الأشاعرة عندهم أن كلام الله واحد لا يتغيَّر، لكن إن عُبر عنه بالعربيةِ صار قرآنًا، وإن عُبر عنه بالعبرانية صار توراةً، وإن عُبر عنه بالسريانيَّة صار إنجيلًا.
ومُقتضى هذا أن كلَّ ما يُوجد في القرآن يُوجد في التوراةِ والإنجيلِ؛ إلا أن اللُّغات تختلف، فلو تُرجمت التَّوراة إلى العربية صارت مصحفًا مثل ما بأيدينا، والعكس، فلو تُرجم القرآن إلى العبرانيَّة أو السريانيَّة صار توراةً أو إنجيلًا.
وهذا كلامٌ لا يُمكن أن يوافقَ عليه عاقلٌ؛ للأسبابِ الآتيةِ:
- أن حقيقةَ ما في الكتبِ الثلاثة يختلف.
- أن ورقة بن نَوفل كان يقرأ الكتبَ السابقةَ من التوراةِ والإنجيلِ ويُترجمها وينقُلها إلى العربية، ولما نزلت سورة العلق على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقصَّ عليه القصَّة، ذكر ورقة عن المَلَك أنَّه هو الناموس الذي أُنزل على موسى عليه السلام [البخاري (3)، ومسلم (160)]، ولم يقل: إن سورة العلق معروفةٌ عندنا، وكنا نقرؤها في التوراة أو الإنجيل.
- أنه ليس في التوراة والإنجيل سورة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، أو سورة المسد.
- أنه لا يُتصور أن يقول عاقلٌ: إن الآيات التي نزلت لوقائع حصَلت لهذه الأمة لأناسٍ بأعيانهم، أو التي نزَلت بسبب حوادث لبعضِ الصحابةِ؛ هي موجودة بأعيانها في التوراةِ والإنجيلِ إلا أنها بلغاتٍ أخرى؛ بحيث لو ترجمناها بالعبرانيَّة أو السريانيَّة وجدناها في التوراةِ أو الإنجيلِ؛ كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]. وكذا الآيات التي نزلت في قصَّة المجادلة في الظِّهار. فتكون قد نزلت على موسى بلغته، وعلى عيسى بلغته، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم بلغته.
- وأوضح من هذا أنه يقال: ما الفائدة من نزول القرآن إذا كان ما فيه موجودًا في الإنجيل؟! ولماذا ينزل الإنجيل وما فيه موجود في التوراة؟! فإذا كان جميعُ ما في القرآن موجودًا في الإنجيل والتَّوراة والعكس، فإنه لا يبقى لنسخِ الشرائعِ قيمةٌ. ومعناه أيضًا: أن الناسخَ والمنسوخَ في شرعنا موجودٌ ناسخٌ ومنسوخٌ مثلُه في شرائعهم.