الناس مشتق من أي شيء؟ من ناسَ وإلا من أنِسَ؟
الرازي يقول: لا يجب في كل لفظ أن يكون مشتقا من شيء آخر وإلا لزم التسلسل. يعني إذا قلنا هذا اللفظ مشتق من كذا إذًا اللفظ المشتق منه مشتق من أي شيء وهكذا، وعلى هذا يقول: فلا حاجة إلى جعل لفظ الإنسان مشتقًا من شيء آخر.
أما الطبري وهو إمام المفسرين فيقول: {وَمِنَ الْنَّاسِ} في الناس وجهان أحدهما: أن يكون جمعًا لا واحد له من لفظه وإنما واحدهم إنسان وواحدتهم إنسانة.
ثانيهما: أن يكون أصله أُناس أُسقطت الهمزة لكثرت الكلام بها ثم أدخلت الألف واللام أصله أُناس ليكون الإنسان واحد الأُناس فأسقطت الهمزة لكثرت الاستعمال وأدخلت (أل) التعريفية على ناس بعد إسقاط الهمزة فصارت الناس.
والقرطبي يرى أن الناس مأخوذ من النَّوْس وهو الحركة، يقال ناسَ ينُوس أي تحرك وما زالت هذه اللفظة مستعملة إذا قيل ينوسون معناه يتحركون.
منهم من يرى أن الناس بعد جعلهم جمعًا لإنسان وهذا على ما تقدم بعد حذف الهمزة، يرى أن سبب التسمية بإنسان النسيان ولذا يروى عن ابن عباس -رضي الله عنهما- نسي آدم عهدَ الله فسمي إنسانًا، وفي التنزيل: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ} [سورة طه:115] وقيل: سمي إنسانًا لأُنسه بحواء، وقيل: لأنسه بربه، وفي تفسير الرازي: يقول سمي إنسانًا لأنه يؤنس ومعنى يؤنس أي يبصر، ومنه قوله تعالى: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الْطُّورِ نَارًا} [سورة القصص:29].
هذا ليس مختصًا به، يلزم عليه أن يكون جميع من اتصف بهذا الوصف من إنسان من حيوان وغيره، وقد يكون مراده لأنه يؤنَس أي يبصَر ويكون ذلك في مقابل الجن لاجتنانهم واختفائهم عن الأبصار، فيكون الإنس ما يؤنَس ويبصَر والجن ما يخفى ويجتن عن الأبصار، إذا قيل: هذا إنسي حيوانٌ إنسي، يعني إذا قيل حمار وحش وحمار أهلي أو إنسي هذا مقابل التوحش التأنس معنى سمي بذلك لأنه يألف الإنس ويألفونه، فسمي بذلك لا لأنه صار إنسيًّا كما هو معروف.
القرطبي ينقل عن بعض الصوفية يقول: الناس اسم جنس واسم الجنس لا يخاطب به الأولياء. يعني لأنهم خواص وعامة الناس يقال لهم ناس، لكن هذا الكلام لا قيمة له، فالأولياء بل الأنبياء من الإنس.