المفهوم يقابله المنطوق، والمنطوق هو الأصل، فهو: «دلالة اللفظ في محل نطقه»، وأما المفهوم فهو: «دلالة اللفظ لا في محل نطقه»، فيحتاج إلى ذكره؛ لأنه خلاف الأصل، والأصل دلالة اللفظ على معناه الأصلي.
والمفهوم ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: مفهوم الموافقة، وهو الذي يوافق حكمُه حكمَ المنطوق، مثاله: «أُفٍّ» في قوله تعالى: {ولا تقل لهما أف}، فمفهوم الموافقة فيه النهي عما هو أشد من هذا القول كالسب أو الشتم فضلا عن الضرب أو القتل، فالدلالة هنا من باب أولى، وليس لهذا النهي مفهوم مخالفة، لأنه لو كان كذلك لقلنا: إن ما دون التأفيف حلال، لكنه لا يتصور وجود شيء أقل من التأفيف؛ لأنه لا يسمع من التأفيف إلا حرف الفاء والهمزة، لكن الذي يسمع في الغالب الفاء، والذي دونه لا يسمع منه شيء، وهو حديث النفس، وهو معفوٌّ عنه ولا شيء فيه.
والقسم الثاني: مفهوم المخالفة، وهو أن يكون حكم المفهوم مخالفًا لحكم المنطوق، وينقسم مفهوم المخالفة على أقسام: مفهوم الوصف، ومفهوم الشرط، ومفهوم الغاية، ومفهوم العدد.
فقوله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] هذا وصف، الوصف بالفسق له مفهوم مخالفة، وهو أنه إن كان عدلًا ليس بفاسق فإننا لا نحتاج إلى التبين والتثبت، قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} [الطلاق: 2] وقال: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} [البقرة: 282]، فإذا انتفى الوصف الذي هو الفسق انتفى حكمه، من باب الاستدلال بالمفهوم.
وقوله تعالى: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 6] أي: أن النفقة مشروطة بوجود الحمل، وعلى هذا اتفق أهل العلم، ومفهومه أنه إذا لم تكن ذات حمل فلا نفقة لها؛ لأن النفقة مشروطة بوجود الحمل، وهذا يصلح لمفهوم الشرط ومفهوم الغاية.
وهناك غاية لا يدركها معظم الناس، فعندنا الجزية حكم شرعي لكنها مغياة بغاية، وهي نزول المسيح حيث يضع الجزية، فالحكم سارٍ إلى نزول المسيح.
ومثال مفهوم العدد حد الفرية الوارد في قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] أي: بلا زيادة ولا نقصان، فلا يجوز أن نجعلها إحدى وثمانين، أو تسعًا وسبعين، وكذلك الحال في حد زنا البكر، وغيرها مما قدره الشارع بعدد معلوم.