مسألة اختلاف المطالع، وهي: لو رؤي الهلال في دولة معينة هل يلزم بهذه الرؤية صيام المسلمين جميعًا أو يلزم من في البلد الذي رؤي فيه الهلال وتبقى بقية البلدان على حسب مطالعها ورؤيتها؟
قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته» ليس خاصًّا بأهل المدينة، وإنما يتجه لكل من يتصور منه الإجابة، فالأصل أن الخطاب للأمة كلها، وعلى هذا إذا رؤي الهلال في أي بلد من بلدان المسلمين فإنه يلزم جميع المسلمين في شرق الأرض وغربها الصوم؛ لأن الخطاب موجه إليهم، ولا يوجد ما يخرج بعضهم من عموم هذا الخطاب، ولكون هذا أضبط للناس، وأصون لصيامهم، فلا يترك الأمر لاجتهادات البلدان، بمعنى: أن هؤلاء يصومون يوم الخميس، وهؤلاء يصومون يوم الجمعة، وهؤلاء يصومون يوم السبت، ويفطرون قبلهم بيوم أو يومين، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو المعروف عند الحنابلة.
ومن أهل العلم من يرى اختلاف المطالع، وأنه إذا رؤي الهلال في بلد فلا يلزم غيرهم الصيام، إلا من كان على سمتها واتحد مطلعه معها، ويستدلون على ذلك بحديث ابن عباس المخرج في مسلم، وهو أن كُرَيبًا قدم المدينة من الشام، فرأى أهل الشام الهلال في الجمعة، وأهل المدينة ما رأوه إلا يوم السبت فقال كريب: «إن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال: فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال فقلت: رأيناه ليلة الجمعة فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أوَ لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» [مسلم (1087)]، فلم يفطر أهل المدينة بفطر أهل الشام المبني على رؤيتهم، وإنما أكملوا رمضان ثلاثين يومًا، والحديث صحيح، ومرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث لا يدل صراحة على اعتبار اختلاف المطالع، ولذا قد يستغرب بعضهم من وجود بعض المفتين ممن عرف عنهم اتباع السنة يفتي بخلاف هذا الحديث رغم صحته، لكن من يتأمل يجد أن الحديث لا يدل على القول باعتبار اختلاف المطالع؛ لأن قول ابن عباس: «هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» يحتمل أمرين:
الأول: أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم باعتبار اختلاف المطالع.
الثاني: أن ابن عباس رضي الله عنهما فهم من حديث: «صوموا لرؤيته» الدلالة على اختلاف المطالع، وحينئذ يكون هذا الفهم اجتهادًا منه، وللاجتهاد في مثل هذا مجال، فمن اجتهد وقال بعدم اعتبار اختلاف المطالع فله سلف، ودلالة الحديث واضحة، ومن اجتهد وقال باعتبار اختلاف المطالع فله سلف، ودلالة خبر ابن عباس عليه أوضح.
قد يقول قائل: إن فهم الصحابي مقدم على فهم غيره، فيقال: هذا هو الأصل، لكن هذا لا يعني أن فهم الصحابي أو فهم الراوي ملزم لغيره، وعليه يدل حديث: «رب مبلغ أوعى من سامع» [البخاري (1747)]، فهذه المسألة من الدقائق في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.