عندما امتنع من امتنع من دفع الزكاة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، اختلف الصحابة في شأنهم وفي قتالهم، حتى قال من قال كعمر-رضي الله عنه-: "كيف تقاتل من يقول: لا إله إلا الله"؟، فقال أبو بكر: "والله لأُقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليها".
فهذا الاستدلال من أبي بكر -رضي الله عنه- على قتالهم بأنهم فرقوا بين الأختين، فالصلاة لا تكاد تذكر إلا ويذكر معها الزكاة، فاستدلاله بهذا، يدل على أنه لا يحفظ حديث ابن عمر ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)) أو أنه نسيه أو لم يبلغه، وإلا فالحديث صريح على قتال مانع الزكاة: ((أمرت أن أقاتل)). فلو كان هذا الحديث حاضرًا عنده، أو بلغه لقال: قتالهم منصوص عليه في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة)).
وهذا يدل على أنه قد يخفى على الكبير ما يعرفه الصغير، فأبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها - عليه الصلاة والسلام - ومع ذلك لم يحفظ هذا الحديث وابن عمر -رضي الله عنهما- حفظ.
وعمر - رضي الله تعالى عنه - الذي يلي أبا بكر في المنزلة خفي عليه حديث الاستئذان، الذي حفظه أبو موسى، وأبو سعيد من صغار الصحابة، هذا لا يعني: أن الإنسان إذا كان كبيراً في قدره، وفي علمه، وفي دينيه، أنه يكون أعلم من غيره مطلقاً، حتى لو قرر أن فلاناً أعلم من فلان، فهذا تفضيل جُمْلي، لا تفصيلي، فقد يكون عند المفضول ما ليس عند الفاضل -كما هنا-، فكون ابن عمر عنده هذا النص، ولم يستشهد به ولم يستدل به أبو بكر دليل على أنه لم يستحضر، إما نسياناً، أو لعدم بلوغه إياه.
ولهذا لا يُقال: "إن العالم لا يُنكر عليه، ولا يُنصح، وهو أعرف منا"، هذه كثير من العوام يحتجون بها، إذا اُستدل على حكم بحديث صحيح قال: "الإمام أحمد أعرف منا بالحديث". لا، لا يلزم قد يخفى عليه الحديث، وقد يفهم من الحديث ما لا يفهمه غيره، وقد يكون فهم غيره أرجح من فهمه، كما في الحديث: ((ورب مبلغ أوعى من سامع))، وسليمان -عليه السلام - استمع إلى الهدهد واستفاد منه، ودخل بسببه الإسلام أمة.
على كل حال من علم ومن حفظ حجةٌ على من لم يحفظ.