله ،، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس»" لماذا؟ لأنه عيب، والمعيب لا بد أن يبين، وكتم العيب سبب لمحق البركة، «أفلا جعلته فوق الطعام؛ كي يراه الناس؟! من غش فليس مني»، وفي بعض الروايات: «من غشنا فليس منا»، وفي بعض الأحاديث الأخرى كذلك، أما في هذا الحديث: «من غش» يعني غيره «فليس مني»، ليس على هديي، وليس على طريقتي، واللفظ لا شك أنه من نصوص الوعيد الذي يرى جمع من سلف الأمة أنه لا يتعرض له بتفسير لأنه أبلغ وأوقع في النفس والتحذير من هذا الفعل الذي هو الغش.
"رواه مسلم" لا شك أن الغش خيانة للطرف الثاني، وإيصال للضرر إليه، وبعض الناس لا يراعي إلا مصلحة نفسه، ويرى أن مثل هذا أوفر لتجارته، لكن أيهما أحسن أن يبيع الصاع بعشرة مع الغش الذي يترتب عليه محق البركة أو يبيع الصاع بخمسة مع الزيادة في البركة وعدم التعرُّض للإثم وعدم التعرض للوعيد الشديد الوارد في مثل هذا الحديث؛ لأن الإنسان يفرح أنه باع سلعته بغلاء، لكن هل تنتفع بهذه القيمة أو لا؟ هنا الشأن.
"رواه مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت.."
مقروء؟
طالب: .........
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الخراج بالضمان، الخراج بالضمان».
هذا الحديث يقول المؤلف -رحمه الله-: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي" يعني رواه الخمسة، "الترمذي حسنه، وصححه أبو الحسن ابن القطان"، والحديث لا يصل إلى التصحيح، إلى درجة الصحة، وفيه كلام كثير لأهل العلم، لكن يصل إلى درجة الحسن، بل الحسن لغيره بطرقه وشواهده ومعناه أنه مقبول، وتُبنى عليه الأحكام، بل جُعِل قاعدة من قواعد الشرع الخراج بالضمان، يعني تستفيد وتربح من السلعة إذا دخلت في ضمانك، وتعرَّضت للخسارة كما تعرَّضت للربح، ولا يطالَب إنسان بأن يدفع شيئًا في مقابل شيء لا يستفيد منه، بل هذا بهذا، والغُنْم مع الغرم، الغنم مع الغرم، وهذه القاعدة عند أهل العلم قاعدة مقرَّرة ومبنية على هذا الحديث، وله ما يشهد له.
المقصود أنه إذا دخلت السلعة في ضمانك فإنك تستحق الربح من ورائه، أما إذا لم تدخل في ضمانك بأن لم تكن الصفقة تامة في وقت الخيار أو ليست عندك السلعة فإنك لا تستحق عليها ربحًا؛ لأنها ليست من ضمانك.
"رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه، وصححه أبو الحسن ابن القطان" يعني الترمذي حسنه، اقتصر على التحسين، مع أن الترمذي في هذا الباب عنده شيء من التساهل حتى قال بعضهم: إنه كل ما يحسنه الترمذي فإنه ضعيف أو فيه ضعف، لكن هذا ليس على إطلاقه، نعم حد الترمذي للحسن يدخل فيه بعض أنواع الضعيف.
وقال الترمذي ما سلم
|
|
من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم
|
بكذب ولم يكن فردًا ورد
|
|
قلت وقد حسن بعض ما انفرد
|
لكن إذا لم يوجد ما يدعمه، وفيه ضعف غير الاتهام بالكذب مع أنه لم يشترط فيه الاتصال، وإنما اشترط فيها انتفاء الشذوذ، وانتفاء اتهام راويه بالكذب، وأن يروى بغير وجه، فإذا حسن بعض ما انفرد وانتفى الاتهام بالكذب مثل هذا لا ينفي الاتهام بدون الكذب، فيبقى في دائرة الضعف.
المقصود أن تحسين الترمذي يحتاج إلى إعادة دراسة، ويحكم عليه بما يليق به، لكن صححه أبو الحسن ابن القطان مع أنه فيه شيئًا من الشدة، يعني متشدد في هذا الباب، فيتعجب الناظر من هذا المتشدد الذي يصحح حديثًا فيه كلام لأهل العلم، والترمذي على سعة خطوه في هذا الباب اقتصر على تحسينه، المقصود أن الحديث حسن صالح للاحتجاج.
نعم.
"بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله-: باب الخيار في البيع:
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا، أو يخيِّر أحدهما الآخر فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع»، متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله»، رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، وللدارقطني «حتى يتفرقا من مكانهما»."
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب الخيار" في البيع باب تقدم معناه وإعرابه في مناسبات كثيرة في هذا الكتاب وفي غيره، وباب مضاف، والخيار مضاف إليه، وهو طلب خير الأمرين، الخيار طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه.
باب الخيار في البيع قال -رحمه الله-: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا تبايع الرجلان، إذا تبايع الرجلان»" ومثله المرأتان أو الرجل مع امرأة وامرأة مع رجل فيما لا يدخل في حيز الممنوع شرعًا، المقصود أن "الرجلان" بناء على الغالب، وأن البيع والشراء هو في الأصل بالرجال، وأما بالنسبة للنساء فوظيفتهن القرار في البيوت، كما أمر الله- جل وعلا- بقوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [سورة الأحزاب:33]، والذي يتولى البيع والشراء هم الرجال، لكن لو وقع البيع بين امرأتين فإن الحكم واحد.
«فكل واحد منهم بالخيار» إلى متى؟ «ما لم يتفرقا» يعني ماداما في مجلس العقد ماداما في مجلس العقد، «ما لم يتفرقا» يعني بالأبدان، وهذا ظاهر في اللفظ، وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية وكثير من سلف الأمة وعلمائها يرون أن التفرق هنا بالأبدان، ومن أهل العلم كمالك وأبي حنيفة من يرى أنه تفرق بالأقوال، كيف يكون التفرق بالأبدان؟ وكيف يكون التفرق بالأقوال؟ التفرق بالأبدان إذا كانوا في مكان واحد في غرفة واحدة أو في مجلس واحد، وقام أحدهما وخرج من المكان حصل التفرق، ولزم البيع، وهذا ما يُعرَف بخيار المجلس ماداما مجتمعَين في هذا المكان لم يغادر أحدهما الآخر فإنهما بالخيار، ويؤيده صنيع ابن عمر الراوي، والراوي أعلم بما روى من حيث المعنى أنه إذا تبايع مع أحد قام وخرج؛ ليلزم البيع، لكن يأتي في حديث عبد الله بن عمرو: ولا يحل له أن يفارقه؛ خشية أن يستقيله، فلعل مثل هذا لم يبلغ ابن عمر، وهو الصحابي المقتدي المؤتسي الحريص على إبراء ذمته- رضي الله عنه وأرضاه-، فهو يصنع التفرق ببدنه، وفعله بيان للحديث، وكونه لا يحل كأن ابن عمر لم يبلغه خبر عبد الله بن عمرو، يقولون: ما لم يتفرقا.
والقول الثاني في المسألة، وهو قول أبي حنيفة ومالك: ما لم يتفرقا بالأقوال، يعني ما لم يتم الإيجاب والقبول، لكن قبل أن يتم الإيجاب والقبول هل يمكن أن يقال: تبايعا؟ ما يمكن أن يقال: تبايعا، غريب جدًّا أن يخرج الإمام مالك هذا الحديث ويحمله على هذا التأويل، ولذا قال ابن أبي ذئب كلمته القوية في حق الإمام مالك أنه ينبغي أن يستتاب مالك، يخرِّج هذا الحديث ويعرف هذا الحديث ولا يعمل به؟ كأن القول الثاني لا شيء وإلا لو كان القول معتبَرًا، واللفظ يحتمِل ما قيل مثل هذا الكلام في حق إمام دار الهجرة نجم السنن- رحمه الله-، ما لم يتفرقا واضح أن التفرق بالأبدان، وكانا جميعًا، أما التفرق بالأقوال فلا يسمى بيعًا قبل لزومه بالإيجاب والقبول، ما يسمى بيعًا إلا إذا حصل الإيجاب والقبول، أما قبله فيسمى سَوْمًا، وما فيه شيء ملزِم ليحتاج إلى التفرق، ما فيه ما يدعو إلى التفرق؛ لأنه ما تم البيع يكون فيه يترتب عليه خيار.
«وكانا جميعًا» يعني في هذا المكان، «أو يخيِّر أحدهما الآخر، أو يخيِّر أحدهما الآخر، فإن تخيَّر أحدهما الآخر وتبايعا على ذلك فقد وجب البيع»، يعني إذا قال: بعتك هذه السلعة بمائة، فقال: قبلت، قال أحدهما للآخر: ما فيه خيار مجلس، إذا قال مثل هذا الكلام وجب البيع أو طلب خيارًا مدة زائدة على ما يقتضيه خيار المجلس، على أن يكون لي الخيار ثلاثة أيام، الذي هو خيار الشرط؟ لهم ذلك.
«ما لم يتفرقا وكانا جميعًا أو يخيِّر أحدهما الآخر فإن خيَّر أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع»، يعني إذا أبطل أحدهما خيار المجلس وقال: يلزم البيع من الإيجاب والقبول، وليس لك خيار مجلس وقبِل الثاني وجب البيع، ولزم في حقه، أو طلب مدة خيار تزيد على مدة المكث في المجلس فإن له ذلك، وهذا ما يعرف عند أهل العلم بخيار الشرط.
«وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع»، خلاص إذا حصل التفرق بالأبدان من مجلس العقد فإنه حينئذ يجب البيع، ولا يجوز لأحدهما أن يتحايل على إبطال العقد إلا برضا صاحبه؛ لأن بعض الناس يرى أنه إذا وجب البيع بالإيجاب والقبول وما دفع الثمن كأنه يرى أن نفسه في حِلّ إن شاء دفع الثمن، وإن شاء ترك البيع، لا، ليس في حل البيع إيجاب وقبول، ومقتضى البيع أن ينتقل الثمن من المشتري إلى البائع، والمثمن من البائع إلى المشتري، ولا يفسخ إلا برضا الطرفين، بعض الناس يشتري إيجابًا وقبولًا سيارة بخمسين ألفًا، ثم يتفرقان وما أعطاه شيئًا من الثمن، ولا أخذ السلعة، ما أخذ السيارة في المعرض حتى يأتي بقيمتها، ذهب إلى معرض آخر فوجد أفضل منها بأربعين ألفًا يقول: الحمد لله أني ما أعطيته الثمن، لا، لزمك البيع، وإذا لم يحصل إقالة من البائع فإنه لا يجوز لك ويلزمك شرعًا أن تدفع القيمة وتأخذ السيارة، لكن الحل في الإقالة إذا أقاله البائع فلا مانع، أما أن يبطل البيع من جهة واحدة وقد لزم بالإيجاب والقبول فهذا ليس له، وله أن يطالبه عند الحاكم ويحكم له الحاكم إذا ثبت ذلك بالبينة ولو لم يدفع الثمن يُلزَم بدفع الثمن.
بعض الناس ما يعرف أنه آثم في مثل هذه الصورة، ما يعرف أنه آثم في مثل هذه الصورة، المقصود أنه إذا تبايعا تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهم البيع فقد وجب البيع، لزِم الطرفين؛ لأن البيع عقد لازِم، عقد لازم، ما هو عقد جائز لكل واحد منهما فسخه، لا، عقد لازم لا يجوز لأحدهما فسخه إلا برضا الآخر، والعقد يتم بالإيجاب والقبول، يقول. الحمد لله، والله ما بعد قلبنا الاستمارة نقلنا الملكية، أو ما بعد أفرغنا الأرض نحن مازلنا في سعة، لا، لست في سعة إذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع، وليس لك مناص ومفر من أخذ السلعة بقيمتها إلا بالإقالة، إذا طلبت الإقالة من البائع، ورضي بذلك فله أجره عند الله، وأنت حينئذ في حل، أما إذا لم يرضَ بالإقالة يلزمك أخذها.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال".. عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، الراوي عمرو عن أبيه شعيب، عن جده محمد أم عبد الله بن عمرو، عبد الله بن عمرو كما جاء ذلك في بعض الأحاديث مصرَّحًا به عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، والاختلاف في الضمائر وفي عودها على الجد الأول أو الثاني معروف بين أهل العلم، ولذا يختلفون في الاحتجاج بهذه النسخة، هي نسخة فيها أحاديث كثيرة تروى بهذا الإسناد، والخلاف في عَود الضمير في جده هل هو يعود إلى جد عمرو فيكون محمدًا، ومحمد تابعي فيكون الخبر مرسلاً، أو يكون الضمير في جده جد شعيب، وهو عبد الله بن عمرو فيكون الإسناد متصلاً إلا ما يذكر من أن شعيبًا لم يسمع من جده عبد الله بن عمرو، لكن الصواب أنه سمع منه، ولذا القول المرجح عند أهل العلم في الاحتجاج بهذه النسخة أنه يحتج بها، فيكون ما روي بواسطتها من قبيل الحسن إذا صح السند إلى عمرو، إذا صح السند إلى عمرو.
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «البائع والمبتاع، البائع والمبتاع»" الذي هو المشتري، «بالخيار حتى يتفرقا» من مكان البيع الذي هو مجلس الخيار، مجلس البيع العقد حتى يتفرقا بأبدانهما كما تقدم في الحديث الذي قبله، «إلا أن تكون صفقة خيار، صفقة خيار» يعني خيار شرط، صفقة خيار يعني خيار شرط، بأن يبطل أحدهما خيار المجلس أو أن يبطلا كلاهما خيار المجلس، فيثبت البيع أو يزيدا في الخيار أيامًا على خيار المجلس.
«إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه؛ خشية أن يستقيله»، لا يحل للبائع أو المشتري أن يخرج من المجلس؛ خشية أن يستقيله الطرف الثاني، لكن إذا طرأ له طارئ، احتاج دورة مياه مثلاً، وخرج من المجلس، وراح للدورة، ثبت البيع، لكن ما قصده أن يُبطِل خيار صاحبه، خشية أن يستقيله أو يحتاج إلى أن يخرج، عنده شغل أو موعد وانتهى المقصود وأراد أن يخرج من هذا المجلس قبل أن يستقيله فله ذلك إلا إذا كان مراده من هذا الخروج خشية أن يستقيله فيبطل حقه في الخيار، فإنه لا يحل له، وماذا عن فعل عبد الله بن عمر راوي الحديث السابق كان يخرج من المجلس؛ من أجل أن يثبت البيع؟ فلعله لم يبلغه هذا الحديث وإلا فالمعروف أن ابن عمر صاحب تحرٍّ.
"رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، وللدارقطني: «حتى يتفرقا من مكانهما»" حتى يتفرقا من مكانهما، وهذه رواية مفسِّرة، وإن كانت الروايات الأخرى ظاهرة وواضحة، والمعنى يقتضيها ويستدعيها، لكن هذه نص في الموضوع، وأن التفرق بالأبدان من المكان الذي حصل فيه العقد.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.